رواية شظايا الكلمات الفصل الخامس عشر15 بقلم جهاد وجيه
شظايا الكلمات
الفصل الخامس عشر
اتساع وخزات الألم مؤشر جيد لتباين جمود الفؤاد
احتمالية نجاح العلاقات مرتبطة بنسبة مئوية يضعها الطرفين بـالمثابرة والإيثار كلاهما يتحتم عليهم ربط حِزام الأمان للإقلاع لأرضٍ عامرة بالتغيرات الفسيولوجية والنفسية والدنيوية!! ليس من السهل تقديم الحب بإفراط ومعه إيصالٍ أبدي لـضمان الوجود!! يتنحى العقل بـتلك المعركة المحسومة ليتخذ وضع المُراقب! لحين سقوط ثبات الفؤاد وإعلانه التخفي الكامل ليستلم اللُب الوِجهة لانتزاع الألم وهدم أسوار الحزن والشوق!!
بـمركز الشرطة وقفت «أثـير» بـخوف وألم يمزق أحشاءها تبكي هلعًا مما قد يصيبه، مضت ساعة وهي على سجيتها تنتظر خروجه، لازالت لم تستوعب لما أُخذَ بتلك التهمة وكيف وهو لم يتثنى له الخروج من البيت كما أخبرها «ثائـر»!! دفنت وجهها الساخن بين كفيها المرتجفين وتوالت دموعها الملتهبة تحرقها من الداخل، لم تقدر «هبه» على القدوم لمرضها وكل من بقى معها الآن هو «ثائـر»!! كيف تتساقط عليها كل تلك اللعنات من بداية زواجها الذي لم يَدُم لأيامٍ قليلة وجاءت غريبة وانتزعت فرحتها منها ولم تبالي بالفجوة التي أحدثتها بـفؤادها حتى أضحى منقلبًا عليها وتزداد وتيرة آلالامه!! ترغب بضمة واحدة من جدها أو ربما والدها ولا بأس ببسمة والدتها الحنونة ولكن بأي محيا ستواجههم!! كيف ستخبرهم بتلك المصائب التي تُصب فوق عقلها بلا تأني!! خطة زوجها المزعوم سعادته كانت فاشلة ورُسمت بقلمٍ رصاص سهل المحو ولم تصمد فهي بالكاد تتشبث بالبقاء!! انتبهت لـخروج «راكــان» مُكبل الرسغين مُكفر الوجه وعلامات الغضب ترتسم باحترافية على محياه ولكنها لم تُخفي ألم قزحيتيه الراجيتين، هرولت إليه ودموعها لم تتوقف وهتفت بغضب مشيرة ليديه:
_ راكــان في إيه وواخدينك على فين؟!
رأته يستسمح الرجل الممسك به بعيناه وانتقل ببصره لها بنظرة فارغة ولكنها حانية وهتف مقترباً منها:
_ متخافيش شوية إجراءات هتخلص ونرجع بيتنا بس ارجعي أنتِ
عن أي هراءٍ يتحدث يظنها طفلة وهكذا يضحك عليها بكلمتين!! دفعته بـغضب وحرقة بـصدره بكلتا يديها وهتفت بـصراخٍ مزقه:
_ لسه بردو بتضحك عليا!!! قولي هم لي بيعملوا فيك كدا!!!! أنت قتلتها!!!!
قاطعها نافيًا بشدة وأمسك بكفيها بين يديه بـقوة يفتقدها وتحدث متهربًا بعيناه عنها:
_ لا لا... والله لا... هي أكيد ورا الكدبة دي... أنا معرفش يا أثـير... ارجعي البيت ومتخافيش
أنهى حديثه ونظر للرجل ليجذبه وتابعتهم بعيناه بـقلبٍ منفطر وروحٍ قاربت على الهلاك حتى اختفيا خلف جِدارٍ قاتم كـعيناه الدامعتين، تشعر بتشتته الهائل ولكن ما أقلقها هو هروب عيناه!!! دوماً كانت هي سبيلها الوحيد لتصديقه ولكن الآن!!
********************
بـمنتصف اليوم جلست «ورده» بـجانبه على أحد مقاعد الحديقة الذي أصرت على «براء» للخروج لها حتى يتعدل مزاجه قليلاً قبل جلسته الأولى غداً!! رأت حيرته وتدفق التساؤلات اللانهائية من عقله عن كيفية تلك الجلسات المرهونة حياته بها، ابتسمت بـحزن لحاله ولكنها لن تسمح له بالانخراط بأفكاره فـقاطعته بـقرصة خفيفة بـخصره جعلته ينتفض من مكانه ويهتف بهلع و بـغضب مصطنع:
_ بتقرصي بقرة يا بقرة
لوت شفتيها بـضيقٍ زائف وعادت الكرة مرة أخرى ولكن أقوى وهتفت بكبرياءٍ مازح:
_ ما هي البقرة مبتقعدش غير مع البقرة اللي زيها
تصنع «براء» الصدمة وخبط على صدره بـدراما وهتف بغباء:
_ تقصدي إني بقرة!؟
هزت «ورده» رأسها بـنفي وانفلتت منها ضحكة مرحة عليه وتمتمت بإنكار:
_ لا العفو يا قلبي عيب دا أنتَ مهما كان جوزي
جذبها «براء» لـصدره بـثقة ونصر وغمغم بغرور:
_ ايوا هي دي وردتي
كتمت ضحكاتها المستمتعة عليه وتمتمت بتماسك زائف:
_ أنتَ طوووور يا قلبي طوووووور
لم يدعها تكمل حيث دفعها من صدره كما جذبها لتقع على الارضية الخضراء وهتف بتشفي واشمئزاز مصطنع:
_ بالشفا يا قلبي
اعتدلت بـجلسته على الأرض ونظرت له من بين جفنيها المُغلقين نسبيًا بسبب أشعة الشمس وهتفت:
_ أما راجل قليل الأصل صحيح.. يعني مأكلاك ومنضفاك وخرجتك تتشمش وفي الآخر دي جزاتي!!!!!... رجاله توكس
ضحك «براء» بـشدة عليها حتى ادمعت عيناه وتمتم من بين ضحكاته:
_ اسمها تتشمس يا جاهله... يا تعليم حكومي
لوحت «ورده» بـكفيها معاً بعدما نهضت عازمة على وصلة من «الردح» المصري وهتفت:
_ حوش حوووش تعليم الخاص والاجنبي يخويا.... حتة براده بتتكلم أول مره أشوف حتة براده حديد بتتكلم يا جدع سبحان الله يحيي العظام
لم يتمالك زمام ضحكاته وانفجر ضاحكًا على معالم وجهها الشرسة وعقدة حاجبيها بدت رغم همجيتها عفوية له!!بدت ترياقًا خاص لسعادته وإعادة بريق ملامحه الشاحبة!! تلك الفتاة بـقوتها المتناهية تكفيه وتغنيه عن العالم برونقها الخاص!! جذبها من كفيها ونهض ضاحكا ثم هتف:
_ أنا تعليمك يا حلو يا مقطقط أنت
مدت شفتيها بـقرف وجعدت أنفها وتمتمت بـقلق وتوجس:
_ دا أخرك في الرومانسيه؟؟؟ مقطقط؟؟؟ قولي يا ابني لو أنت مش تمام ألحق نفسي قبل ما ألبس
غمزها «براء» من بين ضحكاتها وهتف بـوقاحة:
_ اديني فرصتي وهتعرف بنفسك يا بطل
بادلته وقاحته بأخرى مماثلة وجذبته من مقدمة قميصه وهمست أمام شفتيه بنبرة ناعمة:
_ هنشوف يا أبو عيون دوختني
استمعت لصدى ضحكاته بقلبها لا أذنها وهذا ما ارادته عن رغبة منها أن ينسى حزنه وأفكاره ويخرج معها قليلاً يشاركها عالمها المرح!! ستسحبه للعالم المُزهر حتى تنتهي فترة علاجه حتى ولو كلفها ذلك روحها، لن ينهزم أمامه السرطان ولا تُخار قوته!!
*******************
بـنهاية اليوم بعد العديد من الإثباتات والتحريات جلسوا جميعًا بـبيت «ثائر» ولم تنفك قزحيتي «أثـير» عن ذرف الدموع مما جعلها بحالة يرثى لها، جلست والدة «ثائر» محتضنة «دعاء» والدة «راكــان» المنهاره...
خيم الحزن على الجميع بعد فشل «ثائـر» بالتوصل لحلٍ نهائي، ضمت «أثـير» جسدها لـ «هبه» بـضعف وتمتمت:
_ هو مقتلهاش يا هبه مستحيل راكــان يعمل كدا مهما حصل... صدقيني
فقيره للأصدقاء ووحيدة بالحياة فقدت ثقتها بـروحها خانها مصدر الأمان المُخزن لها فـتركت الأمواج تتقاذفها كـخرقة باليه لا حياة بها، ضُمت لتُكمل ثلاثي عُجت أرواحهم بـالندبات المماثلة مع اختلاف تأثيرها ولكن أضعفهم هي!!
جذبتها « هبه» بين ذراعيها بـحنانٍ وتمتمت وعيناه تتوسل «ثائـر»:
_ مصدقاكي بس اهدي عشان نفكر
قرر «ثائر» بـالخروج عن صمته الطائل وتمتم موجهًا حديثه لـ « أثـير»:
_ أثـير لازم تكوني أقوى من كدا عشان نعرف مين ورا اللعبه دي ومين عاوز يضر راكــان بالطريقة دي
ابتعدت « أثـير» عن أحضان «هبه» وضحكت بـتهكم هاتفة بـحرقة:
_ أنتَ بتقولي أقوى صح!!! وهبه عوزاني اهدى!!! اهدي وجوزي كل الادله بتثبت إنه فعلاً قتلها!!! قتل مراته بعد ما هددها قدامنا كلنا!!! قتل مراته بعد ما اعترفت ليه بوجود ابن منه!!! ابن زنا منه!!! حاضر ههدى وهكون أقوى بس بعدها محدش يلومني!!! محدش فيكوا حاسس بيا!!!
حاولت « هبه» تهدئتها وجذبها ولكنها دفعتها عنها بـغضب وألم وأكملت بصياحٍ مؤلم:
_ محدش حاسس ولا فاهم..... جوزي طلع متجوز عليا وأنا زي الهبله بين كام ساعه حنيت ليه وكنت هسامحه!!! بس ربك كبير وضحلي وساخته وطلع عنده ولد كمان!!! مش كفايه صح!!! لا يقتل مراته عشان يداري على قذارته بجريمه!!!! حد فيكوا شايف النار اللي بتنهش فيا!!! شايفين دموعي دي!!! ولا حاجه ولا حاجه جنب كسرتي وقلة حيلتي وأنا عاجزه حتى اروح لأهلي عشان يساعدوني!!! كفايه كسرتي مش هكسرهم معايا، أنا مش مسمحاه بس مش هبقى زيه، مش هكدب ولا ههرب، هعمل بأصلي وهقف جنبه وبعدها همحيه من حياتي ولو دا هيكلفني كل حياتي...
أنهت حديثها وخرجت مندفعة كـنيران ملتهبة وصفعت الباب بقوة خلفها انتفض الجميع على أثره وقلب تلك الأم يلتاع حزنًا ونزيفًا لحال فلذة كبدها الوحيد!!
عدة دقائق من القلق مرت عليهم قطعتهم والدة «راكــان» بـهمسٍ خافت موجهه حديثها لـ «ثائر»:
_ قولي يا ابني طمني على ابني
فرك «ثائر» جبهته بـتعب وإرهاق وهتف موضحًا:
_ راكــان فعلاً مكنش في البيت في الوقت اللي ميار اتقتلت فيه ودا اللي هتجنن وأعرفه لأنه كان بايت هنا معايا وصحيت لقيته جنبي وفي تسجيلات من مصدر مجهول بتهديد راكــان لـ ميار لما كانت هنا ومحاولته أنه يخنقها وكل كلامنا، في أدله كتير ضده ولسه بيدوروا
تساقطت دموع السيدتان وهتفت والدته بـرجاء:
_ والمحامي قال إيه
أغمض « ثائر» عيناه وتنفس بـقوة ليجابه غضبه وهتف:
_ موقفه في القضيه ضعيف
لطمت السيدة «دعاء» صدرها بـقوة وشهقت بألم لحال ولدها الوحيد وصاحت بدموعٍ:
_ يعني إيه؟!!! يعني ابني قتلها؟!!! لالا راكــان مستحيل يعمل كدا.... ابني مستحيل يعمل كدا
********************
بـنهاية ذلك اليوم المأساوي وقفت «هبه» بـشرفتها سامحة للهواء بتلامس بشرتها بعد نزعها نقابها، كل تلك الأحداث عجز عقلها عن مواكبة سيرها والإختلاط بها، تُشفق على تلك الفتاة التي لا حول لها ولا قوة تبدو هشة، ضعيفة، هينة وسهلة الكسر، يؤلمها قلبها لدموعها التي لم تتوقف منذ رؤيتها لها وحال فؤادها المُحطم، هي بالأخير مرأة وضعت حبها لـرجل استغل نعومتها وطيبتها الشديدة لـيخفي جريمته بحقها، هي جريمة بكل ما تحمله الكلمة من سوء، يميل قلبها لتصديق لمعة عيناي ذلك الرجل عندما رأى ابتسامتها يبدو صادقً!! قطع سيل تحليلها صوت طرقات تعرفها، ابتسمت بـحب وجذبت نقابها لـترتديه، اطلع بهيئته المتعبة ووجهه المرهق وثيابه غير المهندمة من خلف بابها مما جعلها تسأله بتعجب:
_ في حاجه يا ثائـر؟!
لم يكترث لدهشتها بل تمتم بـتعب وحيره:
_ محتاج اتكلم معاكي شوي
أفسحت له المجال للدخول وتبعته بعدما تأكدت من استيقاظ «رحمه» وترك باب المنزل مفتوح، جلست أمامه بعينين مستفهمتين لم يقابلها سوى بنظراتٍ ساكنة جعلتها تشك بحاله وهتفت:
_ ثائـر في إيه متقلقنيش
أراح ظهره على المقعد من خلفه بـوهنٍ وتمتم بـتشتت:
_ خايف يكون راكــان عملها في لحظة غضب وتهور منه
قاطعته بـثقة لا تعلم مصدرها:
_ لا
اعتدل بـجلسته وعقد ذراعيه من ثقتها بـرجلٍ لا تعلم هويته وتمتم بتوجس:
_ وإيه سر الثقه دي
رفعت كتفيها ثم اخدلتهم وتمتمت:
_ معرفش بس يمكن لأنه بيحب مراته؟! لا دا يمكن بيعشقها؟!
ضيق عيناه بـاستفهام وتحدث:
_ إيه علاقة دا بأنه ميقتلش؟!
ابتسمت بـخفوت وعقدت ذراعيها ثم تنهدت هاتفة:
_ إنه عارف حجم الجرح اللي سببه لمراته بكذبه، أنا شوفت شكله يوم الفرح وصعب أقدر انساه ودي حاجه غير عاديه ليا، أنا بنسى بسهوله بس صاحبك عيونه كانت بتحكي حبه وانا شوفتها غفله؟! يمكن شيطانه يصورله إن موتها هو الحل بس إنه يقتلها حتى لو بالغلط لا!! معاك إنه متهور بس بيحط حبه لمراته قبل كل حاجه!! في نقطه ضايعه إزاي أنتَ بتقول كان موجود معاك وازاي اثبتوا إنه كان في مسرح الجريمه!! وأنتَ بتقول إنه كان نايم وصحيت لقيته نايم!!!
هدأ قلبه قليلاً من ناحية تلك الشكوك التي تساوره ولكنه تم إشعاله بنجاحٍ بسبب حديثها ولو بتوضيح عن رجلٍ غيره فهتف بغيرة:
_ وأنتِ لحقتي عرفتي كل دا عن راكــان بعد مرتين شوفتيه فيهم؟!
ابتسمت بـخجل وتفهم وغمغمت:
_ قولتلك حاجه مش من عادتي إني افتكر حد بالطريقة دي بس سميها صدفه عابره جت عشان تأكدلك إن صاحبك مقتلش... مجرد شعور بس
صمتت قليلاً ثم همست بـخجلٍ:
_ ومفيش داعي للغيره دي
ابتسم هو الآخر لخجلها البادي من صوتها العذب وتمتم بـحب:
_ لو مفيش غيره مفيش حب يا حلو
نهض مغادرًا ولكنه توقف عند الباب وهتف بـعشق:
_تصبحي على خير يا هبه
ابتسمت بـخفوت عندما تلاقت نظراتهم بـعناقٍ دافئ وهمست لذاتها وكأنه يسمعها:
_ وأنتَ بخير يا قلب هبه
********************
هل تلك النهايه؟! هل كُتب عليهم الفُراق بلا بدايه؟! أحقًا فؤادُها الحاني هجره؟! أكانت تستحق ذلك منه؟! أتلك التي وعدها بالحب والوفاء والأمان؟! جميع الاستفهامات تُطرح بـعقله بينما جسده يرتجف بردًا من جلوسه على الارضية البارده بـآواخر الليل الطويل وسط مجموعة من المجرمين، ضحك بـسخرية على حاله وما وصل إليه من مأساة أطاحت به، الأستاذ الجامعي المنمق ينتهي به الأمر بزنزانة ورائحة حُرمِه تفوح منه!!! خبرٌ سيتصدر مكان عمله غدًا ليصبح حديث اليوم للشامتين، لا بأس لا يهمه الأمر إن كان سيرى لهفتها عليه كما اليوم!! لا بأس أيضاً بـدموعه وآلالام جسده المُبرحة!! لا بأس بحالة قلبه الهجين!! لا بأس بشوقه الجارف لها....
عاد بهِ عقله لـبداية اليوم...
#فلاش_بالك
أفاق من نومه بـصعوبة على صوت رسالة وارده لـهاتف «ثائر» فـتناوله بـحرص حتى يخفض صوته ولكن كانت الصدمة من نصيبه حينما لمح محتوى الرسالة والتي نصت على ..
( عاوزنا نصفي اللي بينا تعالي عمارة **** لواحدك ووقتها هثبتلك حمزه ابنك ولالا)
لم يعطي لـعقله فرصة للتهاون بل نهض مسرعًا وسار على اطراف أصابعه حتى لا يوقظ «ثائـر» وخرج غافلاً عن سهولة الفخ الذي نُصب له!! لم ينتبه لـكيف وصل رقم صديقه لتلك المرأة ولما بعثت برسالتها له هو!! كل ما جال بعقله أنها ستثبت له وهو موقن من براءته من هذا الذنب، بعد مدة وصل المكان المنشود وصعد البناية نافضًا قلقه مع أدراج الرياح العاتية سامحًا لشيطانه بالتدخل والتحكم، طرق بـهدوء على الباب وانتظر عدة دقائق حتى تلقى الرد...
لم يكترث بها وإنما دفعها بـقوة للداخل غالقًا الباب بـقدميه وهتف بـحزم:
_ قولتي إن عندك إثبات... حابب أعرفه... وحالا
جلست «ميار» بـكبرياء أمامه وعيناه ترمقه بـنظرات ساخطة وتمتمت بـصدق:
_ من غير لف ودروان كتير... حمزه ابنك وعنده 9 سنين وتلت شهور وأظن كدا واضح هو جه إزاي
ضحك «راكــان» بتهكم واقترب منها هامسًا بفحيحٍ كأفعى مُميته:
_ وبس صح؟! كدا أصدق؟! ولو نفترض إني صدقت ليه طالما كنتي حامل هربتي؟! ولو بردو عندك أسباب تهربي عشانها رجعتي ليه؟!
اقتربت منه بـثقة وحقد وهمست بـنبرة لـعوب:
_ تصدق أو لا حاجه ترجعلك أما بالنسبه فمشيت ليه ببساطه لأنك مكنتش معترف إنك متجوز وأما إني رجعت فـأنا رجعت عشان أدمر حياتك!
هز «راكــان» رأسه وانتصب واقفًا على مقربة منها وعض شفتيه بـبديهة لـغضبه وتمتم بـتماسك:
_ حلو كدا اللعب يبقى نضيف طالما كل الورق مكشوف!
انفرج ثِغرها عن بسمة ماكرة وهزت رأسها بتأكيد منافيًا للحقيقة وغمغمت:
_ يمكن اه.... ويمكن لا
ضم «راكــان» شفتيه معا ولوح بـسبابته أمام وجهها هاتفًا بـضحكة مكتومة:
_ عندك حق.... بس أنا بحب ألعب على نضافه... بيبقى اللعب فيه جو حماس كدا... زي كدا
بلمحة كان قابضًا على خصلاتها جاذبًا إياها بـعنف وعيناه ترمقها باشمئزازٍ جلي وهسهس من بين أسنانه:
_ مش أنا اللي تلعبي عليه وتفكري إنك كدا بتلوي دراعي، أنا لو حطيتك في دماغي هخليكي تتمني الموت، حطيها في بالك مش راكــان البدري اللي يتلعب عليه يا بنت الشربيني
نفض يده عنها باشمئزاز واقترب من عُلبه المناديل الموضوعة على المنضدة وتناول أحدهم ماسحًا يديه وكأنها لعنة اشتبكت له وغادر لبيت «ثائـر»
عاد من زكرياته على صوت أذان الفجر تزامنًا مع انقباضة قوية بـقلبه جعلت عيناه تفيض دمعًا فرفع رأسه للنافذة الصغيرة العالية وهمس بـرجاء:
_ يــارب
****************
بـمنتصف اليوم التالي قبيل الظهيرة جلست «ورده» بـقلق جوار « براء» تراقبه منذ بداية الجلسه، بداخلها تستعد لكل شيء، قرأت الكثير والكثير عن ذلك المرض الخبيث الذي احتل جسد زوجها سارقًا شبابه وسعادته، يداخلها قلقٍ خفي من القادم، تشعر بهجومٍ كاسح من العقابات ستحتل طريقهم، تنهدت بـحب بعدما شعرت بكفه يلاطف يديها وهمست بـحنان:
_ محتاج حاجه يا قلبي؟ أو في حاجه وجعاك!!
ابتسم «براء» بـعشق وتمتمت برجاء:
_ محتاجك جنبي يا ورده
تلاقت جفونها ببسمة حزينة لم تصل إليه وضغطت بـقوة أكبر على يده وأردفت بتأكيد:
_ أنا جنبك ومعاك وديما هكون معاك يا روح وكيان ورده
أبصرته يضم كفها لـقلبه لتشعر بـدقات خافقه الهائج فأشاحت بوجهها عنه في ضعف ألتمسه هو فـهتف:
_ عاوزك متخافيش مهما حصل، كل مره هتحسي بخوف افتكري إن معاكي بروحي وبراقبك... عاوزك قويه عشاني
ترقرقت الدموع بعينيها ولم تتمالك نفسها فسحبت يديها من براثينه وانحنت طابعة قبلة راجية على جبهته وتساقطت إحدى دموعها لتلامس وجهها بـحنانٍ وخوف ليسكن الهدوء قلبه ويبتسم بـهيام
****************
دلفت بـثقة لـمركز الشرطة بعدما رأت خروج «ثائر» منذ دقائق عكس مرتها الأولى التي ماثلت الموتى!!، وقفت أمام المكتب تنتظر خروجه وقلبها الخائن رغم ما قاساه ينبض بـقلق على ذلك الرجل، تنفست بـعمق بعدما أبصرته يخرج ضعيفًا وهزيلاً وكأن ليلة واحده قضت نحبها منه!!! وأنزلت به الآلام الكارثية!!، ودت إلقاء نفسها بأحضانه لتنعم ولو قليلاً بـالراحة التي كانت تشعر بها معه ولكن لن تضعف وتتهاون من الآن، لم تُبرح مكانها وتركت مسافة كبيرة بينهم لتوصل له رسالتها بـبُعد طريقهم وصعوبته وكم ألمه مظهرها المصطنع الذي ترسمه لتظهر قوتها المفقودة وتخفي أوجاعِها، لم يرغب بالضغط عليها وإنما اكتفى ببسمة باهته وهمس بـضعفٍ وصلها وإن كبرت المسافات وتفرقت الطرق:
_ بحبك
أشاحت بوجهها عنه حتى اطمأنت لـذهابه فاقتربت من محاميه بـلهفة سائلة:
_ حصل إيه ولي هو هنا النهارده تاني؟!
ناظرها الرجل بـتعجب من لهفتها التي تولدت بعد ذهاب «راكــان» وتمتمت بتعجب:
_ أنتِ مين حضرتك
أغمضت عينيها بـنفاذ صبر وهتفت بـحدة:
_ أنا مراته وعاوزه أعرف وضعه إيه في القضية
هز الرحل رأسه بتفهم وتحدث مُعرفًا نفسه:
_ أنا سمير محامي الدكتور راكــان
هل تقضم رأسه عنوة وتفصله عن جسده؟!أم تجلس عليه حتى تنقطع أنفاسه وبهذا تستفيد من زيادة وزنها لمرة بـحياتها!! بينما هي تتقلب على نيرانٍ ملتهبة هو يعرف ذاته بكل برودة وجفاء!!، حسناً حسناً بعض الهدوء والشهيق والزفير هيا يا فتاة... أجل... ابتسمت بـتكلف وتمتمت:
_ أهلاً بحضرتك بس عاوزه اعرف وضع جوزي إيه في القضية وليه بات امبارح في السجن
نظر «سمير» بـساعته وعاد بـنظره لها متحدثًا:
_ اتفضلي حضرتك نقعد في أي مكان بدل الوقفه دي وهعرفك كل حاجه
رفعت كفها بالهواء وبـصعوبة ضمته مجدداً جانبها وهزت رأسها بموافقة وتمتمت من بين أسنانها:
_ تمام اتفضل
**********************
جلست « أثـير» تنتظره أن ينهي مكالمته التي استطالت وجعلتها ترغب بالتهامه بـشعيراته البيضاء القليلة ليسد الشره الذي انتابها بـقوة بسبب غضبها، ضربت بـقبضتها على المنضدة وهتفت بـجزع:
_ ممكن تركز معايا شوي
أغلق «سمير» الهاتف ووضعه جانبًا وابتسم بـرزانة وتمتم:
_ ممكن حضرتك تهدي عشان تفهمي اللي هقوله
اومأت برأسها بـتأكيد وعقدة ذراعيها أمام صدرها بينما اتسعت بـسمة الرجل فأخفاها سريعًا وهتف بجدية:
_ الدكتور راكــان كل الأدله ضده، في بصمه ليه على جسم الضحية وبصمات تانيه في أماكن مختلفه من شقتها وفي تسجيل صوتي وهو بيهددها عشان ابنه!! حتى لما الظابط سأله عن سبب ذهابه ليه مأنكرش بالعكس قال إنه فعلاً راح ومحدش كان عارف وراح عشان يعرف حقيقة ابنه!! في التحيرات لقوا في شقة القتيلة تحليل DNAيثبت إنه الولد ابن راكــان فعلاً ودا دافع قوي للجريمه كل الأدلة أثبتت الجريمه عليه.. بعد يومين هيتحول للنيابه بس في نقطه واقعه...
*******************
اتخذ من ركنًا مظلم جلسته متخفيًا من ضعفه ونظراتها البعيده تحاوطه معاتبتة قلبه الخائن، الندم يلتهمه من الداخل، ماذا لو أخبرها وانتهى الأمر؟؟! هل حقاً أُثبتت الجريمة عليه وسيقضي ما تبقى من عمره بالسجن أو ربما يلقى حتفه قبل ذلك؟! يالسخرية القدر؛ عاجزًا عن ربط الأحداث، شخصيته الحازمة حُجبت بـغضبه وتركته أحمقًا!! لا تبدو الأمور على شكيتها المفترضة، هناك ثغرة مفقودة بالأمر!!...
كم بدى غبيًا وحقيراً أمام المحقق وهو يخبره يتواجد أوراقًا تثبت أبويته لذلك الطفل!! هل كانت حاملاً به أثناء هجرها له؟! فاق من شروده على صوت فتح الزنزانة تبعه صوت أحد الرجال لطلب رؤيته!!!
جلس منتظرًا ذلك الزائر الغريب الذي أتاه خلسة فمن الصعب على أحد رؤيته هنا!! دفن وجهه بين كفيه بـتعب ولكنه استمع لـصوت خطواتٍ تقترب منه، رفع رأسه فوجد إمرأة منتقبة تقف أمامه ولكنها قوية!! أجل يرى قوتها بعينيها ولكن لما تبدو مألوفة له!!
_ أتمنى تكون اللعبه عجبتك يا دكتور... راكــان
حجظت عيناه صدمة عندما رفعت نقابها الأسود ليتبين وجهها الماكر وبسمتها الحاقدة التي أودت بحياتها خلف الجحيم!! نهض بـتعثر ليقترب منها ولكنها أوقفته بإشارة منها وتمتمت بـهمس:
_ ما قولتلك أنتَ متعرفش ميار الشربيني يا ابن البدري..
الفصل الخامس عشر
اتساع وخزات الألم مؤشر جيد لتباين جمود الفؤاد
احتمالية نجاح العلاقات مرتبطة بنسبة مئوية يضعها الطرفين بـالمثابرة والإيثار كلاهما يتحتم عليهم ربط حِزام الأمان للإقلاع لأرضٍ عامرة بالتغيرات الفسيولوجية والنفسية والدنيوية!! ليس من السهل تقديم الحب بإفراط ومعه إيصالٍ أبدي لـضمان الوجود!! يتنحى العقل بـتلك المعركة المحسومة ليتخذ وضع المُراقب! لحين سقوط ثبات الفؤاد وإعلانه التخفي الكامل ليستلم اللُب الوِجهة لانتزاع الألم وهدم أسوار الحزن والشوق!!
بـمركز الشرطة وقفت «أثـير» بـخوف وألم يمزق أحشاءها تبكي هلعًا مما قد يصيبه، مضت ساعة وهي على سجيتها تنتظر خروجه، لازالت لم تستوعب لما أُخذَ بتلك التهمة وكيف وهو لم يتثنى له الخروج من البيت كما أخبرها «ثائـر»!! دفنت وجهها الساخن بين كفيها المرتجفين وتوالت دموعها الملتهبة تحرقها من الداخل، لم تقدر «هبه» على القدوم لمرضها وكل من بقى معها الآن هو «ثائـر»!! كيف تتساقط عليها كل تلك اللعنات من بداية زواجها الذي لم يَدُم لأيامٍ قليلة وجاءت غريبة وانتزعت فرحتها منها ولم تبالي بالفجوة التي أحدثتها بـفؤادها حتى أضحى منقلبًا عليها وتزداد وتيرة آلالامه!! ترغب بضمة واحدة من جدها أو ربما والدها ولا بأس ببسمة والدتها الحنونة ولكن بأي محيا ستواجههم!! كيف ستخبرهم بتلك المصائب التي تُصب فوق عقلها بلا تأني!! خطة زوجها المزعوم سعادته كانت فاشلة ورُسمت بقلمٍ رصاص سهل المحو ولم تصمد فهي بالكاد تتشبث بالبقاء!! انتبهت لـخروج «راكــان» مُكبل الرسغين مُكفر الوجه وعلامات الغضب ترتسم باحترافية على محياه ولكنها لم تُخفي ألم قزحيتيه الراجيتين، هرولت إليه ودموعها لم تتوقف وهتفت بغضب مشيرة ليديه:
_ راكــان في إيه وواخدينك على فين؟!
رأته يستسمح الرجل الممسك به بعيناه وانتقل ببصره لها بنظرة فارغة ولكنها حانية وهتف مقترباً منها:
_ متخافيش شوية إجراءات هتخلص ونرجع بيتنا بس ارجعي أنتِ
عن أي هراءٍ يتحدث يظنها طفلة وهكذا يضحك عليها بكلمتين!! دفعته بـغضب وحرقة بـصدره بكلتا يديها وهتفت بـصراخٍ مزقه:
_ لسه بردو بتضحك عليا!!! قولي هم لي بيعملوا فيك كدا!!!! أنت قتلتها!!!!
قاطعها نافيًا بشدة وأمسك بكفيها بين يديه بـقوة يفتقدها وتحدث متهربًا بعيناه عنها:
_ لا لا... والله لا... هي أكيد ورا الكدبة دي... أنا معرفش يا أثـير... ارجعي البيت ومتخافيش
أنهى حديثه ونظر للرجل ليجذبه وتابعتهم بعيناه بـقلبٍ منفطر وروحٍ قاربت على الهلاك حتى اختفيا خلف جِدارٍ قاتم كـعيناه الدامعتين، تشعر بتشتته الهائل ولكن ما أقلقها هو هروب عيناه!!! دوماً كانت هي سبيلها الوحيد لتصديقه ولكن الآن!!
********************
بـمنتصف اليوم جلست «ورده» بـجانبه على أحد مقاعد الحديقة الذي أصرت على «براء» للخروج لها حتى يتعدل مزاجه قليلاً قبل جلسته الأولى غداً!! رأت حيرته وتدفق التساؤلات اللانهائية من عقله عن كيفية تلك الجلسات المرهونة حياته بها، ابتسمت بـحزن لحاله ولكنها لن تسمح له بالانخراط بأفكاره فـقاطعته بـقرصة خفيفة بـخصره جعلته ينتفض من مكانه ويهتف بهلع و بـغضب مصطنع:
_ بتقرصي بقرة يا بقرة
لوت شفتيها بـضيقٍ زائف وعادت الكرة مرة أخرى ولكن أقوى وهتفت بكبرياءٍ مازح:
_ ما هي البقرة مبتقعدش غير مع البقرة اللي زيها
تصنع «براء» الصدمة وخبط على صدره بـدراما وهتف بغباء:
_ تقصدي إني بقرة!؟
هزت «ورده» رأسها بـنفي وانفلتت منها ضحكة مرحة عليه وتمتمت بإنكار:
_ لا العفو يا قلبي عيب دا أنتَ مهما كان جوزي
جذبها «براء» لـصدره بـثقة ونصر وغمغم بغرور:
_ ايوا هي دي وردتي
كتمت ضحكاتها المستمتعة عليه وتمتمت بتماسك زائف:
_ أنتَ طوووور يا قلبي طوووووور
لم يدعها تكمل حيث دفعها من صدره كما جذبها لتقع على الارضية الخضراء وهتف بتشفي واشمئزاز مصطنع:
_ بالشفا يا قلبي
اعتدلت بـجلسته على الأرض ونظرت له من بين جفنيها المُغلقين نسبيًا بسبب أشعة الشمس وهتفت:
_ أما راجل قليل الأصل صحيح.. يعني مأكلاك ومنضفاك وخرجتك تتشمش وفي الآخر دي جزاتي!!!!!... رجاله توكس
ضحك «براء» بـشدة عليها حتى ادمعت عيناه وتمتم من بين ضحكاته:
_ اسمها تتشمس يا جاهله... يا تعليم حكومي
لوحت «ورده» بـكفيها معاً بعدما نهضت عازمة على وصلة من «الردح» المصري وهتفت:
_ حوش حوووش تعليم الخاص والاجنبي يخويا.... حتة براده بتتكلم أول مره أشوف حتة براده حديد بتتكلم يا جدع سبحان الله يحيي العظام
لم يتمالك زمام ضحكاته وانفجر ضاحكًا على معالم وجهها الشرسة وعقدة حاجبيها بدت رغم همجيتها عفوية له!!بدت ترياقًا خاص لسعادته وإعادة بريق ملامحه الشاحبة!! تلك الفتاة بـقوتها المتناهية تكفيه وتغنيه عن العالم برونقها الخاص!! جذبها من كفيها ونهض ضاحكا ثم هتف:
_ أنا تعليمك يا حلو يا مقطقط أنت
مدت شفتيها بـقرف وجعدت أنفها وتمتمت بـقلق وتوجس:
_ دا أخرك في الرومانسيه؟؟؟ مقطقط؟؟؟ قولي يا ابني لو أنت مش تمام ألحق نفسي قبل ما ألبس
غمزها «براء» من بين ضحكاتها وهتف بـوقاحة:
_ اديني فرصتي وهتعرف بنفسك يا بطل
بادلته وقاحته بأخرى مماثلة وجذبته من مقدمة قميصه وهمست أمام شفتيه بنبرة ناعمة:
_ هنشوف يا أبو عيون دوختني
استمعت لصدى ضحكاته بقلبها لا أذنها وهذا ما ارادته عن رغبة منها أن ينسى حزنه وأفكاره ويخرج معها قليلاً يشاركها عالمها المرح!! ستسحبه للعالم المُزهر حتى تنتهي فترة علاجه حتى ولو كلفها ذلك روحها، لن ينهزم أمامه السرطان ولا تُخار قوته!!
*******************
بـنهاية اليوم بعد العديد من الإثباتات والتحريات جلسوا جميعًا بـبيت «ثائر» ولم تنفك قزحيتي «أثـير» عن ذرف الدموع مما جعلها بحالة يرثى لها، جلست والدة «ثائر» محتضنة «دعاء» والدة «راكــان» المنهاره...
خيم الحزن على الجميع بعد فشل «ثائـر» بالتوصل لحلٍ نهائي، ضمت «أثـير» جسدها لـ «هبه» بـضعف وتمتمت:
_ هو مقتلهاش يا هبه مستحيل راكــان يعمل كدا مهما حصل... صدقيني
فقيره للأصدقاء ووحيدة بالحياة فقدت ثقتها بـروحها خانها مصدر الأمان المُخزن لها فـتركت الأمواج تتقاذفها كـخرقة باليه لا حياة بها، ضُمت لتُكمل ثلاثي عُجت أرواحهم بـالندبات المماثلة مع اختلاف تأثيرها ولكن أضعفهم هي!!
جذبتها « هبه» بين ذراعيها بـحنانٍ وتمتمت وعيناه تتوسل «ثائـر»:
_ مصدقاكي بس اهدي عشان نفكر
قرر «ثائر» بـالخروج عن صمته الطائل وتمتم موجهًا حديثه لـ « أثـير»:
_ أثـير لازم تكوني أقوى من كدا عشان نعرف مين ورا اللعبه دي ومين عاوز يضر راكــان بالطريقة دي
ابتعدت « أثـير» عن أحضان «هبه» وضحكت بـتهكم هاتفة بـحرقة:
_ أنتَ بتقولي أقوى صح!!! وهبه عوزاني اهدى!!! اهدي وجوزي كل الادله بتثبت إنه فعلاً قتلها!!! قتل مراته بعد ما هددها قدامنا كلنا!!! قتل مراته بعد ما اعترفت ليه بوجود ابن منه!!! ابن زنا منه!!! حاضر ههدى وهكون أقوى بس بعدها محدش يلومني!!! محدش فيكوا حاسس بيا!!!
حاولت « هبه» تهدئتها وجذبها ولكنها دفعتها عنها بـغضب وألم وأكملت بصياحٍ مؤلم:
_ محدش حاسس ولا فاهم..... جوزي طلع متجوز عليا وأنا زي الهبله بين كام ساعه حنيت ليه وكنت هسامحه!!! بس ربك كبير وضحلي وساخته وطلع عنده ولد كمان!!! مش كفايه صح!!! لا يقتل مراته عشان يداري على قذارته بجريمه!!!! حد فيكوا شايف النار اللي بتنهش فيا!!! شايفين دموعي دي!!! ولا حاجه ولا حاجه جنب كسرتي وقلة حيلتي وأنا عاجزه حتى اروح لأهلي عشان يساعدوني!!! كفايه كسرتي مش هكسرهم معايا، أنا مش مسمحاه بس مش هبقى زيه، مش هكدب ولا ههرب، هعمل بأصلي وهقف جنبه وبعدها همحيه من حياتي ولو دا هيكلفني كل حياتي...
أنهت حديثها وخرجت مندفعة كـنيران ملتهبة وصفعت الباب بقوة خلفها انتفض الجميع على أثره وقلب تلك الأم يلتاع حزنًا ونزيفًا لحال فلذة كبدها الوحيد!!
عدة دقائق من القلق مرت عليهم قطعتهم والدة «راكــان» بـهمسٍ خافت موجهه حديثها لـ «ثائر»:
_ قولي يا ابني طمني على ابني
فرك «ثائر» جبهته بـتعب وإرهاق وهتف موضحًا:
_ راكــان فعلاً مكنش في البيت في الوقت اللي ميار اتقتلت فيه ودا اللي هتجنن وأعرفه لأنه كان بايت هنا معايا وصحيت لقيته جنبي وفي تسجيلات من مصدر مجهول بتهديد راكــان لـ ميار لما كانت هنا ومحاولته أنه يخنقها وكل كلامنا، في أدله كتير ضده ولسه بيدوروا
تساقطت دموع السيدتان وهتفت والدته بـرجاء:
_ والمحامي قال إيه
أغمض « ثائر» عيناه وتنفس بـقوة ليجابه غضبه وهتف:
_ موقفه في القضيه ضعيف
لطمت السيدة «دعاء» صدرها بـقوة وشهقت بألم لحال ولدها الوحيد وصاحت بدموعٍ:
_ يعني إيه؟!!! يعني ابني قتلها؟!!! لالا راكــان مستحيل يعمل كدا.... ابني مستحيل يعمل كدا
********************
بـنهاية ذلك اليوم المأساوي وقفت «هبه» بـشرفتها سامحة للهواء بتلامس بشرتها بعد نزعها نقابها، كل تلك الأحداث عجز عقلها عن مواكبة سيرها والإختلاط بها، تُشفق على تلك الفتاة التي لا حول لها ولا قوة تبدو هشة، ضعيفة، هينة وسهلة الكسر، يؤلمها قلبها لدموعها التي لم تتوقف منذ رؤيتها لها وحال فؤادها المُحطم، هي بالأخير مرأة وضعت حبها لـرجل استغل نعومتها وطيبتها الشديدة لـيخفي جريمته بحقها، هي جريمة بكل ما تحمله الكلمة من سوء، يميل قلبها لتصديق لمعة عيناي ذلك الرجل عندما رأى ابتسامتها يبدو صادقً!! قطع سيل تحليلها صوت طرقات تعرفها، ابتسمت بـحب وجذبت نقابها لـترتديه، اطلع بهيئته المتعبة ووجهه المرهق وثيابه غير المهندمة من خلف بابها مما جعلها تسأله بتعجب:
_ في حاجه يا ثائـر؟!
لم يكترث لدهشتها بل تمتم بـتعب وحيره:
_ محتاج اتكلم معاكي شوي
أفسحت له المجال للدخول وتبعته بعدما تأكدت من استيقاظ «رحمه» وترك باب المنزل مفتوح، جلست أمامه بعينين مستفهمتين لم يقابلها سوى بنظراتٍ ساكنة جعلتها تشك بحاله وهتفت:
_ ثائـر في إيه متقلقنيش
أراح ظهره على المقعد من خلفه بـوهنٍ وتمتم بـتشتت:
_ خايف يكون راكــان عملها في لحظة غضب وتهور منه
قاطعته بـثقة لا تعلم مصدرها:
_ لا
اعتدل بـجلسته وعقد ذراعيه من ثقتها بـرجلٍ لا تعلم هويته وتمتم بتوجس:
_ وإيه سر الثقه دي
رفعت كتفيها ثم اخدلتهم وتمتمت:
_ معرفش بس يمكن لأنه بيحب مراته؟! لا دا يمكن بيعشقها؟!
ضيق عيناه بـاستفهام وتحدث:
_ إيه علاقة دا بأنه ميقتلش؟!
ابتسمت بـخفوت وعقدت ذراعيها ثم تنهدت هاتفة:
_ إنه عارف حجم الجرح اللي سببه لمراته بكذبه، أنا شوفت شكله يوم الفرح وصعب أقدر انساه ودي حاجه غير عاديه ليا، أنا بنسى بسهوله بس صاحبك عيونه كانت بتحكي حبه وانا شوفتها غفله؟! يمكن شيطانه يصورله إن موتها هو الحل بس إنه يقتلها حتى لو بالغلط لا!! معاك إنه متهور بس بيحط حبه لمراته قبل كل حاجه!! في نقطه ضايعه إزاي أنتَ بتقول كان موجود معاك وازاي اثبتوا إنه كان في مسرح الجريمه!! وأنتَ بتقول إنه كان نايم وصحيت لقيته نايم!!!
هدأ قلبه قليلاً من ناحية تلك الشكوك التي تساوره ولكنه تم إشعاله بنجاحٍ بسبب حديثها ولو بتوضيح عن رجلٍ غيره فهتف بغيرة:
_ وأنتِ لحقتي عرفتي كل دا عن راكــان بعد مرتين شوفتيه فيهم؟!
ابتسمت بـخجل وتفهم وغمغمت:
_ قولتلك حاجه مش من عادتي إني افتكر حد بالطريقة دي بس سميها صدفه عابره جت عشان تأكدلك إن صاحبك مقتلش... مجرد شعور بس
صمتت قليلاً ثم همست بـخجلٍ:
_ ومفيش داعي للغيره دي
ابتسم هو الآخر لخجلها البادي من صوتها العذب وتمتم بـحب:
_ لو مفيش غيره مفيش حب يا حلو
نهض مغادرًا ولكنه توقف عند الباب وهتف بـعشق:
_تصبحي على خير يا هبه
ابتسمت بـخفوت عندما تلاقت نظراتهم بـعناقٍ دافئ وهمست لذاتها وكأنه يسمعها:
_ وأنتَ بخير يا قلب هبه
********************
هل تلك النهايه؟! هل كُتب عليهم الفُراق بلا بدايه؟! أحقًا فؤادُها الحاني هجره؟! أكانت تستحق ذلك منه؟! أتلك التي وعدها بالحب والوفاء والأمان؟! جميع الاستفهامات تُطرح بـعقله بينما جسده يرتجف بردًا من جلوسه على الارضية البارده بـآواخر الليل الطويل وسط مجموعة من المجرمين، ضحك بـسخرية على حاله وما وصل إليه من مأساة أطاحت به، الأستاذ الجامعي المنمق ينتهي به الأمر بزنزانة ورائحة حُرمِه تفوح منه!!! خبرٌ سيتصدر مكان عمله غدًا ليصبح حديث اليوم للشامتين، لا بأس لا يهمه الأمر إن كان سيرى لهفتها عليه كما اليوم!! لا بأس أيضاً بـدموعه وآلالام جسده المُبرحة!! لا بأس بحالة قلبه الهجين!! لا بأس بشوقه الجارف لها....
عاد بهِ عقله لـبداية اليوم...
#فلاش_بالك
أفاق من نومه بـصعوبة على صوت رسالة وارده لـهاتف «ثائر» فـتناوله بـحرص حتى يخفض صوته ولكن كانت الصدمة من نصيبه حينما لمح محتوى الرسالة والتي نصت على ..
( عاوزنا نصفي اللي بينا تعالي عمارة **** لواحدك ووقتها هثبتلك حمزه ابنك ولالا)
لم يعطي لـعقله فرصة للتهاون بل نهض مسرعًا وسار على اطراف أصابعه حتى لا يوقظ «ثائـر» وخرج غافلاً عن سهولة الفخ الذي نُصب له!! لم ينتبه لـكيف وصل رقم صديقه لتلك المرأة ولما بعثت برسالتها له هو!! كل ما جال بعقله أنها ستثبت له وهو موقن من براءته من هذا الذنب، بعد مدة وصل المكان المنشود وصعد البناية نافضًا قلقه مع أدراج الرياح العاتية سامحًا لشيطانه بالتدخل والتحكم، طرق بـهدوء على الباب وانتظر عدة دقائق حتى تلقى الرد...
لم يكترث بها وإنما دفعها بـقوة للداخل غالقًا الباب بـقدميه وهتف بـحزم:
_ قولتي إن عندك إثبات... حابب أعرفه... وحالا
جلست «ميار» بـكبرياء أمامه وعيناه ترمقه بـنظرات ساخطة وتمتمت بـصدق:
_ من غير لف ودروان كتير... حمزه ابنك وعنده 9 سنين وتلت شهور وأظن كدا واضح هو جه إزاي
ضحك «راكــان» بتهكم واقترب منها هامسًا بفحيحٍ كأفعى مُميته:
_ وبس صح؟! كدا أصدق؟! ولو نفترض إني صدقت ليه طالما كنتي حامل هربتي؟! ولو بردو عندك أسباب تهربي عشانها رجعتي ليه؟!
اقتربت منه بـثقة وحقد وهمست بـنبرة لـعوب:
_ تصدق أو لا حاجه ترجعلك أما بالنسبه فمشيت ليه ببساطه لأنك مكنتش معترف إنك متجوز وأما إني رجعت فـأنا رجعت عشان أدمر حياتك!
هز «راكــان» رأسه وانتصب واقفًا على مقربة منها وعض شفتيه بـبديهة لـغضبه وتمتم بـتماسك:
_ حلو كدا اللعب يبقى نضيف طالما كل الورق مكشوف!
انفرج ثِغرها عن بسمة ماكرة وهزت رأسها بتأكيد منافيًا للحقيقة وغمغمت:
_ يمكن اه.... ويمكن لا
ضم «راكــان» شفتيه معا ولوح بـسبابته أمام وجهها هاتفًا بـضحكة مكتومة:
_ عندك حق.... بس أنا بحب ألعب على نضافه... بيبقى اللعب فيه جو حماس كدا... زي كدا
بلمحة كان قابضًا على خصلاتها جاذبًا إياها بـعنف وعيناه ترمقها باشمئزازٍ جلي وهسهس من بين أسنانه:
_ مش أنا اللي تلعبي عليه وتفكري إنك كدا بتلوي دراعي، أنا لو حطيتك في دماغي هخليكي تتمني الموت، حطيها في بالك مش راكــان البدري اللي يتلعب عليه يا بنت الشربيني
نفض يده عنها باشمئزاز واقترب من عُلبه المناديل الموضوعة على المنضدة وتناول أحدهم ماسحًا يديه وكأنها لعنة اشتبكت له وغادر لبيت «ثائـر»
عاد من زكرياته على صوت أذان الفجر تزامنًا مع انقباضة قوية بـقلبه جعلت عيناه تفيض دمعًا فرفع رأسه للنافذة الصغيرة العالية وهمس بـرجاء:
_ يــارب
****************
بـمنتصف اليوم التالي قبيل الظهيرة جلست «ورده» بـقلق جوار « براء» تراقبه منذ بداية الجلسه، بداخلها تستعد لكل شيء، قرأت الكثير والكثير عن ذلك المرض الخبيث الذي احتل جسد زوجها سارقًا شبابه وسعادته، يداخلها قلقٍ خفي من القادم، تشعر بهجومٍ كاسح من العقابات ستحتل طريقهم، تنهدت بـحب بعدما شعرت بكفه يلاطف يديها وهمست بـحنان:
_ محتاج حاجه يا قلبي؟ أو في حاجه وجعاك!!
ابتسم «براء» بـعشق وتمتمت برجاء:
_ محتاجك جنبي يا ورده
تلاقت جفونها ببسمة حزينة لم تصل إليه وضغطت بـقوة أكبر على يده وأردفت بتأكيد:
_ أنا جنبك ومعاك وديما هكون معاك يا روح وكيان ورده
أبصرته يضم كفها لـقلبه لتشعر بـدقات خافقه الهائج فأشاحت بوجهها عنه في ضعف ألتمسه هو فـهتف:
_ عاوزك متخافيش مهما حصل، كل مره هتحسي بخوف افتكري إن معاكي بروحي وبراقبك... عاوزك قويه عشاني
ترقرقت الدموع بعينيها ولم تتمالك نفسها فسحبت يديها من براثينه وانحنت طابعة قبلة راجية على جبهته وتساقطت إحدى دموعها لتلامس وجهها بـحنانٍ وخوف ليسكن الهدوء قلبه ويبتسم بـهيام
****************
دلفت بـثقة لـمركز الشرطة بعدما رأت خروج «ثائر» منذ دقائق عكس مرتها الأولى التي ماثلت الموتى!!، وقفت أمام المكتب تنتظر خروجه وقلبها الخائن رغم ما قاساه ينبض بـقلق على ذلك الرجل، تنفست بـعمق بعدما أبصرته يخرج ضعيفًا وهزيلاً وكأن ليلة واحده قضت نحبها منه!!! وأنزلت به الآلام الكارثية!!، ودت إلقاء نفسها بأحضانه لتنعم ولو قليلاً بـالراحة التي كانت تشعر بها معه ولكن لن تضعف وتتهاون من الآن، لم تُبرح مكانها وتركت مسافة كبيرة بينهم لتوصل له رسالتها بـبُعد طريقهم وصعوبته وكم ألمه مظهرها المصطنع الذي ترسمه لتظهر قوتها المفقودة وتخفي أوجاعِها، لم يرغب بالضغط عليها وإنما اكتفى ببسمة باهته وهمس بـضعفٍ وصلها وإن كبرت المسافات وتفرقت الطرق:
_ بحبك
أشاحت بوجهها عنه حتى اطمأنت لـذهابه فاقتربت من محاميه بـلهفة سائلة:
_ حصل إيه ولي هو هنا النهارده تاني؟!
ناظرها الرجل بـتعجب من لهفتها التي تولدت بعد ذهاب «راكــان» وتمتمت بتعجب:
_ أنتِ مين حضرتك
أغمضت عينيها بـنفاذ صبر وهتفت بـحدة:
_ أنا مراته وعاوزه أعرف وضعه إيه في القضية
هز الرحل رأسه بتفهم وتحدث مُعرفًا نفسه:
_ أنا سمير محامي الدكتور راكــان
هل تقضم رأسه عنوة وتفصله عن جسده؟!أم تجلس عليه حتى تنقطع أنفاسه وبهذا تستفيد من زيادة وزنها لمرة بـحياتها!! بينما هي تتقلب على نيرانٍ ملتهبة هو يعرف ذاته بكل برودة وجفاء!!، حسناً حسناً بعض الهدوء والشهيق والزفير هيا يا فتاة... أجل... ابتسمت بـتكلف وتمتمت:
_ أهلاً بحضرتك بس عاوزه اعرف وضع جوزي إيه في القضية وليه بات امبارح في السجن
نظر «سمير» بـساعته وعاد بـنظره لها متحدثًا:
_ اتفضلي حضرتك نقعد في أي مكان بدل الوقفه دي وهعرفك كل حاجه
رفعت كفها بالهواء وبـصعوبة ضمته مجدداً جانبها وهزت رأسها بموافقة وتمتمت من بين أسنانها:
_ تمام اتفضل
**********************
جلست « أثـير» تنتظره أن ينهي مكالمته التي استطالت وجعلتها ترغب بالتهامه بـشعيراته البيضاء القليلة ليسد الشره الذي انتابها بـقوة بسبب غضبها، ضربت بـقبضتها على المنضدة وهتفت بـجزع:
_ ممكن تركز معايا شوي
أغلق «سمير» الهاتف ووضعه جانبًا وابتسم بـرزانة وتمتم:
_ ممكن حضرتك تهدي عشان تفهمي اللي هقوله
اومأت برأسها بـتأكيد وعقدة ذراعيها أمام صدرها بينما اتسعت بـسمة الرجل فأخفاها سريعًا وهتف بجدية:
_ الدكتور راكــان كل الأدله ضده، في بصمه ليه على جسم الضحية وبصمات تانيه في أماكن مختلفه من شقتها وفي تسجيل صوتي وهو بيهددها عشان ابنه!! حتى لما الظابط سأله عن سبب ذهابه ليه مأنكرش بالعكس قال إنه فعلاً راح ومحدش كان عارف وراح عشان يعرف حقيقة ابنه!! في التحيرات لقوا في شقة القتيلة تحليل DNAيثبت إنه الولد ابن راكــان فعلاً ودا دافع قوي للجريمه كل الأدلة أثبتت الجريمه عليه.. بعد يومين هيتحول للنيابه بس في نقطه واقعه...
*******************
اتخذ من ركنًا مظلم جلسته متخفيًا من ضعفه ونظراتها البعيده تحاوطه معاتبتة قلبه الخائن، الندم يلتهمه من الداخل، ماذا لو أخبرها وانتهى الأمر؟؟! هل حقاً أُثبتت الجريمة عليه وسيقضي ما تبقى من عمره بالسجن أو ربما يلقى حتفه قبل ذلك؟! يالسخرية القدر؛ عاجزًا عن ربط الأحداث، شخصيته الحازمة حُجبت بـغضبه وتركته أحمقًا!! لا تبدو الأمور على شكيتها المفترضة، هناك ثغرة مفقودة بالأمر!!...
كم بدى غبيًا وحقيراً أمام المحقق وهو يخبره يتواجد أوراقًا تثبت أبويته لذلك الطفل!! هل كانت حاملاً به أثناء هجرها له؟! فاق من شروده على صوت فتح الزنزانة تبعه صوت أحد الرجال لطلب رؤيته!!!
جلس منتظرًا ذلك الزائر الغريب الذي أتاه خلسة فمن الصعب على أحد رؤيته هنا!! دفن وجهه بين كفيه بـتعب ولكنه استمع لـصوت خطواتٍ تقترب منه، رفع رأسه فوجد إمرأة منتقبة تقف أمامه ولكنها قوية!! أجل يرى قوتها بعينيها ولكن لما تبدو مألوفة له!!
_ أتمنى تكون اللعبه عجبتك يا دكتور... راكــان
حجظت عيناه صدمة عندما رفعت نقابها الأسود ليتبين وجهها الماكر وبسمتها الحاقدة التي أودت بحياتها خلف الجحيم!! نهض بـتعثر ليقترب منها ولكنها أوقفته بإشارة منها وتمتمت بـهمس:
_ ما قولتلك أنتَ متعرفش ميار الشربيني يا ابن البدري..