اخر الروايات

رواية شظايا الكلمات الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم جهاد وجيه

رواية شظايا الكلمات الفصل الخامس والعشرين 25 بقلم جهاد وجيه 

شظايا الكلمات
الفصل الخامس والعشرون

جِد لي دَربًا خالٍ من هواكَ وعذابه، ابحث لي عن سبيلاً لأمحو لـقطات وداعي وذهابي، فَتش لي عن طريقٍ ضاعت منه آثار أقدامك، ادعو لي كي أفقدكَ من داخلي كي لا تُصبح الداء بعدما كنت الدواء!، فَتش لي عن هواءٍ لا تحمله أنفاسك الحانية التي طالما أودعت قلبي بها! لا تحزن لـفراقنا فـربما تنطوي الطُرقات من جديد وتتمسك الروابط!....

♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡ ♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡

لازال جسد «هبه» ينتفض غضبًا وحزنًا من حدتها وحديثها معه! تعلم أنها مزقته من الداخل وطعنت رجولته بـأبرد الآلات الحادة واستمعت لـصوت تحطم كيانه الذي كان دومًا نِدًا لـكيانها المتهرتل!! كيف وصفته بـالأنانية والإهمال وإيثار نفسه عليها وهو من رمم كسورها وأعاد تشيد وجدانها المُلقى بين دماء حزنها؟ كيف انصاعت لـكبريائها اللعين وجرحته بتلك الطريقة المؤذية؟ أرادت بـكل ذرة منها ردعه ومنعه عنها ولن تتردد بـتلك الفكرة السديدة ما حيت ولكن لم يكن عليها مطلقًا التسبب بـتلك الأوجاع له!، توقفت بـعد مدة من سيرها الضعيف بـمنطقة بعيدة عن مكانه بل وعن بيتها أيضاً ودرات حول نفسها بـضياعٍ كـنجمة فقدت مسارها ومكانها الأبدي وهو قلبه!! شعرت بالتصاق نقابها بـوجهها بـشدة دلالة على كثرة دموعها التي لم تتوقف مما جعلها تبتسم بـسخرية هامسة لـنفسها بأنها لابد من أن تُشاطره نفس الألم الذي جعلته يتجرعه! لملمت شتات نفسها وتذكرت زيارتها اليومية لـصديقتها الغائبة عن العالم بـصمتها الذي طال أمده وتمشت لـخارج نطال تلك المنطقة السكنية واشارت لأحد السيارات صاعدة لـوجهتها الأخيرة تلك المرة!!..

**************************************

وقفت « أثير» بـسعادة تُحضر له فطوره بعدما ذهب «حمزه» لـمدرسته الجديدة واعطى لها فرصة لإصلاح ما فَسد بينهم الأيام الماضية! العمر لحظة لا ممجال لمعرفة نهايتها أو بدايتها لذلك لن تُضيع المزيد من اللحظات دون رفقته والارتشاف من رحيق حبه لها وستنيى ما مضى وتخطو نحو وجهة جديدة لـحياتهم التي أُظلمت منذ مدة طويله!

انهت وضع الأطباق على السُفرة ونظرت للساعة التي تشير للعاشرة صباحًا وتنهدت بـحب ودلفت لـه! اقتربت من فراشه على استحياءٍ وجلست بـجانبه الفارغ منحنية قُرب أذنه مردفه:

_ راكـان، أصحى الوقت أتأخر

وهل كان نائمًا؟! يا لسذاجتها وطيبتها المفرطة فـهو منذ شعر بـخواءٍ وبرودة بـالفراش علم أنها غادرته باكرًا لـتجهز طفله وانتظرها طويلاً حتى تتذكره وها هي تعطف على قلبه المسكين وتمر عليه بهذا القرب المُهلك لأعصابه!!

عاودت « أثير» منادته ولكن تلك المرة على مقربة أكثر ونبرة أعلى ولكنه لم يستجب أيضاً مما جعلها تنهض مغتاظة منه وهي تعلم باستيقاظه من حركة أهدابه الخفيفة وتحرك تفاحة آدم خاصته بـوتيرة مضطربة!! نهضت مبتعدة عنه ولكن كانت قبضته لها بـالمرصاد وجذبها مجدداً مُفسحًا جانبه له لـتسقط بين ذراعيه بـغير قدرة منها!! ابتسم «راكـان» بـخبث وضيق عيناه اللامعتين وناظرها بـشغف مردفًا:

_ دا لو حمزه اللي بتصحيه هتزني عليه أكتر من كدا يا شيخه!

جعدت ملامحها بـضيق وحنق مردفه:

_ على الأقل حمزه عاقل بفضل اصحيه لحد ما يفوق لأنه بيبقى نايم الدور والباقي على العيل اللي عامل نفسه نايم!

حسنًا كشف خدعته البريئة التي أفتعلها لـتبقى على مقربة منه ولكن ما ادهشه هو صمتها وعدم غضبها لأنها بين أحضانه!؟ لم تردعه عنها؟! ابتسم بـخبث وسارت أنامله تستكشف خصلاتها النارية التي استطالت بـشدة لـتصل لـما بعد خصرها وتُرهقه حبًا وشغفًا بها هامسًا بـمرح:

_ طب حمزه بتصحيه كل يوم بحضن وبوسه وضحكه وأبو حمزه اللي بيشوفك زي العيد مرتين في السنه دا ملوش نصيب؟

رفعت «أثير» كتفيها وأخدلتهم بـلامبالاه ومكر:

_ والله النصيب موجود بس الدور والباقي على صاحب النصيب بقا!!

جحظت عيني «راكـان» بـدهشة من جرأتها التي افزعته ولم يتخيلها بـأسعد أحلامه وفتح فمه عدة مرات لـيجد كلمات تصف فرحته ولكنها سبقته بـخُبث محاولة النهوض وأدرفت:

_ تقريباً صاحب النصيب طلع مخلع وكلام على الفاضي وأنا اللي كنت فاكره....

لم يسمح لـفمها بـالمزيد وفرض حصاره الضاري عليها ينهل من حبها الذي أودع قلبه المعذب به معوضًا جفاء لياليه التي تركته بها ومُختزنًا أكبر اللحظات وقتًا برفقة أحضانها ونعيم وجودها بين يديها وهمسها بأنها سامحته ومدى حبها له!!! لـدرجة شعر أنه ربما أحد أحلامه لم تخلو منها أو ربما استجابة لحظية لـدعواته المتعددة بأن تُصلح حياتهم!! استجابتها ومبادلتها شغفه وحبه جعلته يوقن أنها حقيقة واقعية وأن دربًا من دروب سعادته تلون بـالورود والألوان الزاهية عوضًا عن الظُلمة التي حُفرت به!!!

***************************************

استندت «ورده» على حافة السطح الرخامي بـمطبخها الحبيب الذي كانت تتحرك به بـكل شغفٍ ولهفة تصنع له طعامه وتبتسم عندما تشعر بـيدها تحتضن خصرها لـترفرف الفراشات الملونه حولهم مُعطية لـطلتهم أبهى صورها ولكن أين ذلك الآن؟! هو كان خير عونٍ لها بـضعفها وخير زوجٍ وحبيبٍ لقلبها وأعاد لها رشدها بعد المزيد والمزيد من الآلام التي تلقتها ومازال قلبها مرتعبًا من القادم!! أغمضت عينيها بـحسرة عندما تذكرت موعد جلسته القادمة بعد إسبوعٍ واحد وجسده للآن لم يهنأ من الماضيه!!! كيف له رغم منبع أوجاعه يظل ندًا لآلامها؟ ابتسمت بـحب عندما التقطت أنفاها رائحته المميزة وتبعها يداها وهي تحتضن خصرها بـقوة مقربة جسدها الضعيف من صدره هامسًا بحب:

_ بقيتي أحسن؟ في حاجه وجعاكي؟!

وكيف لا وهو من حممها وألبسها ولم يكتفي بذلك بل وأعد الطعام وأطعمها وهاهي تصنع بعض القهوة لها لـتخفف ذلك الصداع القوي الذي يفتك بـرأسها!! مهما تناولت اللغة حروفًا عجزت كلماتها عن وصفه وذِكر خِصاله الكثيرة والتحدث عن سجيته الرجولية الحنونة

اراحت ظهرها على صدره بتعب وعرفت أناملها طريقها لـتشابك خاصته بـعشقٍ جارف هامسة بـصدق:

_ بوجودك بقيت أحسن وبخير لأنك هنا، متقلقش

طبع «براء» قبلة حنونة فوق خصلاتها الغجرية التي يعشقها رغم تساقطها المستمر في الفترة الأخيرة وهمس بـقوة:

_ طب تعالي نتكلم شوي وتاخدي علاجك اللي بعد الأكل

سارت جانبه بأمانٍ أفتقدته لـأيامٍ منصرمة وابتسامة دافئة تعلو ثغرها حتى جلسا سويًا على الأريكة واحتوى كفيها بين خاصته بـهيامٍ جلي مردفًا:

_ عاوز مامتك تعيش معانا هنا، مينفعش نسيبها لوحدها وخصوصاً الفتره دي وكمان عشان حملك أكيد هتحتاجيها وفي حاجات كتير هحتاجها تعلمهاني عشان لما تحتاجيني أنتِ

مما صُنع هذا الرجل بـشهامته وشيمه الطاغيه؟! ألهذا القدر يفكر بها ويتفهم عليها؟! ابتسمت بـحب مردفة:

_ ماما عمرها ما هتسيب البيت اللي فضلت هي وبابا فيه سنين وتيجي تقعد معايا هنا، عمرها ما هتفرط في ذكرى واحده تخصهم حتى لو كان عشان حملي هي ممكن تفضل طول اليوم معايا هنا وجنبي بس وقت النوم هتنام في فرشته وحاضنه مخدته وبتحكيله عن يومها وقد إيه هي مبسوطه بحملي وإنه لو ولد هيبقى شبهه وكأن الطفل دا عوض ليها عن موت بابا...

هدأت تلتقط أنفاسها واقتربت ضاممة جسدها له تحتمي به من أوجاع حديثها التي دخرتها الأيام الماضية وتابعت بـحزن:

_ إخر كل ليله كانوا متعودين تنام في حضنه بعد ما تحكيله يزمها بالتفصيل مع إنه كان بيبقى معاها فيه وشايف كل حاجه وهي اصلاً في البيت يعني مفيش أي حاجه جديده بتعملها بس رغم كدا هو كان بيسمع زي طفل بيسمع حكاية قبل النوم بس مسنحسل ينام قبل ما ينيمها ويطمن أنها جنبه وفي حضنه، صحيح حالنا كان عادي ووضعنا كان مستور بس ولا مره شوفت مره بتشتكي ولا تبص لحد أعلى مننا بل ربتني على كدا حتى بلال

تحشرج صوتها على ذكر اسمه التي تحجبه طوال الحديث وكأنها تتهرب من وجعها عليه!! ولكنها رغماً عنها انساقت لـمرحها معه ولحظاتها بين تواجده! احتضنته ب، شدة وأكملت بـدموعٍ كثيرة:

_ كان بيقف على باب المطبخ بـكرسيه يستناها لو سابته لحظه ودخلت تحضر أي حاجه، كان بيتقمص كتير لمجرد أنها تحضنه وتصالحه ويقولي بحس براحه ودفا في حضنها، كنت عايشه قصة حب في حبهم لبعض ومعافرتهم عشان بعض، ولا مره شوفت دموع ماما بسببه غير وقت الحادثه وكانت عليه مش بسببه وفضل يتأسف ليها إنه خلاها تبكي!!

هدأت شهقاتها فرفع هو وجهها إليه بـحزن على حالها وتمزقت حِبال قلبه العاشق لها هامسًا وعيناه تلتهم ملامحها الجميلة:

_ أنا آسف إني كنت سبب في دموعك كتير وعشان بطريقه غلط حاولت اوصلك حبي وخليتك تتوجعي بسببي وكمان بسبب مرضي، أنا...

قاطعته مُلصقة جبينها بـخاصته تقاسمه أنفاسه الساخنة والحزينة وهمست بـلوعة وعشق:

_ متتأسفش، لو مكانش في وجع مش هيبقى في فرح وسعاده، أنا فضلت كتير أحبك وأنتَ مش شايفني واتعذبت كتير في بعدك وبكيت أكتر واتوجعت منك وعليك بس كل دا ميجيش حاجه جنب وجودك جنبي في لحظة ضعف وحزن زي الفترة اللي فاتت، الوقت بينسي بس أنا منستش عشان لما افتكر الوجع أحط الفرح والحب قصاده ويعاديه وهو اللي يمحيه، مهما طال الليل الفجر هيهل دي ديماً كانت جملة بابا ليا وقت أي ضيق وتعب بمر بيه أنا راضيه بنصيبي وبحمد ربنا عليه وراضيه بكل حاجه منك إلا أنك تبعد عني او تسيبني زيه!! هتسيبني!!

هز رأسه نافيًا بـقوة ومن داخله يقسم أن يحارب ذلك المعتدي الذي دمر حياتهم وسلب سعادتهم وأحزن فتاته وزوجته الحبيبة وعشيقته الابديه!! احتوى وجهها بين كفيه وأزال دموعها الهاربة من قزحيتيها وهتف بـصدق:

_ مش هسيبك ولا هبعد مهما كلفني دا قوة وتعب متي، مش هبعد صدقيني ولا هقدر أسيبك يا وردة ربيعي

حسنًا بدأت آلالامها بالتلاشي بعيداً بـصحراءٍ جرداء بعد مدة ستنتهي وتختفي نهائيًا وهذا بفضله وفضل كلماته!! طبعت قبلة دافئة فوق جبهته وغاصت عينيها بـزيتونيتيه هامسة بـعشق:

_ بحبك يا براء

بادلها قبلتها بـاشتياق ولكن على جفنيها الرطبين وهمس بـصدقٍ وعاطفة جارفة:

_ وأنا بموت فيكي يا ضي عيون براء وروحه

***************************************

وصل «ثائر» لـبيته بـأقدامٍ كـالهلام لا تقوى على حمله بعد سماع كلماتها اللاذعة وتلك القوة والإصرار النابع منهما!! كيف له أن يتحمل المزيد من بعدها عنه! هو بدأ بـحياته العادية وتعايش معها ولم يدق باب قلبه سوى مرة واحدة كانت لها ولن يتفانى عن حجبها عن العالم بتلك الغرفة التي طرقتها لـتحيي نيران حبه وقلبه الجاف!! من ظلم يُظلم ولو بعد حين هي ظلمت قلبه بـدخولها المتهادي عليه وهو سيظلمها ويخفيها عن العالم وهكذا تتعادل كافة الأطراف!! مر على والدته يطمئن عليها قبل نومه أو بالأحرى رغبته بالحديث معها عن أوجاع خافقه وكأنها تشعر بها وجدها جالسة تنتظره!!

أقدم عليها بـتعب ملقيًا رأسه على قدمها وكأنه عاد بالزمن عشرون عامًا أو أكثر ذاك الطفل الباكي الذي يتحامى بوالدته من ظلال كوابيسه الصغيره!! وهي كعادتها تهادت أناملها بين خصلاتها تمسح عليها بـحب مردفة:

_ احكيلي إيه تاعبك يا حبيبي

أغمض «ثائر» عينيه متذكرًا كل ثانية مرت عليه برفقتها منذ أول مرة راتها عيناه! وهمس بشجن وعشق:

_ الحياه مش عادله معايا يا أمي، طول عمري ماشي صح وناسي قلبي ولا يوم بصيت على بنت ولا فكرت في بيت وافتكر كلام بابا الله يرحمه "داين تُدان يا ابن آدم»، معرفتش الحب غير لما شوفتها، وحبتها بعد أيام أو أكتر، كانت زي ماهي هاديه وعاقله ومش بترفع عيونها عليا وهي حبتني!! وأنا صبرت بس الدنيا مش عوزانا سوا!! لييه بدفع تمن غلط مليش يد فيه واتوجع بسبب جرح معملتهوش!! ليه هي مُصره تبعد وترجعني وحيد تاني؟!

ربتت والدته على كتفه بـحزن على حال صغيرها القوي الذي لم يطأ الحب بأوجاعه قلبه إلا منذ دلفت" هبته" عليه!! وهمست بـطيبة وصدق:

_ الست مننا يا ابني مش عاوزه غير لما تتعب تلاقي حضن يضمها ويشيلها ولما تحزن تلاقي إيد تاخد بيدها وتدعمها ولما تحب تطمن وتفرح! البدايات من صدمة فرحتها بتخلي العقل نايم عن النهايات المحتومه ورافض يشوف النهاية اللي اترسمت من قبل ما القلوب تتقابل! هبه حبت قبلك ودا حاجه مش هنقدر ننكرها وعلى قد حبها ضاعفه وجع وخيبة أمل وكسره من جوزها اللي ميتحسبش راجل، طبيعي تخاف وطبيعي تبعد وجايز توجعك عشان تخليك أنتَ اللي تبعد وتكرها وتفضل هي بعيده بتراقبك بتبدأ من جديد وناسيها وهتبقى موجوعه وبتموت بس عشان بتحبك عوزالك الأحسن وااللي هتريح قلبك وتكون أفضل ليك ودي وجهة نظرها

صمتت قليلاً تستشف ملامحه التي بدأت في الأرتخاء واللين وتابعت:

_ دورك تطمنها وتطمن قلبها إن مهما كان هتفضل تحبها وعمرك ما هتزعلها، الستات خايبه بتدي قلبها للي بيطمنها ويهتم بيها ويحبها وبيكون شخص واحد معاه مفتاح كيانها كله بعكس الرجاله ممكن يكون ليه في كل مكان شخص معاه مفتاح قلبه!! طمنها ياابني وريح قلبها

ابتسم براحة لـحديث والدته الذي دفعه بـقوة للإصرار على ردعها عن ابتعاده ونهض مقبلاً جبهتها وكفها مردفًا بـسعادة:

_ أنتِ أحلى أم في الدنيا

احتضنته بـحب أودعته لها فقط بعد والده وهمست بـتمني:

_ وأنتَ أفضل وأحن ابن في الدنيا، ربنا يطيب بـخاطرك ويريح قلبك يا حبيبي

************************

وصلت «هبه» أمام منزل صديقتها بقلبٍ حزين ودخلت بـصمت بعدما فتح لها زوجها، تلاقت عينيها مع صديقتها التي اشتاقت لها حد النخاع وتحدثت النظرات مطولاً بـعتابٍ ولومٍ شديد لم يدم طويلاً حيث انقطع باندفاع «هبه» لأحضانها بـعيونٍ دامعة ترغب بالتخفي داخلها من كل هذا الألم الذي تعانيه! بعد فترة من الصمت تحدثت «ورده» بـبسمة طيبة:

_ طب مش هتباركيلي وتفرحي إنك هتبقي خالتو!!؟

ارتسمت بسمة وضحكة سعيدة على وجه «هبه» وسارعت بضمها لها مردفة بـفرح:

_ مُبارك يا عيوني، يتربى في عزكوا

بادلتها «ورده» عناقها القوى وهمست باذنها بـثقه:

_ احكيلي إيه تاعبك

توترت نظرات «هبه» بين البوح أو عدمه ولكنها قررت بالنهاية إخبارها فهي بحاجه لـمستمع مُنصت ومعاتب وصريح كرفيقتها!

تنهد «هبه» بعد فترة من الحديث أفاضت بما أظلم خافقها وأتعبها بالأيام الماضية وتلاقت نظراتها مع صديقتها المليئة باللوم والعتاب ومن ثم اردفت:

_ مفيش لينا مستقبل مع بعض هو محتاج حد شبهه وأنا مفيش رابط هيجمعني بيه غير صدفه وبس!!

رطبت «ورده» شفتيها بعد طول صمت واعتدلت بـجلستها هاتفة:

_ هتفضلي لأمتى شايفه نفسك قليله وحاطه باعتبارك إنك متستهليش تفرحي وتعيشي حياتك اللي اتحرمتي منها؟! هتفضلي لأمتي كل ما تتقدمي تسمحي للقذر دا يرجعك لنقطة الصفر تاني بحقارته؟!
ثائر هو الزوج والحبيب والصديق اللي بتتمنيه ولو طال يفرش قلبه في طريق وجعك مش هيتأخر!! بتلوميه على ذنب وحاجه ملوش يد فيها؟!

أشاحت «هبه» بوجهها بعيدًا عن مرمى نظرات صديقتها وتمتمت بـألم وتفهم:

_ القلوب بتتشابه وزي ما قلبه نقي وبخير ولسه متوجعش يستاهل بنوته شبهه تصونه ويكون هو أول راجل يدق بابها بـبدلته وفرحته وهي بفستانها وطرحتها إنما مش واحده مشوهه داخليًا قبل خارجيًا وقلبها متحطم وكمان مطلقه!! تفتكري دا من العدل؟! لا دي أنانيه مني إني اربطه بيا وهو يستاهل واحده أفضل حتى لو هو نفى كدا لا المجتمع ولا الزمن ولا الأيام هتنفيه بالعكس هيفضل وصمة عار ليه ومش هيتخطها بالسهوله اللي هو متخيلها دي!!

نهرتها «ورده» بشدة واردفت بحدة وغضب:

_ يشيخه حرام عليكي نفسك أنتِ إيه؟!!! جلد جلد مفيش رحمه خالص!! إيه عيبك إنك مطلقه!!! إنك ضحيه لواحد وسخ طلع مرضه وعقده عليكي وبعدين ربنا وهبك فرصه وبدايه جديده مع حد كفيل يشيل كل ذكرى سودا اتسبب فيها الزمن جواكي وأنتِ تنفيه وتبعديه عن حياتك بالطريقه دي!! تفتكري من العدل اللي أنتِ بتعمليه فيه؟! مش كنتي وافقتي وخلاص بعد معاناة هتتجوزوا عشان وساخة فاضل وحقده تتنازلي عن حبك لراجل أي واحده هتحسدك عليه؟! مع أبسط مشكله بتبعيه وتجري تهربي وتوجعيه ودا كفيل يخليه يندم على حبك

صمتت تتابع ملامح صديقتها الحزينة وتابعت من جديد بـحدة أكثر ونبرة أعلى:

_ كلنا عندنا طاقه لما بتخلص طريق الشخص دا معانا بيقف ومهما حاول من جديد ومهما حارب عمره ما هيرجع لحظه ولا جزء صغير من الطاقه دي ومش صح نهائي إني افضل اقدم تنازلات مع شخص بيحارب بكل قوته إنه يكرهني فيه!!! القرار قرارك والصح اعمليه بس افتكري إن كل خطوة مشتيها في وجع قلبه هتحسيها وتعاني منها لو مش دلوقتي هيبقى في يوم ومش بعيد

***************************************

تقلبت « أثير» من نومها بكسل وهي تشعر بـأنفاسه تلفح وجهها وذراعيه تحيطانها كأنه يخشى هروبها منه!! ابتسمت بسعادة وخجل عندما طلت عيناه من بين جفناه بـنظرة عاشقة جعلتها تحمد خالقها على ذاك الحب الكامن بهما! لم يكن بأحلامها أن يهبها الله قلبًا حنونًا صادقًا كزوجها ولا رفيقًا مهتمًا مخلصًا مثله ولا حبيبًا عاشقًا لينًا يشبهه وكل تلك الخِصال تهاوت به!! هو كـدوامة سريعة تـحاوطها وتجذبها لها أكثر مع كل مرة حاولت الابتعاد!!

ناظرها «راكـان» بتوجس من شرودها وهمس بعبث:

_ سرحانه فين يا هانم كدا هغير

بلا تردد أجابت:

_ فيك يا عيون الهانم

ابتسم «راكـان» بـمرح وخطت أصابعه لخصرها وقربها منه أكثر مردفًا:

_والله يا بختي

ضحكت «أثير» بسعادة وحاوطت عنقه بدلالٍ مردفة:

_ دا أنا اللي يبختي من هنا لسنين كتييير

اراح «راكـان» رأسه على صدرها بسعادة وناظرها بعينين ناعستين مغمغمًا بـعاطفة:

_ ربنا يديم سعادتي بوجودك وفرحة قلبي بحبك يا أثير هانم

داعبت «أثير» خصلاته بـرقة هامسة بـعشق وتمني:

_ يارب يا حبيبي، بس أنا كدا هتغر على فكره!!

نهض من أحضانها جالسًا على ركبتيه مخمدًا رغبته في النوم وهمس أمام وجهها:

_ طب بـذمتك حد يبقى بطل زيك كدا وميتغرش!!؟ دا يبقى عيب في حقك والله

ضحكت «أثير» بـشدة وخجل على وقاحته وهمست بـخجل:

_ طب أوعي خليني أقوم حمزه زمانه جاي من المدرسه

نظر «راكـان» للساعة التي تشير للواحدة وهمس أمام شفتيها بـشغف ولهفة:

_ فاضل على معاده ساعتين دول معادي أنا ومفيش اعتراض يا هانم

هزت «أثير» كتفيها بـدلال أرهقه وهمست بـنعومة:

_ ومين قالك إن الهانم عندها اعتراض!؟

افترس «راكـان» شفتيه وابتسم بـخبث جاذبًا إياها له وهتف بـمكر:

_ دي الهرمونات شغلها عالي أووي

وغابا كلاهما بعد كلماته بـلحظات مسروقة بعيدًا عن الخلافات أو المشاحنات التي تنتهي بالجفاء والابتعاد سامحين لـحبهم بالتمسك والتعلق رافضين البرودة أن تتسرب لـقلوبهم العاشقة...

************************************************

بعد يومين وصلت «هبه» لـمقر عمله وكلها عزيمة على إنهاء تلك المعضلة التي تحوم حولهم وقطع كل حِبال الوصال بينهم وإخماد ذلك الحب الذي وصم قلوبهم معا!!!

دلفت له بعد سماح سكرتيرته لها دون علم هويتها وذلك رغبة منها وعندما رآها هَبَ من جلسته الشاردة نحوها غير مصدقًا أنها أمامه بعد اختفاءها اليومين الماضين وحظره من أرقامٍ عديدة ورفض جميع محاولاته!! ولكن إشارته التي منعته من التقدم عندما تقدمت هي وجلست أمامه على المقعد مردفة بقوة وعزم:

_ لازم نتكلم

خفق قلبه من باطن قوتها وحديثها البارد ولكنه تلبس الهدوء وتمتم:

_ اتفضلي وأنا سامعك

عقدت «هبه» ذراعيها أمام صدرها بقوة زائفة وتمتمت بـهدوء:

_ ابعد عني ودي آخر مره هيكون بينا كلام ولآخر مره هقولك الكلام دا مفيش حياه بينا دي كانت غلطه وانتهت وكل واحد فينا اتبسط شوي بمشاعر كان مفتقدها وراحت لحالها وإحنا كبار كفايه عشان نفهم الكلام دا، وكفايه محاولات عشان وجودك تحت بيتي كل يوم لوش الفجر خلى ناس كتير تتكلم عليا وأنا مبقتش قادره اتحمل

سخر من نفسه على توقعه الذي اصاب هدفه وهاهي تعاود فرض رغبتها بالانفصال عنه قبل الارتباط! حقاً تشبه الذي سلخ الضحية قبل ذبحها حتى تتألم كفاية!!

هذه المرة كانت عينيها منصبة عليه تؤكد له صدق وحزم حديثها وتابعت بـلا نقاش:

_ زي ما كنت ديماً بتدعم رأيي وإرادتي خليك معايا لآخر مره وابعد على الأقل عشان نفسك إحنا بداياتنا كانت غلط والنهايه مرسومه من زمان يمكن من قبل البدايه أصلا ومن غير كلام كتير فضلاً أبعد دا أحسن ليك وليا

هذه المرة لم ترحل بل جلست أمامه بكل قوتها الزائفة حتى تحرك هو وخرج عن جموده وسار نحوها ثم جذبها من مرفقها بـقوة وتحدث بـغضب اعمى:

_ زي ما كان لينا بدايه مهما كان شكلها لينا نهاية بس بأيدينا نحطها ونمشي فيها وزي ما بدأنا سوا هننتهي سوا وقرار بعدك دا مش لعبه ولا لبانه كل شوي تقوليها لحد ما بقت ملهاش لازمه لا دا قرار مقسوم بينا ومهما قولتي ومهما عملتي دا مش هيهز فيا شعره ولا يخليني أبعدأو اتخلى عنك تحت أي ظرف

لوت شفتيها بـضيق مصطنع من حديثه الذي يؤلم حلقها بسبب حبسها لـدموعها ونفضت يده عنها وتحدثت بـبرود:

_ لا القرار في إيدي ودي حريه شخصيه مش عاوزه لا اتجوزك ولا عوزاك في حياتي وزي ما قولت لينا نهايه وبإيدينا وأنا حطيت نهاية الحكايه الممله اللي مش عاوزه تنتهي دي

قبض بقسوة على رسغها ورأت لاول مرة نظرة عيناه الحانية تتحول لأخرى مظلمة وباهته يشع منها الغضب والقسوة مما جعلها تندم على قدومها له بينما هو هتف بـغضب وحدة ناتجان من ألمه:

_ أنتِ إيه يا شيخه مبتحسيش!!! مش حاسه بمعنى كلامك ولا الوجع اللي ماشيه ترميني فيه!!! مش حاسه بعذابي في بعدك ولا في حروفك اللي بتموتني كل يوم مع التاني!!! أنتِ عندك قلب وبيحس ويتوجع أنما أنا لاااا!!! ماليش حق عليكي!!! إيه الجحود والبرود اللي اتمملك منك دااا!!! قوليلي لييييه بتعملي فيا كدااا!!! عاوزه نهايه ماشي بس المرادي بمزاجي مش بمزاجك وهتنجوز واللي عندك اعمليه اقولك!!!

ترك يديها وابتعد جالسًا على كرسيه بـبرود وتحدث:

_ أعلى ما في خليك اركبيه يا هبه وأنا هعمل اللي على هوايا وكله بمزاجي


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close