رواية الظل الذي يلاحقني الفصل الثاني 2 بقلم محمد عادل
الفصل الثاني : اصوات الماضي بين جدران العائله
"أحيانآ، في سعينا وراء الحقيقة، نفتح أبوابآ لم يكن من المفترض أن تُفتح، فنكتشف أن الظلام ليس حولنا فقط، بل داخلنا أيضآ، "في رحلة البحث عن الحقيقة، ندرك متأخرين أن بعض الأجوبة ليست سوى لعنة، وأن الظلام الذي نهرب منه قد يكون هو ما شكّلنا منذ البداية."
في قلب منزل العائلة الكبير حيث الجدران تحتفظ بأسرار لا تبوح بها، جلس "آدم" في غرفته التي طالما كانت ملجأه كان يشعر بثقل غريب في الهواء، وكأن الماضي يحاول التسلل إليه من بين الشقوق منذ أن عاد إلى المنزل، أصبحت الليالي طويلة، والذكريات أكثر وضوحآ مما ينبغي.
في منتصف الليل، بينما كان الجميع نائمين، استيقظ "آدم" على صوت خافت قادم من الطابق السفلي خرج من غرفته بحذر، متتبعآ الصوت الذي بدا وكأنه همسات.
عندما وصل إلى غرفة المعيشة، وجد ضوء خافت يتسلل من أسفل باب مكتبة العائلة فتح الباب ببطء ليجد "والده" جالسآ على الأرض ممسكآ بلوحة قديمة.
قال "آدم" بصوت مرتعش: "أبي؟ ماذا تفعل هنا؟"
"الأب" يرفع رأسه ببطء:
"لم أستطع النوم.. هذه اللوحة... كانت تعني الكثير لوالدتك."
اقترب "آدم" ونظر إلى اللوحة كانت تظهر امرأة تقف بجانب نافذة لكنها لم تكن مجرد امرأة كانت "ليلى".
"آدم" بدهشه : "لماذا توجد هذه اللوحة هنا؟ من رسمها؟"
"الأب" بتردد:
"والدتك رسمتها بعد وفاة ليلى وقالت إنها رأت هذا المشهد في حلم وظلت ترسمه مرارآ وتكرارآ.
ثم غادر كلاهما الغرفه إلي مائدة العشاء
جلس" آدم" مع عائلته حول مائدة العشاء، لكن الأجواء كانت مشحونة بالقلق حاول الجميع التظاهر بالهدوء، لكن أعينهم لم تخفِ التوتر الذي سكن قلوبهم كان "آدم" يراقبهم بصمت، يحاول استيعاب ما يحدث قرر أنه لن يترك الأسئلة تحاصره دون إجابة.
"آدم" بعد صمت طويل:
"أريد أن أفهم شيئآ، لماذا ما زالت أشياء ليلى هنا؟ لماذا لم تتخلصوا منها كما أخبرتني؟"
"الأب" يضع كوب الماء على الطاولة بعصبية :
"آدم، لقد ناقشنا هذا من قبل تلك الأشياء لم تكن مهمة بما يكفي لنتخلص منها."
"آدم" بصوت مليء بالريبة :
"لكنها كانت مهمة بالنسبة لي، الرسائل التي وجدتها تقول غير ذلك ليلى كانت تكتب عن أشياء في هذا البيت عن مخاوفها."
"الأم" بنبرة مترددة :
"آدم.. ليلى كانت مريضة لقد كانت تعاني من ضغوط نفسية."
" آدم " بحدة :
"ضغوط نفسية؟! إذاً لماذا شعرت أنكم تخفون شيئآ عنها؟ لماذا لم تخبروني بأي شيء قبل أن..."
(يتوقف عن الكلام وهو يحاول السيطرة على مشاعره).
"نور" محاولة تهدئة الأجواء:
"نحن لا نحاول إخفاء شيء، فقط نحاول مساعدتك لتتجاوز ما حدث."
"آدم" ينظر إليها مباشرة: "تجاوز ماذا؟ لقد تركتموني أعيش في ظلام ليلى.. كتبت عن أشياء غريبة كأنها كانت ترى أشياء تسمع أصوات"
"الأب" يقاطع بصوت مرتفع:
"كفى، آدم هذه مجرد هلوسات، ليلى كانت تعاني من أوهام."
"آدم" بإصرار :
"لكنها ليست مجرد هلوسات في إحدى رسائلها كتبت عن حادثة حدثت هنا، عن شيء في العلية لماذا لم تذكروا ذلك لي؟"
"الأم" تتنهد:
"آدم، نحن لم نكن نريد أن نثقل عليك، العلية كانت دائمآ مكانآ غير مريح لكن ليس هناك شيء خارق أو غريب."
"آدم" يصرخ :
"هذا ليس صحيح أنا عشت مع ليلى لم تكن مجنونة كانت تعرف شيئآ لم تريدوا الحديث عنه "
تسود لحظة من الصمت الثقيل الجميع ينظرون إلى بعضهم البعض وكأنهم يناقشون أمرآ دون كلمات.
"الأب" بهدوء مخيف:
"آدم، أنت لا تعرف كل شيء عن ليلى كانت تحبك، لكنها كانت تحمل ألمآ لا يمكننا فهمه نحن حاولنا حمايتك"
"آدم" مُستغربًا:
"حمايتي من ماذا؟ من الحقيقة؟"
"الأم" بصوت منخفض:
"ليلى كانت تعاني من اضطراب نفسي وكان مرتبطآ بهذا البيت حاولنا مساعدتها، لكن الأمور خرجت عن السيطرة"
"آدم" بحزم : "وما الذي كنتم تخافون منه؟"
"نور" مترددة: ..
"ليلى كانت تذكر أشياء عن البيت عن أصوات تسمعها في الليل لكنها..."
"الأب" مقاطعآ:
"كفى نحن لن نعيد فتح هذا الموضوع ، ليلى رحلت، وهذه نهاية القصة."
ينهض "الأب" بغضب ويغادر الطاولة، تاركآ "آدم" مذهولًا ينظر إلى والدته، التي تهرب بنظراتها إلى طبقها، و"نور" التي تبدو وكأنها تريد التحدث لكنها تخشى ذلك.
"آدم" موجهآ حديثه لنور:
"نور، إن كنتِ تعرفين شيئآ، أخبريني الآن"
"نور" بهمس طفولي:
"ليلى كانت تخبرني أن هناك شخصآ يتحدث معها من العلية قالت إنها كانت ترى أشياء لا يستطيع أحد غيرها رؤيته"
"آدم" مصعوقآ: "ولماذا لم تخبروني؟"
"الأم" بحزن: "لأننا ظننا أنها مجرد أوهام، مثلما قالت الطبيبة "
يشعر "آدم" وكأن الحكاية تأخذ منحى مختلف تمامآ عما كان يتوقع هناك سر في هذا البيت، سر مرتبط بـ "ليلى" وربما به هو أيضآ قرر في تلك اللحظة أنه لن يتوقف حتى يكشف الحقيقة، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة أسوأ مخاوفه.
تراجع " آدم" إلى غرفته بعد العشاء، لكنه لم يستطع النوم ظل مستلقيآ في الظلام، يحدق في السقف، وكل كلمة سمعها خلال النقاش تتردد في رأسه حديث "نور" عن الأصوات والعلية
ونبرة أمه الحزينة، وصوت والده الغاضب كلها كانت تشير إلى شيء مخفي، شيء لا يريد أحد الاعتراف به.
نهض من سريره وألقى نظرة على ساعة الحائط كانت تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل شعر بأن البيت هادئ بشكل غريب قرر أنه لن ينتظر حتى الغد للبحث عن إجابات.
خرج من غرفته بهدوء شديد، حافي القدمين كي لا يصدر أي صوت كان البيت غارقآ في الظلام، والظلال التي تلقيها الأثاث على الجدران بدت وكأنها أشباح صامتة توجه نحو العلية، المكان الذي لم يدخله منذ سنوات طويلة.
عندما وقف أمام باب العلية، شعر بشيء ثقيل في صدره تردد لثوانٍ، لكنه أجبر نفسه على فتح الباب، صعد السلم بحذر، والخشب تحت قدميه يصدر أصوات خافتة عندما وصل إلى الأعلى، أشعل مصباح الجيب الذي كان يحمله، وبدأ في استكشاف المكان.
كانت العلية مليئة بالأغراض القديمة صناديق مغلقة، لوحات مغطاة بالغبار، وكرسي هزاز بدا وكأنه لم يُستخدم منذ عقود بينما كان يتفحص المكان، لفتت نظره لوحة موضوعة في زاوية مظلمة كانت مغطاة بقماش أبيض متسخ.
اقترب منها وسحب القماش بحذر ما رآه جعله يتجمد في مكانه كانت اللوحة تظهر امرأة تشبه "ليلى" إلى حد مخيف كانت تقف في العلية نفسها، لكنها لم تكن وحدها خلفها كان هناك ظل غامض لشخصية لم يستطع تمييز ملامحها، لكنه شعر بأنها مألوفة.
بدأ قلبه ينبض بسرعة من رسم هذه اللوحة؟ ولماذا تشبه "ليلى" إلى هذا الحد؟ أمسك اللوحة بين يديه وبدأ يفحصها بدقة، ليلاحظ شيئآ مكتوبآ في الزاوية السفلية كانت هناك عبارة صغيرة بالكاد يمكن قراءتها .... "لا مفر من الحقيقة"
شعر بشيء يتحرك خلفه التفت بسرعة، لكن العلية كانت فارغة تردد للحظة، ثم قرر النزول باللوحة إلى غرفته عندما وضعها على مكتبه، لاحظ شيئآ غريبآ آخر كان هناك خدش صغير في جانب اللوحة دفعه الفضول إلى محاولة فتح الخدش، ليكتشف أنه يخفي تجويفآ صغيرآ بدا وكأن شيئآ ما مخبأ هناك.
مد يده بحذر وسحب من التجويف ورقة مطوية بعناية فتحها
ليجد رسالة مكتوبة بخط يد "ليلى" .
"آدم، إذا كنت تقرأ هذه الرسالة، فهذا يعني أنك بدأت ترى ما كنت أراه لم أكن مجنونة، كما كانوا يقولون هناك شيء في هذا البيت شيء يريد أن يكشف لك الحقيقة لا تتوقف عن البحث، لكن كن حذرآ ... لأن الحقيقة قد تكون أكثر مما تستطيع احتماله."
سقطت الورقة من يده، وشعر بقشعريرة تجتاح جسده بدأ يسمع همسات خافتة في الغرفة، همسات تكرر نفس الجملة :
"لا مفر من الحقيقة"
"آدم " شعر بأن الغرفة تضيق عليه، وكأن الهواء أصبح ثقيلآ
حمل الورقة مرة أخرى وقرأها مجددآ، محاولًا فك الكلمات والرسائل المخفية من أين جاءت هذه الرسالة؟ ولماذا كانت مخبأة في لوحة قديمة في العلية؟
قرر أن يواجه والديه بما وجده خرج من غرفته حاملاً اللوحة والرسالة، وتوجه نحو غرفة المعيشة، حيث كانت الأنوار لا تزال مضاءة عندما دخل، وجد والده جالسآ أمام التلفاز، بينما كانت والدته تقلب صفحات كتاب قديم.
رفع اللوحة أمامهما وقال بصوت مليء بالغضب والارتباك:
"أريد تفسيرآ، لماذا توجد رسالة من ليلى في العلية؟ ولماذا هذه اللوحة تشبهها؟"
"والده" الذي كان يُظهر دائمآ رباطة جأش، بدا عليه الارتباك لأول مرة نظر إلى اللوحة، ثم إلى الرسالة، ثم وقف ببطء وقال:
"آدم، يجب أن نترك الماضي في مكانه لا فائدة من نبش جروح قديمة."
قاطعه " آدم " بصوت أعلى:
"هذا ليس مجرد ماضي ليلى كانت تحاول أن تقول لي شيئآ هناك شيء مخفي في هذا البيت، وأنتم تعرفون ما هو لا تحاولوا إنكار ذلك."
نظرت والدته إليه بعيون مليئة بالدموع، وقالت بصوت متردد:
"آدم، ليس كل شيء كما يبدو ليلى كانت تعاني كانت ترى أشياء لم تكن حقيقية"
رد "آدم" بغضب:
"إذا كانت أوهامآ، فلماذا تخبئون رسالتها؟ ولماذا تركتم هذه اللوحة هنا؟"
نظر والده إلى والدته بنظرة تشير لاتفاق غير منطوق بينهما و قال:
"حان الوقت لتعرف الحقيقة، آدم تعال معنا"
قاداه إلى المكتبة الصغيرة الموجودة في الطابق الأرضي فتح والده خزانة مغلقة بمفتاح، وأخرج منها صندوق خشبي صغير وضع الصندوق على الطاولة، وفتحه بحذر.
داخل الصندوق كانت هناك صور قديمة لـ "آدم" وهو طفل صغير مع "ليلى" في مراحل مختلفة من حياتها في الصور، كانت تبدو "ليلى" دائمآ شاحبة، وعيناها تحملان نظرة خوف دائم.
قال "والده" بصوت هادئ:
"ليلى لم تكن فقط حب حياتك، كانت جزء من سر أكبر عندما كنتما صغيرين، كانت تعاني من نوبات غريبة كانت ترى أشخاصآ وأشياء لم نرها نحن لكنها لم تكن مجرد أوهام، كانت ترى ذكريات لم تحدث بعد."
قاطعه "آدم" وهو يحدق في الصور:
"ذكريات لم تحدث بعد؟ ماذا تعني بذلك؟"
ردت "والدته" وهي تمسح دموعها:
"ليلى كانت ترى المستقبل أو على الأقل، كانت تدّعي ذلك لكنها لم تكن تعرف الفرق بين الحقيقة والوهم كل مرة كانت ترى شيئآ، كان ينقلب إلى كابوس وعندما حاولنا مساعدتها، أصبحت أكثر انعزالآ، وأكثر خوفآ"
قال "آدم" وهو يشعر بالارتباك أكثر:
"لكنها لم تخبرني شيئآ عن هذا، لماذا؟ ، لماذا لم تقل لي؟"
أجابت "والدته" بصوت مكسور:
"لأنها كانت تخاف أن تفقدك كانت ترى أن مصيركما مرتبط بشيء خطير، الرسالة التي وجدتها الآن ربما تكون دليلًا على أنها أرادت أن تحذرك."
صمت "آدم" للحظات، ثم قال:
"وما علاقة اللوحة بكل هذا؟ لماذا توجد صورة لها مع هذا الظل الغريب؟"
"والده" الذي بدا عليه الحزن والندم، أجاب:
"لا نعرف، تلك اللوحة كانت موجودة هنا قبل أن ننتقل إلى هذا البيت ليلى اكتشفتها في العلية أول مرة، ومنذ ذلك الحين بدأت حالتها تسوء."
شعر "آدم" بأن الأرض تهتز تحت قدميه كل شيء حوله أصبح غير منطقي، لكنه كان يعلم شيئآ واحدآ الإجابات الحقيقية لم تكن هنا بل كانت في مكان أعمق، مكان لم يتجرأ أحد على الوصول إليه.
نظر إلى والديه وقال بحزم:
"إذا كنتم تخافون من الحقيقة، فأنا لا أخاف سأعرف كل شيء، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة ما حاولتم إخفاءه عني طوال هذه السنين."
ثم خرج من الغرفة، تاركآ اللوحة والرسالة خلفه، لكن بداخله نار لا تنطفئ، وقرار لا رجعة فيه، لن يتوقف حتى يكشف السر مهما كلفه الأمر.
"آدم" خرج من المكتبة بخطوات متوترة مُتجهآ نحو غرفته
كان ذهنه مشوشآ، وأفكاره تتصارع كأنها موجات عاصفة، أغلق الباب خلفه وألقى بنفسه على السرير، محدقآ في السقف، الكلمات التي سمعها من والديه كانت تدور في رأسه كدوامة.
"ذكريات لم تحدث بعد، ليلى كانت ترى المستقبل..."
أمسك الرسالة مرة أخرى، وعاد يقرأها، محاولًا إيجاد أي دلالة أو رمز جديد، الكلمات كانت غامضة، لكنها تحمل شعورآ صادقآ بالخوف
"آدم، هناك شيء في المنزل شيء ليس كما يبدو إذا كنت تقرأ هذا، فاعلم أني لم أكن أتوهم ابحث عن الغرفة التي لا أبواب لها."
الغرفة التي لا أبواب لها؟ كيف يمكن أن تكون هناك غرفة بلا أبواب؟
بينما كان يحاول تفسير الرسالة، سمع طرقآ خافتآ على باب غرفته لم يكن الطرق كالمعتاد، بل كان بطيئ ومتقطع، وقف مترددآ، ثم فتح الباب كانت والدته تقف هناك، لكن ملامحها بدت متوترة ومشوشة، وكأنها تخفي شيئآ أكبر مما تستطيع حمله.
قالت بصوت منخفض:
"آدم، أنا أعرف أنك لن تتوقف عن البحث، وأنا... أنا لا ألومك، لكن أريدك أن تعدني بشيء."
رد "آدم" بحذر: .... "اعدك بماذا؟ "
"أعدني أنك ستخبرني بكل شيء تجد فيه، ولا تحاول مواجهة هذا الأمر وحدك."
نظر إليها "آدم" للحظات، ثم قال ببرود:
"كيف أعدك بشيء لا أفهمه؟ أنتم تخفون شيئآ كبيرآ، وأنا سأكتشفه سواء أردتم أم لا."
أخفضت والدته عينيها، ثم قالت:
"إذن... سأخبرك بشيء ربما يساعدك عندما انتقلنا إلى هذا البيت كان هناك جناح مغلق في الطابق السفلي لم نفتح هذا الجناح مطلقآ لأننا وجدنا ملاحظات مكتوبة على جدرانه، كأن أحدهم كان يكتب رسائل لنفسه أو لشيء آخر الرسائل كانت تتحدث عن الغرفة التي لا أبواب لها."
"أحيانآ، في سعينا وراء الحقيقة، نفتح أبوابآ لم يكن من المفترض أن تُفتح، فنكتشف أن الظلام ليس حولنا فقط، بل داخلنا أيضآ، "في رحلة البحث عن الحقيقة، ندرك متأخرين أن بعض الأجوبة ليست سوى لعنة، وأن الظلام الذي نهرب منه قد يكون هو ما شكّلنا منذ البداية."
في قلب منزل العائلة الكبير حيث الجدران تحتفظ بأسرار لا تبوح بها، جلس "آدم" في غرفته التي طالما كانت ملجأه كان يشعر بثقل غريب في الهواء، وكأن الماضي يحاول التسلل إليه من بين الشقوق منذ أن عاد إلى المنزل، أصبحت الليالي طويلة، والذكريات أكثر وضوحآ مما ينبغي.
في منتصف الليل، بينما كان الجميع نائمين، استيقظ "آدم" على صوت خافت قادم من الطابق السفلي خرج من غرفته بحذر، متتبعآ الصوت الذي بدا وكأنه همسات.
عندما وصل إلى غرفة المعيشة، وجد ضوء خافت يتسلل من أسفل باب مكتبة العائلة فتح الباب ببطء ليجد "والده" جالسآ على الأرض ممسكآ بلوحة قديمة.
قال "آدم" بصوت مرتعش: "أبي؟ ماذا تفعل هنا؟"
"الأب" يرفع رأسه ببطء:
"لم أستطع النوم.. هذه اللوحة... كانت تعني الكثير لوالدتك."
اقترب "آدم" ونظر إلى اللوحة كانت تظهر امرأة تقف بجانب نافذة لكنها لم تكن مجرد امرأة كانت "ليلى".
"آدم" بدهشه : "لماذا توجد هذه اللوحة هنا؟ من رسمها؟"
"الأب" بتردد:
"والدتك رسمتها بعد وفاة ليلى وقالت إنها رأت هذا المشهد في حلم وظلت ترسمه مرارآ وتكرارآ.
ثم غادر كلاهما الغرفه إلي مائدة العشاء
جلس" آدم" مع عائلته حول مائدة العشاء، لكن الأجواء كانت مشحونة بالقلق حاول الجميع التظاهر بالهدوء، لكن أعينهم لم تخفِ التوتر الذي سكن قلوبهم كان "آدم" يراقبهم بصمت، يحاول استيعاب ما يحدث قرر أنه لن يترك الأسئلة تحاصره دون إجابة.
"آدم" بعد صمت طويل:
"أريد أن أفهم شيئآ، لماذا ما زالت أشياء ليلى هنا؟ لماذا لم تتخلصوا منها كما أخبرتني؟"
"الأب" يضع كوب الماء على الطاولة بعصبية :
"آدم، لقد ناقشنا هذا من قبل تلك الأشياء لم تكن مهمة بما يكفي لنتخلص منها."
"آدم" بصوت مليء بالريبة :
"لكنها كانت مهمة بالنسبة لي، الرسائل التي وجدتها تقول غير ذلك ليلى كانت تكتب عن أشياء في هذا البيت عن مخاوفها."
"الأم" بنبرة مترددة :
"آدم.. ليلى كانت مريضة لقد كانت تعاني من ضغوط نفسية."
" آدم " بحدة :
"ضغوط نفسية؟! إذاً لماذا شعرت أنكم تخفون شيئآ عنها؟ لماذا لم تخبروني بأي شيء قبل أن..."
(يتوقف عن الكلام وهو يحاول السيطرة على مشاعره).
"نور" محاولة تهدئة الأجواء:
"نحن لا نحاول إخفاء شيء، فقط نحاول مساعدتك لتتجاوز ما حدث."
"آدم" ينظر إليها مباشرة: "تجاوز ماذا؟ لقد تركتموني أعيش في ظلام ليلى.. كتبت عن أشياء غريبة كأنها كانت ترى أشياء تسمع أصوات"
"الأب" يقاطع بصوت مرتفع:
"كفى، آدم هذه مجرد هلوسات، ليلى كانت تعاني من أوهام."
"آدم" بإصرار :
"لكنها ليست مجرد هلوسات في إحدى رسائلها كتبت عن حادثة حدثت هنا، عن شيء في العلية لماذا لم تذكروا ذلك لي؟"
"الأم" تتنهد:
"آدم، نحن لم نكن نريد أن نثقل عليك، العلية كانت دائمآ مكانآ غير مريح لكن ليس هناك شيء خارق أو غريب."
"آدم" يصرخ :
"هذا ليس صحيح أنا عشت مع ليلى لم تكن مجنونة كانت تعرف شيئآ لم تريدوا الحديث عنه "
تسود لحظة من الصمت الثقيل الجميع ينظرون إلى بعضهم البعض وكأنهم يناقشون أمرآ دون كلمات.
"الأب" بهدوء مخيف:
"آدم، أنت لا تعرف كل شيء عن ليلى كانت تحبك، لكنها كانت تحمل ألمآ لا يمكننا فهمه نحن حاولنا حمايتك"
"آدم" مُستغربًا:
"حمايتي من ماذا؟ من الحقيقة؟"
"الأم" بصوت منخفض:
"ليلى كانت تعاني من اضطراب نفسي وكان مرتبطآ بهذا البيت حاولنا مساعدتها، لكن الأمور خرجت عن السيطرة"
"آدم" بحزم : "وما الذي كنتم تخافون منه؟"
"نور" مترددة: ..
"ليلى كانت تذكر أشياء عن البيت عن أصوات تسمعها في الليل لكنها..."
"الأب" مقاطعآ:
"كفى نحن لن نعيد فتح هذا الموضوع ، ليلى رحلت، وهذه نهاية القصة."
ينهض "الأب" بغضب ويغادر الطاولة، تاركآ "آدم" مذهولًا ينظر إلى والدته، التي تهرب بنظراتها إلى طبقها، و"نور" التي تبدو وكأنها تريد التحدث لكنها تخشى ذلك.
"آدم" موجهآ حديثه لنور:
"نور، إن كنتِ تعرفين شيئآ، أخبريني الآن"
"نور" بهمس طفولي:
"ليلى كانت تخبرني أن هناك شخصآ يتحدث معها من العلية قالت إنها كانت ترى أشياء لا يستطيع أحد غيرها رؤيته"
"آدم" مصعوقآ: "ولماذا لم تخبروني؟"
"الأم" بحزن: "لأننا ظننا أنها مجرد أوهام، مثلما قالت الطبيبة "
يشعر "آدم" وكأن الحكاية تأخذ منحى مختلف تمامآ عما كان يتوقع هناك سر في هذا البيت، سر مرتبط بـ "ليلى" وربما به هو أيضآ قرر في تلك اللحظة أنه لن يتوقف حتى يكشف الحقيقة، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة أسوأ مخاوفه.
تراجع " آدم" إلى غرفته بعد العشاء، لكنه لم يستطع النوم ظل مستلقيآ في الظلام، يحدق في السقف، وكل كلمة سمعها خلال النقاش تتردد في رأسه حديث "نور" عن الأصوات والعلية
ونبرة أمه الحزينة، وصوت والده الغاضب كلها كانت تشير إلى شيء مخفي، شيء لا يريد أحد الاعتراف به.
نهض من سريره وألقى نظرة على ساعة الحائط كانت تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل شعر بأن البيت هادئ بشكل غريب قرر أنه لن ينتظر حتى الغد للبحث عن إجابات.
خرج من غرفته بهدوء شديد، حافي القدمين كي لا يصدر أي صوت كان البيت غارقآ في الظلام، والظلال التي تلقيها الأثاث على الجدران بدت وكأنها أشباح صامتة توجه نحو العلية، المكان الذي لم يدخله منذ سنوات طويلة.
عندما وقف أمام باب العلية، شعر بشيء ثقيل في صدره تردد لثوانٍ، لكنه أجبر نفسه على فتح الباب، صعد السلم بحذر، والخشب تحت قدميه يصدر أصوات خافتة عندما وصل إلى الأعلى، أشعل مصباح الجيب الذي كان يحمله، وبدأ في استكشاف المكان.
كانت العلية مليئة بالأغراض القديمة صناديق مغلقة، لوحات مغطاة بالغبار، وكرسي هزاز بدا وكأنه لم يُستخدم منذ عقود بينما كان يتفحص المكان، لفتت نظره لوحة موضوعة في زاوية مظلمة كانت مغطاة بقماش أبيض متسخ.
اقترب منها وسحب القماش بحذر ما رآه جعله يتجمد في مكانه كانت اللوحة تظهر امرأة تشبه "ليلى" إلى حد مخيف كانت تقف في العلية نفسها، لكنها لم تكن وحدها خلفها كان هناك ظل غامض لشخصية لم يستطع تمييز ملامحها، لكنه شعر بأنها مألوفة.
بدأ قلبه ينبض بسرعة من رسم هذه اللوحة؟ ولماذا تشبه "ليلى" إلى هذا الحد؟ أمسك اللوحة بين يديه وبدأ يفحصها بدقة، ليلاحظ شيئآ مكتوبآ في الزاوية السفلية كانت هناك عبارة صغيرة بالكاد يمكن قراءتها .... "لا مفر من الحقيقة"
شعر بشيء يتحرك خلفه التفت بسرعة، لكن العلية كانت فارغة تردد للحظة، ثم قرر النزول باللوحة إلى غرفته عندما وضعها على مكتبه، لاحظ شيئآ غريبآ آخر كان هناك خدش صغير في جانب اللوحة دفعه الفضول إلى محاولة فتح الخدش، ليكتشف أنه يخفي تجويفآ صغيرآ بدا وكأن شيئآ ما مخبأ هناك.
مد يده بحذر وسحب من التجويف ورقة مطوية بعناية فتحها
ليجد رسالة مكتوبة بخط يد "ليلى" .
"آدم، إذا كنت تقرأ هذه الرسالة، فهذا يعني أنك بدأت ترى ما كنت أراه لم أكن مجنونة، كما كانوا يقولون هناك شيء في هذا البيت شيء يريد أن يكشف لك الحقيقة لا تتوقف عن البحث، لكن كن حذرآ ... لأن الحقيقة قد تكون أكثر مما تستطيع احتماله."
سقطت الورقة من يده، وشعر بقشعريرة تجتاح جسده بدأ يسمع همسات خافتة في الغرفة، همسات تكرر نفس الجملة :
"لا مفر من الحقيقة"
"آدم " شعر بأن الغرفة تضيق عليه، وكأن الهواء أصبح ثقيلآ
حمل الورقة مرة أخرى وقرأها مجددآ، محاولًا فك الكلمات والرسائل المخفية من أين جاءت هذه الرسالة؟ ولماذا كانت مخبأة في لوحة قديمة في العلية؟
قرر أن يواجه والديه بما وجده خرج من غرفته حاملاً اللوحة والرسالة، وتوجه نحو غرفة المعيشة، حيث كانت الأنوار لا تزال مضاءة عندما دخل، وجد والده جالسآ أمام التلفاز، بينما كانت والدته تقلب صفحات كتاب قديم.
رفع اللوحة أمامهما وقال بصوت مليء بالغضب والارتباك:
"أريد تفسيرآ، لماذا توجد رسالة من ليلى في العلية؟ ولماذا هذه اللوحة تشبهها؟"
"والده" الذي كان يُظهر دائمآ رباطة جأش، بدا عليه الارتباك لأول مرة نظر إلى اللوحة، ثم إلى الرسالة، ثم وقف ببطء وقال:
"آدم، يجب أن نترك الماضي في مكانه لا فائدة من نبش جروح قديمة."
قاطعه " آدم " بصوت أعلى:
"هذا ليس مجرد ماضي ليلى كانت تحاول أن تقول لي شيئآ هناك شيء مخفي في هذا البيت، وأنتم تعرفون ما هو لا تحاولوا إنكار ذلك."
نظرت والدته إليه بعيون مليئة بالدموع، وقالت بصوت متردد:
"آدم، ليس كل شيء كما يبدو ليلى كانت تعاني كانت ترى أشياء لم تكن حقيقية"
رد "آدم" بغضب:
"إذا كانت أوهامآ، فلماذا تخبئون رسالتها؟ ولماذا تركتم هذه اللوحة هنا؟"
نظر والده إلى والدته بنظرة تشير لاتفاق غير منطوق بينهما و قال:
"حان الوقت لتعرف الحقيقة، آدم تعال معنا"
قاداه إلى المكتبة الصغيرة الموجودة في الطابق الأرضي فتح والده خزانة مغلقة بمفتاح، وأخرج منها صندوق خشبي صغير وضع الصندوق على الطاولة، وفتحه بحذر.
داخل الصندوق كانت هناك صور قديمة لـ "آدم" وهو طفل صغير مع "ليلى" في مراحل مختلفة من حياتها في الصور، كانت تبدو "ليلى" دائمآ شاحبة، وعيناها تحملان نظرة خوف دائم.
قال "والده" بصوت هادئ:
"ليلى لم تكن فقط حب حياتك، كانت جزء من سر أكبر عندما كنتما صغيرين، كانت تعاني من نوبات غريبة كانت ترى أشخاصآ وأشياء لم نرها نحن لكنها لم تكن مجرد أوهام، كانت ترى ذكريات لم تحدث بعد."
قاطعه "آدم" وهو يحدق في الصور:
"ذكريات لم تحدث بعد؟ ماذا تعني بذلك؟"
ردت "والدته" وهي تمسح دموعها:
"ليلى كانت ترى المستقبل أو على الأقل، كانت تدّعي ذلك لكنها لم تكن تعرف الفرق بين الحقيقة والوهم كل مرة كانت ترى شيئآ، كان ينقلب إلى كابوس وعندما حاولنا مساعدتها، أصبحت أكثر انعزالآ، وأكثر خوفآ"
قال "آدم" وهو يشعر بالارتباك أكثر:
"لكنها لم تخبرني شيئآ عن هذا، لماذا؟ ، لماذا لم تقل لي؟"
أجابت "والدته" بصوت مكسور:
"لأنها كانت تخاف أن تفقدك كانت ترى أن مصيركما مرتبط بشيء خطير، الرسالة التي وجدتها الآن ربما تكون دليلًا على أنها أرادت أن تحذرك."
صمت "آدم" للحظات، ثم قال:
"وما علاقة اللوحة بكل هذا؟ لماذا توجد صورة لها مع هذا الظل الغريب؟"
"والده" الذي بدا عليه الحزن والندم، أجاب:
"لا نعرف، تلك اللوحة كانت موجودة هنا قبل أن ننتقل إلى هذا البيت ليلى اكتشفتها في العلية أول مرة، ومنذ ذلك الحين بدأت حالتها تسوء."
شعر "آدم" بأن الأرض تهتز تحت قدميه كل شيء حوله أصبح غير منطقي، لكنه كان يعلم شيئآ واحدآ الإجابات الحقيقية لم تكن هنا بل كانت في مكان أعمق، مكان لم يتجرأ أحد على الوصول إليه.
نظر إلى والديه وقال بحزم:
"إذا كنتم تخافون من الحقيقة، فأنا لا أخاف سأعرف كل شيء، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة ما حاولتم إخفاءه عني طوال هذه السنين."
ثم خرج من الغرفة، تاركآ اللوحة والرسالة خلفه، لكن بداخله نار لا تنطفئ، وقرار لا رجعة فيه، لن يتوقف حتى يكشف السر مهما كلفه الأمر.
"آدم" خرج من المكتبة بخطوات متوترة مُتجهآ نحو غرفته
كان ذهنه مشوشآ، وأفكاره تتصارع كأنها موجات عاصفة، أغلق الباب خلفه وألقى بنفسه على السرير، محدقآ في السقف، الكلمات التي سمعها من والديه كانت تدور في رأسه كدوامة.
"ذكريات لم تحدث بعد، ليلى كانت ترى المستقبل..."
أمسك الرسالة مرة أخرى، وعاد يقرأها، محاولًا إيجاد أي دلالة أو رمز جديد، الكلمات كانت غامضة، لكنها تحمل شعورآ صادقآ بالخوف
"آدم، هناك شيء في المنزل شيء ليس كما يبدو إذا كنت تقرأ هذا، فاعلم أني لم أكن أتوهم ابحث عن الغرفة التي لا أبواب لها."
الغرفة التي لا أبواب لها؟ كيف يمكن أن تكون هناك غرفة بلا أبواب؟
بينما كان يحاول تفسير الرسالة، سمع طرقآ خافتآ على باب غرفته لم يكن الطرق كالمعتاد، بل كان بطيئ ومتقطع، وقف مترددآ، ثم فتح الباب كانت والدته تقف هناك، لكن ملامحها بدت متوترة ومشوشة، وكأنها تخفي شيئآ أكبر مما تستطيع حمله.
قالت بصوت منخفض:
"آدم، أنا أعرف أنك لن تتوقف عن البحث، وأنا... أنا لا ألومك، لكن أريدك أن تعدني بشيء."
رد "آدم" بحذر: .... "اعدك بماذا؟ "
"أعدني أنك ستخبرني بكل شيء تجد فيه، ولا تحاول مواجهة هذا الأمر وحدك."
نظر إليها "آدم" للحظات، ثم قال ببرود:
"كيف أعدك بشيء لا أفهمه؟ أنتم تخفون شيئآ كبيرآ، وأنا سأكتشفه سواء أردتم أم لا."
أخفضت والدته عينيها، ثم قالت:
"إذن... سأخبرك بشيء ربما يساعدك عندما انتقلنا إلى هذا البيت كان هناك جناح مغلق في الطابق السفلي لم نفتح هذا الجناح مطلقآ لأننا وجدنا ملاحظات مكتوبة على جدرانه، كأن أحدهم كان يكتب رسائل لنفسه أو لشيء آخر الرسائل كانت تتحدث عن الغرفة التي لا أبواب لها."