رواية شظايا الكلمات الفصل التاسع عشر19 بقلم جهاد وجيه
الفصل التاسع عشر
شـظـايـا الـكـلـمـات
وما للـدلال بـحضرتك سوى الصمت والتخفي، ما بال القلب بـمروركِ يرتجف!
كلٌ منا له نصفه الأقرب! روحه الأمثل! نصيبه الأفضل! حبه الصادق! وأخيراً نهايته المُستحقه...
أغلق المُصحف ووضعه بـرفق جانب صغيره! صغيره النائم بعيداً عنه منذ اسبوعٍ بـعالمٍ آخر عجز هو عن إعادته، لا يعلم ما أصابه عندما هاتفه «ثائـر» يخبره بالحادث! تخلله شعورًا لا إرادي من الندم والاحتقار الذاتي، لقد أجرى التحاليل اللازمة لـيتأكد كون ذلك الفتى الغافي هو ولده! بـقسوته وقذارته نفى فلذة كبده الوحيد بعيداً عنه لـعشرة أعوام، تنهد مغمضًا عينيه بل هي أجفلت من تلقاء نفسها لم يزوره النوم منذ أكثر من اسبوع! يكفيه منظر ولده بجسده الصغير المُغطى بـالدماء ونظراته الفارغة المنافية للحياة وغير الراغبة بالمواصلة! أحقا يرغب بالموت!! لقد أخبره الطبيب أن «حمزه» هو من يريد ذلك! من يريد الاختباء بـعالمه الخاص ولا يرغب بالعودة لعالمهم! لم يسعفه الوقت لتركه والذهاب لـ والدته لـيعلم بما ملأت رأسه! وضع رأسه بـتعب على الفراش بـجانبه مختلسًا بعض الدقائق لـيرتاح عقله ولكنه ما لبث أن ابتسم عندما استنشق رائحتها وصوت خطواتها المتوترة، أكمل اصطناعه للنوم عندما شعر بها تقترب منه وتهمس بـحنانٍ لم يختفي حزنها منه:
_ هيبقى بخير صدقني، الدكتور قالي أنه قوي وبيدافع بـجسمه بس رافض الواقع وحابس روحه، خليك قوي عشانه
انحنت طابعة قبلة عميقة فوق خصلاته السوداء وأخرى مثلها على كف يده وهمت بـالذهاب ولكنه جذبها بـقوة دافنًا وجهه بـصدرها وهمس بـاختناق:
_ خليكي هنا... متمشيش
ابتسمت «أثـير» بـحزن وحاوطت رأسه لـجسدها وهمست:
_ أنا هنا لحد ما يفوق بس خليك أنتَ قوي هو محتاجك أكتر من أي حد
شعرت بـهزته النافية أمام بطنها وتبعها صوته المتقطع بـخوف:
_ معرفش هيتقبلني ويسامحني ولالا ثائـر قالي إنه مبيتكلمش مع حد وفي حاله
ابعدت رأسه عنها وانحنت جالسة أمامه بـحب مكورة وجهه بين كفيها وهمست بـنعومة وصدق:
_ هيسامحك ويحبك مش مجرد كلام لا لأنه مش مخير أنتَ باباه والوحيد اللي باقي ليه دلوقت والوحيد اللي هتحاوطه بـحبك وحنانك، معرفش حمزه مر بإيه ولا شوفته قبل كدا بس أنا حاسه بحزنه من بعده، لازم تعافر عشان تسكن قلبه مش كل يوم الحياه بتدينا فرصه نكفر بيها عن أخطاءنا ونتعلم منها...
جذب «راكــان» كفيها بين خاصته وأخفاهم بـخوف أمام صدره وغاص بـنظراته القاتمة بين عينيها الغائمتين وتمتم بـرجاء:
_ بتمنى مصدر قوتي يفضل معايا عشان أقدر أكمل، هكون جنبه ومعاه بس خليكي جنبي
ابتعدت عنه بـارتباك ورسمت بسمة زائفة وهتفت بـتعلثم:
_ أنا راحه... الجامعه.. عشان في اختبارات النهارده ليا...
ابتسمت بحزن معتصرًا عيناه لهروبها الذي بات واضحًا منه ولكنها تستحق محاولاته! لن يتوانى عن دعم قرارها وخاصة عندما أجلته حتى يستفيق «حمزه» ولم تغادر، نهض مقتربًا منها حتى بات أنفاسه تتصدى بـخصلاتها النارية، أحاط خصرها بين عضديه وشعر بـرجفته ولكنه لم يهتم يحتاج لـقربها، يحتاج لتخزين أنفاسها داخل صدره ليكمل قوته التي بدأت بالتراخي والضعف، أبعد خصلاتها عن مرمى عنقها الأبيض ودفن وجهه بـقوة ملتهمًا جيدها الناعم سامحًا لشفتيه بالتنعم داخله ولقلبه بالولوج للراحة التي يفتقدها، شعر بهدوء أعصابها بين يديه مما جعله يشدد من ضمه لها متعمقًا بـشفتيه العابثتين بها، لم تهدأ شفتيه عن زرع القبلات المتلهفة والشغوفة على نحرها ولثم عِرقها النابض ليشعر بـسرعة تدفق دمائها وتوترها، تنفس براحة ولم يبتعد بل جذبها لصدره أكثر وهمس بـصدق ومشاعره تتضارب:
_ كنت محتاج كدا صدقيني وإلا كنت هضيع
أغمضت عينيها بـضعف من قربه الذي يُعيد لها الكثير من المشاعر التي تجاهد لـحجبها وخاصة الآن وسحبت جسدها من بين ذراعيه مُبعدة صدى أنفاسه المُلتهبة عنها والتفتت لـتتلاقى عيناهم بـنظراتٍ ضعيفة، نادمة، معاتبة، عاشقة ومشتاقة ولكنها جمدت كل تلك العواطف واختطفت قبلة لحظية من خده وجذبت حقيبتها مسرعة للخارج حتى لا تتلف أعصابها بحضوره وتضطر لمواجهة مشاعرها من جديد معه...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وقفت «هبه» تُرتب ثيابها وعينيها شاردتين كـقلبها، لم تهاتفه منذ حادثة «حمزه» ولم تسمح له بذلك بل عندما يأتي لا تخرج للقائه بل تضع الأعذار الواهية التي أصبح يعرفها ولكنه يأتي رغم ذلك! حملت نفسها ذنب ما أصاب ذلك الصغير الذي لم يسعد بحياته وعندما ابتسمت له ليصبح مع والده أتت هي لتغفل عنه ليقع وسط دماؤه ويختفي عقله في عالمٍ موازي لهم، أدمعت عينيها عندما تذكرت لهفة «راكــان» والده الذي لم يراه قبل ذلك ولكنه بالأخير والده! ألقت بـجسدها على الفراش بـتعب متذكرة صديقتها «ورده» لم يغفل عقلها عنها الفترة الماضية وتعلم ما تعانيه مع زوجها، ابتسمت بـسعادة لـرفيقتها فمهما بلغ ألمها يبقى بـقلبها مساحة بديعة لها وحدها تلقاها بها وسط حزنها وتضمها وسط ضعفها، تلك الفتاة نعمة الله لها ولكنها شبه هجرتها! لم تلقاها منذ مدة ولا تعلم حالتها حتى عندما عادت لبيتها لم تذهب لها! خفق قلبها فجأة عندما استمعت لـصوتها بالخارج! للحظة ظنت أنها تتوهم ولكنها ما لبثت أن رأتها تطل عليها بـضحكتها الجميلة وعينيها السعيدتين، لم تسعها الفرحة ونهضت مُغرقة نفسها بين أحضانها هامسة بشوق:
_ وحشتيني يا ست ووحشني حضنك
ابتسمت «ورده» بـسعادة وجذبتها للفراش ولم تفصل عناقهم بل شددت من ضمها لها وتمتمت بـحب:
_ وأنتِ أكتر، رجعتي امتى
هل عليها الصراخ بكونها تحبها مدى الحياه! هي لم تعاتبها ولم تسألها لما لم ترتادها! بل ضمتها وسألتها عن نفسها فقط!! لم تشأ الضغط عليها ولا لومها!! أتمتلك قلبًا داخل صدرها أم جنة تلك الفتاة! جذبتها بحيث تكون وسط أحضانها وهمست بـحب:
_ مش مهم خلينا كدا وهحكيلك... عندك وقت؟!
ابتسمت الأخرى بـصدق وربتت فوق رأسها بـحب وأردفت بتأكيد:
_ ولو معنديش وقت مش مهم... احكي وأنا هسمعك
لساعاتٍ ظلت تسرد لها ما حدث مع الجميع منذ غيابها ولم تسقط منها لحظة واحدة مما حدث وما كان من «ورده» غير الإنصات لها باهتمام والتركيز معها وكأنها تحكي تفاصيلٍ دولية! ابتسمت عندما لاحظت صمتها الذي طال وهمست:
_ خلصتي؟!
هزت «هبه» رأسها بتأكيد وأزالت دمعة وحيدة سقطت من عينيها وهمست بـتشتت:
_ أنا معرفش الصح فين والغلط فين ومش فاهمه إيه اللي بيحصل... تعرفي أثـير دي أول واحده ارتاح ليها من نظره بعدك، الوحيدة اللي شوفت خوفها وضعفها وتعبها وإنها شبهنا، البنت دي أضعف مننا حتى وجواها خراب لو متصلحش هيقضي عليها
أغمضت «ورده» عينيها لعدة دقائق وسرعان ما تحدثت بـهدوء:
_ هي مغلطتش... دا مهما كان جوزها وبتحبه وفي لحظات ضعف لقت إن الطلاق الحل بس لما هدت عرفت إنها كانت متهوره.. مغلطتش إنها فضلت جنبه وجنب ابنه اللي ملوش ذنب... محدش فينا ليه ذنب هو ابن مين ولا ماضيه ولا حتى حاضره أيه.. احنا بنتحط في الظروف مش بمزاجنا... هي تبقى غلط لو مبعدتش فتره!! مينفعش تفضل بضعفها دا! مهما كان حب جوزها ليه مش هيقدر يرتب الحطام اللي جواها ويرجع يبنيه تاني..
اومأت «هبه» بموافقه على حديثها وتنهدت بـراحة قاطعتها الأخرى بـهمسة:
_ فرحي الاسبوع الجاي
انتفضت «هبه» كمن لدغتها أفعى بصدمة وحكت أذنيها وصمتت للحظات أصابها الزهول وتمتمت بـتردد:
_ بتهزري صح؟!
صدحت ضحكات «ورده» على منظر صديقتها المصدوم ولها الحق هي لم تصدق حتى أن والدها سيوافق على طلبهم بتلك السرعة بل ودعمهم!! جذبت يديها تقربها منها وتمتمت بـمرح:
_ أكيد لا ويلا البسي عشان ننزل أجيب شوية حاجات بنات ليا
_ حاجات بنات ليكي أنتِ يا بشكير؟! عيب والله
لم تستطع «هبه» أمساك زمام لسانها في تلك اللحظة حقاً وخاصة عندما رأت نظرات صديقتها المرحة
جحدتها «ورده» بنظرات ساخطة واقتربت محاصرة أحد أذنيها بين أصابعها بـعنف وهمست من بين أسنانها:
_ عندك مانع يا بوز الفقر أنتِ؟!
ابتلعت «هبه» ريقها ونظرت لها من أسفل وجهها بـسخط هامسة:
_ لا يا بشكير الكلب
تركتها الأخرى ونهضت بـتفاخر وسعادة تدور حول نفسها بالغرفة تردد..:
_ ودوني على بيت حبيبي نعيش مع بعض فيه
قاطعتها «هبه» بتهكم:
_ الله يرحمه كان طيب وغلبان
رمقتها «ورده» بنظرة متقززة رافعة إحدى حاجبيها وهتفت بـحزم:
_ خمس دقايق لو ملبستيش عشان ننزل وحياة الغالين لأخلي صوتك يسمع ننوس عين أمه مطرح ما هو
فرت «هبه» مسرعة تبحث عن ثيابٍ مناسبة ترتديها فتلك الجاحدة لديها طرق خبيثة بالتعذيب، وضع حبات الثلج بالظهر، الصفع على المؤخرة، شد الأذن بطريقة تجعلها ترغب بالصراخ وكأن أحدهم يحطم عظامها! أهذا يكفي! حقاً صديقتها عنيفة بعض الشئ!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وصلت «أثير» لـجامعتها بعد ساعة قضتها بالتفكير ومحاولة تجنب الحوادث بسبب تشتتها، تنهدت بـتعب وهبطت للداخل، لاحظت نظرات الجميع منهم الشامة والمُشفقة وأخرى حاقدة! تنفست بـهدوء وعبرت الساحة الخارجية ولكنها ما لبثت أن رأت كابوس حياتها ومصدر دمار نفسيتها الأول «مي الشناوي» فتاة السماجة العالمية، لا تعلم لما انتابتها نوبة ضحك تحكمت بها بصعوبة وعبرتها بـتجاهل ولكن ليست «مي» من تتركها إن لم تُسمم بدنها بـكلماتها اللاذعة!..
تجاهلت «أثـير» نظراتهم وضحكاتهم عليها ولكن ما تفوهت به تلك الأفعى بـتهكم:
_ ما هو واحد زي دكتور راكــان بحلاوته دي كلها مش هيكتفي بـالكوره دي بردو
حسنا... واحد... اثنان... ثلاثه... شهيق... زفير وهدوء.... ابتسمت «أثـير» لمحاولاتها التحكم بـغضبها التي أدتت ثمارها وجعلت الأخرى تستشيط غضبًا ولكنها لم تصمت وهتفت بـتكبر:
_ أنا لو بصحى على الشكل دا كل يوم كان زماني جالي قيئ لا إرادي دا ربنا رحمه
ضغطت «أثـير» على أسنانها تحكم دمعاتها التي أقسمت أنها لن تنزل مجدداً واقتربت منها بـعينين هادئتين كسكون الليل ولكن الأمر لم يطول وتحول ذلك الهدوء لـثورة من النيران واللهب وجذبتها بـعنف من خصلاتها ومن وسط شلتها أو بالأصح عصابتها وطرحتها أرضًا مُكيلة لها العديد من الصفعات العنيفة صاببة غيظها وألمها بها! لا تعرف لمدى ظلت تضربها بـقسوة متذكرة صوت بكاؤها ليلاً وصوت عقلها المتعب وأنينها الخافت بسبب تلك الفتاة والعديد أمثالها! كانت مقاومة «مي» مقارنة بها كنملة لـفيل! أهناك وجه نجاة! بالطبع لا ويستحيل، ابتعدت «أثير» بـتفاخر عنها ناظرة لوجهها الذي اختفت ملامحه من كثرة الكدمات ورمقت صديقاتها الذين رحلوا ما إن هجمت عليها وتمتمت بـسخرية:
_ اومال فين عصابتك؟! ولا هم اسم وشكل بس زيك!؟
لم ترفع «مي» نظراتها لها بل تساقطت دموعها بـصمت بسبب ألم جسدها ورأسها الذي اقتلعته تلك الثمينة الكريهة!
رمقتها «أثـير» بنظرة ثاقبة وطبت شفتيها وتمتمت بـثقة:
_ لسانك لو طول تاني يا بتاعه أنتِ والله ما هيعرف دكتور يلم منك جزء جنب التاني... أنتِ شوفتي أثـير العيوطه والخوافه بس لسه مشوفتيش الهمجيه واللي حصل دا اعتبريه هدنة سلام معاها
هزت «مي» رأسها بـموافقة وارتجف جسدها من قوة التي أمامها، أتلك «أثـير» الخائفة التي كانت تبتعد عن مرمى بصرهم حتى لا يمزحوا عليها!؟ أتلك التي كانت تبكي تتوسلها ألا تجعلها أضحوكة؟! فاقت من شرودها على صوتها الحاد والحازم:
_ المكان اللي تلاقيني فيه تلفي وملمحكيش فيه عشان أنا صبري قليل ومهما كنتِ بنت مين ميهمنيش ولا يعنيني في شيء
غادرتها وعلى وجهها بسمة راضية بما صنعته يداها، شعرت بـهدوء غضبها رغم انفلات تحكمها وصبرها، يشهد الله أنها حاولت حجب تلك الجزئية منها وإخماد قسوتها ولكن الجميع دفع لذلك، الجميع هجرها عندما احتاجت لضمة تخفف صوت ألم روحها المجروحة، كانت تبكي بمردها وتبتسم! أحقا كانت تبتسم! كفاكِ كذبًا يا فتاة هي لا تعرف متى آخر مرة ضحكت بصدق! هم من صنعوا تلك القاسية والجاحدة لذلك هي ليست مُلامة ولن تندم!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وقف «راكــان» بـبرود أمام زنزانتها ورمقها بنظرات فارغة، تلك سبب دماره الأول والأخير، لا يعلم ما يعانيه صغيره الآن بسببها، اشمأزت ملامحه عندما التفت له وعلى محياها بسمة خبيثة مثلها، راقب اقترابها منه بعينين فارغتين وهتف بـحزم:
_ عملتي إيه في حمزه
للحظة واحدة تألم قلبها وخفق لذكره لصغيرها الذي نُزع قصرا من رحمها قبل اكتمال جسده وهي عاجزة عن ردعهم ولكنها كانت لحظة رأى الندم بعينيها ولكنه تبدل لـجفاءٍ وقسوة وهتفت به:
_ الأيام هتعرفك... في حاجات الأفضل ليها تفضل سر عشان لو اتكشفت هنعاني كتير ونفضل شايلين ذنبها طول حياتنا
مد يديه من بين القضبان محاولاً إحكامها على عنقها سالبًا أنفاسها بسبب برودها وردودها القاتلة ولكنها ابتعدت وهتفت بـقسوة:
_ مش كلنا لينا حق نفرح لما نلاقي جزء مننا بيجري ويلعب قدامنا وإحنا عاجزين إننا نقرب منه ونضمه، بلاش تفتح في دفاتر قديمه هيجي ليها وقت وترمي اللي مخبياه بس لو اتفتحت قبل معادها هتكون أنتَ النادم الوحيد
غموض حديثها وقسوته جعلت قلبه ينتفض رعبًا على صغيره، لا يعلم هوية تلك المرأة بعد ولكن «ثائـر» أخبره أنها كانت تعمل بأحد بيوت الدعارة بالخارج!! ولكن هناك سؤال يلح عليه ويحتاج إجابة، لم يشعر، سوى بلسانه يهتف باستفسار:
_ عملتي تحليل DNA إزاي؟!
ضحكت «ميار» حتى أدمعت عينيها عندما تذكرت تلك الليلة، ألم ينتبه بغضبه عندما ذهبت لهم وأخبرتهم بـوجود طفلاً منه وسط هجومها أنها سحبت خلسة خصلة من شعره! أهو بتلك السذاجة! صدقًا كان ذلك أسهل ما في الأمر وغضبهم وسخونة الأجواء ما ساعدتها بذلك، همهمت بـتفكير وبصقت كلماتها بـتهكم:
_ سهله وسط ضربك ليا يوم ما قولتلك عن حمزه في شقة ثائـر شديت من شعرك شعرايه واحده وأنتَ حتى محستش!
ابتسم «راكــان» بـبرود وتصنع التفكير وما لبث أن هتف بـسخرية:
_ كنتي بتشتغلي في بيت دعاره! وكان معاكي فلوس كل الفتره دي وتقدري ترجعي اشمعنا الوقت دا رجعتي؟!
ألا يمل من الحديث بهذا الموضوع؟! ألا يعلم موطن الرعب الذي قاسته بالخارج؟! هي المُلامة الوحيدة لأنها من رمت بنفسها بين براثين الأسد وسمحت له بإحكام إغلاق فكيه عليها وعندما حاولت الخروج تصدت اسواره الحديدة لها! تنهدت بـتعب وزيفت ملامحها بـأخرى غاضبة وهتفت:
_ ايوا كنت شغاله في بيت دعاره... امشي يا راكــان ومتحاولش تفتح أبواب هترميك للجحيم وتاخد كل ساعدتك.. امشي وانسى وعيش مع ابنك ومراتك
رأى صدق حديثها ونظرة الرجاء التي توسلته بها، رآها تحبس دموعها حتى لا تسقط ولكنه بالأخير استشعر نبرتها المتألمة! تعجب من حالها ولكن صوتها أوقفها عندما قرر الرحيل:
_ خلي أثير تحضنه كتير وتنيمه في حضنها كل ليله وتلعب معاه، خليها تضحكله ديماً وتقولوا أنها بتحبه، خليها متسبهوش لواحده لأنه بيخاف الضلمه، هو علطول ساكت عشان متعودش إن حد يكلمه، خليها تفسحه وتحضنه جامد، متسبهوش لواحده خالص أنتَ كمان وحسسه بحبك، حمزه طيب، خليه يسامحني وقولوا إني آسفه وإني محبتش قده في حياتي... خليه يسامحني
قالت حديثها واختفت بـركنٍ مظلم بزنزانتها وخلفت فراغًا حزينًا بقلبه، صوتها الحزين وتوسلها جعله يدرك أنها تتألم وهناك ماتخفيه ولا يرغب حقاً بمعرفته، تنهد بـشفقة لا يعلم سببها واومأ لها وغادر تاركًا قلبها يتقلب بـألم.....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وضعت «ورده» القميص الشفاف على ملابسه أمام أعين «هبه» الماكرة وهمست بـخبث:
_ حلو صح؟!
لاعبت «هبه» أحد حاجبيها وقوست شفتيها بـنفي وهمست:
_ ارحمي الراجل شوي حتى وهو تعبان هتجننيه
ضحكت «ورده» بشدة حتى أدمعت عينيها ضاممة القميص لصدرها ولكنها أجفلت ما إن رأته أمامها وبسمة خبيثة تزين محياه!! هزت رأسها بـنفي ونظرت لـصديقتها التي تكتم ضحكاتها قدر الإمكان وهتفت بـخفوت:
_ هو هنا ولا أنا بتخيل؟!
هزت الأخرى رأسها بـتأكيد وسمحت لضحكاتها بالخروج واكتفت بالهروب بعيدًا عن مرمى بصرها، اقترب « براء» منها ونظراته الماكرة تدور على وجهها الذي اُصطبغ بالحمرة القانية وتمتم بـعبث:
_ كتري من الشفاف دا بحبه أووي
فتحت «ورده» فمها بـصدمة من حديثه الوقح ورفرفت بأهدابها بـزهول من جرأته أتظن نفسها وقحة أمام ذلك؟! يالسخرية فزوجها مرادف ثانِ للوقاحة والسفالة وماذا أيضاً؟! شعرت بيديها تقترب منها جاذبًا القميص ولكنها ضمتها بقوة لصدرها وهزت رأسها بنفي هامسة:
_ أنتَ بتعمل إيه في محل لانجري يا عديم الأدب والحياء
دنى منها «براء» بـحرج وهمس بـتعجب:
_ إيه لانجري دي يا روحي؟!
لكزته بـكتفه بـغيظ وأمسكت أذنه كطفلاً مذنب وهمست من بين أسنانها بـحرج:
_ عيب على طولك لما ورجولتك لما تدخل محل بنات يا عديم الدم والشعور
تأوه من قوة إمساكها له ولكنه ابتسم باستفزاز عندما وقعت عيناه على قطعة ما وهرب من بين يديها وجذبها ملوحًا بها أمام عينيها بلا خجل وهتف بـخبث:
_ حلو دا يا بشكير هناخده هياكل منك حته
غطت وجهها بكفيها وهتفت متمنية الذوبان:
_ كلتك عقربه عاميه يا بعيد منك للاه
سحبت نفسها بـخجل مبتعدة عنه ولكنه كان الأسرع بجذبها محاوطًا خصرها وهمس بوقاحة:
_ قولنا نكتر من الشفاف ولا أقولك بلاش خالص كله بيترمي في الآخر...
دفعته عنها بـقوة وفرت من أمامه والخجل يتأكلها خافضة رأسها عن عيون الناظرين ولكنها استمعت لصدى ضحكاته الرجولية تبعها نظرات النساء الهائمين به مما جعلها تُطيح بالخجل وعادت له جاذبة إياه من ياقة قميصه وتمتمت بـغضب:
_ عشان تكتم ضحكتك الحلوه دي يا أبو عيون حلوه
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
دفعت « هبه» الغرفة بلا استئذان ظنًا منها بوجود « أثير» ولكنها شهقت بـصدمة ما إن رأته أمامها! ابتلعت ريقها بـتردد ورجعت بخطواتها للخلف تنوي العودة ولكنه هتف بـهدوء:
_ ادخلي يا هبه ومتقفليش الباب
حاولت التقاط أنفاسها ولكنه فشلت كما فشلت بتهدئة قلبها هو الآخر، اقتربت جالسة بـجانب الصغير وتمتمت بـخجل:
_ الدكتور قال حالته إيه
رفع « ثائـر» كتفيه وأخدلهم بخيبة أمل وتمتم بـإرهاق:
_ كل مؤشراته الحيويه كويسه بس عقله رافض يرجع وبيحارب كل المؤثرات
هزت رأسها بـحزن وإشفاق عليه وتمتمت بـرجاء:
_ هيبقى كويس وبخير
أومأ لها بصمت ولم يرفع عيونه التي اشتاقت لها بل اكتفى بحجب نظراته عنها، رأت تعبه وإرهاقه الغالب عليه، ملامحه التي فقدت بريقها وابتسامته الرزينة التي كانت ما تزين ثغره ولكن أين هي؟! بل أين هو الآن؟! لما يتهرب من نظراته عنها؟! اشتاقت له نعم ولكنها تحارب ذاتها بالابتعاد حتى لا تندم، تنهدت بـتعب وقبلت الصغير ورحلت بـصمت، رفع « ثائـر» بصره ينظر بـمكان جلوسها وابتسم بـحزن وانحنى مُقبلاً الصغير موضع قلبتها لعله يستجمع بعضًا من قوته، لم يقدر على مواجهة عينيها لأنه يعلم نفسه الضعيفة أمامها، لقد قطع وعدًا على ذاته لن يقترب حتى تصبح له....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بعد سبعة أيام مُرهقة من العمل والتسوق والحب! بل بعد أعوامٍ من الانتظار والتعب والشوق! ها هي تُقبل يد والدها بعدما انحنت حتى يُقبل رأسها لـتذهب لزوجها!!...
بـ دلالٍ وسعادة تتهادى من أعلى الدرج بـ خطواتها الواثقة نحو بدايتها الجديدة معه، أعصابها الحسية تستشعر مدى سرور خافقها بـ تلك اللحظات المُنيرة من حياتها، أغمضت عينيها لتُسكن دقات فؤادها الراكض وتلاقت عينيهم أخيراً بعد غيابها لأيامٍ عنه، بعض الدرجات فقط الفاصلة بينهم، اتسعت حدقتيها فور دورانها عليه بـ وسامته الفتاكة وجاذبيته القاتلة لها وحليته السوداء التي أوضحت صلابته وقوته، تنفست بـ عمق وشابكت ذراعها بخاصته بـ تملك متوتر لما هي مقدمة عليه، بعد معاناتها السابقة أخيراً أصبحت زوجته أمام العالم وبلا تردد ترغب بـ الصراخ بـ حبها وحجم عشقها المضني لـ ذلك الرجل الذي أوقعها بـ أسره وجعلها طفلته ومدللته قبل زوجته وحبيبته، لم يتغاضى عن أدق تفاصيلها بل لم يمل من كثرة حديثها وثقتها المهزوزة التي يعمل على إعادتها لها بكل مرة تفقدها...
«إن أردت شيئاً بشدة فـ أطلق سراحه فإن عاد إليك فهو ملك لك وإن لم يعد فإنه لم يكن لك من البداية» كم صادقة تلك العبارة بـ أدق حروفها قوة، أطلق سراح حبها بـ قلبه وغدَ بـ الأرض يفر هربًا وترك زِمام الألم ونيران الشوق تلتهم خلاياه وبلا مقدمة عادت قدماه لـ يصبح هو أسيرها الأول وطفلها الأحب ورجلها الأحن، ما بات عليه من قوة وسعادة يرجع لها وبها! هي من علمته كيف يصمد! كيف يتغلب على نِزاع جسده! كيف يتأمل اليوم الجديد بـ صدرٍ رحب! هي من أحب وسيظل يحب مهما بل منه الدهر، انفرج ثغره عن بسمة بلهاء منافية لـ طلته ولكن لـ حضروها عليه عواقب! بعدما يذهب تنتهي تلك الأُمسية ستصبح تلك القصيرة الوالجة لقلبه زوجته بلا قيود! سيبحر بها لـ بلاد عشقه ولوعته...
بعد ساعاتٍ طويلة انتهت الحفلة بـ الكثير من الدموع من زوجته البكاءة ووالدتها الحنونة ووالدها، انحنى بـ مرح لـ يحملها بينما شهقت هي بـ خوف وهتفت:
_ براء لا أنتَ تعبان
غمزها «براء» بـ مكر وعض شفتيه بـ وقاحة وتمتم بـ عبث:
_ والله عيب عليكي نبقى ليلة دخلتنا وتقولي كدا وعموما دقايق وتعرفي تعبان ولالا
دفنت «ورده» وجهها بـعنقه بـخجل بات يرافقها مؤخراً واكتفت بــالصمت بينما صدحت ضحكات «براء» السعيدة لـتنفتح أبواب حياتهم بــصدى فرحتهم العارمة، أنزلها بــعناية على الفراش وعيناه لا تزال مُسلطة على وجهها البديع وهمس بــعشق مُنعم بــسعادة:
_ مُبارك عليا أنتِ وقلبك وحبك يا ورده
ابتسمت الأخرى بــدورها بـبهجة ونهضت لـتصبح أمام ناظريه أكثر وهتفت بـهمسٍ خجل:
_ مُبارك عليا أنا أنتَ يا عيون ورده وحياتها الجايه
جذبها «براء» بــقوة مماثلة لــسعادته الجارفة وألصقها بـصدره وتحديدًا عِند قلبه وتمتم بــراحة:
_ أنا مش عاوز حاجه تاني في الدنيا دي بعد كدا، كفاية إنك وافقتي نتجوز وأنا لسه بتعالج
قاطعته «ورده» بــنفي وجعدت ملامحها بـ غضب مصطنع وغمغمت بـ حنق:
_ لا أنا عاوزه ولاد... ولاد كتييير يا أخويا مش هتنازل أنا
ضحك «براء» بشدة على مزاحها ووقاحتها التي يعشقها عن طيب خاطر منه وهتف بــمكر مقتربًا من وجهها:
_ والله أنا جهاز بتعرفي تعدي لحد كام؟
تصنعت التفكير لــثوانٍ معدودة ثم ابتسمت بــوقاحة وهتفت بــغرور:
_ مبعدش يا جيمي
صدحت ضحكات «براء» العالية تزلزل كيانها العاجز أمام سلطته فأمعنت النظر به وكأنه لوحة فنية وهمست بــبحة عاطفية:
_ بطل تحلو شوي حلاوتك دي خطر على قلبي والله
توقفت ضحكاته ولكن بسمته لازالت تزين محياه ودنى منها أكثر وإذا بــشفتيه تمتزج مع خاصتها بــقبلة محمومة وعاشقة جعلتها ترفع يديها لــتحيط عنقه بــقوة وتبادله مشاعره الضائعة بــأخرى مماثلة لها تاركين قلوبهم تقود القافلة لــوجهتها المعنية، ابتعدت عنه بــخجل وعضت شفتيها بــتوتر وهمست بــصوتٍ ضعيف:
_ لازم نصلي
دفعها «براء» بــخفة من خصرها لــصدره مجدداً وهمس بــجانب أذنيها بـصوته الرخيم:
_ نصلي ونلعب سوا يا حلوه
بعد نصف ساعة انتهت من خلع ثيابها وجلست بـثوب صلاتها على الفراش تنتظره، استمعت لـصوت المياه بـالمرحاض الخارجي ولكنها طالت! اقتربت بـقلق طارقة الباب ولكنها لم تتلقى إجابة فـعاودت مرة أخرة وكسابقتها لم يُجيب؟! دفعت الباب ولكنها فوجئت بأنه مفتوح! خفق قلبها بخوف وكأنها تعلم ما ينتظره خلف هذا الباب، دلفت بحذر وما إن رأته حتى شهقت بصدمة وتبعها صرخة عنيفة من أعماق روحها عندما رأته ساقطًا أمام الحوض ورأسه تنزف بـقوة حتى تلون قميصه الأبيض بحمرة قانية!!
شـظـايـا الـكـلـمـات
وما للـدلال بـحضرتك سوى الصمت والتخفي، ما بال القلب بـمروركِ يرتجف!
كلٌ منا له نصفه الأقرب! روحه الأمثل! نصيبه الأفضل! حبه الصادق! وأخيراً نهايته المُستحقه...
أغلق المُصحف ووضعه بـرفق جانب صغيره! صغيره النائم بعيداً عنه منذ اسبوعٍ بـعالمٍ آخر عجز هو عن إعادته، لا يعلم ما أصابه عندما هاتفه «ثائـر» يخبره بالحادث! تخلله شعورًا لا إرادي من الندم والاحتقار الذاتي، لقد أجرى التحاليل اللازمة لـيتأكد كون ذلك الفتى الغافي هو ولده! بـقسوته وقذارته نفى فلذة كبده الوحيد بعيداً عنه لـعشرة أعوام، تنهد مغمضًا عينيه بل هي أجفلت من تلقاء نفسها لم يزوره النوم منذ أكثر من اسبوع! يكفيه منظر ولده بجسده الصغير المُغطى بـالدماء ونظراته الفارغة المنافية للحياة وغير الراغبة بالمواصلة! أحقا يرغب بالموت!! لقد أخبره الطبيب أن «حمزه» هو من يريد ذلك! من يريد الاختباء بـعالمه الخاص ولا يرغب بالعودة لعالمهم! لم يسعفه الوقت لتركه والذهاب لـ والدته لـيعلم بما ملأت رأسه! وضع رأسه بـتعب على الفراش بـجانبه مختلسًا بعض الدقائق لـيرتاح عقله ولكنه ما لبث أن ابتسم عندما استنشق رائحتها وصوت خطواتها المتوترة، أكمل اصطناعه للنوم عندما شعر بها تقترب منه وتهمس بـحنانٍ لم يختفي حزنها منه:
_ هيبقى بخير صدقني، الدكتور قالي أنه قوي وبيدافع بـجسمه بس رافض الواقع وحابس روحه، خليك قوي عشانه
انحنت طابعة قبلة عميقة فوق خصلاته السوداء وأخرى مثلها على كف يده وهمت بـالذهاب ولكنه جذبها بـقوة دافنًا وجهه بـصدرها وهمس بـاختناق:
_ خليكي هنا... متمشيش
ابتسمت «أثـير» بـحزن وحاوطت رأسه لـجسدها وهمست:
_ أنا هنا لحد ما يفوق بس خليك أنتَ قوي هو محتاجك أكتر من أي حد
شعرت بـهزته النافية أمام بطنها وتبعها صوته المتقطع بـخوف:
_ معرفش هيتقبلني ويسامحني ولالا ثائـر قالي إنه مبيتكلمش مع حد وفي حاله
ابعدت رأسه عنها وانحنت جالسة أمامه بـحب مكورة وجهه بين كفيها وهمست بـنعومة وصدق:
_ هيسامحك ويحبك مش مجرد كلام لا لأنه مش مخير أنتَ باباه والوحيد اللي باقي ليه دلوقت والوحيد اللي هتحاوطه بـحبك وحنانك، معرفش حمزه مر بإيه ولا شوفته قبل كدا بس أنا حاسه بحزنه من بعده، لازم تعافر عشان تسكن قلبه مش كل يوم الحياه بتدينا فرصه نكفر بيها عن أخطاءنا ونتعلم منها...
جذب «راكــان» كفيها بين خاصته وأخفاهم بـخوف أمام صدره وغاص بـنظراته القاتمة بين عينيها الغائمتين وتمتم بـرجاء:
_ بتمنى مصدر قوتي يفضل معايا عشان أقدر أكمل، هكون جنبه ومعاه بس خليكي جنبي
ابتعدت عنه بـارتباك ورسمت بسمة زائفة وهتفت بـتعلثم:
_ أنا راحه... الجامعه.. عشان في اختبارات النهارده ليا...
ابتسمت بحزن معتصرًا عيناه لهروبها الذي بات واضحًا منه ولكنها تستحق محاولاته! لن يتوانى عن دعم قرارها وخاصة عندما أجلته حتى يستفيق «حمزه» ولم تغادر، نهض مقتربًا منها حتى بات أنفاسه تتصدى بـخصلاتها النارية، أحاط خصرها بين عضديه وشعر بـرجفته ولكنه لم يهتم يحتاج لـقربها، يحتاج لتخزين أنفاسها داخل صدره ليكمل قوته التي بدأت بالتراخي والضعف، أبعد خصلاتها عن مرمى عنقها الأبيض ودفن وجهه بـقوة ملتهمًا جيدها الناعم سامحًا لشفتيه بالتنعم داخله ولقلبه بالولوج للراحة التي يفتقدها، شعر بهدوء أعصابها بين يديه مما جعله يشدد من ضمه لها متعمقًا بـشفتيه العابثتين بها، لم تهدأ شفتيه عن زرع القبلات المتلهفة والشغوفة على نحرها ولثم عِرقها النابض ليشعر بـسرعة تدفق دمائها وتوترها، تنفس براحة ولم يبتعد بل جذبها لصدره أكثر وهمس بـصدق ومشاعره تتضارب:
_ كنت محتاج كدا صدقيني وإلا كنت هضيع
أغمضت عينيها بـضعف من قربه الذي يُعيد لها الكثير من المشاعر التي تجاهد لـحجبها وخاصة الآن وسحبت جسدها من بين ذراعيه مُبعدة صدى أنفاسه المُلتهبة عنها والتفتت لـتتلاقى عيناهم بـنظراتٍ ضعيفة، نادمة، معاتبة، عاشقة ومشتاقة ولكنها جمدت كل تلك العواطف واختطفت قبلة لحظية من خده وجذبت حقيبتها مسرعة للخارج حتى لا تتلف أعصابها بحضوره وتضطر لمواجهة مشاعرها من جديد معه...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وقفت «هبه» تُرتب ثيابها وعينيها شاردتين كـقلبها، لم تهاتفه منذ حادثة «حمزه» ولم تسمح له بذلك بل عندما يأتي لا تخرج للقائه بل تضع الأعذار الواهية التي أصبح يعرفها ولكنه يأتي رغم ذلك! حملت نفسها ذنب ما أصاب ذلك الصغير الذي لم يسعد بحياته وعندما ابتسمت له ليصبح مع والده أتت هي لتغفل عنه ليقع وسط دماؤه ويختفي عقله في عالمٍ موازي لهم، أدمعت عينيها عندما تذكرت لهفة «راكــان» والده الذي لم يراه قبل ذلك ولكنه بالأخير والده! ألقت بـجسدها على الفراش بـتعب متذكرة صديقتها «ورده» لم يغفل عقلها عنها الفترة الماضية وتعلم ما تعانيه مع زوجها، ابتسمت بـسعادة لـرفيقتها فمهما بلغ ألمها يبقى بـقلبها مساحة بديعة لها وحدها تلقاها بها وسط حزنها وتضمها وسط ضعفها، تلك الفتاة نعمة الله لها ولكنها شبه هجرتها! لم تلقاها منذ مدة ولا تعلم حالتها حتى عندما عادت لبيتها لم تذهب لها! خفق قلبها فجأة عندما استمعت لـصوتها بالخارج! للحظة ظنت أنها تتوهم ولكنها ما لبثت أن رأتها تطل عليها بـضحكتها الجميلة وعينيها السعيدتين، لم تسعها الفرحة ونهضت مُغرقة نفسها بين أحضانها هامسة بشوق:
_ وحشتيني يا ست ووحشني حضنك
ابتسمت «ورده» بـسعادة وجذبتها للفراش ولم تفصل عناقهم بل شددت من ضمها لها وتمتمت بـحب:
_ وأنتِ أكتر، رجعتي امتى
هل عليها الصراخ بكونها تحبها مدى الحياه! هي لم تعاتبها ولم تسألها لما لم ترتادها! بل ضمتها وسألتها عن نفسها فقط!! لم تشأ الضغط عليها ولا لومها!! أتمتلك قلبًا داخل صدرها أم جنة تلك الفتاة! جذبتها بحيث تكون وسط أحضانها وهمست بـحب:
_ مش مهم خلينا كدا وهحكيلك... عندك وقت؟!
ابتسمت الأخرى بـصدق وربتت فوق رأسها بـحب وأردفت بتأكيد:
_ ولو معنديش وقت مش مهم... احكي وأنا هسمعك
لساعاتٍ ظلت تسرد لها ما حدث مع الجميع منذ غيابها ولم تسقط منها لحظة واحدة مما حدث وما كان من «ورده» غير الإنصات لها باهتمام والتركيز معها وكأنها تحكي تفاصيلٍ دولية! ابتسمت عندما لاحظت صمتها الذي طال وهمست:
_ خلصتي؟!
هزت «هبه» رأسها بتأكيد وأزالت دمعة وحيدة سقطت من عينيها وهمست بـتشتت:
_ أنا معرفش الصح فين والغلط فين ومش فاهمه إيه اللي بيحصل... تعرفي أثـير دي أول واحده ارتاح ليها من نظره بعدك، الوحيدة اللي شوفت خوفها وضعفها وتعبها وإنها شبهنا، البنت دي أضعف مننا حتى وجواها خراب لو متصلحش هيقضي عليها
أغمضت «ورده» عينيها لعدة دقائق وسرعان ما تحدثت بـهدوء:
_ هي مغلطتش... دا مهما كان جوزها وبتحبه وفي لحظات ضعف لقت إن الطلاق الحل بس لما هدت عرفت إنها كانت متهوره.. مغلطتش إنها فضلت جنبه وجنب ابنه اللي ملوش ذنب... محدش فينا ليه ذنب هو ابن مين ولا ماضيه ولا حتى حاضره أيه.. احنا بنتحط في الظروف مش بمزاجنا... هي تبقى غلط لو مبعدتش فتره!! مينفعش تفضل بضعفها دا! مهما كان حب جوزها ليه مش هيقدر يرتب الحطام اللي جواها ويرجع يبنيه تاني..
اومأت «هبه» بموافقه على حديثها وتنهدت بـراحة قاطعتها الأخرى بـهمسة:
_ فرحي الاسبوع الجاي
انتفضت «هبه» كمن لدغتها أفعى بصدمة وحكت أذنيها وصمتت للحظات أصابها الزهول وتمتمت بـتردد:
_ بتهزري صح؟!
صدحت ضحكات «ورده» على منظر صديقتها المصدوم ولها الحق هي لم تصدق حتى أن والدها سيوافق على طلبهم بتلك السرعة بل ودعمهم!! جذبت يديها تقربها منها وتمتمت بـمرح:
_ أكيد لا ويلا البسي عشان ننزل أجيب شوية حاجات بنات ليا
_ حاجات بنات ليكي أنتِ يا بشكير؟! عيب والله
لم تستطع «هبه» أمساك زمام لسانها في تلك اللحظة حقاً وخاصة عندما رأت نظرات صديقتها المرحة
جحدتها «ورده» بنظرات ساخطة واقتربت محاصرة أحد أذنيها بين أصابعها بـعنف وهمست من بين أسنانها:
_ عندك مانع يا بوز الفقر أنتِ؟!
ابتلعت «هبه» ريقها ونظرت لها من أسفل وجهها بـسخط هامسة:
_ لا يا بشكير الكلب
تركتها الأخرى ونهضت بـتفاخر وسعادة تدور حول نفسها بالغرفة تردد..:
_ ودوني على بيت حبيبي نعيش مع بعض فيه
قاطعتها «هبه» بتهكم:
_ الله يرحمه كان طيب وغلبان
رمقتها «ورده» بنظرة متقززة رافعة إحدى حاجبيها وهتفت بـحزم:
_ خمس دقايق لو ملبستيش عشان ننزل وحياة الغالين لأخلي صوتك يسمع ننوس عين أمه مطرح ما هو
فرت «هبه» مسرعة تبحث عن ثيابٍ مناسبة ترتديها فتلك الجاحدة لديها طرق خبيثة بالتعذيب، وضع حبات الثلج بالظهر، الصفع على المؤخرة، شد الأذن بطريقة تجعلها ترغب بالصراخ وكأن أحدهم يحطم عظامها! أهذا يكفي! حقاً صديقتها عنيفة بعض الشئ!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وصلت «أثير» لـجامعتها بعد ساعة قضتها بالتفكير ومحاولة تجنب الحوادث بسبب تشتتها، تنهدت بـتعب وهبطت للداخل، لاحظت نظرات الجميع منهم الشامة والمُشفقة وأخرى حاقدة! تنفست بـهدوء وعبرت الساحة الخارجية ولكنها ما لبثت أن رأت كابوس حياتها ومصدر دمار نفسيتها الأول «مي الشناوي» فتاة السماجة العالمية، لا تعلم لما انتابتها نوبة ضحك تحكمت بها بصعوبة وعبرتها بـتجاهل ولكن ليست «مي» من تتركها إن لم تُسمم بدنها بـكلماتها اللاذعة!..
تجاهلت «أثـير» نظراتهم وضحكاتهم عليها ولكن ما تفوهت به تلك الأفعى بـتهكم:
_ ما هو واحد زي دكتور راكــان بحلاوته دي كلها مش هيكتفي بـالكوره دي بردو
حسنا... واحد... اثنان... ثلاثه... شهيق... زفير وهدوء.... ابتسمت «أثـير» لمحاولاتها التحكم بـغضبها التي أدتت ثمارها وجعلت الأخرى تستشيط غضبًا ولكنها لم تصمت وهتفت بـتكبر:
_ أنا لو بصحى على الشكل دا كل يوم كان زماني جالي قيئ لا إرادي دا ربنا رحمه
ضغطت «أثـير» على أسنانها تحكم دمعاتها التي أقسمت أنها لن تنزل مجدداً واقتربت منها بـعينين هادئتين كسكون الليل ولكن الأمر لم يطول وتحول ذلك الهدوء لـثورة من النيران واللهب وجذبتها بـعنف من خصلاتها ومن وسط شلتها أو بالأصح عصابتها وطرحتها أرضًا مُكيلة لها العديد من الصفعات العنيفة صاببة غيظها وألمها بها! لا تعرف لمدى ظلت تضربها بـقسوة متذكرة صوت بكاؤها ليلاً وصوت عقلها المتعب وأنينها الخافت بسبب تلك الفتاة والعديد أمثالها! كانت مقاومة «مي» مقارنة بها كنملة لـفيل! أهناك وجه نجاة! بالطبع لا ويستحيل، ابتعدت «أثير» بـتفاخر عنها ناظرة لوجهها الذي اختفت ملامحه من كثرة الكدمات ورمقت صديقاتها الذين رحلوا ما إن هجمت عليها وتمتمت بـسخرية:
_ اومال فين عصابتك؟! ولا هم اسم وشكل بس زيك!؟
لم ترفع «مي» نظراتها لها بل تساقطت دموعها بـصمت بسبب ألم جسدها ورأسها الذي اقتلعته تلك الثمينة الكريهة!
رمقتها «أثـير» بنظرة ثاقبة وطبت شفتيها وتمتمت بـثقة:
_ لسانك لو طول تاني يا بتاعه أنتِ والله ما هيعرف دكتور يلم منك جزء جنب التاني... أنتِ شوفتي أثـير العيوطه والخوافه بس لسه مشوفتيش الهمجيه واللي حصل دا اعتبريه هدنة سلام معاها
هزت «مي» رأسها بـموافقة وارتجف جسدها من قوة التي أمامها، أتلك «أثـير» الخائفة التي كانت تبتعد عن مرمى بصرهم حتى لا يمزحوا عليها!؟ أتلك التي كانت تبكي تتوسلها ألا تجعلها أضحوكة؟! فاقت من شرودها على صوتها الحاد والحازم:
_ المكان اللي تلاقيني فيه تلفي وملمحكيش فيه عشان أنا صبري قليل ومهما كنتِ بنت مين ميهمنيش ولا يعنيني في شيء
غادرتها وعلى وجهها بسمة راضية بما صنعته يداها، شعرت بـهدوء غضبها رغم انفلات تحكمها وصبرها، يشهد الله أنها حاولت حجب تلك الجزئية منها وإخماد قسوتها ولكن الجميع دفع لذلك، الجميع هجرها عندما احتاجت لضمة تخفف صوت ألم روحها المجروحة، كانت تبكي بمردها وتبتسم! أحقا كانت تبتسم! كفاكِ كذبًا يا فتاة هي لا تعرف متى آخر مرة ضحكت بصدق! هم من صنعوا تلك القاسية والجاحدة لذلك هي ليست مُلامة ولن تندم!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وقف «راكــان» بـبرود أمام زنزانتها ورمقها بنظرات فارغة، تلك سبب دماره الأول والأخير، لا يعلم ما يعانيه صغيره الآن بسببها، اشمأزت ملامحه عندما التفت له وعلى محياها بسمة خبيثة مثلها، راقب اقترابها منه بعينين فارغتين وهتف بـحزم:
_ عملتي إيه في حمزه
للحظة واحدة تألم قلبها وخفق لذكره لصغيرها الذي نُزع قصرا من رحمها قبل اكتمال جسده وهي عاجزة عن ردعهم ولكنها كانت لحظة رأى الندم بعينيها ولكنه تبدل لـجفاءٍ وقسوة وهتفت به:
_ الأيام هتعرفك... في حاجات الأفضل ليها تفضل سر عشان لو اتكشفت هنعاني كتير ونفضل شايلين ذنبها طول حياتنا
مد يديه من بين القضبان محاولاً إحكامها على عنقها سالبًا أنفاسها بسبب برودها وردودها القاتلة ولكنها ابتعدت وهتفت بـقسوة:
_ مش كلنا لينا حق نفرح لما نلاقي جزء مننا بيجري ويلعب قدامنا وإحنا عاجزين إننا نقرب منه ونضمه، بلاش تفتح في دفاتر قديمه هيجي ليها وقت وترمي اللي مخبياه بس لو اتفتحت قبل معادها هتكون أنتَ النادم الوحيد
غموض حديثها وقسوته جعلت قلبه ينتفض رعبًا على صغيره، لا يعلم هوية تلك المرأة بعد ولكن «ثائـر» أخبره أنها كانت تعمل بأحد بيوت الدعارة بالخارج!! ولكن هناك سؤال يلح عليه ويحتاج إجابة، لم يشعر، سوى بلسانه يهتف باستفسار:
_ عملتي تحليل DNA إزاي؟!
ضحكت «ميار» حتى أدمعت عينيها عندما تذكرت تلك الليلة، ألم ينتبه بغضبه عندما ذهبت لهم وأخبرتهم بـوجود طفلاً منه وسط هجومها أنها سحبت خلسة خصلة من شعره! أهو بتلك السذاجة! صدقًا كان ذلك أسهل ما في الأمر وغضبهم وسخونة الأجواء ما ساعدتها بذلك، همهمت بـتفكير وبصقت كلماتها بـتهكم:
_ سهله وسط ضربك ليا يوم ما قولتلك عن حمزه في شقة ثائـر شديت من شعرك شعرايه واحده وأنتَ حتى محستش!
ابتسم «راكــان» بـبرود وتصنع التفكير وما لبث أن هتف بـسخرية:
_ كنتي بتشتغلي في بيت دعاره! وكان معاكي فلوس كل الفتره دي وتقدري ترجعي اشمعنا الوقت دا رجعتي؟!
ألا يمل من الحديث بهذا الموضوع؟! ألا يعلم موطن الرعب الذي قاسته بالخارج؟! هي المُلامة الوحيدة لأنها من رمت بنفسها بين براثين الأسد وسمحت له بإحكام إغلاق فكيه عليها وعندما حاولت الخروج تصدت اسواره الحديدة لها! تنهدت بـتعب وزيفت ملامحها بـأخرى غاضبة وهتفت:
_ ايوا كنت شغاله في بيت دعاره... امشي يا راكــان ومتحاولش تفتح أبواب هترميك للجحيم وتاخد كل ساعدتك.. امشي وانسى وعيش مع ابنك ومراتك
رأى صدق حديثها ونظرة الرجاء التي توسلته بها، رآها تحبس دموعها حتى لا تسقط ولكنه بالأخير استشعر نبرتها المتألمة! تعجب من حالها ولكن صوتها أوقفها عندما قرر الرحيل:
_ خلي أثير تحضنه كتير وتنيمه في حضنها كل ليله وتلعب معاه، خليها تضحكله ديماً وتقولوا أنها بتحبه، خليها متسبهوش لواحده لأنه بيخاف الضلمه، هو علطول ساكت عشان متعودش إن حد يكلمه، خليها تفسحه وتحضنه جامد، متسبهوش لواحده خالص أنتَ كمان وحسسه بحبك، حمزه طيب، خليه يسامحني وقولوا إني آسفه وإني محبتش قده في حياتي... خليه يسامحني
قالت حديثها واختفت بـركنٍ مظلم بزنزانتها وخلفت فراغًا حزينًا بقلبه، صوتها الحزين وتوسلها جعله يدرك أنها تتألم وهناك ماتخفيه ولا يرغب حقاً بمعرفته، تنهد بـشفقة لا يعلم سببها واومأ لها وغادر تاركًا قلبها يتقلب بـألم.....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
وضعت «ورده» القميص الشفاف على ملابسه أمام أعين «هبه» الماكرة وهمست بـخبث:
_ حلو صح؟!
لاعبت «هبه» أحد حاجبيها وقوست شفتيها بـنفي وهمست:
_ ارحمي الراجل شوي حتى وهو تعبان هتجننيه
ضحكت «ورده» بشدة حتى أدمعت عينيها ضاممة القميص لصدرها ولكنها أجفلت ما إن رأته أمامها وبسمة خبيثة تزين محياه!! هزت رأسها بـنفي ونظرت لـصديقتها التي تكتم ضحكاتها قدر الإمكان وهتفت بـخفوت:
_ هو هنا ولا أنا بتخيل؟!
هزت الأخرى رأسها بـتأكيد وسمحت لضحكاتها بالخروج واكتفت بالهروب بعيدًا عن مرمى بصرها، اقترب « براء» منها ونظراته الماكرة تدور على وجهها الذي اُصطبغ بالحمرة القانية وتمتم بـعبث:
_ كتري من الشفاف دا بحبه أووي
فتحت «ورده» فمها بـصدمة من حديثه الوقح ورفرفت بأهدابها بـزهول من جرأته أتظن نفسها وقحة أمام ذلك؟! يالسخرية فزوجها مرادف ثانِ للوقاحة والسفالة وماذا أيضاً؟! شعرت بيديها تقترب منها جاذبًا القميص ولكنها ضمتها بقوة لصدرها وهزت رأسها بنفي هامسة:
_ أنتَ بتعمل إيه في محل لانجري يا عديم الأدب والحياء
دنى منها «براء» بـحرج وهمس بـتعجب:
_ إيه لانجري دي يا روحي؟!
لكزته بـكتفه بـغيظ وأمسكت أذنه كطفلاً مذنب وهمست من بين أسنانها بـحرج:
_ عيب على طولك لما ورجولتك لما تدخل محل بنات يا عديم الدم والشعور
تأوه من قوة إمساكها له ولكنه ابتسم باستفزاز عندما وقعت عيناه على قطعة ما وهرب من بين يديها وجذبها ملوحًا بها أمام عينيها بلا خجل وهتف بـخبث:
_ حلو دا يا بشكير هناخده هياكل منك حته
غطت وجهها بكفيها وهتفت متمنية الذوبان:
_ كلتك عقربه عاميه يا بعيد منك للاه
سحبت نفسها بـخجل مبتعدة عنه ولكنه كان الأسرع بجذبها محاوطًا خصرها وهمس بوقاحة:
_ قولنا نكتر من الشفاف ولا أقولك بلاش خالص كله بيترمي في الآخر...
دفعته عنها بـقوة وفرت من أمامه والخجل يتأكلها خافضة رأسها عن عيون الناظرين ولكنها استمعت لصدى ضحكاته الرجولية تبعها نظرات النساء الهائمين به مما جعلها تُطيح بالخجل وعادت له جاذبة إياه من ياقة قميصه وتمتمت بـغضب:
_ عشان تكتم ضحكتك الحلوه دي يا أبو عيون حلوه
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
دفعت « هبه» الغرفة بلا استئذان ظنًا منها بوجود « أثير» ولكنها شهقت بـصدمة ما إن رأته أمامها! ابتلعت ريقها بـتردد ورجعت بخطواتها للخلف تنوي العودة ولكنه هتف بـهدوء:
_ ادخلي يا هبه ومتقفليش الباب
حاولت التقاط أنفاسها ولكنه فشلت كما فشلت بتهدئة قلبها هو الآخر، اقتربت جالسة بـجانب الصغير وتمتمت بـخجل:
_ الدكتور قال حالته إيه
رفع « ثائـر» كتفيه وأخدلهم بخيبة أمل وتمتم بـإرهاق:
_ كل مؤشراته الحيويه كويسه بس عقله رافض يرجع وبيحارب كل المؤثرات
هزت رأسها بـحزن وإشفاق عليه وتمتمت بـرجاء:
_ هيبقى كويس وبخير
أومأ لها بصمت ولم يرفع عيونه التي اشتاقت لها بل اكتفى بحجب نظراته عنها، رأت تعبه وإرهاقه الغالب عليه، ملامحه التي فقدت بريقها وابتسامته الرزينة التي كانت ما تزين ثغره ولكن أين هي؟! بل أين هو الآن؟! لما يتهرب من نظراته عنها؟! اشتاقت له نعم ولكنها تحارب ذاتها بالابتعاد حتى لا تندم، تنهدت بـتعب وقبلت الصغير ورحلت بـصمت، رفع « ثائـر» بصره ينظر بـمكان جلوسها وابتسم بـحزن وانحنى مُقبلاً الصغير موضع قلبتها لعله يستجمع بعضًا من قوته، لم يقدر على مواجهة عينيها لأنه يعلم نفسه الضعيفة أمامها، لقد قطع وعدًا على ذاته لن يقترب حتى تصبح له....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بعد سبعة أيام مُرهقة من العمل والتسوق والحب! بل بعد أعوامٍ من الانتظار والتعب والشوق! ها هي تُقبل يد والدها بعدما انحنت حتى يُقبل رأسها لـتذهب لزوجها!!...
بـ دلالٍ وسعادة تتهادى من أعلى الدرج بـ خطواتها الواثقة نحو بدايتها الجديدة معه، أعصابها الحسية تستشعر مدى سرور خافقها بـ تلك اللحظات المُنيرة من حياتها، أغمضت عينيها لتُسكن دقات فؤادها الراكض وتلاقت عينيهم أخيراً بعد غيابها لأيامٍ عنه، بعض الدرجات فقط الفاصلة بينهم، اتسعت حدقتيها فور دورانها عليه بـ وسامته الفتاكة وجاذبيته القاتلة لها وحليته السوداء التي أوضحت صلابته وقوته، تنفست بـ عمق وشابكت ذراعها بخاصته بـ تملك متوتر لما هي مقدمة عليه، بعد معاناتها السابقة أخيراً أصبحت زوجته أمام العالم وبلا تردد ترغب بـ الصراخ بـ حبها وحجم عشقها المضني لـ ذلك الرجل الذي أوقعها بـ أسره وجعلها طفلته ومدللته قبل زوجته وحبيبته، لم يتغاضى عن أدق تفاصيلها بل لم يمل من كثرة حديثها وثقتها المهزوزة التي يعمل على إعادتها لها بكل مرة تفقدها...
«إن أردت شيئاً بشدة فـ أطلق سراحه فإن عاد إليك فهو ملك لك وإن لم يعد فإنه لم يكن لك من البداية» كم صادقة تلك العبارة بـ أدق حروفها قوة، أطلق سراح حبها بـ قلبه وغدَ بـ الأرض يفر هربًا وترك زِمام الألم ونيران الشوق تلتهم خلاياه وبلا مقدمة عادت قدماه لـ يصبح هو أسيرها الأول وطفلها الأحب ورجلها الأحن، ما بات عليه من قوة وسعادة يرجع لها وبها! هي من علمته كيف يصمد! كيف يتغلب على نِزاع جسده! كيف يتأمل اليوم الجديد بـ صدرٍ رحب! هي من أحب وسيظل يحب مهما بل منه الدهر، انفرج ثغره عن بسمة بلهاء منافية لـ طلته ولكن لـ حضروها عليه عواقب! بعدما يذهب تنتهي تلك الأُمسية ستصبح تلك القصيرة الوالجة لقلبه زوجته بلا قيود! سيبحر بها لـ بلاد عشقه ولوعته...
بعد ساعاتٍ طويلة انتهت الحفلة بـ الكثير من الدموع من زوجته البكاءة ووالدتها الحنونة ووالدها، انحنى بـ مرح لـ يحملها بينما شهقت هي بـ خوف وهتفت:
_ براء لا أنتَ تعبان
غمزها «براء» بـ مكر وعض شفتيه بـ وقاحة وتمتم بـ عبث:
_ والله عيب عليكي نبقى ليلة دخلتنا وتقولي كدا وعموما دقايق وتعرفي تعبان ولالا
دفنت «ورده» وجهها بـعنقه بـخجل بات يرافقها مؤخراً واكتفت بــالصمت بينما صدحت ضحكات «براء» السعيدة لـتنفتح أبواب حياتهم بــصدى فرحتهم العارمة، أنزلها بــعناية على الفراش وعيناه لا تزال مُسلطة على وجهها البديع وهمس بــعشق مُنعم بــسعادة:
_ مُبارك عليا أنتِ وقلبك وحبك يا ورده
ابتسمت الأخرى بــدورها بـبهجة ونهضت لـتصبح أمام ناظريه أكثر وهتفت بـهمسٍ خجل:
_ مُبارك عليا أنا أنتَ يا عيون ورده وحياتها الجايه
جذبها «براء» بــقوة مماثلة لــسعادته الجارفة وألصقها بـصدره وتحديدًا عِند قلبه وتمتم بــراحة:
_ أنا مش عاوز حاجه تاني في الدنيا دي بعد كدا، كفاية إنك وافقتي نتجوز وأنا لسه بتعالج
قاطعته «ورده» بــنفي وجعدت ملامحها بـ غضب مصطنع وغمغمت بـ حنق:
_ لا أنا عاوزه ولاد... ولاد كتييير يا أخويا مش هتنازل أنا
ضحك «براء» بشدة على مزاحها ووقاحتها التي يعشقها عن طيب خاطر منه وهتف بــمكر مقتربًا من وجهها:
_ والله أنا جهاز بتعرفي تعدي لحد كام؟
تصنعت التفكير لــثوانٍ معدودة ثم ابتسمت بــوقاحة وهتفت بــغرور:
_ مبعدش يا جيمي
صدحت ضحكات «براء» العالية تزلزل كيانها العاجز أمام سلطته فأمعنت النظر به وكأنه لوحة فنية وهمست بــبحة عاطفية:
_ بطل تحلو شوي حلاوتك دي خطر على قلبي والله
توقفت ضحكاته ولكن بسمته لازالت تزين محياه ودنى منها أكثر وإذا بــشفتيه تمتزج مع خاصتها بــقبلة محمومة وعاشقة جعلتها ترفع يديها لــتحيط عنقه بــقوة وتبادله مشاعره الضائعة بــأخرى مماثلة لها تاركين قلوبهم تقود القافلة لــوجهتها المعنية، ابتعدت عنه بــخجل وعضت شفتيها بــتوتر وهمست بــصوتٍ ضعيف:
_ لازم نصلي
دفعها «براء» بــخفة من خصرها لــصدره مجدداً وهمس بــجانب أذنيها بـصوته الرخيم:
_ نصلي ونلعب سوا يا حلوه
بعد نصف ساعة انتهت من خلع ثيابها وجلست بـثوب صلاتها على الفراش تنتظره، استمعت لـصوت المياه بـالمرحاض الخارجي ولكنها طالت! اقتربت بـقلق طارقة الباب ولكنها لم تتلقى إجابة فـعاودت مرة أخرة وكسابقتها لم يُجيب؟! دفعت الباب ولكنها فوجئت بأنه مفتوح! خفق قلبها بخوف وكأنها تعلم ما ينتظره خلف هذا الباب، دلفت بحذر وما إن رأته حتى شهقت بصدمة وتبعها صرخة عنيفة من أعماق روحها عندما رأته ساقطًا أمام الحوض ورأسه تنزف بـقوة حتى تلون قميصه الأبيض بحمرة قانية!!