اخر الروايات

رواية وبالحب اهتديت كامله وحصريه بقلم سلمي خالد

رواية وبالحب اهتديت كامله وحصريه بقلم سلمي خالد


وبالحُبِ اهتديت

» هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»

سلمى خالد إبراهيم

فصل تمهيدي

( فِقْدَانُ أَحْمَدْ وَذَاكِرَةٌ..!)

تنتقل أرواحٌ لعالم آخر لأشخاصٍ مقربون لنا، تترتب الأقدار وحدها كي تنتهي سطور حياتهم ولكن نظن أن ليس للوفاة سبب سوانا، فيصبح هذا كابوسنا لا نستطيع أن نجاري الحياة كما ينبغي بعدها، بل يتوقف العقل عند لحظة واحدة تصبح محور حياة جديدة ولكن ما هي ماهية تلك الحياة لا يعلمها أحد!

بغرفةٌ بيضاء داخل مشفى حكومية، تدلف أشعة الشمس برشاقةٍ من النوافذ، تداعب جفون النائمين، تحثهم على النهوض واستكمل تلك الحياة، فلا يأس معها ولابُد من الاستمرار والسعي، داعبت هذه الأشعة جفون فتاة في منتصف العشرينيات من عمرها، تنام على فراشٍ صغير، تتشنج معالم وجهها بألمٍ، تعلن عن رفض ما يهاجم احلامها ويؤرق نومتها، انتفضت من الفراش تصرخ باسم واحد:

_ أحـــــمد.

نظرت حولها بتشتت، تتأمل ما حولها بأعينٍ زائغة، جبينها المتصبب عرقًا من خوفها الشديد، اضطربت انفاسها متذكرة جسده الملقى على الأرض وسط دماء غزيرة، تعلم أنها من قتلته، نعم قتلت خطيبها بسيارتها، ارتجف جسدها بالكامل، تنظر حولها بشهقات تحاول كتمها، نهضت من مكانها تسير بخطواتٍ مترنحة، حتى خرجت من غرفتها، ولكن قبل أن تبتعد عن الباب استمعت لصوت الشرطي ومعه الطبيب يردد بدهشة:

_ آنسة فاطمة استني!

تملك منها الذعر، تنظر لهما بخوفٍ شديد، ثم بدأت بالركض بطرقة طويلة، استدارت تنظر خلفها لتجد لايزال الشرطي خلفها ومعه طبيب المسؤول عن حالتها، ولكن ما كادت أن تلف حتى دوّت صرخة عنيفة عالية بالمشفى بأكملها، بعد سقوط فاطمة من الدرج عالي بأكمله، ظل جسدها يتدحرج من درجات المشفى إلى أن استقر بنهايته، ولكن وجهها مغطى بالدماء بأكمله.

اتسعت عين الشرطي والطبيب معًا، واسرع الطبيب بالنداء الممرضات ليساعده على حملها وعلاج جرحها.

***********

:_ يقين يلا يا حبيبتي عشان نروح لفاطمة المستشفى قبل ما تفوق.

قالتها «ناهد» والدة فاطمة بعدما اغلقت حقيبتها، في حين أتت لها يقين تتمتم بحزنٍ يلتهم معالمها ليخفي جمالها:

_ طب وملك يا ماما هنسبها لوحدها؟

نفت ناهد برأسها، تجيبها سريعًا بهدوءٍ:

_ لاء متقلقيش.. منال جارتي هتاخدها بس عندها مسافة ما أروح اطمن على فاطمة واجيبها.

نظرت لها يقين برجاءٍ متمتمة:

_ طب عشان خاطري يا ماما خلينا نروح نجيبها أحسن.

احتدت نظرة ناهد لها، تغمغم بكلماتٍ متعصبة:

_ اجيبها فين أنتِ بتستعبطي! أختك لو سمعت صوت عربية الاسعاف ولا البوكس مش هعرف اسيطر عليها برة وأنا اصلا مش حمل اتنين كفاية عليا واحدة.

تنهدت يقين بحزنٍ، فلا ترغب بترك ملك وحيدة ولكن الآن فاطمة بأشد الحاجة لهما، خرجت مع والدتها تغلق باب الشقة بتلك العمارة الموجودة بحي متوسط الحال ليس بعشوائي أو من ذي طبقة عالية، دلفت يقين وناهد للسيارة التي طلبتها عبر برنامج خاص، ثم انطلق بها للمشفى التي بها فاطمة.

***********

( آسفة أوي يا غفران بس مقدرش أكمل مع واحد عنده نقص وعايزني أكمله)

ازدادت حدة نظراته كلما ترددت تلك الجُملة بمسمعه، لتصبح عينيه كعيني صقر جارح ستنقض على أحدهم، يتأمل ذلك العكاز الذي يتكأ عليه بمشيه، تزحف بسمة ساخرة على حياته التي انقلبت رأسًا على عقب بعد حادث ما، أغمض عينيه يرى ذاته غارق في الدماء صوت صراخ شقيقه وابيه وجده وهم يروه بهذا المشهد المخيف.

ازدادت قبضته قوة، ممسكًا بذلك العكاز يتكأ عليه بتلك العرجة القوية الموجودة بقدمه، يمسك بمقبض الباب كي يفتحه، يهمس بداخله شيء واحد:

_ سأنتقم من أي امرأة ..فأن وقعت أمامي أي واحدة من جنس حواء سأنقض عليها حتى انتزع منها روحها لتعيش جسد بلا روح كما هو حالي.

ظل يسير بتلك العرجة الواضحة عليه حتى وصل إلى الردهة، لتفاجئ خليل والده وأخيه عامر به، ابتسم عامر ببلاهة متمتمًا:

_ غفغوفي خلاص خرج من الشرنقة بتاعته.. ياخراشي على الفر..

صمت فجأة يشعر بارتباك من نظرات غفران الحادة القاتمة، في حين تأمل خليل ابنه وملامحه التي تبدل حالها تمامًا، ليردد بغموض:

_ دي أول مرة تخرج من اوضتك بدون ما نقولك من اربع سنين.

ابتسم غفران بسخطٍ، يجيبه كي ينتهي من قلق والده المغلف بغموض:

_ أنت عارف أنا خارج ليه! بس هريحك واقولها علطول.. خارج أشوف حياتي من تاني بعد ما دفنتها اربع سنين.

تأمل خليل ملامح ابنه بقلقٍ، فلم يكن غفران هكذا، كان مريحًا أكثر من الآن يبتسم دون صعوبة، ولكن الآن فهو صلب.. حاد.. شرس.. عنيف.. أصبح وحشًا جديد غير الذي كان عليه، اربع سنوات كافلة بتغير شخصيته كاملةً، تمتم خليل بقلق:

_ غفران أوعى تعمل حاجة في بنت خالك.

ضحك غفران بشدة، وكأنه أُصيب بنوبة ضحك، ليتعجب كلًا من خليل وعامر شقيقه الأصغر بالعام الثاني بدراسته في الثانوية عامة، ولكن تحولت ضحكته إلى أخرى ساخرة بشدة، يجيبه من بينها بكلماتٍ مخيفة:

_ بنت خالي ماتت من حياتي بس لو لمحت طيفها معدي حياتها كلها هتبقى... ولا بلاش اقولك خليكم تتفاجؤوا

تأمل غفران قلق والده الظاهر وأخيه، ثم استرسل بسخرية:

_ بس اطمن جنس حواء كله هيبقى تحت جزمتي وبالأخص رجلي العرجة.

تمسك غفران بعكازه وانطلق به خارج منزل جبران الأكبر، يتخطى بوابة منزله ليذهب إلى أرضه التي ورثها عن والدته، يقف بها ولكن لم يتوقف عقله عن اختراع طرق متنوعة من الانتقام من حواء.

***********

:_ ألحق يا بابا ابنك هينفخ النسوان اللي في القرية.

قالها عامر يتأمل الباب الذي غادر منه غفران، ليضرب خليل على مؤخرة رأسه عامر بغيظٍ، يردد بغضب:

_ اسمها نسوان يا عديم الذوق.

صرخ عامر بألم، يضع يده مكان الصفعة، يردد بضيق:

_ آآآآه يا بابا في ايه.. اهو أي نون نسوة هتعدي على ابنك هيشلفطها.

تبدلت ملامح خليل بقلق مرددًا:

_ اهو دا اللي أنا خايف منه... غفران اتغير خالص متخيلتش أن بعد سكوته اربع سنين يخرج كده.

ابتسم عامر بسخرية، يبادله الحديث بسخط:

_ البركة في هناء بنت خالي واللي المفروض خطيبته.. عيرته بالإعاقة وذلته بحبه ليها وكمان سافرت في نفس اليوم مهنش عليها تفضل معاه حتى لما يخف.

جلس خليل بتعبٍ مرددًا:

_ أنا مش عارف اعمل إيه!

قاطع حديثهم دلوف جبران شقيقهم الأوسط يصغر غفران بعامٍ واحد، ازداد السخط على معالم عامر، يهتف بسخرية:

_ اهو ابنك التاني ابو روشة جه وهيكفر سيئاتنا دلوقتى.

رفع خليل وجهه، ليتطلع نحو ابنه يشعر بحزنٍ على حالهم، يرى جبران وهو يدلف إلى غرفته سريعًا فهو لا يحب البقاء بمكانٍ أخر غير غرفته، وأن حرك أحدهم شيء من غرفته يجن جنونه ويصبح مثل أسد شرس يقتل من يقع بطريقه.

حمل عامر حقيبته متمتمًا بمللٍ:

_ أنا ماشي يا حج عشان اللي بيقعد في البيت دا بيجيله اكتئاب وجفاف خلينا في المزز بتوع المدرسة اللي جنبنا.

اتسعت عين خليل بصدمةٍ، ليكمل عامر بتبجح:

_ أيوة.. أنا بتفرج على مزز المدرسة اللي جنبنا عشان قولتلك اتجوز وهات نتاية في البيت وأنت مش عايز.. عاجبك أوي وش عيالك.

نزع خليل حذاؤه سريعًا ثم قذفه على عامر الذي تلقه بمنتصف وجهه يشعر بألم، ليقع على الأرض يفترشها، يمسك بأنفه سريعًا يتأكد من عدم وجود دماء، نظر بيده فلم يجد دماء ليزفر براحة، ثم قال بضجر:

_ ايه يا بابا الهزار التقيل دا.. أنا بهزر.. دا على اساس بنات اليومين دول بنات مش تحسهم جاين من ورا الجاموسة.

كاد خليل أن ينزع حذاؤه الثاني ولكنه أسرع عامر متمتمًا بذعر:

_ خلاص والله.. مفيش مدارس حوليا غير ابتدائي اصلا وكي جي يعني أكيد مش هبص لبنات.. دا جدي يعلقني على مدخل القرية ويخليني عبرة للداخل واللي خارج.

زفر خليل بضيق، يردد بغضب:

_ غور من وشي عشان مش ناقصة وشك.

نهض عامر من الأرض، يبرطم بغيظ:

_ هو حد يطول وش قمر زي في البيت.. بكرة اتجوز وتجروا ورايا كده عشان أبات ليلة.

***********

:_ يعني ايه وقعت من على السلم! والممرضين فين؟

قالتها ناهد بعصبية مفرطة بعدما دلفت ورأت وجه ابنتها المتورم، ورأسها الملفوف بشاش، لتترك يقين معها وتخرج لطبيب سريعًا، اجابها الطبيب بهدوءٍ:

_ يا مدام بنتك أول لما شافتنا جريت مش عارف ليه، ولما حاولنا نوقفها أنا وحضرة الظابط عشان نلحقها كانت هي مستمرة في الجري ووقعت من على السلم و ملحقنهاش.

كادت ناهد أن تتحدث، ولكن صرخة يقين لها جعلتها تركض نحو الغرفة مجددًا بقلقٍ ومعها الطبيب المسؤول، فوجدوا فاطمة تجلس على الفراش تنظر لهم بقليلٍ من التشويش، رددت ناهد بتعجب ممزوج بقلق:

_ في إيه يا يقين؟!

نظرت لها يقين بأعينٍ مدمعة، ثم عادت بنظرها إلى فاطمة التي وضعت يدها على رأسها بألمٍ، تأن بشكل واضح، تردف بتشويش:

_ الاسم دا أنا عرفاه.. أنا شوفتكم فين قبل كده!

اتسعت عين ناهد بصدمةٍ، في حين أغمض الطبيب عينيه بضيقٍ فمن الواضح أن فاطمة حالة ليست عادية ولن يمر الأمر بسهولة!

يتبع.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close