اخر الروايات

رواية شظايا الكلمات الفصل الثامن 8 بقلم جهاد وجيه

رواية شظايا الكلمات الفصل الثامن 8 بقلم جهاد وجيه 

الفصل الثامن
شظايا الكلمات

إكسير السعادة الذي تجرعته من ملامحها جعلني كالضال عن ماهيتي، أفقدني ثباتي ووقاري، أضلني عن هدوئي، مجرد وقوع ناظري عليها ينتاب قلبي رجفة فريدة أشبه بصاعقة من الانتشاء الروحي

مر اليوم بسلامٍ على جميع العقول الشاردة بحزنها والراجية لراحتها وأخرى طائرة من فرط سعادتها، لقد آتى اليوم الذي كانت تتمناه دوماً بقلبٍ مُبتهج، يوم إعلانها زوجته أمام الجميع، مهما بلغت سعادتها يكمن الخوف بخبايا قلبها الضعيف، إنه يوم زِفافِها على من انشق قلبها حُبًا به، ابتسمت بسعادة لطلتها المُبهرة بالمرآه، هو من اختار هذا الثوب الأكثر من فاتن عليها لتصبح كإحدى قديسات الفِتنة والهلاك بجمالها الشرقي، دارات حول نفسها بسرورٍ خالص ويديها تسير بنعومة فوق جسدها من أعلى فستانها الأبيض اللامع، تنهيدة طويلة خرجت من أعماق صدرها عندما وصل إليها عَبقه الخاص التي أدمنت جزيئاته، فارقت أهدابها برقة ونعومة جارفة وهمست لنفسها: اللهمَّ السعادة والسكينة ودوام نعمتك ورحمتك بِنا

رطبت شفتيها وزفرت بتوتر لتخرج شُحنة القلق التي تعتمر جسدها ولكنها ما أن ابصرته بحليته السوداء وشعره المُصفف وبسمته الجذابة بملامحه الرجولية الطاغية وتلك الثقة والوسامة التي تُحيط به حتى ترددت بخطواتها وابتلعت ريقها وهمست لنفسها: يخربيت حلاوة أمك دا

لنستمع بهدوءٍ وصمتٍ لدقات قلب ذلك العاشق الولهان والمُتيم بالصبابة والوفاء لمحبوبته، ها هي فتاته الفاتنة بثوبها الأبيض الذي ستدلف به أول خطواتها ببيتهم، لقد تجسد أحلامه بها وبطفلٍ منها بل الكثير والكثير من الأطفال الذين يحملون ملامحها وقلبها، تلك الشابة التي أوقعته بلا مجهودٍ أو إغراءٍ منها وجعلته كالمُدمن المنتظر لجرعته اليومية التي تكتمل برؤيتها، قمر لياليه المُظلمة سينير سماؤه من الليلة، لمعت عيناه بوميض الشوق واللهفة لضمها والذهاب بها بعيداً عن أعيض الجميع بتلك الهيئة المُغرية والبسمة الصافية وهذه المُنحنيات التي فتكت به، تنهد بسأمٍ من شروده الذي طال عنها واقترب ممسكًا بكفها رافعًا إياه لشفتيه ولثمه بقوة وعشقٍ وتمتم بسعادة: الفستان حلو بيكِ يا أثير هانم

حسنًا عليها القول أن نظراته أخجلتها وجعلتها تنصهر بوقفتها، نعم أثبت بجدارة كم يعشقها وأنها لم ولن تندم على اختيارها وثقتها به، ارتجف جسدها من عطره المحاوط لحواسها وقُبلته الصغيرة وصوته الرخيم الذي طمأن قلبها، بادلته ببسمة حالمة وهمست: ليه ديماً بتقولي يا هانم

أضاءت عيناه بلمعة الشوق والعشق المُقيد بوجودها وجذب رأسها ثم طبع قبلة متيمة على جبهتها وخلل أصابعه بخصلاتها النارية المتحررة وتمتم باختناق من فرط شوقه ومشاعره: هتعرفي الليلة

لم تشأ أن تضغط عليه واكتفت بالتربيت فوق كفه وهمست بامتنان: بحمد ربنا لوجودك يا راكان أنا قلبي بيفرح بوجودك

كاد أن يرد عليها لولا دخول والدها بوجهه المُحتقن آثر بكائه ومن خلفه جدها ببسمته الخافية لدموعه هو الآخر، افسح لهم المجال ليقتربوا منها وتلك المشاعر الحانية تطوف بينهم بفرحٍ وبهجة، ضمها والدها لصدره بقوة وقبل جبينها واختنق صوته بالبكاء وهتف بتحذير: أنا اديتك نجمتي الوحيدة يا ابني، أثير بنتي الوحيدة ونور عيوني، أنتَ خدت بهجة البيت وفرحته، شيلها في قلبك قبل عيونك يا راكان، أثير نعمه لكل حد تدخل حياته، لو في يوم حسيت بس إنك مزعلها صدقني محدش هيوقف في وشك غيري، ربنا يهنيكوا يولاد

ضمت والدها ودموعها تهدد بالهطول ولكن نظرة جدها الحانية وضمته هو الآخر لها جعلتها تبتسم وتحول نظرها لـــ« راكان» بملامحه المقتضبة لعلها تتفهم سبب تبدل حاله ولكنه اقترب منها مُبعدًا والدها وجدها عنها وواضعًا ذارعها بخاصتها وهتف بتملك وتأكيد: مراتـــــــــي لو سمحتوا وكدا يعني

ضحكت بخجل من نظراته والدها المُغتاظة وجدها الساخر ولكزته بخصره بحدة ولكنه تجاهل حُنقها وسار بها بتفاخر وغرور وهتف لهم: معلش اصلي راجل غيور حبتين وأثير بقت بتاعتي يا عمي بقا ولا إيه يا جدو

حينها لكزه الجد بعصاه بركبته من الخلف وكاد يسقط من الالم وتمتم بتأكيد وكبرياء: مش حريم الشاملي اللي يبقوا ملك حد يواد، بنتنا هتفضل طول عمرها ملك نفسها

رمقه « راكان» بنظرة ساخطة ولف ذراعه الآخر حول خِصر « أثير» التي تُجاهد لتكتم ضحكاتها على مناوشاتهم وهتف بتملك وعشق: بس بقت في بيتي وعلى اسمي وكمان هتنام في حــ..

قاطعه الجد بقذفه بزهرية بلاستيكية كادت أن تصيبه بكدمة ولكنه تفاداها ببراعة ولا عب حاجبيه بمشاكسة وهتف بدلال ومكر: يلا يا روحي ننزل نخلص الفرح دا ونروح بيتنا عشان في كلام كتير هموت واقولوا ليكي

افترس الجد شفتيه هو وولده وهتفا سويًا بغيرة وغضب: امشي يا ابن الكــ.....

رفع « راكان» سبابته بتحذيرٍ ضاحك ونفخ صدغيه وهتف بحدة مصطنعة: ايه هااا إيه... عيب يا جدو... عيب يا حمايا

انهى حديثه والتف دافعًا « أثير» لصدره مستمتعًا بخجلها الزائد وهمس باذنها بوقاحة: خفي كسوف شوي اللي جاي تقيل خلي الكسوف لبعدين يا سوسو

عضت « أثير» شفتيها بقوة ولكزته بكتفه بحدة وخجل وهتفت بهمسٍ حاد: بس يا سافل

رفع « راكان» أحد حاجبيه ومط شفتيه وهتف بثقة ووقاحة مُفرطة: مراتي يا جدع واعمل اللي يريحني اله
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

جلست «هبه» بملل تُتابع التلفاز بوجهٍ مُحتقن وملامح مُقتضبه، منذ ليلة أول أمس لم تراه، اختفى وكأنه لم يكن، أنبت نفسها كثيراً على تركها لزمام الأمور هكذا، رغم نضوجها التام إلا أنها أمامه كطفلة تُعاود طفولتها معه، هذه الليلة كانت من أفضل ما مر عليها، نسيت ماضيها، معاناتها، حزنها، تشوهها وكذلك نسيت كونها مازالت إمرأة متزوجة!!! لكن هناك ثغرة بروحها تريد قربه، تريد فقط الاستمتاع بتواجده الدائم وعَبقه وصوته الأجش، هذا الرجل يُربكها بكل ما به بداية من نظراته الغامضة حتى أفعاله التي تُطيب قلبها المُتهالك، تحسست شِطر وجهها الأيسر بتباطؤ وتذكرت نظراته الحانية عندما رأى تشوهها الذي نفر الجميع منه، أعطاها ثقة كاملة لخلع نقابها الذي ارتدته لتُخفي عيبها، في السابق منذ صِغرها كانت مُتيمة بالفتيات المُنتقبات وترغب بأن تكون مثلهم ولكن عن رغبة تامة وحبٍ ولكن آتى ذلك التشوه ليجعلها تختفي خلفه وليس حُبًا به، هي ممنونه نعم لتلك القُماشة التي تحميها من بُغض البشر لها وقسوة العالم عليها ولكنها تمنت ارتدائه عن رضا تام منها، أفاقت من شرودها على صوت شقيقتها يسمح لأحدهم بالدلوف، تحسنت حالة « رحمه» وبدأت بالسير بضعف على قدمها رغم تواجد الجبيرة بها، استنشقت عبيره الرجولي بحواسٍ يقظة وابتسمت بشوق عندما رأته يحمل شقيقتها ويهتف برجاء: ممكن اطلب منك طلب ؟

هذه المرة لم تهرول لتتخبى خلف نقابها منه بل ابتسمت بثقة وحنان وطالعته بعشقٍ وأردفت: أكيد

وضع « ثائر» الصغيرة جوارهم ومسح على خصلاته بتوتر ودارت نظراته بأرجاء الصالون وهتف: أنتِ مروحتيش الشغل، يعني عندك شغل النهارده يعني، بصي هو

ضحكت بمرح على إحمرار أذناه وتهرب نظراته منها وخجله وهتفت بنبرة تحمل بين طياتها الضحك: هو الموضوع مستاهل دا كله يا ثائر، اهدى كدا وخد نفس طويل واتكلم متخافش مش بعُض والله

ضحك « ثائر» بتوتر وسلط نظراته عليها ورطب شفتاه وتمتم بتمني: عندي فرح ابن عمي، ينفع تحضري معايا؟!

قررت الإفصاح عن البعض من ما يدور بقلبها وهتفت مباشرة: بصفتي إيه

حك ذقنه الخفيفة بتوتر وفرك كفها معًا وتمتم بتعلثم: يعني... هو بصراحه.. بصي

ابتسمت بحزن ولمعت عيناها ببريق الفشل وغمغمت بتساؤل: خلاص كنت بهزر معاك، طب ورحمه

ابتلع ردها القاسي بروحه الخاوية وأمسك كف « رحمه» وتمتم بتهرب: هنسيبها عند ماما متخافيش، هوديها على ما تلبسي

هزت رأسها بموافقة ونظرة له بخيبة أمل كبيرة وهو يغادر حاملاً شقيقتها ثم نهضت بتباطؤ وهمست لنفسها بألم: نصيبك خدتيه يا هبه ارضي بقضاء ربنا وعيشي لأختك ولنفسك
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

أغمضت عينيها بسلامٍ وابتسمت لنسمات الهواء التي تتخلل خصلاتها الغجرية الحمراء وملامحها الهادئة، شددت من كفيها حول خِصره واستندت بذقنها على رأسها وبسمة عاشقة تلوح في الأفق الخاص بهم، جالسان على الشاطئ وهو مستند بجسده عليها ورأسها بين ثنايا صدرها وكم اسعدها هذا، بعد اعترافه الصادق لها بعشقه المكنون وحبه المُقيد لم تتفوه بحرف بل اكتفت بضمه والنوم براحة تامة بين أحضانه الدافئة، ليلة أمس كانت هادئة وحنونة عليها، لم يقسو الليل عليها تلك المرة بوجوده وكأنه يخشى تواجده جوارها، لقد ملكت إحدى النجوم بكفيها عندما استمعت لتصريحه بترانيم تتيمه بها، للآن قلبها يتراقص فوق ألحان حبه الجارف لها، ضمته بقوة أكبر وهم يتابعان تحرك الأمواج أمامهم، قطع تأملهم صوته الحاني: مبسوطه يا ورده معايا

قبلت خصلاته بعشقٍ شديد وشبكت كفيها بخاصتها دون تردد وغمغمت بصدق: عمري ما كنت مبسوطه قد من وقت ما كنت مراتك

رفع « براء» كفيها لفمه ولثمهم بقوة وتنهيدة حارة خرجت من جوفه وتحدث بأمل: حبتيني؟

لقد حان وقت اعترافها له، مهما تهربت عليها البوح بما يختبأ بقلبها، تلمست لحيته السوداء بحنان وغمغمت بصوتٍ هامس مُغلف بعاطفة جياشة: كان في بيت فضلت طول حياتها وحيدة، منبوذة، كانت بتخاف تواجه الناس بسبب شكلها، طول فترة دراستها كانت مكتئبة وعلطول بتبكي، كانت بتسمع شتيمتها منهم بدموع وبس، اتهربت كتير، ثانوي ولحد أولى جامعه كانت بتخاف تواجه، هي عشان قصيرة شوية وعندها نمش أو شوية آثار حب شباب تبقى وحشه؟! هي كانت تقدر تخلق نفسها جميلة ومعملتش كدا؟! كان بإيديها أنها تفضل وحيدة؟! كانت صديقتها الوحيدة أمها وباباها هو سندها الوحيد، شجعوها تواجه وتدافع عن نفسها وتشتغل وعملت كدا وكسبت قوتها يوم ورا التاني، في يوم كان بداية لعنه ليها شافت راجل طول بعرض ودقن وعيون خضرا وملامح تخلي البنات تدوب فيه بيتنمر عليها ويتريق عليها، أول مره زعقت وشتمته وتاني مره طنشته ومشيت وتالت مره ضحكت وزعقت وبعدين بدأت تراقبه من بعيد، غصب عنها حبته مش عشان هو جميل ولا وسيم لا عشان شافت حنيته مع بنت المدير اللي منفصل عن مراته تعبانه وباباها مش موجود وكانت محتاجه فلوس وهي بنت صغيرة ومامتها مش معاها فلوس تكفي علاجها، شافته جدع مع راجل الامن لما ضاع ملف مهم وهو اتهم بسرقته وعشان راجل كبير اتحمل هو الضرر، شافته راجل رغم هزاره الكتير، شافته حد كبير جداً في عيونها، كل يوم كان بيسخر منها كانت بتموت وكل امل عندها بيدفن، كانت بتخبي وجعها وتسكت لحد ما فاض بيها وواجهته وهو يومها مشي!!!

صمتت ليعلو نحيبها وشهقاتها المتألمة ورطبت شفتيها الجافه وهمست بحزن وسط صمته: مشي!! مشي وسابها موجوعه وبتبكي!! لأول مره تسمح لنفسها بالضعف وإنها تبكي، الأيام كانت بتمر عليها بطيئة، قلبها فقد الأمل وكرر يكرهه وينزعه لعل الوجع دا يخف بس كانت غلطانه!! رِجع!! روحها ردت ليها تاني بشوفته بس صدمة رجوعه كانت أقوى من أنها تتحملها وانهارت تاني، صدمة إنها ممكن تخسره المرة دي بلا رجعه خلتها زي الجثه من غير روح، وفجأة يطلع ليها نور يضوي روحها لم تعرف إنه كان بيحبها وبيتعذب زيها بالحب دا، شوفت الدنيا صغيره إزاي يا برائي

التف لها لتتلاقى نظراتهم النارية، لم يرف جفن لكلاهما ولم تتحرك شفَاههم بل سادت نظراتهم الهادئة، انحسر الوقت حول تلك اللحظة السعيدة عليهم، كلاهما لاذا بما رغبوا، صوت دقات قلوبهم يجذبهم لجنة شاسعة من الحب والحنان، تحركت أصابع « براء» لتتخلل كفها الناعم بقوة وتملك ودموعه تسير ببطء على صدغيه، علا ثغره بسمة سعيدة وراضية وهتف بنَبرة معبأة بالعاطفة: بحبك يا وردة أيامي وفرحة سنيني الجاية

ابتسمت « ورده» بسرورٍ وانتفض قلبها لتصريحه التي تسمعه للمرة الثانية ولكنه يبقى بمذاقه الخاص كأول مرة دوماً، اتسعت بسمتها الولهانة واقتربت منه حتى اختلطت أنفاسهم الراغبة والمتلهفة وغمغمت بعشق: بحبك يا برائي

بجراءة وحب اقتربت مُشابكة شفتيها بخاصته بقبلة جريئة، عاشقة، عنيفة وبريئة، اقتربت بجسدها منه وضمت وجهه بين كفيها وسط صدمته التي لم تختفي ولكنه جذبها بقوة ليضعها فوق قدميه وضمَّ جسدها له بعنف تأوهت منه وقاد هو وجهة قبلتهم وحولها من قبلة بريئة وجاهلة لأخرى ناعمة وخبيرة وقوية غابا كلاهما خلفها تحت سِتار الأمل الذي وُلِدَ بهما من جديد، من أسفل أنقاد أرواحهم خرجت أسطورة جديدة لعشقهم الأبدي، تغنجت السماء برياحها لتشهد تلك اللحظة التي ستُحفر بركنٍ خاص بفؤاد كلاهما، لاح بالأفق طير عشقهم وصمتت جميع الأصوات سوا أنفاسهم السريعة كمثل مشاعرهم
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

وضعت « أثير» يديها حول عنقه وضمت جسدها له بخوف وقلق من النظرات الساخرة منها التي تلقتها من الجميع للآن، لم تكتمل فرحتها فنظرات الحاضرين الحاقدة والشامتة والأهم الساخرة والمُشفقة جعلتها تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها، فاقت من شرودها على صوت الموسيقى الذي صدح ليُعلن بداية رقصتهم، نظرت لـ « راكان» بعشق متناسية ألم قلبها وذلك الوخز بروحها وابتسمت وتركت نفسها بين يديها....

شعر « راكان» بخوفها من حركات جسدها المتوتر أسفل يداه مما دفعه لإحكام ذراعيه حول خِصرها ليُعلن للجميع بملكتيها له وأن هذه الفاتنة أوقعته بعشقها حد الهلاك فلم يجد نجاة منها إلا إليها، اقترب بأنفاسه الحارة من عنقها الظاهر وهمس بحنان: خايفه ليه يا قلب وعيون راكان

وضعت رأسها على كتفه وتدللت برقصتهم وتحركت مع حركاته الناعمة وهمست بشجن: مبقتش خايفه من أول ما حضنتني

فك حِصاره عنها ورفع يديه للأعلى وجعلها يدور بين يديها ومن ثم ضمها لصدره وظهرها يشعر بخفقاته وغمغم بصدق: بحبك ولو ادوني فوق عمري عمر هكتفي بحبك فيهم

تراقصت بين أوتار رجولته وثقته ووقاره واسندت رأسها على صدره وأنغام الموسيقى تتغنج عليهم وهمست بلوعة مُحبة: لو الزمن رجع بيا كنت في كل مره أقابلك فيها كنت هأمنلك من أول وجديد

توقفت الموسيقى وفاق كلاهما من انسجامهم على التصفيق الحار بالقاعة الفاخرة بزينتها المُبهرة، انحنى « راكان» على أحد ركبتيه وأمسك بكف « أثير» ولثمه بعاطفة شغوفة وهتف بصوتٍ عالٍ: بعترف بأني عمري ما حبيت ولا هحب غيرك يا أثير هانم ولو الزمن رجع بيا ألف مره هتمناكِ تنوري دنيتي وبيتي في كل مره بحبك

أوقفته « أثير» ودموعها السعيدة تغرق وجنتيها وضمته بقوة لصدرها وهمست بصدقٍ نابع من صميمها: بحبك يا راكان، بحبك لدرجة مبقتش قادرو اتنفس من غير وجودك جنبي، بحبك

لم تُصدق آذناه تصريحها بعشقها الشديد له وسط الجموع الحاضرة فابتعد عنها ونظر لها بخوفٍ وسألها مجدداً بتوتر: قولتي أيه؟!

ضحكت « أثير» على صدمته وملامحه المتعجبة وقربته مكورة وجهه بين كفيها بحنان وهتفت بتأكيد وعشق: بحبك يا راكان، بـــ حــ بــ كــ

ابتلع « راكان» ريقه بتوتر وبرزت تفاحة آدم خاصته بوضوح وهمس باختناقٍ من فرط مشاعره: بقول كفاية كدا ونروح بيتنا لإني كدا حرام

ضحكت « أثير» بخجل وجذبته من كفه ليجلسا بمكانهم والسعادة طاغية عليهما وهمست بتوتر: عيب يا حبيبي شوي وهنمشي

زفر « راكان» بغضب وتلبك بجلسته وهمس من بين أسنانه: حبكت تقولي حبيبي دلوقت، منك للاه أنا أصلاً ماسك نفسي بالعافية لنتمسك آداب وجدك هيطلعك ويخلص مني

ضحكت « أثير» حتى أدمعت عينيها وتلاقت عينيها مع « مي» ابنة عمها بكبرياء ثم تجاهلت نظراتها الحاقدة والباغضة ووجهت نظرها مجدداً لحبيبها وهمست بتلاعب : عيب يا روحي والله

جحدها «راكان» بنظرة حادة أخرستها وجعلتها تتهرب منه وهتف من بين أسنانه: اللي بيلعب بالنار لازم يتحرق بيها يا أثير هانم افتكري دا كويس
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

وصلا أخيراً بعد ساعة من الصمت الذي خيم عليهم، لا تدري لما وافقت على طلبه ولما بالأصل هو أرداها معه بأي صفة سيقدمها لأهله، ترجلت من مقعدها وسارت خلفه بصمت بينما هو لم يروقه هذا الوضع فقرر البدء بالحديث وتمتم بجدية: مالك يا هبه من وقت ما خرجنا وأنتِ ساكته أنتِ مكنتيش حابه تيجي؟!

ابتسمت بتكلف وهزت رأسها بنفي ولمعت عينيها بالعبرات وهمست بكذب واقتضاب: لو مكنتش حابه مكنتش وافقت ولا جيت

هز « ثائر» راسه بعدم اقتناع ووضع يده بجيبه وأردف بثبات: اللي جوا دا ابن عمي اسمه راكان واحنا هنسلم عليهم ونمشي علطول متقلقيش بس حبيتك تغيري جو بدل ضغطك في الشغل والبيت

أومات له بصمت وتبعته حتى دلفا للداخل، أصابها بعض الخوف والرهبه من الزِحام وهذا التجمع الكاذب، لطالما كرهت الطبقات الرفيعة لمظاهرهم الكاذبة ومشاعرهم المزيفة وسوء علاقاتهم، تبغض المال وما يفعله بالنفوس البشرية من حقدٍ وغلٍ، تنفست محاولة لتهدئة نفسها واقتربت معه نحو مجلس العروسين....

نهض « راكان» محتضنًا « ثائر» بحرارة وشوق وهمس كلاهما بنفسٍ واحد: ليك واحشه يا شق واللهي

ضحكا كلاهما على ذلك الترابط الدموي بينهم وقوة صداقتهم ولكزه « ثائر» بصدره وهتف: مُبارك عليك يولا، أنتم السابقون ونحن اللاحقون

ختم كلامه بغمزه ثم نظر لـ « هبه» الخائفة وقدمها لهم بحفاوة: دي يا عم هبه، تقدر تقول الركن الهادي

طالعته « هبه» بتعجب واستفسار تجاهله « ثائر» بينما فهم « راكان» مخزى كلماته وابتسم بسعادة وقدم لهم « أثير» المتابعة للموقف بحرج: دي بقا أثير هانم تقدر تقول القلب بجدرانه

تلاقت نظرات الفتاتان بحنية وشغف للتعرف ولكنهم ابتسمتا فقط وهمست « هبه» بحرج: مُبارك يا أثير

جذبتها « أثير» وضمتها عنوة وضحكت بمرح وهتفت: عُقبالك يجميله، متتكسفيش مني

بادلتها « هبه» عناقها بقوة وأُلفة وتمتمت بصدق: شكلك قمر في الفستان

اشتعلت وجنتي « أثير» بخجل وعصت شفتيها وغمغمت بتوتر: بجد يا هبه

طالعتها « هبه» ببسمة هادئة وربتت فوق كتفها وهمست: بجد جداً وعيون راكان هتاكلك

كان كلاً من « ثائر» و« راكان» يتابعان سرعة صداقة الفتاتان وأُلفتهم السريعة مع بعضهم البعض بتعجب همس « راكان» لـ « ثائر» بتوجس: أنتَ مطمن؟!

هز « ثائر» كتفيه لأعلى وتحدث بهمسٍ مماثل له: عارف الفار اللي بيلعب في عقلك دلوقت هو نفسه اللي عندي

ابتلع « راكان» لعابه وهتف بترجي: استرها يارب دا أنا غلبان ولسه مدخلتش دُنيا
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

دلفت بخوف من باب ذلك البيت الجديد عليها بل بيتها الجديد؟! نظرت بتوتر لـ « راكان» المتابع نظراتها وتهربت منه وهمست: أوضتي فين؟

عقد « راكان» حاجبيه بزهول من ياء الملكية بجملتها ونهض مصححًا بنبرة خبيثة: اسمها اوضتنا يا روحي، تعالي أوريكي

سارت « أثير» خلفه بقلق وقلبٍ مضطرب تضغط على فستانها لعله يمدها بعض القوة والثبات أمام هذا الموقف، دلفت خلفه ونظرت للغرفة بسعادته وانبهارٍ شديد، حولت نظرها له ثم هتفت بعشق: دي أوضتنا؟!

هز « راكان» رأسه بموافقة واقترب منها بخطواتٍ بطيئة ولم يرف جفنه لثانية ليحرمه من ملامحها الحبيبة لقلبه وغمغم: كل حاجه فيها زي ما بتحبيها بالظبط


ضحكت « أثير» بسعادة وأسرعت تُلقي بنفسها بين ذراعيه وهتفت: بحبك يا راكان بحبك أوووي

ضمها « راكان» لصدره بعنف وتأوه براحة ثم قبل خصلاتها بعشقٍ وتمتم: وراكان بيعشقك يا ضي عيونه

رفع « راكان» وجهها ليصبح أمامه مباشرة ليروي ظمأه وظمأ أربعة أعوام من الشوق واللهفة والوجدان لها، هبط ليقتنص من شفتيها حقه الذي حُرمَ عليه قبلاً والآن هو له وبكامل إرادتها، قطف من بُستان شفتيها قُبلاتٍ مسروقة عصفت به وجعلته يجذبها بعنف له وشفتاه تسير بلا هوادة ولا رحمه تلتقط كل ما تطأ عليه، غاص بقبلاته ينهل من شهدها العذب ويطفئ نيران عذابه وشوقه لها، تحركت شفتاه نحو جيدها الناعم ليفك طرحتها التي تُعييقه وألقاها بإهمالٍ على الأرضية ودفن أنفاسه بين ثنايا عُنقها الناعم مستمتعًا بقربها اللذيذ ومذاق نعيمها الفريد، لثم عُنقها بقبلات متفرقة وسارت يداه تعبث بسحاب فستانها ولكنها فاقت من غيمة مشاعرها وابتعدت عنه تلملم ما بعثرته لحظتهم وهتفت بحدة وخجل: مينفعش

ابتسم « راكان» ببلاهة وضرب كفه معاً وهتف بصوتٍ عابث: مينفعش إيه يا أثير

أدرات وجهها بعيداً عنه وعضت على شفتيها بخجل وهتفت بتوتر: اللي في بالك مينفعش صدقني ومش هيحصل

نفخ « راكان» صدغيه بغضب وتمتم بحدة مزيفة: لا دا أنا اروح فيكي في داهيه مش أصوم اصوم واتعشى حمام أنا هتعشى بيكي

ضحكت « أثير» بمرح على غضبه وصوت أنفاسه الحادة وهزت كتفيها بلا مبالاة وغمغمت بمكرٍ: روح نام يحبيبي عشان متحلمش كتير لأنه مش هيحصل لتلت أيام قدام

سقط فك « راكان» صدمة من تلك المكيدة التي وضعتها زوجته بها واقترب بخطواتٍ ثابتة ثم دنى منها وهتف بتوجس فور وصله معنى حديثها: أوعي تكون هي!!!!

واجهته « أثير» ببسمة عريضة ولكنها خجولة وهزت رأسها بتأكيد وتمتمت: بالظبط يا روحي

فك « راكان» ازرار قميصه بغضب وعلا صوت تنفسه وهتف بحدة: دا انا هطلع روحك الليلة

كتمت « أثير» ضحكتها على مظهره وشعر المُشعت وغمغمت بنعومة قاتلة: اله وأنا مالي بس يا راكان

لوى « راكان» شفتيه بتحسر وجلس أعلى الفراش المزين بالورود الحمراء وهتف بخيبة أمل وحسرة: هي أمي قالتلهالي طول عمرك فقري يا راكان يا ابني وصدقت


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close