اخر الروايات

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل السابع عشر17 بقلم تسنيم المرشدي

رواية حرر هواك فالحب بات معلنا الفصل السابع عشر17 بقلم تسنيم المرشدي


«حرِر هَوَاك فَالحُب بَات مُعلنا»
«الفصل السابع عشر»

***
قام بشراء هديتها ثم خرج باحثاً عن تلك المشاغبة، لا يصدق أنها صمدت في الخارج دون أن تداهم المكان لتعلم ماهي هديتها.

كانت واقفة على بُعد مسافة قريبة من المكان، اقترب منها مشكلاً إبتسامة عذبة ثم هتف ممازحاً إياها:
_ مش مصدق بجد إنك سمعتي الكلام ووقفتي مكانك من غير ما تيجي ورايا!

قهقهت هي ثم رددت بحماس:
_ أصل أنا حابة أتفاجئ

بحثت بعينيها على تلك الهدية التي تنتظرها بفروغ صبر فلم تجد في يديه شيء، عادت إلى عينيه متسائلة بحنُق:
_ إيه دا فين الهدية؟

دس يده في جيب معطفه وأخرج منها قلادة بيضاوية بني اللون ذات طراز مميز للغاية، قام بفتحها فانقسمت إلى نصفين، طالعها وشرح لها تفاصيلها:
_ حطي هنا أي صورتين تحبيهم، وكمان ليها قفل صغير عشان لو مش حابة حد يفتحها غيرك

أبدت لينة سعادتها بالقلادة هاتفة:
_ واو، تعرف إني كنت بشوفها على طول في المسلسلات وكان نفسي في واحدة منها، بجد شكراً يا يوسف، أنت أحلى سوفي في الدنيا

كان يروق له تلقيبها على الرغم من أنه مائع قليلاً ولا يشبه شخصيته أو أسلوبه، غمز إليها هاتفاً وهو يشير نحوها بسبابته:
_ تقعدي على الكورنيش؟

رفعت هي الأخرى سبابتها ولمست إصبعه مجيبة إياه بحيوية:
_ وناكل آيس كريم؟!

ردد ما قالته بقبول:
_ وناكل آيس كريم..

سار سوياً حتى وصلا أمام البحر، قام يوسف بشراء المثلجات من البائع الذي يمر بعربته وجلس كليهما على المقاعد الخشبية المقابلة للبحر.

مدت لينة ملعقتها نحوه وقالت برجاء:
_ دوق التوت طعمه خطير

رفض يوسف تناوله معللاً أسبابه:
_ لا مش عايز مش بحب التوت

أصرت لينه على تناوله بقولها:
_ دا غير التوت اللي بناكله طعمه حلو أوي جربه مش هتندم

هز رأسه برفض تام:
_ لا يا لينة

مطت لينة شفتاها السفلى للخارج متصعنة الحزن وبنبرة مدللة توسلته:
_ عشاني..

دلالها كان له سطواً عليه، لا يستطيع الرفض أمامه، تنهد ثم تناول معلقتها بين أسنانه وتفاجئ بذك الطعم الشهي الذي مر من حلقه، استشفت لينة إعجابه بنهكة التوت وهتفت بمرح:
_ شوفت بقا إنه حلو

حرك الآخر رأسه باستنكار:
_ مش حلو

اتسعت مقلتيها وهي تطالعه بعدم تصديق فتابع هو:
_ هو حلو أوي

إزدادت ابتسامتها بهجة لرأيه، فكان يوسف سعيداً بإبتسامتها التي كان سبباً في رسمها، كانت تطالعه لينة بعينين عاشقتان، فانتبه لها يوسف وأراد مشاكتها فقال:
_ لا متفكريش إني هديكي من الآيس كريم بتاعي

انفجرت لينة ضاحكة وصاحت بإصرار:
_ طب والله لتأكلني، ها

ناولها يوسف خاصته مسترسلاً:
_ اتفضلي

رفضت أخذها موضحة ما تقصده:
_ لأ مش عايزاها، أنت هتأكلني زي ما أنا أكلتك

التفت يوسف برأسه متفحصاً المكان من خلفه فلم يجد مارة، عاد إليها ومد يده بملعقته فتناولتها هي بشهية، أعجبه منظر تناولها للمثلجات من يده فأعاد إعطائها ملعقة يليها الأخرى مستمتعاً بمشاهدتها.

"ربنا يخليكم لبعض يا بيه وتتجوزوا قريب، خد مني وردة عشان أروح"
ذعر يوسف حينما وقعت كلمات الفتى المراهق على أذنيه، رمقه بتوجس ثم عاتبه قائلاً:
_ أنت طلعت لنا منين، خضتني

ابتسم له الفتى فوجه يوسف أنظاره على الأزهار التي يغلفها بأوراق مبهجة وسأله بفضول:
_ أنت لسه هتبيع دول عشان تروح؟

أماء له الفتى فأكمل يوسف حديثه:
_ طب هاتهم وروح يلا

ابتهج الفتى حينما اشترى منه يوسف الأزهار المتبقية ثم ركض بعيداً عنهما والفرحة لا تسعه، بينما نظر يوسف إلى لينة التي أعجبت بموقفه الإنساني وهداها الأزهار هاتفاً بصوته الرخيم:
_ أحلى ورد لأحلى لينة

تناولتهم منه ثم شكرته بدلال:
_ تشكر إدريم

قهقه يوسف وسألها مازحاً:
_ ودي يترد عليها إزاي؟

فكرت لينة للحظات قبل أن تجيبه:
_ مش عارفة لسه متعلمتهاش

هز يوسف رأسه مستنكراً ما تقوله ثم وجه بصره على البحر، تقوس ثغره للجانب مشكلاً إبتسامة عذبة قبل أن يصرح بشعوره الآن وهو يفرك يده:
_ أنا اكتشفت إن أسعد وقت بقضيه بيكون معاكي!

تفاجئت لينه بتصريحه دون سابق انذار، رمقته بعينين لا تصدق أنه قال ذلك بالفعل، عاد يوسف ناظراً إليها واسترسل بصوته الأجش:
_ الشغل فيه ضغط، والبيت برده فيه ضغط ومسؤولية، ومهما ضحكت في الاتنين دول مش بيكون من قلبي زي ما بكون معاكي، بحس إني مش شايل أي هم رغم إنك مسئولية كبيرة أوي يا لينة!
كلمة أمانة صاحبي اللي سبهالي دي تخض أي حد وتخليه مرعوب طول الوقت أنه ممكن ميصونش الأمانة، بس أنا عمري ما شلت هم لأي مسؤولية تخصك، كل حاجة بتتعملك بكل حب ومن غير ضغط ومش بكون خايف ولا متردد، يارب أكون وفيت طول السنين وقدرت أسد كل احتياجاتك سواء المعنوية أو المادية

انتهى يوسف من حديثه فتفاجئ بعبراتها تنسدل بغزارة، فتسائل بريبة من أمرها:
_ أنا قولت حاجة زعلتك؟

مسحت لينة عبراتها سريعاً ثم نفت سؤاله:
_ لا لا أنا بس اتاثرت..

تابعت مسح عينيها فنهض يوسف عن المقعد وأردف:
_ طيب يلا عشان نروح

نهضت هي الأخرى وطالعت الطريق أمامها بتعب ثم صوبت بصرها نحو يوسف وقالت بإرهاق:
_ مش هقدر أرجع كل دا مشي

وافقها يوسف ما قالته:
_ ولا أنا، يلا نركب تاكسي

تقدما بالقرب من الطريق في انتظار مرور سيارة تاكسي، فتحت لينة حقيبتها وأخرجت منها القلادة تتفحص معالمها مرة أخرى، انتبهت على سؤال يوسف حينما قال:
_ ناوية تحطي صور مين فيها؟

مطت شفتاها للخارج وكذلك رفعت كتفيها للأعلى قبل أن تعطيه إجابة:
_ لسه مش عارفة..

بالطبع لن تخبره أنه من ستضع صورة له، ابتسمت في الخفاء ثم أعادتها في الحقيبة عندما قام يوسف بإيقاف إحدى السيارات، استقلت هي المقعد الخلفي بينما جلس يوسف بجانب السائق الذي أخبره بوجته فانطلق بهما حيث يريدان الذهاب.

عادا إلى المنزل بعد منتصف الليل، كان زياد جالساً في انتظار عودتهما، اقترب منهما وخصيصاً لينة ثم ناولها سوار يدوي يفصل بين حبات اللؤلؤ خاصته قطعة جلدية مدون عليها حروف إسمها.

ابتسم بحرج وهو يعطيها لها وأردف بنبرة مهزوزة:
_ كان فيه واحد بيبعهم على النيل فاشتريت لك واحدة بمناسبة النجاح وكدا

تناولته لينة منه وشكرته ممتنة:
_ شكراً يا زياد حلوة أوي

أخرجت القلادة الخاصة بيوسف لتريها إياه فأبدى زياد إعجابه بها لكن لم يخلوا حديثه من المشاكسة:
_ هي حلو بس هديتي أحلى

قهقه ثلاثتهم ثم لكزه يوسف في ذراعه بخفة، استأذنت منهما لينة وأسرعت نحو المرحاض تاركة حقيبتها على الطاولة، بينما غمز يوسف إلى أخيه مردداً بإعجاب لتصرفه:
_ لا بس حلو منك إنك بتفكر في حد غير نفسك

رمقه زياد بنظرات متهكمة ثم صاح بعجرفة:
_ أنتوا بس اللي مستقلين بيا

"ماشي يا واثق"
هتف بها يوسف ثم انصرف إلى غرفته فلم يعد ينجح في فتح عينيه، فالنعاس كان متملكاً منه، خرجت لينة وعادت إلى الطاولة ثم حملت حقيبتها وقلادة يوسف في يديها وتوجهت إلى غرفتها، لمح زياد سواره الذي أهداه إليها موضوعاً على الطاولة، حتماً نسيته، كاد أن يناديها لتأخذه أيضاً إلا أنه تراجع وفضل الإحتفاظ به ليرى إن كانت ستلاحظ اختفائه أم لا.

أمسك بالسوار وقبض عليه بغيظ وهو يتابع سيرها حتى اختفت خلف باب غرفتها، لماذا لم تنسى قلادة يوسف أيضاً؟!
أم أنه هو فقط من تتجاهله دوماً وعلى النقيض الآخر لا تتذكر سوى يوسف!!

ضاعف من قبضته على السوار ثم عاد إلى غرفته لينعم ببعض النوم حتى يرى إلى ماذا سينوى لتلك الفتاة التي تتعمد تجاهله طيلة الوقت.

في الصباح، جلس أربعتهم حول المائدة يتناولون الفطور التي أعدته لينة لكرتها الأولى، كان الطعام نفسه من تعده السيدة ميمي لكن بلمسات شابة فازادته شهية وطالبت به معدتهم.

أبدى يوسف إعجابه بطريقة التحضير قائلاً:
_ تسلم ايدك يا لي لي الأكل شكله يفتح النفس

عاتبته والدته مازحة:
_ قصدك إن أكلي كان يسد النفس يا سي يوسف؟!

أسرع يوسف في سحب كلماته وتوضيح ما يقصده:
_ لا أبدا يا أمي والله هو فيه أحلى من أكلك، أنا بشجع لينة وكمان طريقتها في الأطباق مختلفة وجديدة وعجبتني، تسلم ايديكم أنتوا الاتنين

ربتت ميمي على ذراعه بحنو وأردفت ممازحة:
_ أنا بهزر يا حبيبي، أنا أصلا عايزاها تبقى أحسن مني مليون مرة

مالت لينة الجالسة بجوارها برأسها على كتفها وهتفت ممتنة لها:
_ ربنا يخليكي ليا

مالت ميمي هي الأخرى برأسها ووضعتها على رأس لينة ورددت بحنو أمومي:
_ ويخليكم ليا يارب

كان الجميع في مزاج سوي دوناً عنه، لم يخفض نظريه عن لينة منذ جلوسهما على المائدة ذاتها، يطالعها ببغض شديد في انتظار أي علامة تدل على تذكرها لسواره التي نسيته البارحة.

لكنها لم تقل، حتماً لا تتذكره مطلقاً، أخرج تنيهدة قبل أن يردف سؤاله:
_ أنتِ مش ناسية حاجة يا لينة؟

عقدت ما بين حاجبيها بغرابة ثم فكرت قليلاً ولم تتذكر شيئاً قد أضاعته فأجابته بثقة:
_ لا مفيش..

أعطاها محاولة أخرى لربما تتذكر:
_ فكري كويس، حاجة نستيها كدا ولا كدا!

وزعت لينة أنظارها بين الجيمع وعقلها يفكر جيداً فيما يقصده زياد فلم تجد، تأففت بضيق وأبدت انزعاجها:
_ لا مش فاكرة إني نسيت حاجة..

رفع زياد يده لأعلى ظاهراً ذاك السوار، فشعرت لينة بالخجل حياله وهتفت معتذرة:
_ أنا نسيته خالص، كويس إنه معاك عشان ميضيعش كنت هزعل أوي

ببرودٍ هدر:
_ لا ماهو واضح

نهض عن كرسيه فأثار الغرابة في أعين الجالسين من أسلوبه المريب، أوقفه يوسف بقوله:
_ استنى يا زياد..

توقف زياد وطالع أخاه في انتظار ما سيقوله فتابع يوسف بجدية:
_ ناوي تقدم في الجيش امتى؟ أنا سايبك بقالك أكتر من شهر ونص بتلعب وتسهر ومتكلمتش، مش آن أوان الجيش بقى؟!

نفخ زياد بنفاذ صبر فلقد بلغ ذروة تحمله من فرد سيطرته عليه، صاح هاتفاً بعدم قبول لطريقته تلك:
وأنت مالك بيا يا يوسف، أقدم في الجيش ولا لأ، آن أوانه ولا لأ كل دول يخصوني أنا مش أنت!!

تدخلت السيدة ميمي محاولة إيقاف سخافة زياد:
_ زياد أنت إزاي بتتكلم مع أخوك بالطريقة دي، احترم نفسك

لم يكترث لها زياد بل تابع هتافه بتجهم تحت نظرات يوسف المذهولة من ردوده وفظاظة أسلوبه:
_ تعليم وأجبرتني أدخل معهد، خلصت وقولت أشم نفسي لا إزاي، لازم زياد يتجبر في حاجة تانية، ندخله جيش يلبس فيه سنتين ونخلص من قرفه وبعد ما يخلصه هيطلع لنا حاجات تانية نجبره عليها برده

اقترب زياد من أخيه وعيناه ينطق منهما الشر فتحركت السيدة ميمي هي أيضاً خشية أن يتطاول أحدهما على الآخر بينما أخرج زياد ما تبقى في جوفه من بين أسنانه المتلاحمة:
_ فكك مني يا يوسف، أنا مش هعمل أي حاجة تاني أنا مش عايزها، مش هسمح لك تجبرني على حاجة تانية خلاص

تراجع زياد واختلس نظرة على لينة الواقفة خلف الطاولة ثم ألقى آخر مالديه بسخرية:
_ أنا مش عارف إزاي لغاية الوقتي أنت فاكرني أصلا!!

أولاه ظهره وغادر من المنزل، لم يعقب يوسف ولم يعطي ردة فعل، قلقت والدته بشأن صمته المريب، وقفت مقابله محاولة تبرير تصرفات زياد:
_ متاخدش على كلام أخوك يا يوسف، هو واضح إنه مضايق من حاجة من وقت ما صحى وجت فيك أنت، متزعلش منه الوقتي يهدى ويجي يراضيك

تحرك بؤبؤتي يوسف نحوها وقال بهدوء:
_ ابنك عنده حق يا أمي..

استنكرت ميمي ردة فعل يوسف وعاتبته بضيق:
_ عنده حق إزاي يعني؟ أنت بتعمل كل دا ليه؟ مش عشان مصلحته؟ هو غلطان وملوش حق يقول كدا ولما يرجع أنا هـ..

قاطعها يوسف بقوله:
_ متعمليش حاجة يا أمي، سبيه يعمل اللي هو عايزه

تركها يوسف وغادر دون إضافة المزيد بينما صوبت ميمي نظرها نحو لينه وتسائلت بحيرة:
_ معناه إيه الكلام دا؟

اقتربت لينة بخطوات سريعة متفهمة ردة فعل يوسف:
_ أنا فاهمة كويس وجهة نظر يوسف

تسائلت الأخرى بفضول مختلط بالقلق:
_ فهميني طلاما أنتِ فاهمة

ربتت لينة على ظهر ميمي وطالعت الباب حيث اختفى يوسف خلفه وهتفت موضحة تصرفه المبهم:
_ يوسف هيسيبه يعمل اللي هو عايزه عشان يعرف إن كل اللي يوسف عمله كان لمصلحته

نفخت ميمي بضجر وقلق أمومي ثم هتفت بقلب حزين:
استغفر الله العظيم يارب، ربنا يهديك يا زياد

***

مر يومان وقد حان موعد الزفاف، يقف بلال أمام الباب يعد الثوانٍ لكي يرى عروسه في ثوب زفافها الأبيض، حتماً هي من ستزيده بهجة وجمالاً.

فُتح الباب واستقبلته لينة التي شكلت حاجزاً أمامه مانعة إياه من المرور، عبس بلال وهتف بحنق زائف:
_ عايز أدخل على فكرة؟!

شاكسته لينة بمرح:
_ حضرتك مين أصلاً عشان تدخل جوا

قلب بلال عينيه بتهكم وقال:
_ والله مش عارف إيه اللي يخلي يوسف يخليكي المرافق ليها، هي ناقصة شغل عيال؟!

اتسعت عيناي لينة وأشارت على نفسها ثم رددت بذهول:
_ أنا عيلة!!

عاد بلال برأسه هاتفاً بنبرة مرتفعة:
_ يـــاااا يوسف..

قهقت لينة بينما حضرت السيدة ميمي من خلفها وقامت بسحب لينة من أمام الباب واعتذرت من بلال بلطف:
_ معلش يا عريس، شغل عيال زي ما قولت

أظهرت لينة رأسها من خلف ميمي التي تمنعها من تخطيها وصاحت مستاءة:
_ برده عيال!

التفتت نحوها وغمزت إليها لكي تكف عن المشاكسة قبل أن تردف ممازحة:
_ يابت بس بقا جايلك يوم

أخرجت لينة تنهيدة حارة داعية ربها بأن يعجل ذلك اليوم بينما وقفت ميمي بجوار هادية وانضمت إليهن لينة ووقفت تتابع لحظة رؤية بلال لعروسه التي كانت تقف وتوليه ظهرها.

كان الحماس يسيطر على بلال، لم يعد يطيق الانتظار، فقط يريد رؤيتها بفروغ صبر، أخذ شهيقاً عميق ثم دار حول فستانها البسيط ووقف مقابلها.

كانت إيمان خافضة رأسها بحياء شديد، اقترب منها بلال ورفع وجهها بإصبعه، فتشكلت الإبتسامة على محياه تلقائياً فور رؤيته لملامحها الهادئة، وما زاد إعجابه بها تلك اللمسات الرقيقة التي وضعتها من المساحيق التجميلية.

كاد أن يطبع قُبلة على جبينها إلا أن لينة تدخلت قائلة:
_ كتب الكتاب لسه متكتبش يا عريس

تراجع بلال عما كان ينوي فعله، رمقها بغيظ شديد فهي قطعت عليه أهم لحظة كان سيعيشها مع حبيبته.

بادلته لينة ضحكات أثارت استفزازه، بينما عاد بلال إلى إيمان الهادئة ومد لها يده، فنظرت هي إلى يده وعقلها لا يستوعب أنها ستكون زوجته بعد دقائق قليلة، كيف سيحدث ذلك؟
أين العقبة التي آمنت بها طيلة الأيام الماضية؟!
كيف ستسير معه يداً بيد وتشاركه عدة ساعات تحت مسمى يوم زفافهما!

لم يكن أمامها سوى الرضوخ فكيف سترفضه الآن؟ كيف تخبره أنها تريد الهروب مما هي مقبلة عليه؟
سعادته الواضحة بها لا تزيدها سوى ألماً..

مدت يدها وشعرت بنعومة يده التي عانقت يدها وأغلقت عليها، سارا بجوار بعضهما البعض وخرج من الغرفة، تبعتهم هادية برفقة ميمي بينما انتظرت لينة قليلاً لتتفحص زينتها قبل المغادرة.

خرجت من الغرفة بخطوات مهرولة لكي تلحق بهم
فتفاجئت بيوسف أمامها، تفقدها جيداً بنظراته فلم يعجبه كثرة مساحيقها التي وضعتها وزادتها جرأة.
أمسك بيدها وعاد بها إلى الداخل، ثم هتف بنبرة لا تحتمل النقاش:
_ هاتي منديل بسرعة

أردفت سؤالها بفضول:
_ ليه؟

لم يجيبها بل بحث عن المناديل الورقية بنفسه، ركضت خلفه في محاولة منها على فهم ماذا يفعل لكنه لا يعطيها إجابة صريحة، التقط علبة المناديل المبللة ثم جذبها من يدها مقرباً إياها نحوه وبدأ في مسح وجهها بخفة.

شهقت لينة من خلف تصرفه وحاولت التملص من بين يديه لكن أبى وصاح بجدية:
_ اهدي ومتتحركيش عشان متبوظيش وشك

لم تكف عن التذمر وضربته في صدره مرددة بحنق:
_ بس يا يوسف أنت بتعمل إيه، أبعد المنديل دا عني

لم يستطيع يوسف السيطرة عليها بسبب فركها المستمرة، فاضطر إلى محاوطة خصرها وجذبها نحوه حتى باتت ملاصقة لصدره، كادت لينة تقع بسبب محاولاتها للإبتعاد عنه فلم يكن أمامها سوى التمسك بقيمصه من الخلف حتى توازن جسدها.

الوضع بدى حميمياً للغاية، فمن يراهم من بعيد يظن أنهما حبيبين يتبادلان العناق، استكمل يوسف مسحه على شفتيها ليخفف من لونهما الفاقع، بادلته الأخرى نظرات بعينيها اللامعة، لا تصدق وضعهما ذاك، أنتبه يوسف عليها واستشعر قربها المبالغ.

بالله ماذا يفعل؟ أهو حقاً يلمس شفتيها؟!
ظل يطالعها وشعوراً غريب قد راوده حينها، خفق قلبه بشدة، لم يعد يستطيع الصمود أمام نظراتها تلك، أخفض يده عنها فأزاحت لينة يديها بعيداً عنه.

أخفضت بصرها في حياء شديد، كما تلونت وجنتيها بالحُمرة الصريحة من شدة خجلها، استدارت بجسدها وتوجهت نحو المرآة لتتفقد ما تسبب به بينما زفر هو أنفاسه التي حشرها داخله وابتلع ريقه لعله ينجح في استعادة رشده.

تنهد ثم هتف مبرراً عندما استشف تذمرها من خلال المرآة:
_ أصلك كنتي حلوة أوي ومش عايز حد يبص لك!!

فغرت فاها مذهولة مما صغت إليه أذنيها للتو، رآها يوسف فابتسم تلقائياً لرؤية ردة فعلها تلك، اقترب منها لكنه توقف حينما سمع طرقات أحدهم على الباب.

التفت برأسه يميناً حيث يقطن الباب فإذا بها شهد تقف أمامه، لم يكمل يوسف سيره بل عكس مسار ذهابه وقبل أن يغادر وجه حديثه لمشاكسته:
_ هستناكي برا

تابع خروجه من الغرفة بينما دلفت الآخرى والذهول مشكلاً على تقاسيمها، وقفت خلف لينة وطالعت صورتها المنعكسة قبل أن تهتف بصدمة:
_ هو إيه اللي أنا شوفته دا؟

التفتت إليها لينة متسائلة بغرابة:
_ شوفتي إيه؟

أخبرتها شهد بما شاهدته بأم عينيها لكي تغلق عليها باب الهروب أو الإنكار:
_ أنا طلعت أشوفك اتاخرتي ليه، لقيتك في حضنه!!

تقوس ثغر لينة للجانب مشكلة إبتسامة خجولة، عضت على شفتيها بحياء ثم أردفت بخفوت:
_ الموضوع مش زي ما أنتِ فاهمة

رفعت شهد حاجبيها لا تصدق ابتسامتها الخبيثة، ثم قلدت نبرتها المائعة:
_ أومال إزاي؟

ازدادت نبرة لينة حماس وحيوية ثم بدأت تقص لها ما يحدث لهما تلك الأيام:
_ أنا ويوسف علاقتنا بقت قريبة أوي

لم تتفاجئ شهد فهي على علم بذلك، تنهدت قبل تهتف بملل:
_ وإيه الجديد ما طول الوقت علاقتكم قريبة

حاولت لينة التوضيح عما تشعر به:
_ لا لا قُرب تاني، قُرب مختلف عن الأول، يعني مثلاً طول ماهو في الشغل بقا بيكلمني كتير أوي

ازدادت تلهفاً لإخبارها المزيد كما تحدثت بحماسة زائدة:
_ حتى مرة كنت ناوية أقص شعري لأن طوله مضايقني أعترض وأخد مني المقص وفضل بعدها بفترة يأكد عليا مقصوش، مش فاهمة ليه لغاية الوقتي بس الموضوع غريب!

أخرجت تنهيدة حارة قبل أن تتابع:
_ يوم ما نتيجتي ظهرت وخرجنا أكلني الآيس كريم بإيده وقالي كمان إنه بيحس إنه سعيد لما بيتكلم معايا ومش بيكون مضغوط ولا شايل هم

رفعت كتفيها ولازالت الإبتسامة تغزو شفتيها وهي تتذكر ما حدث منذ دقائق وأخبرتها به أيضاً:
_ يعني اللي حصل الوقتي دا مش زي ما فهمتي خالص بس هو الوضع نفسه كان غريب، أول ما شافني مسك أيدي ودخل الأوضة ودور على مناديل عشان يمسح لي الميك اب، طبعاً رفضت وحاولت أبعد عنه وعشان يجبرني أقف لف ايدي عليا وشدني لعنده وأنا عشان مقعش لأني كنت بعافر إني أبعد مسكت في قميصه بس بعدها قلبي دق جامد، وبصت له وأنا مش مستوعبة إني يعتبر في حضنه

أخفضت بصرها وتابعت بخجل انعكس على وجهها التي تحول لونه إلى الإحمرار:
_ ولقيته هو كمان بيبص لي ونفسه كان عالي أوي، كنت حاسة بحاجة غريبة في نظراته محستهاش ومشوفتهاش قبل كدا!!

كانت تصغي إليها الأخرى بذهول شديد يزداد كلما أخبرتها المزيد، هللت شهد فور انتهاء لينة من الحديث معاتبة إياها:
_ كل دا يحصل ومتحيكليش؟!

بررت لينة موقفها:
_ ما أنا مكنتش فاهمة إيه اللي بيحصل دا، أنا حتي ساعات بحس إنه هو بدأ يحبني زي ما بحبه!

بادلتها شهد إبتسامة ثم تسائلت بفضول:
_ طيب هتتأكدي إزاي من إحساسك دا؟

اتسع ثغر لينة ببسمة عريضة ثم أردفت بتعالي:
_ عندي خطة ناوية أعملها وهي اللي هتعرفني إن كان بيحبني ولا لأ!!

"خطة إيه؟"
سألتها شهد بفضول لكن ولوج يوسف قد قطع عليهم مواصلة حديثهم حيث قال:
_ مش يلا عشان إحنا متأخرين؟

أماءت له لينة بقبول ثم حاوطت ذراع صديقتها وخرجن سوياً، بينما تقدم يوسف عنهن وذهب إلى مكان التصوير الخاص بالفندق.

بعد مرور بعض الوقت، كان الجميع يلاحظ تجهم وجه إيمان، عابسة طيلة فترة التصوير لا تبتسم قط، حتى وإن كانت إبتسامة زائفة، على عكس بلال الذي كان يملئ المكان بهجة بمرحه ناهيك عن ابتسامته الصادقة التي لم تختفي من على شفتيه.

كان يوسف يشعر بالغضب يتأجج داخله كلما رأى عبوس إيمان، يطالع صديقه بإيلام شديد، بالله كيف يكون اليوم زفافهما وهي بتلك الحالة؟!

أيضاً يشعر بالآسى حياله، هو متأكد أنه لن يجد السعادة التي تمناها بأي شكل على الأقل تلك الفترة، فهذا ما استشفه من تعابير ابنة خاله.

عاد إليه شعور الغضب كلما تذكر تنبيهاته التي لم يصغي إليها بلال، ألا يرى ما الحالة الذي أوقع نفسه بها؟!.

أنتبه لسؤال لينة التي أخرجته من شروده:
_ هي إيمان عاملة كدا ليه، حساها تايهة!!

نفخ يوسف بضجر بائن وهتف مستاءً وهو يطالع بلال بشفقة على ماهو مقبل عليه:
_ الله يكون في عونك يا بلال

استنكرت لينة تحيذه لصديقه وعارضته بحدة:
_ وليه متقولش الله يكون في عونها هي؟
على الأقل صاحبك عمل اللي عايزه إنما هي محدش فكر فيها، يا ترى شعورها إيه الوقتي وهي مع واحد مش بتحبه وخلاص معتش ينفع لا رفض ولا هروب؟

رمقها يوسف بنظرات مشتعلة لا يقبل أن تلقي اللوم على صديقه وعارضها بأسبابه:
_ كان قدامها الفترة اللي فاتت كلها تقدر تقول لأ طلاما هو مش عاجبها ومش بتحبه أو حتى كانت اعترضت على المدة البسيطة دي وقالت محتاجة وقت أطول ناخد على بعض فيه، بس هي مقالتش ومعترضتش يبقى اللوم عليها هي مش عليه، هو يتلام إزاي؟

صوب أنظاره نحو صديقه وتابع بآسى:
_ بصي عليه كدا، شايفة فرحته!! أنا زعلان عليه أوي،
هو مبسوط أنه قدر يحقق حلمه وياخد اللي بيحبها بس ميعرفش اللي هيقابله أول ما يتقفل عليهم باب، أنا زعلان عشان صاحبي وبرده متعصب بسبب غبائه اللي هيوصله لنقطة تزعله!!

لم تعقب لينة باعتراض تلك المرة، فما قاله صحيحاً، تنهدت ثم دعت لهما بحب:
_ ربنا يكتب لهم السعادة يارب

عادت ببصرها إلى يوسف وسألته باستفسار ممزوج بالفضول:
_ هو أنت ليه طول الوقت أخد موقف من إيمان رغم إنها بنت خالك يعني والمفروض تعاملكم مع ميكنش كدا حتى لو مفيش حب بس يبقى فيه ود واحترام وصلة رحم

أبدى يوسف انزعاجه من سيرتها التي تزعجه فور ذكرها ثم بدأ يقص عليها سبب أسلوبه الفظ الدائم معها:
_ إيمان من يوم ما اتولدت وهي مفروضة عليا، بالإجبار كدا، كنت طفل صغير عندي ٣ سنين وكانوا بيقعدوني بيها عشان أحبها ولما أكبر اتجوزها متخيلة أنا في الحوارات دي ومن أنا طفل؟ مسابوش طفولتي في حالها زي أي طفل، خد إيمان معاك، هات إيمان ودي إيمان، إيمان هتبات عندكم إيمان بتحب تلعب معاك إيمان جيبالك الهدية دي، كانوا بيفرضوها عليا طول الوقت لغاية ما كرهتها لأني زي أي طفل طبيعي هيكون عايز يلعب مع صحابه أو حتى يقعد لوحده يتفرج على كرتون، لكن دي كنت بشوفها في كل مكان كانت محاوطاني زي عفريت العلبة كدا فطلعت زي ما أنتِ شايفة كدا أطيق العمى ولا أطيقها

قهقهت لينة عالياً ثم هتفت ساخرة من بين ضحكتها:
_ يا حرام دا أنت كانت طفولتك بائسة

حرك يوسف رأسه يميناً ويساراً مستنكرا ما عاشه في الماضي وشاركها السخرية:
_ شوفتي بؤس أكتر من كدا

نفت بحركة من رأسها وقالت:
_ بصراحة لأ

انتهت فقرة التصوير ثم ذهب الجميع إلى القاعة وبدأ حفل الزفاف كما هو مرتب له، كانت إيمان رافضة مشاركة أي رقصة مع أصدقائها والعائلة، لم تبرح مكانها بينما لم يكف بلال عن الرقص بسعادة ظاهرة للآخرين.

انتهى الحفل سريعاً على الجميع إلا من إيمان، كان الوقت يمر عليها بثقل شديد وكأن اليوم لا آخر له، استقل الجميع سيارتهم وذهبوا خلف سيارة العروسين ليقوموا بتوصليهم إلى عش الزوجية الجديد.

***

أوصد الباب بعد ولوجهما، أخرج زفيراً عميق ثم استدار بجسده إليها، لا يصدق أنها بالفعل باتت في منزله، وهو بنفسه قد أغلق باب عُشهم الجديد الذي سيشهد لحظات ثمينة من الرومانسية وكوميدية وغيرهما.

ابتلع ريقه واقترب بخطاه منها، فكانت هي واقفة منكسة الرأس لا تجرأ على رفع بصرها من فرط حيائها ناهيك عن عدم تصديقها لتلك النهاية الغير مرضية بالنسبة لها.

ليس عادلاً أبداً وجودها هنا، في بيت لا تنتمي إليه، بجانب رجل لا تشعر بذرة مشاعر نحوه؟
نهاية ليست عادلة بالمرة فهو رتب لها منذ زمنٍ وكانت هي أكبر أمانيه وها هو اليوم قد نجح في تحقيقها، لكن ماذا عنها؟
أين أمنيتها لطالما لم تتمنى سواها؟
أين نهاية الأحلام والأماني التي نراها في الأفلام والروايات؟
كيف ستتقبله زوجاً لها وهي لا تستطيع حتى النظر في عينيه، هي بحاجة ملحة إلى البكاء ليس فقط على اللبن المسكوب بل على الإناء الذي تحطم أيضاً.

أخرجها من حبال أفكارها النادمة بصوته الناعم:
_ إيمان أنا عارف إن كل حاجة جت بسرعة، بس أنا عايزك تعرفي إنك مش هتندمي لحظة على السرعة دي، أنا مش حابب أمجد في نفسي وأقولك إني هخليكي أسعد واحدة في الدنيا بس هسيبك تشوفي بنفسك

تناول يديها التي ترتجف بشدة وتابع بنبرة حنونة:
_ أنا بس طالب منك تديني فرصة، فرصة أقدر أثبت لك فيها إني بحبك، ياريت نبدأ حياتنا وإحنا راضيين عن قرارانا حتى لو مكنش دا اللي اتمنيته..

رفعت إيمان نظريها عليه متعجبة من آخر كلماته، فشكل بلال ابتسامة وأوضح ما يقصده:
_ أنتِ طول الوقت ساكتة ومقولتيش رأيك في ولا حاجة من اللي اختارتها رغم إني كنت حريص جداً في اختياري أنه يعجبك
اللحظة دي ياما حلمت بيها، وياما رسمت لها مواقف وردود كتيرة، بس كنت برسمها وأنتِ بتشاركيني الكلام مش واقفة ساكتة، بس أنا هعذرك وأقول لسه متعرفنيش، بس ياريت مرحلة الكسوف دي تنتهي بسرعة لأن مهما كان فهي تضايق عشان أنا في الآخر بقيت جوزك مش لسه خطيبك!

رفع راحتى يدها ووزع قبلاته عليهما، ثم اقترب منها وطبع قبلة حارة على جبينها، احتضن يدها الصغيرة وأردف:
_ تعالي، غيري الفستان

لم تعطيه رد بل سارت بجواره بهدوء، وكلماته تتردد في عقله، حقاً تريد إعطائه فرصة لكن كيف، لا تعلم بداية الطريق لتلك الفرصة، حسناً الآن عليها تبديل ذلك الفستان الثقيل ثم تفكر جيداً فيما ستفعله لاحقاً.

توقفت قدميها أمام الباب ونظرت إليه في حياء منعكس على وجهها وهمست بخفوت:
_ أنا هدخل لوحدي..

تقبل بلال طلبها بصدر رحب ثم فتح لها باب الغرفة مردداً:
_ لو احتجتي حاجة نادي عليا..

اكتفت بإيماءة من رأسها ثم دلفت للغرفة وأغلقت بابها، لم تكتفي بذلك بل أوصدته من الداخل لكي تمنع أي محاولة اقتحام منه.

لن ينكر بلال أن الأمر أزعجه قليلاً لكن عليه الصبر، وضع بعض الأسباب لتصرفها لكي يهدأ من انزعاجه بالأمر، توجه إلى المرحاض الخارجي ولحسن الحظ كان لديه بيجامة معلقة خلف الباب، بدأ في خلع حلته وارتداء بيجامته الحمراء من قماش الستان الناعم.

وقف أمام المرآة بيضاوي الشكل أعلى الحوض يتفحص خصلات شعره وكذلك ذقته لربما لا تكن مرتبه، وضع من عطره الموضوع في الخزانة التي تتوسط الحائط، ثم خرج من المرحاض مختلساً نظرة على باب غرفتهما فلم تنتهي بعد.

توجه إلى الردهة وأمام السفرة يشم رائحة الطعام الذكية، بدأ يفتح العلب وطالع الطعام بشهية، التفت برأسه ناظراً إلى باب الغرفة الذي لا يصدر منها أي صوت.

تنهد بنفاذ صبر ثم توجه إلى الأريكة واستلقى أعلاها لحين ظهور حوريته.

في الغرفة، وخصيصاً في المرحاض الداخلي، تجلس هي تبكي في زاوية، لا تستطيع فعلها، حقاً ليس لديها القدرة على الخروج ومسايرة الأحداث كما فعلت في الأيام الماضية، الأمر بات جدياً للغاية.

لقِفت هاتفها وكادت أن تهاتف والدتها إلا أنها تراجعت فهي ستخبرها بأن تعطيه فرصة، في النهاية لن تنقذها من ذاك المأزق التي وقعت فيه.

والآن ليس أمامها سوى مجراة تلك الليلة، تمر بما هو مقدر لها، اقتربت من ذاك الفستان الأبيض المطرز بالدانتيل في أطرافه وقامت بإرتدائه ووضعت الروب أعلاه خافية معالم جسدها بالكامل.

غسلت وجهها مراراً لكي تخفف عنه ذاك اللون الوردي إثر بكائها ومن ثم حررت خصلاتها وخرجت إلى الغرفة، وقفت أمام المرآة تتفحص مظهرها جيداً قبل ظهورها أمامه.

كيف ستقف أمامه هكذا حباً في الله؟!
شهيقاً وزفيراً فعلت طاردة أفكارها التي تزيد من حسرتها ثم خرجت من الغرفة وقدميها ملتصقان ببعضهما، تشعر بالخجل الشديد لطلتها هذه التي سيراها رجلاً للمرة الأولى، لكن ما باليد حيلة ليس هناك ما يمكنها فعله.

كان يتنقل بلال بين القنوات في التلفاز في انتظارها، أنتبه لطلتها التي خفق لها قلبه، آكلها بنظراتها التي لم ترفع قط من عليها، يتفحص كل أنش بها باهتمام وسعادة بالغة.

بداية من ذاك الشعر القصير، إلى ثيابها المحررة التي يراها عليها لمرته الأولى، ناهيك عن ساقيها التي تفركهم بارتباك حرج.

نهض وتوجه نحوها فازداد تسارع نبضاتها ناهيك عن وتيرة أنفاسها التي ارتفعت حتى شعرت لوهلة أنها تكاد تختنق كلما اقترب بخطاه أكثر.

وقف أمامها وابتسامته لم تختفي من على شفتيه، أعاد خصلاتها الشاردة خلف أذنها مردداً بخفوت:
_ مكنتش أعرف إنك قمر كدا!

سرت رجفة شديدة في أوصالها إثر كلمات الغزل خاصته، فلم تحظى بهم من قبل، تفاجئت إيمان بقدميها التي حلقت في الهواء إثر حمله لها بين ذارعيه، أسرعت في إعادة وضع روبها على جسدها مرة أخرى بعدما حلق معها من خلف تصرفه المفاجئ.

توجه بها بلال نحو غرفته متجاهلاً الأطعمة التي كانت تزقزق لها عصافير بطنه منذ قليل، فلقد ذهب عقله تماماً، وضعها على طرف الفراش ثم جلس بجوارها، كانت هادئة تماماً لكنها كانت حريصة بألا يظهر منها جزءاً أكثر من الذي سمحت له بالظهور.

مرر بلال إصبعه على طول ذراعها فقشعر بدنها إثر فعلته، أوصدت عينيها حينما فشلت في النظر في عينيه، مال هو على رقبتها مخرجاً بعض الأنفاس الحارة وهو يشم رائحتها العطرية الذكية.

اقترب من شفتيها ثم طبع قُبلة عليها وهمس بنبرة متحشرجة:
_ بحبك..

شعر برجفة جسدها التي تزداد فعاد يقبل ثغرها، بينما شعرت هي بارتخاء عضلات جسدها فخرجت بعض الحروف منها دون وعي:
_ يـ و س ـف

توقف بلال عما كان يفعله، عاد برأسه للخلف ناظراً إلى عينيها، بالتأكيد ما وقع على أذنيه ماهو إلا من محض خياله، أو ربما كان ذلك من همسات الشيطان، تجمدت تعابيره وارتفعت وتيرة أنفاسه وهو يردد:
_ يوسف! أنتِ قولتي يوسف!


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close