اخر الروايات

رواية هل الضربة قاضية الفصل الثاني عشر 12 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية الفصل الثاني عشر 12 بقلم نهال عبدالواحد 



(الفصل الثاني عشر)
بقلم : نهال عبدالواحد
مرت بضعة أيام وحبيبة شبه منعزلة؛ فقد حبست نفسها داخل حجرتها بلا طعام أو حديث، لقد انهارت بشدة، وهاهو شريط حياتها يمر أمامها من جديد لكن أحداثه الآن تؤلمها وبشدة، لا تعرف كيف أُصيبت بهذا الضعف والوهن الفجائي! فقد كانت طوال حياتها قوية صامدة وتواجه كل شيء بشجاعة؛ ربما مقاطعة هاجر أو تهديدها بذلك كانت القشة التي قسمت ظهرها.
أدركت هاجر فداحة فعلتها رغم عدم تعمّدها لذلك، لكنها أصبحت تشفق عليها فما آلت إليه لم يكن متوقعًا على الإطلاق، لم تتخيل أن تتطور الأمور وتتفاقم لتصل بحبيبة لحد الانهيار، ولا زالت تتودد إليها مقدمة اعتذاراتها بشتى الطرق فهي حقًا مخطئة لأقصى درجة.
أصبحت هاجر تذهب إلى العمل بمفردها وقد أخبرت مصطفى في البداية أن حبيبة مريضة، لكن يبدو أن تلك الحجة صارت غير مقنعة نهائيًا، وبدأ يتيقن أن هناك خطب جلل تخفيه هاجر.
أما رياض فمنذ ذلك اليوم وقد انتوى الابتعاد عنها، حقيقةً لم يمر سوى بضعة أيام فقط، لكنها كانت كالدهر؛ فكل الشواهد تثبت أنه قد سقط في شباك حبها، لكنه لا زال مقتنعًا ومؤكدًا أن ذلك لم ولن يحدث!
كل ما هنالك أنها مجرد صديقة وقد لجأت إليه وهو بدوره سيساعدها كموقف رجولة وشهامة منه ليس إلا، هكذا يقنع نفسه!
فصاح فيه قلبه: إذن تعالى وأجب، ماذا عن وجهها وملامحها التي تراها في كل شيء؟ ليس فقط في منامك بل في صحوك أيضًا! فكلما نظرت في اتجاهٍ رأيتها، كلما شردت رأيتها ويكفي أن حالك دائمًا... الشرود.
كلما شاهدت فيلمًا أو حتى مشهدًا تراها! كلما سمعت أغنية في أي زمانٍ أو مكانٍ تجد صورتها ووقد حضرت توًا! هل تنكر أنك حتى تسمع كل الأسماء اسمها؟!
لم أتحدث بعد عن تأثير كل ذلك عليك؛ فهو ليس مجرد حضور صورتها وملامحها التي تحفظها عن ظهر قلب! ترى هل نسيت تلك الرجفة والقشعريرة التي تسري في جسدك لمجرد استحضار صورتها، بل التفكير بها؟!
هل نسيت حال قلبك وكيف يدق دقاتًا متلاحقة تبلغ قوتها دق الطبول وسرعتها تتسابق مع عقارب الساعة؟! لماذا تعاند حتى الآن يا رياض؟!
فيصرف رياض كل هذه الفوضى ومجيبًا بثقة غريبة، كل تلك الأعراض لا تدل على أي شيء، ربما نتيجة إرهاق أو أي شيء آخر، لكني صاحب مبدأ ولن أغيره، فقد قررت العيش منفردًا ولم ولن يؤثر بي أحدًا، سأعيش حر؛ فلا مكان لديّ لحب ولا ارتباط أو زواج.
وذات يوم ذهب رياض إلى محل صديقه، وكانت حجته أنه قد وجد حلًا لمشكلتها، هذا بالطبع مجرد موقف شهامة!
لكنه لا يدري لماذا تسلل داخله شعور بالقلق عليها؟! وكأنه قد أصابها مكروه وأنها ليست على ما يرام!
جلس رياض وتصادف وجود مصطفى في هذا الوقت فجلس مع صديقه يتجاذبان أطراف الحديث في أمورٍ شتى.
و رغم نفي رياض الدائم لوجود أي شعور اتجاه حبيبة، إلا أن شواهد تصرفاته تدلي بالعكس تمامًا.
فكان رياض يشرد من حينٍ لآخر حتى في وسط الحوار، وبدأت إيماءاته ببؤبؤة عينه التي تبحث عنها في المكان محاولًا عدم إظهار ذلك، لتتحول بعد قليل لالتفاتات واضحة برأسه يمينًا ويسارًا.
كان كل ذلك على مرئَى من مصطفى، لكنه لا زال مستمرًا في حديثه وكأن شيئًا لم يحدث، حتى ظهرت هاجر تتنقل بين الطاولات وقد ثبتت عينا رياض عليها، فأشار لها مصطفى لتجئ وتأخذ طلباتهما، وبعد أن دوّنت ما طُلب منها، رأى مصطفى حتمية التدخل فرياض لن يكتفي بمجرد الالتفاتات بعد ذلك، فربما ينهض ويركض في المكان ذهابًا وإيابًا بل ربما يدفعه جنونه ليصيح عليها مناديًا بملء صوته!
وقبل أن تنصرف هاجر من أمامهما استوقفها صوت مصطفى: هاجر!
فالتفتت إليه قائلة في هدوء: نعم يا فندم، أزود حاجة تانية ولا في حاجة هتتغير!
فقال: هي أخبار حبيبة إيه؟ معقول لسه تعبانة كل ده!
فنهض رياض واقفًا وأهدر بصدمة: حبيبة تعبانة!
ثم تدارك نفسه وعاد جالسًا يتصنع الهدوء ماسحًا على خصلات شعره كأنما يعدّلها، ثم ابتسم بهدوء عكس ما داخله من ثورات وعبث قليلًا في لحيته ثم قال: هي حبيبة تعبانة فعلًا؟!
فتنهدت هاجر وابتلعت ريقها بمرراة قائلة: والله مش عارفة أقول إيه! أول مرة تكون كده ولّا توصل للدرجة دي!
فقال مصطفى: هي عندها إيه بالظبط؟
فقالت بنفس التنهيدة: مش عارفة، حابسة نفسها ومقطعاني، لا، دي مقاطعة كل حاجة، حتى الأكل! بجد قلقانة عليها أوي، عمرها ما وصلت للدرجة دي أبدًا، طول عمرها قوية وأنا بستمد منها قوتي.
فأسرع رياض قائلًا بحدة: وهو مين اللي وصّلها للدرجة دي؟ مش سيادتك لما قررتِ تلوي دراعها وتقاطعيها!
فالتفتت إليه هاجر بصدمة ودهشة معًا: وإنت عرفت منين؟! معقول حبيبة حكيت لك!
فأومأ رياض: أيوة، الضغط كان عليها فوق طاقتها، إنت إزاي تخيريها الخيار ده؟! إزاي قدرتِ تهدديها بالتهديد ده وإنت عارفة إنها ما لهاش غيرك؟!
فقالت وهي تقاوم دموعها: والله ما كان قصدي! أنا كنت شايفاها ولا على بالها، قلت أفوقها شوية، ما تصورتش الأمور توصل لكده!
فقال رياض: بس إنت ضغطتِ عليها أكتر من اللازم.
فقالت: أنا مش فاهمة إزاي تحكيلك؟! دي عمرها ما كلمت حد غيري ولا كان ليها حد غيري! حتى وإحنا صغيرين كان الولاد بيعيبوا على شكلها ومش بيرضوا يتعاملوا معاها إلا قليل وف أضيق الحدود.
فقال رياض: مش يمكن ده السبب اللي خلّاها تلجأ لي؛ إنها حست بالوحدة ومحتاجة تتسند على حد، محتاجة لحد يشيل معاها.
فتساقطت دموعها قائلة: بس أنا ما اتصورش حياتي من غيرها، و خايفة عليها أوي! يا ريتها تقوم وتتمرن وتسافر بطولتها مش مهم، المهم تكون بخير.
فابتسم رياض وقال بهدوء: وأنا جاي إنهاردة ومعاي الحل اللي هيرجعها لطبيعتها ويرجعكم لبعض.
فمسحت دموعها بسرعة وقالت: يا ترى إيه!
- لا، مش هتكلم غير أدامها.
- بس هي ما جاتش ومش بتيجي من كام يوم !
- يبقى نروح لها مع بعض.
- أنا دلوقتي عندي شغل ومش بخلص قبل الساعة عشرة ونص حداشر، وطبعًا ما ينفعش تيجي معايا الوقت ده!
- يبقى خلاص، الصبح بإذن الله هعدي عليكم ف البيت قبل ميعاد الشيفت بتاعك.
فضمت حاجبيها بدهشة ثم قالت: إنت كمان عرفت مكان بيتنا!
فابتسم وأجاب بثقة: طبعًا.
- طب مش هتقولي بخصوص إيه!
- لا يا حلوة لما نتقابل بكرة إبقي اعرفي بالمرة.
فابتسمت بامتنان وقالت: يبقى ألف شكر، والله تبقى عملت معروف كبير!
فقال ونظر لنقطة بعيدة: أنا أعمل أي حاجة المهم، المهم ترجع لطبيعتها، وترجع الضحكة لوشها، ترجع لتمرينها وتجهّز نفسها للبطولة وكلنا نشجعها وتحقق حلمها...
تحدث بوجهٍ باش وحالم، وقد تسلل ذلك العشق فبدا في التماعة عينيه، وطريقة تنفّسه حد التنهيد! كل ذلك ولازال ينفي!
يؤسفني أن أخبرك يا رياض أنك قد أُصبت بنزلة عشق شديدة قد تمكنت من قلبك وأسقطت كل حصونك، هيا أرينا كيف ولمتى ستقاوم؟!

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close