رواية شظايا الكلمات الفصل الرابع عشر14 بقلم جهاد وجيه
شظايا الكلمات
الفصل الرابع عشر
حينما تعجز عن الاختيار... أغمض عينيك واترك قلبك يتفقد هويته
انقطاع تدفق الدماء لو لــثوانٍ عن العقل يسمح لــبعض الخلايا أو ربما جميعها بــالانسحاب والضمور الأبدي الذي لا شِفاء منه كـ مثل الصدمات المتتالية تُعطي للعقل بــهدنة زمنية من الانفصال عن العالم وولوجه لــبقعة نائية من الإنكار رافضًا الصمود والدفاع وبـذلك يبدأ التدرج بــفقده والعيش بلا اكتراث...
التوازن بين الأمور يقود الحياة البشرية لــقرونٍ من الهدوء الداخلي والسلام العام والعكس صحيح، كلما فَرُط الأعطاء كلما تكبد الجسد عناء الانسحاب تحت مسمى فقدان الشغف!...
فرغ «راكــان» من حديثه وانتظر إجابتها كـ طالب ثانوي ينتظر نتيجة نهاية عامه الدارسي والتي ستحدد طريق وجهته!! ولكنه لم ينتبه لـ تلك الواقفة تتابع حديثهم بـ عينين باسمتين وعندما طال الصمت قررت التدخل بـ خطواتٍ متغنجة وواثقة وهتفت بـ قوة:
_ طبعاً ملوش حق يكدب عليكي يا أثـيـر بأنه متجوز تؤ تؤ... بس في كدبه كمان نسي يقولها!! نسي حمزه!! ابنه...
دارت الرؤوس المصدومة والمزهولة من وقع تلك الحروف عليها وانفرجت الأفواه عن شهقات الفتيات القادمة من الخلف وكذلك «ثائر» الذي عاد من شقته وصادف دلوفه حديث «ميار» الصاعق!! بينما ملامح «أثير» لم تتغير كل عضلة بوجهها مرتخية بطريقة جعلت الجميع يناظرها بدهشة وصمت وكان للصمت دورًا رئيسي باللعب بتلك الأمسية الصاعقة لهم!! وقفت كلا من «ورده» و «هبه» يبصران تلك الدخيلة التي استغلت تركهم لـباب الشقة مفتوح وولجت باصقة سمومها المميتة لهم بكل شماتة جعلت دماؤهم تفور كفوران الحليب عند بسترته، مِثل الجميع يرمقها بـ أبغض النظرات على وجه الخليقة قابضًا فوق أحرف المقعد وغضبه المتفاقم يناشد للثوران والبزوخ للنيل من تلك العاهرة التي قضت على سعادته للتو!!
أخيراً وبعد دقائق من الصمت اتخذها الجميع كلا حسب مفهومه خرجت أول الكلمات من فم « أثـيـر» بلا اكتراث:
_ مش كنتي تستني امر بطور الانهيار وأفوق وبعدين ترجعي بصدمة جديدة عشان لما انهار المرة دي تبقى النهاية وتبقي وصلتي لغرضك ودمرتي سعادتي!!
عدة خطوات بسيطة فصلت بينهم قطعتها «ميار» بـثقة حتى أصبحت بـمنتصف البيت وعيناه تلتقط نظرات الغضب والشر والكره من الجميع ولكنها لم تبالي وتصنعت التفكير لـعدة ثوانٍ وما لبثت أن هتفت بـ مكر:
_ مش يمكن في صدمة جديدة جايه هتبقي الضاربه القاضية ووقتها أبقى حققت غايتي بتدميركوا!؟
لم يعد يحتمل « راكــان» وجودها الغير مرغوب به ولا نبرة الثقة والمكر التي تُعمر حديثها البغيض فـ نهض مقتربًا منها ينوي ازاحتها من أمامهم بالقضاء عليها وهتف بـ غضب من بين أسنانه:
_ ومفروض نصدق كدبتك دي صح؟! جايه بعد عشر سنين تقولي إني ليا ولد منك! كنتي فين من عشر سنين!! أنتِ نسيتي أنا عرفتك أزاي!!! نسيتي حقيقتك ولا إيه؟؟ ايه يخليني أصدقك!!!!
رفع يديه ينوي صفعها وجرها من حجابها الذي تخفي حقيقتها القذرة خلفه ولكن نظرة «ثائر» النافية لفعله جعلته يتراجع ويغلق قبضته ويهتف بـ كره وتوعد:
_ ورحمه أبويا لأدفعك تمن اللي عملتيه قبل كدا ولسه بتعمليه
ضحكت « ميار» بتشفي وسخرية منه وعقدت ذراعيها أمام صدرها وتبدلت ضحكاتها بنظرة قاسية أوعدت بها آلالامِها المكنونة وغمغمت بـقسوة:
_ وحياة كل لحظة وجعتني فيها يا ابن البدري لأخليك تتمنى الموت ولا هتطوله وما هتشوف يوم حلو في حياتك من النهارده
انقض عليها «راكــان» بـصفعة قوية صدح صداها بآذان الجميع ولم يكتفِ بذلك بل قبض على حجابها بين أصابعه وتمتم بـغل:
_ راجعة تدرمي حياتي لي يا قذرة، فاكرة كدبتك هتخول عليا وتلبسيني غلط واحد غيري واشيل الليلة لا، تبقي متعرفيش ابن البدري اللي بتحلفي بيه دا، هندمك أشد الندم
لم تتحرك ملامح « أثـيـر» قيد أنملة ناحيتهم وبقت على واضعها وبسمة ساخرة تزين ثغرها بينما شرع « ثائر» بتخليص «ميار» من قبضة « راكــان» الغاضبة الذي سول له شيطانه القضاء عليها وهتف بـغضب:
_ راكــان فوق وشوف بتعمل إيه الموضوع ميتحلش كدا، هتضيع نفسك عشان واحده زي دي، اهدي
لم يكترث له بل هبطت يداه لتحيط بــعنقها بقوة سالبًا أنفاسها بـ عنف واسودت عيناه بـقسوة وهتف:
_ اومال تتحل ازاي، واحدة وسخة زي دي دمرت حياتي بين يوم وليلة وبتكدب كمان وعاوزه تلبسني ولد منها بعد عشر سنين بعد ما هربت من غير أسباب، عاوزني اخدها في حضني!!!
حينها ضحكت « أثـيـر» بـتهكم وصوبت أنظارها الباردة عليهم وتمتمت بـ لامبالاة:
_ مش فارقه كتير، هي وصلت لهدفها واللي عوزاه قد كان، تفتكر إيه هدفها من الكدب!! مفيش كدبة ملهاش ماضي
قست نظراتها للحظة عندما تلاقت بـ «راكــان» وخرجت حروفها بـ قوة:
_ أية يخلني أثق في كلامك قصاد كلامها!! هي مكدبتش في حقيقتك!!! أنتَ الكداب الوحيد هنا... على الأقل ظهروها المره دي في الوقت المثالي لأني كنت في لحظة ضعف مني هصدقك واسامحك
تزحزحت يداه تاركة « ميار» واهتزت قدماه بـوجع وتقدم منها وعيناه تلمعان ببريقٍ خافت من الدموع وهمس بـأنين:
_ والله كدابة، هي هربت من عشر سنين وأنا مشوفتهاش ولا قربت منها إزاي تبقى حملت
تسللت «ميار» بـخوف من بينهم وكادت أن تصل لباب البيت لولا قبضة « ورده» الغاضبة التي نبشت أظافرها بجلدها وصوتها الحاد يهتف:
_ جيتي هدمتي بيت متعرفيش صاحبه عانوا قد إيه على ما وصلوا لبعض وكمان كسرتي قلب البت الغلبانه وعاوزه تهربي بسهوله كدا!!! دا يبقى عليا وعلى أعدائي
انهت حديثها بهجومها القوي عليها حتى اختل توازن كلتاهما وسقطت «ورده» فوقها نازعة حجابها بـ عنف سامحة لأظافرها بالتطاول لتُغرس بوجهها البغيض ولم تكف عن لكمها بمعدتها وسط صمت الجميع وعدم تدخلهم للسماح لها بالثأر من تلك الأفعى، رفعت « ورده» رأسها وابتسمت بـ شر وهتفت:
_ وحياة امي لو ما قولتي جايه هنا ليه وعاوزه إيه من البت لتطلعي ما فيكي حته سليمه يبنت العقربة
صرخت «ميار» بحرقة بسبب آلالام جسدها واصطدام رأسها بالأرضية وعنف تلك الفتاة معها:
_ والله ابنه وراجعه عشان ياخده... ابعدي عني بقا
عم الصمت لــدقائق معدودة وتناقلت النظرات جميعها لـ «راكان» الغاضب من كذبها المستمر فنهضت « ورده» عنها وهتفت مشيرة للباب:
_ عارفه الباب اللي دخلتي منه زي الحرميه دا ثانية لو مخرجتيش هطلع عفاريتي عليكي
انهت حديثها وتنفست بـراحة واقتربت من «أثير» الصامتة وجذبتها عنوة من أمام « راكــان» وصاحت بأمر:
_ اتفضل برا وتاني مره لما تحب تدخل البيت للزم تبقى عارف شعور صحابه ناحيتك إيه والظاهر ليك إن وجودك مش مستحب
كاد «راكــان» مجابهة حديثها بآخر غاضب ولكنها قاطعته دافعة « أثـيـر» تجاه هبه المتألمة وهتفت:
_ ادخلوا جوا وأنا هنضف المكان واجي
التفت ناحية « ثائر» المتابع للموقف وتحدثت بـهدوء مزيف:
_ خد صاحبك واتفضلوا ياريت عشان زي ما أنتَ شايف محتاجين نرتاح من قرف اليوم
انهت حديثها بنظرة ثاقبة لـ « راكــان» لتؤكد له أنه المعني بكلامها وراقبت نظراته القاتلة لها ثم خروجهم وهدوء البيت
*********************
انصرف الشباب وجلست الفتيات بعدما نامت « رحمه» وكلا منهم بعالمها الخاص، عليهم جميعاً اتخاذ القرار بحياتهم القادمة، العواقب الناتجة عن القرارات القادمة ستكون وخيمة عليهم، منهم من أخطأت بترعها والسماح لقلبها بالانجراف خلف حبٍ جعلها كمراهقة وتناست حدودها بل وارتكبت خطأ فادح بالبوح بمشاعرها، تناست ما مرت به وانغمست بما صوره لها شيطانها الذي صور لها الجزء الممتلئ من الكوب وغلف الجزء الفارغ منه!!
منهم من وثقت وأحبت بروحها وكيانها وقدمت حياتها ىهينة لرجلٍ كان الأحن والأقوى والألطف لقلبها ولكن!! تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لم يكن صادق!! لم يحبها!! لم يُخلص لها!! كانت مجرد فترة بحياته!! ماذا كانت تنتظر ألرجلٍ مثله بوسامته وجاذبيته ان يحب فتاة ثمينة مثلها قُضي نحب فرحتها من قبل بدايتها؟!...
منهم أيضاً الخائفة من الفُراق الأبدي، لعل من يرحل ويهجر تأتي به الأيام ليعود الوِد والحب ولكن ماذا عن الرحيل النهائي! تخشي فقدان حبيبها لن يتحمل خافقها فقدانه فمجرد تألمه ينزف قلبها العاشق له ماذا عن موته!!
عليهم بالمشاركة لا التخفي والكتمان، اعتدلت «هبه» بجلستها وفركت كفيها بتوتر وهمست بـخجل:
_ أنا غلط... مكنش ينفع اجي هنا مع ثائر وافضل في بيته حتى لو هو شخص شهم وجدع، مكنش ينفع أسمح للشيطان بثغره يدخلي منها ومش بس كدا سمحت ليه يمسك إيدي ويقرب مره ورا التانية وانجرفت ورا قلبي في حب مراهقة مش ندمانه عليه بس ندمانه على عواقبه اللي هتأذيني، البدايات الغلط والمحرمه نهاياتها غلط ومأساوية وأنا مش عاوزه كدا، أنا حبيت ثائر بدون إرادة وسبب مني قلبي دق ليه بعد تجربة قاسية دمرتني وفجأة بعد شهور من المعاناة ربنا عوضني بقلب زي قلبه بحنيته، كفاية إنه فاهمني من نظرة عيني ومنفرش من عيوبي بالعكس بيحبها، حتى بعد ما عرفت إنه مخبي عليا طلاقي متعصبتش ولا لومته مع إني مفروض دا كان قراري ولازم يعرفني وقتها كان بإيدي أقول أفضل ولا امشي، الحب بيخلينا نتصرف غلط وخصوصا لما نسمع قلبنا، تجاربنا بتختلف زي عقولنا وقلوبنا وللآسف كلنا بنسمع للقلب رغم ثقتنا أن معظم قرارته غلط، الحب مش كفاية!! الحب أحياناً بيكون لعنه علينا او اختبار مجبرين نخوضه وعارفين نهايته بس خايفين منها، أنا متأكده إنه شخص كامل عكسي!! بس قلبي عنده أمل يفرح...
انهت حديثها وتسللت الدموع النادمة تشق طريقها لوجهها وكتمت صوت بكائها حتى يتثني لهم الحديث، ابتسمت « ورده» بحزن وشردت متحدثة:
_ لما قرر يعترف ليا بحبه عرفنا إنه عنده سرطان وفي مرحلة مش متقدمه بس معقوله، وقتها حسيت بزوال فرحة حبه وكأني وقعت من منحنى لبير كله ضلمه وخوف، بقالي سنين بحبه وبتحمل طريقته اللي عرفت اسبابها لقيته طفل!! طفل خايف!! خايف زي خوفي عليه، أنا مش معترضة على أمر ربنا بس أنا تعبانه!! خايفه!! جوايا كسرة مش قادرة أبينها ليه عشان لازم أكون قويه معاه عشان ميضعفش!! بس أنا ضعفت دلوقت!! لما حد بيغيب عننا بسفر أو ببعد مؤقت بنقدر نشوفه صدفه أو نسمع صوته ولما بيرجع بنحضنه، معرفش نصيبي لي ديما قليل بس والله راضية بيه!! بس مش عاوزه وجعي وحسرتي تكون فيه هو!! أنا لقيت نفسي بترقص معاه!! مستعده أفضل طول عمري سنداه بس يكون معايا!! بس هو... هو لو مشي!! هسمع صوته ازاي!! هحضنه امتى واضحك!!! هشوفه صدفه!! هيغازلني ويتقبلني زي ماانا!! مين بعده هيطمني رغم خوفه وقلقه!! أنا بحاول اقوى عشانه بيه!!..
تساقطت دموع الفتيات بقوة وعلت شهقاتهم من حديث « ورده» النازف وصوتها الذي برهن خوفها وحبها لذلك الرجل ولكن دور المحطمة لن يكون بهين إذا تلبسته عليها بالقوة حتى وإن افتقدتها لعل بذهابه لن تلوم نفسه على تلك النقطه!!..
ضحكت « أثـيـر» من بين دموعها وارجعت خصلة فارة خلف اذنها وهتفت بمرحٍ زائف:
_ دوري صح!!...
تنفست بـعمق مُجمعة لعنات اليوم معها وهمست بخفوتٍ متألم:
_ شخص غريب طول اربع سنين بتشوفيه عادي بس ولا عمرك فكرتي تلمحي لقلبك بيه وفجأة يظهرلك نفسه مره ورا التانيه ويقول إنه بيحبك ويطمنك ويطمن قلبك ويحسسك إن العالم فيه طاقة وحيوية تكفي روحك الفاضيه يخليكي تحبي الحياة والأدهى تحبي نفسك!! تبنى بروج من الأمل والحب والأحلام وتسمحي لخوفك بالهروب وترقصي تحت المطر بسعادة وتحبي!! تحضني مخدتك بعد كل مكالمه من صوته وكلمة بحبك منه ترجع كسوفك وتعلي دقات قلبك، تقفلي فستانك وتستعدي للدخول حياته بأمل وفرحه لأول مره تتوغل ليكي وتنسي عيوبك وكسرتك ووحدتك ولأول مره متخافيش!! نسيتي إن لكل حاجه ضريبتها!! نسيتي إن مع كل ضحكة بتضحكيها في مخزون وجع بيتحط في طريقك مماثل ليها، فجأة تصحي من الحلم الجميل دا وتكتشفي إنه كان مقدمة لكابوس هيفضل ملازمك طول عمرك، تكتشفي إن الراجل اللي عشقتيه وقلبك ادمن وجوده طلع متجوز!! وتعرفي من مراته في شهر عسلك!! وكمان تعرفي إنه عنده ولد!! كلمة وجع متكفيش الوصف ليكي!! الخذلان مكنش كفاية يعبر عن حالتك!! في وجع وأنين جواكي بس أنتِ عاجزه تعرفيه!! لسه مش مصدقه!! تفتكري قلبك حالته هتكون إيه؟!
همست « هبه» بتأثر وبلاوعي:
_ مقهور...
هزت « أثـيـر» رأسها بنفي وأزالت دموعها وهمست بأنين:
_ لا... بينزف!! بينزف وجع!!
أصبح التنفس هو رئيس الجلسة وعم الهدوء إلا من صوت أنفاسهم السريعة وأنين روحهم، كلا منهم قصتها المأساوية تكفي ليبكي العالم معها ليواسيها، تواجدوا بأوقاتٍ غريبة معاً وتألفت قلوبهم واجتمعت النفوس ليعلن القلب سلطانه وتكشف الألسن عن ما تخفي ليظهر الكتمان بـصرخاتٍ موجوعة مزقت كيانهم...
*********************
دلفا كلاهما للغرفة بعدما اطمأن « ثائر» من نوم والدته وبدل ثيابه وجلس يراقب تعابير « راكــان» الشاردة التي تتبدل كل ثانية وتقسو ملامحه ليتبين له حجم الفجوة التي يعاني منها، أغمض عينيه وتنفس بـهدوء وهتف:
_ إيه رأيك في اللي حصل؟
فاق « راكــان» من شروده ليجد نفسه بغرفة « ثائر» وتحديداً على فراشه فناظره بدهشة وهتف:
_ أنا جيت هنا ازاي!؟
ضحك « ثائر» بسخرية ولكزه بكتفه بقوة وتمتم بتهكم:
_ البيه كان سرحان من وقت ما ورده هزأتك وشكلك مكنتش واخد بالك من سؤالي؟! عندك إجابة لكل اللي حصل من شوي دا؟!
ضحك « راكــان» بتهكم على حاله ورمقه بنظرة مقتضبة وتمتم بتوجس:
_ أنتَ صدقت الشو اللي عملته القذرة دي؟! بتلبسني وساختها؟!
هز « ثائر» كتفيه ببرود ونهض متناولاً كأس المياه وتجرعه كاملاً وهتف:
_ وليه منصدقهاش في دي؟! ماهي قالت إنها كنت مراتك وطلعت صادقه! اشمعنا في دي هتكدب!!
هب « راكــان» من مضجعه بـغضب وصك أسنانه بقوة، جذب « ثائر» من تلابيب قميصه وتمتم بـحدة:
_ عشان كدابه، عشان أنا مقربتش منها ولا لمستها من بعد ما اتجوزتها كنت برجع البيت أنام في اوضتي وهي مع أمي ولا كنت بشوفها،لأنها مشيت وهي مش حامل وراجعه بعد عشر سنين تنفي دا!!! ونفترض أنها كانت حامل فعلاً هربت ليه؟ ولو هربت لأي سبب رجعت دلوقت ليييييه؟! قولي!!!!
نفض «ثائر» يداه عنه وبصق المياه المُختزنة بفمه لتغطي وجه « راكــان» بالكامل وهتف بتشفي:
_ تعرف أنا فرحان فيك عارف ليه؟! لانك كدبت عليا ولانك كنت وسخ زيها، الحاجه الوحيدة اللي زعلان عليها مراتك اللي ملهاش ذنب في كل دا، لو كنت صارحتني من البداية كان الوضع اتغير...
مسح «راكــان» وجهه من المياه العالقة به وغامت عيناه بلمعة انتقام وتمتم بغموض:
_ عندك حق الوضع هيتغير
تجاهله « ثائر» ومدد جسده على الفراش وهتف بأمر:
_ تعالى اتخمد في ليلتك الغم دي والصبح هنلاقي حل ووقتها هنعرف إذا كنت كداب ولا وسخ يا وسخ
ضحك «راكــان» رغماً عنه بسبب حديث «ثائر» المرح وتناسى أحزانه لدقيقة وهتف:
_ طب هاتلي حاجه البسها بدل اللي وسختهم بالميه يا حيوان
أدار «ثائر» جسده بتجاهل ووضع الوسادة فوق رأسه وتمتم بنبرة لا نقاش بها:
_ لا وتعالي اتخمد ومفيش هدوم عقاباً ليك يا قذر
هز «راكــان» رأسه بلا فائدة وابتسم لعلمه بصدق حديث ابن عمه وأنه إذا أراد أمرًا لن يتوانى عن تنفيذه لذلك عليه النوم بملابسه المبللة، اتخذ نومته من السرير وأغمض عيناه ونظرات زوجته الرقيقة تأبى فراقه وعينيها الحزينتين لا يبارحان مخيلته، يتذكر جيداً أنه لم يقترب من تلك المرأة فكيف أنجبت منه!! غضبه يتفاقم ليعميه وعقله يصور له أبشع الصور بكيفية قتلها والتخلص من جسدها العاهر، وسط شروده لم ينتبه لقوة السبات التي غطَ بها سامحًا للهدوء بالولوج لقلبه حتى يستيقظ معافياً ليواكب أحداث الليلة...
********************
يومٌ جديد بعد ليلة قاتمة قضاها الجميع بالبكاء والنزف والعويل الساكن، توارت السحب لتبزخ الشمس بأشعتها الزاهية لتلقي بسهامها على الأرض فتتجفف قطرات الندى بعد ليلة قضتها بتلامس أوراق الاشجار الحبيبة، وصلت «ورده» للمستشفى وعقلها اتخذ قراره النهائي، طرقت باب غرفته ليصل لها صوته الذي غاب عنها ليلة أمس وتناست مهاتفته، تنفست بـتوتر ولفت حاجبة عينيها عنه وأسرعت ملقية بجسدها داخل ذراعيه سامحة لقوتها بالتراخي بين جنبات صدره، تشبثت بقميصه من الخلف وارتفعت شهقاتها، ضمها «براء» بقوة لصدره مستمدًا عونه منها وإليها وقلبه يخبره بحزنها الشديد، يعلم أنها ستخبره حلما تفرغ من وقوعها للبكاء ولكن تلك المرة!! هي ليست بخير، ابتعدت عنه ورفعت وجهها له مقربة شفتيها منه طابعة قبلة فوق شفتيه بخفة وهمست بعشق:
_ موافقه نتجوز وتكمل علاجك في بيتنا واحنا سوا
ضحك قلبه سعادة لتصريحها وجذبها في قبلة عميقة بادلته هي بأخرى قوية ليختلس لُبها كمٍ لا نهائي من الزكريات له وضمت جسدها له أكثر ويديها تتلاعب بلحيته الكثيفة، اسند جبهته على خاصتها بإرهاق وهتف بتوجس:
_ متأكدة إنك جاهزه؟!
هزت رأسها بلا تردد وهتفت:
_ جاهزه عن أي وقت فات يا براء
احتضنها لقفصه الصدري وغمغم باستفهامٍ:
_ اشمعنا دلوقت، حصل حاجه؟!
تسللت أصابعها لتختفي بلحيته السوداء ولمعت عينيها ببريقٍ من الدموع وهمست بثقة:
_ عشان مش عاوزه لحظة تعدي واحنا مش في بيتا، مش عاوزه ليلة تعدي وأنا مش في حضنك، عاوزه اقف في مطبخنا واحضر الفطار واستناك لما ترجع تحضني وتحكيلي يومك، عاوزه أكون جزء منك واثبت لنفسي إنك هنا معايا، مش عاوزه أخاف يا براء، عاوزه اطمن
لن ينكر خوفه المماثل لحالته ولكنه لن يظهر بل سيتظاهر بالقوة لأجلها مهما كلفه الأمر من تصنع، قرب كفها من فمه ولثم باطنه بعمق وهمس بنَبرة متلهفة:
_ مش مصدق إن اليوم دا هيجي ومعاكي، مكنتش اتوقع الفرحة اللي ماليه قلبي دلوقت بفضلك، أنا واحد عيشت عمري كله لواحده من مكان لمكان والحزن استعمر قلبي وفقدت شغفي أو تظاهرت بكدا بس بشوفتك رجعتلي روحي نفسها ومش مستعده تغيب عنك، أنا كنت ضايع من غير حبك، يا روح براء متخافيش، أنا هنا وهفضل هنا مهما كان وعمر قلبي ما هيفارقك ولا يفوتك وحيدة
ضمته « ورده» بـراحة ودثرت نفسها بجسده تستمد الآمان منه وتركت ذاتها لسلطان النوم الذي هرب منها ليلة أمس
********************
جلست الفتيات بسكونٍ حول مائدة الإفطار بعدما ذهبت «ورده» مبكراً، لم تدخل لقمة وحيدة بفم إحداهما ولكن التصنع والشرود غلب عليهم وسط نظرات الصغيرة الحانقة منهم فوضعت ملعقتها بـقوة انتبوا لها وهتفت بـغيظ:
_ هتفضلوا تقلبوا في الأكل كتير ولا هناكل ونبطل لعب شوي؟!
تركت كلتاهما ملعقتها وصبوا اهتمامهم على «رحمه» الغاضبة وتمتمت «هبه» بقلق:
_ رحمه حبيبتي أنتِ متعصبه ليه؟!
أبصرتهم «رحمه» بعينين متوجستين ولوحت بيديها بالفراغ وهتفت موضحة مقصدها:
_ لا مش متعصبه ولا حاجه بس اللي يشوف كلكوا يعطف عليكوا، مش نهاية العالم، دا حتى بيقولوا يروح قرد يجي غزال!! ولا هو انتو كدا بتحبوا اللي يهينكوا؟!
لم تتمالك الفتاتان ضحكاتهم وانخرطوا بموجة من الضحك حتى ادمعت عينيهم وغمغت «أثـيـر» بصوت ضاحك:
_ عندك حق والله بس المشكلة إننا لنحب القرود بتاعتنا زيادة حبتين تلاته
لم تتعجب «هبه» من تبدل حال «أثـيـر» ولكنها هتفت بتأكيد لحديثها:
_ فعلاً احنا بنحب القرود..
نهضت «رحمه» لتغتسل فنظرت «هبه» نظرات مستفهمة لـ « أثـيـر» وهتفت بتساؤل:
_ أنتِ كويسه؟!
ربتت « أثـيـر» على كفها بـتوتر وغمغمت:
_ يمكن مش كويسه ومعرفش امتى هكون كويسه ولحد الآن معرفش الحقيقة بس عندي ثقة في راكــان لحد دلوقت، سميه تخلف أو خوف من الحقيقة بس حبه كان كبير وواضح في عيونه، لسه عندي جزء بينفي كل الأحداث دي، ولو كل دا حقيقة وقتها مش عارفه هتكون حالتي إيه ومش حابه أعرف صدقيني...
ابتسمت «هبه» بأمل لها وربتت على كفها وغمغمت بتأثر:
_ صدقيني بإذن الله تعالى كل حاجه هتكون بخير
اومأت «أثـيـر» وتمتمت بحرج:
_ أنا اسفه على اللي حصل امبارح وإني دخلتكوا في حكاية غريبة زي دي وصدعتكوا بمشاكلي بالليل
هزت «هبه» رأسها بنفي وهتفت بطيبة صادقة:
_ لا يا حبيبتي متقوليش كدا، أنتِ بقيتي صاحبتنا ولو مرتحناش ليكي مكناش حكينا ليكي حاجه عننا، أنتِ طيبة وقلبك لسه صادق وتتحبي يا أثير
كادت « أثـيـر» أن ترد عليها ولكن صوت جلبة عالية قادمة من شقة الخارج جعلتهم ينهضون وتناسب «هبه» ارتداء نقابها ولكنها تعجبت حينما فتحوا ووجدوا الشرطة تحتل المكان حاجبين باب الشقة، لم يتثنى لهم رؤية الوضع جيداً ولكن صوت الضابط الذي صدح بقوة:
_ راكان شريف البدري مطلوب القبض عليه بتهمة قتل
نظرت الفتاتان لبعضهم بصدمة وهموا للذهاب ولكن صوت «راكان» المتسائل أوقفهم:
_ قتل إيه ومين؟!!!!
أجابه الظابط بحزم:
_ قتل... قتل ميار الشربيني
الفصل الرابع عشر
حينما تعجز عن الاختيار... أغمض عينيك واترك قلبك يتفقد هويته
انقطاع تدفق الدماء لو لــثوانٍ عن العقل يسمح لــبعض الخلايا أو ربما جميعها بــالانسحاب والضمور الأبدي الذي لا شِفاء منه كـ مثل الصدمات المتتالية تُعطي للعقل بــهدنة زمنية من الانفصال عن العالم وولوجه لــبقعة نائية من الإنكار رافضًا الصمود والدفاع وبـذلك يبدأ التدرج بــفقده والعيش بلا اكتراث...
التوازن بين الأمور يقود الحياة البشرية لــقرونٍ من الهدوء الداخلي والسلام العام والعكس صحيح، كلما فَرُط الأعطاء كلما تكبد الجسد عناء الانسحاب تحت مسمى فقدان الشغف!...
فرغ «راكــان» من حديثه وانتظر إجابتها كـ طالب ثانوي ينتظر نتيجة نهاية عامه الدارسي والتي ستحدد طريق وجهته!! ولكنه لم ينتبه لـ تلك الواقفة تتابع حديثهم بـ عينين باسمتين وعندما طال الصمت قررت التدخل بـ خطواتٍ متغنجة وواثقة وهتفت بـ قوة:
_ طبعاً ملوش حق يكدب عليكي يا أثـيـر بأنه متجوز تؤ تؤ... بس في كدبه كمان نسي يقولها!! نسي حمزه!! ابنه...
دارت الرؤوس المصدومة والمزهولة من وقع تلك الحروف عليها وانفرجت الأفواه عن شهقات الفتيات القادمة من الخلف وكذلك «ثائر» الذي عاد من شقته وصادف دلوفه حديث «ميار» الصاعق!! بينما ملامح «أثير» لم تتغير كل عضلة بوجهها مرتخية بطريقة جعلت الجميع يناظرها بدهشة وصمت وكان للصمت دورًا رئيسي باللعب بتلك الأمسية الصاعقة لهم!! وقفت كلا من «ورده» و «هبه» يبصران تلك الدخيلة التي استغلت تركهم لـباب الشقة مفتوح وولجت باصقة سمومها المميتة لهم بكل شماتة جعلت دماؤهم تفور كفوران الحليب عند بسترته، مِثل الجميع يرمقها بـ أبغض النظرات على وجه الخليقة قابضًا فوق أحرف المقعد وغضبه المتفاقم يناشد للثوران والبزوخ للنيل من تلك العاهرة التي قضت على سعادته للتو!!
أخيراً وبعد دقائق من الصمت اتخذها الجميع كلا حسب مفهومه خرجت أول الكلمات من فم « أثـيـر» بلا اكتراث:
_ مش كنتي تستني امر بطور الانهيار وأفوق وبعدين ترجعي بصدمة جديدة عشان لما انهار المرة دي تبقى النهاية وتبقي وصلتي لغرضك ودمرتي سعادتي!!
عدة خطوات بسيطة فصلت بينهم قطعتها «ميار» بـثقة حتى أصبحت بـمنتصف البيت وعيناه تلتقط نظرات الغضب والشر والكره من الجميع ولكنها لم تبالي وتصنعت التفكير لـعدة ثوانٍ وما لبثت أن هتفت بـ مكر:
_ مش يمكن في صدمة جديدة جايه هتبقي الضاربه القاضية ووقتها أبقى حققت غايتي بتدميركوا!؟
لم يعد يحتمل « راكــان» وجودها الغير مرغوب به ولا نبرة الثقة والمكر التي تُعمر حديثها البغيض فـ نهض مقتربًا منها ينوي ازاحتها من أمامهم بالقضاء عليها وهتف بـ غضب من بين أسنانه:
_ ومفروض نصدق كدبتك دي صح؟! جايه بعد عشر سنين تقولي إني ليا ولد منك! كنتي فين من عشر سنين!! أنتِ نسيتي أنا عرفتك أزاي!!! نسيتي حقيقتك ولا إيه؟؟ ايه يخليني أصدقك!!!!
رفع يديه ينوي صفعها وجرها من حجابها الذي تخفي حقيقتها القذرة خلفه ولكن نظرة «ثائر» النافية لفعله جعلته يتراجع ويغلق قبضته ويهتف بـ كره وتوعد:
_ ورحمه أبويا لأدفعك تمن اللي عملتيه قبل كدا ولسه بتعمليه
ضحكت « ميار» بتشفي وسخرية منه وعقدت ذراعيها أمام صدرها وتبدلت ضحكاتها بنظرة قاسية أوعدت بها آلالامِها المكنونة وغمغمت بـقسوة:
_ وحياة كل لحظة وجعتني فيها يا ابن البدري لأخليك تتمنى الموت ولا هتطوله وما هتشوف يوم حلو في حياتك من النهارده
انقض عليها «راكــان» بـصفعة قوية صدح صداها بآذان الجميع ولم يكتفِ بذلك بل قبض على حجابها بين أصابعه وتمتم بـغل:
_ راجعة تدرمي حياتي لي يا قذرة، فاكرة كدبتك هتخول عليا وتلبسيني غلط واحد غيري واشيل الليلة لا، تبقي متعرفيش ابن البدري اللي بتحلفي بيه دا، هندمك أشد الندم
لم تتحرك ملامح « أثـيـر» قيد أنملة ناحيتهم وبقت على واضعها وبسمة ساخرة تزين ثغرها بينما شرع « ثائر» بتخليص «ميار» من قبضة « راكــان» الغاضبة الذي سول له شيطانه القضاء عليها وهتف بـغضب:
_ راكــان فوق وشوف بتعمل إيه الموضوع ميتحلش كدا، هتضيع نفسك عشان واحده زي دي، اهدي
لم يكترث له بل هبطت يداه لتحيط بــعنقها بقوة سالبًا أنفاسها بـ عنف واسودت عيناه بـقسوة وهتف:
_ اومال تتحل ازاي، واحدة وسخة زي دي دمرت حياتي بين يوم وليلة وبتكدب كمان وعاوزه تلبسني ولد منها بعد عشر سنين بعد ما هربت من غير أسباب، عاوزني اخدها في حضني!!!
حينها ضحكت « أثـيـر» بـتهكم وصوبت أنظارها الباردة عليهم وتمتمت بـ لامبالاة:
_ مش فارقه كتير، هي وصلت لهدفها واللي عوزاه قد كان، تفتكر إيه هدفها من الكدب!! مفيش كدبة ملهاش ماضي
قست نظراتها للحظة عندما تلاقت بـ «راكــان» وخرجت حروفها بـ قوة:
_ أية يخلني أثق في كلامك قصاد كلامها!! هي مكدبتش في حقيقتك!!! أنتَ الكداب الوحيد هنا... على الأقل ظهروها المره دي في الوقت المثالي لأني كنت في لحظة ضعف مني هصدقك واسامحك
تزحزحت يداه تاركة « ميار» واهتزت قدماه بـوجع وتقدم منها وعيناه تلمعان ببريقٍ خافت من الدموع وهمس بـأنين:
_ والله كدابة، هي هربت من عشر سنين وأنا مشوفتهاش ولا قربت منها إزاي تبقى حملت
تسللت «ميار» بـخوف من بينهم وكادت أن تصل لباب البيت لولا قبضة « ورده» الغاضبة التي نبشت أظافرها بجلدها وصوتها الحاد يهتف:
_ جيتي هدمتي بيت متعرفيش صاحبه عانوا قد إيه على ما وصلوا لبعض وكمان كسرتي قلب البت الغلبانه وعاوزه تهربي بسهوله كدا!!! دا يبقى عليا وعلى أعدائي
انهت حديثها بهجومها القوي عليها حتى اختل توازن كلتاهما وسقطت «ورده» فوقها نازعة حجابها بـ عنف سامحة لأظافرها بالتطاول لتُغرس بوجهها البغيض ولم تكف عن لكمها بمعدتها وسط صمت الجميع وعدم تدخلهم للسماح لها بالثأر من تلك الأفعى، رفعت « ورده» رأسها وابتسمت بـ شر وهتفت:
_ وحياة امي لو ما قولتي جايه هنا ليه وعاوزه إيه من البت لتطلعي ما فيكي حته سليمه يبنت العقربة
صرخت «ميار» بحرقة بسبب آلالام جسدها واصطدام رأسها بالأرضية وعنف تلك الفتاة معها:
_ والله ابنه وراجعه عشان ياخده... ابعدي عني بقا
عم الصمت لــدقائق معدودة وتناقلت النظرات جميعها لـ «راكان» الغاضب من كذبها المستمر فنهضت « ورده» عنها وهتفت مشيرة للباب:
_ عارفه الباب اللي دخلتي منه زي الحرميه دا ثانية لو مخرجتيش هطلع عفاريتي عليكي
انهت حديثها وتنفست بـراحة واقتربت من «أثير» الصامتة وجذبتها عنوة من أمام « راكــان» وصاحت بأمر:
_ اتفضل برا وتاني مره لما تحب تدخل البيت للزم تبقى عارف شعور صحابه ناحيتك إيه والظاهر ليك إن وجودك مش مستحب
كاد «راكــان» مجابهة حديثها بآخر غاضب ولكنها قاطعته دافعة « أثـيـر» تجاه هبه المتألمة وهتفت:
_ ادخلوا جوا وأنا هنضف المكان واجي
التفت ناحية « ثائر» المتابع للموقف وتحدثت بـهدوء مزيف:
_ خد صاحبك واتفضلوا ياريت عشان زي ما أنتَ شايف محتاجين نرتاح من قرف اليوم
انهت حديثها بنظرة ثاقبة لـ « راكــان» لتؤكد له أنه المعني بكلامها وراقبت نظراته القاتلة لها ثم خروجهم وهدوء البيت
*********************
انصرف الشباب وجلست الفتيات بعدما نامت « رحمه» وكلا منهم بعالمها الخاص، عليهم جميعاً اتخاذ القرار بحياتهم القادمة، العواقب الناتجة عن القرارات القادمة ستكون وخيمة عليهم، منهم من أخطأت بترعها والسماح لقلبها بالانجراف خلف حبٍ جعلها كمراهقة وتناست حدودها بل وارتكبت خطأ فادح بالبوح بمشاعرها، تناست ما مرت به وانغمست بما صوره لها شيطانها الذي صور لها الجزء الممتلئ من الكوب وغلف الجزء الفارغ منه!!
منهم من وثقت وأحبت بروحها وكيانها وقدمت حياتها ىهينة لرجلٍ كان الأحن والأقوى والألطف لقلبها ولكن!! تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، لم يكن صادق!! لم يحبها!! لم يُخلص لها!! كانت مجرد فترة بحياته!! ماذا كانت تنتظر ألرجلٍ مثله بوسامته وجاذبيته ان يحب فتاة ثمينة مثلها قُضي نحب فرحتها من قبل بدايتها؟!...
منهم أيضاً الخائفة من الفُراق الأبدي، لعل من يرحل ويهجر تأتي به الأيام ليعود الوِد والحب ولكن ماذا عن الرحيل النهائي! تخشي فقدان حبيبها لن يتحمل خافقها فقدانه فمجرد تألمه ينزف قلبها العاشق له ماذا عن موته!!
عليهم بالمشاركة لا التخفي والكتمان، اعتدلت «هبه» بجلستها وفركت كفيها بتوتر وهمست بـخجل:
_ أنا غلط... مكنش ينفع اجي هنا مع ثائر وافضل في بيته حتى لو هو شخص شهم وجدع، مكنش ينفع أسمح للشيطان بثغره يدخلي منها ومش بس كدا سمحت ليه يمسك إيدي ويقرب مره ورا التانية وانجرفت ورا قلبي في حب مراهقة مش ندمانه عليه بس ندمانه على عواقبه اللي هتأذيني، البدايات الغلط والمحرمه نهاياتها غلط ومأساوية وأنا مش عاوزه كدا، أنا حبيت ثائر بدون إرادة وسبب مني قلبي دق ليه بعد تجربة قاسية دمرتني وفجأة بعد شهور من المعاناة ربنا عوضني بقلب زي قلبه بحنيته، كفاية إنه فاهمني من نظرة عيني ومنفرش من عيوبي بالعكس بيحبها، حتى بعد ما عرفت إنه مخبي عليا طلاقي متعصبتش ولا لومته مع إني مفروض دا كان قراري ولازم يعرفني وقتها كان بإيدي أقول أفضل ولا امشي، الحب بيخلينا نتصرف غلط وخصوصا لما نسمع قلبنا، تجاربنا بتختلف زي عقولنا وقلوبنا وللآسف كلنا بنسمع للقلب رغم ثقتنا أن معظم قرارته غلط، الحب مش كفاية!! الحب أحياناً بيكون لعنه علينا او اختبار مجبرين نخوضه وعارفين نهايته بس خايفين منها، أنا متأكده إنه شخص كامل عكسي!! بس قلبي عنده أمل يفرح...
انهت حديثها وتسللت الدموع النادمة تشق طريقها لوجهها وكتمت صوت بكائها حتى يتثني لهم الحديث، ابتسمت « ورده» بحزن وشردت متحدثة:
_ لما قرر يعترف ليا بحبه عرفنا إنه عنده سرطان وفي مرحلة مش متقدمه بس معقوله، وقتها حسيت بزوال فرحة حبه وكأني وقعت من منحنى لبير كله ضلمه وخوف، بقالي سنين بحبه وبتحمل طريقته اللي عرفت اسبابها لقيته طفل!! طفل خايف!! خايف زي خوفي عليه، أنا مش معترضة على أمر ربنا بس أنا تعبانه!! خايفه!! جوايا كسرة مش قادرة أبينها ليه عشان لازم أكون قويه معاه عشان ميضعفش!! بس أنا ضعفت دلوقت!! لما حد بيغيب عننا بسفر أو ببعد مؤقت بنقدر نشوفه صدفه أو نسمع صوته ولما بيرجع بنحضنه، معرفش نصيبي لي ديما قليل بس والله راضية بيه!! بس مش عاوزه وجعي وحسرتي تكون فيه هو!! أنا لقيت نفسي بترقص معاه!! مستعده أفضل طول عمري سنداه بس يكون معايا!! بس هو... هو لو مشي!! هسمع صوته ازاي!! هحضنه امتى واضحك!!! هشوفه صدفه!! هيغازلني ويتقبلني زي ماانا!! مين بعده هيطمني رغم خوفه وقلقه!! أنا بحاول اقوى عشانه بيه!!..
تساقطت دموع الفتيات بقوة وعلت شهقاتهم من حديث « ورده» النازف وصوتها الذي برهن خوفها وحبها لذلك الرجل ولكن دور المحطمة لن يكون بهين إذا تلبسته عليها بالقوة حتى وإن افتقدتها لعل بذهابه لن تلوم نفسه على تلك النقطه!!..
ضحكت « أثـيـر» من بين دموعها وارجعت خصلة فارة خلف اذنها وهتفت بمرحٍ زائف:
_ دوري صح!!...
تنفست بـعمق مُجمعة لعنات اليوم معها وهمست بخفوتٍ متألم:
_ شخص غريب طول اربع سنين بتشوفيه عادي بس ولا عمرك فكرتي تلمحي لقلبك بيه وفجأة يظهرلك نفسه مره ورا التانيه ويقول إنه بيحبك ويطمنك ويطمن قلبك ويحسسك إن العالم فيه طاقة وحيوية تكفي روحك الفاضيه يخليكي تحبي الحياة والأدهى تحبي نفسك!! تبنى بروج من الأمل والحب والأحلام وتسمحي لخوفك بالهروب وترقصي تحت المطر بسعادة وتحبي!! تحضني مخدتك بعد كل مكالمه من صوته وكلمة بحبك منه ترجع كسوفك وتعلي دقات قلبك، تقفلي فستانك وتستعدي للدخول حياته بأمل وفرحه لأول مره تتوغل ليكي وتنسي عيوبك وكسرتك ووحدتك ولأول مره متخافيش!! نسيتي إن لكل حاجه ضريبتها!! نسيتي إن مع كل ضحكة بتضحكيها في مخزون وجع بيتحط في طريقك مماثل ليها، فجأة تصحي من الحلم الجميل دا وتكتشفي إنه كان مقدمة لكابوس هيفضل ملازمك طول عمرك، تكتشفي إن الراجل اللي عشقتيه وقلبك ادمن وجوده طلع متجوز!! وتعرفي من مراته في شهر عسلك!! وكمان تعرفي إنه عنده ولد!! كلمة وجع متكفيش الوصف ليكي!! الخذلان مكنش كفاية يعبر عن حالتك!! في وجع وأنين جواكي بس أنتِ عاجزه تعرفيه!! لسه مش مصدقه!! تفتكري قلبك حالته هتكون إيه؟!
همست « هبه» بتأثر وبلاوعي:
_ مقهور...
هزت « أثـيـر» رأسها بنفي وأزالت دموعها وهمست بأنين:
_ لا... بينزف!! بينزف وجع!!
أصبح التنفس هو رئيس الجلسة وعم الهدوء إلا من صوت أنفاسهم السريعة وأنين روحهم، كلا منهم قصتها المأساوية تكفي ليبكي العالم معها ليواسيها، تواجدوا بأوقاتٍ غريبة معاً وتألفت قلوبهم واجتمعت النفوس ليعلن القلب سلطانه وتكشف الألسن عن ما تخفي ليظهر الكتمان بـصرخاتٍ موجوعة مزقت كيانهم...
*********************
دلفا كلاهما للغرفة بعدما اطمأن « ثائر» من نوم والدته وبدل ثيابه وجلس يراقب تعابير « راكــان» الشاردة التي تتبدل كل ثانية وتقسو ملامحه ليتبين له حجم الفجوة التي يعاني منها، أغمض عينيه وتنفس بـهدوء وهتف:
_ إيه رأيك في اللي حصل؟
فاق « راكــان» من شروده ليجد نفسه بغرفة « ثائر» وتحديداً على فراشه فناظره بدهشة وهتف:
_ أنا جيت هنا ازاي!؟
ضحك « ثائر» بسخرية ولكزه بكتفه بقوة وتمتم بتهكم:
_ البيه كان سرحان من وقت ما ورده هزأتك وشكلك مكنتش واخد بالك من سؤالي؟! عندك إجابة لكل اللي حصل من شوي دا؟!
ضحك « راكــان» بتهكم على حاله ورمقه بنظرة مقتضبة وتمتم بتوجس:
_ أنتَ صدقت الشو اللي عملته القذرة دي؟! بتلبسني وساختها؟!
هز « ثائر» كتفيه ببرود ونهض متناولاً كأس المياه وتجرعه كاملاً وهتف:
_ وليه منصدقهاش في دي؟! ماهي قالت إنها كنت مراتك وطلعت صادقه! اشمعنا في دي هتكدب!!
هب « راكــان» من مضجعه بـغضب وصك أسنانه بقوة، جذب « ثائر» من تلابيب قميصه وتمتم بـحدة:
_ عشان كدابه، عشان أنا مقربتش منها ولا لمستها من بعد ما اتجوزتها كنت برجع البيت أنام في اوضتي وهي مع أمي ولا كنت بشوفها،لأنها مشيت وهي مش حامل وراجعه بعد عشر سنين تنفي دا!!! ونفترض أنها كانت حامل فعلاً هربت ليه؟ ولو هربت لأي سبب رجعت دلوقت ليييييه؟! قولي!!!!
نفض «ثائر» يداه عنه وبصق المياه المُختزنة بفمه لتغطي وجه « راكــان» بالكامل وهتف بتشفي:
_ تعرف أنا فرحان فيك عارف ليه؟! لانك كدبت عليا ولانك كنت وسخ زيها، الحاجه الوحيدة اللي زعلان عليها مراتك اللي ملهاش ذنب في كل دا، لو كنت صارحتني من البداية كان الوضع اتغير...
مسح «راكــان» وجهه من المياه العالقة به وغامت عيناه بلمعة انتقام وتمتم بغموض:
_ عندك حق الوضع هيتغير
تجاهله « ثائر» ومدد جسده على الفراش وهتف بأمر:
_ تعالى اتخمد في ليلتك الغم دي والصبح هنلاقي حل ووقتها هنعرف إذا كنت كداب ولا وسخ يا وسخ
ضحك «راكــان» رغماً عنه بسبب حديث «ثائر» المرح وتناسى أحزانه لدقيقة وهتف:
_ طب هاتلي حاجه البسها بدل اللي وسختهم بالميه يا حيوان
أدار «ثائر» جسده بتجاهل ووضع الوسادة فوق رأسه وتمتم بنبرة لا نقاش بها:
_ لا وتعالي اتخمد ومفيش هدوم عقاباً ليك يا قذر
هز «راكــان» رأسه بلا فائدة وابتسم لعلمه بصدق حديث ابن عمه وأنه إذا أراد أمرًا لن يتوانى عن تنفيذه لذلك عليه النوم بملابسه المبللة، اتخذ نومته من السرير وأغمض عيناه ونظرات زوجته الرقيقة تأبى فراقه وعينيها الحزينتين لا يبارحان مخيلته، يتذكر جيداً أنه لم يقترب من تلك المرأة فكيف أنجبت منه!! غضبه يتفاقم ليعميه وعقله يصور له أبشع الصور بكيفية قتلها والتخلص من جسدها العاهر، وسط شروده لم ينتبه لقوة السبات التي غطَ بها سامحًا للهدوء بالولوج لقلبه حتى يستيقظ معافياً ليواكب أحداث الليلة...
********************
يومٌ جديد بعد ليلة قاتمة قضاها الجميع بالبكاء والنزف والعويل الساكن، توارت السحب لتبزخ الشمس بأشعتها الزاهية لتلقي بسهامها على الأرض فتتجفف قطرات الندى بعد ليلة قضتها بتلامس أوراق الاشجار الحبيبة، وصلت «ورده» للمستشفى وعقلها اتخذ قراره النهائي، طرقت باب غرفته ليصل لها صوته الذي غاب عنها ليلة أمس وتناست مهاتفته، تنفست بـتوتر ولفت حاجبة عينيها عنه وأسرعت ملقية بجسدها داخل ذراعيه سامحة لقوتها بالتراخي بين جنبات صدره، تشبثت بقميصه من الخلف وارتفعت شهقاتها، ضمها «براء» بقوة لصدره مستمدًا عونه منها وإليها وقلبه يخبره بحزنها الشديد، يعلم أنها ستخبره حلما تفرغ من وقوعها للبكاء ولكن تلك المرة!! هي ليست بخير، ابتعدت عنه ورفعت وجهها له مقربة شفتيها منه طابعة قبلة فوق شفتيه بخفة وهمست بعشق:
_ موافقه نتجوز وتكمل علاجك في بيتنا واحنا سوا
ضحك قلبه سعادة لتصريحها وجذبها في قبلة عميقة بادلته هي بأخرى قوية ليختلس لُبها كمٍ لا نهائي من الزكريات له وضمت جسدها له أكثر ويديها تتلاعب بلحيته الكثيفة، اسند جبهته على خاصتها بإرهاق وهتف بتوجس:
_ متأكدة إنك جاهزه؟!
هزت رأسها بلا تردد وهتفت:
_ جاهزه عن أي وقت فات يا براء
احتضنها لقفصه الصدري وغمغم باستفهامٍ:
_ اشمعنا دلوقت، حصل حاجه؟!
تسللت أصابعها لتختفي بلحيته السوداء ولمعت عينيها ببريقٍ من الدموع وهمست بثقة:
_ عشان مش عاوزه لحظة تعدي واحنا مش في بيتا، مش عاوزه ليلة تعدي وأنا مش في حضنك، عاوزه اقف في مطبخنا واحضر الفطار واستناك لما ترجع تحضني وتحكيلي يومك، عاوزه أكون جزء منك واثبت لنفسي إنك هنا معايا، مش عاوزه أخاف يا براء، عاوزه اطمن
لن ينكر خوفه المماثل لحالته ولكنه لن يظهر بل سيتظاهر بالقوة لأجلها مهما كلفه الأمر من تصنع، قرب كفها من فمه ولثم باطنه بعمق وهمس بنَبرة متلهفة:
_ مش مصدق إن اليوم دا هيجي ومعاكي، مكنتش اتوقع الفرحة اللي ماليه قلبي دلوقت بفضلك، أنا واحد عيشت عمري كله لواحده من مكان لمكان والحزن استعمر قلبي وفقدت شغفي أو تظاهرت بكدا بس بشوفتك رجعتلي روحي نفسها ومش مستعده تغيب عنك، أنا كنت ضايع من غير حبك، يا روح براء متخافيش، أنا هنا وهفضل هنا مهما كان وعمر قلبي ما هيفارقك ولا يفوتك وحيدة
ضمته « ورده» بـراحة ودثرت نفسها بجسده تستمد الآمان منه وتركت ذاتها لسلطان النوم الذي هرب منها ليلة أمس
********************
جلست الفتيات بسكونٍ حول مائدة الإفطار بعدما ذهبت «ورده» مبكراً، لم تدخل لقمة وحيدة بفم إحداهما ولكن التصنع والشرود غلب عليهم وسط نظرات الصغيرة الحانقة منهم فوضعت ملعقتها بـقوة انتبوا لها وهتفت بـغيظ:
_ هتفضلوا تقلبوا في الأكل كتير ولا هناكل ونبطل لعب شوي؟!
تركت كلتاهما ملعقتها وصبوا اهتمامهم على «رحمه» الغاضبة وتمتمت «هبه» بقلق:
_ رحمه حبيبتي أنتِ متعصبه ليه؟!
أبصرتهم «رحمه» بعينين متوجستين ولوحت بيديها بالفراغ وهتفت موضحة مقصدها:
_ لا مش متعصبه ولا حاجه بس اللي يشوف كلكوا يعطف عليكوا، مش نهاية العالم، دا حتى بيقولوا يروح قرد يجي غزال!! ولا هو انتو كدا بتحبوا اللي يهينكوا؟!
لم تتمالك الفتاتان ضحكاتهم وانخرطوا بموجة من الضحك حتى ادمعت عينيهم وغمغت «أثـيـر» بصوت ضاحك:
_ عندك حق والله بس المشكلة إننا لنحب القرود بتاعتنا زيادة حبتين تلاته
لم تتعجب «هبه» من تبدل حال «أثـيـر» ولكنها هتفت بتأكيد لحديثها:
_ فعلاً احنا بنحب القرود..
نهضت «رحمه» لتغتسل فنظرت «هبه» نظرات مستفهمة لـ « أثـيـر» وهتفت بتساؤل:
_ أنتِ كويسه؟!
ربتت « أثـيـر» على كفها بـتوتر وغمغمت:
_ يمكن مش كويسه ومعرفش امتى هكون كويسه ولحد الآن معرفش الحقيقة بس عندي ثقة في راكــان لحد دلوقت، سميه تخلف أو خوف من الحقيقة بس حبه كان كبير وواضح في عيونه، لسه عندي جزء بينفي كل الأحداث دي، ولو كل دا حقيقة وقتها مش عارفه هتكون حالتي إيه ومش حابه أعرف صدقيني...
ابتسمت «هبه» بأمل لها وربتت على كفها وغمغمت بتأثر:
_ صدقيني بإذن الله تعالى كل حاجه هتكون بخير
اومأت «أثـيـر» وتمتمت بحرج:
_ أنا اسفه على اللي حصل امبارح وإني دخلتكوا في حكاية غريبة زي دي وصدعتكوا بمشاكلي بالليل
هزت «هبه» رأسها بنفي وهتفت بطيبة صادقة:
_ لا يا حبيبتي متقوليش كدا، أنتِ بقيتي صاحبتنا ولو مرتحناش ليكي مكناش حكينا ليكي حاجه عننا، أنتِ طيبة وقلبك لسه صادق وتتحبي يا أثير
كادت « أثـيـر» أن ترد عليها ولكن صوت جلبة عالية قادمة من شقة الخارج جعلتهم ينهضون وتناسب «هبه» ارتداء نقابها ولكنها تعجبت حينما فتحوا ووجدوا الشرطة تحتل المكان حاجبين باب الشقة، لم يتثنى لهم رؤية الوضع جيداً ولكن صوت الضابط الذي صدح بقوة:
_ راكان شريف البدري مطلوب القبض عليه بتهمة قتل
نظرت الفتاتان لبعضهم بصدمة وهموا للذهاب ولكن صوت «راكان» المتسائل أوقفهم:
_ قتل إيه ومين؟!!!!
أجابه الظابط بحزم:
_ قتل... قتل ميار الشربيني