اخر الروايات

رواية هل الضربة قاضية الفصل الخامس 5 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية الفصل الخامس 5 بقلم نهال عبدالواحد 


مرت عدة أيام ولا جديد في حياة أحد سوى المزيد من شرود رياض والمزيد من انشغاله؛ فصارت تلك النادلة الفاتنة تشغل تفكيره بشكل مبالغ فيه، وباتت بطلة أحلامه الشبه يومية، فيستيقظ من نومه ويضرب نفسه يريد الانتباه وطرد صورتها من رأسه، بل زاد الحد معه وصار دائم الحديث مع نفسه خاصةً أمام المرآة!
يا إلهي! اخشى على نفسك يا رياض! أرى أنك على حافة الجنون، و بالطبع أنت مقتنع تمامًا أن كل شيء على ما يرام وأن تلك الأمور عادية وطبيعية جدًا؛ فهي ليست المرة الأولى التي أعرف فيها فتاة وإن كان الأمر قد بدأ يزيد عن حده نوعًا ما.
لكن حتى يستقر تفكيري عليّ أن أتعرف عليها، وما الغريب في الأمر؟! فهي ليست أول فتاة أصادقها ولن تكون آخر فتاة، وستكون مجرد فترة وينتهي ذكراها من حياته كما انتهى ذكري غيرها....
هكذا يحدّث نفسه.
وذات يوم قرر الذهاب لذلك المحل الذي تعمل فيه، وصل إلى المحل وجلس إلى إحدى الطاولات وهو يتلفت حوله باحثًا عنها بعينيه ويتمنى من داخله أن تكون هي من تقوم بخدمته اليوم.
وبالفعل، ما كانت إلا لحظات قليلة حتى جاءت حبيبة تقدم إليه قائمة المأكولات والمشروبات وعلى وجهها ابتسامة مصطنعة قائلة بهدوء: مساء الخير يا فندم.
وضعت تلك القائمة وهمّت بالابتعاد لتعطيه فرصة بانتقاء طلبه بحرية، لكنها تفاجئت به ينادي عليها: إزيك يا حبيبة؟! أخبارك إيه!
فاستوقفها حديثه ووجمت قليلًا وهي تضيق عينيها تحاول تذكره؛ رغم أنها تشعر بألفة نحو تلك الملامح، فأجابت بصوت مملوء بالدهشة: حضرتك تعرفني!
فرفع عينيه إليها ثم قال بابتسامة: كنت هنا من كام يوم.
فزمت شفتيها ورفعت كتفيها بعدم اكتراث وهمّت مجددًا بالانصراف فناداها قائلًا: واحد قهوة مظبوط من فضلك.
فأومأت برأسها ثم أخذت تلك القائمة وانصرفت فتنهد وهو يتابعها بعينيه.
كان رياض يطرق بأصابعه على الطاولة ويهز رجليه في حالة من التوتر التي لا يدرك لها أي مبرر، ثم وجد نفسه يتذكر تلك المنامات التي رآها فيها، وتلك اللحظة التي كلما همّ بتقبيلها استيقظ من نومه، فوجد نفسه يهز رأسه لينفض تلك المشاهد والأفكار من رأسه وهو يحدث نفسه..
- لا لا إهدى وبطّل هبل أبوس إيدك! ما ينفعش كده، شكلك اتسخط ولا رجعت مراهق! لا لا لا دي لو عرفت أنا بفكر ف إيه والله لترزعني كام بوكس...
ووجد نفسه يضع يده على خديه يطمئن على ملامحه أنها بخير، وإذ فجأة...
وجد وجهًا محملقًا فيه وعينان رائعتان جاحظتين أمامه مباشرةً، بالطبع هي حبيبة، والتي لم يكف عقلها عن العصف الذهني ومخاطبة نفسها...
أنا شبه متأكدة أني قد رأيت هذا الوسيم من قبل، وأن تلك الملامح مألوفة لي، ثم بعد فترة عُدت إليه بطلبه، وما أن اقتربتُ حتى وجدته يتحدث إلى نفسه بصوت مسموع بل ويضرب نفسه ثم يتحسس ملامحه، حقيقةً لم أتبين ما يقول فوضعت طلبه على الطاولة واحتضنت تلك الصينية وانحنيت قليلًا للأمام؛ ربما أتمكن من سماع مايقول...
وفجأة... إنتبه إليّ! يا إلهي! ما هذا الإحراج؟!
انتفض رياض عندما وجدها تحملق فيه بتعجب فانتفضت هي الأخرى على أثره وأخذت تلهث، ثم صاحت ببعض الحدة: في إيه!
ففتنحنح قائلًا وقد بدا عليه الإحراج: آسف مش قصدي.
فقالت بتساءل ونبرة بها بعض السخرية: هو حضرتك بتكلم نفسك!
فأجابها بوجهٍ باشٍ وبعض التوتر: لا أبدًا، بس بفكر بصوت عالي.
فاقتربت منحنية نحوه وتقول بنبرة تشبه المعلمات عندما تتحدث إلى طفل: بس كده غلط، الناس ممكن تفهمك حاجة تانية...
ثم أخفضت صوتها وقالت بأسلوب مصطنع: هيقولوا عليك مجنون.
قالت الأخيرة ووهي تشير بيدها حركة الجنون، ثم أغمضت عينيها وأومأت برأسها أن نعم بطريقة فكاهية، فنظر إليها رياض وانفجر ضاحكًا، فنظرت له رافعة حاجبيها باستخفاف ثم انصرفت وهي تهمهم: ربنا يشفي المجانين! بلاوي وبتتحدف علينا، أصحاب العقول في راحة!
كانت تهمهم هكذا وهي متجهة نحو المطبخ فرأتها هاجر فتبعتها وهي تسألها بتعجب: إيه يا بيبو إتهبلتي وبتكلمي نفسك!
فانتفضت حبيبة فجأة؛ فهي لا تتوقع أن يتحدث إليها أحد في تلك اللحظة، ثم قالت لها: فجعتيني يا زفتة!
فضحكت هاجر ونظرت إليها حبيبة فترة ثم ضحكت وقالت: أصل في زبون مجنون هنا وبيكلم نفسه.
فقالت هاجر وهي تتلفت بعينيها في المكان: فين؟
فأشارت حبيبة نحو رياض لتتفاجأ به ينظر إليها بابتسامة رائعة فاستدارت بوجهها بسرعة، فنظرت هاجر نحوه ثم التفت لابنة خالتها قائلة: ده مستر رياض صاحب مستر مصطفى، معقول نستيه!
فقالت لها باندهاش: وعرفتِ منين يا شيخة الحارة؟!
- يا بت ده اللي شهد معاكِ أدام مستر مصطفى يوم ما ضربتِ الجيست، وبعد كده مستر مصطفى اكتشف إنه صاحبه هو وكان واحد تاني كان معاه.
فتأففت منها حبيبة ثم قالت: طب تعالي نشوف شغلنا.
مرت أيام أخرى، وقد قرر رياض السير خلفها ومعرفة كل شيء عنها، دون إبداء أي سبب مقنع !
وذات صباح استيقظت حبيبة، رتبت البيت ونظفته ثم بدلت ملابسها الرياضية ورفعت شعرها إلى الخلف في هيئة ذيل حصان، ثم حملت حقيبة كبيرة ووضعت داخلها طاقم رياضي آخر، ثم أحضرت حذاءها الرياضي وهمّت بالجلوس جوار باب الشقة لترتديه، فخرجت إليها هاجر متثائبة وممسدة على شعرها للخلف بتكاسل.
- صباح الخير يا بيبو.
- صباح النور، أنا روقت البيت، عليكِ إنت بأه تجهزي الأكل عبال ما آجي م التمرين.
فشبكت ذراعيها أمام صدرها وأجابت معترضة: اللي يسمعك كده يحسب إني هطبخ ولا حاجة!
فنهضت حبيبة بعد أن ربطت حذاءها وقالت: طبيخ إيه بس! ما احنا بناكل ف الشغل.
- طب فطرتي حاجة؟
- آه، شربت لبن وسلقت بيضتين وكلتهم م الساعة سبعة الصبح قبل ما أروق ولا أعمل حاجة ف الشقة.
فقالت متأففة: ياادي اللبن والبيض!
- لا باقولك إيه ما.....
وقطع حديثها صوت دق على الباب، فنظرت كلتاهما لبعضهما البعض وتوقفتا قليلًا مع بعض الفزغ، ثم اقتربتا كل منهما إلى الأخرى ممسكتا بيدي بعضهما البعض، ثم نظرتا لبعضهما بخوف.
لكن لازال صوت الدق على الباب لم يتوقف، فتقدمت حبيبة ببعض التوتر وتتخفي في ظهرها هاجر تتشبث بملابسها.
فقالت حبيبة وهي تحرك كتفيها لتتركها هاجر: ما تسيبيني بأه!
فهمست إليها هاجر بصوتٍ خافت: وانت بتترعشي ليه؟! إنت مش عاملة فيها الشحّات مبروك!
فحررت حبيبة نفسها من هاجر وفتحت الباب، ثم تراجعت الاثنتان للخلف بضع خطوات وعلى وجهيهما بعض الانزعاج.
وكان رجلًا ستينيًّا غزا شعره الكثير من الشيب، ومعتدل الطول والقامة لكنه عابس الملامح.
تقدم الرجل داخلًا وصاح مستنكرًا: إيه مفيش أهلًا وسهلًا ولا اتفضل!
فقالت حبيبة ببعض التحدي وهي تشبك ذراعيها أمام صدرها: خير يا حاج! إحنا دافعينلك الإيجار بالكامل وسايبينه في الحي.
فقال ببعض الحدة: وانتو بتسموا الملاليم دي إيجار!
فقالت متأففة: ما لناش فيه، الشقة دي متأجرة كده وإحنا مالنا!
فقال الرجل بحدة: متأجرة كده من سنين! الإيجار ده من أيام جدك الله يرحمه ما كان لسه عايش! يعني الزمن غير الزمن! وانتو قاعدين ومتبتين ف الشقة ومش عايزين لا تسيبوها ولا ترفعوا الإيجار.
فقالت هاجر: ما يقدر القدرة إلا صاحب القدرة، وبعدين إحنا ما دفعناش الإيجار في الحي إلا لأنك رافع علينا قضية طرد.
- عشان الشقة باسم جدكم، يعني مش من حقكم، إيه هتورثوني بالحيا ولا يكونش حق مكتسب! عمومًا إسمعي إنتِ وهي كويس اللي جاي أقوله! البيت ده الوحيد في المنطقة اللي لسه على قديمه، وكده كده البيت مهكع و آيل للسقوط، فأخيرًا جه مقاول وقرر يهده ويطلع مكانه عمارة زي باقي الناس ما عملت، وانتو لازم تسيبوا البيت ده.
فصاحت حبيبة: نسيبه ونروح فين؟! ما إنت عارف يا حاج مالناش مكان تاني !
- وأنا مش فاتحها سبيل وكفاية بأه!
فقالت هاجر ببعض التفاهم: بس يا حاج المقاولين اللي بيهدوا البيوت دول ويطلعوا سكانها بيجيبولهم شقق تانية يقعدوا فيها لحد ما يخلصوا ويطلع بيها عمارة مش بيطردهم!
فقال بصوتٍ أشبه بالصياح: وأنا مش عايزكم! كفاية عليّ السنين دي كلها..
ثم رفع سبابته محذرًا كلتا الفتاتين: هديكم وقت عقبال ما تلاقوا فيه سكن تاني! وبكده أبقى عملت بأصلي يا حلوة منك ليها.
ثم خرج وصفق خلفه الباب، فقالت هاجر بنبرة خائفة: طب والعمل!
فقالت حبيبة ببعض الثقة: ولا يقدر يعمل حاجة.
- بس البيت فعلًا آيل للسقوط، ولو ما مشيناش هيقع فوق دماغنا.
فاقتربت منها حبيبة مربتة على كتفيها وقالت بهدوء و نبرة حانية: إطمني ربك هيفرجها، ربنا ما يرضاش بالظلم أبدًا...
ثم قالت غاضبة وهي تضرب كفًا بآخر: فوّر دمي ع الصبح إلهي يفوّر دمه!
ثم قالت بمكر: عارفة نفسي ف إيه!
فتأففت هاجر وقالت: خير!
حبيبة بنفس نبرة المكر: نفسي وأنا ف التمرين إنهاردة يقع تحت إيدي واحد وأدربه وأطلع عليه القديم والجديد، ما هو اللي بيجوا عايزيني أدرّبهم بيبقوا جايين يتسلوا، يستظرفوا، يتفرجوا على كابتن الملاكمة البنت، نفسي ف واحد إنهاردة وبدل ما أدرّبه .... أضربه...
ثم ابتسمت بشيطنة بينما نظرت إليها هاجر في بلاهة، فاقتربت منها حبيبة وقبلت وجنتها ثم انصرفت، فتأوهت هاجر بنفاذ صبر وقالت: عوض عليّ يا رب بعوض الصابرين!
ثم ضربت كفًا بكف وهي تكاد تأكل بعضها بعضًا.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close