اخر الروايات

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل السابع 7 بقلم محمد عادل

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل السابع 7 بقلم محمد عادل



الفصل السابع : اسرار البوابة

(كل لحظة عشناها، وكل شعور دفناه في أعماقنا، لا يختفي، إنه يظل هناك، ينبض في الظل، يذكرنا بأننا مزيج من الآمال الضائعة والنجاحات التي اخترنا ألا نراها، الماضي ليس عدوآ كما نعتقد، بل هو خريطة غير مكتملة، تقودنا إلى فهم أنفسنا بشكل أعمق، وتمنحنا الشجاعة للنظر إلى الوراء، لا لنندم أو نلوم، بل لنتعلم كيف نحمل الضوء الذي صنعه الألم، ونضيء به طريق الحاضر والمستقبل.
في كل ذكرى مدفونة، هناك درس ينتظر أن يُكتشف، وفي كل وجع ماضٍ، هناك شعاع أمل يقول لنا: لقد نجوت، لقد عشت، واليوم أنت أقوى مما كنت عليه، الماضي ليس سجنآ، بل نافذة، تطل منها على حقيقتك، لتعرف من تكون، وأين تريد أن تصل."

----
لم يكن الطريق الذي يسلكه "آدم" إلى عيادة "سلمى" كالمعتاد
في تلك الأيام الأخيرة، كان كل شيء يبدو مشوشآ، ذهنه مشتت بين الواقع والوهم، لا يستطيع التمييز بين الحقيقة وبين الخيالات التي تُلازمه طوال الوقت، كل خطوة كانت أشبه بمغامرة غير واضحة المعالم، حيث كان يتخيل أن أصواتآ غريبة تلاحقه، وأن كل شيء حوله يعكس شيئآ غير طبيعي، كما لو أن الكون نفسه قد انقلب رأسآ على عقب.

في تلك اللحظة، وهو في طريقه إلى العيادة، شعر بشيء مختلف كان يحاول إقناع نفسه بأن ما يراه مجرد تأثيرات جانبية للأدوية التي بدأ يتناولها، ولكن شعورآ غريبآ كان يتسلل إلى قلبه، توقف فجأة أمام مرآة صغيرة في أحد المحلات، فانتبه إلى نفسه لم يكن فقط مظهره هو ما لفت انتباهه، بل كانت عينيه كانت تحملان شيئآ آخر شيء غريب، لم يكن يراه من قبل.

كانت عيناه تتسعان بشكل غير طبيعي، وكأنهما يعكسان أعماق مظلمة لم يجرؤ على النظر إليها شعر فجأة وكأن قلبه توقف عن الخفقان للحظة، وعقله تاه في زوبعة من الأفكار المتداخلة هل كانت تلك هي الهلاوس التي تحدث عنها "سلمى" أم أن هناك شيئآ آخر يعلمه هو فقط؟ كان الأمر أكثر تعقيدآ من مجرد مرض نفسي.

ثم وصل و دفع الباب ودخل إلى العيادة، حيث استقبلته "سلمى" بابتسامة هادئة، لكن هناك شيء في عينيها أظهر لها أنها تراقب كل حركة من حركاته لم يكن هناك شيء في هذا العالم يمكن أن يفلت من انتباهها كانت تراقب كل إشراقة في عينيه، كل تغير في نبرة صوته.

قالت "سلمى" بنبرة محايدة:
"آدم، كيف حالك اليوم؟"
ولكن كان هناك شيء غير مريح في الطريقة التي أضافت بها هذه الجملة.

أجاب "آدم" بتردد، وهو يحاول أن يسيطر على مشاعره:
"أشعر أن الأمور تتداخل بشكل غريب كأنني لا أستطيع التمييز بين ما هو حقيقي وما هو وهم أحس وكأنني في عالم آخر، مليء بالضباب."

أومأت "سلمى" مستمعة، ثم قالت:
"أريدك أن تخبرني عن آخر مرة شعرت فيها بهذه الحالة هل كانت هذه المشاعر تزداد سوءآ؟"

"آدم" تنهد وعيناه يجولان في أرجاء الغرفة، وكأن شيئآ ما بداخله يحاول أن ينفجر:
"في الواقع، نعم في الأيام الأخيرة، أصبحت أصوات الهمسات أكثر وضوحآ، أصبحت تشبه المكالمات الهاتفية التي أسمعها في أحلامي، ولكنها تأتي من مكان بعيدآ جدآ.

"سلمى" حدقت فيه للحظات، ثم قالت:
"هل ترى هذه الهمسات فقط عندما تكون في مكان معين؟ أم أنها تلاحقك في كل مكان؟"

أجاب "آدم" بعد تردد:
"إنها تلاحقني في كل مكان، حتى في أكثر الأماكن أمانآ، أحيانآ أسمعها وهي تخرج من الجدران، من الأرض، أو من الزوايا المظلمة في غرفتي وفي لحظة من اللحظات، شعرت بأنني موجود في عالم آخر لا أعرف كيف أشرح ذلك، ولكنني شعرت أنني عائد إلى مكان قديم، كان مظلم وموحش"

أخذت "سلمى" نفسآ عميقآ، وكأنها كانت تستعد لقول شيء مهم:
"آدم، هل تعتقد أن هذه الأصوات تتعلق بشيء لم تكتشفه بعد؟ هل تعتقد أنك عشت تجربة مشابهة لها في الماضي؟"

تجمد "آدم" للحظة، وكان تفكيره يسبح في دوامة من الذكريات الضبابية ثم أجاب بصوت منخفض:
"أعتقد أنني رأيت هذا المكان في أحلامي، كان يشبه تلك الغرفة المظلمة التي دخلتها ذات مرة المكان الذي شعرت فيه بشيء غريب وكأنني كنت في مكان محظور."

"سلمى" لم ترد على الفور كانت تفكر في كل كلمة قالها، وكانت تدرك أن حالة "آدم" قد وصلت إلى مرحلة معقدة جدآ كانت هناك علامات على أن حالته قد تكون أكثر تطورآ مما توقعته، وأنه ربما يكون قد تعرض لتجارب نفسية عميقة تتداخل مع الذاكرة والمشاعر، ثم قالت:

"آدم، ما تصفه لي الآن يتجاوز مجرد الهلاوس ما تشعر به يمكن أن يكون نتيجة للذكريات المدفونة في عقلك، أو ربما يكون مرتبطآ بتجارب سابقة لم تكتشفها بعد، هذا لا يعني أنك مجنون، بل يعني أن عقلك يحاول إيجاد رابط بين ما تشعر به وبين تجارب الماضي."

صمتت لحظة، ثم أضافت:
"أنا هنا لمساعدتك في الوصول إلى الحقيقة، ولكن يجب أن تتحلى بالصبر وتواجه هذه المشاعر بعقل متفتح."

هز "آدم" رأسه ببطء، محاولًا أن يستوعب ما قالته ولكن كان شيء آخر يدور في ذهنه، شيء غامض بدأ يلمح له في أعماقه كان يشعر وكأن الحقيقة كانت تلاحقه، وأنه على وشك اكتشاف شيء عميق شيء سيغير كل شيء.

قال "آدم" بنبرة مليئة بالقلق:
"سلمى، هل تعتقدين أنني سأتمكن من مواجهة هذا؟"

"أنت تستطيع، ولكن العلاج ليس مجرد تناول الأدوية فقط، يحتاج الأمر إلى عمل طويل ومستمر سنبدأ بخطوات صغيرة، لكن يجب عليك أن تظل صادقآ مع نفسك ومعنا، وعلينا أن نكشف المزيد عن الماضي الذي كان يطارده عقلك، لأن ذلك هو مفتاح شفائك"

شعر "آدم" بشيء غريب بعد تلك الكلمات كان هناك شيء في قلبه بدأ يتغير، وكأن الجدار الذي كان يحيط بعقله قد بدأ يتصدع لم يكن يعلم ما إذا كان هذا الشعور بالارتياح بسبب تأكيد "سلمى" له بأنه ليس مجنونآ أو بسبب شعوره بأن هناك شيئآ أكبر من مجرد مرض نفسي يسيطر عليه ربما كان يتخوف من الحقيقة، لكنه في الوقت ذاته كان يشعر بشيء من الأمل، شعور بأن الطريق إلى الشفاء ليس مستحيلًا.

سأل "آدم"، بصوت أكثر هدوءآ وثقة مما شعر به طوال الجلسة:
"هل يمكنني أن أبدأ الآن؟"

"سلمى" ابتسمت بخفة وأومأت برأسها:
"نعم، الآن هو الوقت المناسب لكن تذكر، الأمور لن تكون سهلة علينا أن نواجه هذه الذكريات المخبأة في أعماقك، وأن نستخرجها بحذر."

أخذت "سلمى" من على الطاولة ورقةً بها وصفة دواء، وأعطتها له:

"هذه الأدوية ستساعدك على تهدئة العقل وإعادة توازنه لكن الأدوية وحدها لن تكفي عليك أن تبدأ في مراقبة أفكارك ومشاعرك، وتدوين كل شيء تشعر به."

كان "آدم" ينظر إلى الورقة بين يديه، وأفكاره تتنقل بين مختلف الأبعاد هل ستكون هذه الأدوية هي البداية الحقيقية لتغيير حياته؟ أم أن هناك أشياءً أخرى ستكتشفها في المستقبل، أشياء لن تكون في صالحه؟

عندما انتهت الجلسة، نهض "آدم"، ولكنه شعر بشيء غريب في داخله كان يشعر وكأن جزء من لغز حياته قد بدأ ينكشف، لكنه في الوقت نفسه شعر أنه لا يزال هناك الكثير ليكتشفه كما لو أن الظلال التي كانت تحيط به أصبحت أخف قليلًا، لكنها لم تختفِ بعد.

بينما كان يغادر العيادة، شعر بشيء غير مريح في قلبه كان يتساءل عن "لارا" و"نوح"، عن تلك الأسماء التي لم تفارق ذهنه، عن ذلك الظلام الذي كان يراه في أحلامه وفي يقظته هل كان هذا كله مجرد تجارب نفسية؟ أم أن هناك شيء أكبر من ذلك؟ وهل سيجد يومآ ما يفسر كل هذه المشاعر والأصوات والظلال التي كانت تطارده؟

في طريقه إلى المنزل، كان يتوقف بين الحين والآخر ليتنفس بعمق لم يكن يريد العودة إلى نفس المنزل الذي كان يشعر فيه أن هناك شيئآ غريبآ يحدث كان يُود الهروب، ولكن الهروب لم يكن خيارآ
كان عليه أن يواجه هذه الكوابيس التي تسكنه منذ سنوات.

دخل إلى منزله، ووجد شقيقه "أمجد" جالسآ على الأريكة، ينظر إليه بفضول ثم سأل "أمجد" :
"هل كل شيء على ما يرام؟"

وكأن شيئآ ما في طريقة سؤاله أثار انتباه "آدم".

قال "آدم":
"نعم، كل شيء على ما يرام."
لكن صوته بدا غير طبيعي لم يكن يشعر أنه يقول الحقيقة بالكامل، وكان يشعر أن شيئًا ما يخفيه.

سأل "أمجد":
"أنت تبدو متعبآ، هل أنت بخير؟"
ولكن "آدم" تجاهل سؤاله وذهب مباشرة إلى غرفته.

جلس "آدم" على سريره، وتوجه إلى مرسمه كانت اللوحة التي رسمها قبل مغادرته المنزل ما زالت هناك، كما لو كانت تراقب كل تحركاته اقترب منها، وفحص تفاصيل الوجهين المرسومين عليها "لارا" و"نوح" كان يشعر بشيء غريب يتسلل إلى قلبه كلما نظر إليهما هل كانت هذه الوجوه مجرد تذكيرات بأشخاص مروا في حياته، أم أن هناك شيئآ آخر خلف هذه الرسمة؟ شيئآ كان قد نسيه شيئًا كان مخفيآ في أعماق عقله.

في تلك اللحظة، شعر بشيء غريب كما لو أن اللوحة قد بدأت تتحرك، كما لو أن الوجهين قد بدأ ينظران إليه بشكل مباشر كانت عيون "لارا" و"نوح" مليئة بالأسئلة، وكأنهما يسألانه:
"هل أنت مستعد لمواجهة ما خلف هذه الأبواب؟"

تراجع "آدم" بسرعة عن اللوحة، وهو يشعر بقشعريرة تسري في جسده قلبه كان ينبض بسرعة، وعقله كان يغرق في دوامة من الأفكار هل ما يراه هو مجرد هلاوس؟ أم أن هناك شيئآ غامض يدفعه للاعتقاد بأن هذا العالم الذي يراه ليس حقيقيآ؟

في تلك اللحظة، شعر بشيء عميق في أعماقه يقول له أن الإجابة تكمن في تلك الأبواب المظلمة التي طالما تجنبها عليه أن يواجه تلك الغرف التي طالما هرب منها إذا كان سيشفى، عليه أن يفتح تلك الأبواب المظلمة في عقله.

ثم، بينما هو جالس أمام اللوحة، نزلت دمعة واحدة من عينه
في تلك اللحظة التي سقطت فيها دمعة "آدم" على اللوحة، شعر بشيء غريب يمر بجانبه كان وكأن الهواء نفسه قد تغير، وبدا وكأن المكان من حوله أصبح أكثر سكونآ، همس خفيف في أذنه، شيء كان يشعر به منذ فترة لكنه لم يستطع تحديده ومع تلك الهمسات، شعر بشيء آخر، شيء كان غريبآ في تلك اللحظة... كان هنالك شيء خلفه.

استدار "آدم" فجأة، وعينيه تبحثان في الظلام الذي بدأ يتسلل إلى الغرفة لم يكن هنالك أحد، لكنه شعر أن شخصآ ما كان يقف في الزاوية البعيدة كان يشعر بوجودها، تمامآ كما لو أنه كان يعرف من هي وعندما نظرت عيناه إلى الظل الذي كان يحيط بالباب، ظهرت "ليلى" مجددآ.

كانت "ليلى" تلك الفتاة تقف بجانب الباب كما لو أنها تنتظر أن يراها كانت ترتدي نفس الفستان الأسود الذي كانت ترتديه في المرة الأولى التي رآها فيها نظرتها كانت ثابتة، عميقة، وكأنها تعلم كل شيء عن "آدم "

قالت "ليلى" بصوت منخفض: "آدم، لقد حان الوقت."
يردد صدى في عقله كما لو كان يأتي من مكان بعيد جدآ .

شعر "آدم" بالقلق يتسرب إلى قلبه، ولكن في الوقت نفسه، كانت هذه اللحظة غير واضحة هل كانت هذه مجرد هلاوس أخرى؟ أم أن "ليلى" كانت تمثل شيئآ أكبر في عقله؟ شيئآ مرتبطآ بكل هذه الأصوات والأحداث الغريبة التي بدأت تطارده مؤخرًا؟

قال "آدم" بصوت هادئ، يحاول أن يظهر الثبات رغم أن قلبه كان ينبض بسرعة: "ماذا تفعلين هنا؟"

ابتسمت "ليلى" ابتسامة غامضة، ثم تقدمت خطوة واحدة إلى الأمام، قائله:
"لقد كنت تبحث عني، أليس كذلك؟ في كل تلك اللحظات التي كنت فيها تضيع بين الماضي والمستقبل، كنت تبحث عني لقد جئت لأريك الطريق."

سأل "آدم"، وكأن الكلمات تتناثر في ذهنه دون أن يجد لها تفسيرآ:
"الطريق إلى ماذا؟"

لكن "ليلى" لم تجب مباشرة بدلاً من ذلك، نظرت إليه بنظرة مليئة بالغموض وقالت:
"الطريق إلى نفسك، إلى ما كنت تخاف أن تعرفه"

أحس "آدم" بشيء غريب يزداد داخل صدره، وكأن الوقت قد توقف للحظة كان يراها، لكنه في نفس الوقت كان يشك في وجودها لم يكن يعلم إذا كان ما يراه حقيقة أم مجرد خيال تتلاعب به حالته النفسية.

قال "آدم" وهو يقترب خطوة منها:
"هل تعرفين ما الذي يحدث لي؟ هل تعرفين ما الذي يدور في عقلي؟"

نظرت إليه "ليلى" بعينيها اللامعتين وقالت بصوت هادئ:
"أنت لست مجنونآ، أنت فقط ضائع في عالمك الخاص، عالمك الذي يحاول عقلك إعادة بناءه بعد أن دمرته الحقيقة"

كانت كلماتها تلمس شيئآ عميقآ في داخله كان يشعر كأنها تعرفه أكثر من نفسه، وكأنها تملك المفتاح لكل الأبواب المغلقة في عقله.

سأل "آدم"وصوته يعكس حيرة عميقة:
"لكنني لا أفهم ماذا تعني الحقيقة؟"

أجابت "ليلى" بنبرة أكثر جدية:
"الحقيقة هي ما تخشاه أكثر، وأنت في أعماقك تعرف ذلك ولكن عليك أن تواجهها، لتتمكن من التحرر."

ثم، فجأة، اختفت "ليلى" كما ظهرت اختفت في الهواء، وكأنها لم تكن موجودة أبدآ، ولكنها تركت وراءها شعورآ عميقآ في قلبه كانت تلك اللحظة علامة فارقة، لحظة أثارت في عقله الكثير من الأسئلة لكنها في الوقت نفسه فتحت له نافذة على شيء أكبر مما كان يتصور.

ترك "آدم" الغرفة بسرعة، وكل مشاعره في حالة من الفوضى ذهب إلى مرسمه مرة أخرى، حيث كانت اللوحة التي بدأ رسمها منذ أيام تنتظره أدار عينيه نحوها، وحينما نظر إليها، شعر بشيء جديد كانت الوجوه على اللوحة قد تغيرت، بشكل غريب، كما لو أن "لارا" و"نوح" كانُ ينظران إليه بشيء من التحدي.

تمتم "آدم" لنفسه، وهو يحاول أن يفهم العلاقة بين هذه الوجوه، وبين "ليلى" وبين الأصوات التي كانت تطارده :
"ماذا تعني كل هذه الأشياء؟"

ثم، فجأة، شعر بشيء غريب في قلبه، كانت الهمسات تعود من جديد، ولكن هذه المرة كانت أكثر وضوحآ، وكأنها كانت تطلب منه شيئآ كانت تلك الأصوات تتحدث عن شيء لم يكن يستطيع تحمله بعد كان عقله يقترب من كشف اللغز، لكنه لم يكن مستعدآ بعد لاستقبال الحقيقة.

في تلك اللحظة، شعر بشيء غريب يعبر جسده كان وكأن حياته كلها كانت تتحرك في اتجاه واحد فقط كان في الطريق إلى اكتشاف شيء عميق، شيء كان يطارده منذ زمن بعيد، ولكنه لم يكن يعرفه حتى الآن.

وفي تلك اللحظة، أدرك "آدم" شيئًا ما، أن "ليلى"، "لارا"، "نوح"، وكل شيء آخر كان مجرد جزء من رحلة طويلة داخل نفسه, رحلة كان عليها أن تنتهي بوجهة واحدة فقط.

شعر "آدم" وكأنه يخرج من نفق مظلم، ولكن الضوء في نهايته لم يكن مطمئنآ، كان الأمر أشبه بقطع لغز تكتمل واحدة تلو الأخرى، لكن كل قطعة تضيف شعورآ بالارتباك والخوف، استغرق دقائق ليستجمع أنفاسه، ثم نهض متوجه نحو النافذة، الهواء البارد تسلل إلى الغرفة وكأنه ينذره بشيء قادم.

حين التفت نحو لوحته مجددآ، شعر بشيء مختلف اللوحة لم تكن كما تركها بدات وكأن الألوان فيها تتحرك، خطوطها تتداخل لتشكل أشكالًا جديدة، كانت الوجوه "لارا" و"نوح" تتغير ابتسامات خافتة بدأت تظهر، لكنها لم تكن مريحة، كانت ابتسامات مصاحبه بالغموض وكأنهما يعرفان أكثر مما يسمح لهما الوقت بالكشف عنه.

تردد صوت من خلفه، تلك الهمسات التي أصبحت مألوفة بشكل مزعج كان صوت "ليلى" أو ما تبقى من صورتها في ذهنه.
"آدم، هذا ليس مجرد رسم إنها حياتك، تعيد تشكيلها بألوانك"

شعر بقشعريرة تسري في جسده، لكنه لم يستدر اكتفى بالقول:
"ما الذي تريدينه؟ لماذا أنا؟"

كان الرد عميقآ وصاخبآ داخل رأسه:
"لأنك الوحيد القادر على رؤية ما هو أبعد من الظاهر ولكن هل ستتحمل ذلك؟"

حينها، قطع الصوت رنين هاتفه التفت بسرعة نحو الطاولة حيث كان الهاتف، متردد بين الإجابة وتجاهله على الشاشة، ظهر اسم "أمجد" أخوه الوحيد، الشخص الذي ظل يحاول مساعدته منذ وفاة والده تردد للحظة قبل أن يجيب.

جاء صوت "أمجد" مضطربًا، وكأن هناك شيئًا مهمآ يحدث:
"آدم، أين أنت؟ كنت أحاول الاتصال بك طوال اليوم"

أجاب "آدم" بتردد، محاولًا أن يبدو طبيعي رغم فوضى مشاعره:
"أنا في المرسم... لماذا؟"

"آمجد" :
"هناك شيء عليك أن تراه شيء يخص والدنا هل تستطيع الحضور الآن؟"

شعر "آدم" بتلك الوخزة في قلبه والدهم الشخص الذي ترك فجوة عميقة في حياتهم كان الحديث عنه دائمآ مليئآ بالألم، لكنه لم يستطع تجاهل نبرة "أمجد" وقال له "حسنًا، أنا قادم."

جمع نفسه بسرعة، وخرج من المنزل الشوارع كانت هادئة، لكن صمتها لم يكن مريحآ في كل زاوية، كان يشعر أن هناك شيئآ ما يراقبه، شيئآ يتلاعب بوعيه حين وصل إلى منزل العائلة كان "أمجد" ينتظره على الباب.

"تعالي، أريدك أن ترى هذا"
قاده "أمجد" إلى غرفة قديمة لم يدخلاها منذ وفاة والدهما كانت مغطاة بالغبار، والأثاث يبدو وكأنه ينتمي لعصر مختلف.

سأل "آدم" محاولًا إخفاء توتره: "ماذا وجدت هنا؟"

أشار "أمجد" نحو صندوق خشبي قديم على الطاولة:
"وجدت هذا عندما كنت أنظف المكتبة، يبدو أنه يخص والدنا."

فتح "آدم" الصندوق ببطء، وكأن يديه تخشيان ما قد يجدانه، بداخله، وجد مجموعة من الأوراق القديمة، دفاتر مليئة بالملاحظات ورسائل مكتوبة بخط يده لكن ما لفت انتباهه حقآ، كان رسمآ،
رسمآ يشبه تمامآ لوحته التي كان يعمل عليها.

"كيف...؟" تساءل "آدم" عينيه تتنقلان بين الرسم والدفاتر.

قال "أمجد" بجدية:
"هناك شيء غريب هنا، والدنا كان يكتب عن أشياء لم نفهمها من قبل كان يتحدث عن رؤى، عن أشياء تظهر له في الأحلام وتلاحقه في يقظته نفس الأشياء التي تحدثت لي عنها مؤخرًا"

شعر "آدم" وكأن الأرض تنسحب من تحته هذه لم تكن مصادفة كانت هناك صلة عميقة بين ما يحدث له وما كان يعيشه والده
فتح أحد الدفاتر، وبدأ يقرأ.

(لا أستطيع التمييز بين الحقيقة والوهم الآن، كلما حاولت الهروب، أجد نفسي أعود إلى نفس النقطة، هذا العالم ليس كما يبدو)

كانت كلمات والده تعكس كل ما كان يشعر به "آدم" الغموض المتداخل بين العوالم، الأصوات التي تلاحقه لكن ما قرأه بعد ذلك جعله يتجمد في مكانه.

(هناك شخص ينتظر في الظل وجهه غير واضح، لكنه دائمآ هناك. يقول لي إنني أحمل المفتاح، وإن الأمر متروك لي لأعيد التوازن)

تمتم "آدم" لنفسه، عقله يغرق في دوامة جديدة من التساؤلات:
"المفتاح... التوازن..."

"أمجد" وضع يده على كتف "آدم" وقال:
"آدم، أعتقد أن ما يحدث معك ليس مجرد مرض أعتقد أن هناك شيئًا أكبر يجري هنا، شيء يتجاوز فهمنا."

لكن "آدم" لم يكن يستمع عيناه كانت مثبتتين على آخر صفحة في الدفتر، حيث كانت هناك عبارة واحدة مكتوبة بخط عريض:

"ابحث عن ليلى، ستجد ما تريده"

رفع "آدم" نظره نحو أمجد، وعيناه مليئتان بالدهشة والخوف. "كيف عرف والدي عن ذلك؟"

لكن قبل أن يتمكن "أمجد" من الإجابة، سُمع صوت غريب في الغرفة همسات خافتة، مشابهة لتلك التي كان يسمعها "آدم" طوال الوقت التفت كلاهما نحو الباب، حيث بدا وكأن شيئآ ما يقترب.

همس الصوت، وكان هذه المرة أكثر وضوحآ : "آدم..."

الشخص الذي كان يطارده في الظل قد اقترب أخيرآ .

شعر "آدم" أن الغرفة تضيق من حوله، الهواء يثقل، وكأن ثقلًا خفي يضغط على صدره همسات الصوت أصبحت أكثر وضوحآ، لكنها لم تكن قادمة من اتجاه محدد كانت وكأنها تحيط به من كل مكان، تملأ الفراغ حوله، تخترق عقله دون إذن.

"آدم، أليس الوقت قد حان؟"

نظر "آدم" إلى "أمجد" الذي بدا مذهولًا، لكن صمته كان ينم عن شعور مشترك حاول "آدم" أن يستجمع قواه، أن يواجه هذا الصوت الذي بات يشكل جزء من يومياته، صرخ بصوت كان أشبه بالهمس وكأن الصوت في داخله لم يكن قادرآ على الخروج بالكامل.
"مَن أنت؟ ما الذي تريده مني؟"

لكن الإجابة لم تأتِ مباشرة بدلاً من ذلك، بدأت الصور تتدفق أمامه صور والدهم، مرسمه، اللوحات التي كان يرسمها، والأفكار التي كانت تسكن دفاتره كل شيء بدا وكأنه يعيد تشكيل نفسه في ذهن "آدم" يرسم لوحة أكبر مما كان يتخيل.

"آدم..." جاء الصوت هذه المرة ناعمآ، لكنه يحمل قوة غامضة.
"أنت المفتاح، أنت من يحمل ما لم أستطع إنهاءه."

التفت "أمجد" بسرعة: "ماذا تعني؟"
بدا أن "أمجد" بدأ يسمع الصوت هو الآخر، أو ربما كان يفسر لغة الصمت التي ملأت المكان.

"آدم" وقد ارتعشت يده على الدفتر، قال:
"والدنا... كان يعرف، كان يعرف عن كل هذا عن "ليلى" عن الأصوات، عن الظل الذي يتبعني، لكنه لم يخبرنا أبدآ"

رد "أمجد" بصوت خافت:
"ربما كان يخشى ما قد يحدث إذا عرفنا."

"آدم" شعر أن الكلمات تسحبه إلى دوامة أكبر فتح المزيد من الصفحات في الدفتر الكلمات المكتوبة أصبحت مشوشة، لكنها كانت تشير دائمًا إلى شيء واحد:
"ليلى ليست شخصية، ليلى هي البوابة."

تساءل "آدم" في نفسه : "البوابة؟"
قال "أمجد" بدهشه: "هل تعرف أي شيء عن هذا؟"

"أمجد" كان يحدق في الدفتر، لكنه بدا وكأنه ينظر إلى شيء أبعد من الكلمات:

"لا... لكني أتذكر أن والدنا كان دائمآ يتحدث عن التوازن، عن ضرورة حماية شيء ما لم أفهمه أبدآ كنت أعتقد أنه مجرد هذيان فنان."

رد "آدم" بصوت حاسم:
"لم يكن هذيانًا، كل هذا... هذه الأصوات، هذه الصور، ليست مجرد أوهام."

بينما كانا يتحدثان، يزايد الصوت المحيط أصبح أكثر إلحاحآ، وكأن الغرفة بدأت تضج به، الكلمات أصبحت واضحة الآن:
"آدم، الوقت يضيق، عليك أن تختار."

صرخ "آدم":
"اختار ماذا؟ ، ما الذي عليّ فعله؟"
وكان كلماته هذه المرة موجهة إلى هذا الكيان غير المرئي الذي يملأ الفراغ من حوله.

جاء الصوت من جديد، وهذه المرة كان يحمل إجابة واضحة:
"لتعيد التوازن، عليك أن تواجه الظل، عليك أن تعبر البوابة."

"البوابة... ليلى."
تكرر الاسم في ذهن "آدم"، وكأنه يحاول فك الشفرة التي تركها والده خلفه لكن قبل أن يتمكن من التفكير أكثر اقترب "أمجد" منه ووضع يده على كتفه.

"آدم، إذا كان والدنا يعرف عن هذا، فهذا يعني أن هناك إجابة هنا في مكان ما ربما لم يكن يريدنا أن نجدها، لكنه ترك لنا خيطآ لنمضي خلفه، يجب أن نبحث أكثر."

لكن "آدم" كان يشعر أن الإجابة لم تكن في الأوراق أو اللوحات كانت الإجابة في مكان آخر، مكان لا يمكن الوصول إليه بالمنطق.

قال "آدم" وهو ينظر في أعيُن شقيقه:
"أمجد، إذا كنتَ لا تريد أن تأتي معي، سأفهم."

"أتركك وحدك؟ مستحيل، مهما كان هذا الجنون، فنحن معآ فيه."

ابتسم "آدم" للحظة، لكنه لم يقل شيئآ كان يعلم أن الرحلة التي سيخوضها قد تكون أكبر مما يستطيع "أمجد" استيعابه وربما أكبر مما يستطيع هو استيعابه أيضآ.

لكن قبل أن يخرج من الغرفة، حدث شيء لم يكن في الحسبان الظل الذي كان يطارده في أحلامه بدأ يتشكل أمامه كان في البداية مجرد ضباب أسود، لكنه بدأ يأخذ شكلًا بشري، كانت ملامحه غير واضحة، لكنه كان يحدق في "آدم" مباشرة.

قال الظل بصوت يبدو وكأنه صدى أكثر من كونه صوت حقيقي:
"أنت مستعد؟ ، لكن ليس هنا، هناك مكان ينتظرك، مكان لا يمكن لأحد أن يرافقك إليه."

وبخطوات مترددة، بدأ "آدم" يتبع الظل الذي بدأ يتراجع نحو الباب "أمجد" حاول منعه، لكن الظل أغلق الباب خلفه.

كانت هذه اللحظة بداية النهاية، أو ربما البداية الحقيقية لرحلة "آدم" ما الذي ينتظره خلف تلك البوابة؟ ولماذا كان والده يعلم بكل هذا؟ أسئلة كثيرة، لكن الإجابة الوحيدة التي كانت واضحة أن "آدم" لن يعود كما كان أبدآ.

كان "أمجد" يقف في زاوية الغرفة يراقب "آدم" بعينين مليئتين بالقلق من حيث كان واقفآ لم يرَ "أمجد" الظل أو يسمع الأصوات التي تحدث عنها "آدم" بالنسبة له، كان كل ما يحدث داخل عقل شقيقه رغم ذلك كان يدرك تمامآ أن ما يمر به "آدم" لم يكن مجرد وهم .

سأل "أمجد" بحذر، محاولًا أن يبدو هادئًا رغم التوتر الذي بدا واضحًا في صوته: "آدم، ماذا ترى الآن؟"

"آدم" لم يلتفت كان مُركزآ تمامآ على الظل الذي بدأ يتشكل أمامه يتلاشى ثم يعود، وكأن وجوده هش ولكنه قاطع في نفس الوقت: "أراه، إنه هنا، إنه قريب جدآ، إنه... يدعوني."

"أمجد" شعر بعجزه التام حاول أن يتقدم خطوة نحو "آدم" لكن الأخير رفع يده في حركة تحذيرية:
"لا تقترب، هذا ليس لك إنه هنا من أجلي فقط"

"أمجد" بنبره حزن:
"آدم، أنا لا أرى شيئآ على الإطلاق لكنني أصدقك إذا كنت ترى هذا الظل أو تسمع الأصوات، فهذا يعني أن هناك شيئ حقيقي يحدث ربما ليس بنفس الطريقة التي تراها، لكنه موجود"

"آدم" أدار رأسه ببطء ونظر إلى "أمجد" كان متعبًا لكنه يحمل شيئآ من الذي لم يره "أمجد" وقال:
"إنه ليس مجرد خيال، هذا الظل وهذه الأصوات، هم الحقيقة التي حاولت تجاهلها طوال حياتي ربما أنت لا تستطيع رؤيتهم لأنهم لا يستهدفونك هم هنا من أجلي"

سأل "أمجد" بنبرة كانت تجمع بين الفضول والخوف:
"وماذا يريدون منك؟"

"آدم" استدار بالكامل ليواجه شقيقه.
"إنهم يريدونني أن أعبر إلى مكان آخر، مكان حيث الحقيقة مدفونة "لارا"، "نوح" كل شيء رأيته لم يكن مجرد هلوسة كان رسالة والدي كان يعرف كل هذا كان يحاول أن يحميني، لكنه لم يستطع إيقافه"

"أمجد" أخذ نفسآ عميقآ وحاول أن يستجمع شجاعته:
"آدم، إذا كنت مقتنعآ بأن هذا الأمر حقيقي، فسأساعدك، حتى لو لم أره أو أفهمه، سأكون بجانبك لكننا بحاجة إلى خطة لا يمكنك أن تتبع هذه الظلال دون أن نعرف إلى أين يقودك"

"آدم" ابتسم ابتسامة خافتة:
"هذا هو السبب الذي يجعلك مختلفآ عني، أنت تفكر بمنطق لكن هذا العالم الذي أتحدث عنه، لا يمكن أن يُفهم بالمنطق. إنه.. إنه كالفن عشوائي، غير مفهوم، لكنه يحمل الحقيقة في داخله"

"أمجد" شعر بالإحباط، لكنه لم يرد أن يترك شقيقه يخوض هذه المعركة بمفرده:
"حسنًا، إذا لم يكن بالمنطق، فلنكن عمليين ماذا ستفعل الآن؟"

"آدم" أدار رأسه نحو الظل مرة أخرى:
"سأتبعهم لكنني أحتاج منك شيئًا."

قال "أمجد" دون تردد: "أي شيء"

"آدم" قائلآ :
"ابقَ هنا، إذا لم أعد... إذا حدث لي شيء فابحث عن دفاتر والدي كل شيء بدأ هناك ستجد الإجابات التي تحتاجها"

قال "أمجد" بحزم: "لن أتركك تذهب وحدك"

"آدم" ابتسم ابتسامة حزينة:
"لن تستطيع رؤيتهم، إذا حاولت الدخول إلى هذا العالم، لن تجد شيئًا سوى الظلام هذا طريقي، ليس طريقك."

بينما كان "أمجد" يستعد للرد، بدأت الغرفة تهتز بخفة الصوت الذي كان يسمعه "آدم" أصبح أشبه بنغمة موسيقية خافتة، لكنه لم يكن مسموعًا بالنسبة لـ "أمجد" كان "آدم" يشعر أن الظل يقترب أكثر وأن اللحظة قد حانت.

صرخ "أمجد" لكنه كان متأخرآ: "آدم، انتظر"

"آدم" مد يده نحو الفراغ، وكأنه يلمس شيئآ غير مرئي وفي لحظة اختفى الظل أمام عينيه، ومعه اختفى كل الشعور بالوجود في الغرفة نظر "آدم" إلى "أمجد" مرة أخيرة قبل أن يقول:
"سأعود، أعدك."

ثم أغمض عينيه، وكأن شيئآ ما سحبه إلى عالم آخر.

"أمجد" بقي وحيدآ في الغرفة، ينظر حوله دون أن يعرف ماذا يفعل حاول أن ينادي شقيقه، لكن صوته لم يلقَ أي صدى لم يكن هناك سوى صمت ثقيل وغياب "آدم".

لكنه لم يستسلم أخذ دفاتر والده وبدأ يقرأ كل كلمة كانت تحمل وزنآ جديد، وأصبحت الأوراق نافذة إلى عقل والده الذي طالما اعتقد أنه مجرد فنان.

في هذه الأثناء، كان "آدم" يجد نفسه في مكان مختلف تمامآ، عالم مليء بالظلال والهمسات، لكنه يحمل إجابات على كل الأسئلة التي كان يهرب منها.

"أمجد" لم يستطع الجلوس مكتوف اليدين بعد اختفاء "آدم"
ظلّ في الغرفة لبضع ساعات، محاولًا استيعاب كل ما حدث، محاولًا تفسير ما رآه وما قاله شقيقه لكنه لم يكن قادرآ على تجاهل إحساس داخلي بأن هناك شيئ أكبر من مجرد مرض نفسي يحدث قرر أن يترك دفاتر والده مؤقتآ ويتوجه إلى الشخص الوحيد الذي قد تمتلك بعض الإجابات "سلمى".

كانت العيادة هادئة عندما دخل "أمجد" جلست "سلمى" خلف مكتبها منشغلة ببعض الأوراق، لكنها رفعت عينيها فور أن رأت "أمجد" نظرتها حملت مزيجآ من القلق والترقب.

"أمجد؟"
قالت بنبرة محايدة، لكنها كانت تتساءل عن سبب مجيئه المفاجئ.

جلس أمامها بسرعة، وكأنه يحمل حملاً ثقيلًا على كتفيه:
"دكتورة سلمى، أحتاج إلى التحدث معك عن آدم الأمر أكبر مما يبدو."

سألت "سلمى" بقلق حقيقي : "ما الذي حدث؟ هل هو بخير؟"

"أمجد" هز رأسه، وكأن الإجابة معقدة للغاية لتُشرح بسهولة.
"لا أعلم إن كان بخير أو لا ما أعلمه أن ما يحدث معه ليس مجرد هلوسة أو أوهام تحدث معي عن ظلال وأصوات وأماكن لا يمكنني رؤيتها أو سماعها. ثم... اختفى."

"سلمى" عقدت حاجبيها، محاوِلة استيعاب ما قاله:
"اختفى؟ أمجد ماذا تقصد؟"

"لا أعلم كيف أشرح ذلك كان يتحدث عن عالم آخر، عن أصوات تناديه وظلال تقترب منه فجأة، مدّ يده نحو شيء لم أره، وكأنه يلمس شيئًا في الهواء.. ثم اختفى تمامآ."

صمتت "سلمى" للحظة، وكأنها تفكر بعمق، ثم قالت:
"أمجد، يجب أن نفهم شيئ أساسي آدم يعاني من حالة متطورة من الفصام، أحيانآ العقل يخلق عوالم بديلة للشخص عندما لا يستطيع التعامل مع الواقع قد تكون هذه الأصوات والظلال رموزآ لما يشعر به داخليآ"

"لكنه كان حقيقي، ليس مجرد شيء في رأسه لقد كان يتحدث بثقة، وكأنه يعلم شيئ لا نعلمه كان الأمر أشبه بمهمة شخصية بالنسبة له، وكأنه يحاول حل لغز قديم."

أمالت "سلمى" رأسها قليلاً:
"هل تحدث معك عن أي شيء من ماضيكما؟ هل أشار إلى شيء يمكن أن يكون مرتبطآ بهذه التجارب؟"

قال "أمجد" بحذر:
"قال إن والدي كان يعرف ما يحدث، وإن كل شيء بدأ من عنده حتى طلب مني البحث في دفاتره لو لم يعد."

"سلمى" جلست مستقيمة في مقعدها، بدت وكأنها قد ربطت بعض الخيوط:
"قد تكون هناك عوامل خفية لم نكتشفها بعد، أحيانآ الذكريات المخبأة أو الأحداث المؤلمة من الماضي تخلق تأثيرات نفسية طويلة الأمد إذا كان لوالدك علاقة بما يمر به آدم، فقد تكون هذه الدفاتر مهمة للغاية."

قال "أمجد" بنبرة يائسة:
"ولكن، دكتورة... كيف يمكنني مساعدته؟ لا أستطيع الجلوس وانتظاره أن يعود من عالم لا أستطيع حتى رؤيته."

"سلمى" تنهدت بعمق وقالت:
"أمجد، أفضل طريقة لمساعدته الآن هي فهم حالته إذا كان يعاني من نوع متطور من الفصام، فإن العلاج يتطلب وقتًا وجهدًا لكن لا يجب أن تتعامل مع ما يمر به وكأنه حقيقة مطلقة يجب أن تكون حذرًا."

قال "أمجد" وهو مُتشتت:
"وكيف لي أن أكون حذرًا بينما يبدو أن كل ما يحدث معه حقيقي جدًا؟"

أجابت :
"العقل البشري معقد، ما يراه آدم حقيقي بالنسبة له، لكنه قد لا يكون كذلك في الواقع لكن هذا لا يعني أننا نتجاهل مشاعره أو تجاربه نحن نحاول فقط مساعدته على التفرقة بين الواقع والخيال."

"أمجد" شعر ببعض الراحة في كلماتها، لكنه كان يعلم أن الأمر لا يزال أكبر من أن يُفهم بسهولة، ثم قال لها:
"سأعود إلى المنزل، سأبحث في دفاتر والدي، ربما أجد شيئًا يساعدنا."

"سلمى" أومأت برأسها:
"افعل ذلك، وإذا وجدت أي شيء، عد إليّ، لن نترك أي تفاصيل صغيرة تمر دون ملاحظة نحن بحاجة إلى كل خيط يمكننا الوصول إليه."

-----

عاد "أمجد" إلى المنزل وبدأ في تفحص دفاتر والده بعناية كان هناك شيء غريب في طريقة الكتابة الصفحات الأولى كانت عادية مليئة برسومات وملاحظات عن مشاريع فنية لكن مع تقدمه في القراءة، بدأت الصفحات تأخذ منحى مختلفًا.

كان والده يكتب عن أحلام غريبة، عن أصوات كان يسمعها في الليل، وعن ظلال تظهر له في المرسم كانت هناك إشارات إلى أماكن غامضة، وعبارات مثل، "الظلال لا تأتي صدفة، هي بوابة لأسرار أكبر."

شعر "أمجد" أن قلبه يخفق بقوة كان والده يعاني من شيء مشابه لما يمر به "آدم" لكن هل هذا يعني أن ما يحدث لـ "آدم" له أساس حقيقي؟ أم أن هذا مجرد مرض وراثي؟

بينما كان يقرأ، توقف عند جملة واحدة أثارت قلقه:
"إنها ليست مجرد خيالات، إنها دعوة، ومن يتبعها لا يعود كما كان."

أغلق "أمجد" الدفتر للحظة، محاولًا تهدئة نفسه لكن في أعماقه، كان يعلم أن الحقيقة كانت على وشك الانكشاف.

ثم عاد "أمجد" مرة اخري يقلب الصفحات ويقرأ تلك الكتابات المليئة بالغموض، لاحظ شيئًا لم ينتبه إليه في البداية في إحدى الصفحات، كانت هناك رسمة بدت مألوفة لم تكن مجرد رسمة عادية بل كانت صورة لوجه مظلم بخطوط عريضة غير واضحة، تشبه تمامآ الظلال التي وصفها "آدم" تجمد "أمجد" في مكانه.

قال لنفسه بصوت خافت : "والدي لم يكن رسامآ...!!!"

كانت تلك الحقيقة واضحة جدآ، والده كان أديبآ، كاتبآ معروف، ولم يكن يهتم بالرسم أبدآ كان "آدم" هو الرسام في العائلة وأمي كانت تلتهم اللوحات لكنها لا تكُن ببراعه "آدم" هو الفنان الذي عاش بين الألوان والفُرش.

بدأ "أمجد" يدقق أكثر في تلك الرسومات، في توقيع صغير أسفل الصفحة بالكاد يُرى أخذ يحدق فيه، ثم شعر بصاعقة عندما أدرك أن التوقيع كان لـ"آدم".

"مستحيل... هذا دفتر والدي، كيف يمكن أن تكون هذه رسومات آدم؟"

بدأت يداه ترتجفان وهو يقلب الصفحات بسرعة أكبر، محاولًا العثور على تفسير مع كل صفحة جديدة، كانت الرسومات تزداد غرابة وجوه غير مكتملة، ظلال تتراقص حول أجساد غامضة، وأماكن مظلمة كُتبت بجانبها كلمات مبهمة مثل:
"البوابة"، "العالم الآخر"، "لارا"، "نوح"، "العودة ليست خيارًا."

في النهاية، وجد صفحة مكتوب عليها بخط واضح ومهتز:
"من يجد هذا الدفتر، اعلم أنني أعيش هنا الآن هذا العالم ليس كما يبدو والدي حاول حمايتي، لكنه فشل، الآن الدور عليك، أمجد."

"أمجد" شعر وكأن الأرض قد اهتزت تحت قدميه كان هذا الدفتر يعود لـ "آدم"، وليس لوالده، كل شيء بدأ يتضح ببطء ولكنه كان أكثر رعبآ مما تخيل.

قال "أمجد" بصوت مرتفع وهو ينظر حوله وكأنه يتوقع أن يسمع إجابة: "آدم... هل كنت تعرف؟ هل كنت تحاول أن تخبرني شيئآ؟"

ثم رأى شيئًا آخر، في الصفحة الأخيرة من الدفتر كانت هناك خريطة صغيرة مرسومة بعناية، تشير إلى مكان معين بجانب الخريطة، كُتبت عبارة:
"هذا هو المكان الذي بدأ بداخله كل شيء ستجدني هناك."

كان "أمجد" يعرف أن عليه أن يذهب إلى ذلك المكان لم يعد الأمر مجرد محاولة لفهم مرض "آدم" بل أصبح مسألة حياة أو موت شعر وكأنه يتتبع خطى شقيقه، ولكن السؤال الذي لم يتوقف عن طرحه على نفسه: "هل سأجده حيآ؟ أم سأكتشف أنني تأخرت؟"

----
"كان العالم من حوله مشوهآ، كلوحة أُجبر على رسمها بيدين مرتجفتين وألوان ليست له كل خط رسمه كان يحمل جزء من روحه، وكل تفصيلة حملت ذاكرة لم يعرف حقيقتها، وحين حاول أن يمحو الألوان، اكتشف أن الظلال التي تطارده لم تكن سوى انعكاس لذاته الضائعة."


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close