رواية زهور تنمو في الظلام كاملة وحصرية بقلم ايات خلف
الفصل الأول: بدايات في الظلام
كانت ريماس تجلس على حافة سريرها الخشبي البسيط، في غرفتها الصغيرة التي بالكاد تحتوي على خزانة ملابس ومكتب قديم. ضوء المصباح الخافت يُلقي بظلال طويلة على الجدران، بينما كانت يدها تمسك بدفتر أحلامها، ذلك الدفتر الذي يحتوي على رسومات وشعارات تخص الشرطة، وملاحظات عن القضايا التي لطالما قرأت عنها في الأخبار.
منذ طفولتها، كان حلمها أن ترتدي الزي الرسمي، أن تحمل شارة المسؤولية، وأن تقف في وجه الظلم. لكن في هذا البيت، الأحلام لم تكن مرحبًا بها.
"ريماس! كم مرة قلت لكِ ألا تضيعي وقتك في هذا الهراء؟" صرخ صوت والدها من الخارج.
أغلقت الدفتر بسرعة ووضعته تحت وسادتها، ثم أسرعت نحو الباب. وقفت أمام والدها، وهو رجل حاد الملامح، عيناه مليئتان بالصرامة والرفض.
"قلت لكِ، البنت ليس لها مكان في هذه الأمور. الشرطة؟ هذه وظيفة للرجال، وليس للبنات. مهمتكِ في الحياة هي أن تتعلمي ما يكفي لتديري بيتكِ وتربي أطفالكِ."
نظرت ريماس إلى الأرض، لكنها في داخلها كانت تشعر بالنار تشتعل. لماذا يجب أن تكون أحلامها أقل قيمة بسبب جنسها؟ لماذا لا يراها والدها قادرة على تحقيق شيء أكبر من مجرد الأدوار التقليدية؟
في تلك الليلة، بينما الجميع نائم، جلست ريماس أمام نافذتها، تنظر إلى السماء المظلمة المليئة بالنجوم. همست لنفسها:
"سأحقق حلمي... حتى لو كان ذلك يعني أن أخوض الحرب وحدي.
في الصباح التالي، استيقظت ريماس على صوت والدتها وهي تطرق الباب بعنف.
"استيقظي! لا وقت للنوم، هناك أعمال منزلية يجب أن تنتهي قبل موعد زيارة عمتك!"
نهضت ريماس ببطء، شعرت بثقل اليوم الجديد يضغط على صدرها. غسلت وجهها بالماء البارد، تنظر إلى انعكاسها في المرآة المكسورة. كانت عيناها تحملان بريقًا من الإصرار، رغم كل شيء.
أثناء انشغالها في المطبخ، سمعت شقيقها الأكبر يتحدث مع والدها في الغرفة المجاورة. كان صوته مليئًا بالسخرية:
"ريماس؟ الشرطة؟ يا لها من مزحة. فتاة مثلها ستنهار في أول اختبار، فما بالك بمواجهة المجرمين؟"
شعرت ريماس وكأن سهامًا تخترق قلبها. لكنها لم تُظهر أي رد فعل، واكتفت بابتلاع الكلمات كما اعتادت.
عندما انتهت من الأعمال المنزلية، أغلقت باب غرفتها وجلست على الأرض. أخرجت هاتفها القديم، تبحث في الإنترنت عن كيفية التقديم لأكاديمية الشرطة. قرأت الشروط والتفاصيل بحماس، تدون كل ما تحتاجه. لكن مشكلتها الكبرى كانت واضحة: كيف ستتمكن من إقناع والدها بالسماح لها؟
في تلك اللحظة، سمعت طرقًا خفيفًا على الباب. كانت صديقتها "مريم"، الفتاة الوحيدة التي كانت تعرف عن حلم ريماس وتدعمها.
"ريماس، لدي فكرة!" قالت مريم بحماس وهي تجلس بجانبها.
"ما رأيك أن نبحث عن طرق للحصول على دعم من أحد الضباط؟ ربما شخص ما يمكنه أن يتحدث مع والدك ويغير رأيه."
ابتسمت ريماس لأول مرة منذ أيام. كانت كلمات مريم تحمل بصيصًا من الأمل، لكنها كانت تعلم أن الطريق طويل وشاق.
"شكراً، مريم. لكنني أحتاج أن أكون مستعدة لأي شيء. لن أسمح لأي أحد أن يطفئ حلمي."
وبينما غادرت مريم، جلست ريماس مجددًا، تمسك بدفتر أحلامها، وكتبت بخط واضح:
"سأحقق حلمي... حتى لو كان الثمن غاليًا."
مرت الأيام، وكلما حاولت ريماس التحدث إلى والدها عن حلمها، كان يقاطعها بإصرار، وكلماته كانت كالصخور التي تسد الطريق أمامها. "لا أريد سماع هذه السخافات مجددًا، ريماس. انتهى الحديث!" كانت هذه الجملة تُغلق كل نقاش.
لكن ريماس كانت تعلم أن الاستسلام ليس خيارًا. في إحدى الليالي، تسللت بهدوء إلى المكتبة العامة القريبة من منزلها. كانت المكتبة المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالحرية، بعيدًا عن ضجيج البيت وضغوط العائلة. جلست في الزاوية المفضلة لها، وبدأت تقرأ كتبًا عن القوانين والعدالة، تحاول أن تفهم العالم الذي تسعى للدخول إليه.
بينما كانت تركز في أحد الكتب، اقترب منها رجل في منتصف العمر يرتدي نظارة وبدلة أنيقة. بدا أنه يعمل في المكتبة.
"هل تهتمين بالقانون؟" سألها بابتسامة لطيفة.
رفعت رأسها بتردد، لكنها أجابت: "نعم، أريد أن أتعلم كل شيء عن هذا المجال."
"جميل. أنا أستاذ قانون متقاعد، وإذا كنتِ جادة، يمكنني مساعدتك."
شعرت ريماس بشعاع أمل يضيء ظلامها. أخبرته عن حلمها والصعوبات التي تواجهها مع عائلتها. الرجل، الذي يدعى الأستاذ كمال، استمع بانتباه ووعدها بأنه سيعلمها أساسيات القانون والمهارات التي ستحتاجها لتحقيق حلمها.
بدأت ريماس تلتقي بالأستاذ كمال سرًا كل أسبوع، تتعلم منه كيف تواجه التحديات وتخطط لمستقبلها. كان وجوده كداعم لها يعيد إليها الثقة.
لكن في أحد الأيام، وبينما كانت عائدة من المكتبة، توقفت فجأة عند باب منزلها عندما سمعت والدها يتحدث بصوت عالٍ مع أحد الجيران:
"لا أعرف ماذا أفعل معها. تقول إنها تريد أن تصبح شرطية! فتاة في الشرطة؟ هذا عار علينا."
وقفت ريماس في الخارج، تشعر بالغضب والألم. لكن بدلًا من أن تضعف، قررت أن تجعل من هذا الألم وقودًا يدفعها للأمام. دخلت المنزل بثبات، نظرت إلى والدها، وقالت بصوت هادئ لكن مليء بالإصرار:
"قد لا تدعمني الآن، لكن يومًا ما ستفخر بي."
تجاهلها والدها كعادته، لكنها هذه المرة شعرت بشيء مختلف. لم تكن بحاجة إلى موافقته لتبدأ، بل كانت بحاجة فقط إلى إيمانها بنفسها.
مرت الأسابيع، وبدأت ريماس تجمع بين دراستها السرية مع الأستاذ كمال والقيام بواجباتها المنزلية. رغم الإرهاق الذي يرافقها، كانت تشعر أن كل خطوة صغيرة تأخذها تقربها من حلمها الكبير.
ذات يوم، أعطاها الأستاذ كمال كتابًا صغيرًا وقال لها:
"هذا الكتاب سيعلمك عن أساليب التفكير النقدي واتخاذ القرارات الصعبة. الشرطي لا يحتاج فقط إلى القوة البدنية، بل أيضًا إلى عقلٍ يفكر بذكاء."
كانت ريماس تحمل الكتاب معها أينما ذهبت، حتى أثناء طهي الطعام أو تنظيف المنزل. كانت تقرأه في كل لحظة فراغ، تتعلم كيف تفكر كشرطية حقيقية.
لكن الأمور لم تبقَ سرية لفترة طويلة. في أحد الأيام، وبينما كانت ريماس تراجع ملاحظاتها في غرفتها، دخل والدها فجأة. عينيه وقعت على الأوراق التي كانت تحمل شعار الشرطة، وبدأ الغضب يظهر على وجهه.
"ما هذا؟! هل كنتِ تخفين هذا عني؟ هل ما زلتِ تفكرين في هذا الحلم السخيف؟" صرخ بغضب.
حاولت ريماس تهدئته، لكنها أخفقت.
"أبي، هذا ليس حلمًا سخيفًا. إنه حلمي، وأنا أؤمن به!"
"أنتِ تخرجين عن طاعتي، وهذا لن يحدث في بيتي!"
وقف والدها للحظة، ثم أخذ الأوراق ومزقها أمام عينيها. شعرت ريماس وكأن قلبها قد انكسر إلى ألف قطعة. لكنها لم تبكِ، بل نظرت إليه بثبات وقالت:
"حتى لو مزقت كل شيء، لن تستطيع تمزيق إيماني بنفسي."
خرجت ريماس من الغرفة، تشعر بثقل العالم على كتفيها. لكن في أعماقها، كانت تعرف أن هذا لن يكون النهاية.
في تلك الليلة، اتصلت بمريم وأخبرتها بما حدث.
"ريماس، لا تيأسي. هناك فرصة قريبة لإجراء اختبارات الشرطة للنساء، وربما تستطيعين التقديم دون علم والدك."
هذا الاقتراح أشعل شرارة الأمل مجددًا داخل ريماس. قررت أنها ستقدم للاختبارات، حتى لو كانت هذه الخطوة تعني تحدي كل شي.
مرّت الليالي ثقيلة، وريماس تحاول الموازنة بين خوفها من غضب والدها ورغبتها الجامحة في التمسك بحلمها. كانت تعرف أن الفرصة الوحيدة للتقديم لاختبارات الشرطة تقترب، لكن عقبة إقناع والدها كانت تبدو مستحيلة.
في أحد الأيام، بينما كانت عائدة من المكتبة، رأت إعلانًا على لوحة في الشارع عن موعد الاختبارات. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها؛ كان هذا هو الوقت الذي انتظرته طويلًا.
عادت إلى المنزل، حيث وجدت والدها يجلس مع مجموعة من أصدقائه يتحدثون عن أمور تخص العمل. حاولت المرور دون أن تلفت الأنظار، لكن والدها لاحظ وجودها.
"ريماس، تعالي هنا!" قال بنبرة صارمة.
جلست بصمت أمامهم، بينما والدها يتحدث بفخر عن أخيها الأكبر وكيف أنه سيكمل عمله في الشركة العائلية.
"وما خططكِ أنتِ؟" سألها أحد أصدقائه بفضول.
ترددت ريماس للحظة، ثم نظرت إلى والدها وقالت بثقة:
"أريد أن أحقق شيئًا مختلفًا. أريد أن أخدم المجتمع وأساعد الناس."
ابتسم صديق والدها وقال:
"رائع، وهل لديكِ فكرة عن الطريقة؟"
وقبل أن تتمكن من الرد، قاطعها والدها بضحكة ساخرة:
"هي لا تعرف حتى ما الذي تريده. الفتيات في عمرها يجب أن يركزن على تعلم أمور المنزل."
شعرت ريماس بغصة في حلقها، لكنها لم ترد. لم يكن هذا هو الوقت المناسب للدخول في جدال.
في تلك الليلة، جلست ريماس بجانب نافذتها، تتأمل السماء المظلمة مرة أخرى. لكنها هذه المرة، لم تكن تشعر بالضعف أو الخوف. كانت تشعر بأنها على وشك اتخاذ أهم قرار في حياتها.
قررت أن تخبر الأستاذ كمال برغبتها في التقديم للاختبارات، وتطلب مساعدته. وفي اليوم التالي، بينما كانت تلتقي به في المكتبة، أخبرها عن صديق له يعمل في مجال الشرطة، وربما يمكنه مساعدتها في تجاوز بعض العقبات.
"لكن، ريماس، عليكِ أن تكوني مستعدة. إذا اخترتِ هذا الطريق، قد تكونين وحدكِ في البداية. هل أنتِ مستعدة لتحمل النتائج؟" سألها الأستاذ كمال.
نظرت إليه بعزم وقالت:
"أنا مستعدة. حتى لو كان الطريق طويلًا وصعبًا، لن أتراجع."
♡نهاية الفصل الاول♡
اتمني يعجبكم الفصل الاول.
الثاني م نهنا