رواية الظل الذي يلاحقني الفصل السادس 6 بقلم محمد عادل
الفصل السادس : "بوابات الظل: حيث تلتقي الحقائق بالأوهام"
"الذكريات المدفونة في أعماقنا هي أوهامٍ محنطة، تخرج من ظلال الزمن لتشكّل لنا عوالم وهمية، تروي قصصآ من الماضي، لا نعلم إن كانت حقيقية أم مجرد صدى لتخيلاتنا، أوهام الذكريات المدفونة في أعماقنا هي أشباح تتنفس في صمت، تخبئ بين ثناياها حقائق مغشوشة، تتركنا نتوه بين ما عاشته أرواحنا وما اختلقته أذهاننا
من خيوط مستحيلة."
-------
بدأ العالم الجديد يتشكل أمام عين "آدم" لكنه لم يكن كما تخيله بدلاً من النظام والهدوء، كان كل شيء في حالة فوضى لا نهائية الهياكل التي بدأت تتكون كانت غريبة، تتبدل باستمرار بين أشكال حادة وأخرى عضوية الألوان انفجرت من كل مكان، متنافرة، وكأن العالم نفسه كان يعاني من صراع داخلي.
"آدم... أوقف هذا الجنون!"
جاء الصوت من خلفه، فالتفت ليجد فتاة شابة واقفة في منتصف الفوضى كانت ترتدي عباءة رمادية، وعيناها تشعان بقوة هادئة.
سألها وهو يشعر بشيء غريب تجاهها، وكأنها ليست غريبة تمامآ
"من أنت؟ وكيف وصلتِ إلى هنا؟"
"اسمي لارا أنا جزء من هذا العالم، أو بالأحرى، كنت هنا منذ البداية أنت أيقظتني."
سالها بدهشه تعلؤ نظراته : "أيقظتك؟ ماذا تعنين؟"
"أنت لا تفهم حقًا ما فعلته، أليس كذلك؟ عندما قررت إنشاء عالمك الخاص، لم تصنع فقط مساحة جديدة بل أعدت فتح ذكريات قديمة وأطلقت سراح أرواح كانت محتجزة أنا واحدة منها، لكن ليس الجميع هنا أصدقاءك."
قبل أن يتمكن "آدم" من الرد، بدأت أصوات غريبة تملأ المكان كانت هناك صرخات وهمسات قادمة من الظلام الذي يحيط بهم فجأة ظهرت أشكال مظلمة من بعيد، تشبه الظلال لكنها تتحرك بذكاء وتقترب ببطء.
سأل "آدم" وهو يستعد للدفاع عن نفسه : "من هؤلاء؟"
"هؤلاء يُدعون، الظلال التائهة إنهم أرواح تم نفيها منذ زمن بعيد لأنهم حاولوا السيطرة على هذا المكان أنت بإرادتك غير المحسوبة أعطيتهم طريقًا للعودة."
شعر "آدم" بارتباك، لكنه أيضًا لم يندم كان جزء منه يريد مواجهة هذه الكائنات، ليعرف حدود قوته.
سأل "لارا" : "إذن ماذا أفعل الآن؟"
"يجب أن نصل إلى "برج النشوء"، هناك يمكنك تثبيت قوانين العالم الذي صنعته إذا لم تفعل، ستظل هذه الفوضى تلتهم كل شيء، بما في ذلك أنت."
"لكن كيف أصل إلى هناك؟"
قبل أن تجيب، ظهر رجل غريب الهيئة كان طويل القامة، يرتدي درعآ أسود مزخرفآ برموز قديمة عينيه كانت متوهجه بلون أحمر وحوله هالة من الطاقة الداكنة.
"لا تقلق بشأن ذلك، يا آدم، أنا زيوس، وأعرف كل شيء عن هذا المكان أستطيع مساعدتك."
سأله "آدم" بشك: "ولماذا تساعدني؟"
"لأنني كنت أنتظر هذه اللحظة منذ قرون العالم الذي صنعته هو فرصتي أيضآ، إذا تعاونآ يمكننا السيطرة على الظلال وإعادة تشكيل هذا العالم كما نريد."
صرخت "لارا" قائله :
"لا تصدقه، زيوس ليس إلا خائنآ، كان السبب في خراب هذا المكان منذ البداية إذا وثقت به، لن يكون هناك طريق للعودة."
تردد "آدم"، لكنه شعر أن عليه اتخاذ قرار سريع الظلال كانت تقترب، وصوتها أصبح أكثر إزعاجآ، وكأنها تعرف مخاوفه العميقة.
قال "زيوس" بابتسامة مريبة :
"إذا كنت تريد الحل، اتبعني الوقت ينفد."
قالت "لارا":
"آدم، أرجوك... لا تجعل هذه الفوضى تتكرر، يمكننا فعلها دون مساعدة أحد"
في لحظة مصيرية، قرر "آدم" أن يثق بـ"لارا" و التفت إلى "زيوس" وقال:
"أشكرك على العرض، لكنني سأفعل هذا بطريقتي."
ضحك "زيوس" ضحكة مزلزلة، وقال:
"قرارك سيكون ندمك لكن تذكر، سأكون هنا، وسأنتظر سقوطك."
اختفى "زيوس" في الظلام، تاركًا "آدم" و"لارا" وحدهما.
قالت " لارا" باستعجال :
"أحسنت، لكننا الآن بحاجة إلى التحرك الطريق إلى البرج لن يكون سهلًا الظلال ستطاردنا، وهناك من لا يريدك أن تصل."
---
بدأ الاثنان رحلة محفوفة بالمخاطر عبر عالم مليء بالفوضى في الطريق، انضم إليهما كيان آخر، صبي صغير يُدعى "نوح"، قال إنه كان يعيش في الظلال لكنه هرب عندما رأى ضوءآ من بعيد.
قال "نوح" بصوت مرتعش:
"لا أعرف كيف وصلت إلي هنا، لكنني أعرف أنني لا أريد العودة إلى الظلام."
رغم صغر سنه، لكن لـ"نوح" قدرة غريبة على التفاعل مع العالم من حوله عندما اقتربت الظلال، كان قادرآ على إبعادها بطريقة ما، كأنها تخاف منه.
مع الوقت، بدأ "آدم" يشعر بأن هذه المجموعة ليست عشوائية كل فرد يحمل قطعة من اللغز، لكن اللغز الأكبر كان داخله هل يستطيع حقًا التحكم في العالم الذي صنعه؟ أم أن هذا العالم سيبتلعه كما ابتلع الآخرين؟
كل خطوة نحو البرج كانت تقربهم من المواجهة الحاسمة، ليس فقط مع الظلال، بل مع حقيقة "آدم" نفسها.
فجأة، أثناء عبورهم منطقة غريبة تشبه متاهة مصنوعة من شظايا زجاجية متحركة، توقفت "لارا" فجأة ووضعت يدها على صدرها.
سألها "آدم" بقلق : "ما الأمر؟"
همست وهي تنظر حولها : " هناك شيء... يراقبنا."
آدم : "هل هي الظلال؟"
هزت رأسها نفيآ، ثم نظرت إلى الأعلي انعكاس في إحدى الشظايا اللامعة أظهر كيان مجهول يقف بعيدآ، يرتدي رداءً أبيض طويلًا ووجهه مغطى بقناع يشبه وجوه الدمى.
تساءل "نوح"، مختبئًا خلف "آدم" : "من هذا؟"
في تلك اللحظة، انفتح الكيان المجهول عن جناحين شفافين يشعان بضوء غريب، وقفز من الأعلى ليهبط أمامهم أطلق صوتآ مهيبآ، ثم تحدث :
"أنتم تقتربون من الحدود البرج ليس مكانآ لأي كائن دخيل إلا إذا..."
توقف الكيان، ثم أمال رأسه ناحية "آدم".
"إلا إذا كنت أنت، الشخص الذي طال انتظاره."
سأل "آدم" بثبات رغم توتره الداخلي: "من أنت؟"
"أنا الحارس. مهمتي هي حماية البرج من أي عبث ولكن يبدو أنك تحمل شيئآ مميزآ، القوة التي خلقت بها هذا العالم تجعلك مرشحآ، لكن عليك إثبات جدارتك."
اقتربت "لارا" بخطوة وقالت بحذر:
"ما الجدارة التي تتحدث عنها؟ هذا العالم في حالة فوضى يجب أن يصل إلى البرج لإنقاذه."
أجاب الحارس :
"الإنقاذ لا يأتي دون تضحية للوصول إلى البرج يجب أن يثبت آدم أنه يستحق السيطرة، وهناك اختبار واحد فقط يجب أن يواجه خوفه الأكبر."
صمت الجميع.
سأل "آدم"، رغم أنه كان يعلم أن الجواب سيحطم توازنه :
"وما هو خوفي الأكبر؟"
رفع الحارس يده، وفجأة، ظهر مشهد أمامهم وكأنه نافذة إلى الماضي كان "آدم" صغيرآ، يركض عبر ممرات مظلمة، بينما صرخات غامضة تتبعه، رأى صورة رجل وامرأة، وجوههم مشوهة، يمدون أيديهم نحوه قبل أن يُسحبوا إلى الظلام.
"أنت تخشى الماضي الذي حاولت نسيانه، يا آدم لكن تذكر، لا يمكن بناء عالم جديد دون مواجهة ما تركته خلفك."
في تلك اللحظة، أصبحت الفوضى حولهم أعمق الظلال بدأت تهاجم لكن شيئآ غريبآ حدث، الحارس لم يتحرك للدفاع عنهم.
صرخت "لارا": لماذا لا تساعدنا؟"
"هذه جزء من التجربة إن لم يثبت آدم قوته هنا، لن يستحق القيادة."
تقدم "نوح" فجأة، رافعآ يده نحو الظلال، معجزة صغيرة حدثت الظلال توقفت للحظات، كأنها ترتبك بوجوده.
سأل الحارس وهو ينظر إلى "نوح" : "من هذا الطفل؟"
صرخ "نوح":
"أنا لا أعرف، أنا فقط لا أريد أن يحدث أي شيء سيئ لهم"
نظر الحارس نظرة طويلة إلى "نوح"، ثم قال:
"ربما هذا الطفل هو المفتاح الثاني، الحارس الأصغر."
سأل "آدم"بدهش: "ماذا تعني؟"
"لكل سيد هناك حارس وظيفته هي حفظ التوازن ومساعدتك على اتخاذ القرار الصحيح لكن الحارس لا يُختار إلا في لحظة يثبت فيها نقاء قلبه."
بدأت الظلال تنسحب تدريجيآ، وكأن وجود "نوح" قد أثّر فيها.
مع كل هذا، كان "آدم" يشعر بثقل أكبر على كاهله ما بدأ كرحلة لإعادة السيطرة على العالم أصبح الآن مليئًا بألغاز لا تنتهي "لارا" أصبحت مثل مرآه تعكس قوته وضعفه "نوح" هو الطفل الذي يعبر عن البراءة والنقاء والحارس يقف كاختبار صارم أمامه.
تساءل "آدم" وهو ينظر إلى الأفق حيث يلوح البرج العملاق:
"ماذا بعد؟"
أجاب الحارس:
"ما بعد هو قرارك هل ستختار السلطة؟ أم ستضحي بنفسك من أجل إعادة التوازن؟ كل شيء يعتمد عليك"
ثم اختفى في ومضة من الضوء، تاركًا الثلاثة أمام الطريق الأخير نحو البرج.
ما لم يعرفه "آدم" هو أن " زيوس " كان يراقب كل شيء من بعيد مستعدآ للظهور مرة أخرى، لكن هذه المرة... ومعه جيش من الظلال التي لا تخشى النقاء.
واصل "آدم"، و"لارا"، و"نوح" طريقهم نحو البرج العملاق كان كل شيء حولهم يتغير باستمرار، كأن العالم بأسره يختبر قدرتهم على التحمل الممرات التي كانوا يسلكونها كانت تنبض بالحياة، الجدران تتحدث أحيانآ بأصوات مجهولة، والأرض تهتز وكأنها تستعد للانهيار في أي لحظة.
اقتربوا من البرج، وهو يرتفع فوقهم بشكل مهيب، تلتف حوله دوامات طاقة متوهجة بدا وكأن البرج هو قلب هذا العالم، ينبض بإيقاع غامض.
قالت "لارا" وهي تنظر إليه بعينين تحملان القلق:
"آدم، نحن على وشك الوصول لكن يجب أن تكون مستعدًا."
"آدم" بحماس شديد:
"مستعد لأي شيء هذا العالم هو مسؤوليتي الآن."
لكن فجأة، توقفت المجموعة عندما خرج "زيوس" من الظلام يحيط به جيش من الظلال التي بدت أقوى وأكثر وضوحآ و ابتسم بسخرية وهو يقول:
"ألم أخبرك أنك ستحتاجني؟ والآن، وصلت إلى اللحظة التي كنت أنتظرها أريد أن أرى كيف ستختار مصيرك."
قال "آدم"، متقدمًا خطوة للأمام:"لن أسمح لك بتدمير ما تبقى."
أجاب "زيوس" :
"أنت لا تفهم، البرج ليس مجرد مكان إنه مفتاح لإعادة تشكيل كل شيء إذا دخلت، ستتخذ قرارآ يؤثر على هذا العالم إلى الأبد أما أنا... فأريد أن أحصل على هذه القوة."
سأله "آدم": "ولماذا؟"
"لأن هذا العالم لم يكن عادلًا معي أبدآ الآن، حان دوري لأعيد تشكيله كما أريد وأنت يا آدم، أمامك خياران إما أن تسلمني القوة أو أن أدمرك وأحصل عليها بالقوة."
(المواجهة الأخيرة )
تحولت الأجواء إلى معركة شرسة الظلال هجمت بعنف، لكن "نوح" استخدم قدرته الغامضة لحماية "لارا"، بينما تصدى "آدم" لـ"زيوس" بنفسه كان القتال أشبه بصراع بين إرادتين
"آدم" الذي يسعى لاستعادة التوازن، و"زيوس" الذي يريد الهيمنة.
قال "زيوس" وهو يطلق موجة طاقة ضخمة:
"آدم، العالم ليس بحاجة إلى قائد مثلك أنت ضعيف"
لكن "آدم" وقف بثبات، وقال:
"القوة ليست فيما يمكننا تدميره، بل فيما يمكننا إنقاذه."
مع هذه الكلمات، انطلقت طاقة جديدة من "آدم"، طاقة نابعة من تصميمه وإيمانه بما هو صحيح،الظلال بدأت تتلاشى، و"زيوس" بدأ يفقد قوته تدريجيآ.
وعندما انتهت المعركة، وجد "آدم" نفسه أمام قلب البرج بلورة متوهجة تدور في الهواء، ينبعث منها ضوء يجذب كل شيء حولها، كان يعلم أن عليه اتخاذ القرار الآن.
قالت "لارا" بحزن :
"آدم، كن حذرآ إذا اخترت أن تستخدام هذه الطاقة، لن تكون هناك عودة."
نظر "آدم" لكلاهما وقال:
"لارا، نوح... هذه ليست قصتي فقط هذا العالم يحتاج إلى بداية جديدة لكن البداية الجديدة تحتاج إلى تضحية."
اقترب من البلورة، ومد يده نحوها في اللحظة التي لمسها، اندفعت طاقة هائلة اجتاحت المكان، وأضاء البرج كله بنور ساطع.
صرخت "لارا" .... "آدم، لا تفعلها" لكن الأوان كان قد فات.
عندما تلاشى الضوء، اختفت الفوضى الظلال تبخرت، والأرض استقرت، وكأن العالم قد بدأ في استعادة توازنه لكن "آدم" لم يكن هناك قد ضحي بنفسه من أجل العالم.
"لارا" و"نوح" يعلؤ بنظرات الصمت، يدركان أن "آدم" قد ضحى بنفسه ليعيد النظام إلي ما كان هو عليه.
بعد أن اتخذ "آدم" قراره الحاسم وضحى بنفسه، غمره الضوء الساطع الذي ابتلع البرج وكل ما فيه أغمض عينيه، متوقعآ النهاية ولكن عندما فتحهما مجددآ، وجد نفسه في مكان غريب، مألوف بطريقة غامضة.
كان المكان غرفة صغيرة مليئة بأوراق مبعثرة، جدرانها تحمل لوحات ومخطوطات قديمة وسط كل ذلك، كان هناك مكتب خشبي قديم، تتناثر فوقه أدوات كتابة وحبر في الزاوية، مرآة تعكس وجهه، لكن شيئآ ما لم يكن على ما يرام.
جلس على الكرسي بجوار المكتب، والتقط ورقة عليها رسم للبوابة التي مرّ من خلالها سابقآ كلمات مكتوبة بخط يده كانت تغطي الورقة، لكنّه لا يتذكر كتابتها الكلمات بدت كأنها خطاب لنفسه:
"آدم، العالم الذي كنت تعيش فيه لم يكن إلا جزء من عقلك كل ما حدث، كل من قابلتهم، كانوا انعكاسات لصراعاتك الداخلية أنت الآن هنا لتواجه الحقيقة."
بينما كان يقرأ الورقة، شعر بثقل في رأسه، المشاهد التي عاشها بدأت تتلاشى، وبدت كما لو كانت مجرد أحلام متداخلة "البرج" "لارا"، "نوح"، وحتى التضحية الكبرى، كلها بدأت تتبخر في ذهنه كأوهام.
نهض بسرعة وواجه المرآة كان وجهه يبدو شاحبآ ومتعبآ، وعيناه تحملان أثقالًا لا يستطيع تفسيرها وراءه، ظهر شخص مجهول يشبه ظلاً من الماضي التفت ليجد رجلاً مسنآ، لكنه لم يكن غريبآ، كان والده، لكنه بدا مختلفآ، وكأنه جزء من هذا العالم الهلامي.
قال الأب بصوت هادئ:
"آدم، لقد كنت دائمآ عالقآ هنا، العالم الذي كنت تعيش فيه كان اختبارآ... ولكنه اختبار خلقته أنت لنفسك."
بدأت الغرفة تهتز، والأوراق تتطاير في الهواء كل شيء من حوله كان يتفكك حاول "آدم" الإمساك بشيء حقيقي، لكنه لم يجد سوى فراغ.
صرخ: "ماذا يعني هذا؟ هل ما عشته كان حقيقيًا؟"
أجاب الأب:
"الأحداث كانت أوهامآ، لكن معانيها كانت حقيقية كنت تحاول الهروب من صدمة رحيل ليلي ثم بعد ذلك رحيلي ومن حياتك الواقعية العالم الذي بنيته في عقلك كان انعكاسآ لخوفك وصراعاتك الداخلية."
استيقظ "آدم" فجأة، جالسآ على سرير في غرفة صغيرة داخل مستشفى، الأجهزة من حوله كانت تعمل، والطبيب يدخل الغرفة مبتسمآ.
قال الطبيب:
"أهلًا بك مجددًا، لقد كنت فاقدآ للوعي لفترة طويلة، كيف تشعر الآن؟"
نظر "آدم" حوله، مشوشآ لكنه مدرك أن كل شيء كان حلمآ، وهمً خلقه عقله ليهرب من الحقيقة، لكنه أدرك أيضآ أن تلك الأوهام كانت تحمل درسآ، ربما لم يكن هناك برج أو تضحيات كبرى، لكن ما عاشه جعله أقوى وأكثر استعداد لمواجهة واقعه.
بعد أن استيقظ "آدم" من وهمه الطويل، وجد نفسه جالس في مرسمه القديم، المكان الذي كان ملاذه الوحيد قبل أن تغمره تلك الأحداث الغامضة كان يمسك بفرشاة الرسم في يده اليمنى، وعلى اللوحة أمامه خطوط وألوان لم يكن يتذكر متى بدأها.
لم تكن اللوحة مكتملة، لكن ملامحها كانت واضحة كانت "لارا" تقف على حافة برج، تنظر بعيدًا وكأنها تفكر في شيء عميق، بينما كان "نوح" يقف خلفها، نصف ملامحه في الظل، كأنما هو الحارس أو الرقيب الألوان الداكنة والخطوط الحادة أعطت اللوحة إحساس بالغموض، وكأنها تعكس جزءً مما عاشه.
حدق "آدم" في اللوحة، وشعر بصدمة تسري في جسده لم تكن هذه اللوحة مجرد عمل فني كانت تفاصيلها دقيقة للغاية، تحمل كل لحظة وكل شعور عاشه في ذلك العالم الوهمي لم يكن يتذكر أنه رسم هذه اللوحة من قبل، ولكن كل ضربة فرشاة كانت تعيد إليه ذكرى من تلك الرحلة.
بينما كان ينظر إلى "لارا" في اللوحة، شعر وكأن عينيها تراقبه للحظة، بدت اللوحة حية، وكأن الشخصيات فيها على وشك الخروج من الإطار تراجع "آدم" خطوة إلى الخلف، وقد علت وجهه دهشة لم يستطع إخفاءها.
بدأت ذكريات الرحلة الغريبة تعود إلى ذهنه كعواصف صغيرة البوابة، البرج، الأصوات، والتضحية الكبرى التي اختارها تساءل بصوت مسموع:
"هل كانت هذه رحلة في عقلي فقط؟ أم أنها كانت شيئ حقيقي بطريقة ما؟"
بينما كان يفكر، لاحظ شيئ غريب على حافة اللوحة، توقيع بخط صغير جدآ أسفل الزاوية اليمنى، كان التوقيع مكتوبًا بخط والده الراحل.
اقترب "آدم" من اللوحة بحذر، لم يكن يعرف كيف انتهى توقيع والده هنا، لكنه شعر بشيء يحثه على استكشاف المزيد قلب اللوحة ببطء ليجد على ظهرها كلمات مكتوبة بخط اليد:
"آدم، ما تراه في عقلك هو انعكاس لما بداخلك، الفن هو المفتاح لفهمك الحقيقي، لا تدع الأوهام تحجب نورك."
جلس "آدم" على الأرض، بينه وبين اللوحة لحظات من التفكير العميق أدرك أن كل ما عاشه لم يكن مجرد أوهام بلا معنى كان انعكاسآ لمخاوفه، لطموحاته، وللصراع الذي كان يحاول دائمآ الهروب منه.
رفع الفرشاة مجددآ، وأكمل رسم اللوحة، لكنه أضاف شيئًا جديدًا، في الخلفية، رسم انعكاس لوجهه هو، كأنه يقول لنفسه إنه جزء من هذه القصة، وأنه لن يهرب بعد الآن.
بينما انتهى من ضربته الأخيرة، نظر إلى اللوحة مجددآ، فاختفت دهشته تدريجيآ لتحل محلها ابتسامة هادئة ربما لم يكن بحاجة لفهم كل شيء، لكنّه أدرك الآن أن ما عاشه، سواء كان وهمًا أم حقيقة، شكّله بطريقة لم يكن يتوقعها.
وضع "آدم" الفرشاة على الطاولة، شعر وكأن جزء منه قد تحرر بينما بقي الجزء الآخر مثقلاً بتساؤلات لا تنتهي وقف أمام اللوحة المكتملة، التي جمعت بين "لارا" و"نوح" في مزيج عجيب من المشاعر كان الوجهان يختلطان في تعبيراتهما بين الحزن العميق والرجاء المتوهّج، وكأنهما يمثلان انعكاسآ داخليآ لما يشعر به.
تنهد بعمق، ثم تمتم بصوت خافت: "آن الأوان للحديث مع سلمى."
تحرك "آدم" ببطء، مغادرآ المرسم أغلق الباب خلفه ونظر للحظة إلى المنزل الذي عاش فيه بعد وفاة والده، وكأنه يبحث فيه عن دفء الذكريات التي تركها والده خلفه في طريقه إلى الخارج، مر بغرفة المعيشة حيث جلست والدته ترتب بعض الصور القديمة على الطاولة كان شقيقه "أمجد" الذي يكبره بسنوات قليلة، منشغلًا بتصليح جهاز إلكتروني قديم.
التفتت والدته نحوه بسرعة عندما لاحظت خطواته:
"آدم، إلى أين أنت ذاهب؟ تبدو وكأنك لم تنم جيدًا."
اقترب "آدم" منها، وانحنى ليطبع قبلة على رأسها:
"سأذهب إلى سلمى، أحتاج إلى الحديث معها عن بعض الأمور."
نظرت إليه والدته بقلق خافت:
"سلمى دائمًا تقول عنك إنك تحمل أكثر مما ينبغي، آدم لا تنسى أن الحياة أبسط مما تجعلها تبدو."
ابتسم "آدم" ابتسامة شاحبة، وكأنه لا يملك إجابة جاهزة:
"أعلم يا أمي، لكن أحيانًا التعقيد لا يكون اختيارًا."
رفع "أمجد" رأسه من الجهاز الذي كان يصلحه وقال بلهجة مرحة: "هل ستتحدث مع سلمى عن تلك اللوحة الغريبة التي كنت ترسمها؟ أم أن الموضوع أكبر من ذلك؟"
ابتسم "آدم" ونظر إلى "أمجد" نظرة يملؤها الغموض:
"ربما اللوحة هي البداية فقط، لكن الأجوبة دائمآ أعمق مما نراه."
اقترب "أمجد" منه وربت على كتفه:
" لا تدع كل هذا يستهلكك، يا أخي نحن هنا دائمآ."
شعر "آدم" بحرارة كلمات أخيه، وابتسم له مطمئنًا:
"أعلم ذلك وهذا ما يجعلني أستمر."
وقف عند الباب للحظة، ثم نظر إلى والدته و"أمجد" وقال بهدوء:
"لا تقلقوا هذه المرة، أشعر أنني أقرب إلى الحقيقة."
فتح الباب وخرج، تاركآ خلفه منزلًا مليئآ بأصوات الذكريات والروابط العائلية الشارع كان هادئًا، والهواء البارد يلفح وجهه بلطف بدأ يسير نحو عيادة "سلمى" بخطوات ثابتة، لكن عقله كان مليئآ بالصور والأحداث التي مر بها خلال الأيام الماضية.
بينما كان يقود السياره، عاد بذاكرته إلى والده تذكر كلماته الأخيرة قبل رحيله:
"الحياة لغز، والألغاز لا تُحل إلا عندما تكون مستعدآ لمواجهتها."
أحس بشعور غريب يملأ صدره لم تكن هذه الرحلة مجرد وهم أو ذكرى عابرة كانت شيئآ أعمق، شيئآ لا يزال يحاول فهمه الآن، كل ما يريده هو أن يصل إلى "سلمى"، ليضع النقاط على الحروف في حديث قد يكون الأهم في حياته
"الذكريات المدفونة في أعماقنا هي أوهامٍ محنطة، تخرج من ظلال الزمن لتشكّل لنا عوالم وهمية، تروي قصصآ من الماضي، لا نعلم إن كانت حقيقية أم مجرد صدى لتخيلاتنا، أوهام الذكريات المدفونة في أعماقنا هي أشباح تتنفس في صمت، تخبئ بين ثناياها حقائق مغشوشة، تتركنا نتوه بين ما عاشته أرواحنا وما اختلقته أذهاننا
من خيوط مستحيلة."
-------
بدأ العالم الجديد يتشكل أمام عين "آدم" لكنه لم يكن كما تخيله بدلاً من النظام والهدوء، كان كل شيء في حالة فوضى لا نهائية الهياكل التي بدأت تتكون كانت غريبة، تتبدل باستمرار بين أشكال حادة وأخرى عضوية الألوان انفجرت من كل مكان، متنافرة، وكأن العالم نفسه كان يعاني من صراع داخلي.
"آدم... أوقف هذا الجنون!"
جاء الصوت من خلفه، فالتفت ليجد فتاة شابة واقفة في منتصف الفوضى كانت ترتدي عباءة رمادية، وعيناها تشعان بقوة هادئة.
سألها وهو يشعر بشيء غريب تجاهها، وكأنها ليست غريبة تمامآ
"من أنت؟ وكيف وصلتِ إلى هنا؟"
"اسمي لارا أنا جزء من هذا العالم، أو بالأحرى، كنت هنا منذ البداية أنت أيقظتني."
سالها بدهشه تعلؤ نظراته : "أيقظتك؟ ماذا تعنين؟"
"أنت لا تفهم حقًا ما فعلته، أليس كذلك؟ عندما قررت إنشاء عالمك الخاص، لم تصنع فقط مساحة جديدة بل أعدت فتح ذكريات قديمة وأطلقت سراح أرواح كانت محتجزة أنا واحدة منها، لكن ليس الجميع هنا أصدقاءك."
قبل أن يتمكن "آدم" من الرد، بدأت أصوات غريبة تملأ المكان كانت هناك صرخات وهمسات قادمة من الظلام الذي يحيط بهم فجأة ظهرت أشكال مظلمة من بعيد، تشبه الظلال لكنها تتحرك بذكاء وتقترب ببطء.
سأل "آدم" وهو يستعد للدفاع عن نفسه : "من هؤلاء؟"
"هؤلاء يُدعون، الظلال التائهة إنهم أرواح تم نفيها منذ زمن بعيد لأنهم حاولوا السيطرة على هذا المكان أنت بإرادتك غير المحسوبة أعطيتهم طريقًا للعودة."
شعر "آدم" بارتباك، لكنه أيضًا لم يندم كان جزء منه يريد مواجهة هذه الكائنات، ليعرف حدود قوته.
سأل "لارا" : "إذن ماذا أفعل الآن؟"
"يجب أن نصل إلى "برج النشوء"، هناك يمكنك تثبيت قوانين العالم الذي صنعته إذا لم تفعل، ستظل هذه الفوضى تلتهم كل شيء، بما في ذلك أنت."
"لكن كيف أصل إلى هناك؟"
قبل أن تجيب، ظهر رجل غريب الهيئة كان طويل القامة، يرتدي درعآ أسود مزخرفآ برموز قديمة عينيه كانت متوهجه بلون أحمر وحوله هالة من الطاقة الداكنة.
"لا تقلق بشأن ذلك، يا آدم، أنا زيوس، وأعرف كل شيء عن هذا المكان أستطيع مساعدتك."
سأله "آدم" بشك: "ولماذا تساعدني؟"
"لأنني كنت أنتظر هذه اللحظة منذ قرون العالم الذي صنعته هو فرصتي أيضآ، إذا تعاونآ يمكننا السيطرة على الظلال وإعادة تشكيل هذا العالم كما نريد."
صرخت "لارا" قائله :
"لا تصدقه، زيوس ليس إلا خائنآ، كان السبب في خراب هذا المكان منذ البداية إذا وثقت به، لن يكون هناك طريق للعودة."
تردد "آدم"، لكنه شعر أن عليه اتخاذ قرار سريع الظلال كانت تقترب، وصوتها أصبح أكثر إزعاجآ، وكأنها تعرف مخاوفه العميقة.
قال "زيوس" بابتسامة مريبة :
"إذا كنت تريد الحل، اتبعني الوقت ينفد."
قالت "لارا":
"آدم، أرجوك... لا تجعل هذه الفوضى تتكرر، يمكننا فعلها دون مساعدة أحد"
في لحظة مصيرية، قرر "آدم" أن يثق بـ"لارا" و التفت إلى "زيوس" وقال:
"أشكرك على العرض، لكنني سأفعل هذا بطريقتي."
ضحك "زيوس" ضحكة مزلزلة، وقال:
"قرارك سيكون ندمك لكن تذكر، سأكون هنا، وسأنتظر سقوطك."
اختفى "زيوس" في الظلام، تاركًا "آدم" و"لارا" وحدهما.
قالت " لارا" باستعجال :
"أحسنت، لكننا الآن بحاجة إلى التحرك الطريق إلى البرج لن يكون سهلًا الظلال ستطاردنا، وهناك من لا يريدك أن تصل."
---
بدأ الاثنان رحلة محفوفة بالمخاطر عبر عالم مليء بالفوضى في الطريق، انضم إليهما كيان آخر، صبي صغير يُدعى "نوح"، قال إنه كان يعيش في الظلال لكنه هرب عندما رأى ضوءآ من بعيد.
قال "نوح" بصوت مرتعش:
"لا أعرف كيف وصلت إلي هنا، لكنني أعرف أنني لا أريد العودة إلى الظلام."
رغم صغر سنه، لكن لـ"نوح" قدرة غريبة على التفاعل مع العالم من حوله عندما اقتربت الظلال، كان قادرآ على إبعادها بطريقة ما، كأنها تخاف منه.
مع الوقت، بدأ "آدم" يشعر بأن هذه المجموعة ليست عشوائية كل فرد يحمل قطعة من اللغز، لكن اللغز الأكبر كان داخله هل يستطيع حقًا التحكم في العالم الذي صنعه؟ أم أن هذا العالم سيبتلعه كما ابتلع الآخرين؟
كل خطوة نحو البرج كانت تقربهم من المواجهة الحاسمة، ليس فقط مع الظلال، بل مع حقيقة "آدم" نفسها.
فجأة، أثناء عبورهم منطقة غريبة تشبه متاهة مصنوعة من شظايا زجاجية متحركة، توقفت "لارا" فجأة ووضعت يدها على صدرها.
سألها "آدم" بقلق : "ما الأمر؟"
همست وهي تنظر حولها : " هناك شيء... يراقبنا."
آدم : "هل هي الظلال؟"
هزت رأسها نفيآ، ثم نظرت إلى الأعلي انعكاس في إحدى الشظايا اللامعة أظهر كيان مجهول يقف بعيدآ، يرتدي رداءً أبيض طويلًا ووجهه مغطى بقناع يشبه وجوه الدمى.
تساءل "نوح"، مختبئًا خلف "آدم" : "من هذا؟"
في تلك اللحظة، انفتح الكيان المجهول عن جناحين شفافين يشعان بضوء غريب، وقفز من الأعلى ليهبط أمامهم أطلق صوتآ مهيبآ، ثم تحدث :
"أنتم تقتربون من الحدود البرج ليس مكانآ لأي كائن دخيل إلا إذا..."
توقف الكيان، ثم أمال رأسه ناحية "آدم".
"إلا إذا كنت أنت، الشخص الذي طال انتظاره."
سأل "آدم" بثبات رغم توتره الداخلي: "من أنت؟"
"أنا الحارس. مهمتي هي حماية البرج من أي عبث ولكن يبدو أنك تحمل شيئآ مميزآ، القوة التي خلقت بها هذا العالم تجعلك مرشحآ، لكن عليك إثبات جدارتك."
اقتربت "لارا" بخطوة وقالت بحذر:
"ما الجدارة التي تتحدث عنها؟ هذا العالم في حالة فوضى يجب أن يصل إلى البرج لإنقاذه."
أجاب الحارس :
"الإنقاذ لا يأتي دون تضحية للوصول إلى البرج يجب أن يثبت آدم أنه يستحق السيطرة، وهناك اختبار واحد فقط يجب أن يواجه خوفه الأكبر."
صمت الجميع.
سأل "آدم"، رغم أنه كان يعلم أن الجواب سيحطم توازنه :
"وما هو خوفي الأكبر؟"
رفع الحارس يده، وفجأة، ظهر مشهد أمامهم وكأنه نافذة إلى الماضي كان "آدم" صغيرآ، يركض عبر ممرات مظلمة، بينما صرخات غامضة تتبعه، رأى صورة رجل وامرأة، وجوههم مشوهة، يمدون أيديهم نحوه قبل أن يُسحبوا إلى الظلام.
"أنت تخشى الماضي الذي حاولت نسيانه، يا آدم لكن تذكر، لا يمكن بناء عالم جديد دون مواجهة ما تركته خلفك."
في تلك اللحظة، أصبحت الفوضى حولهم أعمق الظلال بدأت تهاجم لكن شيئآ غريبآ حدث، الحارس لم يتحرك للدفاع عنهم.
صرخت "لارا": لماذا لا تساعدنا؟"
"هذه جزء من التجربة إن لم يثبت آدم قوته هنا، لن يستحق القيادة."
تقدم "نوح" فجأة، رافعآ يده نحو الظلال، معجزة صغيرة حدثت الظلال توقفت للحظات، كأنها ترتبك بوجوده.
سأل الحارس وهو ينظر إلى "نوح" : "من هذا الطفل؟"
صرخ "نوح":
"أنا لا أعرف، أنا فقط لا أريد أن يحدث أي شيء سيئ لهم"
نظر الحارس نظرة طويلة إلى "نوح"، ثم قال:
"ربما هذا الطفل هو المفتاح الثاني، الحارس الأصغر."
سأل "آدم"بدهش: "ماذا تعني؟"
"لكل سيد هناك حارس وظيفته هي حفظ التوازن ومساعدتك على اتخاذ القرار الصحيح لكن الحارس لا يُختار إلا في لحظة يثبت فيها نقاء قلبه."
بدأت الظلال تنسحب تدريجيآ، وكأن وجود "نوح" قد أثّر فيها.
مع كل هذا، كان "آدم" يشعر بثقل أكبر على كاهله ما بدأ كرحلة لإعادة السيطرة على العالم أصبح الآن مليئًا بألغاز لا تنتهي "لارا" أصبحت مثل مرآه تعكس قوته وضعفه "نوح" هو الطفل الذي يعبر عن البراءة والنقاء والحارس يقف كاختبار صارم أمامه.
تساءل "آدم" وهو ينظر إلى الأفق حيث يلوح البرج العملاق:
"ماذا بعد؟"
أجاب الحارس:
"ما بعد هو قرارك هل ستختار السلطة؟ أم ستضحي بنفسك من أجل إعادة التوازن؟ كل شيء يعتمد عليك"
ثم اختفى في ومضة من الضوء، تاركًا الثلاثة أمام الطريق الأخير نحو البرج.
ما لم يعرفه "آدم" هو أن " زيوس " كان يراقب كل شيء من بعيد مستعدآ للظهور مرة أخرى، لكن هذه المرة... ومعه جيش من الظلال التي لا تخشى النقاء.
واصل "آدم"، و"لارا"، و"نوح" طريقهم نحو البرج العملاق كان كل شيء حولهم يتغير باستمرار، كأن العالم بأسره يختبر قدرتهم على التحمل الممرات التي كانوا يسلكونها كانت تنبض بالحياة، الجدران تتحدث أحيانآ بأصوات مجهولة، والأرض تهتز وكأنها تستعد للانهيار في أي لحظة.
اقتربوا من البرج، وهو يرتفع فوقهم بشكل مهيب، تلتف حوله دوامات طاقة متوهجة بدا وكأن البرج هو قلب هذا العالم، ينبض بإيقاع غامض.
قالت "لارا" وهي تنظر إليه بعينين تحملان القلق:
"آدم، نحن على وشك الوصول لكن يجب أن تكون مستعدًا."
"آدم" بحماس شديد:
"مستعد لأي شيء هذا العالم هو مسؤوليتي الآن."
لكن فجأة، توقفت المجموعة عندما خرج "زيوس" من الظلام يحيط به جيش من الظلال التي بدت أقوى وأكثر وضوحآ و ابتسم بسخرية وهو يقول:
"ألم أخبرك أنك ستحتاجني؟ والآن، وصلت إلى اللحظة التي كنت أنتظرها أريد أن أرى كيف ستختار مصيرك."
قال "آدم"، متقدمًا خطوة للأمام:"لن أسمح لك بتدمير ما تبقى."
أجاب "زيوس" :
"أنت لا تفهم، البرج ليس مجرد مكان إنه مفتاح لإعادة تشكيل كل شيء إذا دخلت، ستتخذ قرارآ يؤثر على هذا العالم إلى الأبد أما أنا... فأريد أن أحصل على هذه القوة."
سأله "آدم": "ولماذا؟"
"لأن هذا العالم لم يكن عادلًا معي أبدآ الآن، حان دوري لأعيد تشكيله كما أريد وأنت يا آدم، أمامك خياران إما أن تسلمني القوة أو أن أدمرك وأحصل عليها بالقوة."
(المواجهة الأخيرة )
تحولت الأجواء إلى معركة شرسة الظلال هجمت بعنف، لكن "نوح" استخدم قدرته الغامضة لحماية "لارا"، بينما تصدى "آدم" لـ"زيوس" بنفسه كان القتال أشبه بصراع بين إرادتين
"آدم" الذي يسعى لاستعادة التوازن، و"زيوس" الذي يريد الهيمنة.
قال "زيوس" وهو يطلق موجة طاقة ضخمة:
"آدم، العالم ليس بحاجة إلى قائد مثلك أنت ضعيف"
لكن "آدم" وقف بثبات، وقال:
"القوة ليست فيما يمكننا تدميره، بل فيما يمكننا إنقاذه."
مع هذه الكلمات، انطلقت طاقة جديدة من "آدم"، طاقة نابعة من تصميمه وإيمانه بما هو صحيح،الظلال بدأت تتلاشى، و"زيوس" بدأ يفقد قوته تدريجيآ.
وعندما انتهت المعركة، وجد "آدم" نفسه أمام قلب البرج بلورة متوهجة تدور في الهواء، ينبعث منها ضوء يجذب كل شيء حولها، كان يعلم أن عليه اتخاذ القرار الآن.
قالت "لارا" بحزن :
"آدم، كن حذرآ إذا اخترت أن تستخدام هذه الطاقة، لن تكون هناك عودة."
نظر "آدم" لكلاهما وقال:
"لارا، نوح... هذه ليست قصتي فقط هذا العالم يحتاج إلى بداية جديدة لكن البداية الجديدة تحتاج إلى تضحية."
اقترب من البلورة، ومد يده نحوها في اللحظة التي لمسها، اندفعت طاقة هائلة اجتاحت المكان، وأضاء البرج كله بنور ساطع.
صرخت "لارا" .... "آدم، لا تفعلها" لكن الأوان كان قد فات.
عندما تلاشى الضوء، اختفت الفوضى الظلال تبخرت، والأرض استقرت، وكأن العالم قد بدأ في استعادة توازنه لكن "آدم" لم يكن هناك قد ضحي بنفسه من أجل العالم.
"لارا" و"نوح" يعلؤ بنظرات الصمت، يدركان أن "آدم" قد ضحى بنفسه ليعيد النظام إلي ما كان هو عليه.
بعد أن اتخذ "آدم" قراره الحاسم وضحى بنفسه، غمره الضوء الساطع الذي ابتلع البرج وكل ما فيه أغمض عينيه، متوقعآ النهاية ولكن عندما فتحهما مجددآ، وجد نفسه في مكان غريب، مألوف بطريقة غامضة.
كان المكان غرفة صغيرة مليئة بأوراق مبعثرة، جدرانها تحمل لوحات ومخطوطات قديمة وسط كل ذلك، كان هناك مكتب خشبي قديم، تتناثر فوقه أدوات كتابة وحبر في الزاوية، مرآة تعكس وجهه، لكن شيئآ ما لم يكن على ما يرام.
جلس على الكرسي بجوار المكتب، والتقط ورقة عليها رسم للبوابة التي مرّ من خلالها سابقآ كلمات مكتوبة بخط يده كانت تغطي الورقة، لكنّه لا يتذكر كتابتها الكلمات بدت كأنها خطاب لنفسه:
"آدم، العالم الذي كنت تعيش فيه لم يكن إلا جزء من عقلك كل ما حدث، كل من قابلتهم، كانوا انعكاسات لصراعاتك الداخلية أنت الآن هنا لتواجه الحقيقة."
بينما كان يقرأ الورقة، شعر بثقل في رأسه، المشاهد التي عاشها بدأت تتلاشى، وبدت كما لو كانت مجرد أحلام متداخلة "البرج" "لارا"، "نوح"، وحتى التضحية الكبرى، كلها بدأت تتبخر في ذهنه كأوهام.
نهض بسرعة وواجه المرآة كان وجهه يبدو شاحبآ ومتعبآ، وعيناه تحملان أثقالًا لا يستطيع تفسيرها وراءه، ظهر شخص مجهول يشبه ظلاً من الماضي التفت ليجد رجلاً مسنآ، لكنه لم يكن غريبآ، كان والده، لكنه بدا مختلفآ، وكأنه جزء من هذا العالم الهلامي.
قال الأب بصوت هادئ:
"آدم، لقد كنت دائمآ عالقآ هنا، العالم الذي كنت تعيش فيه كان اختبارآ... ولكنه اختبار خلقته أنت لنفسك."
بدأت الغرفة تهتز، والأوراق تتطاير في الهواء كل شيء من حوله كان يتفكك حاول "آدم" الإمساك بشيء حقيقي، لكنه لم يجد سوى فراغ.
صرخ: "ماذا يعني هذا؟ هل ما عشته كان حقيقيًا؟"
أجاب الأب:
"الأحداث كانت أوهامآ، لكن معانيها كانت حقيقية كنت تحاول الهروب من صدمة رحيل ليلي ثم بعد ذلك رحيلي ومن حياتك الواقعية العالم الذي بنيته في عقلك كان انعكاسآ لخوفك وصراعاتك الداخلية."
استيقظ "آدم" فجأة، جالسآ على سرير في غرفة صغيرة داخل مستشفى، الأجهزة من حوله كانت تعمل، والطبيب يدخل الغرفة مبتسمآ.
قال الطبيب:
"أهلًا بك مجددًا، لقد كنت فاقدآ للوعي لفترة طويلة، كيف تشعر الآن؟"
نظر "آدم" حوله، مشوشآ لكنه مدرك أن كل شيء كان حلمآ، وهمً خلقه عقله ليهرب من الحقيقة، لكنه أدرك أيضآ أن تلك الأوهام كانت تحمل درسآ، ربما لم يكن هناك برج أو تضحيات كبرى، لكن ما عاشه جعله أقوى وأكثر استعداد لمواجهة واقعه.
بعد أن استيقظ "آدم" من وهمه الطويل، وجد نفسه جالس في مرسمه القديم، المكان الذي كان ملاذه الوحيد قبل أن تغمره تلك الأحداث الغامضة كان يمسك بفرشاة الرسم في يده اليمنى، وعلى اللوحة أمامه خطوط وألوان لم يكن يتذكر متى بدأها.
لم تكن اللوحة مكتملة، لكن ملامحها كانت واضحة كانت "لارا" تقف على حافة برج، تنظر بعيدًا وكأنها تفكر في شيء عميق، بينما كان "نوح" يقف خلفها، نصف ملامحه في الظل، كأنما هو الحارس أو الرقيب الألوان الداكنة والخطوط الحادة أعطت اللوحة إحساس بالغموض، وكأنها تعكس جزءً مما عاشه.
حدق "آدم" في اللوحة، وشعر بصدمة تسري في جسده لم تكن هذه اللوحة مجرد عمل فني كانت تفاصيلها دقيقة للغاية، تحمل كل لحظة وكل شعور عاشه في ذلك العالم الوهمي لم يكن يتذكر أنه رسم هذه اللوحة من قبل، ولكن كل ضربة فرشاة كانت تعيد إليه ذكرى من تلك الرحلة.
بينما كان ينظر إلى "لارا" في اللوحة، شعر وكأن عينيها تراقبه للحظة، بدت اللوحة حية، وكأن الشخصيات فيها على وشك الخروج من الإطار تراجع "آدم" خطوة إلى الخلف، وقد علت وجهه دهشة لم يستطع إخفاءها.
بدأت ذكريات الرحلة الغريبة تعود إلى ذهنه كعواصف صغيرة البوابة، البرج، الأصوات، والتضحية الكبرى التي اختارها تساءل بصوت مسموع:
"هل كانت هذه رحلة في عقلي فقط؟ أم أنها كانت شيئ حقيقي بطريقة ما؟"
بينما كان يفكر، لاحظ شيئ غريب على حافة اللوحة، توقيع بخط صغير جدآ أسفل الزاوية اليمنى، كان التوقيع مكتوبًا بخط والده الراحل.
اقترب "آدم" من اللوحة بحذر، لم يكن يعرف كيف انتهى توقيع والده هنا، لكنه شعر بشيء يحثه على استكشاف المزيد قلب اللوحة ببطء ليجد على ظهرها كلمات مكتوبة بخط اليد:
"آدم، ما تراه في عقلك هو انعكاس لما بداخلك، الفن هو المفتاح لفهمك الحقيقي، لا تدع الأوهام تحجب نورك."
جلس "آدم" على الأرض، بينه وبين اللوحة لحظات من التفكير العميق أدرك أن كل ما عاشه لم يكن مجرد أوهام بلا معنى كان انعكاسآ لمخاوفه، لطموحاته، وللصراع الذي كان يحاول دائمآ الهروب منه.
رفع الفرشاة مجددآ، وأكمل رسم اللوحة، لكنه أضاف شيئًا جديدًا، في الخلفية، رسم انعكاس لوجهه هو، كأنه يقول لنفسه إنه جزء من هذه القصة، وأنه لن يهرب بعد الآن.
بينما انتهى من ضربته الأخيرة، نظر إلى اللوحة مجددآ، فاختفت دهشته تدريجيآ لتحل محلها ابتسامة هادئة ربما لم يكن بحاجة لفهم كل شيء، لكنّه أدرك الآن أن ما عاشه، سواء كان وهمًا أم حقيقة، شكّله بطريقة لم يكن يتوقعها.
وضع "آدم" الفرشاة على الطاولة، شعر وكأن جزء منه قد تحرر بينما بقي الجزء الآخر مثقلاً بتساؤلات لا تنتهي وقف أمام اللوحة المكتملة، التي جمعت بين "لارا" و"نوح" في مزيج عجيب من المشاعر كان الوجهان يختلطان في تعبيراتهما بين الحزن العميق والرجاء المتوهّج، وكأنهما يمثلان انعكاسآ داخليآ لما يشعر به.
تنهد بعمق، ثم تمتم بصوت خافت: "آن الأوان للحديث مع سلمى."
تحرك "آدم" ببطء، مغادرآ المرسم أغلق الباب خلفه ونظر للحظة إلى المنزل الذي عاش فيه بعد وفاة والده، وكأنه يبحث فيه عن دفء الذكريات التي تركها والده خلفه في طريقه إلى الخارج، مر بغرفة المعيشة حيث جلست والدته ترتب بعض الصور القديمة على الطاولة كان شقيقه "أمجد" الذي يكبره بسنوات قليلة، منشغلًا بتصليح جهاز إلكتروني قديم.
التفتت والدته نحوه بسرعة عندما لاحظت خطواته:
"آدم، إلى أين أنت ذاهب؟ تبدو وكأنك لم تنم جيدًا."
اقترب "آدم" منها، وانحنى ليطبع قبلة على رأسها:
"سأذهب إلى سلمى، أحتاج إلى الحديث معها عن بعض الأمور."
نظرت إليه والدته بقلق خافت:
"سلمى دائمًا تقول عنك إنك تحمل أكثر مما ينبغي، آدم لا تنسى أن الحياة أبسط مما تجعلها تبدو."
ابتسم "آدم" ابتسامة شاحبة، وكأنه لا يملك إجابة جاهزة:
"أعلم يا أمي، لكن أحيانًا التعقيد لا يكون اختيارًا."
رفع "أمجد" رأسه من الجهاز الذي كان يصلحه وقال بلهجة مرحة: "هل ستتحدث مع سلمى عن تلك اللوحة الغريبة التي كنت ترسمها؟ أم أن الموضوع أكبر من ذلك؟"
ابتسم "آدم" ونظر إلى "أمجد" نظرة يملؤها الغموض:
"ربما اللوحة هي البداية فقط، لكن الأجوبة دائمآ أعمق مما نراه."
اقترب "أمجد" منه وربت على كتفه:
" لا تدع كل هذا يستهلكك، يا أخي نحن هنا دائمآ."
شعر "آدم" بحرارة كلمات أخيه، وابتسم له مطمئنًا:
"أعلم ذلك وهذا ما يجعلني أستمر."
وقف عند الباب للحظة، ثم نظر إلى والدته و"أمجد" وقال بهدوء:
"لا تقلقوا هذه المرة، أشعر أنني أقرب إلى الحقيقة."
فتح الباب وخرج، تاركآ خلفه منزلًا مليئآ بأصوات الذكريات والروابط العائلية الشارع كان هادئًا، والهواء البارد يلفح وجهه بلطف بدأ يسير نحو عيادة "سلمى" بخطوات ثابتة، لكن عقله كان مليئآ بالصور والأحداث التي مر بها خلال الأيام الماضية.
بينما كان يقود السياره، عاد بذاكرته إلى والده تذكر كلماته الأخيرة قبل رحيله:
"الحياة لغز، والألغاز لا تُحل إلا عندما تكون مستعدآ لمواجهتها."
أحس بشعور غريب يملأ صدره لم تكن هذه الرحلة مجرد وهم أو ذكرى عابرة كانت شيئآ أعمق، شيئآ لا يزال يحاول فهمه الآن، كل ما يريده هو أن يصل إلى "سلمى"، ليضع النقاط على الحروف في حديث قد يكون الأهم في حياته