رواية وبالحب اهتديت الفصل الثالث 3 بقلم سلمي خالد
وبالحُبِ اهتديت
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
سلمى خالد إبراهيم
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثالث
(زَوَاجٌ تَحْتَ اَلتَّهْدِيدِ)
إن الحياة مليئة بالرفض، ولكن عندما تصبح ذو حالة خاصة يصبح الأمر أكثر قسوة.. وأشرس ألمًا، تشعر بمدى انكسار قلبك، بل تستمع لصوت قلبك بتلك اللحظة التي يرفض بها منكسرًا متألمًا، ولكن هناك منا يتألم بصمتٍ.. وهناك من يسعى للانتقام مسقطًا انتقامه من الجميع بك وحدك!
صدمةٌ وقعت على رؤوسهم جميعًا، حركت فاطمة رأسها برفضٍ قاطع تتمتم بنبرة رافضة نافرة:
_ لالالا مستحيل يا جدو مش عايزة اتجوز غفران.. كل إلا كده!
استمع لكلماتها وشعر بنصلٍ يمزق بقلبه، هناك شيء يُدمَر من الداخل، نظر لها بجمودٍ يخفي ألمه منها أو بالتحديد من رفضها له، لِمَ تنظرون للإعاقة بنظرة نفورٍ دائمًا! نعم فلقد شعر بنفور صوتها منه، وكأنه وباء سيقتلها، لم يتذكر شيء سوى جملة خطيبته السابقة..
) مش هقدر اتجوزك وأنت اعرج كده!)
إلى هذا الحد وتسارعت وتيرة أنفاسه وقبض على عكازه بقوةٍ، لهيبٌ حارق بداخله تمنى لو كانت قريبة منه لأذاقها مرارته، رفع رأسه بكبرياءٍ مجروح، يهتف بجمودٍ قاسي:
_ أنا موافق يا جدي.
ابتسم جبران براحةٍ من موافقة غفران فقد ظن أنه سيرفض وسيقطع طريقًا طويل ليجعله يوافق، في حين نظرت له فاطمة بصدمةٍ، ليقابله بنظرةٍ سوداوية مخيفة يرسل لها رسالة صغيرة بأن القادم ليس سوى ظلامي.. ظلامي الأسود الذي وُضعت بهِ بسبب امرأة وحطمة قلبي امرأة أيضًا والآن أنتِ من ستتحملين كل ما فعله بِـ جنس حواء.
سارت رعشةٌ قوية بجسدها، تتراجع بخطواتها إلى الخلف، ثم نظرت لجدها مجددًا تهرب من نظراته المخيف وكأنه ذئبًا ينتظر لحظة مناسبة للانقضاض عليها، همست بنبرةٍ مختنقة تشعر برغبتها بالبكاء:
_ عن اذنك يا جدو عايزة ارتاح.
اومأ برأسه تاركًا إياها قليلًا حتى لا يضعها بمأزق الاختيار، ولكن ارتفع صوت يقين تردد برفضٍ قاطع:
_ جدو كله إلا الواد دا.. مش هنعمر مع بعض وأنا وهو هدغدغ البيت عليكوا..فنظرًا لسلامة الجميع أنا بقول نفضها سيرة.
رفع جبران حاجبه بغيظٍ من طريقتها، ثم قال بغرورٍ مانحًا إياها نظرة سخرية:
_ أعذرني يا جدي بس الأكيد يوم ما هختار زوجة ليا مش هختارها زي دي.
شهقت يقين بغيظٍ يشتعل بداخلها، ثم قالت بصوتٍ متعصب:
_ ومالها دي يا عينيا!
ابتسم جبران ببرود يجيبها:
_ مستنضفش أكون عينيكِ.. اللي زيك أخره يفضل في البيت حتى خسارة يشوف النور.
اتسعت عين يقين بصدمةٍ، تشعر بتمزق كرمتها، رمقته بنظرةٍ متألمة ترفق بسمة حزينة معها، تتذكر انها دائمًا الشخص الأغبى فلابُد أن تتحمل حديثه الفظ لغبائها الذي تُنعت بها دائمًا، همست يقين بنبرة متألمة:
_ عن اذنكم.
غادرت الغرفة سريعًا تحاول كبح دموعها شعر جبران بقليلٍ من الندم، ولكن أراد الانتقام مما فعلته بغرفته، عاد بنظره نحو جده الذي هتف بكلماتٍ ذات مغزى:
_ هيجي اليوم اللي هتندم فيها على كسر خاطر بني آدم.. وبالأخص هي هتندم يا جبران.. اتفضل امشي من وشي.
تحرك جبران من أمام جده يشعر بثُقلٍ على قلبه، لا يفهم لِمَ فعل بها هكذا! ولكن تذكر غرفته وما فعلته بها جعل من لسانه مثل المنشار.
تأمل الجد جبران وقفة غفران الثابتة، ثم ابتسم بسخريةٍ عليه متمتمًا بسخط:
_ روح وراها.. بس لو جه يوم وفاطمة حصل ليها حاجة أنا اللي هقفلك يا غفران.. فبلاش تخلي اليوم دا يحصل.
تأمل غفران نظرات جده الساخرة، ليبادله بأخرى ساخرة وكأنها رسالة له، ثم استدار يتحرك بعكازه وتلك العرجة واضحة، ولكن يرفع رأسه بشموخٍ وكأنه حجر لن ينكسر.
جلس الجد جبران على مقعده الخاص مصنوعًا من الجلد، ينحني عاتقه بتعبٍ وكأن هناك من وضع أثقال عليها، نظر نحو المقعد الموجود بمواجهته ثم تذكر حديثه مع ابنته..
( إزاي يا بابا اجوزها وهي فاقدة الذاكرة؟!)
قالتها ناهد بصدمةٍ وهي تنتفض من مقعدها، ليشير لها الجد جبران بأن تجلس مجددًا، يردد بهدوءٍ:
_ بنتك لما الذاكرة ترجعلها هتتجوز تاني؟
صمتت ناهد ولم تستطع الحديث فهي تعلم بوفاء ابنتها الشديد لأحمد، أكمل جبران بذات النبرة الهادئة:
_ صدقيني يا ناهد دا الحل.. بنتك لما ترجعلها الذاكرة هتتعب لزما يكون حد معاها.. وأنتِ مشغولة بملك ويقين مش هتعرف تقف معاها.. بنتك محتاجة رجل في حياتها.. وغفران على اد ما هو شخصية قوية بس في حنية الدنيا ولولا الحادثة اللي حصلتله كان زمانه متجوز اساس ومخلف..
صمت قليلًا يدرس تعبير وجهها، ليسترسل بتوجسٍ:
_ ولا أنتِ مش موافقة عشان العرجة؟!
شهقت ناهد بصدمةٍ من حديثه، لتجيبه سريعًا:
_ لالا ابدًا.. غفران ابني حتى فاطمة مش هتبص على الجزء دا فيه.. أنا خايفة بنتي تلومني على الفكرة دي.. وخاصة لما الذاكرة ترجعلها.. وغفران برضو لما يعرف إنها كانت مخطوبة لحد قابله وبتحبه هيحصل ايه!
مد والدها يده يمسك بكفها مربتًا عليه بحنوٍ، يتمتم بصوتٍ جاد:
_ صدقيني يا بنتي دا اسلم حل.. على الأقل لما ترجع الذاكرة غفران هيكون معاها وأنا متأكد من أنها هتحب غفران.
تنهدت ناهد بتعبٍ، ثم نظرت إلى والدها قائلة بأعينٍ مدمعة:
_ ماشي يا بابا.
ابتسم لها الجد جبران، ثم استرسل بجدية:
_ ويقين لجبران.
اتسعت عين ناهد بصدمةٍ، تحرك رأسها بنفي، تحدثه بتعجب:
_ إزاي يعني! دول مش طايقين بعض من اخر مرة بعد ما دخلت اوضته وبهدلتها.
نظر لها بنصف عين ثم قال بهدوءٍ:
_ ولا هي هتنسى بهدلتك ليها قدمنا..
تأملت ناهد حديثه والدها ثم حركت رأسها بنفيٍ فهي ابنتها وبالتأكيد ستنسى ما فعلته، فهي لم تفعل شيء سوى مصلحتها، استرسل والدها بالحديث في جدية تامة:
_ بنتك هتحب جبران وجبران هيحبها بس لزمًا تشدي على يقين شوية عشان توافق بجبران.. وكله لمصلحتها وأنا بنفسي لو حسيت إنها مرتحتش هطلقها منه.
تأملت حدقتي والدها التي تبث لها الأمان، ثم قالت بأملٍ:
_ أنا أول مرة فشلت فعلاج ولادي وكنت هخسرهم.. المرة دي هسيبك تتصرف يا بابا واللي شايفه صح أنا معاك فيه.
ابتسم الجد جبران براحةٍ، ثم قال برضا:
_ طيب خلي البنات يوافقوا .. وسبيلي أمر الشباب هخليهم يوافقوا.
اومأت ناهد بإيجابية، ثم نهضت تغادر الغرفة عائدة لابنتها ملك مجددًا، ولكن بقى هو يتأمل طيفها حتى اختفى يأمل بأن ما يفعله ليس سوى الصواب.
نهض من مكانه ما أن انتهى تذكره لهذا الحدث الهام، يحمل أوراق الحالة الخاصة بملك واوراق أخرى خاصة بأعماله من خزانته السرية والتي لا يعرف ارقامها سواه، غادر إلى المركز العلاج النفسي والذي يحمل قسم لمرضى التوحد، انطلق بسيارته سريعًا حتى وصل إلى مسقطه، ثم وصل للمقهى الذي يجلسون به ثلاثتهم، ودلف إليهم ولكن ما أن جلس حتى قال موجهًا حديثه إلى خليل:
_ اخر الأسبوع كتب كتاب غفران وفاطمة وجبران ويقين وأنامش هروح النهاردة لأني هكذا لكتب الكتاب.
اتسعت عين خليل بصدمةٍ، في حين نظرت ناهد إلى والدها بدهشةٍ من سرعة تنفيذه ولكن قاطع هذا الصمت صوت خليل متمتمًا:
_ إزاي وهما عارفين؟!
اومأ الجد جبران بإيجابية، ثم قال كي ينهي حديثه بهذا الأمر:
_ يلا أنا جبت الورق بتاع ملك اهوه.. روحي مع خليل للدكتور.. وأنا هنا هستنى اقابل حد عشان شغل.
فهم خليل رغبة والده في إنهاء النقاش ونهض بالفعل مع ناهد التي نظر لها فحركت رأسها بأنها لا تعرف شيء، ذهبوا ثلاثتهم إلى الطبيب ليتابع حالة ملك.
أمسك برأسه يحاول السيطرة على الصداع الذي داهمه، ثم نظر حوله فلم يجد أحد، بل لقى ذاته بالردهة يجلس على الأريكة بإهمالٍ، اعتدل بجلسته يتطلع حوله بتذكرٍ لِما حدث، وسرعان ما تذكر ما فعلوه، لتتسع حدقتيه سريعًا مما حدث، نهض من مكانه يبحث عن الباقية لعله يفهم سر وراء طريقتهم المتسمة بالسُكر، يبحث بالردهة فلم يجد أحد، فخرج إلى الحديقة الموجودة حول المنزل فوجد يقين تجلس على مقعد كبير مخصص للجلوس تبكي بشدة، فزع من رؤيتها هكذا وذهب نحوها سريعًا يردد بنبرة قلقة:
_ مالك يا يقين بتعيطي ليه؟!
نظرت له بأعينٍ تملأها الدموع، ثم قالت بصوتٍ مبحوح:
_ هو ليه كله بيكرهني!
حدق بها بصدمةٍ، ثم أسرع يسألها بدهشة:
_ مين قال أننا بنكرهك؟!
ابتسمت بحزنٍ تسيل دموع على وجنتيها، تنظر لتلك الشجر الموجودة أمامها، تجيبه بألمٍ:
_ افعالكم بتقول كده!
حرك عامر رأسه بنفيٍ يتمتم بصوتٍ جاد حنون:
_ لا بالعكس.. أنتِ عمرك شوفتي مني رد فعل وحش أو حتى من بابا يمكن غفران وجبران صعبين بس مش بنوصل أبدًا للكره، هو بس أول لما شوفتك اضايقت عشان استهزأتي بيا لكن بعد كده لما اتكلمتي معايا نسيت اللي حصل.. وهنبقى أصحاب صح!
قال جملته الأخير ببسمة متسعة، لتضحك يقين من بين دموعها، ترفع كفها لتزيل تلك القطرات الصغيرة، تهمس ببسمة هادئة، تمتلأ عينيها براحةٍ لطيبة قلبه:
_ هكون أسعد واحدة في دنيا إني عندي صديق زيك.
ابتسم عامر بفرحةٍ يتخللها القليل من الطفولية، يردد بصوتٍ يحمل السعادة:
_ أنا كان نفسي اصحاب بنات أوي.
رفعت يقين حذاؤها قائلة بنبرة متعصبة:
_ تصاحب ايه يا عينيا!
نهض عامر من أمامها سريعًا، يردد بفزع من رؤية الكعب الموجود بالحذاء:
_ مش هو.. مش هو اللي في دماغك.
نظرت له قليلًا ثم رمت حذاؤها على الأرض، هاتفة بحدة مزيفة:
_ بحسب.
رمقها عامر بنظرة مغتاظة، يتمتم بسخرية:
_ وأنا مالي أن دماغك آآ..
ابتلع باقي كلماته ما أن رأها تنحني مجددًا لتحضر نعلها، يسرع بتعديل كلمته متمتمًا بنظراتٍ بريئة:
_ دماغك زي الألماظة.
اخفت يقين ضحكتها تجلس مجددًا على مقعد، في حين فرك عامر يده بحماسٍ يردد بسعادة:
_ يلا يا يقين تعالي عازمك على توت.
ابتسمت يقين بسعادة هي الأخر قائلة بفرحةٍ:
_ اشطا يلا أنا نفسي فيه أوي.
نهضت يقين تسير معه ولكن لاحظت طريقته الغريبة في السير و لم تعلق.
منذ أن تحولت نظراته مع جده ولم تتغير إلى الهدوء بل تحولت إلى أكثر وحشية، يمسك بتلك الصورة لها، ولا تزال جملتها تتردد بعقله، أنه اعرج ولا يمكنها القبول به، دفع عكازه بعيدًا حتى اسقطه ارضًا بقوة، ثم تحرك بعجرته نحو السراحة، يفتح أحد ادراجها مخرجًا قداحة صغيرة، رفع الصورة أمام حدقتيه ثم اشعل القداحة لتلتهم النيران تلك الصورة التي تحمل وجه ابنة خاله المبتسمة بغرورٍ.
انعكست صورته وهو ممسكًا بالصورة التي لا تزال تتمسك بها النيران بالمرآة المكسورة ليصبح له نسخ كثيرة لملامحه المخيف ويده الممسكة بالنيران، نظر لانعكاسه لتلك النسخ، ثم قال دون وعي:
_ هتوافقي يا فاطمة بيا.. وهكسرك زي ما اتكسرت يا هناء!
لم يشعر بذاته وهو ينطق باسم أخرى، ولكن لم يعد يرى سوى أن بنات حواء جميعًا متمثلين في صورة هناء ابنة خاله.
( عايز تأكلني توت حرام!)
صاحت يقين بتلك الجملة بصدمةٍ وهي ترى عامر يتسلق شجرة ضخمة بها توت، انتفض عامر بخوفٍ من أن يراه أحد، ليهمس بغيظٍ:
_ أنتِ عايزنا نتقفش يا بت أنتِ! هناخد حبه ونمشي مش هنلمها كلها.
:_ بتقول ايه مش سامعة علي صوتك شوية.
قالتها بصوتٍ عالي كي يسمعها، لتتسع عين عامر بغضبٍ ولكن سرعان ما تحول للرعبٍ وهو يستمع لصوت رجل يهتف بحدة:
_ ألحق يا ابو محمد اللي بيسرق التوت أهوه.
ألقى عامر بنفسه على الأرض سريعًا، في حين صرخت يقين بفزعٍ وهي تراه يقفز بتلك الطريقة، لتهتف بغضب:
_ أنت ياض أنت مش تخلي بالك كنت هتعور.
نهض عامر سريعًا يردد برعبٍ:
_ انجزي قومي يلا قبل ما يجوا ويعورونا هما!
كادت أن تتحدث ولكن ارتفع صوت اطلاق النار لتنتفض بفزعٍ تصرخ قائلة:
_ اجــــــــــــــري.
ركضت يقين سريعًا تفر هاربة، في حين ركض خلفها عامر ولكن تفاجأ من سرعة يقين بالركض، وبالفعل استطاعوا الافلات منهم، لتقف يقين تلتقط أنفاسها تنحني بجزعها العلوي تستند بيدها على ركبتيها، تهتف بنهجٍ واضح:
_ هـ..هما لسه..بـ.بيجروا.. ورانا.
نظر عامر خلفه يلتقط أنفاسه هو الأخر بصعوبةٍ، ثم قال وهو يتحرك بخطواتٍ بطيئة:
_ لاء خلاص.. بس تعالي نروح بسرعة ليكونوا لسه ورانا.
وبالفعل تحركت معه يسيران بخطواتٍ بطيئة، حتى وصلا إلى المنزل ولكن كانا يضحكان بقوةٍ على ما حدث، دلفا سويًا إلى الردهة ولا تزال ضحكتهما ترن بالمكان، ولكن رأهما جبران ورفع حاجبه باستنكار يردد بغضبٍ مكتوم:
_ كنتِ فين؟!
رفعت يقين حاجبه باستنكار، ثم نظرت له بسخطٍ وعادت إلى عامر تبتسم بهدوءٍ متمتمة:
_ هطلع اوضتي يا عامر.. وشكرًا على اليوم اللطيف دا.
غمز لها عامر بمرحٍ قائلًا:
_ أي خدمة.
اشتعلت عيني جبران بغيظٍ شديد من تجاهلها وحديثها اللطيف لشقيقه عامر، هتف بغضب:
_ هو أنا مش بكلمك يا بت أنتِ!
لم تجيبه يقين بل ظلت تتجاهله تكمل صعودها على الدرج، لتنفجر طاقة الغضب بداخله، يردد بعصبية:
_ ما تـــــــــردي.
استدارت يقين ترمقه بنظرةٍ باردة متمتمة:
_ أنت مين عشان أرد عليك! وأنت ايه في الكون عشان تسمح لنفسك تسألني كنت فين ولا بعمل ايه! لما يبقى ليك صفة في حياتي يبقى تقعد تتكلم زي البغبغان.
اكملت يقين صعودها في حين همس جبران بأعينٍ مشتعلة من غضبٍ مخيف :
_ تمام يا يقين.. هخليكِ تعرفي أنا هكون بصفتي ايه في حياتك.. هخلي حياتك كلها في ايدي.
اختفت يقين من أمامه، في حين ركض عامر ليختبئ منه، ليرفع جبران هاتفه يتصل على جده مرددًا بعصبيةٍ ما أن اجاب:
_ ايوة يا جدي.. أنا موافق .
وصلت ناهد مع ابنتها ملك إلى المنزل آل جبران، تدلف ومعها شقيقها خليل، في حين بقى الجد جبران خارج المنزل يخبرهم أنه سيقوم ببعض الأمور الخاصة، صعدت ناهد مع ملك حتى اوصلتها لغرفتها، ثم اغلقت الباب ولكن لا تزال يدها على مقبض الباب، تنظر أمامها بشرودٍ وهي تتذكر والدها يعطيها ورقة صغيرة بأن تقنع يقين تلك الليلة بالموافقة وبالغد هو سيتحدث إلى فاطمة أن أصرت على رفضها..
أخذت ناهد نفسًا عميقًا ثم ذهبت إلى غرفة يقين تطرق الباب بهدوءٍ، بقت دقائق ثم فتحت يقين الباب لتتفاجأ بوالدتها تقف على الباب، نظرت لها بتعجبٍ هاتفة:
_ في حاجة يا ماما؟!
اومأت بإيجابية، تحدثها ببسمة طفيفة:
_ ايوة.
افسحت لها يقين الباب والدهشة تزداد بداخلها، فليس من عادة والدتها زيارتها بغرفتها منذ صغرها وهم بالقاهرة، جلست ناهد على الفراش تشير إلى يقين بأن تأتي لتجلس جوارها فامتثلت لها يقين وجلست جوارها تنتظر أن تتحدث والدتها التي قالت بهدوءٍ:
_ أنا عارفة إنك مستغربة إني اجيلك اوضة وأنا مش بدخلها كتير، بس عايزة اتكلم معاكِ في موضوع.
ركزت يقين انتباهها على ما ستقوله والدتها، في حين استرسلت ناهد ببعض التوتر:
_ أنتِ عارفة انك كبرتي خلاص ولزمًا افرح بيكِ وجبران ابن خالك اتقدم لجدك وهو سألني وانا وافقت عليه.
انتفضت يقين بصدمةٍ من حديثها تتمتم برفضٍ:
_ لالا أنا مش موافقة وكمان هو مش عايز.
نظرت لها ناهد بضيقٍ ثم قالت في محاولة امتصاص غضبها:
_ لا ما هو غير رأيه ووافق وكلم جدك خلاص.
نظرت لها يقين بعدم تصديق، تشعر باختناق من كون جبران هو زوجها، لن تتحمل اهانة أخرى، يكفي ما تتلقاه من الجميع، تحولت نظراتها لجمودٍ متمتمة:
_ وأنا مش موافقة.
نهضت ناهد تحدق بها بصدمةٍ، لتردد بلطفٍ كي توافق:
_ يا بنتي أنا قولت لجدك موافقين و..
قاطعتها يقين وهي تصيح بعصبيةٍ مفرطة:
_ وأنا مش موافقة.. ايه هتجبريني!
نظرت لها ناهد قليلًا، ثم قالت ببرودٍ:
_ آه هجبرك.
صدمة كست ملامحها وهي تتطلع لوالدتها، تحاول استيعاب ما تفوهت به للتو، هل ستجبرها!، عادت بنظراتها المليئة بالدموع مرددة برجاءٍ:
_ بس أنا مش عايزاه.. مش هعرف اعيش معاه.. ارجوكي ارجعي في كلامك.
:_ أنا عارفة مصلحتك كويس وهو مناسب ليكِ.
قالتها ناهد بجدية غير قابلة للنقاش، لتنفجر يقين وكأنها قنبلة صغيرة، تصيح بها وعينيها تذرفان الدموع بألمٍ:
_ بتعملي فيا كده ليه! أنا مش طيقاه بقولك.. وأنتِ تقوليلي اتجوزه! طب ازاي! ليه بتكرهيني كده! علطول بتسبيني لوحدي وعلطول بتقوليلي غبية وفاشلة! دايما بتهزي ثقتي بنفسي وتعدلي عليا كتير! ليه كل دا! ليه مش بتحبيني زي اخواتي!
اتسعت عين ناهد بصدمةٍ من حديثها، تشعر بحزنٍ نحو ابنتها التي فهمتها بطريقة خاطئة، ولكنها تحركت من أمامها قائلة بهدوءٍ تخفي خلفه حزنها:
_ بكرة هتعرفي قيمة اللي بعمله.
حدقت يقين أمامها تنظر للفرغ الذي تركته والدتها، تستمع لخطواتها التي تقترب من الباب، لتستدير لها سريعًا قائلة بنفورٍ:
_ أنا موافقة عليه بس خليكي عارفة الحاجة الوحيدة اللي هتخليني اوافق على جبران هو انك مش هتتحكمي فيا.
نظرت لها ناهد بصدمةٍ، لتكمل يقين بألمٍ ظاهر:
_ عندي اعيش في ناره ولا إني اعيش في جنتك.
نغزة قوية تملكت من قلبها، ترى النفور في حدقتي ابنتها، لا تعلم كيف جف حلقها ولكن لم تبتلع بداخلها سوى غصة أليمة قاسية، استدارت تغادر الغرفة سريعًا، تردد بداخلها:
_ هتعرفي اني بعمل لمصلحتك قريب.. مش هتكرهني.
ظلت حبيسة غرفتها طيلة النهار، تحاول استيعاب ما يفعله جدها بها، لِمَ هو؟ ظل هذا السؤال يدور بخُلدها طوال الوقت، تتطلع للنافذة الشرفة وإلى السماء التي بدأت ترتدي ثوبها الليلي الجديد، تنهدت براحة وهي تتذكر أن جدها لن يكون بالمنزل اليوم فلن تجتمع مع المدعو غفران، تقرر بذاتها أنها لن تغادر غرفتها، قاطع شرودها صوت طرقات على الباب، نهضت من فراشها تضع حجابها بإهمالٍ، ثم انطلقت لتفتح الباب مرددة وهي تحرك مقبض الباب:
_ ايوة ثوآآ..
صمتت برعبٍ وهي ترى بسمة غفران الخبيث أمامها، سارت رجفة سريعة بجسدها وهي تتراجع إلى الخلف، في حين تأمل غفران رعبها مرددًا بمكرٍ:
_ مش هتقولي لجوزك المستقبلي حاجة ولا ايه؟!
حركت رأسها برفضٍ تمتلأ عينيها بالدموع، تهمس بصوتٍ مرتجف:
_ لالالا مش عايزة.. مش عايزة.. أبعد عني.
تحولت نظراته من ساخرة إلى اخرى مخيفة شرسة، يهتف بتهديد صريح:
_ رفضك الصبح دا هعديه وبعرض عليكِ تاني انك توافقي إنك تتجوزيني.. بس خلي بالك لو كان ردك بالرفض هخلي صورك اللي وأنتِ بقمصان النوم..
تأمل اتسع عينيها بصدمةٍ تحجر الدموع بحدقتيها يكمل بنبرة متلذذة من رؤيتها هكذا:
_ آه نسيت اقولك إن خرجت من المكتب جدك وطلعت اوضتي قعدت حبة محترمين على اللاب عملتلك شوية صور جامدة.. المهم في حالة رفضك الصور دي تروح لجدك وأنا وقتها هقوله عرفنا ليه مش موافقة عليا.. أصلك خايفة لتتكشفي قدامي وتبقى فضحتك بجلاجل.. ووقتها هتجوزك غصب عشان اداري على فضيحتك قدام أمك وجدك واخواتك بس هتكوني خسرتي الكل بما فيهم نفسك.. ومش هتعرفي تخرجي من سجني يا فاطمة.. هيفضل سجني حولكِ لحد ما تموتي.
صمت قليلًا يرى معالمها المنكمشة بخوفٍ تعتريها صدمة، في حين استرسل غفران بخبثٍ وعينيه تتوحشان:
_ هتوافقي ولا نذيع؟!
ملأ الضعف معالم وجهها، تشعر بصداعٍ يداهم رأسها، لتمسك رأسها بألمٍ، تعلم أنه هو الوحيد القادر على هز ثباتها وقوتها المزيفة واظهار كامل ضعفها، بدأت تذرف الدموع بغزارة تردد بألمٍ:
_ أنت عايز مني إيه! سبني في حالي!
ضحكة ساخرة اطلقها ما أن استمع لحديثها، يجيبها بنبرة مخيفة:
_ متقلقيش يا حلوة كل دا هجاوبك عليه يوم كتب الكتاب..
ثم أضاف بخبثٍ وهو يستدير كي لا يدع لها مجالًا للتفكير:
_ تأخيرك في الرد بيدل على الرفض والرفض معناه نذيع!
:_ لاء موافقة بس ارجوك بلاش موضوع الصور دا!
اتسعت بسمته مكرًا ما أن استمع لجملتها، يكمل سيره مرددًا:
_ كده بدأتي تفهمي.
تركها يغادر إلى غرفته، في حين تحركت فاطمة تغلق الباب ولكنها جلست خلف الباب تنكمش على نفسها، تجهش بالبكاء بشدة، ينتفض جسدها رعبًا مما ستراه مع ذلك الوحش المخيف!
ظلت كلًا من يقين وفاطمة داخل غرفتهما بعدما وصل موافقتهما لجدهم، ترفض يقين رؤية أحد حتى عامر، في حين ظل جبران يلاحظ طريقة يقين وتعجب من موافقتها بتلك الطريقة، بينما اختفت فاطمة من أمام الجميع تعد الساعات التي ستنقلها بعدها إلى سجنها، في حين فهم خليل سر زواج الفتيات من اولاده وأيقن أن كلاهما يحتاج إلى الأخر ليكمل هذا الجزء الناقص بداخلهما، مر يومين بعد اعلان الموافق من الجميع الأطراف يستعد الجميع لحفل الخاص والعائلي الصغير لكتب الكتاب..
جلس غفران بعدما ارتدى حِلته السوداء بالكامل بدون رابطة عنق، يضع عكازه إلى جواره، يمسك بيد جده الذي كان وكيلًا لـ فاطمة، وبالفعل بدأت مراسم الزواج أسفل نظرات الجميع فمن كان من أهل القرية كان تمتلأ بالفرحة، بينما كانت ناهد تنظر لهما بقلقٍ تدعو الله أن ينجى بناتها، انتهى المأذون من كتب كتابه مختتمًا بجملته الشهيرة..
) بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير)
انفلتت يد غفران عن جده لينهض من مكانه مستندًا على عكازه، في حين جلس جبران مكانه الذي ارتدى حِلة كاملة فكان السروال من اللون الأسود والسترة من نفس اللون بينما كان القميص باللون الأبيض دون رابطة عنق مثل شقيقه، أتم مراسم الزواج الخاص به، وما أن نطق المأذون بجملته مختتمًا تلك المراسم حتى نهض الجد جبران يدلف إلى غرفة الخاصة بالفتاتين ليستعدان بها.
نظر لهما جبران ببسمة حنونة يتقدم نحو فاطمة مقبلًا جبينها بحبٍ قائلًا:
_ مبارك يا حبيبة جدك.
نظرت له فاطمة بأعينٍ تائهة، تبتسم بضعفٍ، تتباطأ ذراع جدها ليخرج بها جبران الأكبر إلى الخارج يتقدم نحو غفران الذي وقف يتأمل ملامحها الهادئة فلأول مرة يرى ملامحها بتدقيق، زحفت بسمة صغيرة لشفتيه وهو يتأمل فستانها الأبيض الهادئ للغاية، تلك الطقية الصغيرة الموضوعة فوق حجابها وكأنها من الأتراك، اعتراف جزء من قلبه بأنها أميرة في غاية الجمال ولكن لن يغير هذا من رأيه بهن جميعًا.
وقف أمامها يضع عكازه على الحائط أمام الجميع يتقدم بخطوةٍ عرجاء نحوها ثم أمسك وجهها بكلتا كفتيه في حنوٍ، يقبل جبينها وكأنه عاشق لها، لتعلو الزغاريد أمام الجميع، توهج وجه فاطمة بحُمرة الخجل، ليهبط غفران ببصره نحو حدقتيها يقترب منه حتى أصبح الفاصل بينهما بضع سنتميترات يهمس بنبرة مخيفة:
_أهلًا بيكِ في عالم غفران..
تحولت نظراتها من خجولة إلى أخرى مليئة بخوفٍ، ليسترسل غفران ببسمة منتقمة:
_ عالم الظُلم والعذاب لجنس حواء.
يتبع.
«هُدايا وهُداكِ وبينهما العشق»
سلمى خالد إبراهيم
استغفر الله العظيم وأتوب إليه 3 مرات
حسبي الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم 7مرات
( قولهم مش هياخدوا وقت يا سكاكر)
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثالث
(زَوَاجٌ تَحْتَ اَلتَّهْدِيدِ)
إن الحياة مليئة بالرفض، ولكن عندما تصبح ذو حالة خاصة يصبح الأمر أكثر قسوة.. وأشرس ألمًا، تشعر بمدى انكسار قلبك، بل تستمع لصوت قلبك بتلك اللحظة التي يرفض بها منكسرًا متألمًا، ولكن هناك منا يتألم بصمتٍ.. وهناك من يسعى للانتقام مسقطًا انتقامه من الجميع بك وحدك!
صدمةٌ وقعت على رؤوسهم جميعًا، حركت فاطمة رأسها برفضٍ قاطع تتمتم بنبرة رافضة نافرة:
_ لالالا مستحيل يا جدو مش عايزة اتجوز غفران.. كل إلا كده!
استمع لكلماتها وشعر بنصلٍ يمزق بقلبه، هناك شيء يُدمَر من الداخل، نظر لها بجمودٍ يخفي ألمه منها أو بالتحديد من رفضها له، لِمَ تنظرون للإعاقة بنظرة نفورٍ دائمًا! نعم فلقد شعر بنفور صوتها منه، وكأنه وباء سيقتلها، لم يتذكر شيء سوى جملة خطيبته السابقة..
) مش هقدر اتجوزك وأنت اعرج كده!)
إلى هذا الحد وتسارعت وتيرة أنفاسه وقبض على عكازه بقوةٍ، لهيبٌ حارق بداخله تمنى لو كانت قريبة منه لأذاقها مرارته، رفع رأسه بكبرياءٍ مجروح، يهتف بجمودٍ قاسي:
_ أنا موافق يا جدي.
ابتسم جبران براحةٍ من موافقة غفران فقد ظن أنه سيرفض وسيقطع طريقًا طويل ليجعله يوافق، في حين نظرت له فاطمة بصدمةٍ، ليقابله بنظرةٍ سوداوية مخيفة يرسل لها رسالة صغيرة بأن القادم ليس سوى ظلامي.. ظلامي الأسود الذي وُضعت بهِ بسبب امرأة وحطمة قلبي امرأة أيضًا والآن أنتِ من ستتحملين كل ما فعله بِـ جنس حواء.
سارت رعشةٌ قوية بجسدها، تتراجع بخطواتها إلى الخلف، ثم نظرت لجدها مجددًا تهرب من نظراته المخيف وكأنه ذئبًا ينتظر لحظة مناسبة للانقضاض عليها، همست بنبرةٍ مختنقة تشعر برغبتها بالبكاء:
_ عن اذنك يا جدو عايزة ارتاح.
اومأ برأسه تاركًا إياها قليلًا حتى لا يضعها بمأزق الاختيار، ولكن ارتفع صوت يقين تردد برفضٍ قاطع:
_ جدو كله إلا الواد دا.. مش هنعمر مع بعض وأنا وهو هدغدغ البيت عليكوا..فنظرًا لسلامة الجميع أنا بقول نفضها سيرة.
رفع جبران حاجبه بغيظٍ من طريقتها، ثم قال بغرورٍ مانحًا إياها نظرة سخرية:
_ أعذرني يا جدي بس الأكيد يوم ما هختار زوجة ليا مش هختارها زي دي.
شهقت يقين بغيظٍ يشتعل بداخلها، ثم قالت بصوتٍ متعصب:
_ ومالها دي يا عينيا!
ابتسم جبران ببرود يجيبها:
_ مستنضفش أكون عينيكِ.. اللي زيك أخره يفضل في البيت حتى خسارة يشوف النور.
اتسعت عين يقين بصدمةٍ، تشعر بتمزق كرمتها، رمقته بنظرةٍ متألمة ترفق بسمة حزينة معها، تتذكر انها دائمًا الشخص الأغبى فلابُد أن تتحمل حديثه الفظ لغبائها الذي تُنعت بها دائمًا، همست يقين بنبرة متألمة:
_ عن اذنكم.
غادرت الغرفة سريعًا تحاول كبح دموعها شعر جبران بقليلٍ من الندم، ولكن أراد الانتقام مما فعلته بغرفته، عاد بنظره نحو جده الذي هتف بكلماتٍ ذات مغزى:
_ هيجي اليوم اللي هتندم فيها على كسر خاطر بني آدم.. وبالأخص هي هتندم يا جبران.. اتفضل امشي من وشي.
تحرك جبران من أمام جده يشعر بثُقلٍ على قلبه، لا يفهم لِمَ فعل بها هكذا! ولكن تذكر غرفته وما فعلته بها جعل من لسانه مثل المنشار.
تأمل الجد جبران وقفة غفران الثابتة، ثم ابتسم بسخريةٍ عليه متمتمًا بسخط:
_ روح وراها.. بس لو جه يوم وفاطمة حصل ليها حاجة أنا اللي هقفلك يا غفران.. فبلاش تخلي اليوم دا يحصل.
تأمل غفران نظرات جده الساخرة، ليبادله بأخرى ساخرة وكأنها رسالة له، ثم استدار يتحرك بعكازه وتلك العرجة واضحة، ولكن يرفع رأسه بشموخٍ وكأنه حجر لن ينكسر.
جلس الجد جبران على مقعده الخاص مصنوعًا من الجلد، ينحني عاتقه بتعبٍ وكأن هناك من وضع أثقال عليها، نظر نحو المقعد الموجود بمواجهته ثم تذكر حديثه مع ابنته..
( إزاي يا بابا اجوزها وهي فاقدة الذاكرة؟!)
قالتها ناهد بصدمةٍ وهي تنتفض من مقعدها، ليشير لها الجد جبران بأن تجلس مجددًا، يردد بهدوءٍ:
_ بنتك لما الذاكرة ترجعلها هتتجوز تاني؟
صمتت ناهد ولم تستطع الحديث فهي تعلم بوفاء ابنتها الشديد لأحمد، أكمل جبران بذات النبرة الهادئة:
_ صدقيني يا ناهد دا الحل.. بنتك لما ترجعلها الذاكرة هتتعب لزما يكون حد معاها.. وأنتِ مشغولة بملك ويقين مش هتعرف تقف معاها.. بنتك محتاجة رجل في حياتها.. وغفران على اد ما هو شخصية قوية بس في حنية الدنيا ولولا الحادثة اللي حصلتله كان زمانه متجوز اساس ومخلف..
صمت قليلًا يدرس تعبير وجهها، ليسترسل بتوجسٍ:
_ ولا أنتِ مش موافقة عشان العرجة؟!
شهقت ناهد بصدمةٍ من حديثه، لتجيبه سريعًا:
_ لالا ابدًا.. غفران ابني حتى فاطمة مش هتبص على الجزء دا فيه.. أنا خايفة بنتي تلومني على الفكرة دي.. وخاصة لما الذاكرة ترجعلها.. وغفران برضو لما يعرف إنها كانت مخطوبة لحد قابله وبتحبه هيحصل ايه!
مد والدها يده يمسك بكفها مربتًا عليه بحنوٍ، يتمتم بصوتٍ جاد:
_ صدقيني يا بنتي دا اسلم حل.. على الأقل لما ترجع الذاكرة غفران هيكون معاها وأنا متأكد من أنها هتحب غفران.
تنهدت ناهد بتعبٍ، ثم نظرت إلى والدها قائلة بأعينٍ مدمعة:
_ ماشي يا بابا.
ابتسم لها الجد جبران، ثم استرسل بجدية:
_ ويقين لجبران.
اتسعت عين ناهد بصدمةٍ، تحرك رأسها بنفي، تحدثه بتعجب:
_ إزاي يعني! دول مش طايقين بعض من اخر مرة بعد ما دخلت اوضته وبهدلتها.
نظر لها بنصف عين ثم قال بهدوءٍ:
_ ولا هي هتنسى بهدلتك ليها قدمنا..
تأملت ناهد حديثه والدها ثم حركت رأسها بنفيٍ فهي ابنتها وبالتأكيد ستنسى ما فعلته، فهي لم تفعل شيء سوى مصلحتها، استرسل والدها بالحديث في جدية تامة:
_ بنتك هتحب جبران وجبران هيحبها بس لزمًا تشدي على يقين شوية عشان توافق بجبران.. وكله لمصلحتها وأنا بنفسي لو حسيت إنها مرتحتش هطلقها منه.
تأملت حدقتي والدها التي تبث لها الأمان، ثم قالت بأملٍ:
_ أنا أول مرة فشلت فعلاج ولادي وكنت هخسرهم.. المرة دي هسيبك تتصرف يا بابا واللي شايفه صح أنا معاك فيه.
ابتسم الجد جبران براحةٍ، ثم قال برضا:
_ طيب خلي البنات يوافقوا .. وسبيلي أمر الشباب هخليهم يوافقوا.
اومأت ناهد بإيجابية، ثم نهضت تغادر الغرفة عائدة لابنتها ملك مجددًا، ولكن بقى هو يتأمل طيفها حتى اختفى يأمل بأن ما يفعله ليس سوى الصواب.
نهض من مكانه ما أن انتهى تذكره لهذا الحدث الهام، يحمل أوراق الحالة الخاصة بملك واوراق أخرى خاصة بأعماله من خزانته السرية والتي لا يعرف ارقامها سواه، غادر إلى المركز العلاج النفسي والذي يحمل قسم لمرضى التوحد، انطلق بسيارته سريعًا حتى وصل إلى مسقطه، ثم وصل للمقهى الذي يجلسون به ثلاثتهم، ودلف إليهم ولكن ما أن جلس حتى قال موجهًا حديثه إلى خليل:
_ اخر الأسبوع كتب كتاب غفران وفاطمة وجبران ويقين وأنامش هروح النهاردة لأني هكذا لكتب الكتاب.
اتسعت عين خليل بصدمةٍ، في حين نظرت ناهد إلى والدها بدهشةٍ من سرعة تنفيذه ولكن قاطع هذا الصمت صوت خليل متمتمًا:
_ إزاي وهما عارفين؟!
اومأ الجد جبران بإيجابية، ثم قال كي ينهي حديثه بهذا الأمر:
_ يلا أنا جبت الورق بتاع ملك اهوه.. روحي مع خليل للدكتور.. وأنا هنا هستنى اقابل حد عشان شغل.
فهم خليل رغبة والده في إنهاء النقاش ونهض بالفعل مع ناهد التي نظر لها فحركت رأسها بأنها لا تعرف شيء، ذهبوا ثلاثتهم إلى الطبيب ليتابع حالة ملك.
أمسك برأسه يحاول السيطرة على الصداع الذي داهمه، ثم نظر حوله فلم يجد أحد، بل لقى ذاته بالردهة يجلس على الأريكة بإهمالٍ، اعتدل بجلسته يتطلع حوله بتذكرٍ لِما حدث، وسرعان ما تذكر ما فعلوه، لتتسع حدقتيه سريعًا مما حدث، نهض من مكانه يبحث عن الباقية لعله يفهم سر وراء طريقتهم المتسمة بالسُكر، يبحث بالردهة فلم يجد أحد، فخرج إلى الحديقة الموجودة حول المنزل فوجد يقين تجلس على مقعد كبير مخصص للجلوس تبكي بشدة، فزع من رؤيتها هكذا وذهب نحوها سريعًا يردد بنبرة قلقة:
_ مالك يا يقين بتعيطي ليه؟!
نظرت له بأعينٍ تملأها الدموع، ثم قالت بصوتٍ مبحوح:
_ هو ليه كله بيكرهني!
حدق بها بصدمةٍ، ثم أسرع يسألها بدهشة:
_ مين قال أننا بنكرهك؟!
ابتسمت بحزنٍ تسيل دموع على وجنتيها، تنظر لتلك الشجر الموجودة أمامها، تجيبه بألمٍ:
_ افعالكم بتقول كده!
حرك عامر رأسه بنفيٍ يتمتم بصوتٍ جاد حنون:
_ لا بالعكس.. أنتِ عمرك شوفتي مني رد فعل وحش أو حتى من بابا يمكن غفران وجبران صعبين بس مش بنوصل أبدًا للكره، هو بس أول لما شوفتك اضايقت عشان استهزأتي بيا لكن بعد كده لما اتكلمتي معايا نسيت اللي حصل.. وهنبقى أصحاب صح!
قال جملته الأخير ببسمة متسعة، لتضحك يقين من بين دموعها، ترفع كفها لتزيل تلك القطرات الصغيرة، تهمس ببسمة هادئة، تمتلأ عينيها براحةٍ لطيبة قلبه:
_ هكون أسعد واحدة في دنيا إني عندي صديق زيك.
ابتسم عامر بفرحةٍ يتخللها القليل من الطفولية، يردد بصوتٍ يحمل السعادة:
_ أنا كان نفسي اصحاب بنات أوي.
رفعت يقين حذاؤها قائلة بنبرة متعصبة:
_ تصاحب ايه يا عينيا!
نهض عامر من أمامها سريعًا، يردد بفزع من رؤية الكعب الموجود بالحذاء:
_ مش هو.. مش هو اللي في دماغك.
نظرت له قليلًا ثم رمت حذاؤها على الأرض، هاتفة بحدة مزيفة:
_ بحسب.
رمقها عامر بنظرة مغتاظة، يتمتم بسخرية:
_ وأنا مالي أن دماغك آآ..
ابتلع باقي كلماته ما أن رأها تنحني مجددًا لتحضر نعلها، يسرع بتعديل كلمته متمتمًا بنظراتٍ بريئة:
_ دماغك زي الألماظة.
اخفت يقين ضحكتها تجلس مجددًا على مقعد، في حين فرك عامر يده بحماسٍ يردد بسعادة:
_ يلا يا يقين تعالي عازمك على توت.
ابتسمت يقين بسعادة هي الأخر قائلة بفرحةٍ:
_ اشطا يلا أنا نفسي فيه أوي.
نهضت يقين تسير معه ولكن لاحظت طريقته الغريبة في السير و لم تعلق.
منذ أن تحولت نظراته مع جده ولم تتغير إلى الهدوء بل تحولت إلى أكثر وحشية، يمسك بتلك الصورة لها، ولا تزال جملتها تتردد بعقله، أنه اعرج ولا يمكنها القبول به، دفع عكازه بعيدًا حتى اسقطه ارضًا بقوة، ثم تحرك بعجرته نحو السراحة، يفتح أحد ادراجها مخرجًا قداحة صغيرة، رفع الصورة أمام حدقتيه ثم اشعل القداحة لتلتهم النيران تلك الصورة التي تحمل وجه ابنة خاله المبتسمة بغرورٍ.
انعكست صورته وهو ممسكًا بالصورة التي لا تزال تتمسك بها النيران بالمرآة المكسورة ليصبح له نسخ كثيرة لملامحه المخيف ويده الممسكة بالنيران، نظر لانعكاسه لتلك النسخ، ثم قال دون وعي:
_ هتوافقي يا فاطمة بيا.. وهكسرك زي ما اتكسرت يا هناء!
لم يشعر بذاته وهو ينطق باسم أخرى، ولكن لم يعد يرى سوى أن بنات حواء جميعًا متمثلين في صورة هناء ابنة خاله.
( عايز تأكلني توت حرام!)
صاحت يقين بتلك الجملة بصدمةٍ وهي ترى عامر يتسلق شجرة ضخمة بها توت، انتفض عامر بخوفٍ من أن يراه أحد، ليهمس بغيظٍ:
_ أنتِ عايزنا نتقفش يا بت أنتِ! هناخد حبه ونمشي مش هنلمها كلها.
:_ بتقول ايه مش سامعة علي صوتك شوية.
قالتها بصوتٍ عالي كي يسمعها، لتتسع عين عامر بغضبٍ ولكن سرعان ما تحول للرعبٍ وهو يستمع لصوت رجل يهتف بحدة:
_ ألحق يا ابو محمد اللي بيسرق التوت أهوه.
ألقى عامر بنفسه على الأرض سريعًا، في حين صرخت يقين بفزعٍ وهي تراه يقفز بتلك الطريقة، لتهتف بغضب:
_ أنت ياض أنت مش تخلي بالك كنت هتعور.
نهض عامر سريعًا يردد برعبٍ:
_ انجزي قومي يلا قبل ما يجوا ويعورونا هما!
كادت أن تتحدث ولكن ارتفع صوت اطلاق النار لتنتفض بفزعٍ تصرخ قائلة:
_ اجــــــــــــــري.
ركضت يقين سريعًا تفر هاربة، في حين ركض خلفها عامر ولكن تفاجأ من سرعة يقين بالركض، وبالفعل استطاعوا الافلات منهم، لتقف يقين تلتقط أنفاسها تنحني بجزعها العلوي تستند بيدها على ركبتيها، تهتف بنهجٍ واضح:
_ هـ..هما لسه..بـ.بيجروا.. ورانا.
نظر عامر خلفه يلتقط أنفاسه هو الأخر بصعوبةٍ، ثم قال وهو يتحرك بخطواتٍ بطيئة:
_ لاء خلاص.. بس تعالي نروح بسرعة ليكونوا لسه ورانا.
وبالفعل تحركت معه يسيران بخطواتٍ بطيئة، حتى وصلا إلى المنزل ولكن كانا يضحكان بقوةٍ على ما حدث، دلفا سويًا إلى الردهة ولا تزال ضحكتهما ترن بالمكان، ولكن رأهما جبران ورفع حاجبه باستنكار يردد بغضبٍ مكتوم:
_ كنتِ فين؟!
رفعت يقين حاجبه باستنكار، ثم نظرت له بسخطٍ وعادت إلى عامر تبتسم بهدوءٍ متمتمة:
_ هطلع اوضتي يا عامر.. وشكرًا على اليوم اللطيف دا.
غمز لها عامر بمرحٍ قائلًا:
_ أي خدمة.
اشتعلت عيني جبران بغيظٍ شديد من تجاهلها وحديثها اللطيف لشقيقه عامر، هتف بغضب:
_ هو أنا مش بكلمك يا بت أنتِ!
لم تجيبه يقين بل ظلت تتجاهله تكمل صعودها على الدرج، لتنفجر طاقة الغضب بداخله، يردد بعصبية:
_ ما تـــــــــردي.
استدارت يقين ترمقه بنظرةٍ باردة متمتمة:
_ أنت مين عشان أرد عليك! وأنت ايه في الكون عشان تسمح لنفسك تسألني كنت فين ولا بعمل ايه! لما يبقى ليك صفة في حياتي يبقى تقعد تتكلم زي البغبغان.
اكملت يقين صعودها في حين همس جبران بأعينٍ مشتعلة من غضبٍ مخيف :
_ تمام يا يقين.. هخليكِ تعرفي أنا هكون بصفتي ايه في حياتك.. هخلي حياتك كلها في ايدي.
اختفت يقين من أمامه، في حين ركض عامر ليختبئ منه، ليرفع جبران هاتفه يتصل على جده مرددًا بعصبيةٍ ما أن اجاب:
_ ايوة يا جدي.. أنا موافق .
وصلت ناهد مع ابنتها ملك إلى المنزل آل جبران، تدلف ومعها شقيقها خليل، في حين بقى الجد جبران خارج المنزل يخبرهم أنه سيقوم ببعض الأمور الخاصة، صعدت ناهد مع ملك حتى اوصلتها لغرفتها، ثم اغلقت الباب ولكن لا تزال يدها على مقبض الباب، تنظر أمامها بشرودٍ وهي تتذكر والدها يعطيها ورقة صغيرة بأن تقنع يقين تلك الليلة بالموافقة وبالغد هو سيتحدث إلى فاطمة أن أصرت على رفضها..
أخذت ناهد نفسًا عميقًا ثم ذهبت إلى غرفة يقين تطرق الباب بهدوءٍ، بقت دقائق ثم فتحت يقين الباب لتتفاجأ بوالدتها تقف على الباب، نظرت لها بتعجبٍ هاتفة:
_ في حاجة يا ماما؟!
اومأت بإيجابية، تحدثها ببسمة طفيفة:
_ ايوة.
افسحت لها يقين الباب والدهشة تزداد بداخلها، فليس من عادة والدتها زيارتها بغرفتها منذ صغرها وهم بالقاهرة، جلست ناهد على الفراش تشير إلى يقين بأن تأتي لتجلس جوارها فامتثلت لها يقين وجلست جوارها تنتظر أن تتحدث والدتها التي قالت بهدوءٍ:
_ أنا عارفة إنك مستغربة إني اجيلك اوضة وأنا مش بدخلها كتير، بس عايزة اتكلم معاكِ في موضوع.
ركزت يقين انتباهها على ما ستقوله والدتها، في حين استرسلت ناهد ببعض التوتر:
_ أنتِ عارفة انك كبرتي خلاص ولزمًا افرح بيكِ وجبران ابن خالك اتقدم لجدك وهو سألني وانا وافقت عليه.
انتفضت يقين بصدمةٍ من حديثها تتمتم برفضٍ:
_ لالا أنا مش موافقة وكمان هو مش عايز.
نظرت لها ناهد بضيقٍ ثم قالت في محاولة امتصاص غضبها:
_ لا ما هو غير رأيه ووافق وكلم جدك خلاص.
نظرت لها يقين بعدم تصديق، تشعر باختناق من كون جبران هو زوجها، لن تتحمل اهانة أخرى، يكفي ما تتلقاه من الجميع، تحولت نظراتها لجمودٍ متمتمة:
_ وأنا مش موافقة.
نهضت ناهد تحدق بها بصدمةٍ، لتردد بلطفٍ كي توافق:
_ يا بنتي أنا قولت لجدك موافقين و..
قاطعتها يقين وهي تصيح بعصبيةٍ مفرطة:
_ وأنا مش موافقة.. ايه هتجبريني!
نظرت لها ناهد قليلًا، ثم قالت ببرودٍ:
_ آه هجبرك.
صدمة كست ملامحها وهي تتطلع لوالدتها، تحاول استيعاب ما تفوهت به للتو، هل ستجبرها!، عادت بنظراتها المليئة بالدموع مرددة برجاءٍ:
_ بس أنا مش عايزاه.. مش هعرف اعيش معاه.. ارجوكي ارجعي في كلامك.
:_ أنا عارفة مصلحتك كويس وهو مناسب ليكِ.
قالتها ناهد بجدية غير قابلة للنقاش، لتنفجر يقين وكأنها قنبلة صغيرة، تصيح بها وعينيها تذرفان الدموع بألمٍ:
_ بتعملي فيا كده ليه! أنا مش طيقاه بقولك.. وأنتِ تقوليلي اتجوزه! طب ازاي! ليه بتكرهيني كده! علطول بتسبيني لوحدي وعلطول بتقوليلي غبية وفاشلة! دايما بتهزي ثقتي بنفسي وتعدلي عليا كتير! ليه كل دا! ليه مش بتحبيني زي اخواتي!
اتسعت عين ناهد بصدمةٍ من حديثها، تشعر بحزنٍ نحو ابنتها التي فهمتها بطريقة خاطئة، ولكنها تحركت من أمامها قائلة بهدوءٍ تخفي خلفه حزنها:
_ بكرة هتعرفي قيمة اللي بعمله.
حدقت يقين أمامها تنظر للفرغ الذي تركته والدتها، تستمع لخطواتها التي تقترب من الباب، لتستدير لها سريعًا قائلة بنفورٍ:
_ أنا موافقة عليه بس خليكي عارفة الحاجة الوحيدة اللي هتخليني اوافق على جبران هو انك مش هتتحكمي فيا.
نظرت لها ناهد بصدمةٍ، لتكمل يقين بألمٍ ظاهر:
_ عندي اعيش في ناره ولا إني اعيش في جنتك.
نغزة قوية تملكت من قلبها، ترى النفور في حدقتي ابنتها، لا تعلم كيف جف حلقها ولكن لم تبتلع بداخلها سوى غصة أليمة قاسية، استدارت تغادر الغرفة سريعًا، تردد بداخلها:
_ هتعرفي اني بعمل لمصلحتك قريب.. مش هتكرهني.
ظلت حبيسة غرفتها طيلة النهار، تحاول استيعاب ما يفعله جدها بها، لِمَ هو؟ ظل هذا السؤال يدور بخُلدها طوال الوقت، تتطلع للنافذة الشرفة وإلى السماء التي بدأت ترتدي ثوبها الليلي الجديد، تنهدت براحة وهي تتذكر أن جدها لن يكون بالمنزل اليوم فلن تجتمع مع المدعو غفران، تقرر بذاتها أنها لن تغادر غرفتها، قاطع شرودها صوت طرقات على الباب، نهضت من فراشها تضع حجابها بإهمالٍ، ثم انطلقت لتفتح الباب مرددة وهي تحرك مقبض الباب:
_ ايوة ثوآآ..
صمتت برعبٍ وهي ترى بسمة غفران الخبيث أمامها، سارت رجفة سريعة بجسدها وهي تتراجع إلى الخلف، في حين تأمل غفران رعبها مرددًا بمكرٍ:
_ مش هتقولي لجوزك المستقبلي حاجة ولا ايه؟!
حركت رأسها برفضٍ تمتلأ عينيها بالدموع، تهمس بصوتٍ مرتجف:
_ لالالا مش عايزة.. مش عايزة.. أبعد عني.
تحولت نظراته من ساخرة إلى اخرى مخيفة شرسة، يهتف بتهديد صريح:
_ رفضك الصبح دا هعديه وبعرض عليكِ تاني انك توافقي إنك تتجوزيني.. بس خلي بالك لو كان ردك بالرفض هخلي صورك اللي وأنتِ بقمصان النوم..
تأمل اتسع عينيها بصدمةٍ تحجر الدموع بحدقتيها يكمل بنبرة متلذذة من رؤيتها هكذا:
_ آه نسيت اقولك إن خرجت من المكتب جدك وطلعت اوضتي قعدت حبة محترمين على اللاب عملتلك شوية صور جامدة.. المهم في حالة رفضك الصور دي تروح لجدك وأنا وقتها هقوله عرفنا ليه مش موافقة عليا.. أصلك خايفة لتتكشفي قدامي وتبقى فضحتك بجلاجل.. ووقتها هتجوزك غصب عشان اداري على فضيحتك قدام أمك وجدك واخواتك بس هتكوني خسرتي الكل بما فيهم نفسك.. ومش هتعرفي تخرجي من سجني يا فاطمة.. هيفضل سجني حولكِ لحد ما تموتي.
صمت قليلًا يرى معالمها المنكمشة بخوفٍ تعتريها صدمة، في حين استرسل غفران بخبثٍ وعينيه تتوحشان:
_ هتوافقي ولا نذيع؟!
ملأ الضعف معالم وجهها، تشعر بصداعٍ يداهم رأسها، لتمسك رأسها بألمٍ، تعلم أنه هو الوحيد القادر على هز ثباتها وقوتها المزيفة واظهار كامل ضعفها، بدأت تذرف الدموع بغزارة تردد بألمٍ:
_ أنت عايز مني إيه! سبني في حالي!
ضحكة ساخرة اطلقها ما أن استمع لحديثها، يجيبها بنبرة مخيفة:
_ متقلقيش يا حلوة كل دا هجاوبك عليه يوم كتب الكتاب..
ثم أضاف بخبثٍ وهو يستدير كي لا يدع لها مجالًا للتفكير:
_ تأخيرك في الرد بيدل على الرفض والرفض معناه نذيع!
:_ لاء موافقة بس ارجوك بلاش موضوع الصور دا!
اتسعت بسمته مكرًا ما أن استمع لجملتها، يكمل سيره مرددًا:
_ كده بدأتي تفهمي.
تركها يغادر إلى غرفته، في حين تحركت فاطمة تغلق الباب ولكنها جلست خلف الباب تنكمش على نفسها، تجهش بالبكاء بشدة، ينتفض جسدها رعبًا مما ستراه مع ذلك الوحش المخيف!
ظلت كلًا من يقين وفاطمة داخل غرفتهما بعدما وصل موافقتهما لجدهم، ترفض يقين رؤية أحد حتى عامر، في حين ظل جبران يلاحظ طريقة يقين وتعجب من موافقتها بتلك الطريقة، بينما اختفت فاطمة من أمام الجميع تعد الساعات التي ستنقلها بعدها إلى سجنها، في حين فهم خليل سر زواج الفتيات من اولاده وأيقن أن كلاهما يحتاج إلى الأخر ليكمل هذا الجزء الناقص بداخلهما، مر يومين بعد اعلان الموافق من الجميع الأطراف يستعد الجميع لحفل الخاص والعائلي الصغير لكتب الكتاب..
جلس غفران بعدما ارتدى حِلته السوداء بالكامل بدون رابطة عنق، يضع عكازه إلى جواره، يمسك بيد جده الذي كان وكيلًا لـ فاطمة، وبالفعل بدأت مراسم الزواج أسفل نظرات الجميع فمن كان من أهل القرية كان تمتلأ بالفرحة، بينما كانت ناهد تنظر لهما بقلقٍ تدعو الله أن ينجى بناتها، انتهى المأذون من كتب كتابه مختتمًا بجملته الشهيرة..
) بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير)
انفلتت يد غفران عن جده لينهض من مكانه مستندًا على عكازه، في حين جلس جبران مكانه الذي ارتدى حِلة كاملة فكان السروال من اللون الأسود والسترة من نفس اللون بينما كان القميص باللون الأبيض دون رابطة عنق مثل شقيقه، أتم مراسم الزواج الخاص به، وما أن نطق المأذون بجملته مختتمًا تلك المراسم حتى نهض الجد جبران يدلف إلى غرفة الخاصة بالفتاتين ليستعدان بها.
نظر لهما جبران ببسمة حنونة يتقدم نحو فاطمة مقبلًا جبينها بحبٍ قائلًا:
_ مبارك يا حبيبة جدك.
نظرت له فاطمة بأعينٍ تائهة، تبتسم بضعفٍ، تتباطأ ذراع جدها ليخرج بها جبران الأكبر إلى الخارج يتقدم نحو غفران الذي وقف يتأمل ملامحها الهادئة فلأول مرة يرى ملامحها بتدقيق، زحفت بسمة صغيرة لشفتيه وهو يتأمل فستانها الأبيض الهادئ للغاية، تلك الطقية الصغيرة الموضوعة فوق حجابها وكأنها من الأتراك، اعتراف جزء من قلبه بأنها أميرة في غاية الجمال ولكن لن يغير هذا من رأيه بهن جميعًا.
وقف أمامها يضع عكازه على الحائط أمام الجميع يتقدم بخطوةٍ عرجاء نحوها ثم أمسك وجهها بكلتا كفتيه في حنوٍ، يقبل جبينها وكأنه عاشق لها، لتعلو الزغاريد أمام الجميع، توهج وجه فاطمة بحُمرة الخجل، ليهبط غفران ببصره نحو حدقتيها يقترب منه حتى أصبح الفاصل بينهما بضع سنتميترات يهمس بنبرة مخيفة:
_أهلًا بيكِ في عالم غفران..
تحولت نظراتها من خجولة إلى أخرى مليئة بخوفٍ، ليسترسل غفران ببسمة منتقمة:
_ عالم الظُلم والعذاب لجنس حواء.
يتبع.