رواية اذناب الماضي الفصل الثاني 2 بقلم روز امين
🔹الفصل الثاني 🔹
«أذنابُ الماضي»
#_أنا لها شمس الجزء الثاني،بقلمي روز آمين
هذه الروايه مسجلة حصرياً بإسمي روز آمين
وممنوع نقلها لأية مدونة أو موقع أو صفحات أخري ومن يفعل ذلك قد يعرض حالة للمسائلة القانونية
__________________________
+
مازلتُ أجالسُ النجوم كل ليلةٍ وأنتظرُ منك رسالةٌ مسائية مُعطرة، تخبرني فيها أني لازلتُ أميرةُ أحلامك كما كنت دومًا تلقبني، لازالتُ أحلامي الوردية تتراقصُ من حولي وتخبرني بأني ملكت فؤادك وبأن عشقي بقلبكَ مازال متوغلٌ،لكني حين يشتدُ بي حنيني الجارفُ ولا أجدك،تشتعلُ ناري وأقسم بأن أنهيك داخلي، فإذ بي أعودُ وأبدأ فيكَ من جديد.
«بيسان ماجد»
بقلمي
«روز أمين»
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
+
بالقاهرة الكبرى
وسط مسكن صغير مكون من حجرتين وردهةٍ صغيرةٍ جدًا وحمامًا وحجرة صغيرة لإعداد الطعام، بداخلها عدة أواني وبعض الأجهزة البسيطة جدًا والبدائية حيث تستطيعُ سيدة المنزل بالكاد أن تصنع من خلالها الطعام، كانت تقف سيدة المنزل تعد لزوجها وأولادها ما تيسر لديها من بعض حبوب العدس لتطهوه كي يسد جوعهم، فقد أصبحت الحياة صعبة بالنسبة لهم في ظل غلاء الأسعار الفاحش الذي اجتاح العالم أجمع، استمعت إلى صوت طرقاتٍ فوق الباب، اتجهت صوبهُ لتفتحهُ بنفسها فزوجها بالعمل ونجلها وشقيقتيه بدوام دراستهم، إتسعت عينيها وهي ترى تلك الـ "إيثار" تقف أمامها بهيئة مبهرة، ثيابًا عصرية رائعة تتناسبُ مع حجابها وحشمتها، وإشراقة وجهٍ تدلُ على حياتها المرفهة وسعادتها مع زوجها وعائلتها الجديدة، أما الأخرى فقد فغر فاهها وهي ترى حال تلك الـ"مروة"وقد تبدد على الأخير، فقد ظهر بوجهها خطوتًا وعلامات تقدم السن وتاه جمالها بزحمة السنوات، ناهيك عن ملابسها المهترئة التي تدل على ضيق الحال، تألم قلبها كثيرًا ليخرج صوتها مع ابتسامة مصاحبة لجميلة الروح والخُلق تلك:
-إزيك يا "مروة"... قالتها بأنفاسٍ لاهثة لصعودها قدمًا على درجات سُلم البناية لخمسة من الأدوار، وذلك لعدم وجود مصعد كهربائيّ
+
-"إيثار"؟!... نطقت إسمها باندهاشٍ، فمنذ أن أتت بصحبة زوجها وأنجالهما الثلاثة وزينة إلى القاهرة لم تفكر بزيارتهم ولو لمرة واحدة برغم أن" مروة" عثرت على رقم الهاتف الخاص بها من خلال "نوارة" وهاتفتها كي تُحضر "يوسف" لزيارة شقيقته كي لا يكبرا بالعمر وهما يجهلان وجود كلاهما للأخر، لكن الأخرى تغاضت عن الأمر وفضلت الإبتعاد وطي صفحة الماضي بالنسيان كي تنأى بصغيرها وتبعدها عن الماضي برمته، ابتسمت لتسألها وهي تُشير للداخل:
-هتسبيني واقفة على الباب كتير ولا إيه يا بنت الأصول؟
انتبهت لتستفيق من ذهولها لتشير لها:
-لا إزاي، إتفضلي يا أم يوسف
+
أشارت إيثار لأحد الحراس الملازم لها وتحدثت وهي تُشير إلى الطاولة:
-حط الحاجة اللي في إيدك وإنزل مع الحراسة تحت يا سامي
+
-هستنى حضرتك قدام الباب... قالها الرجل بناءًا على تعليمات فؤاد فرضخت ليخرج هو وتغلق خلفه تلك الـ"مروة" لتتناقل النظر بين تلك الواقفة وبين الأكياس وهي تقول باستغراب ناتج عن تعففها:
-إيه الشنط اللي إنتِ جايباها دي كلها يا إيثار؟!
+
نطقت بهدوء وهي تتحرك إلى الأريكة لتريح ساقيها من صعود الدرج:
-دي حاجة بسيطة للأولاد يا "مروة"
+
-حسين لو عرف هيزعل... قالتها بحزنٍ لتجيبها الأخرى كي تخفف من وطأة خجلها:
-وليه يزعل، هما مش ولاد عم يوسف ومن حقهم عليا إني أهاديهم بحبة حلويات؟
ابتلعت الأخرى لعابها ثم تحدثت وهي تُشير على الأثاث المتهالك:
-معلش يا إيثار، البيت مش قد المقام.
+
-ومن إمتى كنا بنقيم مقاماتنا بالبيوت والفرش يا "مروة"...لتتابع بحنينٍ إلى ماضيٍ رحل وتبقى أثرهُ الطيب بحنايا القلب مستوطنًا:
-أبويا الله يرحمه كان راجل على قد حاله، وبيتنا كان بسيط جدًا، ومع ذلك كان مقامه قد الدنيا كلها، كفاية إنه عاش عفيف النفس ومات شريف
تنهدت لتتابع بحكمة:
- البيوت بتتغير والدنيا دوارة يا"مروة"، لا اللي فوق بيثبت على حاله ولا اللي تحت بيفضل مكانه.
أخرجت الأخرى تنهيدة حارة لتنطق بألم:
-عندك حق، وحالي أنا وحسين أكبر مثال على كده، بعد العز اللي شوفته في بيت أبويا وبعدها في بيت جوزي
تنهدت بحسرة لتُشير بكفيها ومقلتيها تدور على ما حولها وهي تقول ببسمة ساخرة:
-شوفي بعينك الحال وصل بيا لفين
+
قطبت الأخرى جبينها لتسألها بفضولٍ واستغراب:
-إلا قولي لي يا مروة، هو إزاي بباكِ وإخواتك سايبينك بالشكل ده؟!
+
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنطق بألمٍ ينخر بقلبها:
-أبويا أتوفى من عشر سنين
+
بمشاعرٍ حزينة نطقت:
-البقاء لله يا حبيبتي، الله يرحمه
+
شكرتها بعينيها لتتابع بإبانة:
-الله يرحمه كان بيساعدني ويبعت لي كل شهر اللي يسترني أنا وجوزي وعيالي
لتتابع بحزنٍ عميق:
-بس من يوم ما مات إخواتي الرجالة طمعوا في حقي، حرموني من ورثي، وبقيت زي ما أنتِ شايفة، عايشة محووجة وأنا ليا ورث يعيشني ملكة
+
هزت رأسها لتنفض من مخيلتها تلك الأفكار التي أرقت حياتها لسنواتٍ طوال، نظرت لتلك المتأثرة لتسأل بابتسامة خافتة:
-لسه بتشربي الشاي بنص معلقة سكر ولا غيرتي؟
أشارت بجوارها وهي تقول:
-سيبك من الشاي وتعالي إقعدي جنبي، عاوزة أتكلم معاكِ في موضوع مهم
+
نطقت باصرار:
-هعمل لنا كوبايتين شاي نشربهم الأول، ومتخافيش، أنا حاجتي نظيفة وزي الفل
قالت بعتابٍ بسيط:
-الله يسامحك يا مروة، إنتِ فكراني قرفانة؟
تحركت إلى حجرة تجهيز الطعام وبعد قليل خرجت لتجاورها الجلوس بعدما ناولتها كأس مشروبها، ارتشفت بعضًا منه ثم طالعتها لتنطق باستمتاع:
-تسلم إيدك
-خير يا إيثار!...قالتها بنظراتٍ مترقبة لتتابع:
-قولي اللي خلاكِ تفتكرينا بعد كل السنين دي وتيجي تدقي على بابنا
+
طالعتها بنظراتٍ متألمة لتقول بكلماتٍ ذات مغزى:
-أنا عارفة إني قصرت في حقكم كتير، كنت فاكرة إني بكده بحمي إبني وببعد بيه عن الماضي
لتسترسل بنبرة خائبة:
-بس طلعت غلطانة، وعلى قد ما بعدت بيه وخبيته جوة ضلوعي، أول ما كبر خرج من حضني وراح للماضي برجليه
+
كانت تستمع إليها بتمعنٍ تحاول فهم كلماتها المبهمة بعض الشيء، بالنهاية فهمت مقصدها لتقول بهدوء:
-أنا عارفة إنك زعلانة على اللي عمله يوسف، بس والله يا إيثار إحنا ما لينا أي ذنب في اللي حصل، أنا وعمه إتكلمنا معاه كتير علشان يسيب أخته عايشة معانا بس هو مسمعش لحد، هو كان جاي ومقرر
ثم تابعت بنبرة صادقة:
-إوعي تكوني فاكرة إن فراق زينة كان هين عليا، دي كانت زي بناتي بالظبط وربنا يعلم إني إتقيت الله فيها، وعمري ما فرقت بينها وبين عيالي لا في أكل ولا لبس ولا حتى في الحنية.
+
-ربنا يجازيكِ عنها خير يا مروة، إنتِ أثبتي إنك ست أصيلة بجد، وقفتي جنب جوزك في أزمته وسندتيه زي الرجالة
+
-حسين يستاهل يا إيثار... قالتها بعينين مليئة بالحنان لزوجها، تحدثت الأخرى بذات مغزى:
-مهو أنا جاية النهاردة علشان حسين طيب ويستاهل
+
ضيقت بين عينيها بعدم استيعاب لتتابع الأخرى بإيضاح:
-أنا جاية أعرض على حسين شغل في شركة إستثمارية كبيرة، طلبت من مدير الشركة شخصيًا وظيفة محترمة تناسب مؤهلاته،والراجل مشكورًا كلمني إمبارح والمرتب محترم جدًا
تهلل وجه المرأة ورقص قلبها حين شعرت بالإنفراجة لتستطرد الأخرى معللة:
-أنا طبعًا كان نفسي أعينه معايا في الشركة، بس إنتِ عارفة موقفي كويس
قاطعتها لترفع عنها الحرج:
-أنا عارفة إن الموضوع محرج بالنسبة لك قدام جوزك، يعني علشان "حسين" يبقى أخو "عمرو"
وابتسمت بحبورٍ ظهر بعينيها وهي تقول بامتنانٍ:
-كتر ألف خيرك يا "إيثار"، ربنا يسترك زي ما هتسترينا
+
ربتت على كفها وبادلتها الإبتسامة ثم سألتها بترقبٍ أرادت بهِ معرفة أي معلومة تخص ذاك الهارب كي يطمئن قلبها أنه لن يعود من جديد لأذيتها هي وصغارها من" فؤاد":
-مروة، هو"عمرو"ما بيكلمش"حسين" ولا حتى بيحاول يساعدكم بفلوس؟
+
طالعتها الأخرى وقبل أن تنطق تابعت إيثار من جديد كي لا تثير الشكوك حول تساؤلها:
-فلوس لبنته أقصد.
ابتسمت ساخرة لتقول بنبرة متهكمة:
-وهو من إمتى كان عامل زينة على إنها بنته علشان يفتكرها الوقت
أشاحت بكفها لتُكمل:
-مفيش غير مرة واحدة من ييجي أربع سنين بعت عشر ألاف دولار مع واحد كده لابس بدلة، بس حسين مرضاش ياخدهم منه، وطلب من الراجل إنه يتصل بيه علشان يطمن عليه ولا حتى يديه رقمه وهو يبقى يكلمه، بس الراجل كان لئيم ومتوصي، قاله أنا معرفش أي حاجة ولا أعرف مين "عمرو"، أنا بشتغل عند محامي كبير وهو اللي إداني العنوان ده وقالي أسلمهم للأستاذ"حسين" وأقول له إن أخوه"عمرو" هو اللي باعتهم
ثم أكملت بإبانة:
-"حسين" نفسه عفيفة قوي يا "إيثار"، ومهما كنا محتاجين بس هو مبيقبلش علينا قرش واحد حرام، وفلوس عمرو كلها من بيع الاثار والسلاح اللي كان بيبيعهم قبل العملية الأخيرة اللي البوليس طب عليهم فيها، " حسين" إتغير قوي وقرب من ربنا، مبقاش إبن نصر البنهاوي و"إجلال" بنت ااحاج"ناصف"
+
أومأت لها لتتابع الأخرى حديثها بخجلٍ ملئ عينيها:
-وإذا كان على الشهرية اللي يوسف بيبعتها له، هو بينه وبين نفسه معتبره دين وهنرده إن شاء الله، لما "أحمد" إبني يتخرج ويشتغل، هو في أخر سنة كلية التربية
+
قالتها بلهفة وعينين يملؤهما الأمل لتطالعها الأخرى بجبينٍ مقطب متسائلة:
-شهرية إيه اللي بتتكلمي عنها يا مروة؟!
لتتابع بصدقٍ لعدم إخبار "يوسف" لها بذاك الأمر كي يحفظ ماء وجه عمه:
-يوسف مقاليش على أي حاجة، وحتى لو بيساعد عمه، ده لا يقلل منكم ولا هيزود من "يوسف" لأن ده شيء واجب عليه، في النهاية إنتوا أهله والأهل واجب عليهم يقفوا مع بعض
إتسعت ابتسامة الاخرى ثم تحدثت بفخرٍ:
-ماشاء الله عليكِ يا "إيثار"، ربيتي راجل بجد، ربنا يخليهولك وتشوفيه عريس قد الدنيا.
+
-متشكرة يا مروة...وقفت ثم أخرجت من حقيبتها بطاقة تعريفية لتقول وهي تناولها إياها:
-إبقي بلغي حسين بكلامي وإدي له الكارت ده وخليه يروح على العنوان، وأول ما يقول لهم إسمه هيدخلوه للمدير ويستلم الشغل على طول.
+
-طب إقعدي معايا شوية كمان، ده احنا حتى لسه مشربناش الشاي...قالتها بحنين لتنطق متحمسة:
-ولا اقول لك، إقعدي لحد ما اجهز غدا ويكون حسين والعيال رجعوا من برة وناكل مع بعض كلنا، وأهو بالمرة تتعرفي عليهم، ده أحمد اسم الله بقى راجل، والبنتين زي القمر
+
أجابتها بابتسامة هادئة:
-مرة تانية أكون عاملة حسابي إني هتأخر، أنا واخدة ساعتين راحة من الشركة وراجعة تاني علشان أكمل شغلي
+
بنبرة متأثرة تحدثت تلك الجميلة:
-إبقى زوريني وخليني أشوفك يا إيثار، متقطعيش بيا وتنسيني.
+
أمسكت كفها لتتطلع عليها بنظراتٍ متأثرة:
-حاضر يا مروة، هبقى أجي لك تاني
+
أشارت إلى الأكياس لتقول بابتسامة هادئة:
-مفيش داعي تعملي غدا، أنا جايبة للولاد غذا جاهز معايا
شعرت مروة بالخجل لتعجل الأخرى مفسرة بملاطفة كي تزيل عنها ذاك الشعور المرير:
-كنت عارفة إني هأخرك في الكلام ومش هتلحقي تجهزي حاجة للولاد
أقبلت عليها لتتبادلا القبلات وهي تقول:
-أشوفك بخير يا مروة
-مع السلامة يا إيثار،إبقي بوسي لي الاولاد...قالتها بتأثرٍ لتودعها ثم تحركت لتتفحص الإكياس بعدما أغلقت الباب خلفها،تبسمت بخفة حين وجدت عدة عُلب كرتونية تحتوي على تلك الشطائر المحببة لدى الشباب"البيتزا"، وبعض الأكياس محملة بعلب الدجاج المقرمش مع أصابع البطاطا المقلية،وبعضًا من الحلوى والفاكهة مما أسعد قلب تلك الأم مما ستجلبهُ تلك الأشياء من سعادة على قلوب أحبائها.
+
اما إيثار فقد شعرت بالراحة بعدما رفعت المعاناة بذاك التصرف عن كاهل نجلها من عبيء عمه، فمنذ أن علم يوسف بسوء حال أسرة عمه وهو حزينًا ويشعر بالعجز تجاهه، فقررت هي أن تبحث عن فرصة عمل وتهديها إلى حسين وبذلك يهدأ بال حبيبها ويغلق ذاك الباب.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بإحدى شوارع القاهرة
كان ذاهبًا إلى جامعة القاهرة لحضور إحدى محاضراته، يقود سيارته الفارهة ماركة «بي إم دبليو» التي أهداها له فؤاد بذكرى ميلادهُ العام الماضي، وعندما قرر الرحيل تركها بالجراچ الخاص بقصر علام زين الدين ورحل، مما أحزن قلب فؤاد عندما شعر بأن الفتى بذاك التصرف تنصل من ابوتهُ التي طالما شعر بها تجاههُ وتنحى عنه بلحظة،أخذها باليوم التالي وذهب إليه ليطلب منه أن يحتفظ بها لكي لا يشعرهُ بالتخلي عنه، استسلم الشاب أمام توسلات عينين من طالما اعتبرهُ والدهُ وعاش كامل طفولتهُ ومراهقته داخل كنفهُ وبات يناديهِ بأبي
+
تذكر أيضًا ذاك الخلوق علام وما عاشهُ بصحبته، تلك المشاعر النبيلة التي افتقدها منذ أن اتخذ قرار ترك المنزل لينأى بحاله من تلك النظرات الجالدة والمقللة من شأنه التي بات يتلقاها كل يوم من ذاك الـ"ماجد"، وكأنهُ كان يراهن على كرامة الشاب وحفظه لماء وجهه، وبالفعل حدث ما خطط له لكي يُبعده عن ابنته الشابة التي تمردت على أبيها ورفضت دخول كلية الحقوق كما تمنت وخطط لها "ماجد" دومًا، لكي يراها بيومٍ من الأيام شامخة ذات منصب شبيه بخالها وجدها الشامخ سيادة المستشار "علام زين الدين" العضو البارز بالمحكمة الدستورية العريقة، لكن الفتاة أبت وأصرت على عدم التقديم بتلك الجامعة بعد أن فقد رفيق درب طفولتها وحياتها وحبيبها الأمل في الالتحاق بحلم حياته،وأصرت على الالتحاق بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية رغم غضب أبيها العارم لدرجة أنه وصل لمقاطعتها بالحديث والجلوس معها بمكانٍ واحد، وبرغم تضحيتها الكبيرة لأجله إلا أنهُ تركها وتخلى عن غرامها الكبير لأجل صيانة كرامته وحفظ ماء وجههِ أمام الجميع، تخطى عشقه ودعس على قلبه وكل ذاك بفضل «أذنابُ ماضٍ لم يكن يومًا بفاعله».
4
شعر بحنين قلبهِ الملتاع من فراق ذاك الحنون «علام زين الدين» أخرج الهاتف الجوال واستقر على رقمه ليضغط زِر الإتصال، كان جالسًا بمكتبهِ الخاص بالعمل،يحتسي قهوته بمذاقها المحبب لديه،أمسك هاتفهُ الخاص لينظر من خلف نظارته الطبية كي يكشف عن شخصية المتصل، شعر بنغزة قوية اقتحمت قلبه حين رأى نقش اسم من اتخذهُ حفيدًا له وامتلك حيزًا ليس بالقليل من قلبه
توقفت يده عن ضغط زر الإجابة ككل مرة،فمن اليوم الذي ترك يوسف به المنزل منذ أكثر من شهرين وهو يحاول جاهدًا أن يتصل به دون فائدة،فقد اتخذ علام موقفًا بعدم الإجابة ردًا على قرار تركه للمنزل دون إرادته،إنتهى زمن المكالمة وكما المعتاد مؤخرًا لم يجد إجابة،تنهد بألم وتابع مراقبة الطريق مع استماعه لموسيقى شبابية، بعد مرور بضعة دقائق قليلة لا تتعدى الثلاث استمع لرنين هاتفه فنظر به وإذ ببؤبؤُ عينيه يتسعُ على مصراعيه وهو يرى اسم عزيز العين ذاك الفاضل،ضغط سريعًا على سماعة البلوتوث الموضوعة بأذنه ليجيب متلهفًا:
-إزيك يا جدو
-لو كنت معتبرني جدك بجد يا "يوسف"مكنتش فارقتني، وخصوصًا إنك عارف غلاوتك عندي
توقف بسيارته ليصفها جانبًا بعدما شعر بغصة ذاك النبيل من نبرة صوتهِ المتأثرة،نطق بصوتٍ أظهر كم حزنه الساكن قلبه:
-غصب عني والله يا حبيبي
واسترسل بتمني غفران ذاك الراقي لما اقترفهُ من ذنبٍ بحقه:
-أنا كنت معتمد على حضرتك إنك الوحيد اللي هتفهمني وتعذرني، وتحاول تهدى ماما وتقنعها إني أخدت القرار الصح
+
زفرة قوية خرجت من صدره، من داخله متيقنًا بصحة ما فعلهُ يوسف ولو لم يتصرف هكذا لشك بتربيته له، وحزن كثيرًا على ما أضاعهُ من وقتٍ بتهذيب سلوكه وتقويمه وتربيته على الاسس السليمة والمباديء الصحيحة، لكنه بالوقت ذاته حزينًا وقلبه يتألم لابتعاد من احتضنهُ لسنواتٍ واعتاد على وجوده معه، نطق أخيرًا بعد صراعاتٍ نفسية عنيفة وقد استقر على مسامحته:
-خلاص يا يوسف،اللي حصل حصل، وعتابنا فات وقته
بنبرة متلهفة سألهُ عندما شعر بلين حديثه:
-يعني حضرتك سامحتني وخلاص مش زعلان مني؟
+
ابتسم للهفة ذاك الحبيب في السؤال ليجيبه بمراوغة:
-هسامحك في حالة واحدة
-إيه هي؟... قالها بعجلة لينطق الاخر:
-تجيب أختك وتيجوا تقضوا اليوم معانا بعد بكرة، اللي هو يوم الجمعة
واسترسل بإنسانية كعادته:
-على الأقل تعرفها على عيلتك وإحنا كمان نتعرف عليها
+
شعر بتردده لصمته المفاجيء ليتابع علام بحدة وصرامة:
-لو مجتش بعد بكرة يا يوسف، تنسى إن ليك جد إسمه علام، ورقمي تحذفه من عندك.
كلماتٍ نطقها بحزمٍ لتيقنهُ رفض الأخر،فتحدث كي يستجدي رضاهُ عليه:
-حاضر يا جدو
سعد داخل ذاك السامي لينطق بما أسعد قلب الأخر:
-متنساش تجيب لي معاك بسبوسة من المحل اللي كُنت بتجيب لي منه.
+
شعر بحبورٍ شديد فذاك الراقي يتعمد دائمًا أن يشعرهُ بأن له قيمة عالية لديه، نطق بسعادة:
-حاضر يا حبيبي، أحلا بسبوسة بالمكسرات لعيون الباشا الكبير.
+
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل الشركة
وصلت إلى مكتبها لتباشر عملها بعد زيارتها لمنزل "حسين البنهاوي"، وقف ذاك المحامي من مقعده حيث أخبرها الان بما طلبت معرفتها منه مسبقًا، مدها بالمعلومات التي استطاع جمعها بصعوبة بالغة لشُح المعلومات عن ذاك المالك الغامض، تحدث بهدوء:
-أي أوامر تانية يا هانم
-متشكرة يا استاذ"عزمي"، تقدر تتفضل على مكتبك وياريت لو عرفت جديد في الموضوع ده تبقى تبلغني
-أكيد يا هانم،بعد إذنك... تحرك ليقابلهُ" أيهم" وزوجته "أميرة"، ليسألها باهتمام بعدما جلسا متقابلين:
-أستاذ عزمي قدر يعرف مين صاحب شركة"الصخرة"؟
أومات بحيرة:
-بيقول صاحبها راجل لبناني معاه الجنسية الفرنسية وعايش،هناك، إسمه "سليم إلياس"، وبنته هي اللي بتدير الشركة من مصر
ضيق بين حاجبية ليصمت فتحدثت" أميرة" بنبرة حميمية:
-إحنا جينا نشرب معاكِ نسكافية في البريك بتاعنا.
+
ابتسمت بموائمة، رفعت سماعة الهاتف لتطلب المشروبات لهم جميعًا، ثم تحدثت إليها بحميمية:
-"علي" و"شاهي" اخبارهم إيه؟
-تمام الحمدلله
تحدثت من جديد:
-ياريت تجيبيهم وتيجوا تقضوا معانا يوم الجمعة
+
-الجمعة رايحين كفر الشيخ، العيال وحشوا ماما وعاوزة تشوفهم... قالها أيهم ليعرض عليها قائلاً:
-ما تجيبي ولادك وتيجي معانا
عقبت بهدوء:
-مش هينفع، الولاد عندهم mid term قريب ومش حابة أشتتهم.
+
بمكانٍ اخر بنفس الشركة
وبالتحديد داخل مكتب "بسام الزين"، نطق بجبينٍ مُقطب وهو يتحدث إلى ذاك الموظف الجالس أمامهُ:
-بقى" عزت البنداري"طلع هو الجاسوس اللي سرب معلومات الصفقة للمنافس؟!
ثم سألهُ بتأكيدٍ:
-إنتَ متأكد من الكلام ده يا "موافي"،مش عاوزين نظلم حد؟
+
اجابهُ" موافي" الموظف المسؤول عن غرفة الكاميرات:
-طبعاً متأكد يا باشا، أنا راجعت تسجيلات كاميرات الشركة كلها في الفترة المذكورة زي ما حضرتك أمرتني، وشفت "عزت" بنفسي وهو بيتسحب ويفتح ملف المناقصة ويصور منه ورق.
إبتسم الأخر وبات يحرك مقعده يمينًا ويسارًا وهو يحك ذقنهِ بكف يده،ليسألهُ ذالك الـ"موافي"باهتمام:
-حضرتك هتبلغ "إيثار" هانم إمتى علشان تاخد الإجراءات اللازمة ضده؟
+
إنتفض كمن لدغهُ عقرب ليقول محذرًا بسبابته:
-إوعي تفكر مجرد التفكير إنك تبلغها باللي عرفناه ده، هي أو غيرها
+
ضيق الرجل بين عينيه لعدم استيعابه ليتابع بسام بحدة:
-انا اللي طلبت منك إنك تتحرى عن الموضوع، والموضوع هيخلص بينا هنا، إحذف المشهد من التسجيلات وقبل ما تحذفه تبعتهولي واتس،والباقي بتاعي أنا
تحدث الرجل بعقلٍ:
-بس كده يا باشا عزت ممكن يكررها في المناقصة الجديدة
+
-وهو ده المطلوب بالظبط... قالها وهو ينظر أمامهُ متمركزًا بنقطة اللاشيء تحت استغراب الأخر ليتابع هو شارحًا بشماتة:
-هي مش عملت فيها سبع رجالة في بعض وقبلت منصب رئيس مجلس الإدارة، تروح تحلها بقى لوحدها وتلاقي الجاسوس
+
واسترسل متشفيًا:
-خلي عمي وإبنه وأبويا أولهم يشوفوا نتيجة إختيارهم، لما الهانم تغرق الشركة في الديون من كتر الخساير اللي عمالة تتعرض لها الشركة ورا بعض.
+
تعجب الرجل من تفكير ذاك الـ"بسام" العقيم، فقد تبنى نظرية هدم المعبد على رؤوس الجميع كي يحصل على الإنتقام من العائلة،ردًا على عدم إختياره رئيسًا للشركة خلفًا لأبيه.
+
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
انتهى من المحاضرة وتحرك صوب البوابة ليخرج قاطعتهُ إحدى زميلاته التي تكن له مشاعر عشقٍ جارف اجتاح كيانها،لكنه لم يرى من العالم أجمع سوى تلك العاشقة،من اختطفت القلب وبثنايا الروح استوطنت،تحدثت الفتاة بلهفة:
-"يوسف"
توقف لتنطق بعينين تتجولُ بجراءة فوق ملامحه الجذابة:
-إزيك
-الله يسلمك يا "ساندي"...قالها بتجهمٍ فلم تستسلم هي وتحدثت من جديد:
-ماتيجي نقعد في مكان برة الجامعة،ونتكلم شوية
لم يدع لها المجال كي تكمل وقاطعها قائلاً كي يقطع عليها أي أمل:
-أنا أسف،أختي مستنياني هعدي عليها أخدها من الجامعة
+
أُصيبت بالإحباط حيث نطقت بصوتٍ بائس:
- يا خسارة،مليش حظ.
-بعد إذنك...قالها وانسحب سريعًا،لم يكن يومًا بفاقدًا للذوق،لكنه أراد عدم تمادي مشاعرها باتجاهه
استقل سيارته الفارهة وانطلق متجهًا إلى جامعة شقيقته كي يقلها ويخرجا يتناولا الغداء بأحد المحال كما وعدها،تنهد بألمٍ اقتحم قلبهُ بضراوة حين لاحت بمخيلته عينين تلك العاشقة، تذكر المرة الاولى التي اعترف لها بمدى عشقه وذوبان قلبهِ البكر بغرامها، كانا بالصف الأول بالثانوية العامة، داخل المدرسة المشتركة فلقد كان بنفس المدرسة وبالصف ذاته،كانت تكن له العشق بقلبها بل إمتليء قلبها الصغير بغرامه وفاض،وبيومٍ من الأيام،ذهبت إلى الحمام عندما دق جرس الإستراحة،وعندما خرجت لم تجده بالكافيتريا مثلما المعتاد، سألت صديقه المقرب فأبلغها بأن زميلةً لهم طلبت منه الذهاب معها إلى مكتبة المدرسة للإستعانة به لشرح أحد الكتب،هرولت إلى المكتبة لتتفاجأ بتلك الفتاةِ اللعوب وهي تضع يدها فوق خاصة ذاك الأبله المنشغل بالقراءة والشرح لها كما طلبت،لكنها لم تكن سوى خطة دنيئة منها للتفرقة بينه وبين تلك الحبيبه،نعم لم يصرحا كلاً منهما بالعشق للاخر لكن اعينهم صرحت للجميع،فبات الجميع يعلمون سواهما.
+
خرجت سريعًا ودموعها تغرق وجنتيها قبل أن ترى إنتزاعهُ ليده ووقوفه السريع وانسحابه من المكتبة بغضب، وصلت هي إلى الصف وأكملت اليوم ولكن لم تعيره إهتمام مما جعله يتعجب،مر يومين وبالثالث وجدها تمارس لُعبة الكرة الطائرة مع أحد الأصدقاء الشباب داخل الملعب الخاص باللعبة داخل المدرسة،لم يتمكن من حدته عندما رأها تقفز لأعلى لتلقي ضربات الكرة وجسدها بالكامل يهتز بطريقة اشعلت نيران الغيرة بقلبه لدرجة أنه لم يدري بحاله سوى وهو يهرول عليها ويجذبها من معصمها قائلاً بحدة:
-تعالي معايا
جذبت معصمها بسخطٍ لتهتف بنظراتٍ حادة كالرصاص:
-سيب إيدي يا همجي
اتسعت عينيه حين وجدها تعود من جديد لتمارس اللعبة ليهرول إليها وهو يقول:
-لو مرمتيش المضرب ده من إيدك وجيتي معايا، هوريكي الهمجية اللي بجد
1
اقترب عليهما الشاب ليقول ساخرًا:
-إيه يا مان قلة الذوق دي، إنتِ مش شايفها بتلعب معايا، ولا مش قادر تتحمل إنها سابتك وجت لي
لم يدري بحاله إلا وهو يقبض على تلابيب قميصه بقوة لتصرخ هي بذُعرٍ ثم قبضت على كفيه وهي تقول والرعب ينهش قلبها خوفًا عليه:
-بلاش يا يوسف
+
إحتدت ملامحهُ بقوة ليهتف بعينين تطلق شزرًا:
-إبعدي يا "بيسان"
+
-مش هبعد، يلا خلينا نخرج من هنا
-إسمع الكلام وامشي معاها يا چو... قالها الشاب ساخرًا ليزيد من حدة قبضة يوسف عليه وكاد أن يضربهُ بالرأس لتصرخ هي بقوة وهي تقول:
-علشان خاطري بلاش يا چو، وحياتي عندك لتخلينا نخرج من هنا
+
طالعها بحيرة فمالت بعينيها برجاءٍ اربكهُ،أفلت كفيه ليجذبها بحدة ويخرجا تاركين الملعب تحت صياح الشاب وهو يقول متهكمًا:
-كويس إنك سمعت كلامها يا چو، وإلا كان بابي جه أخدك من تحت إيدي وإنتَ مش نافع لحاجة خالص
لم يعر لحديثه اهتمام وابتعد بها حتى وصلا للصف الخالي من الجميع ودفعها للداخل بقوة وهو يقول:
-عارفة لو شفتك واقفة مع حد ولا بتلعبي مع ولاد تاني هعمل فيكِ إيه؟
+
استشاط داخلها من دفعه لها لتصيح بحدة وهي تقترب عليه:
-وإنت مالك، أقف مع اللي أنا عايزة اقف معاه، وإنتَ ملكش حاجة عندي
+
-طب إعمليها وشوفي هعمل فيكِ إيه يا بوسي... قالها بعينين تمتلؤ بشرارات الغضب لتواجههُ بعينين تمتلؤُ بالتحدي:
-بصفتك إيه هتمنعني؟
إرتبك من قُربها بتلك الطريقة المهلكة فتلبك، سألته من جديد وهي تلوح بكفها بحدة:
-ما تتكلم، ولا القطة بلعت لسانك؟
+
أمسك كفها ليقربهُ من شفتيه الغليظة، وقبلهُ وهو مغمض العينين في حركة مباغتة جعلت القشعريرة تصيب جسدها بالكامل وهي تشعر بشفتيه تجولُ فوق جلد يدها، فتح عينيه يتطلع لمقلتيها الزرقاويتين المتلبكة ليهمس أمام عينيها:
-بصفتي حبيبك، وبصفة إنك بتاعتي من يوم ما شفتك، وبصفتي إني هبقى جوزك، فلازم تسمعي كلامي.
+
ذاب قلبها وبدأت فراشات الحب تداعب أسفل معدتها،ارتجف جسدها عندما استمعت لكلمة "هبقى جوزك " لتشهق وتسحب يدها سريعًا وتنطلق للخارج تحت ابتسامته الحنون وراحة قلبه باعترافه الصريح والاول بعشقها.
+
فاق من ذكرياته ليتنهد بقلبٍ يئنُ ألمًا على تلك الرقيقة التي أضاعها من يده بفضل ماضي عائلته اللعين،توقف بسيارته أمام جامعة"زينة" وهاتفها لتخرج له بعد قليل تحت نظرات ثلاثة شباب كانوا يترقبونها ليهتف أحدهم "مازن" وهو يراها تستقل تلك السيارة الفارهة:
-طب ما هي بتخرج مع شباب وحلوة ومقضياها أهي،أمال عاملة لنا فيها خضرة الشريفة ليه!
نطق الاخر ويدعي زياد:
-لما يبقى معاك بي إم دبليو زي الباشا هتبقى ترافقك وقتها
ضحك ساخرًا وتحدث:
-بقى هي الحكاية كده،ماشي يا زينة،أنا كنت سايبك بمزاجي وبقول مؤدبة
واسترسل بتوعدٍ:
-بس طالما طلعتي كده، يبقى إنتِ اللي جبتيه لنفسك يا مزة.
+
بعد قليل
كانت تقابلهُ الطاولة داخل أحد المحال المتخصص بتقديم المأكولات البحرية، يتناولان طعامهما، ليتحدث بهدوء:
-"زينة"، جدي علام عازمني بعد بكرة انا وإنتِ على الغدى عندهم
+
إرتبكت وأخذ جسدها بالإنتفاض، ويرجع هذا لفقدانها للثقة بالنفس وعدم الشعور بالراحة وسط التجمعات البشرية والإزدحام، نطقت بصوتٍ مختنق:
-بلاش أنا اروح يا يوسف، وديني عند عمي حسين وروح إنتَ
+
-بس جدي عاوز يتعرف عليكِ، وبعدين إنتِ أختي، ومكانك لازم يبقى جنبي دايمًا
احتضن كفها باحتواء ليقول بنظراتٍ مطمئنة:
-أنا مش عاوزك تقلقي من أي حاجة طول ما أنا معاكِ، مفهوم يا حبيبتي؟
+
تنفست ثم هزت رأسها بهدوء، ابتسم ليشير لطبقها قائلاً:
-يلا ناكل السمك قبل ما يبرد
تبسمت وشرعت من جديد لتناول الطعام.
+
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
عصرًا بقصر علام زين الدين
يجلس فوق مقعدًا بالحديقة بعدما تناول وجبة الغداء بصحبة العائلة، لحقت بهِ تلك المدللة الصغيرة وجلست على طرف مقعده لتحتضنه قائلةً بدلالٍ يستسيغهُ ذاك الحنون:
-هو أنا قولت بحبك النهاردة يا بابي ولا نسيت؟
ابتسم فؤاد ليقول بمراوغة لمدللة قلبه:
-محصلش.
شددت من احتضانه لتقترب وتلثم وجنته وهي تقول:
-بحبك يا بابي.
-روح قلبي إنتِ يا تاج راسي... قالها فؤاد بصوتٍ حنون جعل الفتاة تطير كفراشة من شدة سعادتها، إقترب عليهما زين ومالك الذي هرول مسرعًا ليقفز فوق ساقاي فؤاد واحاطهُ بكفيه الصغيرتين ليقول بحدة وهو ينظر بغيرة لشقيقته ويزيحها بكفه:
-إبعدي، الكرسي هينكسر بينا
قهقه فؤاد عاليًا وهو يرى غيرة صغيره المشاغب لتهتف الاخرة بحدة كالأطفال:
-إنتَ إزاي سخيف قوي كده يا "مالك"
+
-علشان طالع لك... قالها بمناكفة لينطق "زين"الذي جاور والده الجلوس بمقعدٍ خاص:
-تعالي إقعدي جنبي يا" تاج"
زفرت وهي تتنحى جانبًا لتترك المجال لذاك المشاكس الذي دفن وجههُ بصدر غالي قلبه،بدورهُ إحتضنهُ فؤاد وقام بتقبيل وجنتيه الناعمتين وبات يزيدهما من قبلاتهِ المتلهفة،فذاك الصغير استطاع سرقة لب كل من حوله وبالأخص والده،رفع رأسهُ يتطلع على نجله العاقل ليسألهُ بجدية:
-زين باشا عامل إيه في مذاكرتك؟
+
أجابهُ بجدية كعادته،فهو جادًا بحياته،يمتلك شخصية كأبيه،يفكر بعملية ومتفوق بدراسته،:
-كويس جدًا يا بابي
ابتسم لهُ بفخرٍ لتنطق "تاج"بتفخيمٍ لقيمة شقيقها:
-" زين"يا بابي أجمد حد عندنا في الـ class.
+
-وأخت زين نظامها إيه هي كمان...سؤالاً وجهته إليها إيثار التي أقبلت وهي تحمل قدحين من القهوة لها ولحبيب العمر،أجابت الفتاة بخيلاء يعود لدلالها المفرط التي تلقته على أيادي الجميع:
-انا بيرفيكت في كل حاجة يا مامي
لتطالع والدها الحنون وتقول بفخرٍ واعتزاز:
-أنا بنت فؤاد باشا علام، وطالعة له
+
تناول قهوته لينطق بعينين شاكرتين:
-تسلم ايدك يا بابا
+
-بالهنا والشفا يا باشا... نطقتها بحنانٍ شملته به وقد وصلهُ ليبتسم بعينين مغرومتين، جلست بجوار نجلها العاقل لتقول وهي تتحسس شعر رأسهُ:
-محدش طالع لفؤاد باشا غير إبني العاقل "زين"
+
هزت رأسها اعتراضًا ليصيح ذاك المشاكس حيث انتفض من حضن أبيه حتى أنهُ كاد أن يسكب عليه القهوة:
-وانا مش طالع لبابي يا ست مامي؟!
هتفت وهي تُشير بكفها ليتوقف:
-بالراحة يا ولد، هتدلق القهوة على بابي
+
ربع ساعديه ثم مط شفتيه كاعتراضٍ على تلك المعاملة،بينما تحدث فؤاد بملاطفة:
-هو ده اللي اخدتي بالك منه يا إيثار،الولد بيقول لك يا سِت مامي
واستطرد وهو يميل برأسهِ للصغير:
-ولد،ممنوع تقعد مع عزة لوحدكم تاني،مفهوم؟
+
-ومالها عزة بقى يا سيادة المستشار،...جملة متهكمة نطقت بها تلك التي اقتربت عليهم لتتابع وهي تضع أكواب المشروب للأطفال:
-الحق عليا اللي عملالكم عصير فريش يطري على قلبكم
صفق الصغير بحفاوة وهو يكرر حديثها بلا وعيٍ:
-وانا عاوز أطري يا عزة
إنصدم فؤاد ليشير لصغيره وهو يقول مؤنبًا للتي ارادت أن تنشق الارض وتبتلعها:
-إتفضلي يا عزة هانم، طري على قلب الولد، وقبلها بيقول لمامته يا سِت مامي
واسترسل ساخرًا بنظراتٍ حادة:
-ده شوية كمان وهيقولها يا خالتي أم "يوسف"
+
إنطلقت قهقهات "زين" و"تاج" و"مالك" على سخرية والدهم ليحتد هو بالحديث قائلاً:
-أنا مبهزرش
إلتزم الجميع الصمت ليتابع هو محذرًا:
-عزة، إنتقي ألفاظك شوية مع الولد، "مالك" بيروح مدرسة وبيختلط مع زمايله، ده غير إنه بيخرج معانا في عزومات مختلطة، ومينفعش يبقى ده إسلوب إبن "فؤاد علام"
هزت رأسها وهي تقول بجدية:
-حاضر، أوعدك هحاول على قد ما أقدر
ثم تحدثت سريعًا وهي تنظر باتجاه "إيثار"في محاولة منها لجذب انتباهه لمنطقة أخرى من الحوار:
-إلا بالحق، نسيت أقول لك
سألتها مستفسرة:
-خير يا عزة؟
نطقت بسعادة ظهرت على وجهها:
-الباشا الكبير بلغني أنا والست الدَكتورة والست فريال، إن يوسف وزينة هييجوا بعد بكرة يقضوا معانا يوم الجمعة كله.
هلل الصغار وتحدثت تاج بسعادة ظهرت بعينيها:
-اخيرًا يوسف هيرجع البيت تاني
عقبت على حديثها بنفيٍ:
-أنا جبت سيرة رجوع القصر؟!
نطق فؤاد متعجبًا:
-غريبة قوي، ما احنا كنا لسه بنتغدى مع الباشا جوه، ليه ما بلغناش؟!
اجابته:
-أصل الباشا لما قال لنا مكنش جنابك لسة جيت من النيابة، ولا حتى إيثار كانت رجعت من شغلها
رأى حبور حبيبته الشديد ليسعد داخلهُ لسعادتها وأيضًا لبدء هدوء بحر يوسف العاصف.
+
همست تاج بأذن شقيقها بتذمرٍ:
-هو چو هيجيب أخته معاه ليه؟
أجابها ذاك الذي يسبق تفكيرهُ سنوات عمرة"زين":
-إنتِ بنفسك لسه مجاوبة على سؤالك،هي أخته،وطبيعي تيجي معاه لما يبجي يزور عيلته
+
-بس إحنا مش عيلتها يا"زين"!...قالتها باعتراض لتتابع بملامح وجه مكفهرة:
-وأنا مش بحبها،المرتين اللي شفتها فيهم لما زورت چو حسيتها خنيقة قوي،وبعدين مش كفاية إنها بعدت أخونا عننا؟
+
-" يوسف" عمل الصح يا "تاج"، قبل ما تحكمي على حد حطي نفسك مكانه، هل لو كنتي مكانها، كنتي هتبقي مرتاحة لو أنا اتخليت عنك؟!
طالعتهُ بتمعنٍ بحديثه لتهز رأسها بيأسٍ وهدوء.
+
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
-بابا عازم"يوسف" وأخته يوم الجمعة وعاوزنا كلنا نتجمع هناك... قالتها "فريال" التي تجلس ببهو منزلهما بصحبة "ماجد" يرتشفان مشربًا باردًا
+
توقف عن ارتشافه المشروب وزفر بقوة لينطق مزمجرًا:
-مش كنا خلصنا من الموضوع ده،أنا مش فاهم بباكِ ليه مُصر يقحم الولد ده في حياتنا من تاني، أنا مصدقت إنه خرج من البيت وبعد عن بنتي؟
اتسعت عينيها تعجبًا لشدة حنقهِ ثم قالت مستنكرة:
-بباكِ؟!
شملها بنظراتٍ ثاقبة قبل أن يهتف متهكمًا:
-هو ده اللي لفت نظرك من الموضوع كله يا فريال؟!
+
أخذت نفسًا عميقًا كي تهديء من روعها ثم سألتهُ بحيرة:
-أنا حقيقي مبقتش قادرة أفهم سبب كُرهك ورفضك المفاجيء للولد يا ماجد
واسترسلت متعجبة من تغييره المفاجيء:
-مع إنك كنت بتحبه جدًا وهو صغير، وكنت بتعامله كويس قوي!
+
تحولت ملامحهُ لحادة ليجيبها بسخطٍ أظهر كم الغضب الساكن بقلبه:
-ده لما كان بعيد عن بنتي
+
تنهدت قبل أن تقول بتأثرٍ:
-بس بنتك بتحبه وتعبانة قوي من يوم ما بعد يا ماجد.
+
احتدت ملامحهُ وامتلاءت بشرارات الغضب قبل أن يصيح معترضًا:
-حب إيه وكلام فارغ إيه اللي بتتكلمي عنه يا "فريال"،ده أنتِ ناقص تقولي لي نوافق إنه يتجوزها؟
-وإيه المشكلة؟!... قالتها متعجبة ليصيح بعينين بالغضب مشتعلتين:
-إنتِ شكلك إتجننتي ومش مستوعبة الكلام اللي بتقوليه.
نطقت بأسى من طريقته الحادة:
-مكنتش متخيلة إنك طبقي بالطريقة دي
+
حملق بها غير مصدقا ماتفوهت به من حديثٍ لا يروق له ولا يتقبله عقله ليصيح معترضًا:
- طبقي مين يا بنت سيادة المستشار، متفوقي بقى من الغيبوبة اللي إنتِ عايشة فيها دي
ليتابع بإسلوبٍ لائم:
-بقى عاوزة تجوزي بنتك الوحيدة لواحد ابوه مجرم هربان وعيلته كلها ما بين مقتول ومسجون؟!
واسترسل مستهجنًا طريقتها الفقيرة بالتفكير:
-ده بدل ما تفكري إزاي تخليها تتواجد باستمرار وتظهر في وسط الطبقة المخملية، يمكن يشوفها إبن مستشار ولا رجل أعمال كبير من معارف بباكي ويطلبها للجواز
2
أطرقت برأسها فى حزنٍ من نعته لها ليزفر هو بقوة متسائلاً باستهجان:
-ممكن أعرف إيه الغلط اللي أنا قولته يخليكي تزعلي وتقلبي وشك بالشكل ده؟
+
-اللي مزعلني منك يا ماجد إنك بقيت بتتعامل مع البنت على إنها صفقة ولازم تلاقي رجل أعمال علشان يقيمها... قالتها متأثرة لتسألهُ بعتابٍ:
-فين مشاعر بنتك من تفكيرك الرأس مالي والطبقي ده يا دكتور؟!
+
هز رأسهُ مستنكرًا ضألة تفكيرها العقيم لينطق:
-أنا بجد مش مصدق، مشاعر إيه اللي بتتكلمي عنها،إنتِ متخيلة إن بنتي لو إتجوزت البني أدم ده هتبقى بتحكم على مستقبل ولادها منه بالإعدام،وزي ما حلمه إتقتل من ورا أبوه وعيلته المجرمين،هيبقى هو كمان السبب ورا ضياع أحلام ولاده اللي هيلعنوه ويلعنوا بنتك علشان أساءت إختيار أب ليهم كويس ومن عيلة تشرف.
+
تنهدت بحيرة،لا تنكر أن حديثهُ بذاك الأمر مقنع، وله الاحقية بالتفكير بشأن مستقبل ابنته، هي لا تلومهُ على ذاك، كل اعتراضها على معاملته التي تحولت لسيئة منذ أن علم بمشاعر ابنته المتبادلة معه، وبأنها أخذت مسارًا جديًا من الطرفين
قطع حديثهما نزول "بيسان"من الطابق الأعلى لتقبل قائلة بصوتٍ خافت يكسو عليه الحزن المعتاد مؤخرًا:
-هاي
سألها عن شقيقها قائلاً:
-فين فؤاد؟
-بيذاكر في أوضته
تنهد ليتحدث بنبرة جادة صارمة:
-بعد بكرة مش عاوزك تروحي عند جدك نهائي،رجلك متخطيش القصر يا بوسي،مفهوم؟
+
قال كلمته الأخيرة محذرًا لتسألهُ باستغراب:
-ليه يا بابي،وليه بعد بكرة بالتحديد؟!
طالعته فريال بعتابٍ تنتظر إجابته على تلك العاشقة ليجيبها بحدة:
-مش لازم كل حاجة تسألي فيها،أنا بباكِ والمفروض إني أكتر واحد حريص على مصلحتك.
+
أجابتهُ بالمنطق والصراحة التي طالما ربياها عليها:
-وهو علشان حضرتك ببايا ده يشفع لك إنك تفرض عليا إسلوب السمع والطاعة ، من غير ما أفهم ولا أعرف إيه اللي بيدور حواليا؟!
+
يعلم أنها لم تلتزم الصمت ولن تتبع إرشاداتهِ إلا إذا أدركت المغزى من وراء ذاك القرار، فأراد أن يُنهى ذاك الجدال قبل أن يتخذ مسارًا أخر:
-جدك علام عزم البيه إبن إيثار، وهيفرضه يوم الجمعة علينا هو وأخته اللي منعرفلهاش أصل من فصل علشان يقضوا اليوم في وسطنا،والمطلوب إننا ننفذ الأمر من غير أي إعتراض.
+
أعلن قلبها عن دق طبول الحرب عليها لينتفض بقوة و يعلن عجزه أمام ذاك العشق الهائل، ظهر توترها الممتزج بالسعادة الهائلة لرؤية وجه من عاقبها بالإبتعاد عن ذنبٍ لم تقترفهُ يداها، تملكت من رجفة جسدها لتجيب والدها بمراوغة خرجت بصوتٍ مهزوز رُغمًا عنها:
-ولما هو أمر من جدو، حضرتك عاوزني أخالفه ليه؟
+
-إنتِ عارفة السبب كويس قوي يا بيسان، وياريت تبطلي إسلوب العِند اللي إنتِ فيه ده، وإحمدي ربنا إني سامحتك ورجعت أتكلم معاكِ تاني بعد ما كسرتيني وضيعتي حلمي في إنك تكوني وكيلة نيابة، علشان ترضي الولد اللي إسمه "يوسف"
+
تلك المرة فريال هي من تكلمت بعدما هبت من جلستها لتحتد عليه قائلة عندما لمحت دموع ابنتها تتلألأُ بمقلتيها كحباتٍ من اللؤلؤ:
-فيه إيه يا ماجد، هو إحنا مش هنخلص من الكلام في الحكاية السخيفة دي؟!
عدى سنتين وأكتر على الموضوع، ومع ذلك مُصر بمناسبة وغير مناسبة إنك تتكلم فيه
+
لانه مستقبل بنتي اللي ضاع يا هانم... نطقها بحدة ليتابع ساخرًا من أفعالها الساذجة على حسب تفكيره:
-لكن إنتِ هيهمك في إيه مستقبل بنتك، خليكِ قاعدة في قصر الباشا تربي ولاد إيثار هانم اللي استحوذت على شركة العيلة وبلعتها في عبها هي وأخوها، بعد ما أبوكِ والباشا العاشق سلم لها الإدارة بالكامل
-ماجد... قالتها بحزمٍ لتسترسل بحدة وصرامة وعنجهية:
-خلي بالك كويس وإنتِ بتتكلم عن سيادة المستشار علام زين الدين، وإبنه سيادة المستشار فؤاد زين الدين
4
تألمت "بيسان" وانهمرت الدموع فوق وجنتيها وهي ترى مشادات والديها بكثرة في الأونة الأخيرة بفضلها،بينما ابتسم "ماجد"بزاوية ليلوي فمه في تهكمٍ واضح قبل أن ينطق ساخرًا:
-هايل، بقيتي بتعلي صوتك عليا وتعدلي على كلامي، ياريت تبقي تعملي كده مع الهانم مرات أخوكِ اللي حولتك لـ baby sitter"بيبي سيتر "
+
إشمئزت من حديثهِ وتقليله المتعمد من شأنها أمام ابنتها، بينما استدار هو ليوجه حديثهُ الصارم لابنته:
-وإنتِ، لو لمحتك في بيت جدك اليوم ده، متلوميش إلا نفسك
+
نطق كلماته ثم مال على الطاولة ليختطف عُليقة مفاتيحه وينطلق للخارج تاركًا المنزل بأكمله، شهقت الفتاة بكامل صوتها ليخرج صوت بكائها الحاد معلنًا عن ألام ذاك القلب العاشق،تحركت صوبها لتحتضنها بقوة، ثم مسحت على ظهرها بحنانٍ ليخرج صوتها متأثرًا وهي تهدهدها:
-متعيطيش يا حبيبتي، إهدي يا بوسي
خرجت من بين أحضانها لتقول بعينين حائرتين:
-هو أنا وحشة قوي كده علشان ربنا ميحبنيش يا مامي؟!
+
شهقة عالية خرجت من فم" فريال"صاحبتها إتساعٌ بعينيها المذهولتين لتنطق باستغراب:
-ليه بتقولي كده يا حبيبتي، إنتِ جميلة وربنا بيحبك جدًا
+
هزت رأسها باعتراضٍ قبل أن تنطق بدموع عينيها:
-أمال ليه بيحصل لي كل ده، أخسر حبيبي اللي عمري ما اتمنيت غيره، ويهجرني ويمشي من غير حتى ما يودعني، وبابي ومعاملته ليا اللي إتحولت 180 درجة، لا وبيتهمني إني ضيعت حلمه
+
وإلى هُنا لم يعد بمقدورها الصمود والكتمان أكثر، فقد إنفجرت لتصرخ بانهيارٍ وهي تُشير على حالها:
-أنا اللي أحلامي كلها إنهارت قدام عنيا وأنا لسه مبدأتش حياتي، أنا اللي حلم حبيبي ضاع منه وحلمي حصله
بنظراتٍ مشتتة، وبتيهةٍ وشرود استرسلت:
-كل اللي قعدنا نحلم بيه ونرتب له في لحظة إتهد وانهارت معاه كل طموحاتنا وأحلامنا، وبدل ما بابي يحضني ويحاول يحسسني بالأمان، إتقلب عليا وبقى يعاملني وكأني عدوه اللدود
وتابعت باعتراضٍ ودموع:
-وكل ده ليه، علشان اتمسكت بحقي في إختيار طريقي اللي هكمله، هو أنا مش من حقي أختار الكلية اللي هدرس فيها يا مامي؟!
أخذت نفسًا مطولاً لتقترب على ابنتها ثم حاوطت وجنتيها بحنانٍ في محاولة لاحتواء حزنها:
-متزعليش من بابي يا بوسي، هو بيحبك قوي وكان نفسه تطلعي وكيل نيابة ويفتخر بيكِ.
+
هتفت بحدة:
-وأنا للسبب ده دخلت إقتصاد وعلوم سياسية،علشان أحقق له حلمه في إني يشوفني سفيرة ويفتخر بيا،لكن هو المفروض كان احترم قراري
+
-بابا عارف كويس إنك رفضتي تدخلي الحقوق علشان يوسف،وده اللي زود غضبه من ناحيته
إحتدت ملامحها لتهتف بنبرة غاضبة:
-ويوسف ذنبه إيه علشان يحمله مسؤولية اللي حصل،هو حاول معايا كتير برغم كسرة قلبه وقتها
واسترسلت بإيضاح:
-أنا اللي أصريت على قراري واخدته عن إقتناع، والمفروض إن بابي كان احترم رغبتي.
+
صمتت لعدم وجود ردٍ مقنع لديها، فتابعت الفتاة بعدما احتوت كفيها متوسلة:
-مامي، أرجوكِ تحاولي تقنعيه يسيبني أحضر اليوم ده
+
واسترسلت بدموعٍ نزلت على قلب فريال أحرقته:
- يوسف وحشني قوي ونفسي أشوفه
هزت رأسها وهي تقول لطمئنتها:
-متقلقيش يا حبيبتي، أنا هكلمه لما يرجع
+
ابتسمت الفتاة من بين دموعها لتتابع الأم عاتبة:
-بس أنا ليا عندك رجاء، عوزاكِ متظهريش ضعفك وحبك ليوسف، لازم تغيري من طريقة معاملتك معاه
ضيقت بين حاجبيها لتسألها:
-إزاي يا مامي؟
أحاطت وجنتيها تتلمسهما بحنوٍ ثم تحدثت من خلال خبرتها المكتسبة من الحياة :
-الراجل طول ما هو شايف البنت بتجري وراه ومستنياه بيسوق فيها ويستعبط، لكن لو مرة واحدة لقاكي طنشتيه ومكملة حياتك، بيتجنن ويرجع يحوم حواليكِ من جديد علشان يعرف السبب.
-بس چو مش كده يا مامي... قالتها بعينين مغرمتين لتجيبها الاخرى:
-وحياتك عندي كلهم كده
استمعوا لصوت "فؤاد ماجد"الذي نزل من الأعلى ليسأل ببرودٍ:
-فيه إيه، صوتكم كان عالي مع بابي ليه من شوية؟
+
تطلعت إليه بيسان باستغراب لتقول متهكمة:
-وسيادتك لسه فاكر تنزل وتسأل!
أجابها وهو يتمطأ:
-هو أنا فاضي لكم يا بنتي، أنا مفحوت في نظام الثانوية الجديد ده كمان
تطلعت عليه والدته وهي تقول:
-متشغلش بالك بأي حاجة غير مستقبلك يا" فؤاد"، لازم تذاكر كويس قوي السنة دي، علشان السنة الجاية تراكمية وهي اللي هتحدد مصيرك
نطقت "بيسان" ساخرة:
-مش محتاج لكل ده يا مامي، كل اللي محتاجه مجموع كلية الحقوق علشان يعوض حلم بابي اللي بنته الفاشلة ضيعتهُ له
+
-طب يلا يا فاشلة لاعبيني دور بلاي ستيشن «PlayStation» علشان أفحتك فيه.
ابتسمت لتتحرك بجوار شقيقها تحت احتدام قلب "فريال" من طريقة زوجها الجديدة بالحديث معها.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
كان يجلس بصحبة والدته "نوال" داخل الشرفة، نطقت بعدما قص عليها كل ما دار، فبالفترة الاخيرة أصبح متعلقًا بوالدته بشكلٍ كبير وبات يحكي لها كل ما يدور بحياته سواءًا داخل بيته أو قصر علام، نطقت بنبرة خبيثة:
-عاوز نصيحتي يا دكتور
-قولي يا ماما...قالها بوجهٍ مكفهر لتتابع هي بتفكيرٍ شيطاني:
-جوز بنتك للولد إبن إيثار
1
حملق بها غير مستوعبًا ماتفوهت به من حديثٍ عبثي ليهتف بحدة:
-إنتِ بتقولي إيه يا ماما،بقى عوزاني أجوز بنتي الوحيدة لابن راجل هربان؟!
وضعت كفها تحتوي خاصته قبل ان تقول بدهاء:
-خليك ذكي وإلعب مع الحصان الرابح،إيثار قدرت تلعب على فؤاد وأبوه وخليتهم يسلموها كل ثروتهم بكامل إرادتهم،بعد ما جابت لهم بدل الولد إتنين واكلت عقلهم بيهم
واسترسلت بدهاءٍ وحكمة:
-يبقى العقل بيقول إنك تحاول تكسبها، وبلاش تشتري عداوتها
لتتابع:
-إيثار نقطة ضعفها هي يوسف، واللي هييجي عليه ويزعله مش هترحمة، دي سِت خبيثة
استندت بظهرها للخلف لتنطق وهي تنظر امامها بتمعن:
-أنا أول ما شوفتها قولت لك إنها فلاحة خبيثة، ومش هيهدى لها بال إلا لما تسيطر على كل أملاك علام زين الدين
+
هز رأسهُ برفضٍ تام قبل أن يقول بحدة وصرامة:
-إنسي يا ماما،أنا مستحيل أعمل في بنتي كده
احتوت فكها بأناملها لتنطق بعد تفكير:
-خلاص، يبقى مفيش حل غير اللي قولته لك قبل كده
+
-حل إيه ده؟... قالها بجبينٍ مُقطب لتعقب عليه بتذكير:
-تستقيل من شُغلك وتروح تمسك معاها إدارة الشركة، هو ده مش مال عيالك إنتَ كمان ومن حقك تديره بنفسك وتحافظ عليه من الاغراب؟
+
نطق بحيرة وقد زادت كلمات والدته من سخطه تجاه تلك المرأة بل وتلك العائلة بأكملها:
-وأنا هروح أشتغل إيه في الشركة يا ماما، أنا دكتور جامعي قد الدنيا، معقول عوزاني أسيب منصبي اللي تعبت سنين على ما وصلت له، علشان اروح أبتدي من جديد واشتغل تحت إيد السِت إيثار واسيبها تُحكم وتتشرط عليا؟!
+
-ما تسمعش كلام أمك وخليك ماشي في طريقك زي ما انتَ يا ابني... جملة نطق بها "عليوة عبدالحميد" ليكمل بتعقُلٍ وهو يجلس بجوارهم تحت استشاطة نوال:
-بلاش تخسر احترام الناس اللي عيشت معاهم سنين، احتضنوك فيهم وحبوك وعاملوك على إنك واحد منهم.
تنهد ونظر أمامهُ بعقلٍ متشتت بينما هتفت تلك الغاضبة:
-والمفروض بقى يسمع كلامك إنتَ ويسيب الجمل بما حَمل لحتة الفلاحة اللي كوشت على كل حاجة، علشان في الأخر يطلع من المولد بلا حُمص هو وعياله؟
+
تشتت عقله أكثر ليهب واقفًا بعدما قرر الإنسحاب، فأخر ما يحتاجهُ الان هو مشادات والديه التي تنتهي دائمًا بنزاعٍ قوي وإلقاء كلاً منهما التهم على الاخر .
+
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بداخل إحدى المجمعات السكنية الجديدة الخاصة بالطبقة المخملية في المجتمع،والتي لا يسكنها سوى من يملكون الأموال الطائلة، كانت تتنقل في حديقتها الخاصة ،تسكب من دلوها الصغيرُ الماء لتروي أزهارها المتنوعة بألوانها الزاهية،وتتحدث بالهاتف فيذات الوقت :
-إي بابا، احنا كتير مبسوطين، هون الطقس بيعئد
لتتابع مسترسلة باستفسار:
- اي متى رح تيچي تزرونا إنتَ والماما، "نور" كتير عم تسأل عنكن ، وأنا والزغير كتير اشتقنالكن
1
على الطرف الآخر ، كان ذاك الستيني جالسًا على الأريكة الخلفية داخل سيارته الفارهة، يستندُ بظهرهِ للخلف بعنجهية، يتجول وسط شوارع فرنسا وبيدهِ السيجار الكوبي يدخن منه،لينطق بصوتهِ الجهوري :
- عن قريب رح نيچي، بالاول طمنيني عن الشركة وكيف الشِغل فيها؟
1
أجابتهُ بإبانة:
-ماشي الحال، بس ضروري تچو بأسرع وئت، إنتَ بتِعرف إن أنا ما بقدر ادير الشِغل لحالي، وخصوصًا بوچود هادول المنافسين
لتتابع بحقدٍ ظهر بعينيها:
-هاديك المرة يلي إسمها "إيثار" كتير ذكية، مشغلة جواسيسا عم تدور وتسأل عن شركتنا لحتى تعرف مين صاحبا، حتى المحامي تبعا راح للشهر العقاري وسأل عن المالك
1
تحدث الآخر بفخرٍ:
-منيح إني سجلت الشركة باسمي، لحد ما يرچع جوزك وننقل ملكيتها لئله بشكل رسمي
سألته متلهفةً:
-طمني وقول لي إنه مابقى وقت كتير وبينزل على مصر، يا الله كتير اشتقتله يا بابا،"نور" طول الوئت عم تضل بسيرته وبتبكي كل ما يحاكيها هي وسَليم الزغير "فيديو كول"
أجابها بثقة فائقة:
-هانت يا قلبي، زلامي عم يشتغلوا على الموضوع منيح ومش مقصرين، ما بقي إلا وقت قليل وبيرجع، وئتها أنا برتاح وبقدر اتابع شغلي هون بفرنسا ببال رايق.