اخر الروايات

رواية شظايا الكلمات الفصل الثاني عشر12 بقلم جهاد وجيه

رواية شظايا الكلمات الفصل الثاني عشر12 بقلم جهاد وجيه 

الفصل الثاني عشر
شظايا الكلمات

عندما سقطت حروف جوفي تبقت ثلاثة لـ يُشيدوا أبنية كيانِ وتلخصوا بكَ هم فقط.. «حُبُكَ»…

الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام تعتري العقل عندما تختبئ الإجابات الفرضية للنظريات المطلوب حلها حينها تتبدل الأحوال من صدمة لـ ضحكاتٍ هيسترية وعدد لا نهائي من الغرائب ومن ثم تبدأ نقطة التحول بـ مراحِلها المستعصية فـ يأتي طور الصدمة بـ صمته التام ومن ثم يليه الإنكار والخوف من مواجهة الحقائق وبـ نهاية الأمر يكشف الإنهيار عن غرائزه وتبدأ حياة جديدة من النحيب والضعف الشديد

كلما زادت المقدرة على الإعطاء بلا مُقابل كلما نشط الألم عند الخذلان لـ فترة مؤقتة يتوجب التعايش والابتسام والتصنع لتخفيف حِدة النيران الضامرة التي تلتهم كل ما تطأه ولكن!! لحظة العِلم بـ وجوب إخراج الصرخات لن يكون للصمت طريق فقط القوة المُخلقة من الحُطام والقسوة المُنسوجة من الحب...

لا تزال «أثـيـر» بـ موضعها وملامحها المتعجبة تصرخ بـ إجابة أو تفسيرًا منطقي لتلك المرأة التي اقحمت نفسها بـ بيتها بل والادهى تدعي كونها سببًا بـ إخافتها!! أخرجت زفرة طويلة نابعة من أعمق رئتيها لـ طرد طاقتها السلبية وجلست بـ المقعد المقابل لها واضعة قدم فوق الأخرى وهتفت بـ قوة:
_ أولاً: لا من الذوق ولا الأدب إنك تدخلي بيتي بالطريقة الفوضوية دي وثانياً: سواء كنتي كابوسي أو حتى شيطاني فدا شيء بإيدي انهيه وأتحكم فيه كويس أما بالنسبة لسعادتي اللي متعرفيهاش وجايه تهدديني بزوالها فصدقيني لو مليش نصيب فيها مكنش ربنا رزقني بيها وثالثاً:

ضحكت « ميار» بـ قوة ممزوجة بـ سخرية تامة رافعة أحد حاجبيها بـ خبث وهتفت:
_ ثالثاً دي عندي وصدقيني أنا مش هتعجبك خالص

حاولت « أثـيـر» تصنع القوة لآخر لحظة أمام تلك التي لا تنفك عن إخراج أسوأ ما بها وتمتمت بـ ثقة:
_ أبهريني مش يمكن تعجبني وساعتها رد فعلي هو اللي ميعجبكيش؟!

ضمت « ميار» شفتيها لأعلى وحركت عينيها بـ نفيٍ ساخر وغمغمت بتهكم:
_ مظنش لأن اللي عندي قادر يحطمك؟!... أوبس إزاي نسيت هو الدكتور راكــان فين مش من عادته ينام متأخر طول عمره نشيط

بهتت ملامح « أثـيـر» واعتلت الصدمة محياها وتلك البرودة اللعينة التي بُثت بـ جسدها جعلته تتمسك بـ روبها هاتفة بـ توجس وخوف:
_ أنتِ مين وتعرفي راكان منين؟!
عدلت « ميار» من جلستها وأراحت ظهرها على المقعد بـ سلامٍ وعينيها تراقب تعابير « أثـيـر» بـ تشفٍ واضح وشماتة بدائية وأردفت بـ كبرياء:
_ قولتلك قبل كدا ميار الشربيني والاسم دا لما بيحط حاجه في دماغه بيعرفها ولو بعد مليون سنه وكمان الاسم دا هينزع فرحتك قريب أووي وقولتلك بردو إن اللي عندي هيعجبك اووي مبحبش العب قدام خصم ضعيف

انتصبت « أثـيـر» بـ غضب وحِدة أمامها وتلاقت عينيهم بـ لهيبٍ من الثأر البغيض وزُمرة من الانتقام الذي زُرع بـ أحدهما ولن تتوانى عن إنهاؤه، تشجعت « أثـيـر» ورفعت سبابتها بـ وجهها وهتفت بـ صوتٍ عالٍ بعض الشيئ:
_ اتفضلي برا بيتي وجودك غير مرغوب فيه نهائي

نهضت « ميار» وحدق مباشرة بـ عيني « أثـيـر» الدامعتين بـ بسمة منتصرة واقتربت من أذنيها هامسة بـ غِلٍ:
_ أبقي أسألي راكــان عني هو الوحيد القادر إنه يعرفك أنا مين

غشاوة من الدموع صعدت لتلمع بـ مقلتيها المزهولتين من هوية تلك المرأة وسبب تواجدها، خارت قواها فـ جلست بـ ضياع تُعيد ما دار بينهم ولكن عقلها مُضطرب ولدية رغبة بـ محو تلك المقابلة ولكن هناك رُكنًا ينازع لتصديق أمرًا واحد وهو أن هذه المرأة لها علاقة مجهولة بـ زوجها وحبيبها الأول!!!!

************************
تقلبت « هبه» بـ ضعفٍ وألم طفيف بـ أنحاء جسدها المُنهك بعد حادثة يوم أمس التي كادت تُطيح بها لنهاية مأساوية، علا ثغرها بسمة خجولة عندما عُرض اعترافه بـ عشقه الشديد لها وثقته التامة بـ أنها ستكون له عما قريب تململت بـ سعادة وضحكة مكتومة تهدد للسطوع من شفتيها وقلبها العاشق يعبر أسوار الصبابة المُقدرة له طائرًا بـ أجنحة الهيام الجارف نافيًا العالم بتعاويذه المُخيفة سابِحًا بـ بحورٍ من السرور والسَكِينة، رفعت أناملها بـ بطء تتلمس جانب وجهها الأيسر بـ جفافه وتشوهه، وضعت كفيها على وجهها كـ مراهقة متوترة عندما تذكرت رغبته الدائمة بـ رؤيتها بـ أسوأ أوضاعِها قبل أفضلها....

_ الكسوف بيزيدك جمال فوق جمالك

أردف بتلك الجملة « ثائر» المنتظر استيقاظها منذ ساعاتٍ عديدة ولم يجافيه النوم منذ خرجت حروف حبه لها

شهقت « هبه» بـ خجل وتوتر ورفعت الغطاء لتُخفي وجهها خلفه هروبًا منه وهمست بـ تعلثم:
_ أنتَ بتعمل.. بتعمل إيه هنا ومن أمتى قاعد كدا

ابتسم « ثائر» بـ اتساع ونهض مقتربًا منها بـ خطواتٍ حذرة وهتف بـ استمتاع:
_ امممم قولي امتى مشيت؟! دا السؤال الأنسب

جحظت عينيها بـ زهول وافترست شفتيها بـ توتر هامسة:
_ طب.. طب هي ورده ورحمه فين..؟

أصبح « ثائر» مُطلًا عليها بـ جسده وبسمته الوسيمة التي تُنير ملامحه الجذابة عاقدًا ذراعيه أمام صدره وهتف بـ مرح:

_ مشيتهم عشان استفرض بيكِ

شقَ جوفها شهقة مصدومة من تفوهه الوقح ونهضت مُلقية بـ غطاء السرير عنها ولم تنتبه لـ قربه الوشيك منها وهتفت بـ غضب:

_ إيه تستفرض دي يا أستاذ أنتَ عيب على سِنك حتى إحنا مش صغيرين للكلام دا

دنى منها « ثائر» بـ مرح وجذب غِطاء رأسها للمرة الثانية رغم تعجبها من قربه وهتف بـ ثقة:
_ والله بالنسبة لسني فهو يسمحلي بحاجات كتير هتعرفيها بس مش دلوقت أما بالنسبة للكلام فأنا بحب الأفعال لأن اللي بيقول مبيعملش

اعدل « ثائـر» الوسائد من خلفها وارجع جسدها للخلف جاذبًا شرشف الفراش عليها وهتف بـ مرح:
_ رغم كل تعبك عيونك لسه بلمعتها بـ تتوهني فيها

خفضت « هبه» رأسها بـ خجل وعضت على شفتيها بـ توتر وغمغمت بتوجس:

_ بجد البنات فين يا ثائر

جذب المقعد لـ جوار فراشها واستند رأسه على مرفقيه وحملق بها بـ نظرة جعلتها تبتسم بـ حب له، خلل « ثائـر» أصابعه بـ شعره وتحدث موضحًا:
_ راحوا يجيبوا ليكِ لبس وورده صممت تعملك أكل بنفسها

ابتسمت « هبه» بـ صدق ورضا عن تلك الأخت التي خلفتها الأيام لها فـ كانت دوماً خير عونٍ لها وتمتمت بـ حب:

_ لو هحمد ربنا على أفضل رزق لحد الآن هيكون ورده بقلبها وجدعنتها معايا وصدقها وحبها ليا، تعرف وردة دي أول واحده بل الوحيدة اللي وقفت جنبي لما جيت من المنصورة لهنا وبردو الوحيدة اللي صدقت حكايتي من غير أي دلائل وساعدتني في كل خطوة كانت أخت تانية ليا مش كلنا بنكون محظوظين بصديق يفضل ملازم قلوبنا بوقت ضعفها وحزنها قبل قوتها ...

اعتدل بـ جلسته وأنصت لتعابير وجهها السعيد والبهجة المرسومة به بـ اعترافها عن قوة ترابط صداقتهم، يرغب بـ سماع صوتها يتردد صداه بـ اذناه أبدا الدهر، يريد المزيد من حياتها لـ يصبح رزقها القادم!!...
*******************
وصلت « ورده» بـ شوق ولهفة للمشفى بعد قضائها ليلة كاملة بدون رؤيته، دلفت لـ غرفته بـ هدوء ظنًا منها أنه مازال نائمًا وللعجب فهي لم تجده بـ فراشه!! ولكنها استمعت لـ صوت المياه بـ المرحاض فـ ابتسمت بـ شغف وألقت بـ نفسها على فراشه محتضنة وسادته ودافنة وجهها بها تستنشق عِطره الخاص وعبير روحه، اعتدلت جالسة بعدما استمعت لـ صوت فتح الباب تبعه خروجه بـ هيئته التي حبست أنفاسها بداية من خصلات شعره المُبتلة الملامسة لـ جبهته وصدره العاري الذي يرتفع وينخفض مع كل شهيقٍ وزفيرٍ ينبع منه، أغمضت عينيها لـ محاولة منع نفسها من النهوض وتقبيله وضم جسدها لجسده واكتفت بزفرة قوية ثم هتفت:
_ اتنيل البس عشان متبردش وتاخد برد

ناظرها «براء» بعينين ماكرتين لعلمه بـ تواجدها ولـ تأثرها الشديد به واقترب منها مُطلًا بـ جسده المُبتل عليها وهمس بـ جانب أذنها:
_ وحشتيني

هل عليها الآن جذبه وتعنيفه على ما يفعله بها أم صفعه والهروب حتى لا تُقدم على فضيحة عامة بـ مشفى خاص! تنهدت لـ تلملم شتات نفسها وطالعته بـ نفاذ صبر هاتفة بـ غيظ:
_ البس عشان مقومش البسك في وشك يا نحنوح

ضم « براء» شفتيه بـ غيظ ومكر وجعد جبهته بـ استمتاع وأصبح على مقربة أكبر منها هامسًا بـ عاطفة:
_ الحلوة متعفرته ليه

حسنًا لا مفر من جاذبيته أو صوته أو عبيره لا مفر منه إطلاقًا لذلك!! اقتربت مُلصقة شفتيها بـ خاصته بـ قبلة قوية وجريئة كـ طبيعتها المتمردة ساحبة إياه لأعماقها المتشوقة له سامحة لروحها بـ التغذي عليه ولـ قلبها الهدوء الذي أفتقده الساعات الماضية بـ بعده عنه، ابتعدت عنه وأنفاسها العالية كفيلة لـ وصف حالتها المضطربة وعينيها متلهفة للقاء وريقات خاصته وهمست بـ شوق:
_ دلوقتي أقدر أقولك وحشتني يا براء

أين براء؟! بل اين صوته من كل ذلك؟! سـ تصيبه بـ ذبحة صدرية تودي بـ حياته بـ أفعالِها المُلهبة لـ قلبه، التقط تيشرته الخاص وارتداه بـ أنفاسٍ متهدجة وأعصابٍ ثائرة وهتف:
_ أنا عاوز اتجوز مليش دعوة يا ورده

ضحكت « ورده» بـ شدة على صياحه وغضبه المعلوم سببه وانتصبت واقفة خلفه وتسللت يديها لـ تحتضن خِصره بـ قوة واستندت بـ رأسها على ظهره وهمست بـ حب:
_ هنتجوز وهنعمل فرح محصلش بس تخف وتكون بخير ووقتها نكون مع بعض.. هانت يا قلب ورده

أدارها « براء» لـ تواجه عيناه المتشوقتين لها وكور وجهها بين كفيها وهمس بـ حنان ورجاء:
_ هكون كويس وبخير وإحنا في بيتنا وأنتِ في حضني وأنا مطمن بإنك معايا وإن ربنا رضاني بعد سنين تعب وعذاب بـ قربك وبعدك هكون مبسوط وأنا شايفك واقفه في المطبخ بتحضريلي فطار وضحكتك ماليه وشك ولهفتك عليا بتزيد بعد كل يوم شغل، أنا مش حابب جو المستشفيات دا ولا وجودي هنا، أنا محتاج قربك مني بس يا ورده

أدمعت عينيها من رجاؤه المُبطن وابتسمت بـ أمل وأحاطت عنقه بـ يديها ودفنت وجهها بـ عنقه هامسة:
_ حاضر يا عيون ورده، هبه تكون كويسه ونتجوز ووقتها مش هيبقى في خوف ولا تعب ولا بُكا في بس فرح وأمل وفي أنا

ابتسم « براء» بـ سعادة وضمها لـ صدرة بـ قوة ألمتها وتنهد بـ إرهاق:
_ عاوز أنام يا ورده، منمتش من امبارح

أنبت نفسها على تركها له بـ مفرده ولكن تلك كانت رفيقتها الوحيدة! ولكن داخلها وتلك النزعة الأنوثية تتراقص طربًا لـ كونه لم يستطع النوم سوى بـ أحضانها لـ تُصبح هي ملجأ غضبه ومأمن خوفه وأنيس قلبه، جذبته من كفه للفراش ودثرته جيداً به وصعدت جانبه ضاممة رأسه لـ صدرها بـ حنانٍ أمومي كأنه صغيرها وليس زوجها وحبيبها وهمست بصوتها الهادئ:
_ نام واطمن أنا هنا مش همشي..

نحتاج دوماً بـ أوج لحظات الضعف ضمة قوية لـ تثبت لنا تواجد أحدهم لـ يهتم بنا ويكترث لـ كوننا لسنا بخير، نتشارك القوة والضعف، نحارب الخوف والهلع، نطمئن بـ الراحة والسلام ونسعد بـ قرب من نحب...
***************
لازالت على جلستها وأفكارها تتصادم لـ تلك النقطة التي عصفت بـ كيانها وجرحت كرامتها، لم تطل فترة خطوبتهم ولا تعارفهم لذلك لن تجزم بـ خيانته ولكنها ترى الشوق الحنان بـ عينيه بـ كل مرة يناظرها!؟ ترى الحب يتدفق من مقلتيه لها؟! نفضت تلك الهلاوس عنها ونهضت عازمة على إنهاء هذا الأمر برمته والحد لهواجسها وذلك الشك الذي تولد داخلها، لم تنتبه لوقوفه ولا لمعة عيناه لها بـ ملامحه الناعسة لكنه انتبه لـ دموعها التي تلاصق وجنتيها دون إرادة منها! اقترب جالسًا أمامها وأمسك كفيها طابعًا قبلة حنونة عليهم وتمتم بـ صوتٍ يحمل النعاس:
_ بتعيطي لي يا أثير

فاقت من شرودها على صوته وابصرته بـ عسليتيها الغائمتين بـ العبارات، وسحبت يديها من بين كفيه و تنهدت بـ توتر عاقدة ذراعيها أمام صدرها وهتفت بـ إصرار:
_ مين ميار الشربيني يا راكــان

صوتها ونبرتها الهجومية جعلته يهتز بـ وقفته وعندما رَنّ عقله بـ تلك الحروف ابتلع لعابه بـ ارتباك من القادم المظلم لهم وأغمض عينيه محاولاً الثبات واختلاق كذبة جديدة لها وَدَّ سؤالها من أين لها بـ هذا الاسم ولكنها لا تريد سوى إجابة صادقة لن يتفوه هو بها بل سيدور حولها، فرك جبهته بـ تعب وتنهد ثم تمتمت بـ ثقة زائفة:
_ كانت واحدة معرفة والدتي من سنين وكانت ماما مرشحاها ليا عشان أتجوزها بس اكتشفت أنها مش كويسه بعد كام خروجه لينا وبعدت عنها.. بس أنتِ عرفتي منين اسمها؟!

ضيقت « أثير» عينيها بـ توجس وشك من إجابته التي لم تُخمد لهيبها القائم واقتربت منه بـ خطواتٍ ثابتة وهتفت بـ استنكار:
_ هي اللي جت وطلبت مني أسألك عنها وواضح أنها تعرفك كويس وتعرف عاداتك

اسودت ملامح « راكــان» ولمعت عيناه بـ بريقٍ من الغضب والندم لعدم مصارحته إياها بـ سره الغامض وهي الاحق به، تنفس بـ عمق واقترب ضاممًا خصرها لـ صدره وهمس بـكذب جانب وجهها:
_ يمكن لأن أمي كانت بتحاول تخليها مناسبه ليا فعرفتها عادتي كلها؟!

تنهدت « أثـيـر» بـ راحة وأخرجت بعضًا من الشك الذي ساور قلبها وأحاطط عنقه بـ يدها وتمتمت بـ هدوء:
_ الحمد لله دي كانت عاوزه توقعني فيك بس وتزرع الشك جوايا إن بينكوا حاجه وكل شوية تقولي إنها هتدمر سعادتي وكلام كتير كدا مش عاوزه افتكره

دفن « راكــان» وجهه بـ عنقها وأغمض عينيه بـ المٍ قارص لـ كذبه الذي بات عادة يوميه وكم يبغض روحه لـ ذلك الشخص الذي تلبسه، كل مرة يُخير بين المواجهة أو الهروب يلجأ للهروب ظنًا منه أن الحال سيصلح ولن تكتشف سره ولكن للقدر المكتوب سردًا آخر لهم..
******************

خرجت من المرحاض بـ تعب بسبب حِدة جرحها رغم حركتها القليلة ولكنه يوخزها بـ شدة، صعدت الفراش بعدما عدلت حجابها الذي يتمرد عليها ويسقط بـ أوقات تواجده جانبها، للآن لا تصدق أنه اعترف بحبه بل ويتمناها زوجة له، اختبرت الحب قبيل ذلك الرجل ولكن الفارق بينهم كفرق النور والظلام، انتبهت لـ صوت فتح باب الغرفة وظهوره بـ بسمته المُهلكة لـ لقلبها فـ بادلته بـ أخرى عاشقة، عقد « ثائر» ذراعيه أمام صدره واستند بجانبه على الباب وتمتم بـ اهتمام:
_ أحسن دلوقت؟

هزت « هبه» رأسها بـ تأكيد رغم الألم الطفيف الذي يتخلل جسدها وهتفت بـ تساؤل:
_ كنت فين؟

جلس على المقعد المجاور لـ فراشها واعتلت الجدية ملامحه وأردف بـ اقتضاب:

_هبه في حاجه لازم تعرفيها وأنا خبيتها عنك الفترة اللي فاتت وكنت هفضل مخبي لحد ما مدتها تنتهي بس بما إنك بقيتي عارفه طبيعة مشاعري تجاهك يبقى لازم تعرفي

هزت « هبه» راسها بـ قلق وانحنت مقتربة منه وابصرت ملامحه المشدودة وهتفت بـ توجس:
_ حاجه إيه يا ثائر

هدأت ملامحه وانفكت عقدة حاجبيه وتابع حديثه بـ جدية طاغية:

_ فاضل طلقك من ما يقارب شهر ونص من بعد ما جيتي البيت باسبوع وأنا خبيت عنك عشان مترجعيش لأني كنت بدأت اطمن بوجودك ومشاعري اتحركت ناحيتك وخوفت إنك تمشي، أنا عارف إني غلطان ومكنش ينفع أخبي عنك حاجه مهمه زي دي بس لما إتأكدت من مشاعري حاجه جوايا قالتلي أخبي عنك لحد ما شهور عدتك تنتهي واقدر اتقدم ليكي..

لما لم تشعر بـ الغضب أو النفور بل شعرت بـ السلام والهدوء والسعادة تتدفق لها، لن تنكر ضيقها من إخفاؤه أمرًا كـ هذا عنها ولكنه بالآخير أخبرها؟! ابتسمت بـ وهن وأردفت بـ ضحكة خفيفه:
_ لو كنت قولتلي الكلام دا قبل دلوقت بـ شهر كنت وقتها هزعق وهصرخ واتهمك بالاستغلال والكذب بس دلوقت أنا مش عارفه إحساسي مش قادرة أحدد شعوري هو راحه ولا غضب بسيط ولا سعادة معاك حق أنا ليا كل الحق اضايق بس يمكن لأني بحبك مش هعمل كدا؟!

توقف الزمن حوله عند اربعة أحرف صداهم حُفر بـ عقله وتوال ترددهم حتى جحظت عيناه وأمسك بـ كفيها وهتف بـ صدمة:
_ أنتِ قولتي إيه في آخر كلامك؟!

ابتسمت « هبه» بـ خجل واحمرت وجنتيها ورغم تشوهها إلا انها ظهرت بديعة وفاتنة بـ عيناه وسحبت كفيها وتنهدت بـ حب هامسة من جديد بصدق:
_ ايوا بحبك يا ثائر، يمكن مش مناسبة ليك ومن حقك تحب واحده من مستواك وجميلة شبهك وتكون على الأقل بنت وتكون أنتَ أول راجل في حياتها وتشكلها على إيدك وتكون قوية زيك بس رغم كدا غصب عني حبيتك، من ليلة ضربك لـ فاضل وقلبي دقلك بس دفنت دا وهربت من مشاعري عشان عارفه عواقب حبي دا لأني خدت نصيبي في الدنيا بتجربة بشعة قبل كدا

حاول « ثائر» قطع سبيل أفكارها ومنعها عن التطرق لتلك النقطه ولكنها أمسكت بكفه لـ منعه وتابعت بـ توضيح:
_ خليني أكمل يمكن متتوفرليش الشجاعة دي تاني، حبيتك رغم كل النتايج اللي عقلي حطها عشان تمنعني أكمل حتى يوم ما استنيت منك كلمة تبرد قلبي ملقتهاش ورغم كدا قلبي حس إنه عاوز يكون جنبك ويتخبي فيك، أنا مش كاملة ولا جميلة ولا عندي ورث كبير ممكن تستفاد منه ولا حتى عندي شيء أقدر أوعدك بيه بس عندي شيء واحد.. عندي قلبي!! قلبي اللي بيحبك ويصرخ باسمك في كل ليلة من وقت ما تاه فيك، عندي روحي اللي اتعودت وجودك رغم غيابك الدايم عنها وهجرك ليها كتير، عندي حبي اللي هيكون مَسكن لـ قلبك ولو بـروحي.

لن يشعر أحداً بـ مقدار سعادته الآن وتراقص قلبه لتفوه تلك الفتاة بل تلك الجميلة عن حبها وعشقها له، كيف ترى نفسها غير مناسبة أو كاملة له؟! كيف ترى أنها ليست جميلة وهي كـ جوهرة نادرة بـ عيناه؟! كيف لم تشعر بـ حنان قلبها الذي يغدق الجميع؟! رفع كفها لـ فمه ولثمه بـ قبله عميقة ولم يُحيد بـ نظره عنها وتمتم بـ عشق:

_ أنتِ كاملة بطريقة كافيه لقلبي وأتمنى محدش يشوفك بالكمال دا غيري عشان محدش يحبك غيري وقلبه يدق ليكي ...

***************

بعدما تأكد « راكــان» من غفوتها جلس يقضم أظافره ندمًا على فعلته، كيف طاوع قلبه على المزيد من الكذبات، أغمض عينيه لـ يحظى ببعض الراحة بعيداً عن أفكاره ولكن صورة والدته قفزت بـ عقله فـ نهض لـ يهاتفها...

_ ميار كانت هنا يا أمي

أتاه صوتها القلق من الناحية الأخرى
= حصل إيه وإزاي عرفت إنكوا في الفندق دا يا راكــان

شد «راكــان» خصلاته وكاد يقتلعها وتمتم بـ غضب
_ معرفش أنا صحيت لقيتها كانت هنا وكلمت أثـيـر وقعدت معاها وهددتها وواضح إنها لعبت في راسها
صاحت والدته به بـ حدة ونفاذ صبر
= دي أخرة كدبك مراتك لازم تعرف الحقيقة ومفروض من قبل ما تحطها في الدايره القذرة دي معاك لأنها متستهلش منك كدا دي بنت ناس مش زي الحقيرة التانيه

جلس « راكــان» بـ انهار على المقعد خلفه وفرت دمعة خائنة من عيناه وتمتم بألم
_ عارف والله، أنا اتغيرت وأنتِ عارفه وهي كانت بعدت رجعت ليه بعد ما بنيت حياتي مع الانسانه الوحيدة اللي حبتها وحبتني راجعه تدمرني للمرة التانيه يا أمي

أشفقت والدته عليه وهمست بـ تأكيد ونبرة لا نقاش بها
= لازم مراتك تعرف منك قبل ما تعرف من برا وقتها عمرها ما هتسامحك أبداً ولا قلبها هيغفر ليك لأنك استغليت ضعفها وحبها ليك

دار « راكــان» حول نفسه كأسدٍ جائع ينتظر فريسته وكانت تلك الفريسه هي شفتاه حتى أنه لم يشعر بـ الدماء التي لونت أسنانه وهتف بـ غضب متناسيًا « أثـيـر»
_ اقولها إزاي اقولها إني خبيت عليها إني متجوز واحده أكبر مني بـ خمس سنين وكل مره كنت بتكشف كنت بخبي زيادة وبكدب كدبه جديدة، تفتكري هتسامحني؟! تفتكرني هتقدر تبص في وشي تاني؟! هتكرهني!!!

خارت قواه وهبطت دموعه تحرق وجهه الغاضب وعلت أنفاسه بـ وتيرة عالية وتابع حديثه بألم:
_ هتكرهني يا أمي، أثـيـر هتكرهني ودي حاجه عمري ما هتحملها
***************************
ألقى بهاتفه بـ غضب حتى تهشم غافلاً عن تلك التي افترش قلبها بـ الجحيم وتصاعدت أبخرته وضاقت أنفاسها ولم تشعر بـ خطواتها التي تقترب منه حتى باتت أمامه مباشرة:
_ متجوز؟! متجوز صح؟! أنا سمعت صح؟!

تهالكت أعصابه وعجز لسانه عن النطق بـ موقف كـ هذا بل اعتصر قلبه ألما لـ حالها وشحوب وجهها الذي أفتقد للدماء، دارت « أثـيـر» حول نفسها بـ ضياع كـ من فقد موطنه الوحيد وأضحى بلا هاوية تُذكر ودموعها تتساقط بلا إرادة منها وقلبها يعوي وجعًا وهتفت بـ حرقة:
_ رد عليااااااااا، متجوز عليااااا وواحدهه أكبر منك!!؟؟ خليت واحدهه زي دي تضحك عليا وتسخر مني؟!!! استغليت ضعفي؟!!!! لالا معقول كنت مغفله كدا؟!!! كل دا وأنا عايشه في كدبه؟!!!!

نهض « راكــان» مسرعًا وحاول الإقتراب منها ولكنها نفرت منه بـ حدة فـ ابتعد عنها وأردف بنفي:
_ لا والله لا أنا حبيتك وبحبك بالله غصب عني لا يا أثـيـر بلاش النظرة دي

رفعت كفها المُرتجف وكادت أن تصفعه بحق خذلانها القاسي منه ولكن بقت أصابعها مُعلقة بالهواء كحال قلبها الآن، تساقطت دموعها بغزارة وحُرقة وهزت رأسها بألم وتمتمت بتهكم وكأنها للآن لا تصدق ما سمعت :
_ كُنت تسليه ليك صح ؟... محبتنيش صح ؟!

أشارت لأعلى يسار قفصها الصدري بغضب ودموعٍ مُلتهبة وصرخت بأنينٍ مُتعب :
_ليييييييه ... قولي ليييييييي عملت فيا كدا ..... لييييه بعد .. بعد ما قلبي حبك ..... كل دا بتخدع فياااااا... قلبي كان يستاهل قسوتك دي ...؟!!! لييييه كدبت عليااااااااا ...

حاول الاقتراب منها وتهدئتها عن حالة الغضب التي تلبستها ولكن صُرخها عليه ونفورها البادي على محياها جعلاه يتراجع ويهتف بحُرقة مماثلة لها :
_غصب عنيييي... والله غصب عنيييي .... أنا محبتش قدك ولا حبيت غيرك .... أنا آسف

ضحكة تهكمية صدرت عنها جعلته يُمعن النظر لملامحها المُرعبة التي يختبرها لأول مرة وتلك القسوة التي تجسدت بها، كيف تبدلت لمثل هذا؟! هل هذه من أحب؟! هل ستُعاود نكستها من جديد بعدما علمت ما أخفاه عنها ؟! .....

رفعت رأسها بشموخٍ دب بأواصلها وتحركت مقتربة منه ولم يخفى عليه اشمئزازها منه وأدرفت بقوة :
_مغلطش لما قولتلك إنك شبههم، أنتَ زيك زيهم كلكوا بتقطعوا فيا، كلكوا كسرتوني بس بحييك لأن ضربتك أنتَ جت في هدفها بالتمام وحطمتني بس تعرف أنا ممنونه ليك فعلاً عارف ليه ؟ عشان خلتني قوية كفاية وأقدر أكمل من غيرك من غير واحد كداب زيك ....

أولته ظهرها وكتمت صرختها المُتألمة التي تحرق حلقها بعنف، قبضت على قلبها لتمنع تلك الوخزة التي أصابتها والتي فشلت بتنحيها وتحكمت بدموعها وأردفت بثباتٍ أحرقه :
_ نهايتنا كانت مكتوبه من البداية، أنتَ كدبت وأنا كنت المغفلة اللي صدقت وحبيتك، طلقني يا راكان وأطلع من حياتي .......


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close