اخر الروايات

رواية شظايا الكلمات الفصل الثاني والثلاثون 32 والاخير بقلم جهاد وجيه

رواية شظايا الكلمات الفصل الثاني والثلاثون 32 والاخير بقلم جهاد وجيه 

شظايا الكلمات

الفصل الأخير


لدينا مُتسع من الوقت لـنمنح الروح توهجًا لامع يُضاعف بريق رونقها الخاص لتصبح بأفضل طلة وتتناسى الآسى!

غرفة مُغلقة مُعبأة بـأتربة الماضِ وحزن الحاضر ومخاوف المستقبل، نُرحب بها دومًا بين كل فترة وأخرى لأنها من الثوابت الباقية معنا وعلينا! غُرفة فاصلة بين الحب والكره، السعادة والحزن، الشغف والبرود، اللهفة والجمود! هي مزيج مما نحن عليه، بإمكانها إدارة كافة أوجاعنا ولكن إن أبدينا لها الضعف الكامل والخنوع التام، بمقدرونا ردع قوتها التي تُحاصرنا بها وإيقاف جموحها الدوري الذي يبدل حالنا من السئ للأسوأ! هي كانت ولازالت غرفة بـمقبضٍ وباب!، بـعقلنا! وبيدنا إحكام إغلاقها وحجبها في نقطة بعيدة منا حتى يتثنى لنا الراحة والسعادة دون مخاوف أو ندبات...

أول نبضة، أول ضحكة، أول ثانية يستغرقها العقل للتفكير قبل الوقوع في الحب! كانت معكَ وإن تردد صدى الزمن وخُلقت من جديد سأطلبك بكل مرة تحين لي الفرصة، أنت بداخلي أعمق من أنفاسي يا مُعذبي.....

صرخت « أثير» بـفزع عندما أُشعلت أنوار المنزل وشعرت بـكفين يحاوطان كتفيها وما زاد خوفها هو عدم تواجد زوجها أو صغيرها كما أخبروها بـضرورة ذهابهم لـمكانٍ ما!! توقف قلبها عندما خرج الجميع من حيث لا تعرف وما تقصده بالجميع هو أصدقائها، عائلتها ووالديها! حقًا!! لا تعلم أين تبدد خوفها وقلقها عندما اكتشفت أن المُمسك بها ما هو إلا زوجها الحبيب بـبسمته العاشقة وعيناه الفائضتين بـالغرام، بادلته البسمة بأخرى متعجبة والتف هو لـيصبح أمامها وأشار لها بـرأسه لتُمعن النظر بالبيت وما لبث أن سمع شهقتها القوية التي تنم عن صدمتها ربما! دارت تلك الجنية النارية بأرجاء المنزل تطالعه بإنبهارٍ جلي وقلبها ينبض بـعنفٍ من فرط سعادتها أم صدمتها لا تعلم حقًا! تطلعت لجميع الزوايا التي زُينت ببراعة فائقة وكأنها حفلة لـعيد ميلاد أحدهم! مهلًا ما اليوم!! جحظت عينيها وتراقصت خبايا روحها عندما تبين لها أنه عيد مولدها هي!! للمرة الأولى لا تحتاج للتلميح لقرب يوم ميلادها بل هو رتب له وجمع كل غالٍ على قلبها لـيقاسموها تلك السعادة التي لا تقدر على إحصائها! بـلحظة نست العالم والجميع من حولها وركضت ترتمي بين ذراعيه المترقبين لـعودتها بـلهفة وهمست بجانب أذنة بامتنان:

_ مش هقدر أوفيك مهما اتكلمت، شكرًا على السعادة دي يا كل سعادتي وهنايا

بادلها «راكان» عناقها غير آبهًا بالنظرات المتفحصة لهم وهمس بـحب ومشاكسة:

_ هقولك توفيني إزاي لما التجمع دا يمشي بس دلوقت ابعدي لأن أبوكِ فاضل شوي ويجي يبلعني

ابتعدت عنه مسرعة وتعالت ضحكاتهم سويًا ومعها نظرات الرضى والسعادة من الجميع، هنأها جميعهم وحان دورهم هم! من تزعزعت روحها حنينًا وشوقًا لـأحضانهم ولـحبهم! من كانوا ضياء ظلمتها في الصغر تركوها وسط نيران عالمها في الكِبر، من تضرعت طلبًا لدفء حبهم بـليالي صمتها، كم كان دُجى الليل مُفزعًا لها وهم منغمسون باعمالهم متناسين أن لهم ابنة تستحق تواجدهم ودعمهم! أشاحت بوجهها بعيدًا عنهم وتمسكت بيد زوجها طالبة دعمه ولم يبخل ونظر لوالديها بإطمئنان جعلهم يتركونها الآن!!

السعادة كانت تحلق بالأفق بـقلوب الحاضرين، هي وسط كل من أحبت! هي بداخلهم كما هم بأعمق ما بداخلها ولن تبخل على ذاتها بالفرح بعد الآن! ابتسمت متحسسة بطنها التي بدأت بالبروز قليلًا فـهي بـشهرها الثاني وصغيرها كبرت نطفته وبدأ يشعر بها، مسحت بـحنان على بطنها وحدثته بـخفوتٍ مرح:

_ سبع شهور وتشرف بيتنا يا نور بيتنا، خليك هادي عشان مامي بدأت تتعب، عارفه إنك مش سامعني دلوقت بس قريب هتحس كمان بيا وبـبابي، هحكيلك عنه كتير، عشان أول ما تشرف تعرفه لواحدك وتبقى زيه، مامي بتحبك

توترت بسمتها عندما رأت والدتها تراقبها من بعيد بـعينيها الدامعتين ترجوها الاقتراب ومشاركتها فرحتها، ألقلبها السؤال الآن!؟ بعد اشهر قليلة ستصبح أمًا ولا تتمنى أن تقف مثل والدتها الآن ذات يوم، هرولت إليها بلهفة محتاجة والقت نفسها بين أحضانها وتوالت دموعها بـنحيبٍ ممُزق للقلوب المستمعه، أخبرتها بـصمت عما عانته بانشغلالهم، عن آلالامها وكم التنمر والقسوة التي تجرعتها ممن حولها، عن قلبها الذي عشق رجلًا من خير وأحن رجال الأرض....

ابتعدت عنها بعد فترة فـكورت والدتها وجهها بين كفيها ومسحت دموعها بحنان وهمست بـندم ورجاء:

_ مش عارفه أبدأ كلامي منين يا بنتي... سامحيني... انشغلت عنك والدنيا لهتني وفكرت إنك طالما كبرتي مش هتبقي في حاجه ليا وإن كل اللي بتعمليه دلع... نسيت إنك في الأول والآخر بنت محتاجه حضني قبل بعدي، نسيت إنك جزء مني، فكرت إن ببعدي هتعرفي تديري حياتك وتبطلي تعتمدي علينا، أنا اسفه، بس مفيش حد في الدنيا هيحبك زي أنا وأبوكي، سامحينا يا أثير، طول عمرك قلبك احن وأطيب قلب فينا

هزت «أثير» رأسها بـموافقة ومدت كفها تمسح دموع والدتها وتبخر حزنها منهم بلحظة فهي لا تتحمل كسرة والدتها التي تشع من مقلتيها بمثل هذا الشكل، لم تعهد والدتها البشوشة والقوية مُنكسرة بتلك الطريقة، ربتت على كفيها بـحبٍ صادق وهمست بـحنان:

_ أنتِ أكبر واعظم من إنك تطلبي مني حاجة زي دي يا أمي، يمكن زعلت شوي بس بعدها بقيت بخير وعرفت قيمة كل حاجه وبقيت اقوى واقدر أعافر عشان نفسي، طول عمركوا جنبي مجاش على كام سنه انشغلتوا شوي، دا حقكوا عليا إني أقدر واصبر، أنتِ اعظم أم في الدنيا

_ طب وانا يا أثير؟

صوت والدها المُنكسر جعلها تنهض بـتوتر وتقف أمامه تفرك كفيها بـتوجس، سامحت والدتها ولكن هو لن تقدر! هو لن يرضى قلبها عنه بـلحظة وتخفي كل ذلك الألم الذي سببه بعده عنها!! كان دومًا خير عونٍ ورفيقٍ لها وفجأة ما إن نصبت عودها فر! تبخر وأصبح عمله أهم منها! أصبح الجميع ضمن أولوياته إلا هي!! هي صغيرته الوحيدة!! طفلته!! لم يحمل قلبها له الكره ابدًا ولكنها بحاجة للوقت لـتهيئ روحها له! ربما المها من والدتها كان أقل ولكن هو!! خذلها!! تخلى عنها!! وبالأخير أتى يبعدها عمن أحبت! لا لن تسامح بسهولة ولن ترضخ لحالته!! لن تجبر قلبها على الكذب انها عفت عنه!!...

نهضت بـقوة ووقفت أمامه مسلطة نظراتها المليئة بخيبة الأمل عليه وتمتمت بـثبات:

_ أنتَ خذلانك ليا كان أكبر منها، هي كانت جنبي أحيانًا، أنما انت!!! أنتَ اداتني كل حاجة أي حد يحسدني عليها من صغري ولما كبرت واحتجت وجودك يطمني عشان أواجه النقص والعقد اللي اتبنت جوايا لقيتك اتبخرت!! كنت بشوفك زي العيد مرتين في السنه!! مع إن الكل كان في أول اهتماماتك إلا أنا!! حتى اهتمامك كان مزيف!! قلبي طيب بس مش بيسامح بسهولة يا بابا

وكأنها تذكره بـرعيته التي عليها رعايتها كما وصاه النبي هي من رَعِيته! تخطته بـعزمٍ وتوجهت لـأصدقائها تلتمس منهم بعض القوة التي خسرتها بتلك المواجهة الصغيرة وهي تنفي اصوات اللوم التي تصرخ بداخلها تعاتبها عن قسوتها التي اكتسبتها منهم ولكن ما عاشته ليس بقليل وما شعرت به من أوجاع ليس بهين ولن تكفي بِضع لحظات لـإزالة أوساخ الماضِ العالقة بها.....

••_______________________________________________••

أتعلم لو أُخبرتُ قبل الآن أن لـي كل تلك السكينة والراحة معك لصرخ جوفي مُكذبًا القائل ونهره بل والصياح بـوجهه حتى يفر هاربًا، أقسم لك بـلغات العالم أن فؤادي لم تطأة قدم رجلًا سواك وروحي لم يمسسها عبير طيفًا سواك وأنني لم أمنح جسدي لـغيرك لـتضمه بين ثناياك فيا مُعذب الروح والفؤاد هل تعهدت لي بـالبقاء والثبات!؟

توسعت بـسمتها تزامنًا مع صوت إغلاقه لباب الشقة فـهرولت تقابله بـلهفة ليس وكأنه كان معها منذ دقائق وذهب ليطمئن على والدته، ألقت نظرة أخيرة على نفسها قبل الإقبال عليه وجرت مسرعة لـيتلاقها هو بـضحكة ضاخبة يضمها لـنبضاته التي تدوي فور وصول عَبقها له، ما حال القلب بـرؤيتها، يصبح صيدًا هينًا لعينيها وتدق نـبضاته بـعنف تتيمًا بـبسمتها وتتزعزع الأنفاس بـنشوة أمام هيئتها... ما حال القلب معها؟!

سار خلف خطواتها نحو غرفة الطعام وأضأت عيناه بـرضى عما اعدته ولكنه تسأل كيف! فهم للتو عادوا من حفلة عيد ميلاد « أثير»!! حول نظراته للغرفة من حوله وقد زُينت بـأنوارٍ لامعة كـحال ثوبها الأحمر القاني الذي تنعكس عليه جميع الاضواء لـيبتلع لعابه ويهمس بـتوسل:

_ أنتِ عاوزه إيه الليلة، مش هتعديها على خير عارف

فهمت مقصده ولم تتمالك ضحكاتها وسقطت بـنوبة ضحك شديدة تساقطت دموعها من فرطه واقتربت متلمسة صدرة وتحديدًا موضع قلبه ووضعت أذنيها تشاركه نبضاته وهمست بـحب:

_ عاوزه اطمن دا! أقولوا إن بيتنا بعد تسع شهور هيزيد روح جديده!

فتح عينيه على مصرعهما وهز رأسه بنفي غير مصدقًا لما تفوهت به فمن المفترض أن بهذا التوقيت من الشهر تأتي عادتها!! ابعدها عنه ونظر بعينيها المبتسمة وتمتم بـتساؤل راجي:

_ يعني أنتِ حامل!! مش بتهزري صح؟!

انفلتت ضحكاتها لا تعرف لما أمن فرط حماسه أم من شدة سعادتها وأحاطت ذراعه بـخاصتها ودفعته نحو الطاولة وجسلت جانبه وتمتمت بـصدقٍ محبب:

_ لا مش بهزر، أنا حاااامل، يعني في بيبي جاي لينا في الطريق، في عوض من ربنا لينا تاني

ابتسم بـسعادة وأمسك كفها الصغير وقبله بحب مردفًا:

_ أحسن عوض من ربنا ليا هو وجودك جنبي وحبك ليا

لمعت الدموع بمقلتيها متذكرة ملامحها قبل شهرٍ من اليوم قبل إجراء عمليتها التي أخرها هو لأسبابٍ واهية عرفت باطنها وهو أنه يرغب بـتعزيزها لذاتها وتقبلها لنفسها من الخارج كما من الداخل، رغب بـجعلها تتفوق على مخاوفها وقد كان! اصبحت إمرأة بحق!! لا تخاف شيء سوى ابتعاده!

رفعت المعلقة بعدما ملأتها بالطعام ودثرتها بفمه بـمرح متمتمة:

_ مش عاوزه كلام كتير، كل

لم يمنعها من تدليله بل جذبها لتجلس على قدميه لـتصبح على مقربة أكثر منه وأحاط خصرها وتقبل حبها برحابة صدرٍ متناهية ولكن طرأ بـعقله سؤالًا فتمتم:

_ عرفتي بحملك امتى وازاي؟

وضعت المعلقة بفمه ومدت يدها الأخرى تزيل زوائد الطعام التي لطخت شفتيه وتمتمت:

_ الصبح بعد ما أنتَ نزلت الشغل، وردة كانت عندي وكانت عملالي سمك عشان عارفه إني بحبه بس أنا قرفت منه وحسيت إني تعبانه وعاوزه استفرغ وهي حلفت لننزل نعمل تحليل ويكون مستعجل واللي خلالها تصمم إنها متأخرة

لاعب حاجبيه بـمكر وهمس بـعبث ويديه تسير بـخبث على طول عنقها:

_ هي إيه اللي متأخرة؟

اقتربت من اذنه بـصعوبة بـسبب أفعاله الوقحة وهمست وابتعدت مسرعة فهتف هو بـمكر:

_ ما انا عارف

ضربته بـخفة على وجنته ونظرت له بـخجل وتحذير هاتفة:

_ ثااااائر

ابتسم هو بـشغب مجيبًا:

_ روحه وقلبه وحياته

لم تجد سوا أن تبتسم له ولفت ذراعيها حول عنقه هامسة:

_ وحشتيني

رفع « ثائر» أناملة تعيد خصلاتها التي تحيل بينهم واخفض نظراته لـملامحها مقتنصًا قبلة من وجنتيها وتعالت أنفاسه بـتهدج وغمرها بين أحضانه ونهض متوجهًا لـغرفتهم وهتف بـمرح:

_ أخيرًا دا الواحد فكر أنه هيموت ومش هيسمعها منك يشيخه

ضحكت « هبه» بـسعادة ودفنت وجهها بين ثنايا عنقه تشتم عبيره الرجولي المميز وهمست بـحب:

_ بس قولتها اهو

تطلع «ثائر» لملامحها التي ظهر النور والراحة عليها وقرر عدم إخبارها بما عرفه ولن يفسد لحظتهم الفريدة فهي ابتعدت عنه منذ عدة أيام بسبب قلقها الدائم وتوترها من عدم حملها ولم يضغط هو عليها ولكن الآن!! ومن اليوم لن يعكر صفو حياتهم شي!!

*****************************************


بعد يومان

تعالت أصواتهم المشاغبة حتى هرولت « أثير» مسرعة لـترى ما جعلها تفتح فمها ببلاهة وهو جلوس « حمزه» أمام « رحمه» يحاول مصالحتها وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه بتمرد وكبرياء!! اقتربت منهم بغيظ من أفعال الصغيرة التي جننت ولدها الوحيد وهتفت بـتوجس:

_ في إيه يا ولاد

وقف « حمزه» بـضيق متناولًا زفرة طويلة وهتف بـحدة:

_ رحمه زعلانه مني ومش راضية تتصالح يا أثير

لكزته « أثير» بـاصبعها بحدة في كتفه وأشارت لـ «رحمه» بالاقتراب منها وهتفت به بتوعد:

_ عشان أثير دي ياابن راكان والله ما هخليها تكلمك غير لما تشوف حلمة ودنك

جحدها « حمزه» بنظرة ساخطة وهتف بـغيظ:

_ اطلعي منها أنتِ بس وهي هتهدى وتتحل وتبقى عال

قررت « رحمه» الخروج عن صمتها ووقفت أمامه بتحذير وتمتمت:

_ أثير معاها حق، أنا مش هكلمك عشان أنتَ مستهتر ومش بيهمك حد غير نفسك وعلطول بتزعلني وتزعق فيا وأنا مش صغيرة

فصل « حمزه» الخطوات التي حالت بينهم واحاط كتفيها بحنانٍ لا يناسب عمره وهمس بـرجاء وحب طفولي:

_ انا اسف حقك عليا، بس مكنش ينفع اقولك متلعبيش مع الولد دا وتروحي تلعبي وتكسري كلمتي! مش احنا صحاب ولازم نسمع كلام بعض!

بدى الاقتناع جليًا على « رحمه» فهزت رأسها بموافقة وتمتمت:

_ بس مش معنى كدا تزعقلي قدام صاحبي في المدرسة وتشدني وكنت هتوقعني قدامهم

رفع « حمزه» قامته وطبع قبلة على خصلاتها باعتذار وتمتم باسف:

_ انا اسف يا رحمتي، مش هتتكرر

ذهبا الصغيران وبقت هي منفرجة الجفنين تطالع أطيافهم التي بقت تتراقص أمامها بدلال وكأنها تعاندها!! هؤلاء أطفال بالعاشرة!!! أهذا ولد بالعاشرة أم رجل بالثلاثين!!! أتلك فتاة أم إمرأة بالعشرين!! دون وعيٍ هتفت بـبلاهة:

_ ذاك الشبل من ذاك المحوراتي يبني، طالع لابوك لفيت عقل البنت وخدته في جيبك

_ ومالو أبوة بقا يا أثير هانم؟

تخصرت والتفت تقابله وتمتم بسخرية:

_ بيعرف ياكل بعقلي حلاوة

تمثل بنفس وقفتها وتمتم بتهكم:

_ يعني مُعترفة إنك هبلة وبعرف اضحك عليكي؟!

تغضنت ملامحها بشراسة ورفعت المعلقة الكبيرة التي شعرت بها للتو بين كفها وناظرته بتوعد وصاحت بتحدي:

_ وعشان كدا لما اقتلك هيقولوا هبلة ومش هاخد فيك دقيقة سجن

ختمت قولها بالجري خلفه بينما هو سبقها بخطوة نحو غرفتهم وتخبى بها حتي دلفت هي وما لبث أن أغلق الباب وجذبها لتقع بأحضانه وانتشل المعلقة من يدها وهتف بمكر:

_ أنتِ كلام بس، أنا بحب الفعل

لم يدعها تتحدث كثيرًا لتعى مخزي كلماته وانقض عليها بـقبلاته العاشقة يغذقها بها وسط ضحكاتها المرحة وغابا كلاهما بـسحابة نائية ناعمة تخفت عن الأنظار

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

تلفظني بـداخلك سِرًا لألا تنساني يومًا
ضُم قلبي لكَ حبًا لألا تشتاقني يومًا

أقسم لكَ.....

إن ضاقت بكَ الأماكن سـيكون قلبي مسكنًا لكَ

إن توالت جِراحك سـتجد روحي دواءً لكَ

أتعهد لكَ.....

لن تقفدني ما دام عقلك يرسمني بـمخيلتك
لن أتركك ما دام كيانك يناديني بـجوفك

اتوسل لكَ...

دُجى الليل حالكة وأنا كالطير المشوش أفقد الرؤية بلاك تدريجيًا، لا تغيب فأفقدك!

تزعزع الروح من فرط الحنين بات يؤلم فلا تهجر! حتى لا تطردك روحي!


وقفت « ورده» أمام قبر والدها الراحل وجانبها زوجها المساند لها، انحنت واضعة بعض الورود على قبره ورفعت كفيها تقرأ له الفاتحة وما إن انتهت ابتسمت مردفة بحب:

_ الوضع بخير... عفاف لسه بتدور عليك وتصحي بالليل تحضن مخدتك وتقعد جنب كرسيك، البيت فاضي من غيرك والبرد قوي المرة دي، براء جنبنا، حتى بلال الصغير قرب يشرف، كان نفسي تبقى هنا وتكون أول من يشيله ويضمه، عفاف بتقولك إنك وحشتها ومش هتجيلك غير لما ترجع تزورها في الحلم زي عادتك

عضت على شفتيها تمنع المزيد من دموعها وأحاطت بطنها وهمست بـتعلثم:

_ بلال الصغير... هيبقى شبهك... هيحبني زيك... هحكيله عنك... أنا كويسه وراضية بس زعلانه... وحشتيني... الأيام بتعدي.... براء خف وانتصر على السرطان... الدكتور قالي إن جوزي كان بيحارب عشاني.... طول عمرك بتقدملي الفرح وتختارلي الصح، هجيلك قريب بـحفيدك، هتوحشني، متنساش تزور عفاف عشان زعلانه منك جامد

مسحت دموعها بظهر يدها واستندت على زوجها وابتسمت له فربت هو على رأسها وأحاطها بذراعيه حتى خرجا من المقابر....

أغدقها الله بكرمه وعطاؤه ومازال يعوضها خيرًا، تعافى زوجها وأصبحت بـشهرها السادس وكرم رفيقتها بـحملها الأول ورتب لها حياتها، حقًا حكمته وقدرته عادلة بين البشر، ما قطع من أمرٍ إلا وعوضه بآخر..

•••_______________________________________________•••


بعد ثلاثة أشهر...

وقف الجميع بـحالة ترقب لـخروجها من غرفة العمليات بـعد إخبار الطبيب لهم بـصعوبة ولادتها وضعف جسدها وتعرضها لـنزيفٍ حاد!! على كل زاوية جلست إحدى الفتيات تبكي وتتضرع لله أن ينقذ رفيقتها المرحة التي قاست كثيرًا، بينما وقف هو يتأكله الندم والحسرة عليها، لن يتحمل خسارتها بعدما كانت له كل شيء! تملك دموعه بصعوبة وهرول للطبيب الذي خرج وهتف بـلهفة وحدة:

_ مراتي وابني فين وعاملين إيه

أجابة الطبيب الأربعيني بـعملية:
._ المدام كويسة هتفضل تحت الملاحظة24 ساعه عشان نطمن عليها أكتر والطفل كويس وتقدر تشوفه عادي

لم تهدأ ثورته كثيرًا ولن تهدأ حتى يراها أمامه بأفضل حال ويستمع صوتها الذي يريحه، ظل ساعتٍ طويلة ينتظر السماح له برؤيتها وها هو يرتدي ملابس معقمة ويدلف لها بترقب وخوف ممزوج بـحنينٍ جارف، وقعت عينيه على جسدها الممدد على الفراش بتعب ووجهها المتعب فاقترب منها بـلهفة وجلس على قدميه أمام فراشها هاتفًا:

_ حمدالله على السلامه يا وردة ربيعي

ابتسمت « ورده» بـوهن وربتت على راسه بحنان وهمست بتساؤل:

_ بلال فين؟

نهض « براء» جالسًا جانبها وطبع قبلة على منابت شعرها من الأمام وهمس:

_ الحمدلله بخير، حابه تشوفيه؟

هزت رأسها موافقة واحتضنت خصره القريب منها بضعف ودفنت وجهها به وهمست بـدموعٍ حارقة:

_ كنت خايفه مشوفكش تاني يا براء

تنفس بصعوبة لكلماتها التي أصابته بمقتل ومسح على كتفها وهمس بحب ونفي:

_ بعد الشر عنك يا روح وحياة براء، الحمدلله ربنا رحيم بينا وأنتِ بخير وابننا معنا وبخير

ابتسمت بـتعب ورفرفت بأهدابها بتثاقل تحارب النوم الذي يقتحمها وهمهمت:

_ عاوزه اشوفو واحضنه

أومأ لها بموافقة واستدعى الممرضة لتأتي به وبعد عدة دقائق كانت تحتضن صغيرها الذي ظنت لن تراه ولن تضمه أبدًا بعدما استمعت لهمهمات الأطباء حول صعوبة وضعها، تنفست براحة وبكت بـصمت تخرج كل مشاعرها الخائفة وبدأت في إرضاعه بـحب تحت نظرات زوجها الحنونة والمراعية لها، ابتسمت هي بـحالمية لذاك الصغير الذي كانت نتيجة معاناة طويلة مع حبٍ ملحمي وهمست له:

_ مرحب بـيك في عيلتنا، النور هل بـوجودك، بابا معانا!

همس لها « براء» بـصدق وعشق:

_ أنا ديمًا هنا، حتى لو غبت أنا جواكِ زي ما أنتِ بين أنفاسي

**********************************************

على الجانب الآخر وقفت « أثير» بين يدي زوجها يحاول منعها من الإكثار من تناول المثلجات التي باتت تدمنها مؤخرًا بسبب حملها ولكنها ترفض بشدة الاستماع له وإن منعها بـغضب تأتي بها سرًا!! جلس بـضجر يتابع التهامها للمثلجات الباردة وعيناه تلتهمها بـشغف كما تفعل هي مع حلوتها المفضلة!! ابتسم بـحب متذكرًا حديث الطبيبة منذ عدة ساعات بأن حملها بخير ولا خطورة عليها، عرفت أنامله طريقها لفمها المُلطخ وشعر بتصلب فكها أسفله فـنظر لها بعبث وهمس:

_ كملي وقفتي لي، انا بمسح اللي وقع منك بس

ابتلعت « أثير» ما تبقى بفمها ونظرت له بـتوجس من نظراته التي تتأكلها وهمست بـتحذير:

_ لم نفسك

أجابها « راكان» بتهكم:

_ بقالي شهور لامم نفسي ومحترم ومفيش بعد كدا احترام

كتمت ضحكاتها عليه وتغاضت عن تلميحاته الصريحة فطبيبتها حذرته من تقاربهم في بداية حملها وكم رأت غضبه منها تلك الفترة!

جذب هو عبوة المثلجات منها وبدأ بالتهامها بـعنف تحت انظارها وهتف بها بـغيظ:

_ اضحكي اضحكي يختي والله لاطلعه عليكي كله قديم وجديد

لم تمنع ضحكاتها من الانفلات وصدحت بقوة جعلته يزجرها بعينيه بـغضب فـكممت فمها ونظرت بأدب هامسة:

_ طب خلاص اهو مش هضحك

الهبت ضحكاتها المزيد من مشاعره فوجد نفسه يسحبها من يديها للسيارة ويضعها بـغيظ بمقعدها وينطلق لـبيتهم!! أما هي طوال الطريق تكتم ضحكاتها على غضبه وافتراسه لشفتيه حتى وصلا أمام البناية وسارعت تسبقه ولكن لـثقل حملها لحقها هو وأمسك كفها وصعدا سويًا!!

بعد وقتٍ قليل دلف غرفتهم ينتظر خروجها من المرحاض ودقاته اللعينة تفضحه بـقوة وتنبض بـعنفٍ جلي جعله يضغط على قلبه لعله يهدأ، ثلاثة أشهر تمنعها الطبيبة اللعينة عنه وهي تستغل ذلك حقًا بدلالها وتغنجها عليه!! كيدهن عظيم....

نهض بـلهفة عندما طلت هي من خلف باب المرحاض بـتوتر تطمئن لعدم وجوده ولكنه صدمها كما كان دومًا ودفع الباب وجذبها لتتوسط أحضانها وأحاط خصرها بـحب وشوق هامسًا:

_ نبدأ منين بقا؟! من دلعك وعِنادك فيا ولا من هروبك ونومك في أوضة حمزه؟!

ابتسمت بخجل وأحاطت عنقه ورفعت جسدها لتصل لطولة وطبعت قبلة عميقة على تفاحة آدم خاصته جعلته يشعر بذبذبة لذيذة بجسده وهمست بـشوقٍ وحب:

_ نبدأ من قلبك!

اسند جبهته على خاصتها بعشق غلف روحه وهمس بـانفاسٍ مضطربة:

_ قلبي معرفش الحب غير بيكِ يا أثير هانم

ضمت هي جسدها له وجعدت أنفها بـأرنبة أنفه بـشغب وهمست جوار اذنه بـهيام:

_ ما بال قلبي يسألني عنك فأجيب هو الهمس القريب منك والطيف الملامس لك والبسمة الملاطفة لك أيها الوسيم

اغمض هو عينيه وتناول شفتيها بقبلة طويلة وابتعد هامسًا:

_ يُحدثني قلبي بأنكِ مُلهمتي وجنتي، يخبرني بأن ضحكاتك سبيله و قلبكِ دليله أيتها الفاتنة

*********************************************

بالشرفة التي جمعتهم ولكن بتفارقٍ بسيط هي الآن تضمهم سويًا وهي بين أحضانه وهو يملس على خصلاتها ويحيط بطنها البارزة التي تضم صغيرهم الأول ولن يكون الأخير! اراحت « هبه» جسدها عليه وأغمضت عينيها بـسكينة وراحة باتت رفيقتها منذ أصبحت معه وهمست بـحب:

_ أنا في جنة الأرض صح؟!

شدد « ثائر» من ذراعيه حولها وهمس بـحب مقبلًا أذنيها:

_ لا أنتِ في حضني ومعايا

ادارت جسدها بين ذراعيه لتواجه نظراته التي انعكس عليها شعاع القمر الساقط فأصبحت كنجمة فضية تحرس السماء وامعنت هي النظر بها وهمست بـحب:

_ مهما طال الوقت لن تتوقف دقات مُضغتي عن الهمس باسمك ما دامت أنفاسي تخرج بانتظام

دفن « ثائر» وجهه بعنقها الناعم وهمس بـعشق وهيام:

_ ما دامت عيناي لها الحق بالرؤية لن يقع نظرها على أنثى سواكِ !

توسعت بسمة « هبه» الرقيقة التي ابرزت جمال ملامحها التي توهجت بعدما رحل تشوهها وهمست بعشق:

_ وقعت بين ثناياكَ العميقة وفقدت إرادتي الحرة بـالرحيل وبقيت داخلك أهرب من العالم لكَ ومنك إليكَ كأنني خُلقت منكَ ولكَ

______________________________

لا ندرك فداحة فعلتنا إلا بعدما ينسحب بساط الوقت من اسفلنا وتتوقف دقات الساعة عن المرور، سنُحاسب وبشدة على كل دمعة تسببنا بها لقلبٍ أرهقته كلماتنا التي أعابت خلقه وسخرت من مظهره وتهكمت على هيئته، الخلق للخالق ولا حكم لنا عليه ولا اعتراض علينا به، أنتَ لا تعلم مدى عُمق الجروح الذي تركتها بـروح أحدهم عندما نظرت له نظرة ساخرة أو قللت منه لأنه ربما أقل منك جمالًا! لا تبتهج بـفظاظتك وتعدو في الخلق مرحًا وتفاخر وتنسى أن يوم الحساب ستقف ويقص منك بحق دموعه التي أهدرت على قسوته نظراتك وأفعالك التي رميته بها! ستحاسب بيومٍ لن تجد ما تُقدمه ولا تقرضه! إياكم والسخرية من خلق الخالق....



شظايا الكلمات

تمت
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close