رواية الظل الذي يلاحقني الفصل الثامن 8 بقلم محمد عادل
الفصل الثامن : الملاذ
"نحن لسنا سوى ظلالٍ لأنفسنا القديمة، نُحمل على أكتافنا أثقال ذكرياتٍ خفية، تهمس لنا في كل خطوة الماضي ليس سجنًا لتُحبس فيه، بل مرآة تعكس من كنتَ لتصنع من ستكون."
---
في صباح اليوم التالي، قرر "أمجد" التوجه إلى المكان المرسوم في الخريطة كان الموقع في منطقة بعيدة تمامًا عن المدينة، بجوار منزل العائلة القديم الذي عاشوا فيه في طفولتهم كان الطريق مهجورآ، وكأنه لم يسلكه أحد منذ سنوات.
عندما وصل إلى الموقع المحدد، وجد كوخ صغير متهالك وسط الأشجار، بدا المكان وكأنه خارج من كابوس، الباب كان نصف مفتوح والداخل كان مظلم بشكل غريب.
دخل "أمجد" بخطوات مترددة، وهو ينادي: "آدم؟ هل أنت هنا؟"
لكن ما وجده كان أغرب مما تخيل داخل الكوخ، كانت الجدران مليئة بالرسومات ذاتها التي رآها في الدفتر ظلال ووجوه وأماكن غامضة وعلى طاولة خشبية في منتصف الغرفة، كان هناك دفتر آخر، أمسك به وفتحه ببطء، ليجد كلمات مكتوبة بخط "آدم" .
"أمجد، إذا كنت تقرأ هذا، فهذا يعني أنك تتبعني أعلم أنك تريد إنقاذي، ولكن هناك شيء يجب أن تعرفه هذه ليست مجرد أوهام وليست مجرد مرض إنها دعوة، ولكن احذر، لأنك إذا عبرت البوابة فلن تتمكن من العودة بسهولة، فكر جيدآ قبل أن تتخذ خطوتك التالية.
لكنه أدرك شيئ واحد مهما كان ما يحدث، فإنه لن يتخلى عن "آدم" قرر مواجهة المجهول، حتى لو كان ذلك يعني دخوله إلى عالم لا يعرف فيه الواقع من الخيال.
"أمجد" وقف في وسط الغرفة المظلمة، ممسكآ بالدفتر بين يديه بينما كانت عينيه تتجولان في الرسومات المنتشرة على الجدران كان المكان مليئ بأثر "آدم" ولكن ليس بأثر أي مرض أو جنون كما قيل له من قبل كان هناك شيء أعمق، شيء أشبه برحلة غامضة قام بها شقيقه ولم يعد منها كما كان.
على الرغم من الغموض، لم يسمع "أمجد" أي همسات أو يشعر بأي هلاوس مثلما وصف "آدم" بالنسبة له، كان هذا مجرد مكان مهجور مليء بالفوضى، لكن داخله كان يعلم أن كل هذه الرسومات وكل هذه الكلمات تحمل معنى أكبر مما يبدو.
جلس على الطاولة الخشبية المهترئة، وفتح الدفتر من جديد، محاولًا قراءة الكلمات المبعثرة فيه بعناية أكبر بدأ يدون في ذهنه كل التفاصيل التي قد تقوده إلى الإجابة.
قال لنفسه بصوت خافت:
"إذا لم تكن هذه هلاوس آدم فقط، فمن أين تأتي؟ ولماذا؟"
لاحظ شيئ آخر في الصفحة الأخيرة من الدفتر، كان هناك رسم يشبه الباب، أو البوابة، كما وصفها "آدم" الكلمات بجانبها كانت تقول: "هذا المفتاح... البداية... النهاية."
"أمجد" لم يكن مقتنعآ بفكرة أن كل هذا مجرد مرض نفسي كان يعلم أن "آدم" شخص حساس فنان يرى العالم بطرق لا يفهمها الآخرون لكن، هل يمكن أن يكون هناك شيء حقيقي وراء كل هذا؟
قرر العودة إلى العيادة كان بحاجة إلى الحديث مع "سلمى" مجددآ ولكن هذه المرة ليس ليطلب تفسير لحالة شقيقه، بل ليواجهها بشكوكه.
---
ثم ذهب وترك كل شئ مكانه حتي يعود، التقت فقط دفتر "آدم" الذي وجده وقام بالتوجهه إلي عيادة الدكتوؤة "سلمي" ثم وصل ودخل "أمجد" مسرعآ أمام "سلمى" في مكتبها، واضعآ الدفتر على الطاولة أمامها.
"هذا ما وجدتُه في مكان كان آدم يذهب إليه، أريد أن أفهم ليس عن مرضه فقط، بل عن ما كان يمر به كل هذا يبدو أكبر من مجرد أوهام."
نظرت "سلمى" إلى الدفتر ثم إلى "أمجد" بعينين تحملان مزيجآ من الحيرة والتردد:
"أمجد، قلتُ لك من قبل إن حالة آدم معقدة للغاية ما يراه ويسمعه قد يكون نتيجة تداخل بين ذكريات الماضي ومخاوفه العميقة لكن هذا الدفتر... يبدو أنه يحمل رموزآ خاصة به، رموزآ تحتاج إلى تفسير."
"أمجد" قاطعها، محاولًا السيطرة على غضبه المكبوت.
"لكن هذا ليس كل شيء، والدي لم يكن يرسم هذه الرسومات ليست له، بل لآدم ومع ذلك، كان يقول إن والدي حاول حمايته، ماذا يعني ذلك؟ لماذا سيقول ذلك عن رجل مات منذ مدة؟"
أخذت "سلمى" نفسآ عميقآ، ثم قالت بهدوء:
"ربما كان والدك يمثل جزءًا من عالم آدم الداخلي ربما كان يحاول استعادة شعور الأمان الذي فقده منذ رحيل ليلي ثم والدك لكن المرض النفسي ليس دائمآ مرتبطآ بالواقع كما نعرفه أحيانآ، هو بناء لعالم جديد بالكامل داخل العقل"
"أمجد" شعر بالإحباط:
"لكن آدم لم يكن مجنونآ، كان هناك شيء حقيقي في كلامه وصفه لما رآه... الأماكن، الأصوات، كل ذلك كان حقيقي بالنسبة له ألا يمكن أن يكون هناك تفسير آخر؟"
ثم نفر "أمجد" مكانه وقال : "لا يهمني شيئآ الان اريد آدم فقط".
---
بعد أن غادر "أمجد" عيادة "سلمي" قرر أن يعود إلى بيت العائلة القديم المكان الذي كان يمثل جزء كبير من ذكرياتهم مع والدهم كان مقتنعآ بأن هناك شيئآ في الماضي يحمل الإجابة.
عند وصوله، بدأ يبحث في مكتبة والده التي كانت ما تزال محفوظة كما تركها بين الكتب المصفوفة بعناية، وجد صندوقآ خشبيآ صغيرآ مغطى بالغبار عندما فتحه، وجد داخله مجموعة من الأوراق القديمة ورسائل كتبها والده.
إحدى الرسائل كانت موجهة إلى "آدم" مباشرة كانت مكتوبة بخط يد والدهم، لكنها لم تكن عادية الكلمات كانت غامضة، تتحدث عن مكان مخفي وعن خطر الاقتراب منه، الرسالة بدت وكأنها تحذير، ولكنها لم تذكر تفاصيل كافية.
في تلك الليلة، جلس "أمجد" على طاولة في غرفة المعيشة، يراجع الرسالة والدفتر معًا كان هناك شيء يربط بينهما، لكنه لم يستطع فهمه بالكامل بعد.
بينما كان يراجع الرسومات مرة أخرى، لفت انتباهه رسم ليد تحمل مفتاحآ، أسفلها، كانت هناك كلمات بخط صغير:
"المفتاح ليس للبوابة فقط، بل للذكريات أيضًا."
أدرك "أمجد" أن هذا المفتاح قد يكون جزء من الحل، لكنه لم يكن يعلم من أين يبدأ كان يعرف شيئ واحدآ فقط مهما كان الأمر، فإنه لن يتوقف حتى يكتشف الحقيقة، حتى لو اضطر للعودة إلى أعماق ماضيهم العائلي لفهم ما حدث لـ "آدم" ولماذا بدأ يرى العالم بهذا الشكل.
بعدما قضى "أمجد" ساعات طويلة يراجع الرسائل والدفتر، شعر أن ثمة حلقة مفقودة لم يستطع إدراكها بمفرده كان واضحآ أن هناك جزء من الماضي لا يعرفه، جزء يتعلق بالعلاقة بين "آدم"ووالده وما قد يكون تركه الأخير من أثر عميق في حياة شقيقه.
قرر العودة إلى المنزل حيث تتواجد والدته كان عليه أن يواجهها بأسئلته، رغم أنه لم يكن متأكدآ من مدى استعدادها للإجابة.
جلس "أمجد" أمام والدته في غرفة المعيشة المليئة بصور والده القديمة كانت والدته ترتشف فنجان قهوة، تبدو مرهقة ولكنها متماسكة فتح "أمجد" الدفتر الذي كان يحمله معه، ووضعه أمامها.
"أمي، هل تتذكرين شيئًا عن علاقة أبي بـ آدم؟ ، أي شيء غريب
أو مختلف؟ ، أشعر أن هناك شيئ في الماضي ، لم أكن موجودآ لأراه بسبب سفري للدراسة في الخارج."
نظرت إليه والدته بصمت لوهلة، ثم وضعت فنجان القهوة جانبآ "أمجد، ما الذي تبحث عنه تحديدآ؟ لقد كان والدك رجلاً طيبآ، ولم يكن هناك شيء غريب بشأن علاقته بـ آدم كان يحبكما جميعآ."
"أنا أعلم أنه كان طيبآ، ولكن هناك أشياء لم أفهمها بعد ، آدم يمر بما يشبه أزمة نفسية عميقة، وكل شيء يشير إلى أن هناك صلة بين ما يعانيه الآن وبين علاقتنا بالعائلة أحتاج إلى أن أعرف هل حدث شيء عندما كنت أنا بالخارج؟"
تنهدت والدته وأخذت وقتها قبل أن تجيب:
"آدم كان دائمآ طفلاً حساسآ، مختلفآ عنك كنتَ أنت دائم الحركة، تحب الخروج مع أصدقائك والانشغال بالدراسة، بينما كان آدم يميل إلى العزلة والتأمل بعد سفرك، بدأ يقضي وقت أطول مع والدك كان يجلسان معآ في المكتب لساعات طويلة، يتحدثان عن أشياء لم أكن أفهمها دائمآ كان والدك يقرأ له من كتبه المفضلة، وأحيانآ يطلب منه أن يرسم ما يتخيله من القصص."
توقفت للحظة، ثم أضافت:
"لكن بعد فترة، بدأت ألاحظ تغيرًا في آدم أصبح أكثر انطوائية، وكان يتحدث عن أشياء غريبة مرة قال لي إنه يرى أشياء في أحلامه، وأن والده كان يحدثه عن أماكن غريبة، لكنه كان يرفض أن يخبرني التفاصيل."
"أمجد" شعر بتوتر متزايد:
"هل تذكرين أي شيء محدد؟ أي شيء قد يربط بين ما يقول آدم الآن وما كان يحدث في ذلك الوقت؟"
هزت والدته رأسها ببطء.
"الشيء الوحيد الذي أذكره هو تلك الليلة عندما كان والدك جالسآ مع آدم في المكتب كنت في المطبخ وسمعت أصوات مرتفعة عندما دخلت لأرى ما يجري، كان آدم يبكي ووالدك يحاول تهدئته سألتهما عما حدث، ولكن والدك قال إنها مجرد قصة أثرت فيه بشدة "
عاد "أمجد" إلى غرفته في المنزل، عقله يزدحم بالأفكار تلك الليلة التي وصفتها والدته بدت مهمة كان هناك شيء قد حدث بين والده و"آدم" شيء ربما يفسر سبب تحول حاله شقيقه بعد وفاة والده.
فتح الدفتر مجددًا، وركز على الرسومات التي تحتوي على رموز غامضة وأشكال تبدو وكأنها مستوحاة من قصص قديمة وفي إحدى الصفحات، لاحظ كلمة صغيرة بالكاد تُرى: "الملاذ."
قال "أمجد" لنفسه:
"ما الذي يعنيه هذا؟ هل كان والدنا يخبئ شيئًا عن الجميع؟"
قرر "أمجد" أنه بحاجة للبحث في مكتبة والده مرة أخرى، هذه المرة بعين أكثر تركيزآ كان متأكدآ أن هناك شيئًا مخفيًا، وربما المفتاح لفهم كل ما يمر به "آدم" موجود هناك.
لكن قبل أن يتحرك، سمع صوتآ خافتآ من الطابق السفلي لم يكن همسًا مثلما يصف "آدم" بل صوتًا حقيقيآ، صوت خطوات والدته وهي تتحدث على الهاتف لوهلة، شعر "أمجد" بالارتباك، وكأن كل شيء من حوله بدأ يأخذ طابعًا أكثر غموضًا هل كان يبحث في المكان الخطأ؟
"أمجد" لم يكن يسمع همسات، ولم يكن يرى هلاوس، لكنه كان يعلم أن هناك لغز أكبر مما يبدو شيء يتعلق بوالده، وربما حتى بالرسومات والرموز التي يبدو أنها تحمل قصة لا تزال مدفونة في أعماق الماضي.
ظل "أمجد" جالسًا في مكتب والده، والهدوء الثقيل يملأ الغرفة كأنها تحبس أنفاسها الأوراق المبعثرة على المكتب، والرسومات الغريبة في الدفتر، والخريطة التي وجدها قبل لحظات
كل شيء بدا وكأنه يشير إلى شيء أكبر مما كان يتصور.
نظر إلى الرسالة التي قرأها للتو، والتي تركها والده وكأنها لغز مقصود: "الملاذ هو البداية."
تردد صدى العبارة في ذهنه كجرس ينذر بشيء مجهول أمسك الخريطة من جديد، محاولًا فك رموزها في أعماقه، كان يعلم أن هذا البحث لن يكون سهلًا، ولكنه لم يكن مستعدًا لما سيأتي بعد ذلك.
بينما كان يتعمق أكثر في محاولة فهم ما يجري، شعر بشيء غريب كما لو أن الهواء في الغرفة قد تغير فجأة ارتفع صوت خافت في الخلفية، أقرب إلى همسات غير مفهومة استدار بسرعة، لكن الغرفة كانت فارغة.
قال لنفسه محاولًا تهدئة نبضات قلبه: "أوهام... مجرد أوهام،"
ولكن عندما استدار مجددآ إلى المكتب، وجد دفتر والده مفتوحآ على صفحة جديدة لم يكن قد رآها من قبل الصفحة كانت تحمل رسمة واضحة وجه "آدم" محاطًا برموز غريبة وشجرة متشابكة الأغصان، وكأنها تخفي شيئًا خلفها.
تسارعت أنفاس "أمجد" كيف يمكن أن يظهر هذا الرسم الآن؟
ولماذا يبدو كأن والده كان يعرف كل شيء عن "آدم؟".
فجأة، انقطع الصمت بصوت خطوات هادئة خلفه كانت الخطوات خفيفة، لكنها متواصلة، تقترب ببطء تجمد "أمجد" في مكانه
ولم يجرؤ على الالتفات.
"أمجد..." جاء الصوت، خافتًا لكنه مألوف.
استدار ببطء، ليجد "آدم" يقف عند عتبة الباب لكن هذه المرة كان مختلفآ عيناه بدت وكأنهما تلمعان ببريق غريب، مزيج من الحزن والمعرفة وجهه كان شاحبآ، لكن هدوءه كان يثير القلق أكثر من أي شيء آخر.
قال "أمج"د بصوت مرتجف: "آدم؟"
قال "آدم" بصوت هادئ، لكنه يحمل ثقلًا لا يمكن تجاهله:
"كنت أعلم أنك ستصل إلى هنا، كل شيء يقود إلى هذه اللحظة، أليس كذلك؟"
تقدم "أمجد" خطوة إلى الأمام، محاولًا استيعاب المشهد أمامه. "آدم، ما الذي يحدث؟، أين كنت، وكيف عرفت عن كل هذا؟"
ابتسم "آدم" ابتسامة صغيرة لكنها كانت تحمل بداخلها ألمًا غامضآ "لأنني كنت هناك، كنت جزء من كل هذا أبي لم يكن يخفي عني شيئًا لكنه كان يعلم أنني الوحيد الذي يستطيع أن يرى الحقيقة."
"الحقيقة؟ عن ماذا تتحدث؟"
تقدم "آدم" إلى المكتب، وأخذ الدفتر بيديه، متأملًا الرسومات والكتابات:
"الملاذ، إنه ليس مجرد مكان إنه فكرة، طريق يقودنا إلى ما وراء ما نراه أبي كان يعلم ذلك، لكنه لم يملك الشجاعة للغوص أعمق، أنا من أكملت طريقه."
لم يكن "أمجد" قادرآ على التحدث كان يشعر أن "آدم" يتحدث
عن شيء أكبر من قدرة أي شخص على الفهم.
"لكن لماذا أنت؟ لماذا أنت الوحيد الذي ترى هذه الأشياء وتسمع الأصوات؟"
"لأنني كنت الأقرب إلى أبي كنت أستمع إلى كل كلمة يقولها، وأرسم معه تلك الأفكار التي كان يراها مستحيلة في يوم ما، أخبرني أن هناك طريق لا يستطيع الجميع رؤيته، طريق لا يمكن لأي عقل مغلق أن يفهمه وقال لي إنني إذا فتحت قلبي وعقلي، سأصل إلى هناك."
تردد "أمجد" للحظة، لكنه قرر أن يواجه شقيقه بصراحة:
"آدم، هذا الطريق الذي تتحدث عنه يبدو خطير هل فكرت يومً
أن كل هذا قد يكون مجرد أوهام؟ تأثيرات ما تعيشه؟"
أدار "آدم" وجهه نحو "أمجد" وبدت في عينيه نظرة حزن عميق: "ربما يكون وهمًا وربما يكون الحقيقة الوحيدة أحيانًا، لا يمكننا أن نفرق بين الاثنين."
ثم أضاف بصوت منخفض:
"لكن ما أعلمه الآن هو أنني لم أعد وحدي في هذا، وجودك هنا يعني أنك مستعد للمضي قدمًا معي."
قبل أن يتمكن "أمجد" من الرد، مد "آدم" يده إلى الدفتر، وفتح صفحة أخرى كانت تحتوي على رسم لشجرة كبيرة تتوسطها عين واحدة.
قال "آدم":
"هذه الشجرة، هي المفتاح، إنها ما رآه أبي قبل أن يبدأ في كتابة هذه الملاحظات وهي ما قادني إلى الملاذ."
قال "أمجد بأرتباك:
"آدم، توقف لحظة، ماذا تعني بالملاذ؟ هل هو مكان أم فكرة؟"
"إنه كل ذلك، وأكثر إنه باب إلى شيء أكبر وأنت، ... أنت الوحيد الذي يمكنني الوثوق به للمساعدة في فتحه"
انتهت اللحظة بصمت عميق بينهما، لكن "أمجد" شعر أن هذا لم يكن مجرد حديث بين شقيقين كان الأمر أكبر من ذلك أكبر من أي شيء عرفه في حياته.
كان "أمجد" يشعر بثقل ما اكتشفه حديثآ، وكأن العالم الذي كان يعرفه يتفكك ليكشف عن أسرار دفينة لا يستطيع عقله تصديقها بسهولة جلس مع "آدم" في غرفة المكتب بعد محادثتهما المثيرة والدفتر القديم بين يديهما، وكأنهما ينظران إلى خريطة كنز غامضة.
سأل "أمجد" بصوت مشحون بالتوتر، محاولًا أن يجد إجابة :
"آدم، كل هذه الرموز، هذه الرسومات، تشير إلى مكان معين أليس كذلك؟"
"آدم" الذي كان ينظر بتمعن إلى رسم الشجرة ذات العين أجاب بنبرة خافتة:
"نعم، إنه مكان أعرفه جيدًا، لكنني لم أكن أفهم أهميته وقتها كنت طفلًا ووالدنا كان يأخذني إليه."
تجمد "أمجد" للحظة، وعيناه تحدقان في "آدم" :
"مكان؟ هل تقصد أن الملاذ ليس فكرة؟ إنه مكان حقيقي؟"
هز "آدم" رأسه ببطء:
"نعم، لكنه أكثر من مجرد مكان إنه المفتاح لكل شيء، أبي كان يقضي ساعات هناك، وأحيانآ أيام كان يكتب ويحدثني عن أشياء لم أكن أفهمها حينها قال لي مرة إنه المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالحرية التامة لكنني لم أعتقد يومًا أن هذا سيصبح جزءًا من حياتي بهذه الطريقة."
انطلق الاثنان، بدافع من الغموض الذي يحيط بهذه الفكرة بدأ "أمجد" في البحث بين الأوراق القديمة، الرسائل، والخرائط التي وجدها في مكتبة والده خلال هذه العملية، لاحظ "أمجد" شيئًا غريبًا كان هناك نمط معين في الكتابات، إشارة متكررة إلى
أشجار الكنز.
تساءل "أمجد"، وهو يمرر أصابعه فوق الكلمات في إحدى الرسائل:
"أشجار الكنز؟ ما هذه الأشجار؟"
"آدم" الذي بدا وكأنه يعرف أكثر مما يقول أجاب:
"إنها مجموعة من الأشجار الكثيفة في مكان منعزل أبي كان يسميها كذلك لأنها تبدو كأنها تخفي سرآ كنت أذهب معه هناك
لكنه دائمًا ما كان يقول لي ألا أخبر أحدًا عنها."
بعد ساعات من البحث والتفكير، قرر "أمجد" أن يسأل والدته
كانت تجلس في الصالة، منشغلة بتنظيف ألبوم صور قديم.
"أمي، أريد أن أسألك عن شيء مهم هل كان أبي يأخذ "آدم" إلى مكان معين عندما كنت مسافرًا للدراسة؟"
رفعت والدته رأسها ببطء، وعينيها مليئتان بالحيرة.
"نعم، كان يأخذه إلى مكان ما في الغابة لكنه لم يخبرني كثيرًا عنه قال إنه مكان ملهم بالنسبة له كنت أظن أنه مجرد مكان للكتابة، لكن يبدو أنك تعرف أكثر مما أعلم."
"هل كنت تعلمين أنه كان يكتب شيئًا هناك؟ رواية ربما؟"
ابتسمت الأم بحزن.
"نعم، كان يقول إنه يعمل على شيء مميز، شيء سيغير كل شيء بالنسبة له لكنه لم ينهه أبدًا توقف فجأة عن الذهاب إلى هناك، ولم يتحدث عنه مرة أخرى."
قادهم البحث في نهاية المطاف إلى الغابة التي تحدث عنها "آدم" ووالدته عندما وصلوا إلى الموقع، وجدوا أنفسهم أمام أشجار كثيفة ومتشابكة كان الليل قد بدأ بالحلول، والظلام يغطي كل شيء حولهم، لكن "آدم" كان متأكدًا من الطريق.
قال "آدم" بصوت منخفض، وهو يشير إلى فجوة صغيرة بين الأشجار: "هنا... هنا كان يأخذني والدي"
دخلا عبر الفجوة، محاولين شق طريقهما بين الأغصان المتشابكة بعد دقائق من السير في الظلام، بدأ ضوء خافت يلوح من بعيد.
قال أمجد، مشيرًا إلى مدخل كهف صغير مخفي بين الأشجار:
"آدم، انظر هناك !! "
تقدم الاثنان بحذر، وكانت أنفاسهما تتسارع مع كل خطوة عندما دخلا إلى الكهف، كان الجو باردًا بشكل غير طبيعي، والجدران مغطاة بنقوش ورسومات غريبة.
على أحد الجدران، كانت هناك رسمة شجرة العين الشهيرة، ولكنها كانت أكبر وأكثر تفصيلًا تحتها، كان هناك رف صغير يحتوي على دفتر جلدي قديم.
قال "آدم" بصوت مرتجف، وهو يأخذ الدفتر بين يديه :
"هذا دفتر أبي"
فتح "أمجد" الدفتر، وبدأ يقلب صفحاته كانت تحتوي على نصوص أدبية، رسومات، ورموز غريبة لكنه لاحظ شيئًا مختلفًا في إحدى الصفحات: توقيع صغير أسفل الرسم.
قال "أمجد" مشيرًا إلى التوقيع : "آدم، انظر إلى هذا"
قرأ "آدم" التوقيع بصوت عالٍ: "آدم فريد!!!!"
تجمد الاثنان في مكانهما، وصمتت الغرفة بأكملها.
قال "آدم" بصدمة : "لكنه دفتر أبي... كيف يكون توقيعي هنا؟"
قال "أمجد" وقد بدت في عينيه نظرة استيعاب مفاجئة.
"آدم .. أنت من رسمت هذه الرسومات هذه ليست لوالدنا هذا عملك أنت، هذه افكارك أنت"
تراجع "آدم" خطوة إلى الوراء، ويده ترتعش وهي تحمل الدفتر. "لكن... لكنني كنت طفلاً. لا أذكر أنني رسمت أي شيء هنا."
أجاب "أمجد" بصوت جاد: "ربما كنت ترسم وأنت لا تعي ذلك
ربما كان أبي يكتب وأنت ترسم ما يشعر به أبي."
في تلك اللحظة، شعر "آدم" بصداع حاد يجتاح رأسه سقط على ركبتيه، وأخذ يمسك رأسه بكلتا يديه كان هناك صور متتابعة تظهر في ذهنه: أبيه وهو يكتب بجانبه، الكهف، الشجرة ذات العين وصوت همسات تعود من جديد، لكن هذه المرة كانت أكثر وضوحًا.
رفع "آدم" رأسه ببطء، ونظر إلى "أمجد":
"الملاذ... ليس مكانًا فقط إنه نحن، أنا وأبي، كُنا المفتاح منذ البداية."
في داخل الكهف، حيث الجدران المزخرفة بالنقوش والرسومات وقف "أمجد" يتأمل التفاصيل بذهول، بينما كان "آدم" لا يزال يحمل الدفتر بين يديه الصمت الذي ملأ المكان كان مثقلاً بالكشفات الغامضة التي بدأت تتجلى ببطء.
قال "أمجد" وكأنه يحاول فك طلاسم الكهف:
"آدم، إذا كان هذا المكان هو ما تسميه الملاذ، فلابد أنه أكثر من مجرد كهف هناك قصة مخفية هنا، وأبي... وأنت كنتما جزءًا منها."
"آدم"، الذي كان يتصفح الدفتر ببطء، توقف عند صفحة معينة كانت تحتوي على نصوص مكتوبة بخط والده، لكنها كانت محاطة برسومات واضحة جدًا كانت المشاهد المرسومة تصور أماكن وأحداثًا غريبة مدينة مدمرة، أشجار بأعين تراقب، وسفينة غارقة وسط بحر مضطرب.
قال "آدم" بصوت منخفض، وكأنه يكلم نفسه:
"أعرف هذه الرسومات، كنت أنا من رسمها أبي كان يجلس هنا ويطلب مني أن أرسم ما يكتبه، لكنه لم يخبرني أبدًا لماذا."
سأل "أمجد" بدهشة وهو يشير إلى إحدى الصفحات:
"أنت من رسم هذا؟، لكن... هذا يبدو وكأنه مشهد من رواية أو قصة خيالية."
"آدم" أومأ برأسه:
"أجل، كنت طفلًا وقتها كان أبي يجلبني إلى هنا ويجلسني بجانبه كان يكتب شيئًا على الأوراق، ثم ينظر إليّ ويقول تخيل المكان الذي أصفه لك، وارسمه، كنت أفعل ما يطلبه دون أن أفكر"
نظر "أمجد" حوله، عيناه تبحثان عن دليل آخر:
"إذن، الرواية التي كان يكتبها أبي... لم تكن مجرد كلمات على الورق لقد كنت أنت جزء من عملية خلقها كل هذه الرسومات هي انعكاس لعالم كان يبنيه في ذهنه."
بدأ "آدم" يتذكر المزيد وكأن الضباب الذي كان يلف عقله بدأ ينقشع:
"كان أبي يقول دائمًا إن الفن هو نافذة إلى العوالم الأخرى كنت أعتقد أنه يعني ذلك بشكل مجازي، لكنه كان يعني شيئًا أعمق كان يتحدث عن هذا المكان وكأنه بوابة، شيء يمكنه أن يأخذنا إلى عالم مختلف"
تقدم "أمجد" نحو رف آخر في الكهف كان هناك صندوق خشبي صغير مغطى بطبقة من الغبار فتحه ببطء، ووجد داخله مجموعة من الأوراق القديمة وبعض الأقلام الجافة على إحدى الأوراق، كان هناك مخطط واضح لرواية.
قال "أمجد" وهو يرفع الورقة:
"انظر إلى هذا، هذه صفحة من رواية أبي لكنه لم يكملها هناك فجوات في النص، وكأن شيئًا ما كان يمنعه من إنهائها."
بدأ "آدم" يشعر بشيء غريب لم يكن فقط يتعلق بالذكريات، بل كان إحساسآ غامض يحيط بالمكان نفسه اقترب من أحد الجدران، حيث كانت رسمة الشجرة ذات العين بارزة بوضوح وضع يده عليها، وشعر بنبض خافت، وكأن الجدار نفسه ينبض بالحياة.
قال "آدم" بصوت مليء بالدهشة:
"أمجد، هذا المكان ليس مجرد كهف إنه حي، أشعر وكأنه يحتفظ بشيء... شيء يخص أبي."
"أمجد" الذي كان يحاول استيعاب ما يسمعه، قال:
"هل تعتقد أن أبي كان يحاول استخدام هذا المكان لإلهامه؟ أم أنه كان يكتشف شيئًا أكثر خطورة؟"
"آدم" لم يكن متأكدًا، لكنه قال بثقة:
"أعتقد أن أبي كان يحاول الوصول إلى شيء هنا ربما كان يحاول أن يكشف عن حقيقة تتجاوز الرواية نفسها."
في تلك اللحظة، وجد "أمجد" مخطوطة مكتوبة بخط يد والده. كانت الصفحة الأولى تحمل عنوانًا بسيطًا: "الملاذ، قصة لم تنتهِ."
قال "أمجد" وهو يشير إلى الصفحة:
"آدم، انظر إلى هذا، هذا هو عنوان الرواية، أبي كان يسميها الملاذ أيضًا."
"آدم" أخذ المخطوطة بين يديه، وبدأ يقرأ بصوت عالٍ كانت القصة تدور حول شاب يجد بوابة غامضه مليئه بالأسرار، ويكتشف أن من يملكها،، يمتلك قدرة غريبة على تحويل الأفكار إلى واقع.
قال "آدم" بدهشة:
"هذا يشبه تمامًا ما يحدث داخلي، وكأن أبي كان يكتب عن ما اخبره به !!"
بينما كانا يتعمقان في قراءة المخطوطة، بدأ "آدم" يتذكر المزيد من التفاصيل:
"أمجد، أتذكر الآن، أبي لم يكن فقط يطلب مني أن أرسم كان يسألني عن ما أراه في أحلامي، كنت أخبره بأشياء غريبة، لكنه لم يتجاهلها أبدًا كان يقول إنني أرى ما لا يستطيع الآخرون رؤيته."
"أمجد" شعر بالقشعريرة وهو يستمع.
"هل تعتقد أن أبي كان يحاول استغلال اوهامك على رؤية هذه الأشياء؟ ربما كان يحاول استخدامها في روايته."
في النهاية، وبينما كانا يقلبان المزيد من الصفحات، وجد "أمجد" شيئًا مثيرًا للدهشة كانت هناك صفحة تحتوي على رسمة لـ "آدم" وهو طفل، يجلس بجانب والده في الكهف.
قال "أمجد" وهو يرفع الصفحة:
"آدم، انظر إلى هذا، هذه رسمة لك أنت رسمت هنا ما عاصرته وكأنك توثق كل شيء."
"آدم" نظر إلى الرسم بصمت، ثم قال بصوت مليء بالعاطفة:
"أبي لم يكن فقط يكتب رواية كان يحاول أن يربطني بهذا المكان، بهذا العالم، لكنه لم يخبرني لماذا."
في تلك اللحظة، شعر "آدم" بنبض خافت مرة أخرى، لكنه هذه المرة كان أقوى وكأن الكهف نفسه كان يحاول أن يقول شيئًا.
"أمجد، هذا المكان يحتفظ بشيء يخصني يجب أن نكتشف المزيد ربما سنجد الإجابة التي كنت تبحث عنها طوال حياتك."
قال "أمجد" بنبرة حازمة:
"إذن، لن نتوقف حتى نعرف الحقيقة الكاملة، عن الملاذ، عن أبي، وعن ما حدث لك."
وهكذا، انطلقا معًا في رحلة جديدة داخل الكهف، بين الأوراق والرسومات، بحثًا عن الحقيقة التي كانت مدفونة في أعماق المكان، وفي أعماق ذاكرتهما.
بينما كان "أمجد" و"آدم" يتوغلان أكثر في الكهف، اكتشفا ممرًا صغيرًا خلف أحد الجدران المزينة برسومات غريبة كان الممر ضيقًا بالكاد يسمح لهما بالمرور، ولكن الفضول دفعهما للمضي قدمًا كان الجو يزداد برودة، وصوت الرياح داخل الكهف يضفي شعورًا غامضًا وكأن الكهف يهمس لهما بأسراره.
وصل الاثنان إلى غرفة صغيرة في نهاية الممر كانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء خافت ينبعث من شمعة وحيدة وُضعت بعناية على رف حجري على الجدران، كانت هناك رسومات أخرى، لكن هذه المرة بدت أكثر تفصيلًا وأكثر غرابة كانت تظهر شجرة تحمل ثمارًا بأشكال غير طبيعية، وسفينة محطمة وسط أمواج عاتية، وجبلًا يعلوه قمر أرجواني اللون.
تساءل "أمجد" محاولًا تحليل الرسومات:
"ما هذا المكان؟، هل يمكن أن يكون هذا هو المكان الذي كان أبي يستلهم منه أفكاره؟"
"آدم" الذي كان ينظر إلى الشمعة، اقترب بحذر بجانبها، كان هناك دفتر آخر، مختلف عن الذي كان بحوزته.
قال "آدم" وهو يشير إلى الدفتر:
"أمجد، أنظر، هذا يبدو كدفتر مذكرات أبي، لكنه ليس كأي شيء رأيته من قبل."
فتح "آدم" الدفتر بحذر كانت صفحاته مليئة بالنصوص المكتوبة بخط يد والده، لكنها لم تكن مجرد كلمات كانت النصوص متشابكة مع رسومات تشبه تلك التي على الجدران.
قال "آدم" وبدأ يقرأ بصوت عالٍ:
"، في هذا المكان، تلتقي العوالم هنا تتحول الأفكار إلى واقع، والذكريات إلى صور ولكن الملاذ ليس ملاذًا للجميع إنه بوابة إلى ما وراء الإدراك فقط من يمتلك الرؤية يمكنه أن يرى."
توقف "آدم" عن القراءة، ونظر إلى "أمجد":
"رؤية؟ هل كان أبي يتحدث عني؟ هل كان يرى عالمه من خلالي، لم أفهمه أبدًا؟"
"أمجد" كان يحدق في الرسومات على الجدران، محاولًا الربط بين ما يقرأه "آدم" وما يراه:
"ربما كان أبي يعتقد أنك تمتلك موهبة خاصة شيء يتجاوز الرسم شيء يمكن أن يساعده في إنهاء هذه الرواية."
بينما كانا يقلبان صفحات الدفتر، عثرا على صفحة تحتوي على خريطة صغيرة كانت الخريطة تبدو وكأنها ترشد إلى مكان محدد داخل الكهف.
قال "أمجد" وهو يشير إلى الخريطة:
"هذا يشير إلى غرفة أخرى، لكن أين يمكن أن تكون؟"
"آدم" نظر حوله، ثم قال:
"ربما تكون خلف هذه الجدران، أبي دائمًا كان يقول إن الأشياء ليست كما تبدو علينا أن نبحث عن طريقة لفتح ممر آخر."
بدأ الاثنان يفتشان الغرفة بعناية، كان الجو مشحونًا بالتوتر، وكأن الكهف نفسه يراقبهما فجأة، لاحظ "أمجد" جزءًا من الجدار يبدو مختلفًا عن الباقي كان هناك نقش لشجرة بثمار غريبة.
قال "أمجد" وهو يشير إلى النقش:
"آدم، انظر إلى هذا، أليس هذا مشابهًا لإحدى الرسومات التي كنت ترسمها؟"
"آدم" اقترب ولمس النقش فور أن فعل ذلك، اهتز الجدار ببطء، وبدأ يفتح ممرًا جديدًا كان الممر مظلمًا تمامًا، ولكن من داخله، كان هناك ضوء خافت يبدو وكأنه يدعوهم للتقدم.
سأل "أمجد" وهو ينظر إلى أخيه: "هل أنت مستعد؟"
"آدم" ابتسم، لكنه كان يحمل مزيجًا من القلق والحماس في عينيه: "لقد وصلت إلى هذه النقطة، ولا يمكنني التراجع الآن يجب أن أعرف ما كان أبي يحاول إيصاله."
دخلا الممر معًا، والضوء الخافت كان يزداد إشراقًا كلما تقدما في نهاية الممر، وجدا غرفة أخرى، لكنها كانت مختلفة تمامًا كانت الجدران مليئة بالكتابات المضيئة، وكأنها محفورة بضوء سحري في وسط الغرفة، كان هناك طاولة حجرية كبيرة، وعلى سطحها كان هناك دفتر مفتوح.
اقترب "آدم" من الطاولة، وبدأ يقرأ ما هو مكتوب في الدفتر كانت النصوص تتحدث عن "الملاذ" ككيان حي، شيء لا يمكن السيطرة عليه، ولكنه يحمل القوة لتغيير الواقع إذا تم فهمه بشكل صحيح.
قال "آدم" بصوت خافت:
"أبي كان يكتب عن هذا طوال الوقت، كان يحاول فهم هذا المكان لكن لماذا؟ ما الذي كان يسعى إليه؟"
"أمجد" الذي كان يتفحص الجدران، وجد نقشًا يظهر شابًا صغيرًا يقف بجانب رجل يحمل قلمًا.
قال "أمجد" وهو يشير إلى النقش:
"آدم، انظر إلى هذا، هذا أنت، وهذا أبي يبدو أن هذا المكان كان يسجل كل شيء."
في تلك اللحظة، بدأ "آدم" يشعر بارتباط غريب مع المكان كانت الذكريات تتدفق إلى عقله، وكأنه كان يعيد عيش لحظات من طفولته تذكر كيف كان يجلس مع والده في هذا الكهف، وكيف كان يرسم بناءً على أوصاف والده.
قال "آدم" وكأنه يتحدث إلى نفسه:
"كنت أرسم مشاهد لم تكن موجودة!! ولكن أبي كان يجعلني أصدق أنها حقيقية الآن أفهم، كان يحاول بناء هذا العالم من خلالي."
بينما كانا يغوصان أكثر في تفاصيل الغرفة، سمع "آدم" صوتًا خافتًا وكأنه همس قادم من أعماق الكهف.
سأل "آدم" وعيناه تتسعان: "أمجد، هل سمعت ذلك؟"
"أمجد" أومأ برأسه بالنفي"لا، ماذا تسمع يا آدم؟."
بقي الاثنان في الغرفة، يقرأان النصوص ويكتشفان المزيد عن علاقة أبيهما بالملاذ الكهف لم يعد مجرد مكان غامض، بل أصبح جزءًا من ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما النهاية لا تزال مجهولة، لكنها مليئة بالوعود والاكتشافات التي قد تغير حياتهما إلى الأبد.
.....
"لم يكن آدم يعيش في واقعٍ واحد، بل في عوالم متشابكة، بعضها من صنع يديه، وبعضها زرعه والده في عقله، كان يسير في متاهة من الصور والأصوات، يبحث عن باب للخروج، لكنه أدرك أخيرًا أن المتاهة لم تكن حوله... بل كانت بداخله
"نحن لسنا سوى ظلالٍ لأنفسنا القديمة، نُحمل على أكتافنا أثقال ذكرياتٍ خفية، تهمس لنا في كل خطوة الماضي ليس سجنًا لتُحبس فيه، بل مرآة تعكس من كنتَ لتصنع من ستكون."
---
في صباح اليوم التالي، قرر "أمجد" التوجه إلى المكان المرسوم في الخريطة كان الموقع في منطقة بعيدة تمامًا عن المدينة، بجوار منزل العائلة القديم الذي عاشوا فيه في طفولتهم كان الطريق مهجورآ، وكأنه لم يسلكه أحد منذ سنوات.
عندما وصل إلى الموقع المحدد، وجد كوخ صغير متهالك وسط الأشجار، بدا المكان وكأنه خارج من كابوس، الباب كان نصف مفتوح والداخل كان مظلم بشكل غريب.
دخل "أمجد" بخطوات مترددة، وهو ينادي: "آدم؟ هل أنت هنا؟"
لكن ما وجده كان أغرب مما تخيل داخل الكوخ، كانت الجدران مليئة بالرسومات ذاتها التي رآها في الدفتر ظلال ووجوه وأماكن غامضة وعلى طاولة خشبية في منتصف الغرفة، كان هناك دفتر آخر، أمسك به وفتحه ببطء، ليجد كلمات مكتوبة بخط "آدم" .
"أمجد، إذا كنت تقرأ هذا، فهذا يعني أنك تتبعني أعلم أنك تريد إنقاذي، ولكن هناك شيء يجب أن تعرفه هذه ليست مجرد أوهام وليست مجرد مرض إنها دعوة، ولكن احذر، لأنك إذا عبرت البوابة فلن تتمكن من العودة بسهولة، فكر جيدآ قبل أن تتخذ خطوتك التالية.
لكنه أدرك شيئ واحد مهما كان ما يحدث، فإنه لن يتخلى عن "آدم" قرر مواجهة المجهول، حتى لو كان ذلك يعني دخوله إلى عالم لا يعرف فيه الواقع من الخيال.
"أمجد" وقف في وسط الغرفة المظلمة، ممسكآ بالدفتر بين يديه بينما كانت عينيه تتجولان في الرسومات المنتشرة على الجدران كان المكان مليئ بأثر "آدم" ولكن ليس بأثر أي مرض أو جنون كما قيل له من قبل كان هناك شيء أعمق، شيء أشبه برحلة غامضة قام بها شقيقه ولم يعد منها كما كان.
على الرغم من الغموض، لم يسمع "أمجد" أي همسات أو يشعر بأي هلاوس مثلما وصف "آدم" بالنسبة له، كان هذا مجرد مكان مهجور مليء بالفوضى، لكن داخله كان يعلم أن كل هذه الرسومات وكل هذه الكلمات تحمل معنى أكبر مما يبدو.
جلس على الطاولة الخشبية المهترئة، وفتح الدفتر من جديد، محاولًا قراءة الكلمات المبعثرة فيه بعناية أكبر بدأ يدون في ذهنه كل التفاصيل التي قد تقوده إلى الإجابة.
قال لنفسه بصوت خافت:
"إذا لم تكن هذه هلاوس آدم فقط، فمن أين تأتي؟ ولماذا؟"
لاحظ شيئ آخر في الصفحة الأخيرة من الدفتر، كان هناك رسم يشبه الباب، أو البوابة، كما وصفها "آدم" الكلمات بجانبها كانت تقول: "هذا المفتاح... البداية... النهاية."
"أمجد" لم يكن مقتنعآ بفكرة أن كل هذا مجرد مرض نفسي كان يعلم أن "آدم" شخص حساس فنان يرى العالم بطرق لا يفهمها الآخرون لكن، هل يمكن أن يكون هناك شيء حقيقي وراء كل هذا؟
قرر العودة إلى العيادة كان بحاجة إلى الحديث مع "سلمى" مجددآ ولكن هذه المرة ليس ليطلب تفسير لحالة شقيقه، بل ليواجهها بشكوكه.
---
ثم ذهب وترك كل شئ مكانه حتي يعود، التقت فقط دفتر "آدم" الذي وجده وقام بالتوجهه إلي عيادة الدكتوؤة "سلمي" ثم وصل ودخل "أمجد" مسرعآ أمام "سلمى" في مكتبها، واضعآ الدفتر على الطاولة أمامها.
"هذا ما وجدتُه في مكان كان آدم يذهب إليه، أريد أن أفهم ليس عن مرضه فقط، بل عن ما كان يمر به كل هذا يبدو أكبر من مجرد أوهام."
نظرت "سلمى" إلى الدفتر ثم إلى "أمجد" بعينين تحملان مزيجآ من الحيرة والتردد:
"أمجد، قلتُ لك من قبل إن حالة آدم معقدة للغاية ما يراه ويسمعه قد يكون نتيجة تداخل بين ذكريات الماضي ومخاوفه العميقة لكن هذا الدفتر... يبدو أنه يحمل رموزآ خاصة به، رموزآ تحتاج إلى تفسير."
"أمجد" قاطعها، محاولًا السيطرة على غضبه المكبوت.
"لكن هذا ليس كل شيء، والدي لم يكن يرسم هذه الرسومات ليست له، بل لآدم ومع ذلك، كان يقول إن والدي حاول حمايته، ماذا يعني ذلك؟ لماذا سيقول ذلك عن رجل مات منذ مدة؟"
أخذت "سلمى" نفسآ عميقآ، ثم قالت بهدوء:
"ربما كان والدك يمثل جزءًا من عالم آدم الداخلي ربما كان يحاول استعادة شعور الأمان الذي فقده منذ رحيل ليلي ثم والدك لكن المرض النفسي ليس دائمآ مرتبطآ بالواقع كما نعرفه أحيانآ، هو بناء لعالم جديد بالكامل داخل العقل"
"أمجد" شعر بالإحباط:
"لكن آدم لم يكن مجنونآ، كان هناك شيء حقيقي في كلامه وصفه لما رآه... الأماكن، الأصوات، كل ذلك كان حقيقي بالنسبة له ألا يمكن أن يكون هناك تفسير آخر؟"
ثم نفر "أمجد" مكانه وقال : "لا يهمني شيئآ الان اريد آدم فقط".
---
بعد أن غادر "أمجد" عيادة "سلمي" قرر أن يعود إلى بيت العائلة القديم المكان الذي كان يمثل جزء كبير من ذكرياتهم مع والدهم كان مقتنعآ بأن هناك شيئآ في الماضي يحمل الإجابة.
عند وصوله، بدأ يبحث في مكتبة والده التي كانت ما تزال محفوظة كما تركها بين الكتب المصفوفة بعناية، وجد صندوقآ خشبيآ صغيرآ مغطى بالغبار عندما فتحه، وجد داخله مجموعة من الأوراق القديمة ورسائل كتبها والده.
إحدى الرسائل كانت موجهة إلى "آدم" مباشرة كانت مكتوبة بخط يد والدهم، لكنها لم تكن عادية الكلمات كانت غامضة، تتحدث عن مكان مخفي وعن خطر الاقتراب منه، الرسالة بدت وكأنها تحذير، ولكنها لم تذكر تفاصيل كافية.
في تلك الليلة، جلس "أمجد" على طاولة في غرفة المعيشة، يراجع الرسالة والدفتر معًا كان هناك شيء يربط بينهما، لكنه لم يستطع فهمه بالكامل بعد.
بينما كان يراجع الرسومات مرة أخرى، لفت انتباهه رسم ليد تحمل مفتاحآ، أسفلها، كانت هناك كلمات بخط صغير:
"المفتاح ليس للبوابة فقط، بل للذكريات أيضًا."
أدرك "أمجد" أن هذا المفتاح قد يكون جزء من الحل، لكنه لم يكن يعلم من أين يبدأ كان يعرف شيئ واحدآ فقط مهما كان الأمر، فإنه لن يتوقف حتى يكتشف الحقيقة، حتى لو اضطر للعودة إلى أعماق ماضيهم العائلي لفهم ما حدث لـ "آدم" ولماذا بدأ يرى العالم بهذا الشكل.
بعدما قضى "أمجد" ساعات طويلة يراجع الرسائل والدفتر، شعر أن ثمة حلقة مفقودة لم يستطع إدراكها بمفرده كان واضحآ أن هناك جزء من الماضي لا يعرفه، جزء يتعلق بالعلاقة بين "آدم"ووالده وما قد يكون تركه الأخير من أثر عميق في حياة شقيقه.
قرر العودة إلى المنزل حيث تتواجد والدته كان عليه أن يواجهها بأسئلته، رغم أنه لم يكن متأكدآ من مدى استعدادها للإجابة.
جلس "أمجد" أمام والدته في غرفة المعيشة المليئة بصور والده القديمة كانت والدته ترتشف فنجان قهوة، تبدو مرهقة ولكنها متماسكة فتح "أمجد" الدفتر الذي كان يحمله معه، ووضعه أمامها.
"أمي، هل تتذكرين شيئًا عن علاقة أبي بـ آدم؟ ، أي شيء غريب
أو مختلف؟ ، أشعر أن هناك شيئ في الماضي ، لم أكن موجودآ لأراه بسبب سفري للدراسة في الخارج."
نظرت إليه والدته بصمت لوهلة، ثم وضعت فنجان القهوة جانبآ "أمجد، ما الذي تبحث عنه تحديدآ؟ لقد كان والدك رجلاً طيبآ، ولم يكن هناك شيء غريب بشأن علاقته بـ آدم كان يحبكما جميعآ."
"أنا أعلم أنه كان طيبآ، ولكن هناك أشياء لم أفهمها بعد ، آدم يمر بما يشبه أزمة نفسية عميقة، وكل شيء يشير إلى أن هناك صلة بين ما يعانيه الآن وبين علاقتنا بالعائلة أحتاج إلى أن أعرف هل حدث شيء عندما كنت أنا بالخارج؟"
تنهدت والدته وأخذت وقتها قبل أن تجيب:
"آدم كان دائمآ طفلاً حساسآ، مختلفآ عنك كنتَ أنت دائم الحركة، تحب الخروج مع أصدقائك والانشغال بالدراسة، بينما كان آدم يميل إلى العزلة والتأمل بعد سفرك، بدأ يقضي وقت أطول مع والدك كان يجلسان معآ في المكتب لساعات طويلة، يتحدثان عن أشياء لم أكن أفهمها دائمآ كان والدك يقرأ له من كتبه المفضلة، وأحيانآ يطلب منه أن يرسم ما يتخيله من القصص."
توقفت للحظة، ثم أضافت:
"لكن بعد فترة، بدأت ألاحظ تغيرًا في آدم أصبح أكثر انطوائية، وكان يتحدث عن أشياء غريبة مرة قال لي إنه يرى أشياء في أحلامه، وأن والده كان يحدثه عن أماكن غريبة، لكنه كان يرفض أن يخبرني التفاصيل."
"أمجد" شعر بتوتر متزايد:
"هل تذكرين أي شيء محدد؟ أي شيء قد يربط بين ما يقول آدم الآن وما كان يحدث في ذلك الوقت؟"
هزت والدته رأسها ببطء.
"الشيء الوحيد الذي أذكره هو تلك الليلة عندما كان والدك جالسآ مع آدم في المكتب كنت في المطبخ وسمعت أصوات مرتفعة عندما دخلت لأرى ما يجري، كان آدم يبكي ووالدك يحاول تهدئته سألتهما عما حدث، ولكن والدك قال إنها مجرد قصة أثرت فيه بشدة "
عاد "أمجد" إلى غرفته في المنزل، عقله يزدحم بالأفكار تلك الليلة التي وصفتها والدته بدت مهمة كان هناك شيء قد حدث بين والده و"آدم" شيء ربما يفسر سبب تحول حاله شقيقه بعد وفاة والده.
فتح الدفتر مجددًا، وركز على الرسومات التي تحتوي على رموز غامضة وأشكال تبدو وكأنها مستوحاة من قصص قديمة وفي إحدى الصفحات، لاحظ كلمة صغيرة بالكاد تُرى: "الملاذ."
قال "أمجد" لنفسه:
"ما الذي يعنيه هذا؟ هل كان والدنا يخبئ شيئًا عن الجميع؟"
قرر "أمجد" أنه بحاجة للبحث في مكتبة والده مرة أخرى، هذه المرة بعين أكثر تركيزآ كان متأكدآ أن هناك شيئًا مخفيًا، وربما المفتاح لفهم كل ما يمر به "آدم" موجود هناك.
لكن قبل أن يتحرك، سمع صوتآ خافتآ من الطابق السفلي لم يكن همسًا مثلما يصف "آدم" بل صوتًا حقيقيآ، صوت خطوات والدته وهي تتحدث على الهاتف لوهلة، شعر "أمجد" بالارتباك، وكأن كل شيء من حوله بدأ يأخذ طابعًا أكثر غموضًا هل كان يبحث في المكان الخطأ؟
"أمجد" لم يكن يسمع همسات، ولم يكن يرى هلاوس، لكنه كان يعلم أن هناك لغز أكبر مما يبدو شيء يتعلق بوالده، وربما حتى بالرسومات والرموز التي يبدو أنها تحمل قصة لا تزال مدفونة في أعماق الماضي.
ظل "أمجد" جالسًا في مكتب والده، والهدوء الثقيل يملأ الغرفة كأنها تحبس أنفاسها الأوراق المبعثرة على المكتب، والرسومات الغريبة في الدفتر، والخريطة التي وجدها قبل لحظات
كل شيء بدا وكأنه يشير إلى شيء أكبر مما كان يتصور.
نظر إلى الرسالة التي قرأها للتو، والتي تركها والده وكأنها لغز مقصود: "الملاذ هو البداية."
تردد صدى العبارة في ذهنه كجرس ينذر بشيء مجهول أمسك الخريطة من جديد، محاولًا فك رموزها في أعماقه، كان يعلم أن هذا البحث لن يكون سهلًا، ولكنه لم يكن مستعدًا لما سيأتي بعد ذلك.
بينما كان يتعمق أكثر في محاولة فهم ما يجري، شعر بشيء غريب كما لو أن الهواء في الغرفة قد تغير فجأة ارتفع صوت خافت في الخلفية، أقرب إلى همسات غير مفهومة استدار بسرعة، لكن الغرفة كانت فارغة.
قال لنفسه محاولًا تهدئة نبضات قلبه: "أوهام... مجرد أوهام،"
ولكن عندما استدار مجددآ إلى المكتب، وجد دفتر والده مفتوحآ على صفحة جديدة لم يكن قد رآها من قبل الصفحة كانت تحمل رسمة واضحة وجه "آدم" محاطًا برموز غريبة وشجرة متشابكة الأغصان، وكأنها تخفي شيئًا خلفها.
تسارعت أنفاس "أمجد" كيف يمكن أن يظهر هذا الرسم الآن؟
ولماذا يبدو كأن والده كان يعرف كل شيء عن "آدم؟".
فجأة، انقطع الصمت بصوت خطوات هادئة خلفه كانت الخطوات خفيفة، لكنها متواصلة، تقترب ببطء تجمد "أمجد" في مكانه
ولم يجرؤ على الالتفات.
"أمجد..." جاء الصوت، خافتًا لكنه مألوف.
استدار ببطء، ليجد "آدم" يقف عند عتبة الباب لكن هذه المرة كان مختلفآ عيناه بدت وكأنهما تلمعان ببريق غريب، مزيج من الحزن والمعرفة وجهه كان شاحبآ، لكن هدوءه كان يثير القلق أكثر من أي شيء آخر.
قال "أمج"د بصوت مرتجف: "آدم؟"
قال "آدم" بصوت هادئ، لكنه يحمل ثقلًا لا يمكن تجاهله:
"كنت أعلم أنك ستصل إلى هنا، كل شيء يقود إلى هذه اللحظة، أليس كذلك؟"
تقدم "أمجد" خطوة إلى الأمام، محاولًا استيعاب المشهد أمامه. "آدم، ما الذي يحدث؟، أين كنت، وكيف عرفت عن كل هذا؟"
ابتسم "آدم" ابتسامة صغيرة لكنها كانت تحمل بداخلها ألمًا غامضآ "لأنني كنت هناك، كنت جزء من كل هذا أبي لم يكن يخفي عني شيئًا لكنه كان يعلم أنني الوحيد الذي يستطيع أن يرى الحقيقة."
"الحقيقة؟ عن ماذا تتحدث؟"
تقدم "آدم" إلى المكتب، وأخذ الدفتر بيديه، متأملًا الرسومات والكتابات:
"الملاذ، إنه ليس مجرد مكان إنه فكرة، طريق يقودنا إلى ما وراء ما نراه أبي كان يعلم ذلك، لكنه لم يملك الشجاعة للغوص أعمق، أنا من أكملت طريقه."
لم يكن "أمجد" قادرآ على التحدث كان يشعر أن "آدم" يتحدث
عن شيء أكبر من قدرة أي شخص على الفهم.
"لكن لماذا أنت؟ لماذا أنت الوحيد الذي ترى هذه الأشياء وتسمع الأصوات؟"
"لأنني كنت الأقرب إلى أبي كنت أستمع إلى كل كلمة يقولها، وأرسم معه تلك الأفكار التي كان يراها مستحيلة في يوم ما، أخبرني أن هناك طريق لا يستطيع الجميع رؤيته، طريق لا يمكن لأي عقل مغلق أن يفهمه وقال لي إنني إذا فتحت قلبي وعقلي، سأصل إلى هناك."
تردد "أمجد" للحظة، لكنه قرر أن يواجه شقيقه بصراحة:
"آدم، هذا الطريق الذي تتحدث عنه يبدو خطير هل فكرت يومً
أن كل هذا قد يكون مجرد أوهام؟ تأثيرات ما تعيشه؟"
أدار "آدم" وجهه نحو "أمجد" وبدت في عينيه نظرة حزن عميق: "ربما يكون وهمًا وربما يكون الحقيقة الوحيدة أحيانًا، لا يمكننا أن نفرق بين الاثنين."
ثم أضاف بصوت منخفض:
"لكن ما أعلمه الآن هو أنني لم أعد وحدي في هذا، وجودك هنا يعني أنك مستعد للمضي قدمًا معي."
قبل أن يتمكن "أمجد" من الرد، مد "آدم" يده إلى الدفتر، وفتح صفحة أخرى كانت تحتوي على رسم لشجرة كبيرة تتوسطها عين واحدة.
قال "آدم":
"هذه الشجرة، هي المفتاح، إنها ما رآه أبي قبل أن يبدأ في كتابة هذه الملاحظات وهي ما قادني إلى الملاذ."
قال "أمجد بأرتباك:
"آدم، توقف لحظة، ماذا تعني بالملاذ؟ هل هو مكان أم فكرة؟"
"إنه كل ذلك، وأكثر إنه باب إلى شيء أكبر وأنت، ... أنت الوحيد الذي يمكنني الوثوق به للمساعدة في فتحه"
انتهت اللحظة بصمت عميق بينهما، لكن "أمجد" شعر أن هذا لم يكن مجرد حديث بين شقيقين كان الأمر أكبر من ذلك أكبر من أي شيء عرفه في حياته.
كان "أمجد" يشعر بثقل ما اكتشفه حديثآ، وكأن العالم الذي كان يعرفه يتفكك ليكشف عن أسرار دفينة لا يستطيع عقله تصديقها بسهولة جلس مع "آدم" في غرفة المكتب بعد محادثتهما المثيرة والدفتر القديم بين يديهما، وكأنهما ينظران إلى خريطة كنز غامضة.
سأل "أمجد" بصوت مشحون بالتوتر، محاولًا أن يجد إجابة :
"آدم، كل هذه الرموز، هذه الرسومات، تشير إلى مكان معين أليس كذلك؟"
"آدم" الذي كان ينظر بتمعن إلى رسم الشجرة ذات العين أجاب بنبرة خافتة:
"نعم، إنه مكان أعرفه جيدًا، لكنني لم أكن أفهم أهميته وقتها كنت طفلًا ووالدنا كان يأخذني إليه."
تجمد "أمجد" للحظة، وعيناه تحدقان في "آدم" :
"مكان؟ هل تقصد أن الملاذ ليس فكرة؟ إنه مكان حقيقي؟"
هز "آدم" رأسه ببطء:
"نعم، لكنه أكثر من مجرد مكان إنه المفتاح لكل شيء، أبي كان يقضي ساعات هناك، وأحيانآ أيام كان يكتب ويحدثني عن أشياء لم أكن أفهمها حينها قال لي مرة إنه المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالحرية التامة لكنني لم أعتقد يومًا أن هذا سيصبح جزءًا من حياتي بهذه الطريقة."
انطلق الاثنان، بدافع من الغموض الذي يحيط بهذه الفكرة بدأ "أمجد" في البحث بين الأوراق القديمة، الرسائل، والخرائط التي وجدها في مكتبة والده خلال هذه العملية، لاحظ "أمجد" شيئًا غريبًا كان هناك نمط معين في الكتابات، إشارة متكررة إلى
أشجار الكنز.
تساءل "أمجد"، وهو يمرر أصابعه فوق الكلمات في إحدى الرسائل:
"أشجار الكنز؟ ما هذه الأشجار؟"
"آدم" الذي بدا وكأنه يعرف أكثر مما يقول أجاب:
"إنها مجموعة من الأشجار الكثيفة في مكان منعزل أبي كان يسميها كذلك لأنها تبدو كأنها تخفي سرآ كنت أذهب معه هناك
لكنه دائمًا ما كان يقول لي ألا أخبر أحدًا عنها."
بعد ساعات من البحث والتفكير، قرر "أمجد" أن يسأل والدته
كانت تجلس في الصالة، منشغلة بتنظيف ألبوم صور قديم.
"أمي، أريد أن أسألك عن شيء مهم هل كان أبي يأخذ "آدم" إلى مكان معين عندما كنت مسافرًا للدراسة؟"
رفعت والدته رأسها ببطء، وعينيها مليئتان بالحيرة.
"نعم، كان يأخذه إلى مكان ما في الغابة لكنه لم يخبرني كثيرًا عنه قال إنه مكان ملهم بالنسبة له كنت أظن أنه مجرد مكان للكتابة، لكن يبدو أنك تعرف أكثر مما أعلم."
"هل كنت تعلمين أنه كان يكتب شيئًا هناك؟ رواية ربما؟"
ابتسمت الأم بحزن.
"نعم، كان يقول إنه يعمل على شيء مميز، شيء سيغير كل شيء بالنسبة له لكنه لم ينهه أبدًا توقف فجأة عن الذهاب إلى هناك، ولم يتحدث عنه مرة أخرى."
قادهم البحث في نهاية المطاف إلى الغابة التي تحدث عنها "آدم" ووالدته عندما وصلوا إلى الموقع، وجدوا أنفسهم أمام أشجار كثيفة ومتشابكة كان الليل قد بدأ بالحلول، والظلام يغطي كل شيء حولهم، لكن "آدم" كان متأكدًا من الطريق.
قال "آدم" بصوت منخفض، وهو يشير إلى فجوة صغيرة بين الأشجار: "هنا... هنا كان يأخذني والدي"
دخلا عبر الفجوة، محاولين شق طريقهما بين الأغصان المتشابكة بعد دقائق من السير في الظلام، بدأ ضوء خافت يلوح من بعيد.
قال أمجد، مشيرًا إلى مدخل كهف صغير مخفي بين الأشجار:
"آدم، انظر هناك !! "
تقدم الاثنان بحذر، وكانت أنفاسهما تتسارع مع كل خطوة عندما دخلا إلى الكهف، كان الجو باردًا بشكل غير طبيعي، والجدران مغطاة بنقوش ورسومات غريبة.
على أحد الجدران، كانت هناك رسمة شجرة العين الشهيرة، ولكنها كانت أكبر وأكثر تفصيلًا تحتها، كان هناك رف صغير يحتوي على دفتر جلدي قديم.
قال "آدم" بصوت مرتجف، وهو يأخذ الدفتر بين يديه :
"هذا دفتر أبي"
فتح "أمجد" الدفتر، وبدأ يقلب صفحاته كانت تحتوي على نصوص أدبية، رسومات، ورموز غريبة لكنه لاحظ شيئًا مختلفًا في إحدى الصفحات: توقيع صغير أسفل الرسم.
قال "أمجد" مشيرًا إلى التوقيع : "آدم، انظر إلى هذا"
قرأ "آدم" التوقيع بصوت عالٍ: "آدم فريد!!!!"
تجمد الاثنان في مكانهما، وصمتت الغرفة بأكملها.
قال "آدم" بصدمة : "لكنه دفتر أبي... كيف يكون توقيعي هنا؟"
قال "أمجد" وقد بدت في عينيه نظرة استيعاب مفاجئة.
"آدم .. أنت من رسمت هذه الرسومات هذه ليست لوالدنا هذا عملك أنت، هذه افكارك أنت"
تراجع "آدم" خطوة إلى الوراء، ويده ترتعش وهي تحمل الدفتر. "لكن... لكنني كنت طفلاً. لا أذكر أنني رسمت أي شيء هنا."
أجاب "أمجد" بصوت جاد: "ربما كنت ترسم وأنت لا تعي ذلك
ربما كان أبي يكتب وأنت ترسم ما يشعر به أبي."
في تلك اللحظة، شعر "آدم" بصداع حاد يجتاح رأسه سقط على ركبتيه، وأخذ يمسك رأسه بكلتا يديه كان هناك صور متتابعة تظهر في ذهنه: أبيه وهو يكتب بجانبه، الكهف، الشجرة ذات العين وصوت همسات تعود من جديد، لكن هذه المرة كانت أكثر وضوحًا.
رفع "آدم" رأسه ببطء، ونظر إلى "أمجد":
"الملاذ... ليس مكانًا فقط إنه نحن، أنا وأبي، كُنا المفتاح منذ البداية."
في داخل الكهف، حيث الجدران المزخرفة بالنقوش والرسومات وقف "أمجد" يتأمل التفاصيل بذهول، بينما كان "آدم" لا يزال يحمل الدفتر بين يديه الصمت الذي ملأ المكان كان مثقلاً بالكشفات الغامضة التي بدأت تتجلى ببطء.
قال "أمجد" وكأنه يحاول فك طلاسم الكهف:
"آدم، إذا كان هذا المكان هو ما تسميه الملاذ، فلابد أنه أكثر من مجرد كهف هناك قصة مخفية هنا، وأبي... وأنت كنتما جزءًا منها."
"آدم"، الذي كان يتصفح الدفتر ببطء، توقف عند صفحة معينة كانت تحتوي على نصوص مكتوبة بخط والده، لكنها كانت محاطة برسومات واضحة جدًا كانت المشاهد المرسومة تصور أماكن وأحداثًا غريبة مدينة مدمرة، أشجار بأعين تراقب، وسفينة غارقة وسط بحر مضطرب.
قال "آدم" بصوت منخفض، وكأنه يكلم نفسه:
"أعرف هذه الرسومات، كنت أنا من رسمها أبي كان يجلس هنا ويطلب مني أن أرسم ما يكتبه، لكنه لم يخبرني أبدًا لماذا."
سأل "أمجد" بدهشة وهو يشير إلى إحدى الصفحات:
"أنت من رسم هذا؟، لكن... هذا يبدو وكأنه مشهد من رواية أو قصة خيالية."
"آدم" أومأ برأسه:
"أجل، كنت طفلًا وقتها كان أبي يجلبني إلى هنا ويجلسني بجانبه كان يكتب شيئًا على الأوراق، ثم ينظر إليّ ويقول تخيل المكان الذي أصفه لك، وارسمه، كنت أفعل ما يطلبه دون أن أفكر"
نظر "أمجد" حوله، عيناه تبحثان عن دليل آخر:
"إذن، الرواية التي كان يكتبها أبي... لم تكن مجرد كلمات على الورق لقد كنت أنت جزء من عملية خلقها كل هذه الرسومات هي انعكاس لعالم كان يبنيه في ذهنه."
بدأ "آدم" يتذكر المزيد وكأن الضباب الذي كان يلف عقله بدأ ينقشع:
"كان أبي يقول دائمًا إن الفن هو نافذة إلى العوالم الأخرى كنت أعتقد أنه يعني ذلك بشكل مجازي، لكنه كان يعني شيئًا أعمق كان يتحدث عن هذا المكان وكأنه بوابة، شيء يمكنه أن يأخذنا إلى عالم مختلف"
تقدم "أمجد" نحو رف آخر في الكهف كان هناك صندوق خشبي صغير مغطى بطبقة من الغبار فتحه ببطء، ووجد داخله مجموعة من الأوراق القديمة وبعض الأقلام الجافة على إحدى الأوراق، كان هناك مخطط واضح لرواية.
قال "أمجد" وهو يرفع الورقة:
"انظر إلى هذا، هذه صفحة من رواية أبي لكنه لم يكملها هناك فجوات في النص، وكأن شيئًا ما كان يمنعه من إنهائها."
بدأ "آدم" يشعر بشيء غريب لم يكن فقط يتعلق بالذكريات، بل كان إحساسآ غامض يحيط بالمكان نفسه اقترب من أحد الجدران، حيث كانت رسمة الشجرة ذات العين بارزة بوضوح وضع يده عليها، وشعر بنبض خافت، وكأن الجدار نفسه ينبض بالحياة.
قال "آدم" بصوت مليء بالدهشة:
"أمجد، هذا المكان ليس مجرد كهف إنه حي، أشعر وكأنه يحتفظ بشيء... شيء يخص أبي."
"أمجد" الذي كان يحاول استيعاب ما يسمعه، قال:
"هل تعتقد أن أبي كان يحاول استخدام هذا المكان لإلهامه؟ أم أنه كان يكتشف شيئًا أكثر خطورة؟"
"آدم" لم يكن متأكدًا، لكنه قال بثقة:
"أعتقد أن أبي كان يحاول الوصول إلى شيء هنا ربما كان يحاول أن يكشف عن حقيقة تتجاوز الرواية نفسها."
في تلك اللحظة، وجد "أمجد" مخطوطة مكتوبة بخط يد والده. كانت الصفحة الأولى تحمل عنوانًا بسيطًا: "الملاذ، قصة لم تنتهِ."
قال "أمجد" وهو يشير إلى الصفحة:
"آدم، انظر إلى هذا، هذا هو عنوان الرواية، أبي كان يسميها الملاذ أيضًا."
"آدم" أخذ المخطوطة بين يديه، وبدأ يقرأ بصوت عالٍ كانت القصة تدور حول شاب يجد بوابة غامضه مليئه بالأسرار، ويكتشف أن من يملكها،، يمتلك قدرة غريبة على تحويل الأفكار إلى واقع.
قال "آدم" بدهشة:
"هذا يشبه تمامًا ما يحدث داخلي، وكأن أبي كان يكتب عن ما اخبره به !!"
بينما كانا يتعمقان في قراءة المخطوطة، بدأ "آدم" يتذكر المزيد من التفاصيل:
"أمجد، أتذكر الآن، أبي لم يكن فقط يطلب مني أن أرسم كان يسألني عن ما أراه في أحلامي، كنت أخبره بأشياء غريبة، لكنه لم يتجاهلها أبدًا كان يقول إنني أرى ما لا يستطيع الآخرون رؤيته."
"أمجد" شعر بالقشعريرة وهو يستمع.
"هل تعتقد أن أبي كان يحاول استغلال اوهامك على رؤية هذه الأشياء؟ ربما كان يحاول استخدامها في روايته."
في النهاية، وبينما كانا يقلبان المزيد من الصفحات، وجد "أمجد" شيئًا مثيرًا للدهشة كانت هناك صفحة تحتوي على رسمة لـ "آدم" وهو طفل، يجلس بجانب والده في الكهف.
قال "أمجد" وهو يرفع الصفحة:
"آدم، انظر إلى هذا، هذه رسمة لك أنت رسمت هنا ما عاصرته وكأنك توثق كل شيء."
"آدم" نظر إلى الرسم بصمت، ثم قال بصوت مليء بالعاطفة:
"أبي لم يكن فقط يكتب رواية كان يحاول أن يربطني بهذا المكان، بهذا العالم، لكنه لم يخبرني لماذا."
في تلك اللحظة، شعر "آدم" بنبض خافت مرة أخرى، لكنه هذه المرة كان أقوى وكأن الكهف نفسه كان يحاول أن يقول شيئًا.
"أمجد، هذا المكان يحتفظ بشيء يخصني يجب أن نكتشف المزيد ربما سنجد الإجابة التي كنت تبحث عنها طوال حياتك."
قال "أمجد" بنبرة حازمة:
"إذن، لن نتوقف حتى نعرف الحقيقة الكاملة، عن الملاذ، عن أبي، وعن ما حدث لك."
وهكذا، انطلقا معًا في رحلة جديدة داخل الكهف، بين الأوراق والرسومات، بحثًا عن الحقيقة التي كانت مدفونة في أعماق المكان، وفي أعماق ذاكرتهما.
بينما كان "أمجد" و"آدم" يتوغلان أكثر في الكهف، اكتشفا ممرًا صغيرًا خلف أحد الجدران المزينة برسومات غريبة كان الممر ضيقًا بالكاد يسمح لهما بالمرور، ولكن الفضول دفعهما للمضي قدمًا كان الجو يزداد برودة، وصوت الرياح داخل الكهف يضفي شعورًا غامضًا وكأن الكهف يهمس لهما بأسراره.
وصل الاثنان إلى غرفة صغيرة في نهاية الممر كانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء خافت ينبعث من شمعة وحيدة وُضعت بعناية على رف حجري على الجدران، كانت هناك رسومات أخرى، لكن هذه المرة بدت أكثر تفصيلًا وأكثر غرابة كانت تظهر شجرة تحمل ثمارًا بأشكال غير طبيعية، وسفينة محطمة وسط أمواج عاتية، وجبلًا يعلوه قمر أرجواني اللون.
تساءل "أمجد" محاولًا تحليل الرسومات:
"ما هذا المكان؟، هل يمكن أن يكون هذا هو المكان الذي كان أبي يستلهم منه أفكاره؟"
"آدم" الذي كان ينظر إلى الشمعة، اقترب بحذر بجانبها، كان هناك دفتر آخر، مختلف عن الذي كان بحوزته.
قال "آدم" وهو يشير إلى الدفتر:
"أمجد، أنظر، هذا يبدو كدفتر مذكرات أبي، لكنه ليس كأي شيء رأيته من قبل."
فتح "آدم" الدفتر بحذر كانت صفحاته مليئة بالنصوص المكتوبة بخط يد والده، لكنها لم تكن مجرد كلمات كانت النصوص متشابكة مع رسومات تشبه تلك التي على الجدران.
قال "آدم" وبدأ يقرأ بصوت عالٍ:
"، في هذا المكان، تلتقي العوالم هنا تتحول الأفكار إلى واقع، والذكريات إلى صور ولكن الملاذ ليس ملاذًا للجميع إنه بوابة إلى ما وراء الإدراك فقط من يمتلك الرؤية يمكنه أن يرى."
توقف "آدم" عن القراءة، ونظر إلى "أمجد":
"رؤية؟ هل كان أبي يتحدث عني؟ هل كان يرى عالمه من خلالي، لم أفهمه أبدًا؟"
"أمجد" كان يحدق في الرسومات على الجدران، محاولًا الربط بين ما يقرأه "آدم" وما يراه:
"ربما كان أبي يعتقد أنك تمتلك موهبة خاصة شيء يتجاوز الرسم شيء يمكن أن يساعده في إنهاء هذه الرواية."
بينما كانا يقلبان صفحات الدفتر، عثرا على صفحة تحتوي على خريطة صغيرة كانت الخريطة تبدو وكأنها ترشد إلى مكان محدد داخل الكهف.
قال "أمجد" وهو يشير إلى الخريطة:
"هذا يشير إلى غرفة أخرى، لكن أين يمكن أن تكون؟"
"آدم" نظر حوله، ثم قال:
"ربما تكون خلف هذه الجدران، أبي دائمًا كان يقول إن الأشياء ليست كما تبدو علينا أن نبحث عن طريقة لفتح ممر آخر."
بدأ الاثنان يفتشان الغرفة بعناية، كان الجو مشحونًا بالتوتر، وكأن الكهف نفسه يراقبهما فجأة، لاحظ "أمجد" جزءًا من الجدار يبدو مختلفًا عن الباقي كان هناك نقش لشجرة بثمار غريبة.
قال "أمجد" وهو يشير إلى النقش:
"آدم، انظر إلى هذا، أليس هذا مشابهًا لإحدى الرسومات التي كنت ترسمها؟"
"آدم" اقترب ولمس النقش فور أن فعل ذلك، اهتز الجدار ببطء، وبدأ يفتح ممرًا جديدًا كان الممر مظلمًا تمامًا، ولكن من داخله، كان هناك ضوء خافت يبدو وكأنه يدعوهم للتقدم.
سأل "أمجد" وهو ينظر إلى أخيه: "هل أنت مستعد؟"
"آدم" ابتسم، لكنه كان يحمل مزيجًا من القلق والحماس في عينيه: "لقد وصلت إلى هذه النقطة، ولا يمكنني التراجع الآن يجب أن أعرف ما كان أبي يحاول إيصاله."
دخلا الممر معًا، والضوء الخافت كان يزداد إشراقًا كلما تقدما في نهاية الممر، وجدا غرفة أخرى، لكنها كانت مختلفة تمامًا كانت الجدران مليئة بالكتابات المضيئة، وكأنها محفورة بضوء سحري في وسط الغرفة، كان هناك طاولة حجرية كبيرة، وعلى سطحها كان هناك دفتر مفتوح.
اقترب "آدم" من الطاولة، وبدأ يقرأ ما هو مكتوب في الدفتر كانت النصوص تتحدث عن "الملاذ" ككيان حي، شيء لا يمكن السيطرة عليه، ولكنه يحمل القوة لتغيير الواقع إذا تم فهمه بشكل صحيح.
قال "آدم" بصوت خافت:
"أبي كان يكتب عن هذا طوال الوقت، كان يحاول فهم هذا المكان لكن لماذا؟ ما الذي كان يسعى إليه؟"
"أمجد" الذي كان يتفحص الجدران، وجد نقشًا يظهر شابًا صغيرًا يقف بجانب رجل يحمل قلمًا.
قال "أمجد" وهو يشير إلى النقش:
"آدم، انظر إلى هذا، هذا أنت، وهذا أبي يبدو أن هذا المكان كان يسجل كل شيء."
في تلك اللحظة، بدأ "آدم" يشعر بارتباط غريب مع المكان كانت الذكريات تتدفق إلى عقله، وكأنه كان يعيد عيش لحظات من طفولته تذكر كيف كان يجلس مع والده في هذا الكهف، وكيف كان يرسم بناءً على أوصاف والده.
قال "آدم" وكأنه يتحدث إلى نفسه:
"كنت أرسم مشاهد لم تكن موجودة!! ولكن أبي كان يجعلني أصدق أنها حقيقية الآن أفهم، كان يحاول بناء هذا العالم من خلالي."
بينما كانا يغوصان أكثر في تفاصيل الغرفة، سمع "آدم" صوتًا خافتًا وكأنه همس قادم من أعماق الكهف.
سأل "آدم" وعيناه تتسعان: "أمجد، هل سمعت ذلك؟"
"أمجد" أومأ برأسه بالنفي"لا، ماذا تسمع يا آدم؟."
بقي الاثنان في الغرفة، يقرأان النصوص ويكتشفان المزيد عن علاقة أبيهما بالملاذ الكهف لم يعد مجرد مكان غامض، بل أصبح جزءًا من ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما النهاية لا تزال مجهولة، لكنها مليئة بالوعود والاكتشافات التي قد تغير حياتهما إلى الأبد.
.....
"لم يكن آدم يعيش في واقعٍ واحد، بل في عوالم متشابكة، بعضها من صنع يديه، وبعضها زرعه والده في عقله، كان يسير في متاهة من الصور والأصوات، يبحث عن باب للخروج، لكنه أدرك أخيرًا أن المتاهة لم تكن حوله... بل كانت بداخله
التاسع م نهنا