رواية شظايا الكلمات الفصل الثامن والعشرين 28 بقلم جهاد وجيه
شظايا الكلمات
الفصل الثامن والعشرون
للـخيبات نهاية وللأحزان نهاية مهما طال أمدها، يأتي للـقلب هُدنة من السلام تبعثه بـرحلة هادئة مُفعمة بـالراحة والسعادة التي طال فُقدانها كـتعويضٍ بدائي عن تلك الليالي التي كانت الدموع والأوجاع رفيقه الوحيد والأنين أنيسه الدائم، تُبرهن له صِدق الوعود ونتائج الصبر وقوة الإيمان ومهما طال القحط سيغزو الازدهار يومًا!!
مضى اليومان بـأثقالهم عليها كـدهرٍ من التوتر والتردد! بين كل ثانية تُراقب الوقت ولم تخضع عينيها لـراحة بـالنوم أو يتوقف عقلها عن التفكير به أو بما سينتج من قرارها الأهوج!! بعد طول تفكير توصلت لـذلك القرار الجريء وكلها أملًا بـتصحيح فعلتها الشنعاء بحقه وحق آلالامه التي لازمته بسببها، أهذا الخواء الذي تشعر به من فرط حماسها أم أن قلبها الأجوف اعتاد الوحدة ولم يعد يُصدق حقيقة ما هو مقدم عليه!! أغمضت عينيه لـوهلة تستجمع شتات روحها التي تهلل فرحة وخوف من مصير قرارها ومن ثم أفرجت عن قزحيتين لامعتين بـالدموع المُنكسرة التي تهدد بالسقوط وهي من قررت سابقًا حجب ذلك الحزن والضعف والسير على خطوات القوة والعزيمة رافضة الخنوع لـجدرانها المتهالكة!! القليل مِنا من يحظى بـسعادته الخاصة مع من يُحب ويرغب ولذلك هي متوترة صحيح!! هذا ما أقنعت عقلها الرافض للواقع ونهضت تلتقط ثيابها استعدادًا لـبدء خطواتها الفاصلة بينهم!!
بعد مدة قصيرة وقفت تُنهي ترتيب ثوبها الزيتي الذي لائم جسدها كثيرًا وتتأكد من تنظيم خِمارها ونقابها ومن أسفلهم بسمتها السعيدة التي طغت على خوفها وها هي تبتسم كالبلهاء مع ارتفاع وتيرة أنفاسها الخجولة وانسحاب كلماتها من جوفها!!
_ أيه يا عروسه الراجل زمانه خلل وهو مستني!
كان ذلك الصوت هو الأقرب والأحب لـقلبها ومن سواها صديقتها الأولى «ورده» مصدر إلهامها وإرشادها وراحتها معًا!! تلك الفتاة الحنونة التي أبت تركها ضائعة بأول مرة لاقتها وبالثانية وقفت جانبها ودعمتها بـقرارها وها هي فعلته!! يقولون الأصدقاء متقلبون كما القلوب منهم الذاهب ومن الوافد ولكنهم نسوا أن منهم الأوفى! منهم الاحن!! الأصدق والأحب!! منهم المُلائم للقلب والمُرافق للروح!! منهم من يجعل الطمأنينة تتسرب إليك فور سماع وقع نبرته!!
التهمت الخطوات الفاصلة بينهم لـتغمرها بـعناقٍ ساحق دفنت كلتاهما القلق وكل مشاعرهم السلبية بيه مُرحبين بـهذا الكَم من السعادة التي تتسلل أليهم! ابتعدت «ورده» بعينين دامعتين عنها وناظرتها بـسعادة وحب مردفة وهي تُعدل من وضع نقابها:
_ زي القمر يا هبه وأنتِ هِبة لأي حد تدخلي حياتي
ابتسمت «هبه» بـخجل وظفرت عينيها بعض العبرات الممتنة وهمست بـحشرجة مطمئنة:
_ وأنتِ رحمه ونعمه لأي حد، شكرًا لأنك في حياتي
ابتسمت «ورده» بـطيبة وحب لـتلك الفتاة الملائكية التي دثها القدر لها بين طياته لـتكون رفيقتها الأولى وملجأها بهذا العالم، تخصرت بـغيظٍ من تأخرهم بعدما أبصرت الساعة وهتفت بـحنق:
_ يلا في راجل مستني تحت غير عريس الغفلة بتاعك
لـكزتها «هبه» بـخصرها بـضيق من نعتها له بـهذا اللقب المُسيء!! وهتفت بخجل:
_ متقوليش عليه كدا!
دفعتها «ورده» بـحدة مصطنعة ومرح للخارج مرددة:
_ الحب وعمايله
*************************
وقفت أمام المرآه تضع لمساتها الأخيرة وابتسمت بـثقة لـهيئتها التي رغم بساطتها إلا أنها راقتها كثيرًا بـثوبها الأزرق الهادئ بـثناياته الخفيفة التي أخفت قوامها الزائد وشعرها المسترسل بـنعومة على طول ظهرها، رفعت حقيبتها وسارت للخارج ولكن أوقفها صوته الهادئ:
_ أقدر اعرف مراتي راحه فين الساعه 8 الصبح وسايبه جوزها!؟
ابتلعت « أثير» لعابها بـقلق من كشفه لـخطتهم التي بظنها حربية!! ودارت بـجسدها له متصنعة البراءة واللطافة الزائدة بإعتقادها أنها لا تشبه الجرو الصغير المُترجي لـصاحبه!! تنفست بـتوجس من ردة فعله الهادئة وابتسمت بـتوتر مجيبة بكذب:
_ متفقة نتقابل أنا وهبه وورده
لوى «راكان» فمه بـسخرية متذكرًا تحولها الجذري بعد زيارتها لهاتين اللعينتين وخاصة تلك الشرسة المُسماة بـ «ورده» التي لم تترك فرصة إلا وتُبرع بـحرق أعصابه وقصفه وجعله أضحوكة للجميع!! تنهد بـحنق مردفّا بـنفيٍ:
_ لا مفيش نزول
تلاقى حاجبيها بـتعجب وضيق من رفضه الغير مبرر من وجهة نظرها وتخصرت بـتوعد متحدثة:
_ لي بقا يا حضرة الدكتور، هتحبسني؟!!
ابتلع الآخر لعابه من نظرات التوعد الماثلة بـحدقتيها العسليتين وهز رأسه مجيبًا بـتسويف:
_ بكره إنشاء الله تقابليهم أكون أنا في الشغل بس مش صح تسيبيني في البيت وتنزلي وأنا قاعد عشانك!
مطت «أثير» شفتيها بـتفهم واقتناع لـحديثه واستعطافه الكامن بـداخله ولكنها لن تترك أصدقائها بـمفردهم وأيضًا لن تخبره المزيد من التفاصيل التي سيعرفها بعد قليل، سلطت نظراتها المدللة عليه واقتربت قاطعة المسافة بينهم متقاسمة أنفاسه معه وهمست بـنعومة:
_ ساعه بس يا روحي ومش هتأخر عليك بس مقدرش أسيبهم النهارده عشان هم محتاجيني وأوعدك هحكيلك كل حاجه لما ارجع!
رطب «راكـان» شفتيه التي جفت تلقائيًا من قربها السريع وغاص بـبحور عينيها الثائرة وكل خلية بـجسده تدعوه لـجذبها بين ذراعيه ويحترق العالم وتحترق معه رغبتها بالذهاب ولكنه وافق على مضد أمام نظراتها التي تحولت لـرجاءٍ خالص فـتمتم بصوتٍ أجش ناعم:
_ اللي الهانم تطلبه يتنفذ، خلي بالك من نفسك ومتتأخريش يا حبيبي
هزت رأسها بـسعادة ورفعت جسدها لـتطبع قبلة عميقة على وجنتيه وفرت هاربة من أمامه وسط نظراته الحانقة والغاضبة كـطفلًا سُلبت لعبته المفصلة منه!! فهمس بـحسرة وتهكم:
_ أخرتها بوسه من خدك يا خايب الرجا دا لو ثائر شافك هيعملك نكتة الموسم بتاعه!!
أخدل كتفيه بـضيق وسار نحو فراشهم محتضنًا وسادتها دافنًا أنفه بها يتمتع بـعَبقها حتى تعود هي وتسكن أحضانها من جديد !!
**************************
جلس «ثائر» على مكتبه بـقلق وعينيه مسلطة فوق دقات الساعة أمامه الموازية لـدقات خافقه المضطرب المُنتظر لـفعلتها والتي يخمنها ويتمناها!! ابتسم بـحب ل، تلك النقطة التي تؤكد له مبادرتها بالقُرب وتخطيها الحواجز المفروضة بينهم والتي حفرتها هي بـبعدها وتجاهلها له!! إنها العاشرة والنصف ولم يأتيه أي أوراق بعد مما جعله يتساءل أكانت تمازحه لـتِشعل فضوله ليس اكثر!! أم أنها ترددت بما كانت تنتويه وخابت توقعاته هو الثاني!! نزعه من أفكاره صوت سكرتيرته « فرح» تطالب إمضاؤه على بعض الأوراق!! انتفض من جلسته مقتربًا منها مما جعل الفتاة تبتعد بـزعر من فعلت رَب عملها الغير واضحة وغريبة على عاداته الرزينة وتهمس بـقلق:
_ استاذ ثائر في حاجه؟!
رأى الخوف جليًا على ملامحها مما جعله يُعاود النظر لما فعل فوجد نفسه أمامها ولا تفصل بينهم سوى بعض الإنشات القليلة وعيناه تكاد تلتهم الأوراق التي تحتضنها!! ابتسم بتهكم وارجع رأسه للخلف ماسحًا على خصلاته فكيف لها ألا تخافه وهو بذاته يخاف! ابتسم مجدداً بتفهم وسحب الأوراق منها واعتذر حتى رأى بسمتها وخرجت، عاود الجلوس على مكتبه بـسرعة وهيئ نفسه كـطالب مُقدم على استنتاج نتيجة اختبار الأخير الفاصل لحياته!! رفع كفيه يمسح على وجهه ويهدأ من روعه والتقط القلم ودون النظر كما أخبرته وقع على الأوراق واحدًا تلو الآخر حتى انتهى!! وحينها سمح لـنفسه بالنظر داخلها وخابت آماله حينما وجدها تخص عمله ولا شيء يشير لها!! ألقاها من أمامه بغضب وحِدة واسند مرفقيه على المكتب واضعًا رأسه بينهما والكثير من الآلام تتدفق إليه تبعًا كأن العالم اجمع على تأديبه وإذاقته ما لم يفعله! استمع لـطرقاتٍ خفيفة على الباب ولم يكلف نفسه عناء رفع رأسه لمعرفة هوية الطارق بل اكتفى بالسماح له بـالدخول!!
دلفت هي بـبسمة خفيفة عاشقة تمنع نفسها بـصعوبة عن النظر له والتمعن داخله وتُصبر نفسها بأن بعد دقائق معدودة يكن لها كامل الحق به!! تنهدت بـصوتٍ مسموع وصله وجعله يُزهل مما وصل لأذنيه ويهز رأسه بـرفض مغمغمًا بـهمسٍ خافت:
_ مش هتيجي فوق وبطل بقا
ألمها قلبه لـما قاله ووصل إليها كـصاعقة أصابتها بمقتل جعلتها تتقدم من مكتبه بـهدوء مردفة بـحب:
_ بس أنا هنا! جنبك!
رفع رأسه بـتروي يتذوق كلماتها التي تراقصت داخل طبلة أذنه وجعلتها تتعزف طبولًا مُهللة من فرط فرحتها وهمس بـعشق فشل في إخفاؤه:
_ المره دي لأمتى؟!
ابتسمت «هبه» بسمة مماثلة له وجلست قِبالته هامسة بصدقٍ قاطع:
_ لحد ما أموت وصوتي يختفي من الدنيا دي هفضل هنا! جنبك!!
فتح فمه عِدة مرات محاولًا إيجاد كلماته ولكنها قاطعته بـإشارة من عينيها وهمست بـرجاء:
_ قبل أي حاجه وأي شرح لازم الخطوه دي تحصل وبعدها تقدر تقول كل اللي قلبك شايله واللي قلبي عاوز يسمعه يا ثائر
أومأ لها كـالمغيب فابتسمت هي بحب ونهضت للخارج وغابت لـعدة دقائق ثم دلفت وخلفها رجلًا ما إن تبين هويته حتى نهض على عجالة ووقف قِبالتها يتمنى زرعها داخل اضلعه بل خلفها لـتصبح على مقربة أكثر من مضغته النابضة باسمها!! الآن فهم ما كانت ترمي إليه بالأوراق!! وهل يستطيع التفكير حتى!! كل ما يجول بخاطره هو الصراخ والرقص بـسعادة وهي بين يديه بعدما تصبح زوجته!! هي الآن تدعوه للزواج منها ب، حضور «المأذون» ومهلًا بحضور صديقه وزج صديقتها!! أهي من رتبت لكل ذلك!!! أهناك ما يتمناه أكثر الآن!!! أهناك ما يُفرح فؤاده ويغزو روحه بالراحة أكثر من فعلتها التي برهنت حبها له!!!
_ مش هنكتب الكتاب ولا إيه يا باشا!!؟
كانت هذه كلمات «راكـان» المرحة ونظراته السعيدة التي لم تخلو من وجه الجميع حتى هي رغم تخفيها عنه!! الآن هي أمامه وبعد عدة دقائق زوجته ومن ثم ينتهي وجعه!! سيفرح!! ستزوره السعادة بعد غياب طيفها من حياته!!
*************************
خرج الجميع واحدًا تلو الآخر بـتهنئتهم وتمنيهم السعادة لهم وبقت أنفاسهم المحبوسة تهدد للخروج تعبر عن فرحتها هي الآخرى ولكنهم حجبوهم خوفًا من فضح رغبتهم الدفينة تجاه بعضهم البعض! ولكن هو لم يتحمل من المزيد فسارع بالوقوف أمامها وكادت شفتاه تلامس نقابها وأنفاسه تلفح صفحات وجهها من الداخل لا تعلم كيف وثانية واحدة هي ما اتخذها لـتصبح بين زراعيه بـعناقٍ ساحق دافنًا وجهه بكفتها مشددًا من قبضته حول جسدها الصغير الملامس لـه ودقات قلبها التي تتصدى لـمضغته المتضاربة المشاعر!! طال عناقهم هو يبث فرحته وشوقه ولوعته لها بـقوته وحنانه معًا وهي تستقبل لهفته وجموح أحضانه وشغف قُربه منها مستعدة لوهبه روحها من الآن دون تفكير!! تلاقت سُبل أرواحهم المرهقة على دُفة نهرٍ ما وانسجما سويًا غير عابئين بنظرات باقي الأرواح مختلسين العشق المُستحق لهم وكل الوقت الذي أضاعاه بعيدًا عن بعضهم البعض!!
ابتعد عنها بعد فترة طويلة وهي مغمضة العينين ترغب بـجذبه من جديد والبقاء بين أحضانه حتى تُزهق روحها المعذبة ببعده! تنهد هو بـعشق ولثم جبهتها بـقبلة عميقة وجائعة لـقربها منه وهمس بشوق وشجن:
_ مُبارك يا نور حياتي وبلسم روحي ونبض قلبي
غزت الدموع مقلتيه وابتسم بـشوق مماثل له وتعلقت بـذراعه هامسة بـحشرجة مرتجفة:
_ مُبارك عليا وجودك بـقلبك وطيفه وروحك وحنيتها وطيبتها يا ضي عيوني
لا مجال للصمت اليوم أو بعد اليوم ها قد لاحت الراحة بالأفق تلفحهم وقرر الفؤاد الخروج عن سجنه والبوح بما يجيش به من ثورات وتعاويذ ألقاها ساحره!! جذبها من كفها نحو جسده وأحاطها أسفل كتفه وسار نحو الأريكة التي انعقد قرآنهم عليهم وجلس مُحيطًا جسدها بـذراعيه قدر الإمكان يقربها منه هامسًا بـحب:
_ طلعي كل اللي في قلبك دلوقتي مفيش أي حاجه تمنعك ترتاحي لأنك جنبي يا هبه
أكان اسمها بـتلك الحلاوة والراحة من قبل! أله تلك النغمة المميزة التي تخرج من فمه أم أنها تتخيل!! ابتسم وجذبت جسدها لـداخل ذراعيه متلمسة العون والشجاعة منه هامسة:
_ كل اللي حصل كان من تفكيري بـمساعدة أثير وورده، كل واحدة منهم كان ليها دور ومسانده ليا بشكل مختلف، ورده عرفتني غلطي وفهمتني إني وجعتك وإني بوجع نفسي قبل ما بوجعك بس كنت غبيه ومصدقتش في الأول لحد ما لقيتك بتقع من إيدي وبتقرر تبعد!! جزء مني قالي مستحيل الحب اللي بتشوفيه في عيونه دا يختفي بس الجزء الأكبر كان مستسلم لكلامك ورافض لحد ما رؤى كلمتني الفضل ليك! أما أثير فهي اللي جابت راكـان عشان يشهد بس بطريقه غير مباشرة ومعرفش غير قبل ما يدخل إني اللي جايبه المأذون ومحضره أوراق الزواج وإني اللي اتقدمت ليك رسمي!!
وجد نفسه يضحك بـشدة على حديثها الأخير بـخجلها الواضح له حتى وإن تخفت عنه فـمد يده يرفع نقابها ولكنها حاولت منعه ولم يستمع وفور وقوع عينيه على تفاصيلها التي اشتاقها حد الجنون وجد شفتيه تطوف غزوًا على كافة ملامحها دون ترك خلية واحدة منها!! وهي! لم تمنعه بل تركته يمتلك ما هو حقه دون ردعه بل رفعت كفيها تشدد على كفه تتلمس القوة منه!! وبعد مدة ابتعد عنها يلهث بتعب بعدما منع نفسه من المزيد وهمس بلوعة وشوق:
_ كملي يا حبيبتي
ابتسم بـخجل ورفعت كفيها تتلمس لحيته النامية وعينيها تضويان عشقًا وشغفًا به هامسة بـتتيم جارف:
_ منعت نفسي كتير أقولك الكلمه دي وحاربت قلبي في كل مره بيبقى عاوز يجري ويترمي بين ضلوعك يشكيلك وجعه ويلوم الظروف اللي بعدته عنك قبل كدا لحد ما لقتني مش قادرة وقوتي بتقل يوم مع التاني وكل الأبواب مقفوله في وشي اللي باب حبك!! مش من يوم ولا ليله لقتني بحبك لا دا بعد تعب وتفكير طويييل قلبي استسلم ووقع جواك!! لقيتك بتسحبني ببطء لـجنتك وأنا كل يوم بتمتع فيها زياده وبفرح قلبي اللي تعب معاناة وتعب من التعب نفسه!! مل الوجع!! لما كنت بسمع صوتك وبجري عشان اشوفك وأنتَ داخل البيت أو اشم ريحة برفانك وأعرف إنك كنت في المكان دا أو قريب مني كان قلبي بيرفرف زي الفراشة ويرقص من فرحته وسعادته، ثائر أنا عديت الحب معاك والعشق قليل على اللي جوايا ليك
أخفضت رأسها بـخجل شديد ولم تمتلك الجرأة للمزيد من الكلمات بينما هو!! اين هو!!؟ أين هو تحديدًا من نِقاط بوحها لـعشقها له!!؟ أين عقله؟! يعلم مُسبقًا أنها تحبه بل أن تتخطى كل تلك المراحل لمرادفات الحب!! تلمس وجهها بأنامله ورفعه بـحذر وعشق لـيتقابل مع عينيها البديعة بأهدابها الكثيفة التي تغلفهم وهو يحسدهم حقًا لأنهم الأقرب لها منه!! عرفت أنامله طريقها لـوجنتيها يتحسسهم بـحب خامسًا بـشوق:
_ أنا بقى عديت كل المراحل دي! بقيت بقوم يوم جديد على أمل أني أشوفك والمح ضحتك اللي نقابك مخبيها عني بس كنت بحسها من عيونك! ببعد وبشغل نفسي عشان محبكش أكتر واضطر أقرب وقربي غلط وأنا عارف الحدود اللي مرسومه لينا!! كنت بموت كل يوم وأنا بتفكر كل دمعة نزلت منك بسببه ولما كنتِ بتحكي عنه ووجعك اللي الوقت مش قادر يداويه!! كنت بتعذب أكتر منك بالبعد اللي فرضتيه علينا بس كنت واثق إن الحب اللي بينا أكبر وإن كل الابتلاءات دي بعدها فرحه هنبكي منها وكنت بدعي بقرب اليوم دا وبحسب الدقايق والثوانِ ليه!! أنا بعشقك يا هبه وبتنفس وجودك!
عرفت الدموع سبيلها لـوجنتيها من كلماته التي حُفرت بـقلبها وهمست بـعشق:
_ مش ندمانه على حاجه في حياتي قد ندمي على وجعك! أنا آسفه بس كنت مفكر إن كدا أحسن ليك! وجودك زي الادمان يا ثائر بالنسبالي ومعنديش استعداد اخسر ادماني دا مهما حصل!!!
اتسعت بسمته العاشقة وتولت شفتيه مهمتها لـمحو دموعها وارجع رأسه للخلف براحة جاذبًا رأسها لتتوسد صدره مستمتعًا بذلك الدفء الذي غزَ جسده بالكامل!!
**********************
جلست « أثير» بـجانبه بالسيارة وبسمة بلهاء تزين ثغرها الوردي وسعادة عامرة تجتاحها وكأنها العروس وليست صديقتها!! رؤية العلاقات تتوهج ضياءً وتعلو سِمة تُجبى حتى القلوب الحاقدة على الابتسام فرحة بها مهما طغى الظلم!!
ناظرها «راكـان» بـعينين متوجستين من بسمتها المرسومة منذ خروجهم وتمتم بـتهكم:
_ إيه سر الضحكة اللي من الودن للودن دي!؟
التفتت بكامل جسدها لـتقابله وتمتمت بـحماس وسعادة:
_ مبسوطه ليهم اووي! هبه تستحق تفرح بعد كل التعب اللي قابلته وكمان ثائر بيحبها ودا باين اووي
ابتسم هو الآخر لسعادتها الطاغية وغزت أصابعه تحتضن أناملها الرقيقة وهمس بـعشق:
_ أنا بحبك أكتر!
خفضت رأسها بخجل وهمست بـحب:
_ عارفه
اصدر اعتراضًا من فمه على ردها المجازي المستفز وأشاح بوجهه عنها بـغضب طفولي بينما هتفت هي أمام إحدى المولات:
_ استنى هنااا
تمتم بـضيق مصطنع:
_ ليه انشاء آلَلَهّ؟
امسكت بـحقيبتها عندما توقفت السيارة وابتسمت بـحب مردفة:
_ محتاجه شوي لبس من هنا بقالي كتير مجبتش لبس!
أومأ لها بـصمت وسار خلفها متابعًا لحماستها الشديدة وابتسم بـحب فمهما كبرت الانثى تظل طفلة تحتاج لـعناية كاملة واهتمام!
************************
خرجت «ورده» من المرحاض بخطى هادئة عندما رأته غافٍ على الفراش بـملابسه والتعب يفترس ملامحه الوسيمة فـلعنت ذلك الدواء الذي يضاعف إجهاده ويجبره على النوم كثيرًا!! اقتربت منه بـحذر تتلمس جبينه المعقود وانحنت طابعة قبلة خفيفة فوق جبهته والتفتت مبتعدة عنه ولكنه قبض على معصمها هامسًا بـنعاس:
_ طب لما تسرقي اسرقي بذمه مش بتسرقي من عيل صغير
ابتسمت بـحب لـمزحته وصعدت جانبه على الفراش وجلست مستندة بجسدها للخلف فـرفع هو رأسه يتوسد فخذها دافنًا وجهه بـبطنها بـتعب هامسًا:
_ خليني كدا شوي
ربتت بـحنان على كتفه وتلمست خصلاته السوداء بـعشق وانخفضت بـقبلة عاشقة عليها دون حديث!
ساد القليل من الصمت بينهم كلاهما تتقاطع أفكارهم نحو نقطه ما! أن يأخذه الموت!! أيمكن أن يتركها وحيدة ثانية بين ازقة الطُرق الفارغة تبكي قهرًا على فراقه! أيمكن أن تلتاع بـمرارة الفُراق مجددًا!! بينما هو يتمنى من كل قلبه ألا يوافيه الموت إلا وقد رضى الله عنه وهو أرضاه؛ يتمنى ألا يتسبب ذهابه ذات يوم بـكسرتها فلا ذنب له إن كان الله يختبر كلاهما بـصبره وتحمله!
انحنت « ورده» تفتح أحد أدراج الكومود الملاصق للفراش تلتقط أدويته التي حان موعدها ورفعت كوب الماء أمامه هامسة بـنعومة وحب:
_ حبيبي... قوم خد علاجك
تنهد « براء» بتعب وأغمض عينيه سامحًا لدمعة وحيدة بالسير محو وجهتها للتنفيث عن قِلة حيلته ومرارة وجعه ونهض فاتحًا فمه يلتقط حبات الداوء التي تضعها أمام شفتيه ومن ثم المياه! كاد أن يختبئ عنها مجددًا ولكنها منعته ونهضت نحو خزانة الملابس متناولة ملابس للنوم وعادت إليه جالسة أمامه تفك أزرار قميصه الخفيف بهدوء وتلبسه التيشيرت القطني وتنهض متوجهة للخارج حتى يكمل بقية ثيابه وعادت بعد قليل حاملة كوب من الحليب الدافئ وساعدته أيضًا بـشربه كأنه صغيرها وليس زوجها وحبيبها!! انتهت من عنايتها به وجلست كما كانت لـيغوص هو بداخلها متمسكًا بكل دقيقة قربها منه مقبلًا معدتها يطلب من صغيرها الذي لم يكتمل أن يدعو الله له هو الآخر أن يُشفى وتنتهي آلالامه!!
كانت تعلم كل أفكاره التي تتقابل مع خاصتها فشددت من ضمها لرأسه وهمست بحب:
_ إنشاء الله كله هيبقى بخير وينتهي يا روحي
هز رأسه بموافقة وتمني والنوم يُثقل جفناه ساحبًا إياه لـراحة لحظية من أوجاعه الجسدية والنفسية
************************
بحثت « أثير» عنه بـضجر بكل مكان تتوقع وجوده به ولكنه كـقشة بـبحر اختفى!! تنهدت بـغضب وتوجهت للداخل وما كادت أن تدلف لـقياس ملابسها حتى لمحت طيفه وهرولت بغضبها الذي تضاعف وخاصة عندما وجدته بقسم الملابس النسائية الخاصة!!! أخفت وجهها من أفعاله الوقحة ونظراته الجريئة التي يرمقها بها وتوقفت أمامه هاتفة من بين أسنانها:
_ فهمني بتعمل إيه هنا وأنا بدور عليك زي الهبله بقالي ساعه!!!
أعطاها «راكـان» قُبلة خبيثة بالهواء مع نظراته الوقحة للملابس من أمامهم وهمس بعبث:
_ بصراحه ملقتش مكان طراوه زي هنا ومفتوح من كل مكان حتى المقفول شفاف!!
تخبطت وجنتيها بحمرة شديدة وغزَ الخجل جسدها بأكمله عندما توصلت لـمخزي كلماته عن الملابس فـهتفت بـحدة:
_ ملكش دعوه بالزفت المفتوح والمقفول واتفضل يلا عشان نمشي!!
تجاهل غضبها واقترب من قميصٍ فضي عاري الكتفين والظهر يصل طوله بالكاد لما قبل الركبة بـفتحة تبرز مقدمة الصدر ورفعه أمام عينيها بـلا خجل وتمتم بوقاحة:
_ طول عمري والفضي غالبني ومفضي وقتي وتاعبني إيه رأيك يا هانم!!
عن أي رأيي يتحدث وهي تكاد تموت خجلًا وتتمنى الذوبان الآن!! أمسكت القميص من يده وأعادته لـموضعه ورفعت اصبعها بوجهه بـتحذير وهتفت:
_ عارف لو ملمتش وقاحتك اللي ماشي تبعترها دي صدقني هخليك مش عارف تلم نفسك حتى!!!
غمزها «راكـان» بعينيه واقترب منها حتى لفحت أنفاسه وجهها وهمس بـوقاحة:
_ وأنا جاهز والله ومتبرع!!
************************
سارت بـجانبه وقلبها ينبض بقوة لكن ليس خوفًا أو قلقًا تلك المرة بل سعادة ونشوة من وجوده!! أصبحت زوجته وجانبه ولا تتمنى أكثر من ذلك! احتضنت ذراعه القريبة منها ومالت برأسها على كتفه عندما دلفت السيارة وهمستت بـحب:
_ أنا لسه مش مصدقه!
تصنع «ثائر»التفكير لعدة لحظات وهتف بعدها بمكر:
_والله هو في طريقه تصدقي وأنا هموت واعملها بس بقول نخليها بعد الفرح!
فهمت مخزى حديثه فابتعدت عنه بـخجل وهمست:
_افتكرت محترم علفكرا
رطب « ثائر» شفتيه بـحركة درامية وتمتم بـوقاحة:
_ والله أنا مؤدب وزي الفل مع الكل إلا أنتِ!
عضت على شفتيها بـتوتر من تلك المشاعر ابتي تختبرها للمرة الأولى وهمست بنعومة:
_ هو إحنا هنعمل فرح!؟
هتف « ثائر» بلا تردد:
_ دا سؤال ولا جواب؟
أجابته بحب:
_ هتفرق؟!
ناظرها بـعشق واحتضن كفها وهمس بـصدق وقوة:
_ لا بس الاتنين واحد لأنه لو جواب يبقى مفيش كلام فيه بس لو سؤال يبقى الإجابه ايوه طبعًا، يعني بذمتك حد يبقى معاه قمر واتعذب واتمرمط على ما وصله كدا وميعملش فرح!!
أدمعت عينيها تأثرًا بما قال ولكنها تمتمت بهمس:
_ بس أنا مش عاوزه!
الفصل الثامن والعشرون
للـخيبات نهاية وللأحزان نهاية مهما طال أمدها، يأتي للـقلب هُدنة من السلام تبعثه بـرحلة هادئة مُفعمة بـالراحة والسعادة التي طال فُقدانها كـتعويضٍ بدائي عن تلك الليالي التي كانت الدموع والأوجاع رفيقه الوحيد والأنين أنيسه الدائم، تُبرهن له صِدق الوعود ونتائج الصبر وقوة الإيمان ومهما طال القحط سيغزو الازدهار يومًا!!
مضى اليومان بـأثقالهم عليها كـدهرٍ من التوتر والتردد! بين كل ثانية تُراقب الوقت ولم تخضع عينيها لـراحة بـالنوم أو يتوقف عقلها عن التفكير به أو بما سينتج من قرارها الأهوج!! بعد طول تفكير توصلت لـذلك القرار الجريء وكلها أملًا بـتصحيح فعلتها الشنعاء بحقه وحق آلالامه التي لازمته بسببها، أهذا الخواء الذي تشعر به من فرط حماسها أم أن قلبها الأجوف اعتاد الوحدة ولم يعد يُصدق حقيقة ما هو مقدم عليه!! أغمضت عينيه لـوهلة تستجمع شتات روحها التي تهلل فرحة وخوف من مصير قرارها ومن ثم أفرجت عن قزحيتين لامعتين بـالدموع المُنكسرة التي تهدد بالسقوط وهي من قررت سابقًا حجب ذلك الحزن والضعف والسير على خطوات القوة والعزيمة رافضة الخنوع لـجدرانها المتهالكة!! القليل مِنا من يحظى بـسعادته الخاصة مع من يُحب ويرغب ولذلك هي متوترة صحيح!! هذا ما أقنعت عقلها الرافض للواقع ونهضت تلتقط ثيابها استعدادًا لـبدء خطواتها الفاصلة بينهم!!
بعد مدة قصيرة وقفت تُنهي ترتيب ثوبها الزيتي الذي لائم جسدها كثيرًا وتتأكد من تنظيم خِمارها ونقابها ومن أسفلهم بسمتها السعيدة التي طغت على خوفها وها هي تبتسم كالبلهاء مع ارتفاع وتيرة أنفاسها الخجولة وانسحاب كلماتها من جوفها!!
_ أيه يا عروسه الراجل زمانه خلل وهو مستني!
كان ذلك الصوت هو الأقرب والأحب لـقلبها ومن سواها صديقتها الأولى «ورده» مصدر إلهامها وإرشادها وراحتها معًا!! تلك الفتاة الحنونة التي أبت تركها ضائعة بأول مرة لاقتها وبالثانية وقفت جانبها ودعمتها بـقرارها وها هي فعلته!! يقولون الأصدقاء متقلبون كما القلوب منهم الذاهب ومن الوافد ولكنهم نسوا أن منهم الأوفى! منهم الاحن!! الأصدق والأحب!! منهم المُلائم للقلب والمُرافق للروح!! منهم من يجعل الطمأنينة تتسرب إليك فور سماع وقع نبرته!!
التهمت الخطوات الفاصلة بينهم لـتغمرها بـعناقٍ ساحق دفنت كلتاهما القلق وكل مشاعرهم السلبية بيه مُرحبين بـهذا الكَم من السعادة التي تتسلل أليهم! ابتعدت «ورده» بعينين دامعتين عنها وناظرتها بـسعادة وحب مردفة وهي تُعدل من وضع نقابها:
_ زي القمر يا هبه وأنتِ هِبة لأي حد تدخلي حياتي
ابتسمت «هبه» بـخجل وظفرت عينيها بعض العبرات الممتنة وهمست بـحشرجة مطمئنة:
_ وأنتِ رحمه ونعمه لأي حد، شكرًا لأنك في حياتي
ابتسمت «ورده» بـطيبة وحب لـتلك الفتاة الملائكية التي دثها القدر لها بين طياته لـتكون رفيقتها الأولى وملجأها بهذا العالم، تخصرت بـغيظٍ من تأخرهم بعدما أبصرت الساعة وهتفت بـحنق:
_ يلا في راجل مستني تحت غير عريس الغفلة بتاعك
لـكزتها «هبه» بـخصرها بـضيق من نعتها له بـهذا اللقب المُسيء!! وهتفت بخجل:
_ متقوليش عليه كدا!
دفعتها «ورده» بـحدة مصطنعة ومرح للخارج مرددة:
_ الحب وعمايله
*************************
وقفت أمام المرآه تضع لمساتها الأخيرة وابتسمت بـثقة لـهيئتها التي رغم بساطتها إلا أنها راقتها كثيرًا بـثوبها الأزرق الهادئ بـثناياته الخفيفة التي أخفت قوامها الزائد وشعرها المسترسل بـنعومة على طول ظهرها، رفعت حقيبتها وسارت للخارج ولكن أوقفها صوته الهادئ:
_ أقدر اعرف مراتي راحه فين الساعه 8 الصبح وسايبه جوزها!؟
ابتلعت « أثير» لعابها بـقلق من كشفه لـخطتهم التي بظنها حربية!! ودارت بـجسدها له متصنعة البراءة واللطافة الزائدة بإعتقادها أنها لا تشبه الجرو الصغير المُترجي لـصاحبه!! تنفست بـتوجس من ردة فعله الهادئة وابتسمت بـتوتر مجيبة بكذب:
_ متفقة نتقابل أنا وهبه وورده
لوى «راكان» فمه بـسخرية متذكرًا تحولها الجذري بعد زيارتها لهاتين اللعينتين وخاصة تلك الشرسة المُسماة بـ «ورده» التي لم تترك فرصة إلا وتُبرع بـحرق أعصابه وقصفه وجعله أضحوكة للجميع!! تنهد بـحنق مردفّا بـنفيٍ:
_ لا مفيش نزول
تلاقى حاجبيها بـتعجب وضيق من رفضه الغير مبرر من وجهة نظرها وتخصرت بـتوعد متحدثة:
_ لي بقا يا حضرة الدكتور، هتحبسني؟!!
ابتلع الآخر لعابه من نظرات التوعد الماثلة بـحدقتيها العسليتين وهز رأسه مجيبًا بـتسويف:
_ بكره إنشاء الله تقابليهم أكون أنا في الشغل بس مش صح تسيبيني في البيت وتنزلي وأنا قاعد عشانك!
مطت «أثير» شفتيها بـتفهم واقتناع لـحديثه واستعطافه الكامن بـداخله ولكنها لن تترك أصدقائها بـمفردهم وأيضًا لن تخبره المزيد من التفاصيل التي سيعرفها بعد قليل، سلطت نظراتها المدللة عليه واقتربت قاطعة المسافة بينهم متقاسمة أنفاسه معه وهمست بـنعومة:
_ ساعه بس يا روحي ومش هتأخر عليك بس مقدرش أسيبهم النهارده عشان هم محتاجيني وأوعدك هحكيلك كل حاجه لما ارجع!
رطب «راكـان» شفتيه التي جفت تلقائيًا من قربها السريع وغاص بـبحور عينيها الثائرة وكل خلية بـجسده تدعوه لـجذبها بين ذراعيه ويحترق العالم وتحترق معه رغبتها بالذهاب ولكنه وافق على مضد أمام نظراتها التي تحولت لـرجاءٍ خالص فـتمتم بصوتٍ أجش ناعم:
_ اللي الهانم تطلبه يتنفذ، خلي بالك من نفسك ومتتأخريش يا حبيبي
هزت رأسها بـسعادة ورفعت جسدها لـتطبع قبلة عميقة على وجنتيه وفرت هاربة من أمامه وسط نظراته الحانقة والغاضبة كـطفلًا سُلبت لعبته المفصلة منه!! فهمس بـحسرة وتهكم:
_ أخرتها بوسه من خدك يا خايب الرجا دا لو ثائر شافك هيعملك نكتة الموسم بتاعه!!
أخدل كتفيه بـضيق وسار نحو فراشهم محتضنًا وسادتها دافنًا أنفه بها يتمتع بـعَبقها حتى تعود هي وتسكن أحضانها من جديد !!
**************************
جلس «ثائر» على مكتبه بـقلق وعينيه مسلطة فوق دقات الساعة أمامه الموازية لـدقات خافقه المضطرب المُنتظر لـفعلتها والتي يخمنها ويتمناها!! ابتسم بـحب ل، تلك النقطة التي تؤكد له مبادرتها بالقُرب وتخطيها الحواجز المفروضة بينهم والتي حفرتها هي بـبعدها وتجاهلها له!! إنها العاشرة والنصف ولم يأتيه أي أوراق بعد مما جعله يتساءل أكانت تمازحه لـتِشعل فضوله ليس اكثر!! أم أنها ترددت بما كانت تنتويه وخابت توقعاته هو الثاني!! نزعه من أفكاره صوت سكرتيرته « فرح» تطالب إمضاؤه على بعض الأوراق!! انتفض من جلسته مقتربًا منها مما جعل الفتاة تبتعد بـزعر من فعلت رَب عملها الغير واضحة وغريبة على عاداته الرزينة وتهمس بـقلق:
_ استاذ ثائر في حاجه؟!
رأى الخوف جليًا على ملامحها مما جعله يُعاود النظر لما فعل فوجد نفسه أمامها ولا تفصل بينهم سوى بعض الإنشات القليلة وعيناه تكاد تلتهم الأوراق التي تحتضنها!! ابتسم بتهكم وارجع رأسه للخلف ماسحًا على خصلاته فكيف لها ألا تخافه وهو بذاته يخاف! ابتسم مجدداً بتفهم وسحب الأوراق منها واعتذر حتى رأى بسمتها وخرجت، عاود الجلوس على مكتبه بـسرعة وهيئ نفسه كـطالب مُقدم على استنتاج نتيجة اختبار الأخير الفاصل لحياته!! رفع كفيه يمسح على وجهه ويهدأ من روعه والتقط القلم ودون النظر كما أخبرته وقع على الأوراق واحدًا تلو الآخر حتى انتهى!! وحينها سمح لـنفسه بالنظر داخلها وخابت آماله حينما وجدها تخص عمله ولا شيء يشير لها!! ألقاها من أمامه بغضب وحِدة واسند مرفقيه على المكتب واضعًا رأسه بينهما والكثير من الآلام تتدفق إليه تبعًا كأن العالم اجمع على تأديبه وإذاقته ما لم يفعله! استمع لـطرقاتٍ خفيفة على الباب ولم يكلف نفسه عناء رفع رأسه لمعرفة هوية الطارق بل اكتفى بالسماح له بـالدخول!!
دلفت هي بـبسمة خفيفة عاشقة تمنع نفسها بـصعوبة عن النظر له والتمعن داخله وتُصبر نفسها بأن بعد دقائق معدودة يكن لها كامل الحق به!! تنهدت بـصوتٍ مسموع وصله وجعله يُزهل مما وصل لأذنيه ويهز رأسه بـرفض مغمغمًا بـهمسٍ خافت:
_ مش هتيجي فوق وبطل بقا
ألمها قلبه لـما قاله ووصل إليها كـصاعقة أصابتها بمقتل جعلتها تتقدم من مكتبه بـهدوء مردفة بـحب:
_ بس أنا هنا! جنبك!
رفع رأسه بـتروي يتذوق كلماتها التي تراقصت داخل طبلة أذنه وجعلتها تتعزف طبولًا مُهللة من فرط فرحتها وهمس بـعشق فشل في إخفاؤه:
_ المره دي لأمتى؟!
ابتسمت «هبه» بسمة مماثلة له وجلست قِبالته هامسة بصدقٍ قاطع:
_ لحد ما أموت وصوتي يختفي من الدنيا دي هفضل هنا! جنبك!!
فتح فمه عِدة مرات محاولًا إيجاد كلماته ولكنها قاطعته بـإشارة من عينيها وهمست بـرجاء:
_ قبل أي حاجه وأي شرح لازم الخطوه دي تحصل وبعدها تقدر تقول كل اللي قلبك شايله واللي قلبي عاوز يسمعه يا ثائر
أومأ لها كـالمغيب فابتسمت هي بحب ونهضت للخارج وغابت لـعدة دقائق ثم دلفت وخلفها رجلًا ما إن تبين هويته حتى نهض على عجالة ووقف قِبالتها يتمنى زرعها داخل اضلعه بل خلفها لـتصبح على مقربة أكثر من مضغته النابضة باسمها!! الآن فهم ما كانت ترمي إليه بالأوراق!! وهل يستطيع التفكير حتى!! كل ما يجول بخاطره هو الصراخ والرقص بـسعادة وهي بين يديه بعدما تصبح زوجته!! هي الآن تدعوه للزواج منها ب، حضور «المأذون» ومهلًا بحضور صديقه وزج صديقتها!! أهي من رتبت لكل ذلك!!! أهناك ما يتمناه أكثر الآن!!! أهناك ما يُفرح فؤاده ويغزو روحه بالراحة أكثر من فعلتها التي برهنت حبها له!!!
_ مش هنكتب الكتاب ولا إيه يا باشا!!؟
كانت هذه كلمات «راكـان» المرحة ونظراته السعيدة التي لم تخلو من وجه الجميع حتى هي رغم تخفيها عنه!! الآن هي أمامه وبعد عدة دقائق زوجته ومن ثم ينتهي وجعه!! سيفرح!! ستزوره السعادة بعد غياب طيفها من حياته!!
*************************
خرج الجميع واحدًا تلو الآخر بـتهنئتهم وتمنيهم السعادة لهم وبقت أنفاسهم المحبوسة تهدد للخروج تعبر عن فرحتها هي الآخرى ولكنهم حجبوهم خوفًا من فضح رغبتهم الدفينة تجاه بعضهم البعض! ولكن هو لم يتحمل من المزيد فسارع بالوقوف أمامها وكادت شفتاه تلامس نقابها وأنفاسه تلفح صفحات وجهها من الداخل لا تعلم كيف وثانية واحدة هي ما اتخذها لـتصبح بين زراعيه بـعناقٍ ساحق دافنًا وجهه بكفتها مشددًا من قبضته حول جسدها الصغير الملامس لـه ودقات قلبها التي تتصدى لـمضغته المتضاربة المشاعر!! طال عناقهم هو يبث فرحته وشوقه ولوعته لها بـقوته وحنانه معًا وهي تستقبل لهفته وجموح أحضانه وشغف قُربه منها مستعدة لوهبه روحها من الآن دون تفكير!! تلاقت سُبل أرواحهم المرهقة على دُفة نهرٍ ما وانسجما سويًا غير عابئين بنظرات باقي الأرواح مختلسين العشق المُستحق لهم وكل الوقت الذي أضاعاه بعيدًا عن بعضهم البعض!!
ابتعد عنها بعد فترة طويلة وهي مغمضة العينين ترغب بـجذبه من جديد والبقاء بين أحضانه حتى تُزهق روحها المعذبة ببعده! تنهد هو بـعشق ولثم جبهتها بـقبلة عميقة وجائعة لـقربها منه وهمس بشوق وشجن:
_ مُبارك يا نور حياتي وبلسم روحي ونبض قلبي
غزت الدموع مقلتيه وابتسم بـشوق مماثل له وتعلقت بـذراعه هامسة بـحشرجة مرتجفة:
_ مُبارك عليا وجودك بـقلبك وطيفه وروحك وحنيتها وطيبتها يا ضي عيوني
لا مجال للصمت اليوم أو بعد اليوم ها قد لاحت الراحة بالأفق تلفحهم وقرر الفؤاد الخروج عن سجنه والبوح بما يجيش به من ثورات وتعاويذ ألقاها ساحره!! جذبها من كفها نحو جسده وأحاطها أسفل كتفه وسار نحو الأريكة التي انعقد قرآنهم عليهم وجلس مُحيطًا جسدها بـذراعيه قدر الإمكان يقربها منه هامسًا بـحب:
_ طلعي كل اللي في قلبك دلوقتي مفيش أي حاجه تمنعك ترتاحي لأنك جنبي يا هبه
أكان اسمها بـتلك الحلاوة والراحة من قبل! أله تلك النغمة المميزة التي تخرج من فمه أم أنها تتخيل!! ابتسم وجذبت جسدها لـداخل ذراعيه متلمسة العون والشجاعة منه هامسة:
_ كل اللي حصل كان من تفكيري بـمساعدة أثير وورده، كل واحدة منهم كان ليها دور ومسانده ليا بشكل مختلف، ورده عرفتني غلطي وفهمتني إني وجعتك وإني بوجع نفسي قبل ما بوجعك بس كنت غبيه ومصدقتش في الأول لحد ما لقيتك بتقع من إيدي وبتقرر تبعد!! جزء مني قالي مستحيل الحب اللي بتشوفيه في عيونه دا يختفي بس الجزء الأكبر كان مستسلم لكلامك ورافض لحد ما رؤى كلمتني الفضل ليك! أما أثير فهي اللي جابت راكـان عشان يشهد بس بطريقه غير مباشرة ومعرفش غير قبل ما يدخل إني اللي جايبه المأذون ومحضره أوراق الزواج وإني اللي اتقدمت ليك رسمي!!
وجد نفسه يضحك بـشدة على حديثها الأخير بـخجلها الواضح له حتى وإن تخفت عنه فـمد يده يرفع نقابها ولكنها حاولت منعه ولم يستمع وفور وقوع عينيه على تفاصيلها التي اشتاقها حد الجنون وجد شفتيه تطوف غزوًا على كافة ملامحها دون ترك خلية واحدة منها!! وهي! لم تمنعه بل تركته يمتلك ما هو حقه دون ردعه بل رفعت كفيها تشدد على كفه تتلمس القوة منه!! وبعد مدة ابتعد عنها يلهث بتعب بعدما منع نفسه من المزيد وهمس بلوعة وشوق:
_ كملي يا حبيبتي
ابتسم بـخجل ورفعت كفيها تتلمس لحيته النامية وعينيها تضويان عشقًا وشغفًا به هامسة بـتتيم جارف:
_ منعت نفسي كتير أقولك الكلمه دي وحاربت قلبي في كل مره بيبقى عاوز يجري ويترمي بين ضلوعك يشكيلك وجعه ويلوم الظروف اللي بعدته عنك قبل كدا لحد ما لقتني مش قادرة وقوتي بتقل يوم مع التاني وكل الأبواب مقفوله في وشي اللي باب حبك!! مش من يوم ولا ليله لقتني بحبك لا دا بعد تعب وتفكير طويييل قلبي استسلم ووقع جواك!! لقيتك بتسحبني ببطء لـجنتك وأنا كل يوم بتمتع فيها زياده وبفرح قلبي اللي تعب معاناة وتعب من التعب نفسه!! مل الوجع!! لما كنت بسمع صوتك وبجري عشان اشوفك وأنتَ داخل البيت أو اشم ريحة برفانك وأعرف إنك كنت في المكان دا أو قريب مني كان قلبي بيرفرف زي الفراشة ويرقص من فرحته وسعادته، ثائر أنا عديت الحب معاك والعشق قليل على اللي جوايا ليك
أخفضت رأسها بـخجل شديد ولم تمتلك الجرأة للمزيد من الكلمات بينما هو!! اين هو!!؟ أين هو تحديدًا من نِقاط بوحها لـعشقها له!!؟ أين عقله؟! يعلم مُسبقًا أنها تحبه بل أن تتخطى كل تلك المراحل لمرادفات الحب!! تلمس وجهها بأنامله ورفعه بـحذر وعشق لـيتقابل مع عينيها البديعة بأهدابها الكثيفة التي تغلفهم وهو يحسدهم حقًا لأنهم الأقرب لها منه!! عرفت أنامله طريقها لـوجنتيها يتحسسهم بـحب خامسًا بـشوق:
_ أنا بقى عديت كل المراحل دي! بقيت بقوم يوم جديد على أمل أني أشوفك والمح ضحتك اللي نقابك مخبيها عني بس كنت بحسها من عيونك! ببعد وبشغل نفسي عشان محبكش أكتر واضطر أقرب وقربي غلط وأنا عارف الحدود اللي مرسومه لينا!! كنت بموت كل يوم وأنا بتفكر كل دمعة نزلت منك بسببه ولما كنتِ بتحكي عنه ووجعك اللي الوقت مش قادر يداويه!! كنت بتعذب أكتر منك بالبعد اللي فرضتيه علينا بس كنت واثق إن الحب اللي بينا أكبر وإن كل الابتلاءات دي بعدها فرحه هنبكي منها وكنت بدعي بقرب اليوم دا وبحسب الدقايق والثوانِ ليه!! أنا بعشقك يا هبه وبتنفس وجودك!
عرفت الدموع سبيلها لـوجنتيها من كلماته التي حُفرت بـقلبها وهمست بـعشق:
_ مش ندمانه على حاجه في حياتي قد ندمي على وجعك! أنا آسفه بس كنت مفكر إن كدا أحسن ليك! وجودك زي الادمان يا ثائر بالنسبالي ومعنديش استعداد اخسر ادماني دا مهما حصل!!!
اتسعت بسمته العاشقة وتولت شفتيه مهمتها لـمحو دموعها وارجع رأسه للخلف براحة جاذبًا رأسها لتتوسد صدره مستمتعًا بذلك الدفء الذي غزَ جسده بالكامل!!
**********************
جلست « أثير» بـجانبه بالسيارة وبسمة بلهاء تزين ثغرها الوردي وسعادة عامرة تجتاحها وكأنها العروس وليست صديقتها!! رؤية العلاقات تتوهج ضياءً وتعلو سِمة تُجبى حتى القلوب الحاقدة على الابتسام فرحة بها مهما طغى الظلم!!
ناظرها «راكـان» بـعينين متوجستين من بسمتها المرسومة منذ خروجهم وتمتم بـتهكم:
_ إيه سر الضحكة اللي من الودن للودن دي!؟
التفتت بكامل جسدها لـتقابله وتمتمت بـحماس وسعادة:
_ مبسوطه ليهم اووي! هبه تستحق تفرح بعد كل التعب اللي قابلته وكمان ثائر بيحبها ودا باين اووي
ابتسم هو الآخر لسعادتها الطاغية وغزت أصابعه تحتضن أناملها الرقيقة وهمس بـعشق:
_ أنا بحبك أكتر!
خفضت رأسها بخجل وهمست بـحب:
_ عارفه
اصدر اعتراضًا من فمه على ردها المجازي المستفز وأشاح بوجهه عنها بـغضب طفولي بينما هتفت هي أمام إحدى المولات:
_ استنى هنااا
تمتم بـضيق مصطنع:
_ ليه انشاء آلَلَهّ؟
امسكت بـحقيبتها عندما توقفت السيارة وابتسمت بـحب مردفة:
_ محتاجه شوي لبس من هنا بقالي كتير مجبتش لبس!
أومأ لها بـصمت وسار خلفها متابعًا لحماستها الشديدة وابتسم بـحب فمهما كبرت الانثى تظل طفلة تحتاج لـعناية كاملة واهتمام!
************************
خرجت «ورده» من المرحاض بخطى هادئة عندما رأته غافٍ على الفراش بـملابسه والتعب يفترس ملامحه الوسيمة فـلعنت ذلك الدواء الذي يضاعف إجهاده ويجبره على النوم كثيرًا!! اقتربت منه بـحذر تتلمس جبينه المعقود وانحنت طابعة قبلة خفيفة فوق جبهته والتفتت مبتعدة عنه ولكنه قبض على معصمها هامسًا بـنعاس:
_ طب لما تسرقي اسرقي بذمه مش بتسرقي من عيل صغير
ابتسمت بـحب لـمزحته وصعدت جانبه على الفراش وجلست مستندة بجسدها للخلف فـرفع هو رأسه يتوسد فخذها دافنًا وجهه بـبطنها بـتعب هامسًا:
_ خليني كدا شوي
ربتت بـحنان على كتفه وتلمست خصلاته السوداء بـعشق وانخفضت بـقبلة عاشقة عليها دون حديث!
ساد القليل من الصمت بينهم كلاهما تتقاطع أفكارهم نحو نقطه ما! أن يأخذه الموت!! أيمكن أن يتركها وحيدة ثانية بين ازقة الطُرق الفارغة تبكي قهرًا على فراقه! أيمكن أن تلتاع بـمرارة الفُراق مجددًا!! بينما هو يتمنى من كل قلبه ألا يوافيه الموت إلا وقد رضى الله عنه وهو أرضاه؛ يتمنى ألا يتسبب ذهابه ذات يوم بـكسرتها فلا ذنب له إن كان الله يختبر كلاهما بـصبره وتحمله!
انحنت « ورده» تفتح أحد أدراج الكومود الملاصق للفراش تلتقط أدويته التي حان موعدها ورفعت كوب الماء أمامه هامسة بـنعومة وحب:
_ حبيبي... قوم خد علاجك
تنهد « براء» بتعب وأغمض عينيه سامحًا لدمعة وحيدة بالسير محو وجهتها للتنفيث عن قِلة حيلته ومرارة وجعه ونهض فاتحًا فمه يلتقط حبات الداوء التي تضعها أمام شفتيه ومن ثم المياه! كاد أن يختبئ عنها مجددًا ولكنها منعته ونهضت نحو خزانة الملابس متناولة ملابس للنوم وعادت إليه جالسة أمامه تفك أزرار قميصه الخفيف بهدوء وتلبسه التيشيرت القطني وتنهض متوجهة للخارج حتى يكمل بقية ثيابه وعادت بعد قليل حاملة كوب من الحليب الدافئ وساعدته أيضًا بـشربه كأنه صغيرها وليس زوجها وحبيبها!! انتهت من عنايتها به وجلست كما كانت لـيغوص هو بداخلها متمسكًا بكل دقيقة قربها منه مقبلًا معدتها يطلب من صغيرها الذي لم يكتمل أن يدعو الله له هو الآخر أن يُشفى وتنتهي آلالامه!!
كانت تعلم كل أفكاره التي تتقابل مع خاصتها فشددت من ضمها لرأسه وهمست بحب:
_ إنشاء الله كله هيبقى بخير وينتهي يا روحي
هز رأسه بموافقة وتمني والنوم يُثقل جفناه ساحبًا إياه لـراحة لحظية من أوجاعه الجسدية والنفسية
************************
بحثت « أثير» عنه بـضجر بكل مكان تتوقع وجوده به ولكنه كـقشة بـبحر اختفى!! تنهدت بـغضب وتوجهت للداخل وما كادت أن تدلف لـقياس ملابسها حتى لمحت طيفه وهرولت بغضبها الذي تضاعف وخاصة عندما وجدته بقسم الملابس النسائية الخاصة!!! أخفت وجهها من أفعاله الوقحة ونظراته الجريئة التي يرمقها بها وتوقفت أمامه هاتفة من بين أسنانها:
_ فهمني بتعمل إيه هنا وأنا بدور عليك زي الهبله بقالي ساعه!!!
أعطاها «راكـان» قُبلة خبيثة بالهواء مع نظراته الوقحة للملابس من أمامهم وهمس بعبث:
_ بصراحه ملقتش مكان طراوه زي هنا ومفتوح من كل مكان حتى المقفول شفاف!!
تخبطت وجنتيها بحمرة شديدة وغزَ الخجل جسدها بأكمله عندما توصلت لـمخزي كلماته عن الملابس فـهتفت بـحدة:
_ ملكش دعوه بالزفت المفتوح والمقفول واتفضل يلا عشان نمشي!!
تجاهل غضبها واقترب من قميصٍ فضي عاري الكتفين والظهر يصل طوله بالكاد لما قبل الركبة بـفتحة تبرز مقدمة الصدر ورفعه أمام عينيها بـلا خجل وتمتم بوقاحة:
_ طول عمري والفضي غالبني ومفضي وقتي وتاعبني إيه رأيك يا هانم!!
عن أي رأيي يتحدث وهي تكاد تموت خجلًا وتتمنى الذوبان الآن!! أمسكت القميص من يده وأعادته لـموضعه ورفعت اصبعها بوجهه بـتحذير وهتفت:
_ عارف لو ملمتش وقاحتك اللي ماشي تبعترها دي صدقني هخليك مش عارف تلم نفسك حتى!!!
غمزها «راكـان» بعينيه واقترب منها حتى لفحت أنفاسه وجهها وهمس بـوقاحة:
_ وأنا جاهز والله ومتبرع!!
************************
سارت بـجانبه وقلبها ينبض بقوة لكن ليس خوفًا أو قلقًا تلك المرة بل سعادة ونشوة من وجوده!! أصبحت زوجته وجانبه ولا تتمنى أكثر من ذلك! احتضنت ذراعه القريبة منها ومالت برأسها على كتفه عندما دلفت السيارة وهمستت بـحب:
_ أنا لسه مش مصدقه!
تصنع «ثائر»التفكير لعدة لحظات وهتف بعدها بمكر:
_والله هو في طريقه تصدقي وأنا هموت واعملها بس بقول نخليها بعد الفرح!
فهمت مخزى حديثه فابتعدت عنه بـخجل وهمست:
_افتكرت محترم علفكرا
رطب « ثائر» شفتيه بـحركة درامية وتمتم بـوقاحة:
_ والله أنا مؤدب وزي الفل مع الكل إلا أنتِ!
عضت على شفتيها بـتوتر من تلك المشاعر ابتي تختبرها للمرة الأولى وهمست بنعومة:
_ هو إحنا هنعمل فرح!؟
هتف « ثائر» بلا تردد:
_ دا سؤال ولا جواب؟
أجابته بحب:
_ هتفرق؟!
ناظرها بـعشق واحتضن كفها وهمس بـصدق وقوة:
_ لا بس الاتنين واحد لأنه لو جواب يبقى مفيش كلام فيه بس لو سؤال يبقى الإجابه ايوه طبعًا، يعني بذمتك حد يبقى معاه قمر واتعذب واتمرمط على ما وصله كدا وميعملش فرح!!
أدمعت عينيها تأثرًا بما قال ولكنها تمتمت بهمس:
_ بس أنا مش عاوزه!