اخر الروايات

رواية مهمة زواج الفصل التاسع عشر 19 بقلم دعاء فؤاد

رواية مهمة زواج الفصل التاسع عشر 19 بقلم دعاء فؤاد 


أنهت ريم حديثها مع شقيقها ثم دلفت الى غرفتها و التقطت هاتفها و استخرجت رقم معتصم فشردت في ذكرياتها القليلة معه و هي تبتسم بحالمية، لقد استطاع أن يستحوذ على تفكيرها و ربما قلبها في غضون أيام قليلة……
شخصيته المتعددة الجوانب و نجاحه المعتمد على ذكائه و مكانته بين أهل بلدته رغم صغر سنه و فوق كل ذلك رقته المتناهية و احتوائه لها الذي لمسته فيه في أثناء نوبات الهلع التي أتتها هناك، كل تلك الأشياء أسرت قلبها في سجن حبه..
اتخذت قرارها بالاتصال به و اخباره بحوارها مع شقيقها…

على الناحية الأخرى..
رغم حلول الليل و انتشار الظلام الدامس الذي عم اسطبل الخيول إلا أنه قضى وقتا طويلا واقفا هناك شاردا بحزن في أحواله التي انقلبت رأسا على عقب… زواج غير متكافئ بالمرة من المدعوة نرمين ثم بعد حوالي خمس سنوات منه يقع في حب أخرى لتنقلب حياته الى جحيم لا يدري متى سيغفر له حتى يخرج منه.
رن هاتفه برقم ريم لينظر الى الشاشة ليجد اسمها يضيئها تماما كما أضاءت عتمة قلبه، فابتسم بعشق رغم لمحة الحزن التي كست ملامحه ثم فتح الخط ليجيبها:
ـــ ألو.. ازيك يا ريم.. حمد الله على السلامة.
ابتسمت رغما عنها و هي تجيبه:
ـــ الله يسلمك يا معتصم.
ـــ أخبارك إيه؟.. و الجرح اللي في رجلك اخباره ايه دلوقتي؟
ـــ تمام الحمد لله كويس..
سكت ينتظر أن تبشره بخبر ربما يثلج صدره، لتقول بعد برهة:
ـــ أنا كلمت أدهم في موضوعنا من شوية
ـــ اممم و قال ايه؟!
ـــ عايز يتعرف عليك و على عيلتك الأول و بعد كدا يقرر هيوافق ولا لأ
ـــ تمام.. حقه طبعاً.
ـــ خلاص كلمه و اتفق معاه.
ـــ هكلمه حالا.. ايه رأيك اعزمه على فرح أخويا حمد بعد اسبوعين ان شاء الله.
ـــ حلو اوى.. يكون رجع من الانتداب..
ـــ انتداب ايه؟!
ـــ أصل أدهم مسافر الصبح لجنوب سينا و هيرجع بعد اسبوعين ان شاء الله..

ـــ طاب ألحق أكلمه بقى قبل ما يسافر.
ـــ تمام كلمه.
ـــ تمام.. خلي بالك من نفسك و ابقي طمنيني عليكي.
ـــ حاضر سلام.
ـــ سلام.
أغلق الخط مع ريم ثم أخذ نفسا عميقا استعدادا للاتصال بأدهم.. فيبدو أنه ليس شخصا سهلا و أكثر ما يقلقه أن يكتشف زواجه بأخرى قبل تسوية أموره و يفسد كل شيئ..
قام بلمس ايقونة الاتصال ثم وضع الهاتف على أذنه ينتظر اجابته و بعد ثانيتان أو ثلاث أتاه صوته العميق ليرد:
ـــ و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. أدهم باشا أكيد حضرتك لسة فاكرني..
أجابه بجدية تامة:
ـــ أيوة طبعا فاكرك يا معتصم بيه و مسجل رقمك..
أجلى معتصم حنجرته ليقول:
ـــ احم… دكتورة ريم قالتلي ان حضرتك عايز تتعرف عليا و على العيلة.
ـــ أولا بلاش حضرتك و الالقاب دي.. اعتقد اننا من سن بعض و مفيش داعي للجو دا.
أحس معتصم بقليل من الارتياح:
ـــ صح معاك حق.
ـــ ثانيا بقى يشرفني طبعا اننا نتعرف على بعض و نقرب من بعض أكتر.
ـــ طبعاً يا باشا شرف ليا.. عشان كدا بعزمك انت و الدكتورة ريم و بقيت العيلة الكريمة على فرح أخويا الجمعة اللي بعد الجاية ان شاء الله هنا في البلد.. و لو تمام هبعتلكم عربية تاخدكم من القاهرة لحد البيت هنا.

سكت أدهم مليا يفكر ثم أومأ بموافقة:
ـــ تمام.. ان شاء الله نتقابل في الفرح و نتعرف على بعض.
ـــ تمام يا أدهم باشا هتنوروا البلد كلها.
ـــ منورة بأهلها يا معتصم بيه.. أشوفك على خير ان شاء الله.. مع السلامة
ـــ مع السلامة يا باشا اتفضل.
أغلق الخط ثم تنفس الصعداء، لأول مرة يتحدث مع شخص بكل هذا التحفظ و التوتر.. و لكن لأجلها يتحمل الصعب مادام سينعم بنيلها.
أخذ يخلل أصابعه في خصلات شعره بشرود و هو يتأمل السماء بنجومها المتلئلئة…مابال الشرود و الحزن يلازمنه منذ دق قلبه بحبها.. للأسف لقد مال قلبه لها في الوقت الخطأ.
فتح هاتفه بعدما فكر في الاتصال بنرمين يمهد لها أمر انفصالهما، و بعد تفكير طويل حسم أمره بالتحدث اليها…
في تلك الأثناء كانت جالسة بفراش الزوجية تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي بملل عبر هاتفها الثمين لتتفاجئ برقم معتصم يضيئ شاشة هاتفها، فاتسعت ابتسامتها باشتياق بالغ و فتحت الخط….
و حينها أتاه صوتها الملهوف.
ـــ ألو.. ازيك يا نرمين عاملة ايه؟!
ـــ يااااه يا معتصم!.. لسة فاكر ان ليك زوجة اسمها نرمين؟!
أخذ يركل حبات الحصى بقدمه:
ـــ معلش يا نرمين كنت مشغول جداً الايام اللي فاتت..
اتكأت بكوعها على الوسادة لتجيبه بدلال:
ـــ ماشي يا حبيبي انت عارف اني مبعرفش ازعل منك… طمني عليك عامل ايه؟
تنهد تنهيدة عميقة ثم أجابها:

ـــ أنا كويس الحمد لله..
ـــ وحشتني اوى اوى يا معتصم… مستنية أشوفك بفارغ الصبر
سكت و لم يستطع أن يرد… فاسترسلت بمزيد من الهيام:
ـــ وحشني حضنك و نفسي اترمي فيه… كل حاجة فيك وحشاني.. كل يوم بكون عايزة اكلمك بس بخاف تزعل مني.
سكت يأخذ نفسا عميقا و الشعور بالذنب يتفاقم بداخله كلما تحدثت بالمزيد.. سألها بنبرة هادئة يملأها الشجن:
ـــ حبتيني امتى يا نرمين؟
ابتسمت بحالمية ثم أجابته بعشق جامح:
ـــ من أول شهر في جوازنا…
ـــ ليه؟
تنهدت بعمق ثم قالت:
ــ بدأت أقارن بينك و بين عادل الله يرحمه في كل حاجة.. اكتشفت اني كان فايتني كتير اوي و انا معاه.. و انت عيشتني احاسيس عمري ما حسيتها معاه.. لحد ما وقعت في حبك لدرجة الادمان.. بس خوفت أحسسك بكدا عشان متبعدش عني.
بدأت نبرته تحتد بجدية:
ـــ بس دا مكانش اتفاقنا.
تجهمت ملامحها بحزن ثم قالت:
ـــ عارفة.. بس حصل غصب عني.
أجابها بنبرة جادة قاتلة:
ـــ بس أنا محبتكيش يا نرمين.
شعرت كأنه غرس خنجرا في قلبها و لكنها تظاهرت باللامبالاة:

ـــ مش مهم.. مسيرك هتحبني عاجلا ام آجلا.
ـــ فات خمس سنين من جوازنا و محبتكيش.. معقول ممكن احبك بعد السنين دي كلها؟!
قطبت جبينها باستغراب و أحست بوجود خطبا ما:
ـــ في ايه يا معتصم؟!.. اول مرة تتكلم معايا في الموضوع دا.. بقالي فترة بلمحلك بحبي ليك و انت كل مرة بتصدني.. بس مفيش مرة ناقشتني بالطريقة دي.
زفر أنفاسه بضيق بالغ ثم احتدت نبرته بانفعال:
ـــ عشان مش عايزك تتعلقي بحبال الهوا الدايبة…عايزك تفتكري دايما اننا اتفقنا على ان جوازنا للمصلحة مش اكتر من كدا و ان من حقي اني اتجوز بنت مناسبة ليا من كل النواحي.
تجهمت ملامحها بغضب و لكنها حاولت أن تتحدث بنبرة طبيعية لتقول:
ـــ و انا امتى كنت عارضتك في كدا؟.. اظن انت اللي مش حابب تتجوز.. ببساطة كدا عشان انا مكفياك.
انتفخت اوداجه بغضب جامح لهيتف بها و هو يصتك فكيه بغيظ:
ـــ عاجباني ثقتك في نفسك دي.. بس للأسف انتي فاهماني غلط.
ـــ فهمني انت الصح يا معتصم.
ـــ هفهمك… بس مش هينفع في التليفون.. لما ارجع هفهمك كل اللي انتي عايزة تفهميه.. سلام..
لم يترك لها الفرصة للرد فقد أغلق الخط في الحال..
أخذ يعتصر قبضتيه بغضب بالغ، فقد استطاعت استثارة عصبيته و تعكير صفوه و ندم أن تحدث اليها من الأساس… فلماذا يمهد لها؟!.. الأمر بيده ان أراد الاستمرار معها استمر و ان لم يرد فليطلقها بدون سرد الأسباب و المبررات..
بينما هي ألقت بالهاتف على الفراش بعصبية ثم أخذت تحدث نفسها بشك:
ــــ يا ترى في ايه يا معتصم و ايه مناسبة المكالمة دي؟!… حب جديد دا ولا ايه يا ابن الصعيدي!
تحاول فتح جفنيها و لكنهما ثقيلان للغاية.. تفتح فمها تحاول نطق اسمه تناديه لعله يساعدها على النهوض و لكن صوتها يأبى أن يتخطى حنجرتها، لتستسلم لتلك الغيمة مرة أخرى لتغوص بها لعلها تراه هناك في ذلك الحلم الذي تعيش فيه حرفيا.. تراه يفتح لها ذراعيه و هي تقف بعيدا بفستانها الوردي لتتسع بسمتها و تركض اليه مستجيبة لنداء ذراعيه و ترتمي بأحضانه فيحملها و يدور بها في مكانه و هي تضحك بملئ فمها و تهتف به من بين ضحكاتها:

ـــ براحة يا آسر.. هتوقعني… لا يا آسر هتوقعني بجد..
حينما لاحظت الممرضة الألمانية المسؤلة عن حالتها أنها تحاول فتح عينيها و تحرك يديها سجلت ذلك في ملاحظاتها التمريضية ثم قامت بالاتصال بالدكتور رؤف تبلغه بتطور درجة وعي المريضة.
لم يكذب خبرا و قام فورا بفحصها فوجد أنها بالفعل تحاول فتح عينيها عند مناداة اسمها الأمر الذي يبشر بتحسن كبير و استجابة جيدة لبروتوكول العلاج..
و بعدها قام باستدعاء محمد والد مودة ليبلغه بآخر تطورات الحالة الصحية لها الأمر الذي أثار سروره البالغ و خر ساجدا شكرا لله.
قضى أدهم تلك الليلة ساهرا مع عائلته يودعهم استعدادا لرحيله و غيابه عنهم لأسبوعين كاملين حتى انتصف الليل، فأشفقت عليه أمه و نصحته بالخلود للنوم حتى يستطيع الاستيقاظ مبكرا للسفر.
مد يده لـندى لتعطيه يدها تحتضن يده ثم نهضت ليدلفا سويا الى غرفته..
دلفت ندى أولا لتجد هاتفها يرن برقم أبيها و يبدو أنه اتصل بها عدة مرات و لم تسمعه….
ـــ أدهم أنا هروح أكلم بابا في قوضتي من اللاب فيديو كول..
أومأ عدة مرات:
ـــ تمام.. ابقي سلميلي عليه كتير.
ابتسمت بود قائلة:
ـــ حاضر… عن اذنك.
سارت نحو الباب فاستوقفها ﻤناديا:
ـــ ندى
ـــ اممم
ـــ أنا هنام عشان هصحى بدري… و لما تخلصي ابقي تعالي نامي مكانك هنا.. متناميش في قوضتك..
هزت رأسها عدة مرات و هي تبتسم بحالمية و لم يسعفها عقلها لقول شيئ ثم استدارت لتغادر الغرفة على مضض… فلولا اشتياقها لأبيها و قلقها عليه لما تركته تلك الليلة بالذات.

بينما أدهم شعر بالاحباط، فقد كان يخطط لأن ينام الليلة و هي بين ذراعيه معبرا لها عن حبه و اشتياقه لها… فلا يعلم ان كان سيعود من تلك السفرة سالما أم لا!..
اعتلى فراشه ثم جلس به فابتسم بحالمية و هو يفكر… هل هذا إذن هو الحب الذي كان دوما يتسائل عنه و عن كيفية الشعور به؟!.. هل كان قلبه حجرا إذن قبل أن يلين هياما بها؟!
كان يتعجب من صديقه آسر حين يرى تبدل حاله حين يتحدث الى حبيبته الراحلة..كان دائما يتسائل هل الحب يبدل الأحوال هكذا؟!…الى أن رأى بأم عينيه غرقه اللامحدود في عشقها و في كل تفاصيلها صغيرة كانت او كبيرة..
استيقظ أدهم في تمام السادسة صباحا ليجد الفراش خاليا، فظن أنها قد نامت بغرفتها فهو لم يشعر بأي شيئ حين غفى على وسادته حتى استيقظ على صوت المنبه.
نهض و هو يردد أذكار الاستيقاظ ثم دلف المرحاض ليأخذ حمامه الصباحي و يتوضأ و يصلي الصبح..
أنهى صلاته ثم ارتدى ملابس غير رسمية ليسافر بها كانت عبارة عن بنطال جينز اسود و قميص أبيض مجسم و شمر كمه حتى منتصف ساعديه ثم مشط شعره و نثر عطره و نوى الخروج لكي يودع أمه و أخته و ندى ان كانت مستيقظة.
لم يكد يفتح الباب حتى وجد ندى تدلف و بيدها صينية بها طبق من الشطائر و كوب من اللبن الساخن، فقابلته ببسمة جميلة حبست أنفاسه و شعرها الغزير مع غرتها تتهافى على وجهها بجاذبية:
ـــ صباح الخير… انا قومت قبلك عشان الحق اعملك فطار.
التقط منها الصينية و هو مدهوشا من فعلتها ثم ذهب و وضعها على الكومود و قال بامتنان حقيقي:
ــــ شكرا يا ندى تسلم ايديكي..
ـــ بألف هنا.
ـــ تعالي كلي معايا بقى..
ـــ حاضر..
جلسا بجوار بعضهما على حافة الفراش، فناولها شطيرة ثم أخذ شطيرته و بدأ يأكل، و بعد ثوان قليلة باغتها بسؤاله:

ـــ نمتي فين امبارح؟!
حمحمت بتوتر ثم قالت بنبرة مترددة:
ـــ احم… بصراحة قعدت اتكلم مع بابا فترة طويلة و بعد ما قفلت معاه غصب عني نمت مكاني ع السرير.
هز رأسه عدة مرات، فنظرت له بطرف عينها فوجدته متجهم الملامح فسألته بتردد:
ـــ زعلت؟!
هز رأسه بنفي ثم قال بنبرة باردة:
ـــ لأ عادي… براحتك.
شعرت من نبرته أنه غاضب الأمر الذي أثار سرورها البالغ، فهذا إن دل فإنه يدل على حبه لقربها أو ربما يكون قد أحبها بالفعل… يبقى فقط أن يقر بحبه بلسانه قبل أي شيئ.
تناول كوب اللبن ثم وضعه على الكومود و هو ينهض:
ـــ الحمد لله… أنا كدا اتأخرت و العربية تحت مستنياني بقالها اكتر من ربع ساعة.
نهضت هي الأخرى لتقف قبالته تتطلع اليه بحزن بالغ لفراقه، قبل مقدمة رأسها ثم نظر اليها بحزن و هو يقول:
ـــ مش عارف اذا كنت هعرف اكلمك في التليفون ولا لأ.. لأن الشبكة هناك سيئة و الاتصالات صعبة.. مش عايزك تقلقي و ماما و اخواتي متعودين على كدا و عارفين الكلام دا… خلي بالك من نفسك.. أشوف وشك بخير..
اغرورقت عيناها بالدموع و لكنه لم يستطع أن يصمد واقفا أمامها أكثر من ذلك، فحتما ان بقي ثانية اضافية فلن يستطيع تركها بالمرة، فذهب من أمامها ليحمل حقيبته على ظهره و يجر الأخرى بيده ثم سار مباشرة الى الباب دون أن يلتفت لها.
بمجرّد أن وصل الى الباب نادته بلهفة فاستدار بمواجهتها و ترك حقائبه حين ركضت اليه ترمي جسدها عليه ليرتد خطوة الى الخلف اثر اندفاعها القوي ناحيته، فتعلقت بعنقه فمن ثم لف ذراعيه حول خصرها يحتضنها بقوة نابعة من شدة اشتياقه لها و هو منحني عليها نظرا لقصر قامتها عنه، رغما عنها بكت على صدره فحملها ليرفعها قليلا عن الأرض لتكون رأسها بمستوى رأسه فقامت بدورها بدفن رأسها بين رأسه و كتفه و هو يمرمغ وجهه بشعرها يتنفس عبقه و هو يشدد من تطويقه لها و كأنها ستهرب منه…

كان الصمت مخيما عليهما فلم يكن لأي منهما القدرة على التفوه بأي شيئ من فرط المشاعر الجياشة التي غمرتهما..
يعلم جيدا أنه تأخر و لكنه استصعب تركها و كأنها كانت غائبة عنه لسنوات، حتى أتته طرقات عالية متتالية على الباب و ريم تصيح بصوت عال:
ـــ أدهم العربية مستنياك من بدري و بتضرب كلاكسات بقالها ساعة لما الجيران كلها صحيت.
فكت عقدة يديها من حول عنقه لتنزل على الأرض فابتعدت عنه قليلا و هي تنظر له بخجل، فأخذ يمسح على شعره و يعيد هندام ملابسه محاولا السيطرة على موجة المشاعر العاتية التي ضربت قلبه حتى جعلت من فراقها أمرا عسيرا للغاية..
ـــ هتوحشيني..
قالها برقة متناهية أجفلت منها لترد عليه بنفس النبرة:
ـــ و انت كمان..
ابتسم ثم اختطف قبلة من وجنتها و حمل حقيبته مرة أخرى و خرج سريعا قبل أن يعود و يحتضنها مرة أخرى، و تركها متسمرة من فعلته و هي تضع يدها على وجنتها موضع قبلته و قلبها يرفرف من السعادة.
قام بتوديع أخته و أمه ثم هبط الى أسفل المنزل ليجد السيارة الخاصة بالعمل تنتظره..
فتح الباب الخلفي ليتفاجئ بآسر يجلس بالخلف فصاح به بحدة:
ـــ ناموسيتك كحلي يا أدهم باشا.. خير يابا الكلكسات دي كلها مسمعتهاش؟!
ألقى حقيبته بوجه صديقه ليلتقطها قبل أن ترتطم برأسه ثم ركب بجواره و هو يقول:
ـــ انت ايه اللي جايبك؟!
ـــ اللي جابك هو اللي جابني… اطلع يابني..
انطلقت السيارة في طريقها الى خارج حدود القاهرة، ليسترسل أدهم ببرود:
ـــ هما عاملين تمويه ولا ايه… محدش بلغني انك معايا في الانتداب..
رد آسر بسخرية:

ـــ ولا انا و حياتك.. انا لسة عارف الصبح انك معايا.. بس مال شكلك ع الصبح؟!
نظر له نظرة مطولة و لسان حاله يقول:
ـــ الله يكون في عونك يا آسر… بجد عذرتك.. فراق الحبيب صعب أوي.
ـــ ايه يابني بتبصلي كدا ليه؟!.. هو انا لحقت اوحشك.
ابتسم نصف ابتسامه و هو يقول بمزاح:
ـــ انت علطول واحشني..
أعاد رأسه الى الخلف ثم استرسل و هو مغمض العينين:
ـــ بقولك ايه.. نقطني بسكاتك بقى عشان عايز أكمل نوم لحد ما نوصل.
فعل آسر كما فعل صديقه ثم قال:
ـــ و الله يكون احسن.
فعم عليهما صمتا قاتلا و كلا منهما هائما في عالمه، أدهم يفكر في حياته الجديدة و مشاعره الدخيلة التي يختبرها لأول مرة مع ندى… و آسر شاردا في حبيبته الراحلة و ذكرياته الجميلة معها و كيف سيكمل حياته بدونها……



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close