اخر الروايات

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل الخامس 5 بقلم محمد عادل

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل الخامس 5 بقلم محمد عادل



الفصل الخامس : الكيان الآدمي

"المرض النفسي ليس عيبآ ولا ضعفآ، بل هو حرب صامتة تدور داخلنا، ساحة معركة يخوضها القلب والعقل والروح دون هدنة، هو شعور ثقيل لا يُرى، لكنه ينهش في أعماقنا، يقلب أيامنا إلى ليالٍ طويلة لا نهاية لها، قد يجعلنا نرتدي أقنعة الابتسامة بينما أرواحنا تستغيث في الخفاء، لكن ما لا يدركه الكثيرون، أن المرض النفسي ليس نهاية الطريق، بل هو بداية رحلة لفهم أنفسنا، للتصالح مع ما يُثقلنا، ولإيجاد القوة في هشاشتنا، فهو تذكير بأننا بشر، وأن النور لا يضيء دون المرور في الظلام.... إمضاء آدم فريد"

-----

استفاق "آدم" في صباح ذلك اليوم على هدوء غير طبيعي الصمت الذي كان يغلف كل شيء من حوله، كان ثقيلآ لدرجة أنه شعر وكأن الأجواء تراقبه لم يكن في ذلك الصمت ما يُريح، بل كان وكأن الكون بأسره قد تجمد للحظة، مستسلمآ لأمر غير مفهوم.

نظر "آدم" حوله في الغرفة، كانت الساعة على الجدار قد توقفت عن العمل لم يكن هذا مجرد توقف عابر، بل كان لحظة تجمد تامة أضاء ضوء الصباح الخافت المكان، لكن الجو بدا أكثر برودة مما كان عليه في الأيام السابقة تساءل في نفسه هل هي بداية نهاية شيء ما؟

استدار بسرعة نحو النافذة، فتح الستائر ببطء، وعيناه تبحثان في الشارع لم يكن هنالك سوى صمت عميق لا حركة في الشوارع، لا أصوات السيارات، لا طيور لماذا هذا الهدوء؟ شعر بشيء ثقيل في صدره، وكأن هذا الصمت هو نوع من الحيلة التي يستخدمها شيء ما لتمهيد الطريق لظهور شيء آخر.

بدأ الصوت يعود تدريجيآ، ولكن على نحو غريب في البداية كان همسآ خافتآ جدآ، كأنه يأتي من عمق الذاكرة، ثم بدأ يزداد وضوحآ
ويهمس: " آدم"

مرة أخرى، وتسلل إلى أذنه كما لو كان جزءآ من عقله، أو ربما هو عقله نفسه، كانت الكلمات تتسرب إليه من كل جانب، وكأنها تعود إليه بعد غياب طويل.

همس "آدم" لنفسه: "من أنت؟"
لكنه شعر أن السؤال لم يكن له وحده، كان السؤال يتردد في الجدران وفي الهواء نفسه.

وبينما هو يستمع بحذر، شعر بشيء آخر كانت الجدران من حوله تهتز برفق، كأنها تهمس له بشيئآ، وكأنها تعبر عن سر قديم كان مدفونآ في الأعماق كان الصوت ينمو في رأسه بشكل متسارع وكأنه يتحول إلى موجة عارمة تغمر عقله أصبح الصوت أكثر وضوحآ الآن، أقوى وأكثر تحديدآ:
"آدم، هل تذكر ما حدث؟ هل تذكر بداية هذه الرحلة؟ "

جعلته هذه الكلمات يتوقف عن التفكير، بدا وكأن الصوت يذكره بشيء كان قد نسيه كان يشير إلى شيء قد دفنه داخل نفسه، ربما خوفآ من مواجهته كانت الأصوات تعيده إلى الماضي بطريقة غريبة، كأنها كانت جزء من لغز لم يكتمل.

قفزت صورة في ذهنه، صورة لحظة دخوله ذلك المكان المهجور منذ عدة أيام كان ذلك المكان غريبآ، مظلمآ، ملئه الصمت الذي لا تفسير له هو المكان الذي بدأ فيه كل شيء، المكان الذي لم يعرف له بداية أو نهاية.

لكن الآن، هذه الأصوات كانت تلاحقه في كل زاوية من عقله كانت تتسرب من خلف جدران الوقت، تتلاعب به، وكأنها تريده أن يفتح الباب إلى سر قديم لا يريد أن يعرفه لكن في اللحظة التي شعر فيها أن هذا الصمت قد تحول إلى شيء مرعب، شعر أن شيئآ ما قد تغيّر.

فجأة، توقف الصوت، وكأنه اختفى في الهواء.

ثم في لحظة صمت ثقيلة، عادت الأصوات، ولكن هذه المرة لم تكن همسات بل كانت أصواتآ أكثر تحديدآ، وكأنها تتحدث له مباشرة:

"أنت تعلم الآن لن تستطيع الهروب، أنت هنا لأنك لم تريد أن ترى الحقيقة"

تسارع قلبه كانت الأصوات تقترب منه أكثر، وكلما اقتربت، كان يشعر وكأن عقله يواجه تحديآ لم يكن مستعدآ له حاول أن يتحرك ولكن جسده كان ثقيلآ، وكأن هناك قوة ما تثقله، تمنعه من التفكير بوضوح كان الصمت يعود ثم يزداد من جديد، ولكن هذه المرة أصبح محملاً بشيء مظلم، شيء غير مرئي، يملئ المكان.

ثم، فجأة، انفجر الصوت بشكل مفاجئ، وكأنما كان يخرج من مكان عميق في الأرض، ينبعث بصوت منخفض، متموج:
" أنت تعلم من أين بدأ كل شيء، أليس كذلك؟"

كانت الكلمات ترددت في ذهنه، وفي أذنه كما لو أنها تتسرب من داخل ذاته.

كان يركض الآن في عقله عبر الممرات المظلمة فجأة، أصبح يراها بوضوح لم يكن هذا صمتآ بريئآ، بل كان اختبارآ، اختبارآ للحظة ما قبل الكارثة.

ماذا لو كانت الأصوات هي المفتاح؟ ماذا لو كانت هي الدليل إلى ذلك اللغز الذي كان يهرب منه طوال هذه الأيام؟

بدأ "آدم" يلتقط أنفاسه الثقيلة، وكأن جسده قد أُثقل بأحمال الزمن نفسه كان يُدرك الآن أن اللعبة لم تكن مجرد اختبار عابر، بل كانت شيئآ أعمق، شيئآ مرتبطآ بجوهر داخل ذاته.

تقدم ببطء داخل الغرفة، حيث بدأ كل شيء يأخذ شكلآ مختلفآ الأثاث القديم، الذي بدآ مألوفآ بشكل غريب، كان يحيطه بهالة من الضباب اقترب من الطاولة في المنتصف، حيث رأى شيئآ ينتظره دفتر صغير، مُغطى بغبار السنوات.

مد يده ببطء، وقلب الدفتر ليجد الكلمات محفورة بلغة غريبة
لكنها كانت تتحدث إليه وكأنها تُترجم مباشرة إلى أفكاره.

"أنت هنا لأنك اخترت ذلك هذا هو طريقك الماضي لم يكن مجرد ذكريات، بل مفتاح المستقبل."

كانت هذه الكلمات تُلقي بثقلها على صدره تساءل:
"هل اخترت هذا الطريق فعلاً؟ أم أنني كنت أُقاد إليه دون إرادة؟"

بدأت صفحات الدفتر تُقلب من تلقاء نفسها، وكأن شيئآ غير مرئي يريد توجيهه، توقفت الصفحات عند صورة، صورة لرجل في مقتبل العمر، بوجه مألوف جدآ، كان الرجل يبدو مألوفآ بشكل مزعج، لكنه لم يستطع تحديد مَن يكون.

تمتم "آدم" بداخله "هذا... أنا؟!"
و ارتعشت يداه وهو يلمس الصورة.

لكن الصورة بدأت تتلاشى ببطء، وتحل محلها كلمات جديدة.

"لمعرفة الإجابة، عليك أن تواجه البداية اذهب إلى حيث بدأ كل شيء."

في تلك اللحظة، سمع صوت باب يفتح خلفه استدار ببطء، وكان الباب القديم الذي رأه في أحلامه يقف أمامه، مفتوحآ على مصراعيه، ليكشف عن ممر طويل غارق في الظلام، تملؤه أصوات خطوات خافتة وكأن أحدهم يبتعد.

بلا وعي وجد نفسه يسير نحو الباب كان كل شيء من حوله يتلاشى تدريجيآ، الحائط، الأثاث، وحتى الدفتر لم يعد هنالك سوى الممر الطويل، وصوت الخطوات الذي أصبح أوضح وأقرب.

بينما كان يسير، بدأ يسمع أصواتآ مألوفة، أصوات أصدقائه، عائلته وحتى والده كانت الكلمات تختلط، بعضها يناديه، وبعضها يحذره

"آدم، عد إلى الخلف!"
"لا تستسلم الآن، ستعرف الحقيقة قريبًا."
"هذا ليس طريقك، لا تُخطئ مرة أخرى"

لكن لم يكن بمقدوره التوقف كان الممر يقوده كما لو كان يمتصه نحو نقطة النهاية فجأة، وجد نفسه في غرفة جديدة، مظلمة تمامآ باستثناء ضوء واحد يسلط على شيء في المنتصف علي مرآة.

اقترب من المرآة بخطوات مترددة كان الزجاج يعكس صورة غريبة ليست له وحده رأى وجوهآ متعددة تظهر وتختفي، وجوهً عرفها وأخرى لم يتذكرها أبدآ كان يشعر بشيء يتغير داخله، وكأن جزء من روحه يتمزق ليكشف عن شيء آخر.

ثم ظهرت صورة والده في المرآة نظر إليه بعمق، وكانت عيناه تحملان إجابة لم يستطع "آدم" فهمها بعد تحدث الصوت مرة أخرى لكنه هذه المرة كان صوت والده:
"آدم، لقد أخفيت عنك الحقيقة لأنك لم تكن مستعدآ، لكن الآن الوقت قد حان."

لم يستطع "آدم" الرد كانت كلماته محبوسة، وكان عقله يتصارع مع شعور بالخوف والرهبة فجأة، بدأ الزجاج يتصدع ببطء، كل شق كان يكشف خلفه مشهدآ مختلفآ، لحظات من طفولته، ذكريات لم يتذكرها قط، وأماكن لم يزرها أبدآ.

ثم جاء الصوت مرة أخرى، هذه المرة بصوت أعلى وأقرب:

"كسر المرآة هو كسر الحاجز، القرار لك."

نظر "آدم" إلى الزجاج المتصدع، ورأى انعكاسه يحدق فيه رفع يده ولمس السطح البارد، فشعر بتيار كهربائي يجتاح جسده كان عليه أن يختار كسر المرآة ومواجهة الحقيقة، أو ترك كل شيء وراءه والعودة إلى الجهل.

لكنه أدرك شيئآ واحدآ مهما كان ما ينتظره خلف تلك المرآة، فهو قد أصبح جزء من رحلته الآن شد قبضته، وأخذ نفسآ عميقآ، ثم ضرب الزجاج بكل قوته.

تحطم الزجاج في لحظة صاخبة، وانفجر الضوء من كل جانب انفتحت أمامه بوابة جديدة، لكنه لم يستطع رؤية ما وراءها.

وقف "آدم" أمام البوابة المضيئة، وأخذ خطوة للأمام كان يعلم أن هذه ليست النهاية، بل البداية الحقيقية لرحلة لا يعرف أين ستأخذه.

حينما عبر "آدم" البوابة، شعر باندفاع هائل في جسده، وكأن الزمن والواقع قد توقفا لبرهة، ثم تسارع كل شيء حوله وجد نفسه فجأة في مكان مختلف تمامآ، مكان لا ينتمي إلى عالمه كانت الأرض تحته تبدو وكأنها من زجاج شفاف، يرى من خلالها عالماً مترامي الأطراف يعج بالأحداث، وكأنه يشاهد حياته تُعاد أمامه.

في الأفق، كانت هناك ظلال غريبة تتحرك ببطء، أشكال هلامية تقترب منه تدريجيآ، لكنه لم يشعر بالخوف، كان كل شيء مشبعآ بغرابة، لكنه مألوف بطريقة غير مفهومة بينما كانت تلك الظلال تقترب، بدأت تأخذ هيئة أشخاص، أشخاص يعرفهم كان يرى أصدقاءه، عائلته، وأشخاصآ لم يتذكرهم، لكن ملامحهم كانت تحمل ذكريات ضبابية من ماضيه.

أحد الظلال كان أقرب من غيره، وكان وجهه واضحآ إنه والده هذه المرة، لم يكن مجرد انعكاس في مرآة، بل كان أمامه حيآ، نظر إليه "آدم" بشعور مختلط بين الشوق والرهبة تحدث والده بصوت عميق وحازم:

"آدم، لقد وصلت إلى النقطة التي لا عودة منها كل ما رأيته وكل ما شعرت به كان جزء من الحقيقة التي دفنتها داخلك الآن، عليك أن تختار هل ستواجهها أم ستعود إلى جهلٍ آمن؟"

شعر "آدم" بتيار بارد يمر بجسده، وكأن الكلمات تحمل وزنآ أثقل مما تبدو عليه ثم قال بصوت متردد:

"لكنني لا أفهم... ما الذي يجب أن أواجهه؟ ما الحقيقة التي تتحدث عنها؟"

اقترب والده ووضع يده على كتفه، وكأن اللمسة تحمل شيئآ من الطمأنينة، ثم قال :

"الحقيقة هي أنك لم تكن يومآ من هذا العالم أنت جزء من شيء أكبر بكثير، جزء من دورة لا تنتهي الرحلة التي بدأت هنا ليست عن الماضي، بل عن المستقبل لكن عليك أن تتذكر البداية لتفهم النهاية."

في تلك اللحظة، بدأت صور جديدة تتدفق إلى عقل "آدم" رأى نفسه طفلاً صغيرآ، في مكان غريب لا يشبه أي مكان يعرفه رأى سماءً ليست كالسماء، وأناسآ مختلفين، ثم رأى نفسه يُنقل إلى عالمه الحالي، العالم الذي عاش فيه طوال حياته كان هناك شعور غريب بالانفصال، وكأن وجوده في هذا العالم لم يكن سوى محطة مؤقتة.

سأل "آدم" بصوت مليء بالدهشة والخوف :
"هل هذا يعني أنني... لست حقيقيآ؟"

أجاب والده :
"أنت حقيقي أكثر مما تتخيل، لكنك كنت تعيش في وهم صنعناه لنحميك الآن، لا يمكننا إخفاء الحقيقة أكثر، عليك أن تتخذ القرار"

نظر "آدم" حوله، ورأى بوابتين تظهران أمامه، الأولى كانت مشرقة مضيئة بنور أبيض دافئ، تحمل وعدآ بالسكينة، لكنها بدت وكأنها تمثل التخلي أما الثانية، فكانت مظلمة، لكن من داخلها انبعث ضوء صغير يتراقص، وكأنه يدعو للمغامرة.

قال والده:
"البوابة الأولى ستعيدك إلى حياتك السابقة، حياة بلا أسئلة، بلا مخاطر، لكنها ليست الحياة الحقيقية أما الثانية، فستأخذك إلى ما وراء المجهول هناك ستجد الإجابة التي تبحث عنها، لكنك لن تكون كما كنت."

تردد "آدم" لكنه أدرك أن القرار قد اتُخذ داخله منذ البداية كان عليه أن يعرف كان عليه أن يواجه تقدم نحو البوابة المظلمة وقبل أن يعبرها، سمع صوت والده مرة أخيرة:

"تذكر، آدم... الرحلة ليست نهاية، بل بداية جديدة كل شيء يعتمد عليك."

وشعر بأن كل شيء حوله ينفجر بضوء غامر كان هذا هو الفصل الأخير من حياته القديمة، وبداية حقيقية لعالم لم يكن يعرف بوجوده عالم سيغير فيه كل شيء.

حينما اجتاز "آدم" البوابة، لم يجد نفسه في مكان واحد، بل في فضاء يتغير باستمرار كانت الأرض تحت قدميه تتبدل بين صحراء واسعة، غابة كثيفة، وأحيانآ لا شيء سوى فراغ ممتد، الهواء كان يحمل أصواتآ غامضة، بعضها كلمات مشوشة، وبعضها أشبه بأصداء ذكريات في البداية، شعر بالضياع، لكن سرعان ما أدرك أن هذا المكان ليس عاديآ.

جاء الصوت من حوله، كان مألوفًا لكنه لا يستطيع تحديد مصدره :
"آدم، هل تسمعني؟"

صرخ "آدم"، يبحث بعينيه عن أي شيء : "من أنت؟"

ظهر أمامه فجأة كيان غريب، نصفه يشبه الإنسان، والنصف الآخر أشبه بالطبيعة نفسها، عيناه كانت عميقتين لدرجة أنه شعر وكأنهما تنظران إلى روحه مباشرة.

وقال له :
"أنا دليلٌ فقط، أنت هنا لأنك اخترت المواجهة لكن الرحلة الحقيقية تبدأ الآن، هذا العالم هو انعكاس لكل ما في داخلك ما تواجهه هنا ليس إلا أجزاءً منك."

تقدم "آدم" بخطوات حذرة، وأخذ ينظر حوله لاحظ أن الأشكال التي تظهر في الفضاء لم تكن عشوائية كان يرى أماكن يعرفها وأشخاصآ مروا في حياته، بل وحتى لحظات لم يكن يظن أنه يتذكرها.

فجأة، ظهر أمامه مشهدٌ لوالدته وهي تبكي بجانب سريره عندما كان صغيرآ، كانت تقول: "لا يمكن أن أخسره أيضًا..."
لم يفهم معناها في البداية، لكنه شعر بثقل في قلبه.

اقترب من المشهد، وحاول أن يلمسه، لكنه اختفى وظهر مكانه طفل صغير يشبهه تمامآ، لكن عين الطفل كانت مليئتين بالخوف.

سأل "آدم": "من أنت؟"

الطفل : "أنا أنت، أو بالأحرى، ما تبقى منك."

قبل أن يتمكن "آدم" من الرد، تحول الطفل إلى دخان، وتلاشى وفي تلك اللحظة، شعر بتيار قوي يسحبه نحو نقطة ضوء بعيدة.

عندما وصل، وجد نفسه في مكان يشبه مختبرآ قديمآ، الجدران مغطاة بالكتابات والرموز الغريبة في منتصف الغرفة كان هناك جهاز ضخم ينبعث منه ضوء غريب.

اقترب "آدم" من الجهاز، ورأى انعكاسه فيه، لكنه لم يكن مجرد انعكاس كان يرى نسخة أخرى منه، لكنها كانت تبدو أكثر شراسة وأكثر قوة.

تساءل بصوت مرتجف : "هذا أنا أيضآ؟"

ظهرت النسخة الأخرى منه، وقالت بصوت عميق:

"أنا ما يمكنك أن تكون، أنا القوة التي دفنتها، الذكريات التي لم تجرؤ على إطلاقها لكنك تخاف مني، أليس كذلك؟"

"أدم" بحذر: "أنا لا أخاف، أنا فقط لا أفهم."

النسخى الاخري قائله له:
"ستفهم عندما تتقبلني، العالم الذي أتيت منه ليس كما كنت تظن حياتك كانت كذبة كل شيء كان مخططآ له لكن الآن لديك فرصة لتحرر نفسك والسؤال هو، هل ستتحمل الثمن؟"

قبل أن يتمكن "آدم" من الرد، بدأت الأرض تهتز، والجهاز بدأ يضيء بشكل متسارع سقط "آدم" على الأرض، وبدأ يسمع أصواتآ تأتي من كل مكان: "اختر، اختر الآن!"

كانت الخيارات أمامه واضحة تشغيل الجهاز الذي قد يفتح بابآ إلى حقيقة لا رجعة فيها، أو تدميره والعودة إلى حياة قد لا تكون كاملة لكنها مألوفة وآمنة.

نظر "آدم" إلى الجهاز، ثم إلى يديه، وشعر أن القرار الذي سيتخذه الآن سيحدد ليس فقط مصيره، بل مصير كل شيء.

"قال "آدم" بحزم: " لن أعود"
ومد يده لتشغيل الجهاز، حين لمس سطحه حتى شعر بصدمة كهربائية خفيفة، تلاها صوتً بدأ يردد:
"النظام مفعل، التحضير للانتقال النهائي."

بدأ الجهاز يصدر أضواءً متقطعة، ثم صاح صوت عميق أشبه بقرع طبول متتابعة الهواء من حوله صار كثيفآ، وكأن العالم يُعاد تشكيله أمام عينيه فجأة، ظهرت أشكال هندسية متداخلة تطوف في الهواء كل واحدة منها تحمل رموز غريبة، كانت تتحرك بشكل متناغم، وكأنها ترقص على إيقاع خفي. "آدم، هل أنت مستعد؟"

التفت ليجد الكيان الغريب الذي قابله سابقآ يقف بجانبه، لكن ملامحه باتت أكثر وضوحآ الآن، كان يملك هيكلآ بشريآ، لكن جلده كان أشبه بالزجاج يتوهج بألوان متغيرة ثم قال "مستعد لما؟"

الكيان: "لرؤية ما وراء الستار، الحقيقة ليست سهلة ستواجه نفسك وستعرف من تكون، ولماذا وُجدت."

دون أن ينطق بكلمة، أومأ "آدم" برأسه، مستعدآ لما سيأتي.

فجأة، تحولت الأشكال الهندسية إلى بوابة عملاقة تدور بسرعة كان هناك صوت خافت ينبعث منها، كأنه دعوة أو تحذير اقترب "آدم" ومع كل خطوة كان يشعر بذكرياته تتسرب إلى السطح، ذكريات لم يكن يعلم بوجودها.

رأى نفسه صغيرآ في غرفة بيضاء، محاطآ بأشخاص يرتدون ملابس غريبة كانوا يراقبونه، يسجلون شيئآ في دفاترهم، وكأنهم يدرسون تحركاته ثم ظهرت صورة لرجل وامرأة يشبهانه، لكن وجهيهما كانت مُشوهه، غير واضحة.

سأل "آدم" بصوت مبحوح : " من هولاء؟ "

أجاب الكيان: "هم البداية، أنت نتيجة تجربة، لم تولد كما يعتقد البشر العاديون، أنت خُلقِت مشروع تم تصميمه لإيجاد الرابط بين العوالم"

شعر "آدم" بصدمة هائلة، لكنه لم يتمكن من التراجع، البوابة كانت تمتصه ببطء، وكأنها تجبره على المضي قدمآ.

"آدم" بارتباك : "ماذا يعني هذا؟ ما العوالم التي تتحدث عنها؟"

"الكيان" :
"العالم الذي تعرفه هو واحد فقط من عدة عوالم متوازية، كل عالم له قوانينه الخاصة، لكن هناك قوة تربط الجميع وأنت، أنت يا آدم كنت المفتاح."

"آدم" بإستغراب : "مفتاح لماذا؟"

"الكيان" : "أنت ستختار، ستكون مفتاح التوازن أم الخراب."

مع تلك الكلمات، اجتاحته قوة هائلة وسحبت جسد "آدم" بالكامل إلى البوابة.
---

عندما فتح عينيه، وجد نفسه في مكان لا يمكن وصفه كان كل شيء حوله يبدو وكأنه يسبح في حالة من السائل المضطرب الأرض تحت قدميه لم تكن صلبة، لكنها ثابتة السماء فوقه كانت مليئة بالنجوم، لكنها تتحرك بشكل عشوائي، وكأنها تعيد رسم نفسها باستمرار.

في الأفق، رأى هياكل عملاقة، أبراجآ تمتد إلى ما لا نهاية كانت هناك كائنات غريبة تتحرك بخفة، بعضها بأجنحة، وبعضها يشبه النور المتجسد.

ظهر الكيان بجانبه مرة أخرى وقال :

"هذا هو محور العوالم، هنا تبدأ وتنتهي كل الأشياء، الآن دورك قد حان لتقرر هل ستعيد التوازن، أم ستعيد تشكيل كل شيء وفق إرادتك؟"

أدرك "آدم" أن هذا المكان ليس مجرد فضاء، بل كان ينبض بالطاقة بالطبيعة نفسها كل خطوة يخطوها كانت تحدث تغييرات صغيرة وكأنه بات جزء من النظام نفسه.

"آدم" بدهشه:
"أنا؟ إعادة تشكيل العوالم؟ كيف أتحمل هذا العبء؟"

"الكيان" متحدثآ بعصبية:
"أنت دائمآ تحمله، فقط لم تكن تدرك و الآن، لديك القوة، لكن السؤال الوحيد كيف ستستخدمها؟"

في تلك اللحظة، بدأت الكائنات من حوله تتجمع، كانت تُحدق به، وكأنها تنتظر قراره، شعر أن كل شيء قد أوصله إلى هذه اللحظة.

نظر إلى السماء المتحركة، ثم إلى الكيان، وقال:
"لن أعيد التوازن، سأخلق عالمآ جديدآ... عالمي الخاص."

وفي تلك اللحظة، بدأت الأرض تحت قدميه تهتز، وبدأ العالم يتغير أمامه كان "آدم" الآن سيد مصيره، لكن ماذا سيصنع بعالمه الجديد؟

"في عوالم تعدد الأكوان، يقف العقل على عتبة بوابات متشابكة، حيث الحقيقة والوهم ليسُ سوى انعكاسين لعين تجرؤ على العبور، لتكتشف أن ما نراه يقينآ قد يكون في كونٍ آخر مجرد خيال


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close