رواية شظايا الكلمات الفصل الثامن عشر18 بقلم جهاد وجيه
الفصل الثامن عشر
شظايا الكلمات
قهر الرجال... وما بشاعته وعُمق ألمه... هل الدموع للأنثى فقط! ألا يحق لهم البكاء ولو خلسة! أليسوا بشرًا وداخل صدورهم عضلة بحجم قبضة اليد تدخر الألم! هم الأقوى والأقوم... وكذلك الأبشع والأكثر ألماً عندما يتطلب الأمر...
ترك جسده أسفل المياه الدافئة مُغمضًا عيناه بـقوة وكأنه يهرب من هواجسه التي تقتله، لم تنقبض عضلة واحدة من جسده فقط استعمل الأرتخاء وقلة الحيلة وتقبل الأمر، حديثها، صوتها، ملامحها، عينيها وما أدراك ما عينيها، هل تلك الحدقتين تمعنوا به بـحب ذات يوم!؟ هل نبت حبه بـقلبها ولو للحظة عابرة!؟ من تلك التي كانت نصبت عودها أمامه بـقوة وكبرياء! أتلك زوجته التي أحبها وسار بها على خطوات الثقة والحب؟! أتلك طفلته المدللة التي كان يضع قلبه أسفل قدميها؟! أهذه الفتاة الغريبة وقعت له؟! كيف؟! وكل شاردة وواردة منها أثبتت أنها نزعته؟! أجل نزعت حبه من قلبها بل ودفنت بقايا الجذور رافضة خروجها للحياة مجدداً! هل أستحق كل ذلك الألم لخطأ عُقبَ عليه من أمد!؟ ندم! بكى! قُهر! تحسر! وتاب... أغلق المياه وتنفس بـقوة مخرجًا الهواء المؤلم من بين طيات قلبه النازف، لم يكلف نفسه عناء تجفيف جسده بل ارتدى ثيابه وخرج، لم يتوقف عقله اللعين عن جلده وكأنه يستحق ذلك؟! هي من تركته... هي من أرادت الطلاق ومجرد أن وافقها ابتسمت وكأنها حصلت على طوق نجاتها وخرجت!! لم تضمه! لم تبتسم له لأنه عاد من حبسه بل فقط خرجت! خرجت تاركة قلبه يبكي دمًا وروحه تصرخ من قوة جلدها له وجسده الضعيف يطالب بوجودها!!
رمى بـجسده على الفراش بـإهمال وشردت نظراته بـسقف الغرفة المظلمة من حوله، لم يُحب الظلام بـيوم ولكنه اعتاد عليه لا يعلم كيف، تصنع النوم عندما استمع خطوات يعلم صاحبها تقترب منه...
دلف «ثائـر» بـصمت مُشعلاً الإضاءة وجلس على الفراش على مقربة منه يراقب تصنعه للنوم واستسلامه الغير مقبول، بعدما ذهبت «أثـير» بعد سماعه موافقته ولم تنتظر أي إجابة أخرى منه غادر هو الآخر لـشقته بـخطوات ميتة وجسدًا آلي، حمحم بـضيق وهتف متسائلاً:
_ ايوا وبعدين هتفضل عامل شبه المطلقه كدا ولا تفوق وتبقى زي الرجاله ولا إني أشك!
لم يفتح الآخر عيناه وإنما اهتز رأسه من ضحكته المتهكمة وتمتم بـعبث وكأنه خالٍ من الآلام التي كادت تمزقه!:
_ أنتَ بتقول فيها ما أنا هبقى مطلق فعلاً... يخربيت بوزك الفقر
ابتسم «ثائـر» بـسخرية وانحنى بـجزعه العلوي جاذبًا إياه من قميصه النصف مفتوح وهتف بـتوعد:
_ وحياة أمك وأمي يا ابن عمي لو ما فوقت وصالحت مراتك واتأسفت ليها لكون معرفك إزاي تبقى راجل
أنزل «راكــان» يديه عنه بـتعب وناظره بـعينيه المُظلمتين وأردف بـاستسلام:
_ تفتكر مكلمتهاش؟! متأسفتش!؟ مشرحتش!؟ عملت كل دا وعارف إني غلطان بس دا كان ماضي! ماضي اتعاقبت عليه ودفعت تمنه ولسه بدفع تمنه وهي بكل برود عاوزه تنهي!
نهض بـألم مُبعدًا وجهه عن صديقه وهمس بـصوتٍ مختنق من حبسه لـدموعه:
_ بكل برود عاوزه تطلق! عاوزه تسيبني على حاجه مليش ذنب فيها! عمري ما كنت ضعيف غير معاها ولا بكيت غير بسببها! عمري ما حبيت غيرها ولا قلبي دق عشان واحده غير ليها!! استنيتها تكون جنبي ولو لمره! كنت عاوزه تفهم إنه مش ذنبي! وحتى لو ذنبي كان ماضي وخبيته عشانها! خبيته عشان متتوجعش!! خبيته عشان عارف إن دا هيحصل!! بس كان جوايا أمل إنها تفهم! تحس بيا!! بس..
انخفضت نبرته وطغى الألم بـقوة عليها عندما تذكر إصرار نبرتها وملامحها الصارخة بـالبعد وهمس بـصوت خافت:
_ كنت عاوزها تحضني أو تجري عليا وتطمن أو حتى تبتسم! بس قوتها وهي بتطلب الطلاق أكدتلي إني وقعت منها! إن أثـير اللي حبتها مش موجوده قدامي، كانت قويه! أو بتتصنع كدا في كلا الحالتين مبقتش عوزاني!!
نبرته ألمت المستمع له حتى عندما تهرب منه حتى يسمع لدموعه رآها بـقلبه، شعر بها وكأن سخونتها تحرقه هو!! نهض بـابتسامة زائفة وهتف مربتًا على كتفيه:
_ أنتَ أدرى بـيها عننا كلنا، أنتَ أكتر واحد عارفها وعارف إزاي ممكن تتصرف بعد اللي حصل، أي واحده مكانها كانت هتعمل كدا، لما تلاقي مرات جوزها الأولى راجعه بعد عشر سنين ومعاها ابنها اللي هو نفسه ميعرفوش!
التف «راكــان» بـغضب وتشنجت عظامه حتى وصل صدى احتكاكها لـ «ثائـر» وهتف بـغضب وألم:
_ أنتَ بنفسك بتقول معرفش!! معرفش إنها كانت حامل!! مكنتش أعرف إنها بتحبني ولا كنت مستني منها أصلاً! بس كنت مستني مراتي وحبيبتي تكون جنبي وبعدها تغضب عليا براحتها!!
هز «ثائـر» رأسه بـموافقة يعلم صدق حديثه ولكن من خلال تلك الأيام التي التقى بـ «أثـير» علم كم هي أنثى ضعيفة بل لو وُجِدَ معنى أقل من الضعف لكانت هي! تلك الفتاة فَقيدة للثقه بذاتها وهنا تكمن المعضله! تنهد جاذبًا الآخر للفراش وجلس مقابلته وتمتم بـضيق:
_ هكلمك من خلال تجربتي... كلنا عندنا قلوب وكلنا بشر وكلنا بنحب بس مش كلنا بنتوجع زي بعض! مش كلنا نقدر نتحمل! مش كلنا بنثق في نفسنا! تخيل لوأنا حطيت إيدي في مايه دافيه زيك ما تحطها على جمر!! كل واحد مننا بيتقبل المشاكل والخذلان حسب قوته وفي مننا معندوش ثقه خالص! لما بيزيد الألم بنصبر للأسف ونتحمل بس ممكن تيجي قَشه!! عارفها هي دي اللي تكسر جبل الوجع دا ووقتها بنبقى معمين ومش قادرين نفرق بين الصح من الغلط! مش كلنا زي بعض يا ابن عمي ولا كلنا أقوياء كفايه....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بعد ساعاتٍ متواصلة من القيادة الشاردة ودموعها التي لم تتوقف وجدت نفسها بـمنطقة نائية، لا تعلم ما الوقت ولا أين موقعها ولا لما هي هنا!! هي فقط تعلم أنها تتألم! بل ما يجيش بـصدرها أعمق من الألم، تريده أن يتوقف، قلبها يتألم وكأن الدماء سُحبت منه! تتألم لـنظرة الاستسلام وخيبة الألم التي رأتها تندلع من عيناه الذابلتين، تتألم ضعف ألمه ولا تعرف كيف تفوهت بتلك الكلمات هي كانت تخشى قولها بينها وبين نفسها ولكن وجدت لسانها ينطق بها!! ولكن لما؟! لما وافقها؟! لما سار على خُطى ضعفها؟! هل حقاً سيتركها؟! مهلاً ألم تريدي ذلك؟! لما التناقض والخوف الآن لما الألم من الأساس؟! هو من كذب... من خدع... من استغل... من جعلك تبكين!! هو فقط المُلام الوحيد على وجعهم الروحي! شعرت بـأنفاسها تنسحب بـبطء وحاولت بـكل قوتها إدخال الهواء لرئتيها ولكنه مفقود! شعرت غياب الهواء من حولها وكأنه يلومها وكأنها هي سبب ألمها؟! اللعنة على مرضها اللعين، مريضة ربو من صغرها ولكن هذا توقف من زمن! لما عاد الآن؟! سحبت حقيبتها بـصعوبة وفتحتها بـهمجية حتى قبضت أصابعها على بخاخة الربو التي لا تفارقها ووضعتها بـفمها ضاغطة بـعنف عليها كأنها ملاذ حياتها الوحيد، بعد مدة هدأت أنفاسها وأغمضت عينيها لـتنزل دمعة باقية تحرق خديها كأنها جمر، دون إرادة منها وجدت يديها تقبض على هاتفها بـتعب وبسمة متعبة تعلو ثغرها، ضغطت أصابعها بـضعف تجري اتصالاً ومضت ثوانٍ حتى أتاها صوته!! صوته المُتعب مثلها! صوته الذي اخترق روحها وكأنه سهمًا طليق، ضغطت على شفتيها بـمرارة وهمست بـوجع:
_ محتاجاك...
كلمة وحيدة من عدة أحرف قالتها ثم استمعت لـصوت أنفاسه تعلو بـقلق جعلها تبتسم بـوهن وهي تتلقى أسئلته عن مكانها الذي لا تعرفه ولكنه أخبرها أن تظل معه على اتصال حتى يتبع موقعها..
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
جلست «ورده» تعبث بـطعامها بـتوتر والجميع يختلس النظر لها!! ناظرها «براء» بـعينين متعجبتين أتلك زوجته الوقحه؟! من حُمرة خديها علم أنها تشعر بالخجل ولكن لما؟! والأهم أتلك تخجل؟! لقد لقنته الانحراف كجرعة يومية!! جذب الملعقة من يديها وهز رأسه بتساؤل لها بينما هي ابتسمت بـقلق وعقدت ذراعيها ناظرة لـوالدها وتمتمت:
_ بابا كنت محتاجة أخد رأيك في حاجه
ترك والدها طعامه وأبصرها بـقلق فعندما تناديه بـ بابا يعلم بـقدوم مصيبة لا محالة من ذلك الجذر البرئ! شبك يديه أمامه على الطاولة وتمتم بـاهتمام:
_ خير يا وش المصايب مش مطمن للنظره دي
ابتلعت ريقها بـخوف لا تعلم كيف ستقول ذلك ولكن عليها فلا مجال للتراجع الآن، نظرت لـ زوجها القلق وأعادت نظرها لـوالدها وهتفت بـقوة وخجل:
_ أنا وبراء عاوزين الفرح يكون بعد شهر
جحدها «براء» بـنظرة غاضبة وحادة جعلتها تدرك فداحة فعلتها ولكن ما تفوه به جعلها تكاد تصاب بـأزمة قلبية عندما هتف بـإصرار:
_ بعد اسبوعين يا عمي هي بتحب تهزر
أحقاً هذا ما قاله! ظنت أنه سيغضب لأنها من تحدثت وليس هو ولكن ذلك الخبيث الوسيم تفوق عليها! أشاحت بنظرها عنه ونظرت لوالدها بـوجه الجرو اللطيف خاصتها وأسبلت بـعينيها له ولكنه قاطعها بـتقزز مصطنع:
_ والله لو عملتي وش بومه حتى أنتِ هتفضلي بشكير
حسنا يبدو أنها ستكون أضحوكة الغداء الخاصه بهم وخاصة ووالدتها وزوجها انفجرا بـضحكاتهم عليها! جعدت ملامحها بـتقزز لهم وهتفت بـضيق:
_ أي يا حاج راعي إننا بنحدد فرحي وكبرت على الكلام دا واللي جنبي دا زوجي وقرة عيني وكدا
رمقها والدها بـنظرة ساخطة وقلب عينيه بـملل زائف منها وتمتم بـبسمة:
_ الله يكون في عونه دا أنا هدعيله فجر وعشا وفي كل صلاه
ضربت الطاولة بـغضب مصطنع ونظرت لـزوجها ووالدتها الهالكين وسط ضحكاتهم وتمتمت:
_ عجبك كدا خليت برادة الحديد تضحك عليا!!
حمحم «براء» ولم تخلو نبرته من الضحك وتمتم:
_ براده ارحم من بشكير والله أو وش البومه.. يا بومه
نهضت بـحدة زائفة ورمقت الجميع بـنظرات غاضبة وحادة بادلوها بـأخرى إما ساخرة أو ضاحكة والأهم والدها! نظرات ماكرة! مسحت وجهها بـغضب ورفعت سبابتها لهم وتمتمت بـتوعد:
_ سأخبر الله بكل شيء... منكوا لللااااه
غادرت لـغرفتها وسط أصوات ضحكات الجميع على غضبها وحركتها المتعثرة حتى كادت تصطدم بـباب الغرفة وتقع ولكنها تفادتها وناظرتهم بـسخط وأغلقت الباب بـعنف حتى كاد ينخلع!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
غادر «ثائـر» بعد حديثه معه بينما بقى هو يسترجعه، كلماته كانت دواءً لـروحه الخامدة، حقاً هو أكثر العالمين بـحالتها ومدى ضعفها وتشبثها به، لن يلومها مطلقاً، لن يعاتبها ولن يقسو عليها والأهم لن يجعلها تتوقف عن حبه لذلك السبب! أخرجه من شروده صوت هاتفه المُنبعث من جيب بنطاله المُتسخ الذي حفظه بـحافظة بلاستيكية حتى تبقى تلك الأيام عالقة بـذهنه، أخرجه وما إن أنار بـصورتها واسمها حتى انتفض جسده وأجاب بـتعب وشوق، لم يعلم ما أصابه عندما نطقت بـحروفها الضعيفة، شعر بـوجعها بـتلك اللحظة مما جعله ينهض نافضًا أوجاعه وقلة نومه واتبع موقعها، وصل لـمنطقة فارغة من البشر إلا منها! وجدها جالسة على الرمال ونظراتها زائغة بـمكانٍ بعيدًا كل البعد عنهم، لم يهتم لما دار بينهم صباحاً ولا لحزنه منها وعليها ولا لألمه فقط صوتها وألمها هما ما أتو به لهنا!! اقترب منها بـصمت حتى جلس جانبها وشعر بها تميل بـرأسها على كتفيه وتهمس بـصوتٍ مزقه :
_ مهما بعدت بلاقيني بهربلك، اعتبره مرض أو جنون بس أنا تعبت.. تعبت محاولات مع كل حاجه....طول عمري وحيده وبعيده الكل وبتقبل انتقادهم ونظراتهم اللي كانت بتموتني وبضحك وبسكت... بشوف نظرات السخريه والتنمر في عيونهم قبل كلامهم وببعد وأخاف... اتحملت وجع كتير وقسوة كل اللي حواليا وكنت عايشه... مش سهل أعيش بس حاولت وكل مره كنت بحاول كنت بوقع جزء من روحي وقوتي مع كل محاوله... على قد صعوبة الموضوع وقتها على قد استحالته دلوقت...
شعر بـدموعها التي بللت قميصه ونبرتها التي انخفضت مع ارتفاع أنفاسها وكأنها تحارب للصمود، حاول مقاطعتها ولكنه عجز أمام اشتداد قبضتها على ذراعه، أدمعت عينيه عندما بدأت سردها عنه! عن ما شعرت به...
عضت على شفتيها بـقهر وتذكرت تلك الأيام التي قضتها بـرفقته منذ أن أحبته!! وهمست بـاختناق:
_ أول مره لما لحقتني وقت ما مي وجعتني بكلامها اللي كنت أول مره أخد بالي منك، وسط قهرتي ابتسمت من جوايا، واتصدمت يومها لما لقيت متقدملي، كانت كدبه ابريل زي ما قولتلك فعلاً بس فجأة الكدبة دي بقت واقع وحقيقه قدرت أعيشها وغصب عني لقتني حبيتك... يمكن حبيت ثقتك اللي بتزرعها جوايا وقوتك اللي بتمدني بيها، لقتني عشقتك مع الوقت رغم إنه وقت قصير، كل مره كنت بتقرب مني كنت زي الطفله اللي لقت فرحتها بعد سنين عذاب وآلالام، لما بقيت ملكك لأول مره اطمنت بيقولوا لو حضنت شخص بتحبه مره مش هتقدر تبعد عنه طول عمرك وهتلاقي نفسك بـتجري ليه تحضنه وقت تعبك حتى لو هو سبب تعبك دا!!
رفعت رأسها من على كتفه وابتسمت بـخيبة أمل ومررت وجهها على ملامحه بـحب وهمست ودموعها تتلمس خدها بـدفء يفتقده قلبها:
_ لما شوفت الرساله دي خوفت جوايا حاجه قالتلي أنتِ ملكيش حق تفرحي! جوايا خوف أكدلي إن فعلاً النهايه قربت رغم بدايتها! لما عرفت بـجوازك حسيت بنار جوا.. جوا في مكان أبعد من قلبي... نار بتحرق روحي... بس لما شوفت صدقك لما حكتلي قولت هسامح! هلومك واخاصمك شوي بس هسامحك لأني شوفت ندمك وتعبك والأهم حبك!! بس لما عرفت بابنك مقدرتش مش قسوه مني والله... والله ما قسوه بس كل اللي عقلي قاله إن لما هشوفه هفتكر الست دي وإزاي لمستها!! إزاي كانت على اسمك!! بس مهما كان هو طفل! ملوش ذنب!! بس أنا مش قويه كفايه إني أنسى! أنا ضعيفه وأنتَ عارف....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
جلست «هبه» بـالمقعد الخلفي مع شقيقته وجلس «حمزه» جانبه بملامحه الهادئة أخفضت عينيها تتهرب من نظراته التي تحوم حولها، تعلم أنه بُعدها لا يروقه ولكن لا تراجع عن ذلك الأمر، تنفست بـسعادته لـمجرد تخيلها زوجته! هل سيسعد قلبها حقاً ذات يوم! زُمرة من التشتت عجت بـرأسها وكم شعرت نفسها أنانية، ستتركه وسط مشاكله التي تنتهي وتبتعد! مهلاً أكان ذلك شيطانها اللعين بـخبثه ومُكره! حسناً ابتسمت رافعة حاجبها بـمكر هامسة لـذاتها بأنها تخطو نحو سعادتها ورضى ربها وما أروع من ذلك؟! احتضنت شقيقتها بـفرحة ولكنها ما لبثت أن اختفت عندما رأت انعكاس صورته المتهجمة بـالمرأة ينظر لها بـترجي! أخفضت رأسها كعادتها متهربة ولكن صوته الذي اخترقها وشعرت بـحدقتيه تسبقه:
_ ينفع نتفسح شوي باعتبار آخر يوم قبل فرض الحظر بتاعك!؟... ورحمه معانا طبعاً
ضحكت بـمرح وهزت رأسها بمعنى لا فائدة هذا الرجل رغم نضجه ورجاحة عقله وخبثه إلا أنه مُراهق!! أجل مراهق عندما يتعلق الأمر بها وهذا ما أصبحت متأكدة منه، أومأت له بـتأكيد وهتفت «رحمه» بـبهجة:
_ عاوزه اروح البحر يا ثائـر
ابتسم «ثائـر» بـتأكيد ولمعت عيناه لـرؤية نظرة عينيها العاشقتين وتمتم بـحنان:
_ عيوني يا قلب ثائـر
دار بـعنينه للصغير المحتضن دميته وابتسم بـحنان مربتًا فوق خصلاته وتمتم:
_ وأنتَ يا حمزه عاوز تروح فين؟
لم يتلقى ردًا من الصغير ولا بـنظرة عابره! ألمه قلبه لـحاله وتهدل ملامحه وذلك الحزن الكامن خلف اقتضاب وجهه ولكنه فضل الصمت...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
رفعت « أثـير» كتفيها بـإهمال وأخدلتهم بـخيبة أمل وهزت رأسها لـتتساقط المزيد من عبارتها لتلهب روحه الناشبة وبالكاد صوته وصله رغم أن فقط الهواء هو الفاصل بين وجهيهما !!:
_ معرفش معنى القوه... واثقه فيك وبحبك بس قوتي مساعدتنيش إن أواجهك ولا عارفه انسى وجعي... أنا ضعيفه ومش عارفه أكون قويه.... لما وثقت فيك وحبيتك فكرت إن مفيش ألم تاني.. مفيش وجع هيزورني!! فكرت إني هكتسب نفسي اللي ضيعتها بس مش قادره، يمكن ردود فعلي كانت عنيفه ومتهوره ومبالغ فيها بس دا من حبي ليك..... يمكن حبك يشفعلك عندي بس محتاجه وقت!! محتاجه أبعد!! بالله محتاجه أبعد يا راكــان
شاركها دموعها بأخرى مماثلة، متألمة لحالها وحزينة لأجلها، نادمة ومعاتبة، شعر بـتقلص قفصه الصدري عند ذكر بعدها!! هل ستغادره!! كأن أحدهم غرس سيفًا حادًا بـقلبه ولم يصرخ! من فرط ألمه لم يصرخ!! روحه تحترق لـدموعها التي تهطل لـأجله ولكنه لا يستحق!! هو من الأساس لا يستحق ملاكًا كهذه! مد أصابعه المرتجفة يمحو دموعها وهمس أمام شفتيه بـبسمة :
_ اللي يريحك ويطمن قلبك ويرضيكي هعمله حتى لو هيوجعني...
ابتسمت مع نزول دموعها، هذا الرجل يمتلكها قلبًا وقالباً، يعلم كيف يصوغ كلماته لـتُبعث لـفؤادها النازف وتكون ضمادته المُهدئة، هي كانت مخطئة بقرار طلاقهم وتعلم لأنها رأت صدقه وعمق نظراته العاشقة لها ولكنها لن تنسى! دفنت وجهها بـعنقه بـعنف وهمست بـاختناق:
_ مش عارفه هبعد فين ولا قد إيه ولا لأمتى بس محتاجه وقت، الوقت كفيل يقفل كل الجروح ويداويها بس اللي متأكده منه إني هرجع ليك...
أحاط كفه رأسها وسارت أصابعه لـتنعم بين خصلاتها النارية وتنفس بـراحة وكأنه حصل على نصيبه من السكِينة وهمس بـخفوت وحب:
_ مهما بعدتي ومهما كانت حالتك قلبي عمره ما هيبطل يحبك، يمكن يتعب من حبك بس لا هيمل ولا هيزهق، لو لآخر لحظه هستناكِ
ضمته بـقوة تريد جعله ضلعًا داخلها وهو بدوره بادلها احتضانها وكم رغب لو تدوم تلك اللحظة وتتخلى عن فكرة ابتعادها، سيتألم ويصرخ ويتحسر ولكنه لن يوقفها لن يردعها عن قرارها، هي تحتاج الخوض لذاتها لتستكشفها وهو سيساعدها بذلك ولو تطلب الأمر حياته وما يملك...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
جلست «رحمه» بـجانب الفتى الصامت هكذا لقبته وجانبهم «هبه» و«ثائـر» هي بالكاد سمعته يهمس لـشقيقتها مرة واحده منذ آتى ليلة أمس! نظرت لـ شقيقتها و« ثائـر» الهائم بها وابتسمت بـحب فهي تستحق ذلك وأكثر من ذلك، تهجم وجهها فور وقوعها على ذلك الصنم الصامت جانبها وهتفت بـملل:
_ أنتَ القطه كلت لـسانك؟!
لم يرفع «حمزه» عينيه لها واكتفى بـرمي الحجارة بالبحر وارخى ملامحه ولكنها عاودت سؤاله بـنبرة مرتفعة تظنه أصم:
_ أنتَ أطرش ولا أخرس عشان اعرف أعلى صوتي ولا نتعامل بالإشارة!!
تقسم أنها استمعت لـصوت ابتلاعه للعابه وما زاد الأمر سوء هي نظراته الفارغة عندما التقت أعينهم!! رأت عتمة لم تعرفها بـطفولتها! ذلك الطفل جعلها ترتعد رغم صمته!! واكتفت بـالابتعاد عنه بينما نهض هو مغادرًا!!
بقت عينيها تتابع خطواته الثابتة ودميته التي لم تفارقه وكأنه فتاة!! ضحكت بـسخرية على حاله أهذا سيصبح رجلاً ذات يوم!! دارت بـعينيها على شقيقتها التي تراقب حمزه وهو يتجول حولهم وما لبثت أن عادت له!! لا تعلم ما يجول بـخاطره ولكنه يتألم! أجل ولكن ليس بسبب أخذه من والدته ولا ابتعادها ولكن ألمه أكبر!! كادت أن تخرج زفيرًا عميق من صدرها ولكنه حبسته بـرعب وهلع عندما رأت جسد « حمزه» يرتفع يصطدم بـقوة بـسيارة سريعة ووقوعه وسط بـركة من دماءه!!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
دلفت « ورده» لـغرفته التي خصصها والدها له بعد إصراره عليه بـالبقاء، عقدت حاجبيها بـضيق من الظلام الذي يحيط به! أضاءت الغرفة وجالت بعينيها بها ولكنه لم تجده وكادت أن تخرج لولا سماعها لـأنين خافت من اسفل الغطاء!! هذا الصوت تعرفه جيداً!! ابتعلت ريقها بـخوف واقتربت مسرعة منه وجذبت الغطاء وليتها لم تفعل، وجدته يخفي وجهه بالوسادة لـيكتم صوت ألمه، تحسست كتفه بـحذر وأدارت وجهه لـتشهق بهلع عندما رأت احمرار وجهه وانتفاخ عينيه لـحبسه لدموعه!! نزلت دموعها بـغزارة عندما رأته ممسكًا بـمعدته يبكي كطفلا صغير أخذ إبرة كان يخافها!! رغماً عنها وجدت أنفاسها تعلو ودموعها تزداد لـستحبه لأحضانها بقوة ويديها تربت على معدته بـحنان وتهمس بصوتها الدافئ:
_ هينتهي.... هـينتهي... اهدى
أكانت تقنع نفسها أم تقنعه؟! تعلم أن هذا الألم سيزوره عند بداية مفعول جلسة الكيماوي بـجسده فهو كالنار تحرق ما تطوله عند مرورها، علمت أن هذا الألم لا يحتمل ولن يتحمله اعتى الرجال قوة وسألت عنه وليس بيدها حيلة لـتوقفه فحتى الدواء لا يسكنه حتى يزول مفعول هذا اللعين من معدته، يقولون أنه يدخل الجسم لـيداويه وإن وقع على الجلد يحرقه! بل يخفيه! هكذا هي روحها عندما ترى ما يعانيه زوجها وحبيبها!! ضمت رأسه لصدرها وهمست بـحنان:
_ هيوقف بس اهدى... ادعي... استغفر ربنا... هينتهي والله... خد نفسك بهدوء
رفع «براء» يديه لـيقبض فوق كفيها بـعنف وقوة ألمتها ولكنها لم تبالي هي فقط ترغب بتوقف ألمه! تريد نزعه عنه! كما أنها ترغب بـإزالة قناتها الدمعية حتى تتوقف عن البكاء!!...
عض الآخر على شفتيه بـقوة وهمس بـتقطع:
_ متخافيش.. الدكتور قال إن دا عادي... بس بيوجع... بيموت يا ورده
على ذكر الموت لم تجد من سوى ادخاله لـصدرها لـعنف بل لروحها راغبة بوجعه، ماذا ستخبره أنها تعلم! تعلم أن هذا سيحدث ولا يمكنها منعه!! أزالت دموعها وابتسمت طابعة قبلة فوق جبهته وتمتمت بـثقه:
_ هيزول بس ادعي... أقرأ قرآن... اذكره...خليك قوي عشاني... عشانا خليك قوي
أغمض عينيه بـتعب وشعور الموت لا يفارقه، يرغب بالموت عوضًا عن ذلك الألم الذي لا يتوقف ولا يعلم كيف ومتى سينتهى، كان بخير ويمزح ولكن فجأة شعر بنيران تهتاج بصدره ومعدته وصولا لروحه، أمعاءه تتقلص بـقسوة وكأنه تلعنه!! اعتصر عينيه من الألم ولكنه عاود فتحهم على صوتها وهي ترتل عليه آيات مختلفة بصوتها الهادئ عكس طبيعتها... إن قال أن السكينة لامست فؤاده عن سماع القرآن لن يكذب صحيح!! إن قال أن روحه احتضنتها الراحة لن يبالغ!! ابتسم مغمضًا عينيه وهو يشعر بقرب زوال الألم عنه ......
شظايا الكلمات
قهر الرجال... وما بشاعته وعُمق ألمه... هل الدموع للأنثى فقط! ألا يحق لهم البكاء ولو خلسة! أليسوا بشرًا وداخل صدورهم عضلة بحجم قبضة اليد تدخر الألم! هم الأقوى والأقوم... وكذلك الأبشع والأكثر ألماً عندما يتطلب الأمر...
ترك جسده أسفل المياه الدافئة مُغمضًا عيناه بـقوة وكأنه يهرب من هواجسه التي تقتله، لم تنقبض عضلة واحدة من جسده فقط استعمل الأرتخاء وقلة الحيلة وتقبل الأمر، حديثها، صوتها، ملامحها، عينيها وما أدراك ما عينيها، هل تلك الحدقتين تمعنوا به بـحب ذات يوم!؟ هل نبت حبه بـقلبها ولو للحظة عابرة!؟ من تلك التي كانت نصبت عودها أمامه بـقوة وكبرياء! أتلك زوجته التي أحبها وسار بها على خطوات الثقة والحب؟! أتلك طفلته المدللة التي كان يضع قلبه أسفل قدميها؟! أهذه الفتاة الغريبة وقعت له؟! كيف؟! وكل شاردة وواردة منها أثبتت أنها نزعته؟! أجل نزعت حبه من قلبها بل ودفنت بقايا الجذور رافضة خروجها للحياة مجدداً! هل أستحق كل ذلك الألم لخطأ عُقبَ عليه من أمد!؟ ندم! بكى! قُهر! تحسر! وتاب... أغلق المياه وتنفس بـقوة مخرجًا الهواء المؤلم من بين طيات قلبه النازف، لم يكلف نفسه عناء تجفيف جسده بل ارتدى ثيابه وخرج، لم يتوقف عقله اللعين عن جلده وكأنه يستحق ذلك؟! هي من تركته... هي من أرادت الطلاق ومجرد أن وافقها ابتسمت وكأنها حصلت على طوق نجاتها وخرجت!! لم تضمه! لم تبتسم له لأنه عاد من حبسه بل فقط خرجت! خرجت تاركة قلبه يبكي دمًا وروحه تصرخ من قوة جلدها له وجسده الضعيف يطالب بوجودها!!
رمى بـجسده على الفراش بـإهمال وشردت نظراته بـسقف الغرفة المظلمة من حوله، لم يُحب الظلام بـيوم ولكنه اعتاد عليه لا يعلم كيف، تصنع النوم عندما استمع خطوات يعلم صاحبها تقترب منه...
دلف «ثائـر» بـصمت مُشعلاً الإضاءة وجلس على الفراش على مقربة منه يراقب تصنعه للنوم واستسلامه الغير مقبول، بعدما ذهبت «أثـير» بعد سماعه موافقته ولم تنتظر أي إجابة أخرى منه غادر هو الآخر لـشقته بـخطوات ميتة وجسدًا آلي، حمحم بـضيق وهتف متسائلاً:
_ ايوا وبعدين هتفضل عامل شبه المطلقه كدا ولا تفوق وتبقى زي الرجاله ولا إني أشك!
لم يفتح الآخر عيناه وإنما اهتز رأسه من ضحكته المتهكمة وتمتم بـعبث وكأنه خالٍ من الآلام التي كادت تمزقه!:
_ أنتَ بتقول فيها ما أنا هبقى مطلق فعلاً... يخربيت بوزك الفقر
ابتسم «ثائـر» بـسخرية وانحنى بـجزعه العلوي جاذبًا إياه من قميصه النصف مفتوح وهتف بـتوعد:
_ وحياة أمك وأمي يا ابن عمي لو ما فوقت وصالحت مراتك واتأسفت ليها لكون معرفك إزاي تبقى راجل
أنزل «راكــان» يديه عنه بـتعب وناظره بـعينيه المُظلمتين وأردف بـاستسلام:
_ تفتكر مكلمتهاش؟! متأسفتش!؟ مشرحتش!؟ عملت كل دا وعارف إني غلطان بس دا كان ماضي! ماضي اتعاقبت عليه ودفعت تمنه ولسه بدفع تمنه وهي بكل برود عاوزه تنهي!
نهض بـألم مُبعدًا وجهه عن صديقه وهمس بـصوتٍ مختنق من حبسه لـدموعه:
_ بكل برود عاوزه تطلق! عاوزه تسيبني على حاجه مليش ذنب فيها! عمري ما كنت ضعيف غير معاها ولا بكيت غير بسببها! عمري ما حبيت غيرها ولا قلبي دق عشان واحده غير ليها!! استنيتها تكون جنبي ولو لمره! كنت عاوزه تفهم إنه مش ذنبي! وحتى لو ذنبي كان ماضي وخبيته عشانها! خبيته عشان متتوجعش!! خبيته عشان عارف إن دا هيحصل!! بس كان جوايا أمل إنها تفهم! تحس بيا!! بس..
انخفضت نبرته وطغى الألم بـقوة عليها عندما تذكر إصرار نبرتها وملامحها الصارخة بـالبعد وهمس بـصوت خافت:
_ كنت عاوزها تحضني أو تجري عليا وتطمن أو حتى تبتسم! بس قوتها وهي بتطلب الطلاق أكدتلي إني وقعت منها! إن أثـير اللي حبتها مش موجوده قدامي، كانت قويه! أو بتتصنع كدا في كلا الحالتين مبقتش عوزاني!!
نبرته ألمت المستمع له حتى عندما تهرب منه حتى يسمع لدموعه رآها بـقلبه، شعر بها وكأن سخونتها تحرقه هو!! نهض بـابتسامة زائفة وهتف مربتًا على كتفيه:
_ أنتَ أدرى بـيها عننا كلنا، أنتَ أكتر واحد عارفها وعارف إزاي ممكن تتصرف بعد اللي حصل، أي واحده مكانها كانت هتعمل كدا، لما تلاقي مرات جوزها الأولى راجعه بعد عشر سنين ومعاها ابنها اللي هو نفسه ميعرفوش!
التف «راكــان» بـغضب وتشنجت عظامه حتى وصل صدى احتكاكها لـ «ثائـر» وهتف بـغضب وألم:
_ أنتَ بنفسك بتقول معرفش!! معرفش إنها كانت حامل!! مكنتش أعرف إنها بتحبني ولا كنت مستني منها أصلاً! بس كنت مستني مراتي وحبيبتي تكون جنبي وبعدها تغضب عليا براحتها!!
هز «ثائـر» رأسه بـموافقة يعلم صدق حديثه ولكن من خلال تلك الأيام التي التقى بـ «أثـير» علم كم هي أنثى ضعيفة بل لو وُجِدَ معنى أقل من الضعف لكانت هي! تلك الفتاة فَقيدة للثقه بذاتها وهنا تكمن المعضله! تنهد جاذبًا الآخر للفراش وجلس مقابلته وتمتم بـضيق:
_ هكلمك من خلال تجربتي... كلنا عندنا قلوب وكلنا بشر وكلنا بنحب بس مش كلنا بنتوجع زي بعض! مش كلنا نقدر نتحمل! مش كلنا بنثق في نفسنا! تخيل لوأنا حطيت إيدي في مايه دافيه زيك ما تحطها على جمر!! كل واحد مننا بيتقبل المشاكل والخذلان حسب قوته وفي مننا معندوش ثقه خالص! لما بيزيد الألم بنصبر للأسف ونتحمل بس ممكن تيجي قَشه!! عارفها هي دي اللي تكسر جبل الوجع دا ووقتها بنبقى معمين ومش قادرين نفرق بين الصح من الغلط! مش كلنا زي بعض يا ابن عمي ولا كلنا أقوياء كفايه....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بعد ساعاتٍ متواصلة من القيادة الشاردة ودموعها التي لم تتوقف وجدت نفسها بـمنطقة نائية، لا تعلم ما الوقت ولا أين موقعها ولا لما هي هنا!! هي فقط تعلم أنها تتألم! بل ما يجيش بـصدرها أعمق من الألم، تريده أن يتوقف، قلبها يتألم وكأن الدماء سُحبت منه! تتألم لـنظرة الاستسلام وخيبة الألم التي رأتها تندلع من عيناه الذابلتين، تتألم ضعف ألمه ولا تعرف كيف تفوهت بتلك الكلمات هي كانت تخشى قولها بينها وبين نفسها ولكن وجدت لسانها ينطق بها!! ولكن لما؟! لما وافقها؟! لما سار على خُطى ضعفها؟! هل حقاً سيتركها؟! مهلاً ألم تريدي ذلك؟! لما التناقض والخوف الآن لما الألم من الأساس؟! هو من كذب... من خدع... من استغل... من جعلك تبكين!! هو فقط المُلام الوحيد على وجعهم الروحي! شعرت بـأنفاسها تنسحب بـبطء وحاولت بـكل قوتها إدخال الهواء لرئتيها ولكنه مفقود! شعرت غياب الهواء من حولها وكأنه يلومها وكأنها هي سبب ألمها؟! اللعنة على مرضها اللعين، مريضة ربو من صغرها ولكن هذا توقف من زمن! لما عاد الآن؟! سحبت حقيبتها بـصعوبة وفتحتها بـهمجية حتى قبضت أصابعها على بخاخة الربو التي لا تفارقها ووضعتها بـفمها ضاغطة بـعنف عليها كأنها ملاذ حياتها الوحيد، بعد مدة هدأت أنفاسها وأغمضت عينيها لـتنزل دمعة باقية تحرق خديها كأنها جمر، دون إرادة منها وجدت يديها تقبض على هاتفها بـتعب وبسمة متعبة تعلو ثغرها، ضغطت أصابعها بـضعف تجري اتصالاً ومضت ثوانٍ حتى أتاها صوته!! صوته المُتعب مثلها! صوته الذي اخترق روحها وكأنه سهمًا طليق، ضغطت على شفتيها بـمرارة وهمست بـوجع:
_ محتاجاك...
كلمة وحيدة من عدة أحرف قالتها ثم استمعت لـصوت أنفاسه تعلو بـقلق جعلها تبتسم بـوهن وهي تتلقى أسئلته عن مكانها الذي لا تعرفه ولكنه أخبرها أن تظل معه على اتصال حتى يتبع موقعها..
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
جلست «ورده» تعبث بـطعامها بـتوتر والجميع يختلس النظر لها!! ناظرها «براء» بـعينين متعجبتين أتلك زوجته الوقحه؟! من حُمرة خديها علم أنها تشعر بالخجل ولكن لما؟! والأهم أتلك تخجل؟! لقد لقنته الانحراف كجرعة يومية!! جذب الملعقة من يديها وهز رأسه بتساؤل لها بينما هي ابتسمت بـقلق وعقدت ذراعيها ناظرة لـوالدها وتمتمت:
_ بابا كنت محتاجة أخد رأيك في حاجه
ترك والدها طعامه وأبصرها بـقلق فعندما تناديه بـ بابا يعلم بـقدوم مصيبة لا محالة من ذلك الجذر البرئ! شبك يديه أمامه على الطاولة وتمتم بـاهتمام:
_ خير يا وش المصايب مش مطمن للنظره دي
ابتلعت ريقها بـخوف لا تعلم كيف ستقول ذلك ولكن عليها فلا مجال للتراجع الآن، نظرت لـ زوجها القلق وأعادت نظرها لـوالدها وهتفت بـقوة وخجل:
_ أنا وبراء عاوزين الفرح يكون بعد شهر
جحدها «براء» بـنظرة غاضبة وحادة جعلتها تدرك فداحة فعلتها ولكن ما تفوه به جعلها تكاد تصاب بـأزمة قلبية عندما هتف بـإصرار:
_ بعد اسبوعين يا عمي هي بتحب تهزر
أحقاً هذا ما قاله! ظنت أنه سيغضب لأنها من تحدثت وليس هو ولكن ذلك الخبيث الوسيم تفوق عليها! أشاحت بنظرها عنه ونظرت لوالدها بـوجه الجرو اللطيف خاصتها وأسبلت بـعينيها له ولكنه قاطعها بـتقزز مصطنع:
_ والله لو عملتي وش بومه حتى أنتِ هتفضلي بشكير
حسنا يبدو أنها ستكون أضحوكة الغداء الخاصه بهم وخاصة ووالدتها وزوجها انفجرا بـضحكاتهم عليها! جعدت ملامحها بـتقزز لهم وهتفت بـضيق:
_ أي يا حاج راعي إننا بنحدد فرحي وكبرت على الكلام دا واللي جنبي دا زوجي وقرة عيني وكدا
رمقها والدها بـنظرة ساخطة وقلب عينيه بـملل زائف منها وتمتم بـبسمة:
_ الله يكون في عونه دا أنا هدعيله فجر وعشا وفي كل صلاه
ضربت الطاولة بـغضب مصطنع ونظرت لـزوجها ووالدتها الهالكين وسط ضحكاتهم وتمتمت:
_ عجبك كدا خليت برادة الحديد تضحك عليا!!
حمحم «براء» ولم تخلو نبرته من الضحك وتمتم:
_ براده ارحم من بشكير والله أو وش البومه.. يا بومه
نهضت بـحدة زائفة ورمقت الجميع بـنظرات غاضبة وحادة بادلوها بـأخرى إما ساخرة أو ضاحكة والأهم والدها! نظرات ماكرة! مسحت وجهها بـغضب ورفعت سبابتها لهم وتمتمت بـتوعد:
_ سأخبر الله بكل شيء... منكوا لللااااه
غادرت لـغرفتها وسط أصوات ضحكات الجميع على غضبها وحركتها المتعثرة حتى كادت تصطدم بـباب الغرفة وتقع ولكنها تفادتها وناظرتهم بـسخط وأغلقت الباب بـعنف حتى كاد ينخلع!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
غادر «ثائـر» بعد حديثه معه بينما بقى هو يسترجعه، كلماته كانت دواءً لـروحه الخامدة، حقاً هو أكثر العالمين بـحالتها ومدى ضعفها وتشبثها به، لن يلومها مطلقاً، لن يعاتبها ولن يقسو عليها والأهم لن يجعلها تتوقف عن حبه لذلك السبب! أخرجه من شروده صوت هاتفه المُنبعث من جيب بنطاله المُتسخ الذي حفظه بـحافظة بلاستيكية حتى تبقى تلك الأيام عالقة بـذهنه، أخرجه وما إن أنار بـصورتها واسمها حتى انتفض جسده وأجاب بـتعب وشوق، لم يعلم ما أصابه عندما نطقت بـحروفها الضعيفة، شعر بـوجعها بـتلك اللحظة مما جعله ينهض نافضًا أوجاعه وقلة نومه واتبع موقعها، وصل لـمنطقة فارغة من البشر إلا منها! وجدها جالسة على الرمال ونظراتها زائغة بـمكانٍ بعيدًا كل البعد عنهم، لم يهتم لما دار بينهم صباحاً ولا لحزنه منها وعليها ولا لألمه فقط صوتها وألمها هما ما أتو به لهنا!! اقترب منها بـصمت حتى جلس جانبها وشعر بها تميل بـرأسها على كتفيه وتهمس بـصوتٍ مزقه :
_ مهما بعدت بلاقيني بهربلك، اعتبره مرض أو جنون بس أنا تعبت.. تعبت محاولات مع كل حاجه....طول عمري وحيده وبعيده الكل وبتقبل انتقادهم ونظراتهم اللي كانت بتموتني وبضحك وبسكت... بشوف نظرات السخريه والتنمر في عيونهم قبل كلامهم وببعد وأخاف... اتحملت وجع كتير وقسوة كل اللي حواليا وكنت عايشه... مش سهل أعيش بس حاولت وكل مره كنت بحاول كنت بوقع جزء من روحي وقوتي مع كل محاوله... على قد صعوبة الموضوع وقتها على قد استحالته دلوقت...
شعر بـدموعها التي بللت قميصه ونبرتها التي انخفضت مع ارتفاع أنفاسها وكأنها تحارب للصمود، حاول مقاطعتها ولكنه عجز أمام اشتداد قبضتها على ذراعه، أدمعت عينيه عندما بدأت سردها عنه! عن ما شعرت به...
عضت على شفتيها بـقهر وتذكرت تلك الأيام التي قضتها بـرفقته منذ أن أحبته!! وهمست بـاختناق:
_ أول مره لما لحقتني وقت ما مي وجعتني بكلامها اللي كنت أول مره أخد بالي منك، وسط قهرتي ابتسمت من جوايا، واتصدمت يومها لما لقيت متقدملي، كانت كدبه ابريل زي ما قولتلك فعلاً بس فجأة الكدبة دي بقت واقع وحقيقه قدرت أعيشها وغصب عني لقتني حبيتك... يمكن حبيت ثقتك اللي بتزرعها جوايا وقوتك اللي بتمدني بيها، لقتني عشقتك مع الوقت رغم إنه وقت قصير، كل مره كنت بتقرب مني كنت زي الطفله اللي لقت فرحتها بعد سنين عذاب وآلالام، لما بقيت ملكك لأول مره اطمنت بيقولوا لو حضنت شخص بتحبه مره مش هتقدر تبعد عنه طول عمرك وهتلاقي نفسك بـتجري ليه تحضنه وقت تعبك حتى لو هو سبب تعبك دا!!
رفعت رأسها من على كتفه وابتسمت بـخيبة أمل ومررت وجهها على ملامحه بـحب وهمست ودموعها تتلمس خدها بـدفء يفتقده قلبها:
_ لما شوفت الرساله دي خوفت جوايا حاجه قالتلي أنتِ ملكيش حق تفرحي! جوايا خوف أكدلي إن فعلاً النهايه قربت رغم بدايتها! لما عرفت بـجوازك حسيت بنار جوا.. جوا في مكان أبعد من قلبي... نار بتحرق روحي... بس لما شوفت صدقك لما حكتلي قولت هسامح! هلومك واخاصمك شوي بس هسامحك لأني شوفت ندمك وتعبك والأهم حبك!! بس لما عرفت بابنك مقدرتش مش قسوه مني والله... والله ما قسوه بس كل اللي عقلي قاله إن لما هشوفه هفتكر الست دي وإزاي لمستها!! إزاي كانت على اسمك!! بس مهما كان هو طفل! ملوش ذنب!! بس أنا مش قويه كفايه إني أنسى! أنا ضعيفه وأنتَ عارف....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
جلست «هبه» بـالمقعد الخلفي مع شقيقته وجلس «حمزه» جانبه بملامحه الهادئة أخفضت عينيها تتهرب من نظراته التي تحوم حولها، تعلم أنه بُعدها لا يروقه ولكن لا تراجع عن ذلك الأمر، تنفست بـسعادته لـمجرد تخيلها زوجته! هل سيسعد قلبها حقاً ذات يوم! زُمرة من التشتت عجت بـرأسها وكم شعرت نفسها أنانية، ستتركه وسط مشاكله التي تنتهي وتبتعد! مهلاً أكان ذلك شيطانها اللعين بـخبثه ومُكره! حسناً ابتسمت رافعة حاجبها بـمكر هامسة لـذاتها بأنها تخطو نحو سعادتها ورضى ربها وما أروع من ذلك؟! احتضنت شقيقتها بـفرحة ولكنها ما لبثت أن اختفت عندما رأت انعكاس صورته المتهجمة بـالمرأة ينظر لها بـترجي! أخفضت رأسها كعادتها متهربة ولكن صوته الذي اخترقها وشعرت بـحدقتيه تسبقه:
_ ينفع نتفسح شوي باعتبار آخر يوم قبل فرض الحظر بتاعك!؟... ورحمه معانا طبعاً
ضحكت بـمرح وهزت رأسها بمعنى لا فائدة هذا الرجل رغم نضجه ورجاحة عقله وخبثه إلا أنه مُراهق!! أجل مراهق عندما يتعلق الأمر بها وهذا ما أصبحت متأكدة منه، أومأت له بـتأكيد وهتفت «رحمه» بـبهجة:
_ عاوزه اروح البحر يا ثائـر
ابتسم «ثائـر» بـتأكيد ولمعت عيناه لـرؤية نظرة عينيها العاشقتين وتمتم بـحنان:
_ عيوني يا قلب ثائـر
دار بـعنينه للصغير المحتضن دميته وابتسم بـحنان مربتًا فوق خصلاته وتمتم:
_ وأنتَ يا حمزه عاوز تروح فين؟
لم يتلقى ردًا من الصغير ولا بـنظرة عابره! ألمه قلبه لـحاله وتهدل ملامحه وذلك الحزن الكامن خلف اقتضاب وجهه ولكنه فضل الصمت...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
رفعت « أثـير» كتفيها بـإهمال وأخدلتهم بـخيبة أمل وهزت رأسها لـتتساقط المزيد من عبارتها لتلهب روحه الناشبة وبالكاد صوته وصله رغم أن فقط الهواء هو الفاصل بين وجهيهما !!:
_ معرفش معنى القوه... واثقه فيك وبحبك بس قوتي مساعدتنيش إن أواجهك ولا عارفه انسى وجعي... أنا ضعيفه ومش عارفه أكون قويه.... لما وثقت فيك وحبيتك فكرت إن مفيش ألم تاني.. مفيش وجع هيزورني!! فكرت إني هكتسب نفسي اللي ضيعتها بس مش قادره، يمكن ردود فعلي كانت عنيفه ومتهوره ومبالغ فيها بس دا من حبي ليك..... يمكن حبك يشفعلك عندي بس محتاجه وقت!! محتاجه أبعد!! بالله محتاجه أبعد يا راكــان
شاركها دموعها بأخرى مماثلة، متألمة لحالها وحزينة لأجلها، نادمة ومعاتبة، شعر بـتقلص قفصه الصدري عند ذكر بعدها!! هل ستغادره!! كأن أحدهم غرس سيفًا حادًا بـقلبه ولم يصرخ! من فرط ألمه لم يصرخ!! روحه تحترق لـدموعها التي تهطل لـأجله ولكنه لا يستحق!! هو من الأساس لا يستحق ملاكًا كهذه! مد أصابعه المرتجفة يمحو دموعها وهمس أمام شفتيه بـبسمة :
_ اللي يريحك ويطمن قلبك ويرضيكي هعمله حتى لو هيوجعني...
ابتسمت مع نزول دموعها، هذا الرجل يمتلكها قلبًا وقالباً، يعلم كيف يصوغ كلماته لـتُبعث لـفؤادها النازف وتكون ضمادته المُهدئة، هي كانت مخطئة بقرار طلاقهم وتعلم لأنها رأت صدقه وعمق نظراته العاشقة لها ولكنها لن تنسى! دفنت وجهها بـعنقه بـعنف وهمست بـاختناق:
_ مش عارفه هبعد فين ولا قد إيه ولا لأمتى بس محتاجه وقت، الوقت كفيل يقفل كل الجروح ويداويها بس اللي متأكده منه إني هرجع ليك...
أحاط كفه رأسها وسارت أصابعه لـتنعم بين خصلاتها النارية وتنفس بـراحة وكأنه حصل على نصيبه من السكِينة وهمس بـخفوت وحب:
_ مهما بعدتي ومهما كانت حالتك قلبي عمره ما هيبطل يحبك، يمكن يتعب من حبك بس لا هيمل ولا هيزهق، لو لآخر لحظه هستناكِ
ضمته بـقوة تريد جعله ضلعًا داخلها وهو بدوره بادلها احتضانها وكم رغب لو تدوم تلك اللحظة وتتخلى عن فكرة ابتعادها، سيتألم ويصرخ ويتحسر ولكنه لن يوقفها لن يردعها عن قرارها، هي تحتاج الخوض لذاتها لتستكشفها وهو سيساعدها بذلك ولو تطلب الأمر حياته وما يملك...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
جلست «رحمه» بـجانب الفتى الصامت هكذا لقبته وجانبهم «هبه» و«ثائـر» هي بالكاد سمعته يهمس لـشقيقتها مرة واحده منذ آتى ليلة أمس! نظرت لـ شقيقتها و« ثائـر» الهائم بها وابتسمت بـحب فهي تستحق ذلك وأكثر من ذلك، تهجم وجهها فور وقوعها على ذلك الصنم الصامت جانبها وهتفت بـملل:
_ أنتَ القطه كلت لـسانك؟!
لم يرفع «حمزه» عينيه لها واكتفى بـرمي الحجارة بالبحر وارخى ملامحه ولكنها عاودت سؤاله بـنبرة مرتفعة تظنه أصم:
_ أنتَ أطرش ولا أخرس عشان اعرف أعلى صوتي ولا نتعامل بالإشارة!!
تقسم أنها استمعت لـصوت ابتلاعه للعابه وما زاد الأمر سوء هي نظراته الفارغة عندما التقت أعينهم!! رأت عتمة لم تعرفها بـطفولتها! ذلك الطفل جعلها ترتعد رغم صمته!! واكتفت بـالابتعاد عنه بينما نهض هو مغادرًا!!
بقت عينيها تتابع خطواته الثابتة ودميته التي لم تفارقه وكأنه فتاة!! ضحكت بـسخرية على حاله أهذا سيصبح رجلاً ذات يوم!! دارت بـعينيها على شقيقتها التي تراقب حمزه وهو يتجول حولهم وما لبثت أن عادت له!! لا تعلم ما يجول بـخاطره ولكنه يتألم! أجل ولكن ليس بسبب أخذه من والدته ولا ابتعادها ولكن ألمه أكبر!! كادت أن تخرج زفيرًا عميق من صدرها ولكنه حبسته بـرعب وهلع عندما رأت جسد « حمزه» يرتفع يصطدم بـقوة بـسيارة سريعة ووقوعه وسط بـركة من دماءه!!!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
دلفت « ورده» لـغرفته التي خصصها والدها له بعد إصراره عليه بـالبقاء، عقدت حاجبيها بـضيق من الظلام الذي يحيط به! أضاءت الغرفة وجالت بعينيها بها ولكنه لم تجده وكادت أن تخرج لولا سماعها لـأنين خافت من اسفل الغطاء!! هذا الصوت تعرفه جيداً!! ابتعلت ريقها بـخوف واقتربت مسرعة منه وجذبت الغطاء وليتها لم تفعل، وجدته يخفي وجهه بالوسادة لـيكتم صوت ألمه، تحسست كتفه بـحذر وأدارت وجهه لـتشهق بهلع عندما رأت احمرار وجهه وانتفاخ عينيه لـحبسه لدموعه!! نزلت دموعها بـغزارة عندما رأته ممسكًا بـمعدته يبكي كطفلا صغير أخذ إبرة كان يخافها!! رغماً عنها وجدت أنفاسها تعلو ودموعها تزداد لـستحبه لأحضانها بقوة ويديها تربت على معدته بـحنان وتهمس بصوتها الدافئ:
_ هينتهي.... هـينتهي... اهدى
أكانت تقنع نفسها أم تقنعه؟! تعلم أن هذا الألم سيزوره عند بداية مفعول جلسة الكيماوي بـجسده فهو كالنار تحرق ما تطوله عند مرورها، علمت أن هذا الألم لا يحتمل ولن يتحمله اعتى الرجال قوة وسألت عنه وليس بيدها حيلة لـتوقفه فحتى الدواء لا يسكنه حتى يزول مفعول هذا اللعين من معدته، يقولون أنه يدخل الجسم لـيداويه وإن وقع على الجلد يحرقه! بل يخفيه! هكذا هي روحها عندما ترى ما يعانيه زوجها وحبيبها!! ضمت رأسه لصدرها وهمست بـحنان:
_ هيوقف بس اهدى... ادعي... استغفر ربنا... هينتهي والله... خد نفسك بهدوء
رفع «براء» يديه لـيقبض فوق كفيها بـعنف وقوة ألمتها ولكنها لم تبالي هي فقط ترغب بتوقف ألمه! تريد نزعه عنه! كما أنها ترغب بـإزالة قناتها الدمعية حتى تتوقف عن البكاء!!...
عض الآخر على شفتيه بـقوة وهمس بـتقطع:
_ متخافيش.. الدكتور قال إن دا عادي... بس بيوجع... بيموت يا ورده
على ذكر الموت لم تجد من سوى ادخاله لـصدرها لـعنف بل لروحها راغبة بوجعه، ماذا ستخبره أنها تعلم! تعلم أن هذا سيحدث ولا يمكنها منعه!! أزالت دموعها وابتسمت طابعة قبلة فوق جبهته وتمتمت بـثقه:
_ هيزول بس ادعي... أقرأ قرآن... اذكره...خليك قوي عشاني... عشانا خليك قوي
أغمض عينيه بـتعب وشعور الموت لا يفارقه، يرغب بالموت عوضًا عن ذلك الألم الذي لا يتوقف ولا يعلم كيف ومتى سينتهى، كان بخير ويمزح ولكن فجأة شعر بنيران تهتاج بصدره ومعدته وصولا لروحه، أمعاءه تتقلص بـقسوة وكأنه تلعنه!! اعتصر عينيه من الألم ولكنه عاود فتحهم على صوتها وهي ترتل عليه آيات مختلفة بصوتها الهادئ عكس طبيعتها... إن قال أن السكينة لامست فؤاده عن سماع القرآن لن يكذب صحيح!! إن قال أن روحه احتضنتها الراحة لن يبالغ!! ابتسم مغمضًا عينيه وهو يشعر بقرب زوال الألم عنه ......