رواية شظايا الكلمات الفصل العشرين 20 بقلم جهاد وجيه
الفصل العشرون
شـظـايـا الـكـلـمـات
ليت العمر لحظة فـأقدمها لكَ لـتبقى وليت اللحظة عمرًا فـأقضيه معكَ ونرحل
نهرتني صديقة ذات مرة لـأتوقف عن تذكر مخاوفي وإعادة طرحها بـعقلي عند ترددي ولكني سألتها ( أللخوفِ حدٍ؟) علمت إجابتها من تراقص قدحتيها وتأكدت حينها أن خائفة مثلي من مواجهة هواجسها التي تُعسر نومها وهي ذاتها الحاجز الوحيد الذي يفصلها عن السلام والسكينة التي تفتقدها....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بـقت لعدة لحظات تُناظره بـعينين متوسلتين الكذب والرجاء، تصلبت قدميها وكذلك عينيها الميتتين! لا تعلم ما أصاب جسدها عند رؤيته! فقد أعاد عقلها تضاعف آلالامه بـالأيام الماضية وكثرة تقيؤه وضَعف جسده العام والهُزال الواضح عليه! جف حلقها عندما انبثقت فكرة أن تلك النهاية! أحقاً! أحقا خُتِمت قصتهم من قبل البداية! بـصعوبة أرغمت جسدها على السير نحوه والجلوس أمامه رافعة يديها المرتجفتين تحتضن وجهه بـخوف، بحثت بـهلع عن مصدر تدفق تلك الدماء التي غطت أرضية المرحاض من حولهم ولكنها لم تنتبه لذلك السائل اللزج الذي يحتضن كفيها الملامسين لـمؤخرة رأسه!! بـلحظات الخوف يتوقف العقل عن العمل وتتصلب الأعصاب كافة عاجزة عن تصديق الحقيقة الملموسة سواء كانت النتيجة سلبية أم لا! هي حتى لم تتحسس عنقه لتعلم أكان يتنفس بعد أم لا! ابتعدت عنه تبحث عن هاتفها بـانهيارٍ ودموعها تأبي التوقف وبـصعوبة من بين غشاوة عينيها وصلت لـرقم صديقتها!! وضعت الهاتف عن أذنها بـارتجافٍ ولم تستمع لـلكلمات الأخرى بل همست بـضعف وصوتٍ بُح من الألم:
_ ألحقيني براء بيموت...
هكذا فقط! ألقت الهاتف وهرولت مسرعة جالسة أمامه محتضنة رأسه لـصدرها ولُبها المُتعب شُلَّ من كثرة محاولاته لـيواكب كل تلك المصائب والاختبارات التي تهطل عليه!! لا تعرف كم مضى من الوقت عليها جالسة بلا روح تناشد كيانها الغافي تهمس له من بين دموعها بـمدى حبها واحتياجها له! لا تعرف ماذا يتوجب عليها أن تفعل ولكنها تعرف فقط أنها لن تبارحه! استمعت لـطرق الباب فـهرولت مسرعة لـصديقتها وما إن رأتها وخلفها «ثائـر» حتى جذبتها للداخل ليروا زوجها!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
أحكمت الغطاء حول شقيقتها الغافية بـحب وعادت بـذاكرتها لـنظرتها التي حجبها عنها طوال الليلة وتهربه الذي بات واضحًا للجميع! لن تلومه فهو يساعدها وظنت أن ذلك أفضل ولكنها تشتاقه ومتلهفة لسماع صوته! لم ينتظر لها الليلة سوى مرة واحدة عندما كانت تبكي بـسعادته لـرفيقتها ولا تعلم ماهية تلك النظرة أكان يطمئنها أم يلومها أم أنه يشتاقها! انتبهت لـصوت رنين هاتفها الذي أضاء بـاسم «ورده» فـتلقته بـتعجب وخوف نوبة من الهلع اقتحمتها هي الأخرى لـمجرد سماع صوتها الباكي وحجم فزعها! أغلقت الهاتف معها وكل ما جال بـخاطرها هو! نظرت للساعة التي تعدت منتصف الليل ومن الصعب خروجها بـمفردها ولم تجد مفر غير محادثته!! لم ترغب بالمزيد من الحرج والتوتر لـذاتها فـبعثت له بـرسالة تطلب رؤيته بأمرٍ هام!!....
بعد أكثر من نصف ساعة رأت سيارته على مدخل حارتهم، أسرعت بـخطواتها حتى وصلت أمامه ولم تحتاج للشرح فـملابسها الغير مرتبة وحركتها العشوائية نبأته بـكارثة واقعه! تنفس بـقلق ولم يرفع عيناه بها وكاد أن يسألها عن وجهتهم ولكنها سبقته على عجلٍ وارتباك:
_ على بيت ورده وبراء... بسرعه يا ثائـر
انصاع لـطلبها بـقلق رغم دهشته ولكنها إن لم ترغب بالحديث لن يجذبه منها! مضى الكثير من الوقت منذ سمع اسمه من شفتيها!...
غلف الصمت تلك اللحظات المشحونة بالتوتر والخوف منها والقلق والعتاب منه! مهما تغاضى عن مشاعره لن يكبح ذاته عن المزيد! توقفت السيارة أمام بناية فاخرة ولم تنتظره بل دفعت الباب بـنفاذ صبرٍ وجرت للداخل متجاهلة وجوده!! مسح على خصلاته بـغضب من تصرفاتها المُبهمة وتخبطها الذي بات يثير شياطينه النائمة وهمس لـنفسه بـتماسك:
_ خليك هادي... مجاش من كام يوم أو شهر...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
_ يا ورده اهدي بالله عليكي
هتفت بـتلك الكلمات المواسية «هبه» وجذبتها عنوة عنها وسط مقاومتها لـتحتضنها لـصدرها لـعلها تمتص بعضًا من أوجاعها ولكنها دفعتها بـقوة وهتفت بـحرقة تداعى لها جسدها كاملًا
_ كان واقع... ودمه... مات!! هو براء مات صح!!
هزت «هبه» رأسها بـأسى على حال صديقتها التي فقدت عقلها منذ أخذوا زوجها، تشعر بما تعانيه جيداً ويتألم قلبها بـمرارة عندما تراها بـتلك الحالة، هي أيضاً فقدت من كانوا الأغلى والأحب لقلبها وتجرعت حسرة الاشتياق!، أزالت دموعها واقتربت مربتة فوق كتفيها بـحنان وهمست بـثقة ورجاء
_ متقلقيش هيكون بخير صدقيني هو واضح إنه وقع بس والدم دا مجرد جرح صغير
نظرت لها الأخرى بـعينين متوسلتين الصدق والرجاء من حديثها وكل ذرة بـروحها تتمنى السكون والصمت ولكنها مرتعبة من فكرة ذهابه! لماذا اليوم! ألم يَحق لها السعادة ولو لـليلة واحدة معه! هل قلبها سـيصمد أمام تلك الرياح التي تهدد حصونه؟ هزت رأسها بـنفي ودفنت وجهها بـين ذراعي «هبه» وهمست بـألم وتنشج
_ كان مرمي على الأرض والدم حواليه... كانت شفايفه بيضا ووشه بارد.... كان بيموت يا هبه... براء بيموت وهبقى لواحدي تاني... هعاني لواحدي تاني يا هبه
شددت الأخرى من ضمها لها ونفت حديثها بـعنف وتمتمت بـصوتٍ باكٍ
_ هيفوق وهيبقى جرح صغير ومش هيسيبك... هتفرحوا سوى وتضحكوا وتجيبوا ولاد كتير... مش هتبقى لواحدك تاني لأنه هيكون رفيقك وهيسكن روحك.... مش هنبقى لواحدنا تاني
كانت تواسي ذاتها قبل صديقتها كلماتها كانت حارقة لـقلبها وكأنه تخبره ألا يضعف ويسقط بـتلك الهاوية الجاحدة والقاسية، رفعوا نظرهم بـلهفة عندما استمعوا لـصوت الغرفة يُفتح ويخرج الطبيب، نصبت «ورده» عودها بـلهفة ورجاء مقتربة منه وهمست بـتوسل ضعيف
_ هو... هو كويس صح؟!
لا يعلم الطبيب من أين له بـتلك البسمة الحانية ألـحب تلك الصغيرة لـزوجها ودموعها التي لم تتوقف وتوسلها له سبب ذلك! تصنع الجدية والحزم وتمتم بـعملية
_ الحمد لله فاق كان في جرح في مؤخرة رأسه هو سبب الدم إنما الإغماء لأن جسمه ضعيف وبسبب حالته المرضيه
حسنا تنفست الصعداء وتخطته للداخل مسرعة تتسابق قدميها للوصول إليه وبداخلها تقسم ألا تُغلق فمه الوقح من كثرة الطعام حتى لا يفقد وعيه مجدداً، ساذجة هي صحيح! ابتسامة سعيدة ولكنها متألمة زينت ملامحها وسط سيول دموعها عندما رأته يجلس على الفراش وعيناه مُنصبة عليها! أكان ينتظرها! هرولت مسرعة ملتهمة الخطوات التي تفصلها عنه حتى وصلت أمامه مباشرة ولم تعطيه فرصة للنظر إليها وإنما هبطت بـشفتيها تلتهم شفتيه بـقبلة قاسية وعنيفة بـثت بها خوفها وهلعها والأهم ألمها التي تقاسمته لحظة رؤيته جثة والموت يحوم حوله! لم تفصل القبلة وخاصة عندما شعرت بـيديه التي قبضت على عنقها مقربة جسدها منه ساحبًا أنفاسها بـقبلة أقوى وكأنه يعلمها كيف تعبر عن خوفها وشوقها! لعدة ثوانِ أو ربما أكثر ظل كلاهما يُعطي للآخر جرعته اللازمة من القوى والحب المُزين بـالألم تاركين قلوبهم تتقابل خلسة بـحديقة مُزدهرة بـالعشق المُرصع بـالهيام والوفاء الأبدي! ابتعدت عنه ودفنت وجهها بـعنقه وتحسست أصابعها جرح رأسه من الخلف وهمست بـألم
_ اديني ألمك ووجعك وكل اللي تاعبك احمله عن قلبك
ضمها «براء» لـصدره بـقوة ووضعها على ساقيه مغمضًا عينيه من الصداع الذي يفتك بـرأسه آثر تلك الوقعة اللعينة التي تسببت بـجرح رأسه وتمتم بـحب لن يقل يومًا
_ قلبي لو مشافش ضحكتك وسمع صوتك ضم روحك ليه مش هيعيش عشان يتعب
وعلى ذكر الموت تساقطت دموعها مجدداً مهما فعلت وتصنعت القوة لن تقدر! لن تنسى أنه سيذهب يومًا وهذا قريب! ولكنها تدعو من كل قلبها أن يأتي يومها قبل يومه، ابتسمت بـمرح وسط دموعها وتمتمت
_ ولا بقى فيها دُخله ولا خارجه حتى
ضحك «براء» بـقوة حتى أدمعت عيناه واهتز جسده أسفلها مما جعلها تبتعد حتى ترى ضحكاته التي لن تتردد بـتقديم عمرها حتى تظل تسمع صداها وليتها لم تفعل فرغم حزنه وتعبه لم تقل وسامته! حمحم هو بـتوعد واقترب من أذنها بـخبث هامسًا بـنبرة بعثرتها كليًا
_ ولا ألف خبطه تضرب ليلتنا والعمر كله قدامنا يا وردة ربيعي
احتضنته بـحب دافنة وجهها بـصدره ومكورة جسدها بـالقرب منه مُعطية قلبها فرصة مُضيئة لـيتنهد بـراحة صادقة بعيداً عن خوفها وفزعها...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
ضحكت «هبه» بـشغف عندما استمعت لـضحكات صديقتها ولهفتها الجارفة التي جعلتها تنساها! استمعت لـحمحمة رجولية من خلفها تبعها رجفة باردة دبت بـقلبها كيف تناست وجوده! أكان يراقبهم ولم تنتبه له! ابتلعت ريقها بـراحة مزيفة ونهضت ملتفة له بـعينين حاملتين لآثر الدموع وتمتمت بـحرج:
_ آسفه نسيت إنك هنا...
كم رغب بـالضحك الآن بـعلو صوته على هيئتها الطفولية وأصابعها التي تقبض على ثوبها الأسود ورفرفة أهدابها التي أيقنت له حرجها الشديد ولكنها كما يقولون ما زادت الأمر إلا سوءً أهكذا تتأسف له! أتخبره أنها نسيت وجوده! تنهد بـتعب وهمس:
_ ولا يهمك... الوقت اتأخر يلا اطمني عليهم لو حابه عشان أوصلك
هزت رأسها بـنفي وابتسمت بـحب وأردفت:
_ طالما بقوا سوى أنا اطمنت
أومأ لها بتفهم وشعرت بـنظراته التي اخترقت فؤادها وكأنه يلومها! عضت على شفتيها بـألم لحاله الذي تعلمه جيداً! هي أيضاً تشتاق لـصوته وضحكاته! تتمنى ضمة واحدة منه وتُقسم أن جميع آلالامها ستتبخر! لا يروقها صمته وتنحيه عنها والحزن المُشيد بـحدقتيه! لا يروقها مُطلقا!! سارت خلفه بـخطوات مماثلة وكأنه تخبره أنها معه! خلفه! له! مهما طال الدهر وقست بهم الأيام، صعدت جانبه بـهدوء وظلت تراقب الطريق وعينيها رغماً عنها كانت تختلس النظرات الحارقة له! زفرت بـحدة مردفة:
_ قول اللي عندك يا ثائـر
رمقها بـنظرة جانبية وأردف بـرزانته المعهودة:
_ معنديش حاجه تتقال!
نفخت بـضيق من صمته وتعمده ذلك وهتفت:
_ لا شكلك بيقول عاوز تقول حاجه
منع «ثائـر» ضحكة كادت أن تنفلت منه وناظرها باهتمامٍ مُعقبًا:
_ لا هو أنا اللي كل شويه أسرق منك نظره! ولا أنا اللي بجر كلام رغم إني اللي كنت بمنعه وبقفله! معتقدش إني اللي محتاج يتكلم....
كتمت شهقتها من وقاحته بـالحديث معها وإدعاؤه عليها!! وادارت وجهه عنه بـغضب وخجل من كشفه لها هامسة بصوت وصله:
_ براحتك.... اتفلق نصين....
ابتسم «ثائـر» بـحكمة وأوقف السيارة وأدار وجهه لها بـجدية ثم اقترب منها بشدة مما جعلها تتراجع بـقلق مردفة:
_ أنتَ هتعمل ايه..... لا بقولك ايه فوووو...
قاطعها بـضحكة رجولية طاغية كست ملامحه وللحظة أحسته من خارج عالمهم وطل بـوسامته لـتهيم به نساء عالمها!! ابتعد عنها وعقد ذراعيه أمام صدره ورمقها بـمكرٍ مردفًا:
_ اتفضلي
جعدت ملامحها بـتعجب وناظرته بـضيق وكادت أن تعنفه ولكنه أشار للباب الذي فُتحَ بـمفرده! مهلا أكان يفتح لها الباب وهي بـسذاجتها سخرت ورفعت صوتها عليه!! نظرت لـمكانهم لتتفاجأ أنها أمام الحارة التي تقطن بها!! أحقا يسخر منها؟! صكت على أسنانها بـغضب ورفعت كفها بوجهه ثم كورته وكأنها تتخيل نفسها تلكمه وفكت سبابتها بـوجهه متوعدة:
_ الشاطر اللي يضحك في الاخر..... إياك ثم إياك تفكر تكرر اللي عملته دا تاني.... سامع...
أومأ لها بـخنوعٍ ولم تختفي بسمته وراقبها بـشغف تهبط من السيارة بـغضب ولم يمنع نفسه من نظرة أخيرة لها وهتف بـحب:
_ تصبح على خير يا حلو
تبخر غضبها وتوعدها له لسماع أنغام الحب بـصوته وابتسمت ملتفة بعدما غادر وهمست بـصدق وحب:
_ وأنتَ من أهلي يا قلب الحلو
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
تقلبت بـألم بسبب نومتها الخاطئة وفتحت عينيها بـضيق فوقعت عليه نائما على المقعد المقابل لها! ابتسمت بـهدوء ونهضت مقتربة من فراش الصغير وجلست جانبه ممسكة بـكفه، طبعت قبلة عميقة بـباطن كفيه وتنهدت مردفة بـصدق:
_ صباح الخير... يمكن تكون سامعني أو حاسس بوجودي حتى لو خايف منه... معرفش أنتَ مريت بإيه لدرجة إنك ترفض تكون معانا هنا... معنديش حد دلوقت أتكلم معاه غيرك... هبه رجعت بيتها وعندها حزنها وورده فرحها كان امبارح... من النهارده هنكون صحاب... مش هكدب عليك وأقول مفكرتش أكرهك أو أبعدك عن أبوك بس كانت لحظه واحده... مجرد لحظة غضب ومحيتها من عقلي، أنتَ ملكش ذنب في أي غلط حصل أو بيحصل بالعكس وجودك هو اللي مخليني هنا دلوقت، تعرف إني بحب بابا أووي أقصد باباك... راكــان
مسحت على خصلاته بـحب وزفرت أنفاسها بـعمق مُكملة بـبسمة:
_ هو غلط وغلطه كبير أو يمكن لا بس أنا مش قادره اتخطاه... صعب على واحده زي مشافتش قلب حنين قبل كدا ولا حب حقيقي وكل حياتها دموع واكتئاب بس يمكن لو اتخلقت في ظروف غير دي كنت هنسى وهسامح، بحاول أدي لنفسي فرصه وأواجه كل أسباب حزني وبدوس عليها عشان أكمل، عارف إنك شبهه!؟ مشوفتش عيونك بس واثقه إنها زيه.... كل ملامحك نسخه منه بس هو يمكن أقوى منك عشان كدا بيحاول معايا إنما أنتَ رفضت وهربت لعالم مش هلومك لأنه أكيد أحسن من اللي عيشته هنا وإلا مكنتش لجأت ليه، عندي اختبار مش هتأخر عليك، أنا هنا عشانك وهفضل ديماً عشانك... خليك قوي وارجعلنا يا حمزه
ختمت حديثها بـدمعة سقطت على كفيه ونهضت مُقبلة جبينه بـأمل وناظرته بـرجاء هامسة:
_ متوجعش قلبي أنتَ كمان وقوم
التقطت حقيبتها وسترتها وخرجت من الغرفة تحارب دموعها التي تهدد بالسقوط، مهما بلغت قوانا ستأتي لحظات الضعف لتحتضن القوة لـتخر راكعة لها سامحة للعقل والقلب بـهدنة مُحكمة يلوم كلاً منهم الآخر على جفاؤه وقسوته وأيضاً سذاجته!! هذا الصغير وُلِدَ بها حبه! الأيام الماضيه كانت تنتظر ذهاب «راكــان» وتجلس تقرأ له القصص وتحكي معه عن ما يقلق نومها بل واتخذته صديقها المُقرب قبل كونه صغيرها! أقسمت له أنها لن تجعله يشعر بـذهاب والدته وستكون له الأم، الأخت، الصديقة وكل شيء!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
فتح «براء» عينيه بـألم باحثًا عنها بـالغرفة عندما لم يجدها بـجانبه، تحسس رأسه وجرحه الذي لم يهدأ منذ ليلة أمس ونهض بـتعثر ينادي عليها، وصله صوتها من المطبخ، وقف على أعتاب المطبخ مستندًا بـجانبه على الباب وعيناه تلتهم تفاصيلها البسيطة وحركتها السريعة وقصر قامتها الذي لا يساعدها أبداً لـإلتقاط الأواني!! ابتسم بـعشق ورضا لتلك اللحظة التي أنعم الله عليه بها وجعلها زوجته لـيشاهدها تعد له الفطور بكل ذلك الحب والسعادة وكأنه طفلها وليس زوجها!! اقترب منها محاوطًا خصرها وأسند رأسه على أحد كتفيها هامسًا أمام أذنها:
_ صباح القمر.... بتعملي إيه بادري كدا
ابتسمت «ورده» ولفت ذراعيه حول كفيه واراحت رأسها على صدره هامسة بـحب:
_ صباح الورد على عيونك.... أولاً بحضر الفطار زي ما أنتَ شايف.... وثانيًا إحنا بقينا الضهر مش بادري ولا حاجه وثالثا....
قاطعها هو بـضيق مصطنع مردفًا:
_ ثالثاً دي صباحك على جوزك يوم الصباحيه!؟
قلبت عينيها بـملل مصطنع وهمست بـغيظ:
_ صباحية مين أحنا هنكدب الكدبه ونصدقها يخويا
ابتعد عنها بـحدة واشار على نفسه بـتعجب هاتفًا:
_ أخوكِ!!
تخصرت بـدلالٍ وراقصت حاجبيها وهتفت:
_ ايوا أخويا تنكر!! هااا تنكر؟!
اقترب منها «براء» مجدداً محاصرًا جسدها بين سطح المطبخ وجسده وهمس أمام شفتيها بـعبث:
_ طب إيه رأيك تيجي معايا واثبتلك إذا كنت أخوكِ بجد ولا...
قاطعته مقتربة منه وهمست أمام شفتيه بـمكر ودلال:
_ بـعينك يا حلو.... الدكتور قال بلاش يتعب نفسه
صدحت ضحكات «براء» بـشدة حتى احمر وجهه بـالكامل مرجعًا رأسه للخلف وهتف بـمكر:
_ مين قال إني هتعب نفسي! دا أحنا هنلعب بس!
أحاطت عنقه بـعشق ولمعت عينيها بـوميضٍ من الخبث وتمتمت بـتهكم:
_ تعلب إيه يا حسره هو أنتَ لسه صغير!؟
جذبها لـترتطم بـصدره وتمتم بـخبث:
_ تؤ بـلعب لعب كبار تحبي تعرفيها!؟
ابتعدت عنه بـدلال وجذبته من كفه وحملت الطعام متوجهة للـغرفة وأردفت بـحزن مصطنع:
_ لا يا بيبي لما تخف نبقى نلعب براحتك دلوقت هتاكل وتاخد دواك وتنام
هز «براء» رأسه بـتهكم وصفعها بـخفة على ذراعها وتحدث بـسخرية:
_ مغسلش سناني واشرب اللبن بالمره؟!
وضعت الطعام على الفراش ودفعته وجلست جانبه مردفة بمرح:
_ ومالو يا قلبي... حبيبي أشطر كتكوت يا ناس
رمقها بـنظرة مميتة جعلته تطعمه دافعة الطعام عنوة من بين شفتيه كاتمة ضحكاتها على منظره الغاضب وعقدة حاجبيه التي لن تنفك!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
انتهت « أثير» من اختبارها ونهضت مغادرة ولكن أوقفها صوت فتاة ما تهتف بـسخرية:
_ وقبلت على نفسها تكون زوجه تانيه؟!
تجاهلت الحديث ولكن نظرات الجميع التي انصبت عليها عندما دلفت «مي» بـوجهها التي لم تستطع أدوات التجميل إخفاء كدماته ووقفت بـمنتصف الطلاب بـالمحاضرة هاتفة بـخبث:
_ لازم كلنا نروح لـدكتور راكــان المستشفى عشان ابنه عمل حادثه وفي غيبوبه بقاله فتره ومهما كان هو طول عمره كويس وجدع معانا لازم نقف جنبه ولا إيه يا شباب!!
استمعت «أثير» لهمهمات الجميع ونظراتهم التي انصبت عليها وخرج صوت إحداهم:
_ ابنه ازاي وهو متجوز مكملش شهر يا مي ولا الدكتور كان مدورها....
رأت نظرات السخرية بـاعين الجميع والشماتة الظاهرة من قلوبهم تكاد تندلع لها ولكنها ألجمت ذاتها وتحكمت بـغضبها وهمت بـالخروج إلا أن كلمات إحدى الفتيات المرافقة لـ« مي» جعلتها تتصنم بـمكانها:
_ لا الدكتور كان متجوز وعنده ولد من مراته الأولى واتجوز تاني عشان يسلى وقته...
انساقت خلف غضبها وجُرح كرامتها الذي فتح عليها نيران من جحيم روحها الممزقة وحملت ذاتها خارجة ولكن تلك الأفعى اقتربت منها على غفلة وهمست بـنشوة وانتصار:
_ كدا نبقى متعادلين
بـصعوبة تحكمت بـدموعها وقضمت شـفتيها حتى شعرت بـطعم الدماء بـفمها وتلك السخونة التي اجتاحت جسدها وسرت لـعقلها لـيشكل لها أفظع اللقطات التي ترغب بـفعلها بـتلك الماثلة أمامها ولكنها تصنعت الهدوء رفعت رأسها مبتسمة وحركت شفتيها وباغتتها بـصفعة قوية أدرات وجهها بعيداً!! لم تختفي بسمة «أثير» على العكس اتسعت بسمتها عندما خيم الصمت بـالغرفة وناظرهم الجميع بـتقرب وكأنهم ينتظرون نهاية لـمشهد حابس للأنفاس!! هو بالطبع كذلك وخاصة عندما رفعت «مي» رأسها ورسم الغضب هالة على وجهها أسفل أصابع «أثير» وتحكم حقدها منها وانقضت على الأخرى تحاول جذب خصلاتها ولكن «أثير» لم تترك لها فرصة ونابت عنها قابضة على شعرها حتى شعرت بـجذوره بين يديها وهتفت من بين أسنانها ببرود:
_ شكلك بتحبي العنف يا ميوش وبصراحه أنا بمر بأزمه نفسيه مخلياني عاوزه اطلع عقدي على أي كلبه بشوفها قدامي
شددت من قبضتها وسط صراخ الأخرى وتأوهاتها ولم تكتفي «أثير» بذلك بل قبضت على فكها بـعنف حتى استمعت لـصوت صرير أسنانها وهمست بـهدوء:
_ خافي مني لأن لما حد بيجي عليا جامد أو على حاجه تخصني بحرقه....
دفعتها عنها بـاشمئزاز وتناولت حقيبتها مغادرة بـشموخ وسط هدوء زملائها الذين لم يحاولوا ولو بالصوت الدفاع عن تلك الأفعى السامة التي تحاول جاهدًا لإذلالِها!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بـنهاية اليوم وقفت «ورده» تهز جسدها بـدلال وإثارة على أنغام الموسيقى جانبها وتغسل الأطباق بـمرح مرددة كلمات الأغاني غافلة عن المتربص لـحركاتها بـحب يود التهامها بـأي لحظة ولن يتردد!!اقترب منها حتى بات خلفها مباشرة ولكنها شعرت به وتناولت السكين وانتظرت اقترابه منها وما إن كان يحتضنها حتى باغتته بـنظرة مشاكسة واضعة السكين على عنقه ودفعته على الجدار محاصرة جسده مردفة بـملل:
_ أنتَ مبتتعبش يا بني!؟
لم يُصدم بالمرة هو فقط تفاجأ وسرعان ما هدأ وأحاط خصرها مُقربا شفتيه منها وتمتم بـإصرار:
_ لا وحني عليا بقا عاوز ادخل دُنيا
لكزته بـحدة بـمعدته وهتفت بـغضب مصطنع:
_ قولنا لا لما تخف وبطل قلة أدب بقا
غرس «براء» أصابعه بـخصرها وجذب جسدها بـقوة حتى التصقت به وهمس بـخبث:
_ والله أنتِ ما شوفتي قلة الأدب ومعنديش مانع أوريهالك عملي وهنا!!
صفعته بخفة على خده وقرصته بـخصره وتمتمت بـتوجس:
_ أنتَ معمولك عمل في المطبخ!؟ قولي متتكسفش!!
هز رأسه بتأكيد واقترب راغبًا بتقبيلها وهمس بـقوة:
_ طب بوسه بس!؟
بـصعوبة ابتعدت عنه ورفعت سبابتها بـوجهه وهتفت بـحزم:
_ ولا في أحلامك حتى
أومأ لها بـصمت حتى ظنت أنه سيخرج وسبقته ولكنها ارتابت من هدوؤه ونظرت خلفها لترى وميض المكر الذي باتت تعرفه عنه فـأسرعت تركض بـأنحاء الشقة بـمرح بينما هو تمتم بـتوعد:
_ وأنا هستنى أحلامي أنا الليلة دي يا قاتل يا مقتول
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
لا تعرف كم ظلت غافية جانبه منذ أتت وقصت عليه كل ما حدث لها وبكت كثيراً عندما تذكرت نظرات اللؤم والانتصار والحقد بـأعين زملائها ولا تعرف كيف ستذهب للجامعة مجدداً بعد ما حدث معها!! نهضت تبحث عن هاتفها حتى ترى الساعة نظرت بـجانب «حمزه» لـتجد « راكــان» النائم بـسلامٍ ولكن لم يخفى عليها التعب البادي على ملامحه وخطوط الهالات التي حُفرت أسفل عيناه وشحوبه الدائم وقلة نومه فهو بـالكاد ينام ساعة أو أقل صباحًا ويسرق بعض الدقائق نهارًا!! تنهدت بـشوق مقتربة منه وجثت على قدميها أمامه متحسسة ملامحه التي عشقتها بـروحها وهمست بـلوم:
_ عاوزه أسامحك ونرجع وتحضني وتطمني بس مش قادرة، عاوزه أكون جنبك وأضمك بس مش عارفه، بحاول أكون كويسه عشان ارجع ليك، مش هخليك تشوف أثير الضعيفه اللي الكل بيتنمر عليها تاني، اعتبرها كانت طفره في حياتك واتمحت وأنا نفسي مش عاوزه افتكرها، عاوزه أكون معاك بقوتي واتخلى عنها بين ضلوعك بس بـإرادتي مش تكون مسلوبه مني، حبك تاعبني ومحاصر قلبي ومخليه رافض أي نجاه غير طريق عيونك، عمري ما كنت متخيله إني هحب بالطريقة دي اللي تخليني أموت بعيد عنك وعاجزه إني أقرب منك وأنا عارفه إنك سبيل راحتي، هسامحك وهنسى بس امتى مش عارفه يمكن شهر او اتنين أو أكتر أو حتى سنه بس حبي ليك مع كل يوم بيتضاعف في قلبي وبكل كياني بقولك هرجع ونكون سوا أنا وأنت وحمزه....
أزالت الدموع العاقلة بـجفونها وابتسمت بـعشق طابعة قبلة خفيفة كـنمسة ربيعية فوق شفتيه رغبت بـالتعمق والاختباء بين ثنايا روحه لتشعر بالدفء يتخلل لها ولكنها تعرف نومه الخفيف من أقل حركة يصحو!! نهضت مقتربة من «حمزه» ولكن أصابعه التي احتضنت كفها جعلتها تتنهد بـتعب كانت تعلم أنه سيستيقظ ولكن ليس الآن!! التفت له لـتقابل حزن عيناه وإشارات روحه التي تستغيث بها!! جذبها لـتجلس على ساقيه وانصاعت لـحاجتها لـذلك ودفنت وجهه بـعنقه بـإرهاق وتنفس كلاهما بـراحة وكأن أرواحهم كانت بـسباقٍ مُجهد استنزف طاقتهم وللتو عادت لأجسادهم، ضم كلاً منهم الآخر بـقوة ساحبًا ألم شريكة نابذًا الهجر والفراق!! استندت هي بـرأسها على كتفه مغمضة عينيها مُجبرة عقلها على الإذهان لـنسيان كل ذِكره أليمة تسببها هو ومُفرشة بساط الدلال للحظاتهم الفريدة التي كانت تبتسم بها من كل قلبها معه وبسببه وله!!! أما هو!! شابك يديه معاً كـقيدٍ مُلغم حول ظهرها يستحل ردعه!! تنفس أنفاسها بـعمق متخذًا كل الوقت في العالم لفعل ذلك مُقدمًا لـوجدانه الإشارة الخضراء لـينعم بـقربها ولو بـلحظة وحيدة فقط!! ذهب تعبه، إرهاقه، حزنه، ألمه، وجعه والأهم خوفه في تلك الدقائق التي جمعتهم رافضين الابتعاد رغم الحواجز القائمة بينهم، فـهل بـذلك مُحت آثار الندبات والكلمات!؟ أبذلك رضخت لـحبها وانصاعت لـخفقان فؤادها؟!........
شـظـايـا الـكـلـمـات
ليت العمر لحظة فـأقدمها لكَ لـتبقى وليت اللحظة عمرًا فـأقضيه معكَ ونرحل
نهرتني صديقة ذات مرة لـأتوقف عن تذكر مخاوفي وإعادة طرحها بـعقلي عند ترددي ولكني سألتها ( أللخوفِ حدٍ؟) علمت إجابتها من تراقص قدحتيها وتأكدت حينها أن خائفة مثلي من مواجهة هواجسها التي تُعسر نومها وهي ذاتها الحاجز الوحيد الذي يفصلها عن السلام والسكينة التي تفتقدها....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بـقت لعدة لحظات تُناظره بـعينين متوسلتين الكذب والرجاء، تصلبت قدميها وكذلك عينيها الميتتين! لا تعلم ما أصاب جسدها عند رؤيته! فقد أعاد عقلها تضاعف آلالامه بـالأيام الماضية وكثرة تقيؤه وضَعف جسده العام والهُزال الواضح عليه! جف حلقها عندما انبثقت فكرة أن تلك النهاية! أحقاً! أحقا خُتِمت قصتهم من قبل البداية! بـصعوبة أرغمت جسدها على السير نحوه والجلوس أمامه رافعة يديها المرتجفتين تحتضن وجهه بـخوف، بحثت بـهلع عن مصدر تدفق تلك الدماء التي غطت أرضية المرحاض من حولهم ولكنها لم تنتبه لذلك السائل اللزج الذي يحتضن كفيها الملامسين لـمؤخرة رأسه!! بـلحظات الخوف يتوقف العقل عن العمل وتتصلب الأعصاب كافة عاجزة عن تصديق الحقيقة الملموسة سواء كانت النتيجة سلبية أم لا! هي حتى لم تتحسس عنقه لتعلم أكان يتنفس بعد أم لا! ابتعدت عنه تبحث عن هاتفها بـانهيارٍ ودموعها تأبي التوقف وبـصعوبة من بين غشاوة عينيها وصلت لـرقم صديقتها!! وضعت الهاتف عن أذنها بـارتجافٍ ولم تستمع لـلكلمات الأخرى بل همست بـضعف وصوتٍ بُح من الألم:
_ ألحقيني براء بيموت...
هكذا فقط! ألقت الهاتف وهرولت مسرعة جالسة أمامه محتضنة رأسه لـصدرها ولُبها المُتعب شُلَّ من كثرة محاولاته لـيواكب كل تلك المصائب والاختبارات التي تهطل عليه!! لا تعرف كم مضى من الوقت عليها جالسة بلا روح تناشد كيانها الغافي تهمس له من بين دموعها بـمدى حبها واحتياجها له! لا تعرف ماذا يتوجب عليها أن تفعل ولكنها تعرف فقط أنها لن تبارحه! استمعت لـطرق الباب فـهرولت مسرعة لـصديقتها وما إن رأتها وخلفها «ثائـر» حتى جذبتها للداخل ليروا زوجها!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
أحكمت الغطاء حول شقيقتها الغافية بـحب وعادت بـذاكرتها لـنظرتها التي حجبها عنها طوال الليلة وتهربه الذي بات واضحًا للجميع! لن تلومه فهو يساعدها وظنت أن ذلك أفضل ولكنها تشتاقه ومتلهفة لسماع صوته! لم ينتظر لها الليلة سوى مرة واحدة عندما كانت تبكي بـسعادته لـرفيقتها ولا تعلم ماهية تلك النظرة أكان يطمئنها أم يلومها أم أنه يشتاقها! انتبهت لـصوت رنين هاتفها الذي أضاء بـاسم «ورده» فـتلقته بـتعجب وخوف نوبة من الهلع اقتحمتها هي الأخرى لـمجرد سماع صوتها الباكي وحجم فزعها! أغلقت الهاتف معها وكل ما جال بـخاطرها هو! نظرت للساعة التي تعدت منتصف الليل ومن الصعب خروجها بـمفردها ولم تجد مفر غير محادثته!! لم ترغب بالمزيد من الحرج والتوتر لـذاتها فـبعثت له بـرسالة تطلب رؤيته بأمرٍ هام!!....
بعد أكثر من نصف ساعة رأت سيارته على مدخل حارتهم، أسرعت بـخطواتها حتى وصلت أمامه ولم تحتاج للشرح فـملابسها الغير مرتبة وحركتها العشوائية نبأته بـكارثة واقعه! تنفس بـقلق ولم يرفع عيناه بها وكاد أن يسألها عن وجهتهم ولكنها سبقته على عجلٍ وارتباك:
_ على بيت ورده وبراء... بسرعه يا ثائـر
انصاع لـطلبها بـقلق رغم دهشته ولكنها إن لم ترغب بالحديث لن يجذبه منها! مضى الكثير من الوقت منذ سمع اسمه من شفتيها!...
غلف الصمت تلك اللحظات المشحونة بالتوتر والخوف منها والقلق والعتاب منه! مهما تغاضى عن مشاعره لن يكبح ذاته عن المزيد! توقفت السيارة أمام بناية فاخرة ولم تنتظره بل دفعت الباب بـنفاذ صبرٍ وجرت للداخل متجاهلة وجوده!! مسح على خصلاته بـغضب من تصرفاتها المُبهمة وتخبطها الذي بات يثير شياطينه النائمة وهمس لـنفسه بـتماسك:
_ خليك هادي... مجاش من كام يوم أو شهر...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
_ يا ورده اهدي بالله عليكي
هتفت بـتلك الكلمات المواسية «هبه» وجذبتها عنوة عنها وسط مقاومتها لـتحتضنها لـصدرها لـعلها تمتص بعضًا من أوجاعها ولكنها دفعتها بـقوة وهتفت بـحرقة تداعى لها جسدها كاملًا
_ كان واقع... ودمه... مات!! هو براء مات صح!!
هزت «هبه» رأسها بـأسى على حال صديقتها التي فقدت عقلها منذ أخذوا زوجها، تشعر بما تعانيه جيداً ويتألم قلبها بـمرارة عندما تراها بـتلك الحالة، هي أيضاً فقدت من كانوا الأغلى والأحب لقلبها وتجرعت حسرة الاشتياق!، أزالت دموعها واقتربت مربتة فوق كتفيها بـحنان وهمست بـثقة ورجاء
_ متقلقيش هيكون بخير صدقيني هو واضح إنه وقع بس والدم دا مجرد جرح صغير
نظرت لها الأخرى بـعينين متوسلتين الصدق والرجاء من حديثها وكل ذرة بـروحها تتمنى السكون والصمت ولكنها مرتعبة من فكرة ذهابه! لماذا اليوم! ألم يَحق لها السعادة ولو لـليلة واحدة معه! هل قلبها سـيصمد أمام تلك الرياح التي تهدد حصونه؟ هزت رأسها بـنفي ودفنت وجهها بـين ذراعي «هبه» وهمست بـألم وتنشج
_ كان مرمي على الأرض والدم حواليه... كانت شفايفه بيضا ووشه بارد.... كان بيموت يا هبه... براء بيموت وهبقى لواحدي تاني... هعاني لواحدي تاني يا هبه
شددت الأخرى من ضمها لها ونفت حديثها بـعنف وتمتمت بـصوتٍ باكٍ
_ هيفوق وهيبقى جرح صغير ومش هيسيبك... هتفرحوا سوى وتضحكوا وتجيبوا ولاد كتير... مش هتبقى لواحدك تاني لأنه هيكون رفيقك وهيسكن روحك.... مش هنبقى لواحدنا تاني
كانت تواسي ذاتها قبل صديقتها كلماتها كانت حارقة لـقلبها وكأنه تخبره ألا يضعف ويسقط بـتلك الهاوية الجاحدة والقاسية، رفعوا نظرهم بـلهفة عندما استمعوا لـصوت الغرفة يُفتح ويخرج الطبيب، نصبت «ورده» عودها بـلهفة ورجاء مقتربة منه وهمست بـتوسل ضعيف
_ هو... هو كويس صح؟!
لا يعلم الطبيب من أين له بـتلك البسمة الحانية ألـحب تلك الصغيرة لـزوجها ودموعها التي لم تتوقف وتوسلها له سبب ذلك! تصنع الجدية والحزم وتمتم بـعملية
_ الحمد لله فاق كان في جرح في مؤخرة رأسه هو سبب الدم إنما الإغماء لأن جسمه ضعيف وبسبب حالته المرضيه
حسنا تنفست الصعداء وتخطته للداخل مسرعة تتسابق قدميها للوصول إليه وبداخلها تقسم ألا تُغلق فمه الوقح من كثرة الطعام حتى لا يفقد وعيه مجدداً، ساذجة هي صحيح! ابتسامة سعيدة ولكنها متألمة زينت ملامحها وسط سيول دموعها عندما رأته يجلس على الفراش وعيناه مُنصبة عليها! أكان ينتظرها! هرولت مسرعة ملتهمة الخطوات التي تفصلها عنه حتى وصلت أمامه مباشرة ولم تعطيه فرصة للنظر إليها وإنما هبطت بـشفتيها تلتهم شفتيه بـقبلة قاسية وعنيفة بـثت بها خوفها وهلعها والأهم ألمها التي تقاسمته لحظة رؤيته جثة والموت يحوم حوله! لم تفصل القبلة وخاصة عندما شعرت بـيديه التي قبضت على عنقها مقربة جسدها منه ساحبًا أنفاسها بـقبلة أقوى وكأنه يعلمها كيف تعبر عن خوفها وشوقها! لعدة ثوانِ أو ربما أكثر ظل كلاهما يُعطي للآخر جرعته اللازمة من القوى والحب المُزين بـالألم تاركين قلوبهم تتقابل خلسة بـحديقة مُزدهرة بـالعشق المُرصع بـالهيام والوفاء الأبدي! ابتعدت عنه ودفنت وجهها بـعنقه وتحسست أصابعها جرح رأسه من الخلف وهمست بـألم
_ اديني ألمك ووجعك وكل اللي تاعبك احمله عن قلبك
ضمها «براء» لـصدره بـقوة ووضعها على ساقيه مغمضًا عينيه من الصداع الذي يفتك بـرأسه آثر تلك الوقعة اللعينة التي تسببت بـجرح رأسه وتمتم بـحب لن يقل يومًا
_ قلبي لو مشافش ضحكتك وسمع صوتك ضم روحك ليه مش هيعيش عشان يتعب
وعلى ذكر الموت تساقطت دموعها مجدداً مهما فعلت وتصنعت القوة لن تقدر! لن تنسى أنه سيذهب يومًا وهذا قريب! ولكنها تدعو من كل قلبها أن يأتي يومها قبل يومه، ابتسمت بـمرح وسط دموعها وتمتمت
_ ولا بقى فيها دُخله ولا خارجه حتى
ضحك «براء» بـقوة حتى أدمعت عيناه واهتز جسده أسفلها مما جعلها تبتعد حتى ترى ضحكاته التي لن تتردد بـتقديم عمرها حتى تظل تسمع صداها وليتها لم تفعل فرغم حزنه وتعبه لم تقل وسامته! حمحم هو بـتوعد واقترب من أذنها بـخبث هامسًا بـنبرة بعثرتها كليًا
_ ولا ألف خبطه تضرب ليلتنا والعمر كله قدامنا يا وردة ربيعي
احتضنته بـحب دافنة وجهها بـصدره ومكورة جسدها بـالقرب منه مُعطية قلبها فرصة مُضيئة لـيتنهد بـراحة صادقة بعيداً عن خوفها وفزعها...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
ضحكت «هبه» بـشغف عندما استمعت لـضحكات صديقتها ولهفتها الجارفة التي جعلتها تنساها! استمعت لـحمحمة رجولية من خلفها تبعها رجفة باردة دبت بـقلبها كيف تناست وجوده! أكان يراقبهم ولم تنتبه له! ابتلعت ريقها بـراحة مزيفة ونهضت ملتفة له بـعينين حاملتين لآثر الدموع وتمتمت بـحرج:
_ آسفه نسيت إنك هنا...
كم رغب بـالضحك الآن بـعلو صوته على هيئتها الطفولية وأصابعها التي تقبض على ثوبها الأسود ورفرفة أهدابها التي أيقنت له حرجها الشديد ولكنها كما يقولون ما زادت الأمر إلا سوءً أهكذا تتأسف له! أتخبره أنها نسيت وجوده! تنهد بـتعب وهمس:
_ ولا يهمك... الوقت اتأخر يلا اطمني عليهم لو حابه عشان أوصلك
هزت رأسها بـنفي وابتسمت بـحب وأردفت:
_ طالما بقوا سوى أنا اطمنت
أومأ لها بتفهم وشعرت بـنظراته التي اخترقت فؤادها وكأنه يلومها! عضت على شفتيها بـألم لحاله الذي تعلمه جيداً! هي أيضاً تشتاق لـصوته وضحكاته! تتمنى ضمة واحدة منه وتُقسم أن جميع آلالامها ستتبخر! لا يروقها صمته وتنحيه عنها والحزن المُشيد بـحدقتيه! لا يروقها مُطلقا!! سارت خلفه بـخطوات مماثلة وكأنه تخبره أنها معه! خلفه! له! مهما طال الدهر وقست بهم الأيام، صعدت جانبه بـهدوء وظلت تراقب الطريق وعينيها رغماً عنها كانت تختلس النظرات الحارقة له! زفرت بـحدة مردفة:
_ قول اللي عندك يا ثائـر
رمقها بـنظرة جانبية وأردف بـرزانته المعهودة:
_ معنديش حاجه تتقال!
نفخت بـضيق من صمته وتعمده ذلك وهتفت:
_ لا شكلك بيقول عاوز تقول حاجه
منع «ثائـر» ضحكة كادت أن تنفلت منه وناظرها باهتمامٍ مُعقبًا:
_ لا هو أنا اللي كل شويه أسرق منك نظره! ولا أنا اللي بجر كلام رغم إني اللي كنت بمنعه وبقفله! معتقدش إني اللي محتاج يتكلم....
كتمت شهقتها من وقاحته بـالحديث معها وإدعاؤه عليها!! وادارت وجهه عنه بـغضب وخجل من كشفه لها هامسة بصوت وصله:
_ براحتك.... اتفلق نصين....
ابتسم «ثائـر» بـحكمة وأوقف السيارة وأدار وجهه لها بـجدية ثم اقترب منها بشدة مما جعلها تتراجع بـقلق مردفة:
_ أنتَ هتعمل ايه..... لا بقولك ايه فوووو...
قاطعها بـضحكة رجولية طاغية كست ملامحه وللحظة أحسته من خارج عالمهم وطل بـوسامته لـتهيم به نساء عالمها!! ابتعد عنها وعقد ذراعيه أمام صدره ورمقها بـمكرٍ مردفًا:
_ اتفضلي
جعدت ملامحها بـتعجب وناظرته بـضيق وكادت أن تعنفه ولكنه أشار للباب الذي فُتحَ بـمفرده! مهلا أكان يفتح لها الباب وهي بـسذاجتها سخرت ورفعت صوتها عليه!! نظرت لـمكانهم لتتفاجأ أنها أمام الحارة التي تقطن بها!! أحقا يسخر منها؟! صكت على أسنانها بـغضب ورفعت كفها بوجهه ثم كورته وكأنها تتخيل نفسها تلكمه وفكت سبابتها بـوجهه متوعدة:
_ الشاطر اللي يضحك في الاخر..... إياك ثم إياك تفكر تكرر اللي عملته دا تاني.... سامع...
أومأ لها بـخنوعٍ ولم تختفي بسمته وراقبها بـشغف تهبط من السيارة بـغضب ولم يمنع نفسه من نظرة أخيرة لها وهتف بـحب:
_ تصبح على خير يا حلو
تبخر غضبها وتوعدها له لسماع أنغام الحب بـصوته وابتسمت ملتفة بعدما غادر وهمست بـصدق وحب:
_ وأنتَ من أهلي يا قلب الحلو
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
تقلبت بـألم بسبب نومتها الخاطئة وفتحت عينيها بـضيق فوقعت عليه نائما على المقعد المقابل لها! ابتسمت بـهدوء ونهضت مقتربة من فراش الصغير وجلست جانبه ممسكة بـكفه، طبعت قبلة عميقة بـباطن كفيه وتنهدت مردفة بـصدق:
_ صباح الخير... يمكن تكون سامعني أو حاسس بوجودي حتى لو خايف منه... معرفش أنتَ مريت بإيه لدرجة إنك ترفض تكون معانا هنا... معنديش حد دلوقت أتكلم معاه غيرك... هبه رجعت بيتها وعندها حزنها وورده فرحها كان امبارح... من النهارده هنكون صحاب... مش هكدب عليك وأقول مفكرتش أكرهك أو أبعدك عن أبوك بس كانت لحظه واحده... مجرد لحظة غضب ومحيتها من عقلي، أنتَ ملكش ذنب في أي غلط حصل أو بيحصل بالعكس وجودك هو اللي مخليني هنا دلوقت، تعرف إني بحب بابا أووي أقصد باباك... راكــان
مسحت على خصلاته بـحب وزفرت أنفاسها بـعمق مُكملة بـبسمة:
_ هو غلط وغلطه كبير أو يمكن لا بس أنا مش قادره اتخطاه... صعب على واحده زي مشافتش قلب حنين قبل كدا ولا حب حقيقي وكل حياتها دموع واكتئاب بس يمكن لو اتخلقت في ظروف غير دي كنت هنسى وهسامح، بحاول أدي لنفسي فرصه وأواجه كل أسباب حزني وبدوس عليها عشان أكمل، عارف إنك شبهه!؟ مشوفتش عيونك بس واثقه إنها زيه.... كل ملامحك نسخه منه بس هو يمكن أقوى منك عشان كدا بيحاول معايا إنما أنتَ رفضت وهربت لعالم مش هلومك لأنه أكيد أحسن من اللي عيشته هنا وإلا مكنتش لجأت ليه، عندي اختبار مش هتأخر عليك، أنا هنا عشانك وهفضل ديماً عشانك... خليك قوي وارجعلنا يا حمزه
ختمت حديثها بـدمعة سقطت على كفيه ونهضت مُقبلة جبينه بـأمل وناظرته بـرجاء هامسة:
_ متوجعش قلبي أنتَ كمان وقوم
التقطت حقيبتها وسترتها وخرجت من الغرفة تحارب دموعها التي تهدد بالسقوط، مهما بلغت قوانا ستأتي لحظات الضعف لتحتضن القوة لـتخر راكعة لها سامحة للعقل والقلب بـهدنة مُحكمة يلوم كلاً منهم الآخر على جفاؤه وقسوته وأيضاً سذاجته!! هذا الصغير وُلِدَ بها حبه! الأيام الماضيه كانت تنتظر ذهاب «راكــان» وتجلس تقرأ له القصص وتحكي معه عن ما يقلق نومها بل واتخذته صديقها المُقرب قبل كونه صغيرها! أقسمت له أنها لن تجعله يشعر بـذهاب والدته وستكون له الأم، الأخت، الصديقة وكل شيء!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
فتح «براء» عينيه بـألم باحثًا عنها بـالغرفة عندما لم يجدها بـجانبه، تحسس رأسه وجرحه الذي لم يهدأ منذ ليلة أمس ونهض بـتعثر ينادي عليها، وصله صوتها من المطبخ، وقف على أعتاب المطبخ مستندًا بـجانبه على الباب وعيناه تلتهم تفاصيلها البسيطة وحركتها السريعة وقصر قامتها الذي لا يساعدها أبداً لـإلتقاط الأواني!! ابتسم بـعشق ورضا لتلك اللحظة التي أنعم الله عليه بها وجعلها زوجته لـيشاهدها تعد له الفطور بكل ذلك الحب والسعادة وكأنه طفلها وليس زوجها!! اقترب منها محاوطًا خصرها وأسند رأسه على أحد كتفيها هامسًا أمام أذنها:
_ صباح القمر.... بتعملي إيه بادري كدا
ابتسمت «ورده» ولفت ذراعيه حول كفيه واراحت رأسها على صدره هامسة بـحب:
_ صباح الورد على عيونك.... أولاً بحضر الفطار زي ما أنتَ شايف.... وثانيًا إحنا بقينا الضهر مش بادري ولا حاجه وثالثا....
قاطعها هو بـضيق مصطنع مردفًا:
_ ثالثاً دي صباحك على جوزك يوم الصباحيه!؟
قلبت عينيها بـملل مصطنع وهمست بـغيظ:
_ صباحية مين أحنا هنكدب الكدبه ونصدقها يخويا
ابتعد عنها بـحدة واشار على نفسه بـتعجب هاتفًا:
_ أخوكِ!!
تخصرت بـدلالٍ وراقصت حاجبيها وهتفت:
_ ايوا أخويا تنكر!! هااا تنكر؟!
اقترب منها «براء» مجدداً محاصرًا جسدها بين سطح المطبخ وجسده وهمس أمام شفتيها بـعبث:
_ طب إيه رأيك تيجي معايا واثبتلك إذا كنت أخوكِ بجد ولا...
قاطعته مقتربة منه وهمست أمام شفتيه بـمكر ودلال:
_ بـعينك يا حلو.... الدكتور قال بلاش يتعب نفسه
صدحت ضحكات «براء» بـشدة حتى احمر وجهه بـالكامل مرجعًا رأسه للخلف وهتف بـمكر:
_ مين قال إني هتعب نفسي! دا أحنا هنلعب بس!
أحاطت عنقه بـعشق ولمعت عينيها بـوميضٍ من الخبث وتمتمت بـتهكم:
_ تعلب إيه يا حسره هو أنتَ لسه صغير!؟
جذبها لـترتطم بـصدره وتمتم بـخبث:
_ تؤ بـلعب لعب كبار تحبي تعرفيها!؟
ابتعدت عنه بـدلال وجذبته من كفه وحملت الطعام متوجهة للـغرفة وأردفت بـحزن مصطنع:
_ لا يا بيبي لما تخف نبقى نلعب براحتك دلوقت هتاكل وتاخد دواك وتنام
هز «براء» رأسه بـتهكم وصفعها بـخفة على ذراعها وتحدث بـسخرية:
_ مغسلش سناني واشرب اللبن بالمره؟!
وضعت الطعام على الفراش ودفعته وجلست جانبه مردفة بمرح:
_ ومالو يا قلبي... حبيبي أشطر كتكوت يا ناس
رمقها بـنظرة مميتة جعلته تطعمه دافعة الطعام عنوة من بين شفتيه كاتمة ضحكاتها على منظره الغاضب وعقدة حاجبيه التي لن تنفك!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
انتهت « أثير» من اختبارها ونهضت مغادرة ولكن أوقفها صوت فتاة ما تهتف بـسخرية:
_ وقبلت على نفسها تكون زوجه تانيه؟!
تجاهلت الحديث ولكن نظرات الجميع التي انصبت عليها عندما دلفت «مي» بـوجهها التي لم تستطع أدوات التجميل إخفاء كدماته ووقفت بـمنتصف الطلاب بـالمحاضرة هاتفة بـخبث:
_ لازم كلنا نروح لـدكتور راكــان المستشفى عشان ابنه عمل حادثه وفي غيبوبه بقاله فتره ومهما كان هو طول عمره كويس وجدع معانا لازم نقف جنبه ولا إيه يا شباب!!
استمعت «أثير» لهمهمات الجميع ونظراتهم التي انصبت عليها وخرج صوت إحداهم:
_ ابنه ازاي وهو متجوز مكملش شهر يا مي ولا الدكتور كان مدورها....
رأت نظرات السخرية بـاعين الجميع والشماتة الظاهرة من قلوبهم تكاد تندلع لها ولكنها ألجمت ذاتها وتحكمت بـغضبها وهمت بـالخروج إلا أن كلمات إحدى الفتيات المرافقة لـ« مي» جعلتها تتصنم بـمكانها:
_ لا الدكتور كان متجوز وعنده ولد من مراته الأولى واتجوز تاني عشان يسلى وقته...
انساقت خلف غضبها وجُرح كرامتها الذي فتح عليها نيران من جحيم روحها الممزقة وحملت ذاتها خارجة ولكن تلك الأفعى اقتربت منها على غفلة وهمست بـنشوة وانتصار:
_ كدا نبقى متعادلين
بـصعوبة تحكمت بـدموعها وقضمت شـفتيها حتى شعرت بـطعم الدماء بـفمها وتلك السخونة التي اجتاحت جسدها وسرت لـعقلها لـيشكل لها أفظع اللقطات التي ترغب بـفعلها بـتلك الماثلة أمامها ولكنها تصنعت الهدوء رفعت رأسها مبتسمة وحركت شفتيها وباغتتها بـصفعة قوية أدرات وجهها بعيداً!! لم تختفي بسمة «أثير» على العكس اتسعت بسمتها عندما خيم الصمت بـالغرفة وناظرهم الجميع بـتقرب وكأنهم ينتظرون نهاية لـمشهد حابس للأنفاس!! هو بالطبع كذلك وخاصة عندما رفعت «مي» رأسها ورسم الغضب هالة على وجهها أسفل أصابع «أثير» وتحكم حقدها منها وانقضت على الأخرى تحاول جذب خصلاتها ولكن «أثير» لم تترك لها فرصة ونابت عنها قابضة على شعرها حتى شعرت بـجذوره بين يديها وهتفت من بين أسنانها ببرود:
_ شكلك بتحبي العنف يا ميوش وبصراحه أنا بمر بأزمه نفسيه مخلياني عاوزه اطلع عقدي على أي كلبه بشوفها قدامي
شددت من قبضتها وسط صراخ الأخرى وتأوهاتها ولم تكتفي «أثير» بذلك بل قبضت على فكها بـعنف حتى استمعت لـصوت صرير أسنانها وهمست بـهدوء:
_ خافي مني لأن لما حد بيجي عليا جامد أو على حاجه تخصني بحرقه....
دفعتها عنها بـاشمئزاز وتناولت حقيبتها مغادرة بـشموخ وسط هدوء زملائها الذين لم يحاولوا ولو بالصوت الدفاع عن تلك الأفعى السامة التي تحاول جاهدًا لإذلالِها!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بـنهاية اليوم وقفت «ورده» تهز جسدها بـدلال وإثارة على أنغام الموسيقى جانبها وتغسل الأطباق بـمرح مرددة كلمات الأغاني غافلة عن المتربص لـحركاتها بـحب يود التهامها بـأي لحظة ولن يتردد!!اقترب منها حتى بات خلفها مباشرة ولكنها شعرت به وتناولت السكين وانتظرت اقترابه منها وما إن كان يحتضنها حتى باغتته بـنظرة مشاكسة واضعة السكين على عنقه ودفعته على الجدار محاصرة جسده مردفة بـملل:
_ أنتَ مبتتعبش يا بني!؟
لم يُصدم بالمرة هو فقط تفاجأ وسرعان ما هدأ وأحاط خصرها مُقربا شفتيه منها وتمتم بـإصرار:
_ لا وحني عليا بقا عاوز ادخل دُنيا
لكزته بـحدة بـمعدته وهتفت بـغضب مصطنع:
_ قولنا لا لما تخف وبطل قلة أدب بقا
غرس «براء» أصابعه بـخصرها وجذب جسدها بـقوة حتى التصقت به وهمس بـخبث:
_ والله أنتِ ما شوفتي قلة الأدب ومعنديش مانع أوريهالك عملي وهنا!!
صفعته بخفة على خده وقرصته بـخصره وتمتمت بـتوجس:
_ أنتَ معمولك عمل في المطبخ!؟ قولي متتكسفش!!
هز رأسه بتأكيد واقترب راغبًا بتقبيلها وهمس بـقوة:
_ طب بوسه بس!؟
بـصعوبة ابتعدت عنه ورفعت سبابتها بـوجهه وهتفت بـحزم:
_ ولا في أحلامك حتى
أومأ لها بـصمت حتى ظنت أنه سيخرج وسبقته ولكنها ارتابت من هدوؤه ونظرت خلفها لترى وميض المكر الذي باتت تعرفه عنه فـأسرعت تركض بـأنحاء الشقة بـمرح بينما هو تمتم بـتوعد:
_ وأنا هستنى أحلامي أنا الليلة دي يا قاتل يا مقتول
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
لا تعرف كم ظلت غافية جانبه منذ أتت وقصت عليه كل ما حدث لها وبكت كثيراً عندما تذكرت نظرات اللؤم والانتصار والحقد بـأعين زملائها ولا تعرف كيف ستذهب للجامعة مجدداً بعد ما حدث معها!! نهضت تبحث عن هاتفها حتى ترى الساعة نظرت بـجانب «حمزه» لـتجد « راكــان» النائم بـسلامٍ ولكن لم يخفى عليها التعب البادي على ملامحه وخطوط الهالات التي حُفرت أسفل عيناه وشحوبه الدائم وقلة نومه فهو بـالكاد ينام ساعة أو أقل صباحًا ويسرق بعض الدقائق نهارًا!! تنهدت بـشوق مقتربة منه وجثت على قدميها أمامه متحسسة ملامحه التي عشقتها بـروحها وهمست بـلوم:
_ عاوزه أسامحك ونرجع وتحضني وتطمني بس مش قادرة، عاوزه أكون جنبك وأضمك بس مش عارفه، بحاول أكون كويسه عشان ارجع ليك، مش هخليك تشوف أثير الضعيفه اللي الكل بيتنمر عليها تاني، اعتبرها كانت طفره في حياتك واتمحت وأنا نفسي مش عاوزه افتكرها، عاوزه أكون معاك بقوتي واتخلى عنها بين ضلوعك بس بـإرادتي مش تكون مسلوبه مني، حبك تاعبني ومحاصر قلبي ومخليه رافض أي نجاه غير طريق عيونك، عمري ما كنت متخيله إني هحب بالطريقة دي اللي تخليني أموت بعيد عنك وعاجزه إني أقرب منك وأنا عارفه إنك سبيل راحتي، هسامحك وهنسى بس امتى مش عارفه يمكن شهر او اتنين أو أكتر أو حتى سنه بس حبي ليك مع كل يوم بيتضاعف في قلبي وبكل كياني بقولك هرجع ونكون سوا أنا وأنت وحمزه....
أزالت الدموع العاقلة بـجفونها وابتسمت بـعشق طابعة قبلة خفيفة كـنمسة ربيعية فوق شفتيه رغبت بـالتعمق والاختباء بين ثنايا روحه لتشعر بالدفء يتخلل لها ولكنها تعرف نومه الخفيف من أقل حركة يصحو!! نهضت مقتربة من «حمزه» ولكن أصابعه التي احتضنت كفها جعلتها تتنهد بـتعب كانت تعلم أنه سيستيقظ ولكن ليس الآن!! التفت له لـتقابل حزن عيناه وإشارات روحه التي تستغيث بها!! جذبها لـتجلس على ساقيه وانصاعت لـحاجتها لـذلك ودفنت وجهه بـعنقه بـإرهاق وتنفس كلاهما بـراحة وكأن أرواحهم كانت بـسباقٍ مُجهد استنزف طاقتهم وللتو عادت لأجسادهم، ضم كلاً منهم الآخر بـقوة ساحبًا ألم شريكة نابذًا الهجر والفراق!! استندت هي بـرأسها على كتفه مغمضة عينيها مُجبرة عقلها على الإذهان لـنسيان كل ذِكره أليمة تسببها هو ومُفرشة بساط الدلال للحظاتهم الفريدة التي كانت تبتسم بها من كل قلبها معه وبسببه وله!!! أما هو!! شابك يديه معاً كـقيدٍ مُلغم حول ظهرها يستحل ردعه!! تنفس أنفاسها بـعمق متخذًا كل الوقت في العالم لفعل ذلك مُقدمًا لـوجدانه الإشارة الخضراء لـينعم بـقربها ولو بـلحظة وحيدة فقط!! ذهب تعبه، إرهاقه، حزنه، ألمه، وجعه والأهم خوفه في تلك الدقائق التي جمعتهم رافضين الابتعاد رغم الحواجز القائمة بينهم، فـهل بـذلك مُحت آثار الندبات والكلمات!؟ أبذلك رضخت لـحبها وانصاعت لـخفقان فؤادها؟!........