رواية هل الضربة قاضية الفصل الثالث عشر 13 بقلم نهال عبدالواحد
وفي صباح اليوم التالي ذهب رياض إلى بيت حبيبة وهاجر، اقترب من الباب وطرقه متطلعًا المكان من حوله مشاهدًا بعينيه الشروخ والتصدعات عبر الجدران باستياء، الوضع بالفعل خطير.
ابتسم رياض قائلًا بلطف: صباح الخير.
فأومأت: صباح النور.
- إيه الأخبار؟ فين حبيبة؟
قال الأخيرة متطلعًا بعينيه لداخل الشقة.
فتنهدت وقالت: ف أوضتها زي ما هي، عمالة أخبط ومش بترد برضو.
ثم قالت: باقولك إيه! ما تجرب إنت وتحاول معاها.
فقال مترددًا: بس...
وسكت قليلًا ثم لم يجد إلا وأن يدخل، أشارت هاجر له نحو حجرة حبيبة فاقترب حتى وصل فطرق الباب عدة طرقات مناديًا: حبيبة، حبيبة، أنا رياض.
كانت حبيبة في حجرتها مستلقية في فراشها محتضنة وسادتها تحدق في الفراغ ولازالت تراجع كل حياتها كما تفعل دائمًا!
وفجأة انتبهت لصوته! ماذا؟! صوت رياض ! كيف؟!
فنهضت جالسة محرّكة بؤبؤتيها بسرعة في كل اتجاه كأنما تتأكد من يقظتها، ثم فركت خلف رأسها وأعادت ظهرها لفراشها، هو مؤكد حلم!
لكن...
إنه مجددًا! صوته مناديًا: حبيبة، حبيبة، أنا رياض، معقول كل ده نوم! ما كنتش أعرف إن نومك تقيل كده!
فقفزت مسرعة من فراشها واتجهت ناحية الباب ثم وقفت تتلاقط أنفاسها قليلًا، ثم فتحت الباب وتصنّمت مكانها وهي تحدق بحدقتيها نحوه.
فابتسم لها وقال بسعادة واضحة: يا صباح الفل.
ثم حملّق في هيئتها بتفحّص؛ كانت مرتدية منامة ذات نصف كم قصير وفتحة رقبتها متسعة تظهر بروز ترقوتها بدقة مثيرة، بنطالها قصير يتوسط ساقها، شعرها متبعثر بطريقة عشوائية أعطت لهيئتها رونقًا رغم الشحوب الظاهر على وجهها لكنها لم تفقد جاذبيتها بعد.
وبعد مرور بعض الوقت من النظرات المتبادلة والتي تتابعها هاجر بسعادة يشوبها بعض المكر، قطعت حبيبة ذلك الصمت وقالت بطريقة تحاول إخفاء توترها: يا ترى إيه سر زيارتك دي؟ ولا إنت عرفت طريق البيت منين؟! وإزاي أصلًا تتجرأ وتدخل وتخبط على أوضة نومي؟!
فضحك ثم قال: إيه كل دي أسئلة! هي دي طريقة استقبال الضيوف بتاعتك يا كابتن؟!
فتأففت ثم قالت: برضو ما قُلتش جاي ليه؟!
فرفع حاجبيه وفرك ذقنه قليلًا قم قال: خشي الأول إغسلي وشك وغيري هدومك وإظبطي حالك وبعدين نتكلم.
فوضعت يدها على شعرها المبعثر فجأة وهي تملس عليه بيدها بسرعة وكأنها قد أدركت هيئتها توًا، وهمّت بالركض نحو الحمام، لكن استوقفها صوت هاجر التي توجه حديثها لرياض: هحضر الفطار ونفطر سوا، أكيد بتفطر زيها لبن وبيض!
فأجابها بلطف: ألف شكر لذوقك، بس أنا سبقتكم، معقول نادية هتسمحلي أنزل من غير فطار!
فالتفت حبيبة وعادت إليهما مرة أخرى وقالت: ومين نادية دي إن شاء الله؟!
فابتسم من طريقتها ولهجتها الغريبة التي لم يعتادها منها، بل لم يعتادها على الإطلاق، ثم أجاب: دي ست الكل، الست الوالدة.
فأومأت ثم التفتت ناحية هاجر وصاحت فيها: ماشي يا زفتة هوريكِ.
فابتسمت هاجر واتسعت ابتسامتها ثم قالت: لو كنت أعرف إنك هتخرجي من حبستك عشانه كنت...
فهجمت عليها حبيبة توًا تود ضربها وصاحت: عشان مين يا هبلة إنتِ؟! مش هسيبك إنهاردة!
واتجهت خلفها وهاجر تحاول الإفلات منها، وجد رياض نفسه واقفًا بينهما كحدٍ فاصل بين تلك الضربات الطائشة.
في الحقيقة كل تلك الضربات كانت تصيبه وبعد قليل صاح فيهما: كفاية! اكبروا بأه! إيه شغل الروضة ده!
فنظرت نحوه الفتاتان ووضعت كلًا منهما يديها في خصرها ونظرتا إليه بتوعد، فقال بتراجع: ده أنا... ده أنا بهزر، كنت بسلّك بينكم بس، صلوا على النبي، الطيب أحسن، يلا الله يهديكم إخلصوا وخلصوني! هستناكم برة ياريت تنجزوا على طول.
وتركهما وانصرف مسرعًا، فنظرت كلًا منهما للأخرى وضحكت، ثم تعانقتا ثم ذهبت حبيبة تعد نفسها وهاجر تهندم ما أفسدته حبيبة، تناولتا فطورهما بودٍ وانسجام وكأن شيئًا لم يحدث، وكأنهما لم تتشاجرا يومًا قط!
خرجت الفتاتان وكان رياض منتظرًا في سيارته، اقتربتا الفتاتان لتركبا في الخلف فتأفف رياض قائلًا: على أساس إني سواق معاليكم!
فنظرت الفتاتان بعضهما لبعض ثم ركبت حبيبة جواره وهاجر بالخلف، وما أن همّ يدير سيارته حتى أشارت حبيبة بيدها أن انتظر قائلة: إنت برضو ما قُلتش هتاخدنا على فين؟ ولا إيه الحكاية؟!
فابتسم لها نازعًا يده من فوق مفتاح السيارة الموضوع في مكان إدارتها ثم قال: بصي يا حبيبة، أنا جاي عشان لاقيت حل لمشكلتكم، لاقيتلكم شقة مناسبة تعزلوا فيها و...
فقالت حبيبة تقاطعه وقد بدأت تتشنج ملامحها: ومين طلب منك حاجة زي كده؟! لما اتكلمت كنت مضغوطة جدًا وأكيد ما أقصدش إني أشكيلك همي ولا حتى أفضفضلك.
فتدخلت هاجر قائلة: يا حبيبة الراجل ما يقصدش، هو جاي يعرض خدماته، وبصراحة كفاية إنه قدر يخرجك من أوضتك!
فقال لها بهدوء وتفهّم : والله ما قصدت أجرحك ولا أي شيء! كل الحكاية إن من كام سنة جت ست الحبايب إشترت شقة ف البيت اللي ف وش بيتنا عشان يعني أبقى أتجوز فيها، و لما ربنا فتح عليّ إشتريت شقة أكبر وف منطقة أرقى لكن أمي رفضت تسكن فيها وفضّلت تستنى في شقتنا شقة بابا الله يرحمه، يعني بتقول عشان ذكراياتهم مع بعض ولو عزلت أجيب ذكريات منين! بصراحة احترمت رأيها وفضلت عايش معاها وأقنعتها نجدد الشقة، وفعلًا جددنا حاجات كتير، وكل الحاجات القديمة وديناها الشقة اللي ف وشنا، هي مش حاجات قديمة يعني، هي بس أقدم م اللي جبته، وأنا كمان بآيت بحط فيها بضاعة المحل والمانيكانات الزيادة، يعني عملتها مخزن، المهم الشقة دي ثلاث أوض إنتوا هتاخدوا اتنين وأنا هجمع حاجاتي في الأوضة الثالثة وأعملها باب من ع السلم وألغي الباب الداخلي عشان ما أزعجكمش، و باقي الحاجات والأجهزة لو حابين تستخدموها هسيبها لو لأ هبقى أتصرف فيها، شوفوا الشقة وقرروا ولو كده أفضيها وأنضفها وأديها وشين نضافة وتيجوا تتفضلوا فيها وتنوروها، هه! إيه رأيكم؟
فقالت هاجر براحة: عداك العيب والله كلك ذوق!
فقالت حبيبة: طب وهتاخد كام؟
فأجاب: مش هنختلف شوفيها الأول.
فأسرعت بجدية قائلة: لا لا اللي أوله شرط أخره نور، هنشوف الشقة آه، بس لو عجبتنا هدفعلك إيجار شهر مقدم زيك زي غيرك، وكفاية إنك اضطريت تأجر شقتك وتزنوء نفسك عشان خاطرنا.
فقال: يا حبيبة الشقة كانت مركونة وما لهاش لازمة، فقلت أستغلها، لكن خلي الإيجار دلوقتي.
فقالت حبيبة: إنت فاهم إن مش معايا فلوس! كنت شايلة مبلغ على جنب هدفعه إيجار ولما أرجع من أسبانيا يبقى ربنا يفرجها.
- طب خلي فلوسك معاكِ، إنتِ مسافرة ومحتاجة الفلوس دي، وبعدين هنروح من بعض فين!
فقالت بجدية أقرب للحدة: وأنا مش عايزة جمايل من حد! والفلوس دي مش هحتاجها، كل المصاريف على الرعاة المسئولين عن المنتخب، المبلغ ده كنت شايلاه أجيب بيه طقمين أخدهم معايا، وأجيب هدية لهاجر من هناك، لكن مش مهم الموجود يسد، وهاجر عارفة البير وغطاه.
فقال يحاول إقناعها: طب بـ....
فأسرعت حبيبة قائلة: لو مش هتاخد شهر مقدم يبقى خلاص لا رايحة ولا جاية واصرف نظر خالص عن القصة دي.
فقالت هاجر: خلاص بأه يا أستاذ رياض، وإنت إهدي شوية وبالراحة ع الراجل! مش جزاته ده!
فنظرت لها حبيبة شرزًا فسكتت هاجر، أدار رياض سيارته مسرعًا قبل أن تتراجع حبيبة في رأيها وانطلق.
وصل رياض إلى منطقة سكنه، والتي لم تختلف كثيرًا عن منطقة سكن حبيبة، وقف رياض بسيارته فهبطت الفتاتان من السيارة وهبط هو الآخر، ثم أغلق السيارة وتقدمهما متجهًا ناحية البيت الذي فيه تلك الشقة و هما خلفه تتبعناه، حتى وصلوا إلى الشقة.
فتح رياض الشقة، دخل فاتحًا النوافذ والشرفة لينير أرجاء الشقة وتظهر ملامحها.
كانت بدايةً صالة كبيرة فيها عدد من أكياس كبيرة تحتوي على قطع الملابس المختلفة، كل كيسٍ يحتوي على أشكال أو ربما مقاسات مختلفة يبدو ذلك من خلف الأكياس الشفافة، وآخرين داخل صناديق كرتونية سميكة، عدد من التماثيل المستخدمة في عرض الملابس في المحلات، وبعد مسافة قليلة كان هناك ردهة تطل عليها أبواب الحجرات والتي في إحداهم بعض كراسي الأنتريه وأريكة مغطاة بأغطية قديمة وهناك منضدة مستديرة، حولها أربعة كراسي ومغطاة أيضًا بأغطية سرير قديمة وعلى الجانب الآخر شيئًا مغلفًا تبدو أنها ثلاجة مغطاة بكارتون وموقدًا أيضًا مغطى بكارتون، وهذه مروحة وهي أكثر وضوحًا؛ فهي مغطاة بكيسٍ بلاستيكي وهذا يبدو سخان وأيضًا ملفوفًا بالكارتون...
كانت حبيبة وهاجر تفحصان كل إنش في الشقة باستنثناء تلك التي تبدو بضائع، وقد أعجبتا بالشقة و ذلك الأثاث القديم وتلك الأجهزة المستهلكة وقد قررتا استئجار الشقة من رياض وأصرت حبيبة على دفع الإيجار مقدمًا، لكنه أقنعها بدفع الإيجار بعد إعداد الشقة فاضطرت للموافقة.
همت هاجر وحبيبة بالانصراف من الشقة، بينما كان رياض يعيد غلق النوافذ والشرفة فناداهما: إستنوا إستنوا....