رواية شظايا الكلمات الفصل السابع عشر17 بقلم جهاد وجيه
شظايا الكلمات
الفصل السابع عشر
ظُلمة البئر الذي وضعتني به... أقسم لك بـقرب وقوعك به...
رهبة الابتعاد تُخمد بـالتحلي بـالقسوة والجفاء، مصدر القوة ما هو إلا نُطفة من نِقاط الضعف والانهيار....
بـنهاية اليوم وصلت أمام شقته وبسمة ماكرة تزين ثغرها، طرقت الباب بـغنج وكبرياء وما لبث أن آتاه الرد منه، لم يسمح لها بـالدخول بل لم ينظر لها ولكنها دلفت بـالصغير الخائف وتحدثت بـدلال:
_ كدا بتقابل ضيوفك يا ثائـر بردو؟
ابتسم « ثائـر» بـغموض ونظر للصغير المرتجف وغمغم بـثبات:
_ كنت مستنيكي من بادري يا ميار هانم
نظرت للصغير ودفعته بـخفة لـ «ثائـر» وتمتمت:
_ دا حمزه... حمزه راكــان ابن ابن عمك..
لم يُعطي لـحديثها أدنى اهتمام وارتمى بـجسده على الأريكة المقابلة لـوقوفها وتمتمت بـبرود:
_ كويس... فيه شبه منه
تلقت حديثه البارد بـثقة وجلست على المقعد خلفها واضعة قدمٍ فوق أخرى وغمغمت بـمكر:
_ كنت فكراك أهبل زي ابن عمك بس حقيقي عجبتني
رفع «ثائـر» أحد حاجبيه بـتهكم وتمتم:
_ أظن إنك مش جايه تقولي الكلمتين دول وتاعبه نفسك وأنتِ عارفه إني ممكن أبلغ عنك
عقدة «ميار» ملامحها بـسخرية وهزت رأسها بـنفي مردفة:
_ لو كنت عاوز تبلغ مكنتش هتستني لحد ما أجيلك أو لحد ما صاحبك يبات في الحجز مع المجرمين اللي شبهه
اعتدل «ثائـر» بـجلسته وضم شفتيه بـتأكيد وغمغم بـوضوح:
_ عندك حق بس مش يمكن كنت مستني إنك تيجي بـنفسك لحد هنا؟!
ضحكت «ميار» بـقوة حتى أدمعت عينيها على سذاجته وأردفت بـسخرية:
_ عيبكوا إنكوا متعرفوش إني سبقاكوا بـألف خطوه! وإن عندي بدل اللعبه عشره!
عقد «ثائـر» ذراعيه أمام صدره وناظرها بـقوة مردفًا:
_ طالما كل ألعابك اتكشفت وسجنتي راكــان في قضية قتلك المزوره جايه هنا ليه؟!
قست ملامح الأخرى ولمعت عينيها بـوميضٍ من الألم والحسرة المُغلف بالانتقام وهمست بـغلٍ:
_ عشان عرفت إنك كنت ورا راكــان يوم ما جالي البيت الصبح وهو ميعرفش وإنك بتدور ورايا وجايه أحذرك تبعد عني عشان دا مش في مصلحتك مفيش سبب يخليني أأذيك ولا ضغينه شخصيه بينا
هز «ثائـر» رأسه بـتفهم ولم تختلف ملامحه المقتضبة وحمحم متسائلا:
_ وبكدا انتقامك مجهول السبب من ابن عمي خلص؟!
قاطعته بـنظرة قاتلة جحظت عينيها لها وعلت أنفاسها، أيظن أنها تفعل كل ذلك بلا سبب؟! أيظن أن ليس لها حق بأفعالها؟!، كورت قبضتها بـغضب وهمست:
_ عندك حق مجهول السبب بس تعرفي السبب إيه؟! أصلك متعرفش معنى إن بنت تحب وتبيع شرفها للي بتحبه وهو مش شايفها وحط مليون خط تحت مش شايفها دي، تعرف إحساس القهر؟! أكيد لا، شخص بتحبه يفضل لسنين مش شايفك ولما تبقى قدامه بضريبة حياتك يتجاهلك؟! لالا هو لسه مش شايفك التجاهل دا للي بنحبهم!! تعرف معنى إنك تربي طفل لواحدك في بلد غريبه ممعكش حتى تمن اكل ليوم واحد؟! إنك بتشوف ابنك بيكبر قدامك وكل يوم نفسه يشوف ابوه أو يعرفه وأنت عاجز عن إنك تقولوا الحقيقه؟! هتقولوا إيه؟! أبوك مكنش مهتم بوالدته هيعترف بيك أنتَ وأنتَ ابن زناااااا؟؟ السبب أظن بقا واضح صح؟؟
أومأ لها بـصمت ولم تتحرك عضلة واحدة بـوجهه ولم يتأثر ولكنه غمغم متسائلا:
_ عارفه بيقولوا الطبع بيغلب التطبع ليه؟!... عشان كلنا بنحب! وكلنا وقعنا في مشاكل أكبر وافظع من بعض وكلنا اتخذلنا وقلوبنا اتكسرت وعديت فترات شوفنا الذُل فيها!! في مننا خرج بـقوته وحارب عشان يكمل حياته ويبني كام ذكرى جميله ودا اللي قلبه نضيف!! معندهوش كره ولا غِل!! ودا طبعه غلب على الظروف اللي مر بيها وفي أنتِ!!! اللي زيك كرث كل حياته وعشر سنين من عمره هدر عشان يرتب إزاي ينتقم؟! وينتقم بـغير وجه حق!! كان ممكن تواجهي راكــان إنك حامل وبـحقيقة مشاعرك ووقتها هيبقى عندك سبب قوي تمشي عشانه لو لقيتي منه رفض!! كان ممكن تاخدي فتره تجمعي نفسك وترجعي وتواجهي بردو بابنك؟! لكن مش تنتقمي؟! أنتِ شيطانك غلب طبعك وتطبعك وبقيتي مسخ...
بدت له باردة وكأنها جثة لم يهتز لها جفن من حديثه اللاذع أو نقده لها واكتفت بـأخذ أنفاسها المسحوبة وهمست بـألم وصل له بـجدارة:
_ يمكن عندك حق بس أنتَ مجربتش تبيع نفسك عشان تعيش بـراحه ظاهريه مع ابنك؟!
سرعان ما تلبسها قناع القوة والكبرياء ونهضت عازمة المغادرة ولكن صوته المتوجس أوقفها:
_ زيفتي موتك إزاي؟! ومين اللي اتدفنت مكانك؟!
طرقت بحذائها العالي بـملل من كثرة أسئلته وتحدثت:
_ أسئلتك كتير وأنا مبحبش كدا.... عموماً الفلوس بتعمل كل حاجه، تقدر تزيف تاريخ الوفاه! تبدل جثه! شوية مكياج على جلد مصنوع مش هيضر عشان تكمل محاولة القتل وتفضل بصمات القاتل على الجثه بردو!! الموضوع مش صعب على واحده دارسه القانون وفاهمه بردو؟! ولا أنتَ بحثك عني مقدرتش تعرف إني كنت في كلية حقوق؟!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
ضمت السيدة «عفاف» جسدها لـجسد زوجها الغافي بـهدوء ولكنها تعلم أنه مستيقظ وهناك ما يشغل باله، لطالما كانت صغيرتهم الأقرب إليه عندما يتعلق الأمر بـالبوح بـأحزانه لـرفضه بـالضعف أمامه! مرت بهم الأعوام بين جيد ولا ولكن عشقهم لم تُقلله الأيام بل العكس لازالت تشعر أنها تلك الشابة المراهقة التي وقعت بحبه منذ زمن! بحثت عن كفه من أسفل الغطاء حتى وصلت له وفارقت أصابعه لـتحل خاصته بين الفراغات وابتسمت بـحنان هامسة:
_ مالك يا نور عيني
فتح « بلال» عينيه وانفرج ثغره عن بسمة هائمة بتلك العجوز المرابطة على فؤاده الشائك وهمس بـحيرة:
_ حاسس إني غلط في حقها لما سبتها تختار وتواجه لواحدها
أدارت وجهه لـتتلاقى نظراتهم وترى صدق حيرته وتشتته وتلك الغصة التي استمعتها بـصوته جعلتها تتألم ضعفه وتهمس بـتأكيد:
_ بنتنا قويه... عدت كتير وهتعدي وهتفضل بـقوتها، أنتَ مغلطش هي اختارت وإحنا هندعمها لآخر نفس فينا! بنتي مش ضعيفه يا بلال وهتقدر تكون سند جوزها وعكازه لحد ما يبقى أحسن ويبقى هو ضهرها اللي بتتحمى فيه، بيتك شبهك مش هتسمح لنفسها تضعف!!
حسناً هناك سحابة من الرخاء والسَكِينة أحاطت خافقه جعلته يمدد ذراعه لـيضمها لـصدره بـقوة وتلمع عيناه بـوميض العشق الذي سكنه منذ عقود وتمتم بـعشق:
_ طول عمرك بتقدري تخففي عني يا عفاف ولا مره قلبك ردني خايب.... ربنا يديمك نعمه وزرق ليا
ابتسمت بـخجل لم تتخلى عنه حتى الآن رغم شيبها وهمست بـتساؤل:
_ بس قولي إيه خلاك توافق على براء بالذات
اعتدل « بلال» بـجلسته وأسند ظهره على الفراش وأعطها بسمة رائعة وتحدث بـصدق:
_ حسيته! حسيت حياته واقفه عليها!! أنا شوفت بنتي لما جالها هنا وشوفته كان شكله ضايع، شوفت وجع بنتي وإزاي كانت بتحبه وهو كان سبب وجعها! بس لما شوفت كسرته وسمعت حكايته عذرته، براء بيحبها لا دا بيعشق التراب اللي بتمشي عليه، شوفت ضحكته وهو بيحكي عنها وفرحته لمجرد إني وافقت أسمعه!! حسيت ندمه في صوته ودموعه اللي كان بيخبيها، لما جالي بعد ما عرف بـمرضه خوفت! لو لقدر الله حصله حاجه ورده قلبها مش هيتحمل وجع فراقه بس افتكرت حب بنتك ليه... بنتي مبسوطه، مطمنه، سعيده ودا كفايه ليا....
همت أن ترد عليها ولكن صوت صغيرتها المرح جعلها تنهض مهرولة لها وتتلقاها بـشوق بين أحضانها وكأنها لم تراها منذ عقود!! ظلت محكمة عليها حتى هتفت « ورده» بـمرح:
_ هموت تحتك يا عفاف أنا لسه صغيره وعاوزه اتجوز الواد الغلبان دا
أخرجتها والدتها بـغيظ من بين أحضانها وسرعان ما شهقت بـحرج من تواجد «براء» المبتسم لهم ولم تتردد للحظة بـدعوته لأحضانها هو الآخر وأدمعت عينيها لـتمسكه القوي بها وأشارت لـفتاتها باالذهاب وتركهم!!
هرولت «ورده» لـوالدها المنتظر رؤيتها بـشوقٍ أخفاه بـقوة وتحدث بـقوة:
_ عامله قلق ليه يا بشكير الكلب
تجاهلت حديثه وصعدت ملتصقة به بـالفراش وسرعان ما ضمت جسدها له بـلهفة وشوق وهمست بـحب:
_ وحشتني يا بلال والله.... وحشت بشكير
ضمها والدها بـقوة لـصدره وابتسم بـحنان على صغيرته التي مهما نضجت ستظل تلجأ لأحضانه وتتمسح به كـهرة صغيرة وتحدث بـحيرة:
_ طمنيني عنك وعن جوزك بدأ علاجه ولا لا
ابتسمت بـرزانة تُحسد عليها واضعة رأسها على فخذيه وشردت بـعينيها لـنقطة بعيدة وهمست بـألم:
_ تعبان... تعبان وبيكابر... مش عاوز يضعف قدامي... كل يوم بيضعف زياده... أنا حاسه بيه وحاسه بـوجعه اللي بيحاول يخبيه عني
ربت والدها بـبسمة هادئة فوق حجابها وتحدث بـحكمة:
_ مفيش حاجه بتهزم قد المرض، بيذل صاحبه، جوزك مهما كان بيحبك ضعفه قدامك بيوجعه، مفيش راجل في الدنيا بيتحمل ضعفه قدام مراته ولا حبيبته وإن هي تكون عكازه ومفروض العكس!! الرجاله ليهم القوامه والقوه وربنا فضلهم بكدا، صعب جوزك أو أي راجل يتقبل إن فجأة بقى ضعيف وبيتألم بـشئ خارج إرادته! صعب يفهم إنه فجأة ممنوع يخرج! إنه محكوم وضعيف وزوجته هي اللي بتعيله!! خليكي جنبه متيأسيش! متمليش منه! طمنيه! متفارقيش قلبه يا ورده القلوب الصادقة بتوفي بـوعودها وقلبك زي الورود البيضة
أغمضت عينيها منصتة لـحديث والدها الذي أثلج قلبها وأخمد نيرانه الناشبة! هي لم تكن لـتتركه يوماً ولكنها تحتاج لـجرعة مُضاعفة من قوتها التي تحتاجها الفترة القادمة مع قُرب جلساته وتمكن المرض منه! وسط دوامة أفكارها أحست بـقبلة رطبة تُوضع جانب ثغرها تعرف فاعلها عن ظهر قلب، ابتسمت وقد تمكن منها النوم وذهب بـسبات عميق....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
حزمت « هبه» حقائبها وكذلك شقيقتها رغم حزن قلبها لـمرافقته إلا أنها تفعل ذلك عن رغبة منها، لن تسمح لشيطانها بالعبث مجدداً، ستعتبرها فترة هدنة بسيطة بينهم لا مجال للقاء أو الحديث المُنفرد، ستعمل على غض بصرها والتحكم بـدقات قلبها المسكين الذي يضطرب لـمجرد عبور طيفه، تنهدت بـضيق ووقع نظرها على «رحمه» الصامته فـباغتتها بسؤالها المتردد:
_ رحمه أنتِ زعلانه إننا هنمشي؟
رفعت الصغيرة نظرها وتحدثت بـحكمة وكأنها عجوزٌ وليست طفلة!!:
_ لازم أزعل... ثائـر كان زي أخ كبير ليا وديما كان بيساعدنا ووقف جنبك وبعد فاضل عننا وكمان تيتا نجاة علطول بتساعدني أذاكر وبتحبني، يمكن أكون زعلانه بس أنتِ علمتيني لما أعرف غلطي أبعد عنه وأحاول اصلح من نفسي ومكررهوش تاني، عشان كدا هنرجع بيتنا صح؟
هزت «هبه» رأسها بـموافقة ولمعت عينيها بـالدموع فـكيف تُرزق بـشقيقة كـتلك بـقلبها الكبير وعقلها الواسع وقدرتها الهائلة على فهمها والشعور بها!! ابتسمت وسط دموعها وفتحت ذراعيها بـحب هاتفة:
_ تعالي...
دعوة صريحة للـصغيرة لـتلقي بـنفسها بين أحضان شقيقتها التي نعمت بـحضن والدتها لأعوام تتمسح بها لعله تستنشق عبير والدتها المتوفاة!! شددت كلتاهما على الأخرى وتساقطت دموعهم بـصمت قطعه طرق الباب فهمست « هبه»:
_ افتحي الباب على ما ألبس نقابي لو كان ثائـر مدخلهوش
أومأت الصغيرة بـحماس وأسرعت تفتح الباب لـتقع عينيها على « أثـير» المبتسمة وهتفت بـسعادة:
_ طنط أثير... وحشتيني
انحنت « أثـير» محتضنة الصغيرة بـحب وجذبتها من كفها للداخل هاتفة بـحنان:
_ وأنتِ يا قلب طنط أثـير... بس نكتفي بـ أثـير بس ماشي!
هزت «رحمه» رأسها بـموافقة وصاحت بصوتٍ وصل لشقيقتها:
_ دي أثـير يا هبه
خرجت «هبه» بـبسمة رائعة واقتربت محتضنة إياها بـقوة وهمست بأذنها بـحنان:
_ عامله إيه دلوقت
ابتسمت « أثـير» بـسخرية وجلست بـقلة حيلة وتبعتها «هبه» وتمتمت بـيأس:
_ عادي... بضحك.. بأكل... بلبس... عايشه اهو
أشفقت « هبه» عليها واقتربت مربتة فوق ذراعها وتمتمت بـصدق:
_ أثـير أنا هنا وقت ما تحتاجيني... في أي وقت هتلاقيني... صدقيني كله هيبقى بخير
تمنت من قلبها لو أن كل شيء سيكون بخير ولكنها موقنة بـعكس ذلك هي ببساطة لن تصلح للمزبد من المحاولات الكاذبه! ابتسمت بـتهكم وغمغمت بـقلة حيلة:
_ أتمنى أكون أنا بخير في يوم...
كادت أن ترد عليها ولكن صوت جلبة من الخارج ابتلعت كلتاهما لعابها بسببه فآخر مرة استمعا لمثل تلك الأصوات كانت الشرطه هنا لتعتقل «راكــان»!! نهضوا جميعاً والخوف يدب بـأواصلهم وما إن فتحوا الباب حتى شهقت كلتاهما بـعنف كاد يخدش جوفهم!! كيف لـتلك الماكرة أن تكون على قيد الحياة بينما «راكــان» متهم بـقتلها!!! لم تقل صدمة إحداهما إلا عندما صدح صوت « ثائـر» بـبرود:
_ زي ما قولتي قبل كدا يا ميار هانم.... لا ضغينه شخصيه...
أنهى حديثه بـغمزة ماكرة من عيناه الباردتين وهو يراقب نظرات «ميار» الحاقدة وتشنج جسدها بين يدي عناصر الشرطة التي كانت تعتقلها!! رحلت تلك الأفعى من بينهم ولكن نظراتها أخبرته بـالكثير!! أنه مازال خلفها الكثير من المؤامرات!! تنهد وهو يراقب نظرات الفتيات المصدومة بـمنظرهم المُضحك جعل ضحكته تصدح رغماً عنه بـقوة حتى أدمعت عيناه، التفتت الفتيات له بـنظرات غاضبة وغامضة بادلهم هو بأخرى هادئة وتحدث:
_ تعالوا هفهمكوا كل حاجه..
تبعوه بـصمت وعقل « أثـير» يعمل كـطاحونة قاسية والكثير من التساؤلات الغامضة تفتك بها !! تابعت بعينيها نظرات ذلك البارد الذي يدور حولهم ببسمته المستفزة ، يكفيها برود للآن... أخرجت شحنة توترها وغضبها بصوتها الحاد هاتفة :
_ ممكن تفهمنا إيه اللي حصل وإزاي وليه؟؟؟؟
جلس «ثائـر» أمامهم واكتسبت ملامحه برودة كالصقيع :
_ اللي حصل إن جوزك كان مغفل!! متستغربيش، مشى ورا رساله من رقم مجهول بعنوان وراح تحت مسمى إنه يعرف الحقيقه ويريح نفسه!! ولحسن الحظ إن نومي خفيف وكنت وراه لحد ما طلع شقة عرفت إنها لميار!! فضلت مراقبه ووصلت البيت قبله ومعرفتوش إني شوفت حاجه وبعدها حصل اللي شوفتوه، دورت الأيام اللي فاتت وراها وعرفت إنها كانت مسافره برا وإنها بتشتغل فتاة ليل
جحظت عيني الفتاتين واكتفوا بالصمت فتابع هو بهدوء :
_ عرفت إنها هتجيلي أول ما تعرف إني عرفت حقيقتها، الموضوع مكنش صعب أي جريمه ليها ثغره زي القضايا، وزي ما هي زورت موتها بالفلوس وفي جثه تانيه من المشرحه اللي ادفنت مكانها أنا قدرت أعرف كل دا بالفلوس ... مكنتش بروح لركان عشان عارف إنه متراقب زي ماانا متراقب بالظبط، كنت متوقع إنها هتيجي وجهزت لسمير كل الأدله اللي بتثبت إنها عايشه .... وأهمهم إن الشرطه كانت مرقباها لما وصلت هنا ...
لم تختفي صدمتهم ولو قليلاً بل زاد حقدهم على تلك الأفعى، كيف لـفتاة أن تخطط وتكذب وتلفق مثل تلك التهم!! كم كان عقلهم بل وقلبهم طاهراً ليستوعب مثل هذه الأمور!! ولكن ماذا إن رأوا قسوة العالم أجمع!! لم يروا ظلم النفوس وقتامة العقول وفساد الأرواح!!
بقت « أثير» على حالتها صامته وجهها شاحب عينيها تلمعان من كثرة دموعها التي تأبي السقوط روحها فاصت بها وغادرتها، هي ضعيفة بكل ما للكلمة من معانٍ ونتائج، لا تقدر على تحمل كل هذا النفاق!! ساذجة!! ولكن لما تفعل تلك المرأة هذا بهم!! أدارت وجهها بحمرته الشديدة ناحية « ثائـر» وهمست بـغضب وحقد:
_ وهي ليه بتعمل كل دا؟! ليه رجعت؟! ليه دمرت حياتي؟!!
عجز « ثائر» عن إجابتها هو بالفعل لن يجيبها وإنما اكتفى بـخفض عينيه عنها وتمتم بـتأثر لحالها:
_ إجابة السؤال دا عند راكــان لواحده
ضحكة متهكمة نجمت عنها ما لبثت أن تبعتها دموعها المتألمة وهمست بـحرقة:
_ مبقاش فيه راكــان من النهارده... مبقتش عاوزه اشوفوا... معرفش حد في حياتي بالاسم دا...
تركتهم بـصدمتهم وخرجت مسرعة ولم تتوقف دموعها، بينما وضعت « هبه» رأسها بين كفيها بـتعب وألم لحال تلك الفتاة التي ببعض الأيام أصبحت صديقتهم لأنها تماثلهم بتشوههم الداخلي!! هي أيضاً عاجزة مثلهم!! لمعت عينيها بـالدموع وهمست بنبرة متألمة متعبه:
_ ليه بيحصل فيها كدا! كل دا عشان حبت؟! كل دا عشان وثقت في راجل؟! عشان سلمت قلبها ومكنتش بنفس قذارته واتعاملت بطيبه وصدق! استغلها!! طب وكسرتها! بيحبها؟! طب ووجع قلبها اللي مفيش دوا هيقدر يدوايه ولا يهديه؟! وروحها؟!!!
ظلت تهرتل بـكلماتٍ غير مترابطة وعلى نحيبها بأنينه وتعبه بينما توقفت حروف « ثائر» بـجوفه رافضة الخروج تاركة لها مساحة كافيه من الضعف والانهزام الروحي لعل قلبها يهدأ ويعيد فرض حساباته!! فاق من شروده على صوت نشيجٍ عالٍ يأتي من الداخل! الصوت ليس لوالدته ولا لـ « رحمه» فهي بـجانب شقيقتها!! ضرب جبهته بـعنف عندما تذكر الصغير المُرتعب!! كيف لم ينتبه لـوجوده كل تلك المدة!! نهض باحثًا عنه بـقلق وليته لم يجده!! ليته!! وجده متكورًا على نفسه محتضنًا دفتره الأسود لـصدره ودموعه تهطل بـغزارة ألمت قلبه!! اقترب منه وجذبه بـلطف لـصدره ومسح على خصلاته الفحمية التي تشبه والده العاهر وهمس بـهدوء:
_ بتبكي ليه في حاجه تعباك؟! حد زعلك؟!
لم يتلقى إجابة من الصغير فـتنهد بـقلق وحمله للخارج، لم يكن جيداً بـأمور الأطفال، لم يحمل طفلاً قبل ذلك؟! لا يعلم كيف يطمأنهم ولا كيف يمرح معهم!! هو بـالكاد يخرج طاقته مع « رحمه»، راقت نظرات « هبه» المستفسرة وتوقفها عن البكاء عندما رأت الصغير بين يديه ببسمة راضية وتمتم بتوضيح :
_ دا حمزه ابن راكــان
لا تعلم لما للحظة انتابها النفور من ذلك الطفل! ولكنها ما لبثت أن عادت لـعقلها، كيف تعاقبه على خطأ ليس بيده؟! تنهدت بـعمق واقتربت من الصغير الباكي وهمست بـحنان:
_ مالك يا روحي...
رفع « حمزه» عينيه لأول مره لهم وكانت كـطعنة قاسية حُفر آثرها بـقلوبهم وهمس بـأنين مزقهم:
_ أنا مليش غيرها هم لي خدوها مني؟!
جملة كانت كافية بـحرق فؤاد المستمعين له حتى تتساقط دموعهم بـصمت، نبرته التي حملت الرجاء والألم واليأس أصابتهم بـمقتل!! خرجت « هبه» من صمتها بـبسمة مصطنعة وهمست بـمرح:
_ هترجع قريب بس ينفع نبقى أنا وأنتَ نبقى صحاب؟
رأت السعادة جلية بـعيناه والأمل الذي تدفق لـحواسه وسرعان ما ظهر التردد عليه وهتف بـتذبذب:
_ أكيد.... أنا مش عندي صحاب خالص
احتضنته « هبه» بـقوة تحت نظرات « ثائـر» الهائمة بها وبسمته السعيدة التي تزين محياه، رغم ما يجول بـخاطره من أمورٍ شنيعة يشعر بـقدومها إلا أن بسمتها التي لم يراها بسبب نقابها جعلته كـطيرٍ يغرد بين السحاب...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بـاليوم التالي وقف « ثائـر» أمام مركز الشرطه ينتظر خروج «راكــان» بـقلق، لقد أخبره «سمير» ليلة أمس بعد اعتقال « ميار» أنه سينهي الأمر اليوم ولكن لما كل ذلك التأخير!! نظر بـساعته بـضجر ثم رفع نظر لـتتقابل نظراته مع « راكــان» صديقه! وابن عمه! وأنيس دربه الوحيد! بدى كـعجوزٍ بـشيخوختها بـملابسه المتسخة ووجهه الممتعض وعيناه الذابلتين بـهالاتها السوداء! مع نمو لحيته لـيبدو كأحد زعماء المافيا بل وأسوأهم على الإطلاق!! وكأنه خرج للتو من قتالٍ دام لـسنوات!! اقترب منه بـلهفة وجذبه بـعناقٍ ساحق، ابتعد عنه لـثلاثة أيامٍ ربما!! تباً هو لن يتحمل بعده ولو ليومٍ واحد!! لم يتحرك جوف « راكــان» بـهمسة واحدة منذ خروجه حتى وصولهم للبيت وبقى على هيئته شارد الفكر، وصل أمام منزله وصعد بـتردد من القادم!! لم ينتبه لـتلك الواقفة تتابعه بـعينين دامعتين وقلبٍ فُطر من الألم والحُطام، حمدت ربها على غشاوة الدموع التي عبأت عينيها وجعلتها عاجزة عن رؤيته، لقد أتت صباحا بعدما أخبرها « ثائـر» بأنه سيخرج اليوم، لا تعلم لما أتت ولكنها عليها إنها كل شيئًا اليوم!!! استجمعت قوتها وجلست بـجانب كلاً من والدة «ثائـر» وحماتها راسمة بسمة مزيفة على ثغرها مُحيت عندما رأته بـهيئته المذرية أمامها، علت أنفاسها ورغم سرعتها إلا أنا عجزت عن مواكبة قوة خافقها، أغمضت عينيها بـتعب لتتهرب من نظراته المشتاقة لها حد النخاع!! فرت دمعة وحيدة من مقلتيها الغائمتين بـالحزن وهي تراه مُقبلاً عليها، تنهدت بـعمق وأزالت دموعها وهتفت بـقوة عندما شارف عليها:
_ بما إن الكل هنا ومفيش حاجه مستخبيه....
كورت قبضتها بـقوة حتى استشعرت بـسائلٍ ساخن بين أصابعها ولم تأبه للألم الذي خلفته أظافرها وهتفت بـقوة وكأنها تمتلك العالم بـأسرة وليست أنثى محطمة لأشلاءٍ:
_ أنا وراكـان هنتطلق....
لن يغضب بل لن يثور هو فقط يريد ضمها الآن! يريد النوم بين ذراعيها حتى تهدأ وتنتظم أنفاسه ويُسلب قوته! هل هذا جزاء شوقه ولهفته لها!؟ هل هذه ضريبة حبه اللانهائي لها؟! أهكذا تقابل عودته؟! لما ينكر هو كان يتوقع! كان يعلم أنها لن تصمد ولن تغفر له!؟...
ابتسم بـهدوء ولم تعبر ملامحه ولا على ذرة واحدة من مشاعره المختلطة وخرج صوته الغائب منذ فترة:
_ موافق يا أثـير هانــم.....
الفصل السابع عشر
ظُلمة البئر الذي وضعتني به... أقسم لك بـقرب وقوعك به...
رهبة الابتعاد تُخمد بـالتحلي بـالقسوة والجفاء، مصدر القوة ما هو إلا نُطفة من نِقاط الضعف والانهيار....
بـنهاية اليوم وصلت أمام شقته وبسمة ماكرة تزين ثغرها، طرقت الباب بـغنج وكبرياء وما لبث أن آتاه الرد منه، لم يسمح لها بـالدخول بل لم ينظر لها ولكنها دلفت بـالصغير الخائف وتحدثت بـدلال:
_ كدا بتقابل ضيوفك يا ثائـر بردو؟
ابتسم « ثائـر» بـغموض ونظر للصغير المرتجف وغمغم بـثبات:
_ كنت مستنيكي من بادري يا ميار هانم
نظرت للصغير ودفعته بـخفة لـ «ثائـر» وتمتمت:
_ دا حمزه... حمزه راكــان ابن ابن عمك..
لم يُعطي لـحديثها أدنى اهتمام وارتمى بـجسده على الأريكة المقابلة لـوقوفها وتمتمت بـبرود:
_ كويس... فيه شبه منه
تلقت حديثه البارد بـثقة وجلست على المقعد خلفها واضعة قدمٍ فوق أخرى وغمغمت بـمكر:
_ كنت فكراك أهبل زي ابن عمك بس حقيقي عجبتني
رفع «ثائـر» أحد حاجبيه بـتهكم وتمتم:
_ أظن إنك مش جايه تقولي الكلمتين دول وتاعبه نفسك وأنتِ عارفه إني ممكن أبلغ عنك
عقدة «ميار» ملامحها بـسخرية وهزت رأسها بـنفي مردفة:
_ لو كنت عاوز تبلغ مكنتش هتستني لحد ما أجيلك أو لحد ما صاحبك يبات في الحجز مع المجرمين اللي شبهه
اعتدل «ثائـر» بـجلسته وضم شفتيه بـتأكيد وغمغم بـوضوح:
_ عندك حق بس مش يمكن كنت مستني إنك تيجي بـنفسك لحد هنا؟!
ضحكت «ميار» بـقوة حتى أدمعت عينيها على سذاجته وأردفت بـسخرية:
_ عيبكوا إنكوا متعرفوش إني سبقاكوا بـألف خطوه! وإن عندي بدل اللعبه عشره!
عقد «ثائـر» ذراعيه أمام صدره وناظرها بـقوة مردفًا:
_ طالما كل ألعابك اتكشفت وسجنتي راكــان في قضية قتلك المزوره جايه هنا ليه؟!
قست ملامح الأخرى ولمعت عينيها بـوميضٍ من الألم والحسرة المُغلف بالانتقام وهمست بـغلٍ:
_ عشان عرفت إنك كنت ورا راكــان يوم ما جالي البيت الصبح وهو ميعرفش وإنك بتدور ورايا وجايه أحذرك تبعد عني عشان دا مش في مصلحتك مفيش سبب يخليني أأذيك ولا ضغينه شخصيه بينا
هز «ثائـر» رأسه بـتفهم ولم تختلف ملامحه المقتضبة وحمحم متسائلا:
_ وبكدا انتقامك مجهول السبب من ابن عمي خلص؟!
قاطعته بـنظرة قاتلة جحظت عينيها لها وعلت أنفاسها، أيظن أنها تفعل كل ذلك بلا سبب؟! أيظن أن ليس لها حق بأفعالها؟!، كورت قبضتها بـغضب وهمست:
_ عندك حق مجهول السبب بس تعرفي السبب إيه؟! أصلك متعرفش معنى إن بنت تحب وتبيع شرفها للي بتحبه وهو مش شايفها وحط مليون خط تحت مش شايفها دي، تعرف إحساس القهر؟! أكيد لا، شخص بتحبه يفضل لسنين مش شايفك ولما تبقى قدامه بضريبة حياتك يتجاهلك؟! لالا هو لسه مش شايفك التجاهل دا للي بنحبهم!! تعرف معنى إنك تربي طفل لواحدك في بلد غريبه ممعكش حتى تمن اكل ليوم واحد؟! إنك بتشوف ابنك بيكبر قدامك وكل يوم نفسه يشوف ابوه أو يعرفه وأنت عاجز عن إنك تقولوا الحقيقه؟! هتقولوا إيه؟! أبوك مكنش مهتم بوالدته هيعترف بيك أنتَ وأنتَ ابن زناااااا؟؟ السبب أظن بقا واضح صح؟؟
أومأ لها بـصمت ولم تتحرك عضلة واحدة بـوجهه ولم يتأثر ولكنه غمغم متسائلا:
_ عارفه بيقولوا الطبع بيغلب التطبع ليه؟!... عشان كلنا بنحب! وكلنا وقعنا في مشاكل أكبر وافظع من بعض وكلنا اتخذلنا وقلوبنا اتكسرت وعديت فترات شوفنا الذُل فيها!! في مننا خرج بـقوته وحارب عشان يكمل حياته ويبني كام ذكرى جميله ودا اللي قلبه نضيف!! معندهوش كره ولا غِل!! ودا طبعه غلب على الظروف اللي مر بيها وفي أنتِ!!! اللي زيك كرث كل حياته وعشر سنين من عمره هدر عشان يرتب إزاي ينتقم؟! وينتقم بـغير وجه حق!! كان ممكن تواجهي راكــان إنك حامل وبـحقيقة مشاعرك ووقتها هيبقى عندك سبب قوي تمشي عشانه لو لقيتي منه رفض!! كان ممكن تاخدي فتره تجمعي نفسك وترجعي وتواجهي بردو بابنك؟! لكن مش تنتقمي؟! أنتِ شيطانك غلب طبعك وتطبعك وبقيتي مسخ...
بدت له باردة وكأنها جثة لم يهتز لها جفن من حديثه اللاذع أو نقده لها واكتفت بـأخذ أنفاسها المسحوبة وهمست بـألم وصل له بـجدارة:
_ يمكن عندك حق بس أنتَ مجربتش تبيع نفسك عشان تعيش بـراحه ظاهريه مع ابنك؟!
سرعان ما تلبسها قناع القوة والكبرياء ونهضت عازمة المغادرة ولكن صوته المتوجس أوقفها:
_ زيفتي موتك إزاي؟! ومين اللي اتدفنت مكانك؟!
طرقت بحذائها العالي بـملل من كثرة أسئلته وتحدثت:
_ أسئلتك كتير وأنا مبحبش كدا.... عموماً الفلوس بتعمل كل حاجه، تقدر تزيف تاريخ الوفاه! تبدل جثه! شوية مكياج على جلد مصنوع مش هيضر عشان تكمل محاولة القتل وتفضل بصمات القاتل على الجثه بردو!! الموضوع مش صعب على واحده دارسه القانون وفاهمه بردو؟! ولا أنتَ بحثك عني مقدرتش تعرف إني كنت في كلية حقوق؟!
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
ضمت السيدة «عفاف» جسدها لـجسد زوجها الغافي بـهدوء ولكنها تعلم أنه مستيقظ وهناك ما يشغل باله، لطالما كانت صغيرتهم الأقرب إليه عندما يتعلق الأمر بـالبوح بـأحزانه لـرفضه بـالضعف أمامه! مرت بهم الأعوام بين جيد ولا ولكن عشقهم لم تُقلله الأيام بل العكس لازالت تشعر أنها تلك الشابة المراهقة التي وقعت بحبه منذ زمن! بحثت عن كفه من أسفل الغطاء حتى وصلت له وفارقت أصابعه لـتحل خاصته بين الفراغات وابتسمت بـحنان هامسة:
_ مالك يا نور عيني
فتح « بلال» عينيه وانفرج ثغره عن بسمة هائمة بتلك العجوز المرابطة على فؤاده الشائك وهمس بـحيرة:
_ حاسس إني غلط في حقها لما سبتها تختار وتواجه لواحدها
أدارت وجهه لـتتلاقى نظراتهم وترى صدق حيرته وتشتته وتلك الغصة التي استمعتها بـصوته جعلتها تتألم ضعفه وتهمس بـتأكيد:
_ بنتنا قويه... عدت كتير وهتعدي وهتفضل بـقوتها، أنتَ مغلطش هي اختارت وإحنا هندعمها لآخر نفس فينا! بنتي مش ضعيفه يا بلال وهتقدر تكون سند جوزها وعكازه لحد ما يبقى أحسن ويبقى هو ضهرها اللي بتتحمى فيه، بيتك شبهك مش هتسمح لنفسها تضعف!!
حسناً هناك سحابة من الرخاء والسَكِينة أحاطت خافقه جعلته يمدد ذراعه لـيضمها لـصدره بـقوة وتلمع عيناه بـوميض العشق الذي سكنه منذ عقود وتمتم بـعشق:
_ طول عمرك بتقدري تخففي عني يا عفاف ولا مره قلبك ردني خايب.... ربنا يديمك نعمه وزرق ليا
ابتسمت بـخجل لم تتخلى عنه حتى الآن رغم شيبها وهمست بـتساؤل:
_ بس قولي إيه خلاك توافق على براء بالذات
اعتدل « بلال» بـجلسته وأسند ظهره على الفراش وأعطها بسمة رائعة وتحدث بـصدق:
_ حسيته! حسيت حياته واقفه عليها!! أنا شوفت بنتي لما جالها هنا وشوفته كان شكله ضايع، شوفت وجع بنتي وإزاي كانت بتحبه وهو كان سبب وجعها! بس لما شوفت كسرته وسمعت حكايته عذرته، براء بيحبها لا دا بيعشق التراب اللي بتمشي عليه، شوفت ضحكته وهو بيحكي عنها وفرحته لمجرد إني وافقت أسمعه!! حسيت ندمه في صوته ودموعه اللي كان بيخبيها، لما جالي بعد ما عرف بـمرضه خوفت! لو لقدر الله حصله حاجه ورده قلبها مش هيتحمل وجع فراقه بس افتكرت حب بنتك ليه... بنتي مبسوطه، مطمنه، سعيده ودا كفايه ليا....
همت أن ترد عليها ولكن صوت صغيرتها المرح جعلها تنهض مهرولة لها وتتلقاها بـشوق بين أحضانها وكأنها لم تراها منذ عقود!! ظلت محكمة عليها حتى هتفت « ورده» بـمرح:
_ هموت تحتك يا عفاف أنا لسه صغيره وعاوزه اتجوز الواد الغلبان دا
أخرجتها والدتها بـغيظ من بين أحضانها وسرعان ما شهقت بـحرج من تواجد «براء» المبتسم لهم ولم تتردد للحظة بـدعوته لأحضانها هو الآخر وأدمعت عينيها لـتمسكه القوي بها وأشارت لـفتاتها باالذهاب وتركهم!!
هرولت «ورده» لـوالدها المنتظر رؤيتها بـشوقٍ أخفاه بـقوة وتحدث بـقوة:
_ عامله قلق ليه يا بشكير الكلب
تجاهلت حديثه وصعدت ملتصقة به بـالفراش وسرعان ما ضمت جسدها له بـلهفة وشوق وهمست بـحب:
_ وحشتني يا بلال والله.... وحشت بشكير
ضمها والدها بـقوة لـصدره وابتسم بـحنان على صغيرته التي مهما نضجت ستظل تلجأ لأحضانه وتتمسح به كـهرة صغيرة وتحدث بـحيرة:
_ طمنيني عنك وعن جوزك بدأ علاجه ولا لا
ابتسمت بـرزانة تُحسد عليها واضعة رأسها على فخذيه وشردت بـعينيها لـنقطة بعيدة وهمست بـألم:
_ تعبان... تعبان وبيكابر... مش عاوز يضعف قدامي... كل يوم بيضعف زياده... أنا حاسه بيه وحاسه بـوجعه اللي بيحاول يخبيه عني
ربت والدها بـبسمة هادئة فوق حجابها وتحدث بـحكمة:
_ مفيش حاجه بتهزم قد المرض، بيذل صاحبه، جوزك مهما كان بيحبك ضعفه قدامك بيوجعه، مفيش راجل في الدنيا بيتحمل ضعفه قدام مراته ولا حبيبته وإن هي تكون عكازه ومفروض العكس!! الرجاله ليهم القوامه والقوه وربنا فضلهم بكدا، صعب جوزك أو أي راجل يتقبل إن فجأة بقى ضعيف وبيتألم بـشئ خارج إرادته! صعب يفهم إنه فجأة ممنوع يخرج! إنه محكوم وضعيف وزوجته هي اللي بتعيله!! خليكي جنبه متيأسيش! متمليش منه! طمنيه! متفارقيش قلبه يا ورده القلوب الصادقة بتوفي بـوعودها وقلبك زي الورود البيضة
أغمضت عينيها منصتة لـحديث والدها الذي أثلج قلبها وأخمد نيرانه الناشبة! هي لم تكن لـتتركه يوماً ولكنها تحتاج لـجرعة مُضاعفة من قوتها التي تحتاجها الفترة القادمة مع قُرب جلساته وتمكن المرض منه! وسط دوامة أفكارها أحست بـقبلة رطبة تُوضع جانب ثغرها تعرف فاعلها عن ظهر قلب، ابتسمت وقد تمكن منها النوم وذهب بـسبات عميق....
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
حزمت « هبه» حقائبها وكذلك شقيقتها رغم حزن قلبها لـمرافقته إلا أنها تفعل ذلك عن رغبة منها، لن تسمح لشيطانها بالعبث مجدداً، ستعتبرها فترة هدنة بسيطة بينهم لا مجال للقاء أو الحديث المُنفرد، ستعمل على غض بصرها والتحكم بـدقات قلبها المسكين الذي يضطرب لـمجرد عبور طيفه، تنهدت بـضيق ووقع نظرها على «رحمه» الصامته فـباغتتها بسؤالها المتردد:
_ رحمه أنتِ زعلانه إننا هنمشي؟
رفعت الصغيرة نظرها وتحدثت بـحكمة وكأنها عجوزٌ وليست طفلة!!:
_ لازم أزعل... ثائـر كان زي أخ كبير ليا وديما كان بيساعدنا ووقف جنبك وبعد فاضل عننا وكمان تيتا نجاة علطول بتساعدني أذاكر وبتحبني، يمكن أكون زعلانه بس أنتِ علمتيني لما أعرف غلطي أبعد عنه وأحاول اصلح من نفسي ومكررهوش تاني، عشان كدا هنرجع بيتنا صح؟
هزت «هبه» رأسها بـموافقة ولمعت عينيها بـالدموع فـكيف تُرزق بـشقيقة كـتلك بـقلبها الكبير وعقلها الواسع وقدرتها الهائلة على فهمها والشعور بها!! ابتسمت وسط دموعها وفتحت ذراعيها بـحب هاتفة:
_ تعالي...
دعوة صريحة للـصغيرة لـتلقي بـنفسها بين أحضان شقيقتها التي نعمت بـحضن والدتها لأعوام تتمسح بها لعله تستنشق عبير والدتها المتوفاة!! شددت كلتاهما على الأخرى وتساقطت دموعهم بـصمت قطعه طرق الباب فهمست « هبه»:
_ افتحي الباب على ما ألبس نقابي لو كان ثائـر مدخلهوش
أومأت الصغيرة بـحماس وأسرعت تفتح الباب لـتقع عينيها على « أثـير» المبتسمة وهتفت بـسعادة:
_ طنط أثير... وحشتيني
انحنت « أثـير» محتضنة الصغيرة بـحب وجذبتها من كفها للداخل هاتفة بـحنان:
_ وأنتِ يا قلب طنط أثـير... بس نكتفي بـ أثـير بس ماشي!
هزت «رحمه» رأسها بـموافقة وصاحت بصوتٍ وصل لشقيقتها:
_ دي أثـير يا هبه
خرجت «هبه» بـبسمة رائعة واقتربت محتضنة إياها بـقوة وهمست بأذنها بـحنان:
_ عامله إيه دلوقت
ابتسمت « أثـير» بـسخرية وجلست بـقلة حيلة وتبعتها «هبه» وتمتمت بـيأس:
_ عادي... بضحك.. بأكل... بلبس... عايشه اهو
أشفقت « هبه» عليها واقتربت مربتة فوق ذراعها وتمتمت بـصدق:
_ أثـير أنا هنا وقت ما تحتاجيني... في أي وقت هتلاقيني... صدقيني كله هيبقى بخير
تمنت من قلبها لو أن كل شيء سيكون بخير ولكنها موقنة بـعكس ذلك هي ببساطة لن تصلح للمزبد من المحاولات الكاذبه! ابتسمت بـتهكم وغمغمت بـقلة حيلة:
_ أتمنى أكون أنا بخير في يوم...
كادت أن ترد عليها ولكن صوت جلبة من الخارج ابتلعت كلتاهما لعابها بسببه فآخر مرة استمعا لمثل تلك الأصوات كانت الشرطه هنا لتعتقل «راكــان»!! نهضوا جميعاً والخوف يدب بـأواصلهم وما إن فتحوا الباب حتى شهقت كلتاهما بـعنف كاد يخدش جوفهم!! كيف لـتلك الماكرة أن تكون على قيد الحياة بينما «راكــان» متهم بـقتلها!!! لم تقل صدمة إحداهما إلا عندما صدح صوت « ثائـر» بـبرود:
_ زي ما قولتي قبل كدا يا ميار هانم.... لا ضغينه شخصيه...
أنهى حديثه بـغمزة ماكرة من عيناه الباردتين وهو يراقب نظرات «ميار» الحاقدة وتشنج جسدها بين يدي عناصر الشرطة التي كانت تعتقلها!! رحلت تلك الأفعى من بينهم ولكن نظراتها أخبرته بـالكثير!! أنه مازال خلفها الكثير من المؤامرات!! تنهد وهو يراقب نظرات الفتيات المصدومة بـمنظرهم المُضحك جعل ضحكته تصدح رغماً عنه بـقوة حتى أدمعت عيناه، التفتت الفتيات له بـنظرات غاضبة وغامضة بادلهم هو بأخرى هادئة وتحدث:
_ تعالوا هفهمكوا كل حاجه..
تبعوه بـصمت وعقل « أثـير» يعمل كـطاحونة قاسية والكثير من التساؤلات الغامضة تفتك بها !! تابعت بعينيها نظرات ذلك البارد الذي يدور حولهم ببسمته المستفزة ، يكفيها برود للآن... أخرجت شحنة توترها وغضبها بصوتها الحاد هاتفة :
_ ممكن تفهمنا إيه اللي حصل وإزاي وليه؟؟؟؟
جلس «ثائـر» أمامهم واكتسبت ملامحه برودة كالصقيع :
_ اللي حصل إن جوزك كان مغفل!! متستغربيش، مشى ورا رساله من رقم مجهول بعنوان وراح تحت مسمى إنه يعرف الحقيقه ويريح نفسه!! ولحسن الحظ إن نومي خفيف وكنت وراه لحد ما طلع شقة عرفت إنها لميار!! فضلت مراقبه ووصلت البيت قبله ومعرفتوش إني شوفت حاجه وبعدها حصل اللي شوفتوه، دورت الأيام اللي فاتت وراها وعرفت إنها كانت مسافره برا وإنها بتشتغل فتاة ليل
جحظت عيني الفتاتين واكتفوا بالصمت فتابع هو بهدوء :
_ عرفت إنها هتجيلي أول ما تعرف إني عرفت حقيقتها، الموضوع مكنش صعب أي جريمه ليها ثغره زي القضايا، وزي ما هي زورت موتها بالفلوس وفي جثه تانيه من المشرحه اللي ادفنت مكانها أنا قدرت أعرف كل دا بالفلوس ... مكنتش بروح لركان عشان عارف إنه متراقب زي ماانا متراقب بالظبط، كنت متوقع إنها هتيجي وجهزت لسمير كل الأدله اللي بتثبت إنها عايشه .... وأهمهم إن الشرطه كانت مرقباها لما وصلت هنا ...
لم تختفي صدمتهم ولو قليلاً بل زاد حقدهم على تلك الأفعى، كيف لـفتاة أن تخطط وتكذب وتلفق مثل تلك التهم!! كم كان عقلهم بل وقلبهم طاهراً ليستوعب مثل هذه الأمور!! ولكن ماذا إن رأوا قسوة العالم أجمع!! لم يروا ظلم النفوس وقتامة العقول وفساد الأرواح!!
بقت « أثير» على حالتها صامته وجهها شاحب عينيها تلمعان من كثرة دموعها التي تأبي السقوط روحها فاصت بها وغادرتها، هي ضعيفة بكل ما للكلمة من معانٍ ونتائج، لا تقدر على تحمل كل هذا النفاق!! ساذجة!! ولكن لما تفعل تلك المرأة هذا بهم!! أدارت وجهها بحمرته الشديدة ناحية « ثائـر» وهمست بـغضب وحقد:
_ وهي ليه بتعمل كل دا؟! ليه رجعت؟! ليه دمرت حياتي؟!!
عجز « ثائر» عن إجابتها هو بالفعل لن يجيبها وإنما اكتفى بـخفض عينيه عنها وتمتم بـتأثر لحالها:
_ إجابة السؤال دا عند راكــان لواحده
ضحكة متهكمة نجمت عنها ما لبثت أن تبعتها دموعها المتألمة وهمست بـحرقة:
_ مبقاش فيه راكــان من النهارده... مبقتش عاوزه اشوفوا... معرفش حد في حياتي بالاسم دا...
تركتهم بـصدمتهم وخرجت مسرعة ولم تتوقف دموعها، بينما وضعت « هبه» رأسها بين كفيها بـتعب وألم لحال تلك الفتاة التي ببعض الأيام أصبحت صديقتهم لأنها تماثلهم بتشوههم الداخلي!! هي أيضاً عاجزة مثلهم!! لمعت عينيها بـالدموع وهمست بنبرة متألمة متعبه:
_ ليه بيحصل فيها كدا! كل دا عشان حبت؟! كل دا عشان وثقت في راجل؟! عشان سلمت قلبها ومكنتش بنفس قذارته واتعاملت بطيبه وصدق! استغلها!! طب وكسرتها! بيحبها؟! طب ووجع قلبها اللي مفيش دوا هيقدر يدوايه ولا يهديه؟! وروحها؟!!!
ظلت تهرتل بـكلماتٍ غير مترابطة وعلى نحيبها بأنينه وتعبه بينما توقفت حروف « ثائر» بـجوفه رافضة الخروج تاركة لها مساحة كافيه من الضعف والانهزام الروحي لعل قلبها يهدأ ويعيد فرض حساباته!! فاق من شروده على صوت نشيجٍ عالٍ يأتي من الداخل! الصوت ليس لوالدته ولا لـ « رحمه» فهي بـجانب شقيقتها!! ضرب جبهته بـعنف عندما تذكر الصغير المُرتعب!! كيف لم ينتبه لـوجوده كل تلك المدة!! نهض باحثًا عنه بـقلق وليته لم يجده!! ليته!! وجده متكورًا على نفسه محتضنًا دفتره الأسود لـصدره ودموعه تهطل بـغزارة ألمت قلبه!! اقترب منه وجذبه بـلطف لـصدره ومسح على خصلاته الفحمية التي تشبه والده العاهر وهمس بـهدوء:
_ بتبكي ليه في حاجه تعباك؟! حد زعلك؟!
لم يتلقى إجابة من الصغير فـتنهد بـقلق وحمله للخارج، لم يكن جيداً بـأمور الأطفال، لم يحمل طفلاً قبل ذلك؟! لا يعلم كيف يطمأنهم ولا كيف يمرح معهم!! هو بـالكاد يخرج طاقته مع « رحمه»، راقت نظرات « هبه» المستفسرة وتوقفها عن البكاء عندما رأت الصغير بين يديه ببسمة راضية وتمتم بتوضيح :
_ دا حمزه ابن راكــان
لا تعلم لما للحظة انتابها النفور من ذلك الطفل! ولكنها ما لبثت أن عادت لـعقلها، كيف تعاقبه على خطأ ليس بيده؟! تنهدت بـعمق واقتربت من الصغير الباكي وهمست بـحنان:
_ مالك يا روحي...
رفع « حمزه» عينيه لأول مره لهم وكانت كـطعنة قاسية حُفر آثرها بـقلوبهم وهمس بـأنين مزقهم:
_ أنا مليش غيرها هم لي خدوها مني؟!
جملة كانت كافية بـحرق فؤاد المستمعين له حتى تتساقط دموعهم بـصمت، نبرته التي حملت الرجاء والألم واليأس أصابتهم بـمقتل!! خرجت « هبه» من صمتها بـبسمة مصطنعة وهمست بـمرح:
_ هترجع قريب بس ينفع نبقى أنا وأنتَ نبقى صحاب؟
رأت السعادة جلية بـعيناه والأمل الذي تدفق لـحواسه وسرعان ما ظهر التردد عليه وهتف بـتذبذب:
_ أكيد.... أنا مش عندي صحاب خالص
احتضنته « هبه» بـقوة تحت نظرات « ثائـر» الهائمة بها وبسمته السعيدة التي تزين محياه، رغم ما يجول بـخاطره من أمورٍ شنيعة يشعر بـقدومها إلا أن بسمتها التي لم يراها بسبب نقابها جعلته كـطيرٍ يغرد بين السحاب...
♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡♡
بـاليوم التالي وقف « ثائـر» أمام مركز الشرطه ينتظر خروج «راكــان» بـقلق، لقد أخبره «سمير» ليلة أمس بعد اعتقال « ميار» أنه سينهي الأمر اليوم ولكن لما كل ذلك التأخير!! نظر بـساعته بـضجر ثم رفع نظر لـتتقابل نظراته مع « راكــان» صديقه! وابن عمه! وأنيس دربه الوحيد! بدى كـعجوزٍ بـشيخوختها بـملابسه المتسخة ووجهه الممتعض وعيناه الذابلتين بـهالاتها السوداء! مع نمو لحيته لـيبدو كأحد زعماء المافيا بل وأسوأهم على الإطلاق!! وكأنه خرج للتو من قتالٍ دام لـسنوات!! اقترب منه بـلهفة وجذبه بـعناقٍ ساحق، ابتعد عنه لـثلاثة أيامٍ ربما!! تباً هو لن يتحمل بعده ولو ليومٍ واحد!! لم يتحرك جوف « راكــان» بـهمسة واحدة منذ خروجه حتى وصولهم للبيت وبقى على هيئته شارد الفكر، وصل أمام منزله وصعد بـتردد من القادم!! لم ينتبه لـتلك الواقفة تتابعه بـعينين دامعتين وقلبٍ فُطر من الألم والحُطام، حمدت ربها على غشاوة الدموع التي عبأت عينيها وجعلتها عاجزة عن رؤيته، لقد أتت صباحا بعدما أخبرها « ثائـر» بأنه سيخرج اليوم، لا تعلم لما أتت ولكنها عليها إنها كل شيئًا اليوم!!! استجمعت قوتها وجلست بـجانب كلاً من والدة «ثائـر» وحماتها راسمة بسمة مزيفة على ثغرها مُحيت عندما رأته بـهيئته المذرية أمامها، علت أنفاسها ورغم سرعتها إلا أنا عجزت عن مواكبة قوة خافقها، أغمضت عينيها بـتعب لتتهرب من نظراته المشتاقة لها حد النخاع!! فرت دمعة وحيدة من مقلتيها الغائمتين بـالحزن وهي تراه مُقبلاً عليها، تنهدت بـعمق وأزالت دموعها وهتفت بـقوة عندما شارف عليها:
_ بما إن الكل هنا ومفيش حاجه مستخبيه....
كورت قبضتها بـقوة حتى استشعرت بـسائلٍ ساخن بين أصابعها ولم تأبه للألم الذي خلفته أظافرها وهتفت بـقوة وكأنها تمتلك العالم بـأسرة وليست أنثى محطمة لأشلاءٍ:
_ أنا وراكـان هنتطلق....
لن يغضب بل لن يثور هو فقط يريد ضمها الآن! يريد النوم بين ذراعيها حتى تهدأ وتنتظم أنفاسه ويُسلب قوته! هل هذا جزاء شوقه ولهفته لها!؟ هل هذه ضريبة حبه اللانهائي لها؟! أهكذا تقابل عودته؟! لما ينكر هو كان يتوقع! كان يعلم أنها لن تصمد ولن تغفر له!؟...
ابتسم بـهدوء ولم تعبر ملامحه ولا على ذرة واحدة من مشاعره المختلطة وخرج صوته الغائب منذ فترة:
_ موافق يا أثـير هانــم.....