اخر الروايات

رواية شظايا الكلمات الفصل السادس والعشرين 26 بقلم جهاد وجيه

رواية شظايا الكلمات الفصل السادس والعشرين 26 بقلم جهاد وجيه 

شظايا الكلمات
الفصل السادس والعشرون
__________&_________&_________

لو اجتمع العالم بـطوائفه وأخبروكَ أن خافقي الحزين أقلع عن الوقوع بكَ وحتى إن ذُلَّ لساني وأحزنك.... أترك لكَ رسالتي تلك:
واللهِ ما لي بـتحكم على فؤادي عندما يُصب الأمر ناحيتك فـهو كـالرضيع كلما غابت والدته بـكى حزنًا ولوعَة لها وعندما مَر طيفها تهللت ملامحه سرورًا ونشوة باحتضانها وكأنها مَنبع أمانيه وفُوهَة سعادته...

توجهت لـصُنع بعض القهوة التي بات عقلها يُطالب بها مؤخرًا منذ ذلك اليوم الذي ختمه هو بـرفض إصرارها وأخبرها صريحة أنها مهما حاولت لإيقافه عن حبها لن تردعه! منذ تلك اللحظة وقد مَر ما يُقارب شهرًا وبالفعل عدتها أوشكت على الانتهاء أو ربما انتهت هي حقًا لا تهتم لذلك بل تقضي وقتها صباحًا تذهب لـصديقتها ومن ثم تعود لبيتها بعد العمل الذي حصلت عليه من جديد بـصعوبة وينتهي اليوم مع الكثير من الأفكار والدموع الحزينة منها ما يخبرها أنها مخطئة بل ومذنبة بحقه ومنها ما يُصف لـفؤادها وأنها على الدرب السليم الذي سيصلحه!! ولكن كيف يا هبه!!

انتزعت عقلها من شروده عندما تعالت أصوات القهوة المتساقطة على الموقد مما جعلها تبتسم بـتهكم وتُطفئ النار بعدما اعدتها وتوجهت لـغرفة شقيقتها النائمة! بعدما اطمأنت لـنومها دلفت غرفتها وجلست محتضنة الكوب الدافئ وبظنها أن كذلك ستتسرب حرارته لـقلبها البارد!! هي بـأوج أيام العام حرارة وصيفًا ورغم ذلك قلبها يرتجف من فِكرة الابتعاد عنه! أدمعت عينيها عندما لاحت نظراته المعاتبة لها وهو يخبرها بحجم أنانيتها وقسوتها عليه وعلى قلبه العاشق لها!! ولكن ما بيدها لتفعله!؟ كانت سلمت قلبها له وتراقصت أوتار عقلها فرحة بحبه ولكن لم تعطيها الحياة عدالة كفاية وها هي أصبحت بعينيه أقل مما كانت تعتقد فهو رآها بـأضعف وأحقر حالتها ذليلة ومُهانة بل ومُغتصبة بفعل دناءة زوجها السابق!! ليست مخطئة ولن تتوقف عن الابتعاد وزرع الكره بقلبه لها ولن تسمح له بالاقتراب يكفيها قربًا ويكفيها ألمًا لـروحها المعذبة....

********************************************

أغمض « براء» عينيه بـراحة مستمتعًا بقرابها الذي بات ملجأه الوحيد ومنبع سعادته الدائمة ودواء داءه الخبيث!! ابتسم بـعشق وانفرجت شفتاه عن بسمة دافئة تدفقت من عينيه وملامحه عندما تململت من نومتها، طالعها بـعينين ماكرتين وضم جسدها له محتضنًا خصرها النحيل هامسًا بـبحة عميقة:

_ مش كفايه نوم وحشتني يا وردة ربيعي الحلو

ابتسمت الأخرى بـانتشاءٍ وبهجة عندما وقعت عينيها على بسمته اللطيفة التي تُلهب حواسها وتُشعل خجلها الذي اكتشفته معه فقط!! معه تبدلت أحوالها العنيفة لأخرى هادئة وحنونة، تبدلت من كونها مندفعة وهوجاء لامرأة حكيمة ورزينة!! باتت لا تعرف حالتها الجديدة أهي تقلبات الحمل الذي ينمو داخلها وأصبحت بـمنتصف شهرها الثاني أم بـسبب حبه الذي يغدقها به كـسيولٍ متدفقة!! تلك الراحة التي تسري بـعروقها وتجعلها كـفراشة خفيفة الظل تتراقص بين رحيق الأزهار بسببه هو! كان محقًا بأنه سيكون مأمنها وسندها ورجلها وقد كان !!!

احاطت عنقه بـسعادة وتشاركت أنفاسه المتلهفة لها هامسة بـنعومة ونبرة ناعسة:

_ وأنتَ وحشتني أكتر يا حبيبي

لاعب «براء» حاجبيه بـخبث وتلمست أنامله صفحات وجهها الساخن بسبب نومها واحمرار وجنتيها وهمس بـعبث:

_ اثبتيلي أصلي بصراحه بنسى بسرعه
ضحكت « ورده» بـشدة وخجل ودفنت وجهها الذي تدفقت الحُمرة إليه وهمست بـخجل:

_ لا ذاكرة السمك دي تنفيها وتبدلها برجل آلي عشان بصراحه تعبت منك!!

مال عليها أكثر ونظراته الوقحة تداعب ملامحها الخجولة وأنفاسها الساخنة تدفعه للمزيد من القرب منها وهمس بـثقه:

_ والله لو ذاكرة كومبيوتر بردو هنسى طالما بخصوصك عشان مبشبعش منك!!

وهل تروي هي ظمأها منه؟! هل تكتفي منه بالأساس!؟ هي مثله لاتريد سوى البقاء بين أحضانه التي أدمنتها، منذ أخبرهم الطبيب بعد جلسته الأخيرة بأن جسده يستجيب جيدًا للعلاج المُكثف وهو لا يكتفي من قربها وهي أيضًا لا ترغب بالاكتفاء منه!! عوضها الله خيرًا وسعادة بعد وفاة والدها الحبيب بتحسن حالة كلًا من جنينها وزوجها! اكتملت سعادتها وتضاعفت دموعها السعيدة ولا ترغب بالمزيد...

استقبلت شغفه وحبه الجارف لها بقلبٍ تُعبئه السعادة والفرح هامسة بـشجن ولوعة:
_ بحبك

********************************************
وقفت « أثير» بـتوتر تفرك كفيها أمام الاختبار وكلها أملًا بإيجابية نتيجته!! تدفقت الدماء بـأوردتها عندما بدأ ظهور بشائر الخط الأحمر الأول ومضت عدة دقائق ولم يظهر الآخر!! أصابها الإحباط وخيبة الأمل عندما اتضحت سلبية النتيجة!! ألقت بالاختبار بـغضب وحزن وخرجت غير منتبهة لـذلك الواقف منتظرها!!

قلق « راكـان» من تأخرها بالداخل وتضاعف الأمر عندما خرجت بوجه محتقن وعينين دامعتين جعلته يقترب منها بـخوف وجلس جانبها متسائلًا بقلق:

_ مالك يا حبيبتي إيه مزعلك؟

أشاحت بوجهها بعيدًا عنه وكتمت حزنها هاتفة بضيق:
_ مفيش حاجه

أدار وجهها له لـيتفاجأ بدموعها التي بدأت ثورتها وتساقطت من مقلتيها اللامعتين وهتف بـقلق وخوف:

_ مفيش إزاي ودموعك دي لواحدها كدا

كادت أن تهم بالكذب وتختلق أمرًا ما ولكنه رفع أصبعه بتحذير وحده:
_ من غير كذب ولا لف ودوران قوليلي مالك يا روحي وإيه سبب نزول دموعك الغاليه دي

هزت رأسها بياس وتساقطت المزيد من دموعها وافرجت عن مكنون صدرها بالأيام الماضية منذ تأخرت عادتها الشهرية مع رغبتها بالتقيؤ دومًا ورغبتها بأن تصبح أمًا وفشل النتيجة!!

ضمها « راكـان» لصدره وابتسم بـحب على قلبها الرهيف وطيبتها الجارفة مردفًا بـهدوء:

_ أولًا الحمل والولاد دول حاجه بتاعت ربنا ملناش دخل فيها غير بالدعاء والتمني بس! وثانيًا يستي متنسيش إن يعتبر بقالنا شهر متجوزين والاستاذ حمزه مش مهنيني على قربك أصلا يعني بسرقك منه وبهرب من شغلي عشان استفرد بيكي والحاجات دي عاوزه ضمير وتركيز مش كام ساعه مخطوفين لا عاوزه دراسه و...

أوقفته من سيل تخيلاته الوقحة وكلماته العابثة بـصفعة خفيفة على ظهر يده وتمتمت بـحدة وخجل:
_ متكملش مش عاوزه أعرف حاجه

ضحك « راكـان» بـشدة على خجلها وأحاط كتفيها مكملًا:

_ والأهم بقا يا روحي إن مكتفي بيكي لابعد حد يعني لو ربنا مأردش يكون لينا ولاد أنا راضي ومبسوط بس المهم إنك جنبي وفي حضني وكدا سعادتي تكون اكتملت، أنتِ متعرفيش فرحتي بتكون قد إيه لما ارجع البيت وألاقيكي مستنياني بضحكة وحضن وإخر كل ليله تكوني جنبي وبين ضلوعي بصراحه مش عاوز حد يشاركني فيكي وحتى لو ابني كفايه حمزه وهو مقطع عليا في الراحه والجايه لما خلاص بقت قررت اعتزل

ضحكت بـشدة حتى أدمعت عينيها من سيل حديثه التي يتبدل تلقائيّا من الهدوء والجديه للمرح السعادة لـيخرجها من أحزانها ولكنها قررت مشاركته أفكارها وهمست بتعلثم:

_ بس يعني... أنا عاوزه... اروح للدكتور

ضيق عينيه بـتوجس ودفعها بعيدًا عنه بـحدة مصطنعة وهتف بـغضب:

_ نعم يختي!!! وهتقولي للدكتور إيه انشاء الله؟!! معلش أصل جوزي لمؤاخذه ومطلعتش حاامل؟! هتقوليلو مبيعرفش!!!

أخفت وجهها بين كفيها من وقاحته المعتادة ولأين وصل مجرى الحديث معه وهتفت بـجرأة واستفزاز:

_ والله اللي على راسه بطحه بقا يا دكتور!!


ماذااااا!!! هكذا صرخ عقله واقترب منها حتى اختلطت أنفاسهم وتمتم بـخبث:

_ واللي يثبتلك؟!! وخصوصًا أنك وحشااااني

ابتلعت لعابها من مقصده الذي وصل لها وخاصة من عدم تواجد الصغير واستغلاله الفرص وايضًا هي اشتاقت له بالفعل وللكن لا مانع من بعض المشاكسه!! ..
اقتربت منه أكثر وبدأت بفك أزرار قميصه الخفيف وهمست بـنعومة ودلال أطار المتبقي من عقله:

_ وأنتَ أكتر بس بصراحه تعبانه أووي يا حبيبي

ابتلع «راكـان» ريقه من دلالها الزائد الذي أيقظ شياطين لُبه وجذبها لـتتوسط ذراعيه هامسًا بـنبرة اشعلتها:

_ وأنا بصراحه بس يرضيكي يتقال على جوزك حبيبك أنه راجل مش ولابد!!

حسنًا طارت مقاومتها وخططها بالمشاكسة وفتحت ذراعيها بـشوق تستقبل عشقه واقترابه المتخطف لها وبادلته هجومه عليها وافتراسه لقلبها العاشق له الذي وقع صريعًا له!! وانتهت تلك المشاكسة على صوت لقاء قلوبهم وتجاذب أرواحهم قوانين العشق...

********************************************
خرجت « ورده» من المرحاض وعلى وجهها بسمة سعيدة تدندن بعض النغمات المُبتهجة ولكنها قطعتها عندما شعرت بـكفيه حول خصرها وقبلة عذبة تُحط فوق عنقها وضمة جسده لها جعلتها تلف جسدها له وتُطالع عينيه الشغوفتين بها وابتي كلما تنظر لهما تتوالى أنهار الراحة لقلبها وتمتمت بـتساؤل:

_ مبسوط؟

ضحك « براء» بـشدة على سؤالها المحفورة إجابته على ملامحه وجذبها نحو فراشهم لـيجلسها بين أحضانه ويداها تلتف حول بطنها الصغيرة وهمس بـرضى:

_ كلمة مبسوط شويه على اللي في قلبي وعلى السعادة اللي هتنط من عيوني، مع كل وعد كنت بقطعه معاكي إني هكون جنبك كنت بسأل نفسي هل دا حقي أني أعشمك وأنا مش ضامن لعمري لحظه زياده ومش ضامنه على بعد خطوه واحده!! بس كان جوايا صوت بيقولي عشانها هتقدر وربك كبير ورحمته وسعت كل شيء ومع كل وجع كنت بحسه كنت بفتكر ابني أو بنتي وبتمنى أكون معاه في أول همسه وأول ضحكه وأول خطوه!!

صمت قليلًا يتشرب تأثر ملامحها وطبع قبلة مطمئنة على شعرها المُبتل وتابع بـتنهيدة حارة وصلت أنفاسها لها:

_ كنت بقول حارب عشان اللي جاي يستاهل، يستاهل تتوجع دلوقت عشانه وتتألم وتتعب بس يستحق!! ابنك وبنت بعدين يستحقوا تكون معاهم وتقويهم ومتفرقش بينهم!! متبعدش بينهم عشان لما تكبر والدنيا تتعبهم زي ما تعبتك يكونوا ضهر وسند لبعض قبل ما يكونوا ضهرك وسندك ولأمهم!! كنت شايف كام مره بكيت ونمت جعان وجسمي بردان وأنا شايف اهتمام أهلي بأخويا وأنهم ناسيني وإني زي اللقيط!! غلطه!! مع إني توأمه!!!

اهتز صوته بـرجفة حزينة جعلت عينيها تدمع لأجله ورفعت جسدها تحتضنه وتعدل وضعيته لـيصبح بين أحضانها وهمست بـحنان ويديها تخطو بين فروة شعره:

_ كمل يا حبيبي

شدد من اقترابها له ودفن وجهه بصدرها مبعدًا ذلك الألم الذي نشب بـصدره وأحرقه وتمتم بـضعف:

_ اتحملت عشان ولادي يستاهلوا، مش عاوز واحد في يوم يبص للتاني بنظرة كره لمجرد إني فضلته او حتى ضميت واحد ليا ونسيت التاني!! مش عاوز لأي سبب أكون سبب دموعهم أو تعبهم أو اهمالهم!! أنا تعبت كتير وحاولت أكتر عشان قهرتي منهم مكنتش تتوصف ولا وجع قلبي كان يتحكي عنه وعشانك وعشان ولادي!! مش عاوز أوجعهم ولا اسيبهم لواحدهم في الدنيا دي، أنا حبيت حياتي من أول ما شوفتك وحبيت نفسي اللي كنت كرهتها بعد ما بقيتي جنبي وبتدعميني، بحس العالم كله بيضحكلي لما بشوف ضحكتك أو لما بتقربي مني، قلبي بيكون مطمن طول ما نفسك جنبه وفي حضني، مش عاوز أفقد الحاجات دي يا ورده، مش عاوز أكون لواحدي تاني، مش عاوز....

مسحت دموعها التي هبطت بسبب المه وتحاملت على نفسها المتألمة لأجله ورفعت وجهه المحتقن لها مقبلة طرف شفتيه بعشق وهمست بـصدق:

_ ربنا اللي زرع الحب دا بينا وهو اللي قادر يجمعه للأبد وهو بردو قادر يفرقه بس هو مخلقهوش بينا عشان يفرقه وأكيد ليه حكمه من كل الاختبارات اللي مرينا بيها دي وأكيد بردو اللي جاي أفضل وخير لينا إحنا منعرفوش، وأنا جنبك ومعاك يا قلب وروح ورده من جوه ومستحيل هتبقى لواحدك وتخف وتبقى بخير وتكون أو حد يشيل ولادنا واول اسم يكون منهم هيكون ليك يا حبيبي، قول يارب وارمي حمولك عليه وهو قادر يجبرنا

ناظرها بعينين لامعتين من فرط حبه وشغفه بها وعجزه عن وصفها بالحروف اللغوية وهمس بـتعب:
يارب
**************************************

بـصباح اليوم التالي استيقظت «هبه» على صوت طرقات بابها وما صدمها هو صديقتها!! تهللت ملامحها فرحًا وجذبتها بقوة لـصدرها محتضنة إياها وبعد وقتٍ طويل من الترحيب والاشتياق جلست الفتاتان تقص كلٍ منهما ما مرت به على الأخرى ومدى سعادة «ورده» وفرحتها بـعودة «براء» للعمل بعد انتقالهم للعيش مع والدتها وتحسن حالته الصحية وكذلك قصت «هبه» شناعة أفعالها من وجهة نظر رفيقتها وقسوتها مع «ثائر» مما جعل «ورده» تناظرها بلوم وتهتف:

_ لما بتحبيه وخايفه يوافقك على بعدك وتلاقيه كرهك بتكرهيه فيكي ليه؟ ليه مُصره تجرحي نفسك قبل ما تجرحيه؟!

ابتلعت الأخرى مرارة شعورها بالنقص منه وهمست بـتعب:
_ عشان تعبت! تعبت أحاول ابني كل حاجه من جديد وأقول بكره هيكون أحسن وكل حاجه هتبقى بخير وهو هيكون جنبي وابدنيا هتضحكلي وفجأة أقع في وادي كله تعابين وضلمه ومطلوب مني لواحدي أعافر بردو بس عشان اعيش حتى لو هعيش بوجع والم بقية حياتي!! مطلوب مني احمله فوق طاقته وهو ملوش ذنب!!

قاطعتها «ورده» بهدوء وحكمة جديدة عليها أبهرت الأخرى وتمتمت:

_ مش مطلوب منك كل دا!! مش لازم تضحي!! التضحية أوقات كتير بتكون عذاب من نوع خاص لينا وخِنجر مسموم بنغرسه في قلوبنا واحنا متخدرين وبعد ما الخنجر يطلع نبدأ نحس بالوجع بس وقتها بيكون الدوا مشي وفاضل الوجع بس!! أنتِ مش هتقدري تكملي من غير ثائر ولا هو هيقدر ويوافق على التفاهات اللي بتعمليها دي ودا اللي تاعبك أكتر!!

ضيقت «هبه» عينيها بـاستفهام من مخزي الحديث ولكن «ورده» لم تهتم لتعجبها وأكملت:

_ ايوا تاعبك انه متمسك بيكي وانتِ لا!! بتضحي عشان ايه؟! هو طلب منك؟! وجهلك اشاره بكدا!!! قالك انا بتعر منك؟! الراجل لو طال يفرشلك الأرض سعاده مش هيتأخر دا كفايه فرحته لما بيشوفك!! يمكن احنا مش بنتقبل نفسنا بسبب كتر الوجع وخيبة الأمل اللي قبلناها من العالم بس في ناس تانيه قبلانا بكل عيوبنا قبل مميزتنا وعاوزه قلوبنا بتشوهها عشان تصلح التشوه دا بـطيبة وحب!!

**************************""""**

وصلت سيارة «راكـان» أمام بناية الطبيب الذي اصرت «أثير» على زيارته ولم يرغب هو بمنعها بسبب نظرة الترجي التي لاقاها بعينيها ولكنه لم يكن راضيًا عن رغبتها بكل حال!! ترجل من مقعده وتوجه ناحيتها ليفتح لها الباب وبعدما هبطت أوقفها أمامه وأمسكها من كتفيها بـحنانٍ مردفًا:

_ أنا سمعت كلامك ونفذت رغبتك بس اعرفي إن أيًا كانت النتيجة وقتها القرار هيكون ليا ومفيش كلام في الموضوع دا يا اثير

أومأت بـصمت وصعدا للبناية وقلبها يدق بعنف كأنها مقدمة على مواجهة ضارية ستفتك بها ولكن لا سبيل للعوده!! جلست أمام الطبيب بعد طول انتظار تفرك كفيها معًا بخوف من طيلة صمته الذي قطعه «راكـان» بـهدوء:

_ حضرتك الأشعه وضحت إيه؟

خلع الطبيب نظارته الطبية وابتسم بـطيبة لهم ووجه نظره لـ «راكـان» القلق الذي يجاهد مخاوفه وتمتم:

_ والله يا راكان مخبيش عليك المدام عندها تكيسات على المبايض وحجمها مش صغير يعني العلاج مش هينفع معاه ولازم تدخل جراحي ودا سبب تأخر الحمل

افترس «راكـان» شفتيه بـغضب وندم على موافقته لـاصطحابها وتحقق أسوء مخاوفه وتابع بـضيق:

_ تمام يا دكتور بس اقدر أعرف حجمهم؟

أومأ الطبيب بعملية وأعطاه التقرير الطبي وشرح له طبيعة حالتها وسط صمتها الذي لم تتخلى عنه سوى عندما هتفت بتساؤل بارد:

_ أقدر أعرف سبب التكيسات دي إيه؟!

هتف الطبيب بـعملية وحذر:
_ بسبب السِمنة وزيادة الوزن!!

أومأت له بـبسمة شاحبة ونظرت لـ «راكـان» المترقب لها وكأنها كان يعلم ويخشى ذلك وابتسمت بـحسرة وخرجت دون قول المزيد!!

************************************

بعد يومين منصرمين قضتهم هي بالجفاء والبرودة بينهم وقطعها كل محاولاته للتخفيف عنها والحديث معها وكل عقلها يدور حول نقطة واحدة لا رجعة بها!! انفتح الباب بـعنف ودخل هو منه بـغضب ووقف أمامها وجسده يهتز من فرط توتره وغضبه وهتف من بين أسنانه:

_ أنتِ ازاي تعملي حاجه زي دي وتتصرفي من دماغك كأنك ملكيش راجل ليه حق يتاخد رايه!!!

استجمعت شجاعتها ووقفت أمامه لتري حريق قلبه وغضبه وتمتمت بـصوتٍ مرتجف:

_ أخد رأيك لما الموضوع يكون بيخصك مش حاجه في جسمي وتخصني!!

قبض على ذراعها بقسوة وعلت أنفاسه من تحديها له وهتف بـقسوة وغضب:

_ كل حاجه فيكي تخصني روحك قبل جسمك وكل نفس بيخرج منك يخصني حتى تفكيرك التافه دا!!

اصدمت بعيناه المشتعلتين واشاحت وجهها عنه وهتفت محاولة تخليص الحديث:

_ ليه كنت عبده واشترتني؟! ولعدين يخصك في أيه اللي عملته عمليه وهتتعمل وتنتهي وخلاص

دار حول نفسه كـفريسة كأسدٍ حبيس يجاهد ذاته للانقضاض عليه وقطع حديثها البغيض ونزل تلك الأفكار عنها وصاح بها بحدة وأنفاسٍ لاهثة:

_ عمليه يا عالم هتخرجي منها ولالا مع أول مشكله اختارتي الحل السهل وجريتي تعملي تحاليل وفحوصات عشان عمليه تخسيس مش هتفيد في حاجهدا أنتِ حتى مدتنيش فرصه افهمك الوضع ولا حالتك يا متعلمه يا فاهمه سبتي أيه للي متعلموش واللي مش بيعرفوا يقرأوا!!! مفكره إن بالعمليه دي كدا هتقدري تخلفي؟! مفكره عشان هتخسي شوي كدا المشكله اتحلت!! عارفه المشكله فين؟! فيكي من جواكي!!! في ضعفك وعدم ثقتك في نفسك اللي بتلبسيها للوزن والتخن وخلاااص

ترقرقت الدموع بمقلتيها لتندرج على وجهها المحتقن بالحسرة والندم لفعلتها وصدق حديثه وصاحت بحرقة والم وجسدها يرتجف:

_ عندك حق بس أنت مجربتش تعيش وسط عالم بيقطعوا فيك القريب قبل البعيد بعيونهم قبل لسانهم مجربتش تتحط موضع سخرية من الكل لمجرد ان وزنك زياده!!! مجربتش وجع قلبك وخوفك كل يوم من طلوع النهار عشان هتواجه ناس أنتَ خايف يجرحوك ويسخروا منك وتبقى اضحوكه ليهم!!! مجربتش بعد كل دا تكتشف انهم صح وإنك مريض ودا سبب تعاستك دلوقت!!!

نهرها بعنف ويعلم أنها يجرحها بكلماته ولكن لا سبيل لللين والهدوء الآن فقد أخبره طبيبها بأنها تمشي بإجراءات عملية لانقاص وزنها وخطورتها على حياتها!!:

_ مجربتش أنتِ ليه توقفيهم عن حدهم وتقطعي لسانهم قبل عيونهم وتعرفي كل واحد مقدراه وحجمه وتدافعي عن نفسك وتكسري خوفك وضعفك وتخرجي من دور الضحيه دا وتفوقي وتتغلبي على الرهبه اللي عندك!!! مجربتيش تفكري لي تعملي رجيم وتخسي بيه ومع العلاج كل مشاكلك تتحل!! ولا جريتي للحل السهل وخلاص!!! جريتي تفكري في نفسك ولا عملتي حساب للكلب اللي ممكن يموت لو جرالك حاجه!!! مفكرتيش فيااا!!! عقلك مصورلكيش حالتي هتبقى ازاي!؟ طب بلاش مشوفتيش إنك لازم تقوليلي؟!....بس يكون في علمك اوعي تفكري في يوم ان العمليه دي هتم إلا على جثتي...

خرج صافعًا باب الغرفة خلفه بغضب وعنف جعلها ترتعد في مكانها وتتساقط دموعها حسرة وندمًا على ما اقترفته وهاهي تعكر صفو حياتهم مجدداً بفعلتها واندفاعها!! ولكن ماذا كان ينتظر منها وعقلها يصور لها أن خلاصها بتلك الطريقة حتى وإن كانت خطرًا عليها!! حتى ولو تضاعفت النتائج عليها!!! حديثه بـمحله وغضبه لا مجال للنقاش به ولكنها كانا تحتاج لـوجوده ودعمه لها!!! كانت تظن بذلك أنها تضعه لتقبل الأمر الواقع ولكن خابت تواقعاتها وسقطت ببئر أحزانها من جديد!!!

**************************************

فركت «هبه» كفيها معًا بتوتر بالغ وارتجفت قدميها عندما سمحت لها سكرتيرته بالدخول وقلبها اللعين ينبض وكأنه للتو خرج من سباق مارثون وعلقها أيضًا لا يرحمها ولا ينفك عن ترديد كلمات «ورده» اللعينه وقدرتها على الاقناع واعطاؤه فرصة جديدة تستعيد توازنها بها!! باليومين الماضين لم تهدأ طاحونة عقلها عن العمل وجلدها باللوم والعتاب وقرر الجميع الوقوف بصفه واتحد كيانها اجمع عليها وهاهي تستجمع قوتها وتجلس أمامه تتهرب من أسهم عيناه المتربصة لها وتهمس بـتعلثم وضيق:

_ يعني.... أنا جايه... يوووه...

تنفست بـصعوبة وكأنه سحب جميع الاكسجين بالغرفة من حولهم وتمتمت بـتردد:

_ أنا أسفه على اللي قولته

وضع القلم من بين أصابعه الثابته وأنزل عينيه عنها وتمتم باقتضاب:

_ وأنا مش مُتاح وقت ما تعوزيني تلاقيني ووقت ما تقرري تبعدي ترميني


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close