رواية شظايا الكلمات الفصل العاشر 10 بقلم جهاد وجيه
الفصل العاشر
شظايا الكلمات
يتسرب ببطء كفيروسٍ لعين ونحن غافلون عن تواجده ومن ثم يتمكن فتظهر أعراضه الحَتمية التي من المحتمل أن تكون بداية جديدة لنا أو نهاية مأساوية.....
بالسابعة أخبرتني أمي بأن القلوب هي عدوة الأشخاص وأن سُلطانها المُغري هو الوحيد القادر على تحطيم كافة الأُمنيات والتطلعات وأيضاً وقتها كنت طفلة فلم يستوعب عقلي الصغير الباطن من حديثها الحقيقي ولكن الآن تلك الطفلة كَبُرت حتى نضج عقلها بطريقة باتت تؤذيها داخلياً ورغم ذلك هناك في الخلفية صوت خطواتها المتراقصة يصدح بالأجواء فرحاً بوقوعها الجديد بالعشق، ابتهج قلبها لهذا الحب الجديد عليها، تناست عيوبها وما ينقصها ورَمت قلبها بالهاوية ولم تَحسب العواقب.....
تسللت البرودة إليها وتبعَها قطرات المطر الباردة التي شهقت على آثرها وأغلقت النافذة بعنف تزامُنًا مع ارتفاع وتيرة أنفاسها المتهدجة وارتجاف جسدها أسفل ذلك الوِشاح الثقيل، لم تنفَلت قدميها عن الحركة أكثر ووقفت بشرود وضياع تراقب حركة الأمطار والرياح العاتية لازالت تتذكر أنها كانت تهاب صوت الرعد وبرق السماء الخافت كلاهما يبعثان الخوف القارص لقلبها البارد ولكن ماذا عن اليوم؟! أين خوفها؟! هل فقدا هيبتهم بتخويفِها أم أنها هي من فقدت شعورها بالخوف أيضاً!! دِمعة وحيدة فرت من عينيها ببطء تتوارى من ضعفها القادم، مازالت نظراته الضائعة والمتلهفة تلوح بعقلها، لم تُخطئ هو رجلاٌ كامل الأوصاف لما سينظر لها!؟ كيف سيتعامل مع خوفها الغامض له حتى الآن؟! خيبة الأمل التي تسربت لمعالم وجهه المحبب لقلبها أصابتها بوخزة قوية بصدرها ولم تتحمل أكثر من ذلك ففرت هاربة بدموعها أسفل نقابها التي هي ممتنة له خد النخاع، خبأت نفسها عنه طيلة اليوم وعندما عادا للبيت لم تنتظره بل سارعت بالتخفي عن عيناه الكاشفتين لها ولكل ارتجافه من جسدها الهزيل.....
_ أوقات كتير قلوبنا بتكون غافله عن إنها تشوف الحب وبتترجمه حسب شعورها
كانت هذه الكلمات البسيطة من شقيقتها الصغرى « رحمه» التي باتت تُثبت لها نضجها الكبير وعقلها واسع المدى...
ضمت جسدها بقوة والتفتت لها بهدوء ونظرات الحزن المتأرجحة بعينيها تنبثق كشعاع الضوء وسط ظُلمة الليل الحالك:
_وأوقات كتير بيكون شعور قلوبنا دا صح ودا سبب بعدنا عنهم ويمكن لخوفنا منهم!
اقتربت « رحمه» منها وربتت فوق كتفيها بحب وابتسامة عذبة عَلت ثِغرها وهمست:
_ قلبك مش هيقدر يبعد عن ثائر حتى لو فات العمر كله عمرك ما هتقدري تتخلصي من حبه، أنا شوفتك وأنتِ بتوصفي شعورك بـ فاضل وشوفتك وأنتِ بتمجدي بــ بعشقك وحبك لــ ثائر
خفضت «هبه» نظراتها المتألمة للأسفل ولكنها لم تكبح زِمام بكائها الشديد ومرارة شعورها الكامن بفؤادها النازف وتعلثمت:
_ أنا... أنا خايــفه منـ... خايــفــه من ضعــفـي وتجربتي.. هو ميستحقش دا... هو كامل
لم تختفِ نظرة « رحمه» الباسمة وإنما زادت اتساع وهتفت بتروي:
_ بيقولوا الخوف أساس نجاح كل شيء بس مقالوش إن التغلب على الخوف دا هو التفوق والنجاح نفسه، خوفك كان من تجربة سابقة ليكِ أنا وأنتِ عارفين معالِمها كويس، محدش فينا كامل لا أنتِ ولا أنا ولا حتى ثائر، الكمال لله واحده ولنبيه محمد بس كلنا جوانا عِزة وافتخار بنفوسنا مش هسمحلك تمحي شخصيتك بسبب بني آدم مريض كان مجرد فترة عابرة من حياتك وعلى أساس الفترة دي تِلغي عقلك وتفضلي معميه عن قلوب اللي حواليكي...
لن تُنكر دهشتها بل صدمتها بتلك الصغيرة شقيقتها ومدى احتوائها وتفهمها لما تعانيه وكأنها عجوزة شاب شعرها وختم الزمن على ملامحها وليست فتاةً بالعاشرة من عمرها!! رفعت كفيها لتحتضن وجه « رحــمـه» البشوش وهمست بشرود:
_ بس أنا سألته واتهرب زيي، مجاوبنيش، قالي معرفش!! كنت وقتها مستنيه كلمه منه!! كنت محتاجة ولو كلمة تطمني وتهدي قلبي وشعور الذنب اللي بينشب في روحي عشانه، أنا مش أنانيه صح؟!
جعدت « رحمه» ملامحها بتعجب واستنكار من شقيقتها الكبري المفترض أنها ناضجة كفاية ولكنها تشعر بأنها طفلة بمهدها ليس أكثر، جذبتها من يديها للفراش ودثرتها جيداً به وصعدت جوارها وتمددت ثم أردفت بهدوء:
_ أنتِ غلط، متتعجبيش أنتِ فعلاً غلطتي، في مليون سبب يمنعوا ثائر إنه حتى لو بيكن ليكِ مشاعر يتشجع ويعترف ليكي، أنا مش صغيرة يا هبه وفاهمه كل حاجه، أبسط الأسباب دي إنك لسه على ذمة راجل تاني؟! تقدري تقوليلي ثائر بشخصيته الواضحة وهدوؤه ووقاره وشهامته هيستغلك ويستغل الظروف والوقت الراهن؟! من يوم ما شوفناه عمره جِه على واحده فينا؟! دا سبب بسيط يخليه حتى لو بيدوب فيكي ميعترفش ويحتفظ بيه لنفسه لوقت طلاقك ولما تكوني حلاله وتحت طوعه يقولك كل حاجه، خوفك مش حل ولا استسلامك حل ولا تسرعك حل يا هبه، مفيش حاجه بتكون قفش ولا مجرد إني مسمعتش اللي يرضيني أهرب واتخبى؟!
ابتلعت توترها وصِغر حجمها أمام تلك الصغيرة وجذبتها بقوة لصدرها طابعة قبلة ممتنة على جبهتها وغمغمت باستنكارٍ مرح:
_ كبرتي امتى كدا يا ست رحمه وأنا كنت فين وقتها
ضمتها الأخرى بدورها بعاطفة قوية كلتاهما بحاحتها ورمقتها بنظرة شاكرة وهتفت:
_ لما شوفتك بتبكي وتترجيه عشان يضربك ويسيبني أو يبعد عنك قدامي ولما كنت بسمع صوت صراخك كل ليله وأنتِ بتتألمي وهو جنبك مع واحدة قذرة شبهه، لما كنتي بترجعي كل ليله متأخرة عشان توفري تمن لقمه لينا، لما...
قاطعتها « هبه» بعنف ولم تتحمل المزيد من الزكريات المتدفقة لعقلها وشددت من ضمها وهمست برجاء وحرقة:
_ أنا أسفه على كل حاجه... أسفه ليكي
*****************
استندت بهيام على باب الغرفة تراقب تحركاته العفوية بالغرفة بحثًا عن ملابسه، يبدو لها وسيمًا لدرجة أهلكت قلبها، ببطء تسللت من خلفه على أصابع قدميها حتى أصبحت خلفه مباشرة وكادت أن تلف يديها حول خِصره ولكنه سبقها وأمسك بكفيها ولفها لتُقابل معالم وجهه المتلهف بشدة لها، ابتلعت « ورده» لعابها بصدمة ورفرفت بأهدابها ثم رطبت شفتيها وتمتمت بلا وعي:
_ يخربيتك أنتَ كنت عارف إني واقفه؟!
لاعب « بـراء» حاجبيه بتسلية ومكر وجذبها من خصرها لترتطم بصدره العريض وهمس أمام صفحات وجهها:
_ وسايبك تتحرشي بيا وساكت اهو عشان تعرفي كرم أخلاقي
اقتربت بوجهها منه أكثر بجرأتها المعتادة وغاصت بعينيها بملامحه وهمست بدلال:
_ دا تحرش نظري برئ يا بيبو أله
اصطنع « براء» التفكير ومط شفتيه باستنكار ثم غمغم جانب أذنيها بهمسٍ بعثرها:
_ بس أنا بحب العملي واستاذ ورئيس قسم فيه
لم تهتم بوقاحته التي يجاهد بها ليصل لمستوى وقاحتها بل أحاطت عنقه بدلال ومطت شفتيها بإغراء وهمست برقة ونعومة:
_ خِف بسرعة عشان نعمل واحد فرح كبير ونلعب عريس وعروسه
ختمت حديثها بغمزة وقحة منها وعضت على شفتيها بخبث لم يتحمله هذا الذائب أمام حلوة الخضمي الخاصة به التي يكاد يُصاب بأزمة قلبية من دلالها فلم يتمهل بل انخفض بنظرة لشفتيها متوليًا قضمها بخفة ورقة متناهية، التهمها بقبلة شغوفة ومتلهفة، لم تتفاجأ كثيراً من شوقه لها بل بادلته بقوة وجذبته لجسدها لتخبأه بداخل إحدى ضلوعها، شعر هو بابتسامتها ضد شفتيها فتعمق بقبلته حتى انقطعت أنفاسهم وابتعدا عنها يلهث بعنف وهتف بحدة:
_ أنتِ هتموتيني ناقص عمر يا شبر ونص أنتِ
شعرت بوخزة قوية تلفح قفصها الصدري عند ذكره للموت ولو على سبيل المزاح ولكنها لن تعكر صفو لحظاتهم معاً واقتربت مجدداً رافعة أصابعها تتلمس لحيته الكثة وتغوص بكفها بها وهمست بغنجٍ:
_ بعيد الشر يا بيبو قلبي، أنتَ حلو أووي يولا
زفر بعنف من تصرفاتها التي جعلت الشياطين تتراقص أمام عينيه مطالبة بها وبالتنعم وسط أحضانها الموقِن من دفئها عن برودة الليل، جذبها بقوة من تلابيب عباءتها وهتف من بين أسنانه:
_ هتتلمي في ليلتك اللي شبه عبايتك دي ولا اعمل حاجات الشيطان هيموت ويخليني اعملها؟!
مطت « ورده» شفتيها بقنوطٍ من هذا المُدعى زوجها والذي لا ينفك عن ختم لحظاتهم الرومانسية بأحد تصرفاته البربرية وهتفت بغيظ من بين يديه:
_ يعني بدلع وبكل رقه ونعومه والبعيد حلوف، أنتَ غبي ياض أنت
رفعها « براء» أكثر لتصبح مباشرة بطوله وافترس شفتيه من أفعالها الوقحة وهتف بتوعد:
_ لا مش حلوف بس اللي في دماغك لو كملنا فيه هيبقى نهايته ملونه على دماغك يبنت بلال
صكت على أسنانها بعنف ولوحت بيديها وقدميها بالهواء بغيظ وهتفت:
_ يا عديم الرومانسيه، يا هادم اللحظات، أنتَ ياض إيه، هتموتني
أنزلها « براء» بهدوء كاتماً ضحكته من هيئتها بين يديه كالفأر الذي يرغب بالفرار من مصيدته وهتف بمرح:
_ أنا بحبك يا بت
اصطنعت « ورده» الإشمئزاز وعدلت من كتفي ملابسها وهتفت:
_ بت!! إيه العلاقة القذرة دي يا ربي
رمقها « براء» بـ توجس وكتف عضديه أمام صدره وتمتم باستنكار:
_ على أساس إنك نهر دلال وحنان ورقه يختي اتوكسي
دبدبت « ورده» بقدميها بالأرضية وتوجهت للفراش بتأفف وهتفت :
_ أقول عليك إيه وأنت فيك كل العِبر يا بعيد ومفيكش ولا ميزه
ضحك « براء» بشدة على تعابيرها وملامحها الغاضبة وهمس بحنانٍ وعشق:
_ بحبك...
ابتسمت « ورده» بـ بلاهة واصطبغ وجهها بحمرة قانية منافية لتلك الوقحة من دقائق وهمست بخجل:.
_ بحبك
******************
أغلقت « أثـيـر» باب الثلاجة بعنف وكأنها تنتقم منه هو على تجاهل زوجها لها، يا لحظها الأكثر من رائع لم يفت على زواجهم يومين وها هو يعاملها ببرودٍ ساحق ويتجاهل محاولاتها للحديث معه، ليس ذنبها فهو من حدد موعد الزفاف، وضعت قنينة المياه بغضب على السطح الرخامي وهمست بغل:
_ ماشي يا راكان ماشي
لم تنتبه لذلك الواقف يتابع غضبها الاكثر من رائع بوجنتيها المكتزتين وشفتيها المعذبتين لأعصابه، تسلل بخفة من خلفها وقرصها برقة بخصرها ونجم عن ذلك شهقة مرتعبة منها جعلتها تلتف له بغضب هاتفة:
_ أنتَ رخم ومبتحسش وابعد عني
رفع « راكــان» أحد حاجبيه بمكر من توترها ولهوجتها بالحديث الغير مترابط وهتف بعبث:
_ بس صدقي الأحمر هيأكل منك حتت مش حته واحده
شهقة أخرى خجولة نجمت من جوفها بسبب وقاحته ونظراته التي تلتهمها كأسدٍ وجد فريسته جعلتها تبتعد بتوتر عن مرمى بصره وتتمتم بتعلثم:
_ أنت.. أنت بتكلمني لي.. دلوقت
قطع « راكان» المسافة الفاصلة بينهم بثوانٍ وحاصرها بذراعيه وهمس بجانب أنها بمرح:
_ ما هو بالحِبال اللي طيرت عقلي دي لو كلمتك ابقى أهبل والله دي عاوزه فعل
قاطعته « أثـيـر» بنظرة حادة من قزحتيها العسليتين وهتفت بارتباك:
_ أنتَ شارِب وقاحه وقلة أدب؟!
هز « راكــان» كتفيه بلا مبالاة واقترب بجسده منها حتى لفحت أنفاسه الساخنة بشرتها البيضاء بنعومتها التي موقِن منها وهتف بصوتٍ عميق:
_ والله أنا سافل وقليل الأدب وما حد عرف يربيني بس هاتي بوسه واحده
من المفترض بها الخجل الآن ولكن تعابيره الطفولية وشفتيه المزمومتين وكأنه يستعد لقبلة منها جعلتها تنفجر ضاحكة بشدة حتى أدمعت عينيها واصطبغ وجهها بحمرة قانية، ابتعد عنها « راكــان» بغضبٍ يصطنعه ولكنه لا وجود له بتاتًا بقاموسه معها وهتف:
_ اضحكي على قد ما تقدري عشان كله هيطلع عليكي بس اصبري
وضعت يديها على وجهها لتوقف نوبة الضحك التي انتابتها من تقاسيم وجهه الوسيم بتكشيره جذابة جعلته شهيًا للالتهام!! هزت رأسها بقوة مُبعدة تلك الأفكار عن رأسها وانخرطت بوصلة ضحك جديدة جعلته يهيم بها عشقًا يقسم أنه لن ينتهي يوماً إلا بمماته، بعد دقائق توقفت « أثـيـر» عن الضحك بسبب تطلعه الزائد بها وهتفت بعبث:
_ عارفه إني حلوه
هز « راكــان» رأسه بخفة واقترب جاذبًا جسدها لصدره بقوة وهتف بعشق:
_ أنتِ مش حلوه وبس أنتِ نِجمه بعيده أووي لقيتها بعد سفر سنين طويله ووقتها حسيت براحه فضلت عمري كله أتمنى أعيشها وحاولت أخلقها كتير بس كنت بفشل بكدا لأن لا الوقت ولا الأشخاص كانوا صح...
رفعت يديها لتتشبث بخصره بقوة مماثلة له وتبادله عِناقه وشوقه المضني لها وهمست بعذوبة:
_ السعادة، الراحه، الحب، الهدوء، الآمان والسكينه معاني معرفتهاش غير معاك وبيك ولو فضلت طول عمري أدور عليها عمرها ما كانت هتكون بنفس قوتها زي ما بشوفها في عيونك...
خرجت من أحضانه وبسمة لطيفة تزين ثغرها وكورت وجهه بين يديها وعيناه وآااه من عينيها التي تسحبه بلا هوادة لعالمها الخاص الذي نسجته بحبها الكبير له، نظرت بعيناه مباشرة وكأنها تبحث عن ضالتها ووجهتها الضائعة وتمتمت بصدق:
_ كنت ديماً بقرأ إن العيون الخضرا أو الزرقا أو حتى الرمادي ليهم سحر خاص وبيخلونا نبحر بيهم لبعد الأفق بس عمري ما حبيتهم وكنت مقتنعه إن كل لون عيون ليه تعويذه خاصه مش هيقع بيها غير الشخص المثالي لينا، من أول مره شوفتك ولقتني عاوزه أفضل طول عمري حاضنه عيونك بعيوني وببتسم ليهم، بحس براحه وعيوني واقعه معاك، راكــان أنا بحبك بكل ذرة قوة وضعف وخوف وآمان جوايا....
قاطعها « راكــان» بقبلة جذبته لعالمه هو تلك المرة ليُريها نيران عذابه طيلة الأعوام بها وبصورها المحفورة بخافقه، بادلته « أثـيـر» بعاطفة قوية دون خجل ودون قيود بل بعشقها وقلبها العاشق لذلك الرجل المِغوار بمحاسِنه المتعددة وقلبه الحاني عليها، ابتعد عنها دافنًا وجهه بين ثنايا عنقنها الرقيق وهمس بنَبرة ضائعة:
_ هحبك أكتر من كدا إيه يا أثـيـر
وصلت يديها لمنابت شعرها الغزير وأبحرت بها بحنانٍ متناسية مكانهم والزمان من حولهم وهمست برقة وصدق:
_ وحتى وإن غابا قلبينا عن العالم ستبقى روحينا متشابكة بأغلالٍ أبدية يا عزيزي
*******************
« بـعـد ثـلاثـة أيــامٍ»
وصل لمسامعه صوت بعض الأغاني الشعبية الشهيرة تزمنًا مع اختفاء زوجته من مكانها المعتاد بالمطبخ بذلك الوقت من اليوم ، ابتسم بدفء وعشق عندما لاحت نظراتها الحانية بالأفق تُغرد من حوله، أوقعته بلا هوادة لدرجة أهلكته وأنارت ظلمة هوامش روحه القاتمة، بحث عنها بلهفة عندما طال غيابها ووصلت قدماه أمام مصدر الصوت، وقف أمام غرفتهم كطفلٍ يتسعد لعبور جسر عقابه الأخير وبعدها سينال جائزته، دلف بهدوء وليته لم يفعل بل ليته لم يأتي من عمله مبكرًا ليراها بمثل تلك الهيئة!!!، ابتلع لعابه بتوتر وجف حلقه من فرط مشاعره، توارى خلف الخِزانة الكبيرة المجاورة للباب وخلع عنه ملابسه العلوية بسبب الحرارة التي انبعثت من جسده وبقى يلتهمها بعيناه، تلك الشُعلة النارية ترتدي إحدى قمصانها الحريرية الذي يحتضن جسدها بنعومة عوضًا عنه وينساب بسلاسة على منحنياتها التي أذابته، زادت وتيرة أنفاسه عندما تمايلت بثقة على أنغام الموسيقى الشعبية، أخفض رأسه كمحاولة بائسة منه للثبات والتحكم بشوقه القارص لها ولكن محاولته ذهبت مع الرياح عندما دارت بجسدها لتقع عينيه على فتحة الثوب الأماميه التي تُبرز كتفيها وعنقها المرمي وكل ذلك خلاف ملامحها التي تصرخ بالاشتعال والحماس عند تمايلها يمينًا ويسارًا بخفة كفراشة ملونة، بمكرٍ اقترب منها وجذبها لترتطم بصدره العاري بقوة وابتلع شهقتها المصدومة بجوفه بقبلة مُشتعلة وبربرية فتكت بهم معاً، شدَّ خِصرها له بعنف وغابت أنفاسه لتسلب خاصتها، بادلته هي بقوة مماثلة له تعبر عن شوقها الجارف له برغم غيابه الذي لم يدم لساعتين!! تحركت يداه لتجذبها أكثر له ولأول مرة يختبر جرأتها معه وعدم خوفها وخجلها منه، شعر بحرارة أنفاسها السريعة فأشفق عليها وابتعد عن شفتيها ودفن وجهه بعنقها الأبيض وهمس باختناق:
_حرام عليكي كفاية كدا عليا
ضحكت « أثير» بمرح وزمت شفتيها للأمام وهمست بصعوبة من خجلها بسبب أنفاسه التي تلفح عنقها:
_حد منعك؟!
رفع رأسه من عنقها بزهول وعدم تصديق لما تفوهت به وبرز بؤبؤ عينينه وهتف بتقطع:
_يعني خلاص؟! إفراج!!!
عضت شفتيها بخجل وهزت رأسها بتأكيد وفرت هاربة منه ولكن قبضته التي حاصرتها جعلتها تتصلب بمكانها، جذبها «راكان» بعنف لصدره ليتصدى ظهرها لنبضات خافقه السعيد وهتف ويده تتلاعب بخُبث بحمالات ثوبها الواهية:
_ هتهربي فين بقا يا هانم
عضت شفتيها بخجل شديد وهزت رأسها بنفي ودارت بين يديه لتمتزج ابتسامتهم وصوت خفقاتهم يقرع كطبول الحرب، لفت يديها حول عنقه بتملك وعشق وهمست بجانب أذنيه:
_مين قالك إن الهانم عاوزه هتهربي
ابتسم « راكان» بسعادة وضمها بشوقٍ وسعادة لصدره وهمس بنَبرة مُفعمة بالعواطف:
_تعرفي إني استنيت اللحظة دي من سنين؟! تعرفي كام مره نمت على أمل بكره تكوني هنا في بيتي وفي أوضتي واسكن قلبك زي ما احتليتي قلبي، ياااه يا أثير الحب في عذابك لذه كبيرة
بادلته عناقه بأخر أقوى وتشبثت به وخفقاته المضطربة تتهادى فوق أوتار قلبها السعيد والراضي، ابتعدت عنه وكورت وجهه بين يديها وهمست وعيناها مصوبة على حدقتيه القاتمتين:
_ عمري ما اتخيلت إني أتحب بالطريقة دي، أنا قلبي لو قِدر يسكن ضلوعك مش هيتأخر، جيت نورت حياتي وخلتني بروح عيله بتضحك وتضوي، أنت جنة الله في أرضه ليا، هفضل طول عمري منك وإليك يا راكان
غمزها « راكان» بعبث وتوهجت ملامحه وهتف بوقاحة:
_لا دا إحنا اتغيرنا خالص وبقينا بنعمل حاجات حلوة
مطت « أثير» شفتيها الورديتين بأغراءٍ وتحسست بنعومة عنقه وهمست برقة:
_ودا حلو ولا وحش في رأيك؟!
غامت عيناه بسحابة سعيدة وغمزها بوقاحة وحملها للفراش وهتف بوقاحة:
_ رأيي هتعرفيه دلوقت يا هانم بس عاوزك تسجلي اللحظة دي عشان أنا هرمت لأجلها والله
ضحكت « أثير» بمرح وخجل على حديثه الوقح ولكنها دفن ضحكاتها بين طياته القوية لتبدأ رحلة من نوعٍ خاص بروحيهما بعد عذاب أربعة سنوات ها هو يلوذ بعشقه الأول والأخير ومحبوبته تسكن بين ذراعيه بلهفة واشتياقٍ مماثل لعنفوانه وشغفه لها، نسجا حديقة وردية من ترانيم عشقهم وبحورٍ من السعادة والحماس الممزوج بالحب المقدس.....
******************************
جلست ممسكة بيديه وبسمة راضية وسعيدة تزين ثِغرها، مضت ساعتين على نومه بسبب بعض الأدوية المسكنة، مرَّ على زواجهم ما يقارب الإسبوع قضوه بالمشفى لإجراء فحوصاته الطبية استعدادًا لتلقي جرعات الإشعاع اللازمة له، لن تنكر أن هناك غرفة من قلبها حزينة على ما أصابه ولكن حمدً للاه على شفاؤه وتجاوب جسده للجرعات، اتسعت بسمتها العاشقة وخللت أصابعها برقة بين منابت شعره الكثيف وهي للآن لا تصدق أن هذا الوسيم أصبح زوجها وأنها لطالما ملكت قلبه!!، لقد راضاها الله بعطائه الوفير وكرمه الكبير، شردت بملامحه الجذابة ونزلت بأصابعها لتستكشف وجهه الشاحب وهمست بتقطع مختنق:
_ هتخف ونفضل سوا وتفضل تحبني وربنا مش هيخيب ظني فيه عمري ما رفعت كفوفي برجاء وردني حزينه يا براء بس خليك قوي عشاني، طريقنا طويل وهنكمله سوا يا عيوني
تقدمت منه وخفضت رأسها متلمسة شفتيه بخاصتها بحالمية وتتميم جارف ولم تنتبه لذلك المتابع لكل شاردة وواردة منها ويتمنى جذبها لأحضانها وجعلها ضلعًا رفيقًا لروحه ولكن لن يكف عن التظاهر بالنوم حتى يشبع من قربها قبل جلسته القادمة ولكن عندما أحس بشفتيها الناعمة تتمسح بخاصتها جذبها بتملك وتولى زمام الأمر ليغيبا بتملك بقبلة هائمة ببحور عشقهم المُتعب سارقين بعض الثوان القليلة من الزمن المُحزن، ابتعدت عنه ورفرفت بأهدابها السوداء الكثيفة وهمست بحرج:
_أنتَ صاحي من امتى؟!
ابتسم « براء» بوهنٍ وأشار لها لتجلس جانبه على الفراش فنهضت جواره وما لبث أن جذبها بين ذراعيه بعناقٍ قويٍ متعب يستمد منها قوته ومصدر أمانه وهمس بتعب:
_ مبعرفش أنام طول ما أنتِ جنبي ومش في حضني
ضمته باحتواءٍ لصدرها وطبعت قبلة على رأسه وودت لو تنساق خلف رغبتها المُلحة بالبكاء لتُفرغ كبت قلبها ولكن لن تفعل فزوجها يريد قوتها ولن تتوانى عن تقديم روحها وإن كانت مشوهة لأجله!! أغمضت عينيها بإرهاق وهمست بعبث:
_ ما احنا بنعرف نحب ونقول كلام حلو اهو اومال ليه الوش الخشب يا ابو عمو
ضحك « براء» بتعب على مُزاحها رغم علمه بمدى حزنها عليه ولكنه يجب عليه مساندتها رغم كل شيء، عليه الصمود لأجلها، شبك أصابعه بين أناملها الرقيقة ورفعها لفمه ثم لثمها بقبلة ممتنة وراضية وغمغم بمرحٍ:
_الحلو للحلو يا واد يا حلو يا بطل أنتَ
مررت « ورده» أناملها بين ذقنه الكثيفة التي تكفي لإيقاع جيوشًا من النساء تحت قدميه وفور وصولها لتلك النقطة غلت الدماء بعروقها ونفخت خديها بقنوط وهتفت:
_دقنك عاوزه تتحلق يا أستاذ ولا هي عجباك ومريحاك كدا؟!
تعجب «براء» من تحولها وغضبها الذي ظهر بصوتها ولكنه ما إن توصل لسبب غضبها حتى ابتسم بخبث ورفع نفسه ليصبح أمام وجهها مباشرة وهمس بنَبرته التي رغم ضعفها سُربت لخافقها اللعين:
_إحنا بنغير ولا بنغير!!؟
ضحكت « ورده» بتهكم وأغمضت عينيها لثوانٍ معدودة ثم فتحتهم بهدوء واقتربت منه أكثر حتى تداخلت أنفاسهم الحارة وطبعت قبلة متملكة جانب ثِغره المُغري لها وهمست أمام شفتيه بتأكيد وثقة:
_ بغير!! أنا لما بغير بحرق، بولع وممكن اقتل فخاف من غيرتي لأنها لو طالت جِنس حواء جنبك هتولع فيك وفيها آمين!؟!!
ابتلع « براء» ريقه بخوف وتوجس واهتزت تفاحة آدم خاصته وهمس بلا وعي من نظراتها:
_آمين!!
****************
مضت ثلاثة أيامٍ بلا رؤيته، كعادته يختفي كما يشاء ويعود يجدها بانتظاره، رغبة ملحة تنتابها بـ زيارة والديها، لم تعد خائفة من رؤية « فاضل» أو والدتها ولكن هناك ما هو أكثر من الخوف بداخلها، ارتدت ثوبًا أسود ووضعت نقابها وتركت رسالة ورقية لشقيقتها تخبرها بذهابها لأمرٍ هام بالعمل ومن المحتمل تأخيرها، أغلقت باب المنزل خلفها وألقت نظرة خائبة على منزله، له الحق بذلك هو حتى لم يأتي ليعلم سبب غضبها عليه وحدتها معه، كل ما يصدر عنه يؤكد لها بأنه من المستحيل أن تحصل على حبه، ظلت طوال الطريق شاردة بحياتها التي لو كانت رواية لملَّ القارئ منها ومن كَم الحزن المختزن بها، هبطت من السيارة بضعف بعد مدة طويلة، بعد الأحيان تحسد الموتى على ذهابهم لربما لعالم أفضل بعيداً عن أنياب البشر الحادة، وصلت لقبر والدتها وجلست أمامه بهدوء وابتسمت بحزن وهمست:
_ وحشتيني... كل حاجه كنتي بتقوليهالي وأنا صغيره كانت صح، العالم بشع زي ما كنتي فاهمه وبنتك لسه بتتخبط فيه، كان لازم تسيبيني أبكي كل ليله لواحدي من غير حضنك، بنتك بقت مشوهه من جوا وفاضيه، أنا اسفه عشان وعدتك إني مش هعيط والله أسفه
حديثها الغير مترابط وتعلثمها ودموعها الغزيرة كفيلة لوصف شوقها لوالدتها الغائبة، وضعت يديها بالرمال وهتفت بحرقة وألم:
_ في وجع جوايا مبيوقفش في نزيف مش عاوز يخلص غير لما يقضي عليا، تعبت من المحاولة، كل يوم بقوم على محاوله جديدة ارجع فيها ولو جزء بسيط مني بس بفشل، كل يوم وجعي وحرقة قلبي بتزيد، كل يوم وليله مخدتي الدموع مش بتفارقها، أنا ضايعه من غيرك، وحشتوني، لو كنتي هنا مكنتش فضلت طول عمري لواحدي، لو كنتي هنا مكنتش اتهنت وانضربت وجوزي اغتصبني وذلني ولا كان حاجات كتير حصلت، انتو لي مش هنا ولي قلبي مش عاوز يوقف وجع، ليييي قوليلي.....
بحالة يرثى لها حملت حقيبتها ونهضت بضعف للخارج، أمسكت بالباب تستمد من قوته وألقت نظرة أخيرة على قبرهما وهتفت بمرارة وندم:
_ أتمنى وجع قلبي يختفي يا أمي...
بخيبة أمل وألم خرجت من المقابر تجر ضعفها وقلة حيلتها ودموعها تغلف صفحات وجهها، زكرياتها مع والدتها تدور بعقلها كدوامة قاسية تعاتبها على ضعف إيمانها، لم تنتبه للطريق من حولها ولا صوت العابرين فقط كل ما تسمعه هو صوت اصطدامها بالسيارة وصوت صفيرٍ مؤلم يضرب بعقلها وتجمهر الكثير من البشر حولها، هناك ألمًا مريب يطعن جسدها وتشعر بسائل لزج يتدفق من كل خلاياها التي لازالت حية؟!!! ابتسمت بوهنٍ وتعب لرؤية والدتها تحتضنها بشغف وأغمضت عينيها بسلامٍ سامحة للضباب الرقيق بابتلاعِها.....
شظايا الكلمات
يتسرب ببطء كفيروسٍ لعين ونحن غافلون عن تواجده ومن ثم يتمكن فتظهر أعراضه الحَتمية التي من المحتمل أن تكون بداية جديدة لنا أو نهاية مأساوية.....
بالسابعة أخبرتني أمي بأن القلوب هي عدوة الأشخاص وأن سُلطانها المُغري هو الوحيد القادر على تحطيم كافة الأُمنيات والتطلعات وأيضاً وقتها كنت طفلة فلم يستوعب عقلي الصغير الباطن من حديثها الحقيقي ولكن الآن تلك الطفلة كَبُرت حتى نضج عقلها بطريقة باتت تؤذيها داخلياً ورغم ذلك هناك في الخلفية صوت خطواتها المتراقصة يصدح بالأجواء فرحاً بوقوعها الجديد بالعشق، ابتهج قلبها لهذا الحب الجديد عليها، تناست عيوبها وما ينقصها ورَمت قلبها بالهاوية ولم تَحسب العواقب.....
تسللت البرودة إليها وتبعَها قطرات المطر الباردة التي شهقت على آثرها وأغلقت النافذة بعنف تزامُنًا مع ارتفاع وتيرة أنفاسها المتهدجة وارتجاف جسدها أسفل ذلك الوِشاح الثقيل، لم تنفَلت قدميها عن الحركة أكثر ووقفت بشرود وضياع تراقب حركة الأمطار والرياح العاتية لازالت تتذكر أنها كانت تهاب صوت الرعد وبرق السماء الخافت كلاهما يبعثان الخوف القارص لقلبها البارد ولكن ماذا عن اليوم؟! أين خوفها؟! هل فقدا هيبتهم بتخويفِها أم أنها هي من فقدت شعورها بالخوف أيضاً!! دِمعة وحيدة فرت من عينيها ببطء تتوارى من ضعفها القادم، مازالت نظراته الضائعة والمتلهفة تلوح بعقلها، لم تُخطئ هو رجلاٌ كامل الأوصاف لما سينظر لها!؟ كيف سيتعامل مع خوفها الغامض له حتى الآن؟! خيبة الأمل التي تسربت لمعالم وجهه المحبب لقلبها أصابتها بوخزة قوية بصدرها ولم تتحمل أكثر من ذلك ففرت هاربة بدموعها أسفل نقابها التي هي ممتنة له خد النخاع، خبأت نفسها عنه طيلة اليوم وعندما عادا للبيت لم تنتظره بل سارعت بالتخفي عن عيناه الكاشفتين لها ولكل ارتجافه من جسدها الهزيل.....
_ أوقات كتير قلوبنا بتكون غافله عن إنها تشوف الحب وبتترجمه حسب شعورها
كانت هذه الكلمات البسيطة من شقيقتها الصغرى « رحمه» التي باتت تُثبت لها نضجها الكبير وعقلها واسع المدى...
ضمت جسدها بقوة والتفتت لها بهدوء ونظرات الحزن المتأرجحة بعينيها تنبثق كشعاع الضوء وسط ظُلمة الليل الحالك:
_وأوقات كتير بيكون شعور قلوبنا دا صح ودا سبب بعدنا عنهم ويمكن لخوفنا منهم!
اقتربت « رحمه» منها وربتت فوق كتفيها بحب وابتسامة عذبة عَلت ثِغرها وهمست:
_ قلبك مش هيقدر يبعد عن ثائر حتى لو فات العمر كله عمرك ما هتقدري تتخلصي من حبه، أنا شوفتك وأنتِ بتوصفي شعورك بـ فاضل وشوفتك وأنتِ بتمجدي بــ بعشقك وحبك لــ ثائر
خفضت «هبه» نظراتها المتألمة للأسفل ولكنها لم تكبح زِمام بكائها الشديد ومرارة شعورها الكامن بفؤادها النازف وتعلثمت:
_ أنا... أنا خايــفه منـ... خايــفــه من ضعــفـي وتجربتي.. هو ميستحقش دا... هو كامل
لم تختفِ نظرة « رحمه» الباسمة وإنما زادت اتساع وهتفت بتروي:
_ بيقولوا الخوف أساس نجاح كل شيء بس مقالوش إن التغلب على الخوف دا هو التفوق والنجاح نفسه، خوفك كان من تجربة سابقة ليكِ أنا وأنتِ عارفين معالِمها كويس، محدش فينا كامل لا أنتِ ولا أنا ولا حتى ثائر، الكمال لله واحده ولنبيه محمد بس كلنا جوانا عِزة وافتخار بنفوسنا مش هسمحلك تمحي شخصيتك بسبب بني آدم مريض كان مجرد فترة عابرة من حياتك وعلى أساس الفترة دي تِلغي عقلك وتفضلي معميه عن قلوب اللي حواليكي...
لن تُنكر دهشتها بل صدمتها بتلك الصغيرة شقيقتها ومدى احتوائها وتفهمها لما تعانيه وكأنها عجوزة شاب شعرها وختم الزمن على ملامحها وليست فتاةً بالعاشرة من عمرها!! رفعت كفيها لتحتضن وجه « رحــمـه» البشوش وهمست بشرود:
_ بس أنا سألته واتهرب زيي، مجاوبنيش، قالي معرفش!! كنت وقتها مستنيه كلمه منه!! كنت محتاجة ولو كلمة تطمني وتهدي قلبي وشعور الذنب اللي بينشب في روحي عشانه، أنا مش أنانيه صح؟!
جعدت « رحمه» ملامحها بتعجب واستنكار من شقيقتها الكبري المفترض أنها ناضجة كفاية ولكنها تشعر بأنها طفلة بمهدها ليس أكثر، جذبتها من يديها للفراش ودثرتها جيداً به وصعدت جوارها وتمددت ثم أردفت بهدوء:
_ أنتِ غلط، متتعجبيش أنتِ فعلاً غلطتي، في مليون سبب يمنعوا ثائر إنه حتى لو بيكن ليكِ مشاعر يتشجع ويعترف ليكي، أنا مش صغيرة يا هبه وفاهمه كل حاجه، أبسط الأسباب دي إنك لسه على ذمة راجل تاني؟! تقدري تقوليلي ثائر بشخصيته الواضحة وهدوؤه ووقاره وشهامته هيستغلك ويستغل الظروف والوقت الراهن؟! من يوم ما شوفناه عمره جِه على واحده فينا؟! دا سبب بسيط يخليه حتى لو بيدوب فيكي ميعترفش ويحتفظ بيه لنفسه لوقت طلاقك ولما تكوني حلاله وتحت طوعه يقولك كل حاجه، خوفك مش حل ولا استسلامك حل ولا تسرعك حل يا هبه، مفيش حاجه بتكون قفش ولا مجرد إني مسمعتش اللي يرضيني أهرب واتخبى؟!
ابتلعت توترها وصِغر حجمها أمام تلك الصغيرة وجذبتها بقوة لصدرها طابعة قبلة ممتنة على جبهتها وغمغمت باستنكارٍ مرح:
_ كبرتي امتى كدا يا ست رحمه وأنا كنت فين وقتها
ضمتها الأخرى بدورها بعاطفة قوية كلتاهما بحاحتها ورمقتها بنظرة شاكرة وهتفت:
_ لما شوفتك بتبكي وتترجيه عشان يضربك ويسيبني أو يبعد عنك قدامي ولما كنت بسمع صوت صراخك كل ليله وأنتِ بتتألمي وهو جنبك مع واحدة قذرة شبهه، لما كنتي بترجعي كل ليله متأخرة عشان توفري تمن لقمه لينا، لما...
قاطعتها « هبه» بعنف ولم تتحمل المزيد من الزكريات المتدفقة لعقلها وشددت من ضمها وهمست برجاء وحرقة:
_ أنا أسفه على كل حاجه... أسفه ليكي
*****************
استندت بهيام على باب الغرفة تراقب تحركاته العفوية بالغرفة بحثًا عن ملابسه، يبدو لها وسيمًا لدرجة أهلكت قلبها، ببطء تسللت من خلفه على أصابع قدميها حتى أصبحت خلفه مباشرة وكادت أن تلف يديها حول خِصره ولكنه سبقها وأمسك بكفيها ولفها لتُقابل معالم وجهه المتلهف بشدة لها، ابتلعت « ورده» لعابها بصدمة ورفرفت بأهدابها ثم رطبت شفتيها وتمتمت بلا وعي:
_ يخربيتك أنتَ كنت عارف إني واقفه؟!
لاعب « بـراء» حاجبيه بتسلية ومكر وجذبها من خصرها لترتطم بصدره العريض وهمس أمام صفحات وجهها:
_ وسايبك تتحرشي بيا وساكت اهو عشان تعرفي كرم أخلاقي
اقتربت بوجهها منه أكثر بجرأتها المعتادة وغاصت بعينيها بملامحه وهمست بدلال:
_ دا تحرش نظري برئ يا بيبو أله
اصطنع « براء» التفكير ومط شفتيه باستنكار ثم غمغم جانب أذنيها بهمسٍ بعثرها:
_ بس أنا بحب العملي واستاذ ورئيس قسم فيه
لم تهتم بوقاحته التي يجاهد بها ليصل لمستوى وقاحتها بل أحاطت عنقه بدلال ومطت شفتيها بإغراء وهمست برقة ونعومة:
_ خِف بسرعة عشان نعمل واحد فرح كبير ونلعب عريس وعروسه
ختمت حديثها بغمزة وقحة منها وعضت على شفتيها بخبث لم يتحمله هذا الذائب أمام حلوة الخضمي الخاصة به التي يكاد يُصاب بأزمة قلبية من دلالها فلم يتمهل بل انخفض بنظرة لشفتيها متوليًا قضمها بخفة ورقة متناهية، التهمها بقبلة شغوفة ومتلهفة، لم تتفاجأ كثيراً من شوقه لها بل بادلته بقوة وجذبته لجسدها لتخبأه بداخل إحدى ضلوعها، شعر هو بابتسامتها ضد شفتيها فتعمق بقبلته حتى انقطعت أنفاسهم وابتعدا عنها يلهث بعنف وهتف بحدة:
_ أنتِ هتموتيني ناقص عمر يا شبر ونص أنتِ
شعرت بوخزة قوية تلفح قفصها الصدري عند ذكره للموت ولو على سبيل المزاح ولكنها لن تعكر صفو لحظاتهم معاً واقتربت مجدداً رافعة أصابعها تتلمس لحيته الكثة وتغوص بكفها بها وهمست بغنجٍ:
_ بعيد الشر يا بيبو قلبي، أنتَ حلو أووي يولا
زفر بعنف من تصرفاتها التي جعلت الشياطين تتراقص أمام عينيه مطالبة بها وبالتنعم وسط أحضانها الموقِن من دفئها عن برودة الليل، جذبها بقوة من تلابيب عباءتها وهتف من بين أسنانه:
_ هتتلمي في ليلتك اللي شبه عبايتك دي ولا اعمل حاجات الشيطان هيموت ويخليني اعملها؟!
مطت « ورده» شفتيها بقنوطٍ من هذا المُدعى زوجها والذي لا ينفك عن ختم لحظاتهم الرومانسية بأحد تصرفاته البربرية وهتفت بغيظ من بين يديه:
_ يعني بدلع وبكل رقه ونعومه والبعيد حلوف، أنتَ غبي ياض أنت
رفعها « براء» أكثر لتصبح مباشرة بطوله وافترس شفتيه من أفعالها الوقحة وهتف بتوعد:
_ لا مش حلوف بس اللي في دماغك لو كملنا فيه هيبقى نهايته ملونه على دماغك يبنت بلال
صكت على أسنانها بعنف ولوحت بيديها وقدميها بالهواء بغيظ وهتفت:
_ يا عديم الرومانسيه، يا هادم اللحظات، أنتَ ياض إيه، هتموتني
أنزلها « براء» بهدوء كاتماً ضحكته من هيئتها بين يديه كالفأر الذي يرغب بالفرار من مصيدته وهتف بمرح:
_ أنا بحبك يا بت
اصطنعت « ورده» الإشمئزاز وعدلت من كتفي ملابسها وهتفت:
_ بت!! إيه العلاقة القذرة دي يا ربي
رمقها « براء» بـ توجس وكتف عضديه أمام صدره وتمتم باستنكار:
_ على أساس إنك نهر دلال وحنان ورقه يختي اتوكسي
دبدبت « ورده» بقدميها بالأرضية وتوجهت للفراش بتأفف وهتفت :
_ أقول عليك إيه وأنت فيك كل العِبر يا بعيد ومفيكش ولا ميزه
ضحك « براء» بشدة على تعابيرها وملامحها الغاضبة وهمس بحنانٍ وعشق:
_ بحبك...
ابتسمت « ورده» بـ بلاهة واصطبغ وجهها بحمرة قانية منافية لتلك الوقحة من دقائق وهمست بخجل:.
_ بحبك
******************
أغلقت « أثـيـر» باب الثلاجة بعنف وكأنها تنتقم منه هو على تجاهل زوجها لها، يا لحظها الأكثر من رائع لم يفت على زواجهم يومين وها هو يعاملها ببرودٍ ساحق ويتجاهل محاولاتها للحديث معه، ليس ذنبها فهو من حدد موعد الزفاف، وضعت قنينة المياه بغضب على السطح الرخامي وهمست بغل:
_ ماشي يا راكان ماشي
لم تنتبه لذلك الواقف يتابع غضبها الاكثر من رائع بوجنتيها المكتزتين وشفتيها المعذبتين لأعصابه، تسلل بخفة من خلفها وقرصها برقة بخصرها ونجم عن ذلك شهقة مرتعبة منها جعلتها تلتف له بغضب هاتفة:
_ أنتَ رخم ومبتحسش وابعد عني
رفع « راكــان» أحد حاجبيه بمكر من توترها ولهوجتها بالحديث الغير مترابط وهتف بعبث:
_ بس صدقي الأحمر هيأكل منك حتت مش حته واحده
شهقة أخرى خجولة نجمت من جوفها بسبب وقاحته ونظراته التي تلتهمها كأسدٍ وجد فريسته جعلتها تبتعد بتوتر عن مرمى بصره وتتمتم بتعلثم:
_ أنت.. أنت بتكلمني لي.. دلوقت
قطع « راكان» المسافة الفاصلة بينهم بثوانٍ وحاصرها بذراعيه وهمس بجانب أنها بمرح:
_ ما هو بالحِبال اللي طيرت عقلي دي لو كلمتك ابقى أهبل والله دي عاوزه فعل
قاطعته « أثـيـر» بنظرة حادة من قزحتيها العسليتين وهتفت بارتباك:
_ أنتَ شارِب وقاحه وقلة أدب؟!
هز « راكــان» كتفيه بلا مبالاة واقترب بجسده منها حتى لفحت أنفاسه الساخنة بشرتها البيضاء بنعومتها التي موقِن منها وهتف بصوتٍ عميق:
_ والله أنا سافل وقليل الأدب وما حد عرف يربيني بس هاتي بوسه واحده
من المفترض بها الخجل الآن ولكن تعابيره الطفولية وشفتيه المزمومتين وكأنه يستعد لقبلة منها جعلتها تنفجر ضاحكة بشدة حتى أدمعت عينيها واصطبغ وجهها بحمرة قانية، ابتعد عنها « راكــان» بغضبٍ يصطنعه ولكنه لا وجود له بتاتًا بقاموسه معها وهتف:
_ اضحكي على قد ما تقدري عشان كله هيطلع عليكي بس اصبري
وضعت يديها على وجهها لتوقف نوبة الضحك التي انتابتها من تقاسيم وجهه الوسيم بتكشيره جذابة جعلته شهيًا للالتهام!! هزت رأسها بقوة مُبعدة تلك الأفكار عن رأسها وانخرطت بوصلة ضحك جديدة جعلته يهيم بها عشقًا يقسم أنه لن ينتهي يوماً إلا بمماته، بعد دقائق توقفت « أثـيـر» عن الضحك بسبب تطلعه الزائد بها وهتفت بعبث:
_ عارفه إني حلوه
هز « راكــان» رأسه بخفة واقترب جاذبًا جسدها لصدره بقوة وهتف بعشق:
_ أنتِ مش حلوه وبس أنتِ نِجمه بعيده أووي لقيتها بعد سفر سنين طويله ووقتها حسيت براحه فضلت عمري كله أتمنى أعيشها وحاولت أخلقها كتير بس كنت بفشل بكدا لأن لا الوقت ولا الأشخاص كانوا صح...
رفعت يديها لتتشبث بخصره بقوة مماثلة له وتبادله عِناقه وشوقه المضني لها وهمست بعذوبة:
_ السعادة، الراحه، الحب، الهدوء، الآمان والسكينه معاني معرفتهاش غير معاك وبيك ولو فضلت طول عمري أدور عليها عمرها ما كانت هتكون بنفس قوتها زي ما بشوفها في عيونك...
خرجت من أحضانه وبسمة لطيفة تزين ثغرها وكورت وجهه بين يديها وعيناه وآااه من عينيها التي تسحبه بلا هوادة لعالمها الخاص الذي نسجته بحبها الكبير له، نظرت بعيناه مباشرة وكأنها تبحث عن ضالتها ووجهتها الضائعة وتمتمت بصدق:
_ كنت ديماً بقرأ إن العيون الخضرا أو الزرقا أو حتى الرمادي ليهم سحر خاص وبيخلونا نبحر بيهم لبعد الأفق بس عمري ما حبيتهم وكنت مقتنعه إن كل لون عيون ليه تعويذه خاصه مش هيقع بيها غير الشخص المثالي لينا، من أول مره شوفتك ولقتني عاوزه أفضل طول عمري حاضنه عيونك بعيوني وببتسم ليهم، بحس براحه وعيوني واقعه معاك، راكــان أنا بحبك بكل ذرة قوة وضعف وخوف وآمان جوايا....
قاطعها « راكــان» بقبلة جذبته لعالمه هو تلك المرة ليُريها نيران عذابه طيلة الأعوام بها وبصورها المحفورة بخافقه، بادلته « أثـيـر» بعاطفة قوية دون خجل ودون قيود بل بعشقها وقلبها العاشق لذلك الرجل المِغوار بمحاسِنه المتعددة وقلبه الحاني عليها، ابتعد عنها دافنًا وجهه بين ثنايا عنقنها الرقيق وهمس بنَبرة ضائعة:
_ هحبك أكتر من كدا إيه يا أثـيـر
وصلت يديها لمنابت شعرها الغزير وأبحرت بها بحنانٍ متناسية مكانهم والزمان من حولهم وهمست برقة وصدق:
_ وحتى وإن غابا قلبينا عن العالم ستبقى روحينا متشابكة بأغلالٍ أبدية يا عزيزي
*******************
« بـعـد ثـلاثـة أيــامٍ»
وصل لمسامعه صوت بعض الأغاني الشعبية الشهيرة تزمنًا مع اختفاء زوجته من مكانها المعتاد بالمطبخ بذلك الوقت من اليوم ، ابتسم بدفء وعشق عندما لاحت نظراتها الحانية بالأفق تُغرد من حوله، أوقعته بلا هوادة لدرجة أهلكته وأنارت ظلمة هوامش روحه القاتمة، بحث عنها بلهفة عندما طال غيابها ووصلت قدماه أمام مصدر الصوت، وقف أمام غرفتهم كطفلٍ يتسعد لعبور جسر عقابه الأخير وبعدها سينال جائزته، دلف بهدوء وليته لم يفعل بل ليته لم يأتي من عمله مبكرًا ليراها بمثل تلك الهيئة!!!، ابتلع لعابه بتوتر وجف حلقه من فرط مشاعره، توارى خلف الخِزانة الكبيرة المجاورة للباب وخلع عنه ملابسه العلوية بسبب الحرارة التي انبعثت من جسده وبقى يلتهمها بعيناه، تلك الشُعلة النارية ترتدي إحدى قمصانها الحريرية الذي يحتضن جسدها بنعومة عوضًا عنه وينساب بسلاسة على منحنياتها التي أذابته، زادت وتيرة أنفاسه عندما تمايلت بثقة على أنغام الموسيقى الشعبية، أخفض رأسه كمحاولة بائسة منه للثبات والتحكم بشوقه القارص لها ولكن محاولته ذهبت مع الرياح عندما دارت بجسدها لتقع عينيه على فتحة الثوب الأماميه التي تُبرز كتفيها وعنقها المرمي وكل ذلك خلاف ملامحها التي تصرخ بالاشتعال والحماس عند تمايلها يمينًا ويسارًا بخفة كفراشة ملونة، بمكرٍ اقترب منها وجذبها لترتطم بصدره العاري بقوة وابتلع شهقتها المصدومة بجوفه بقبلة مُشتعلة وبربرية فتكت بهم معاً، شدَّ خِصرها له بعنف وغابت أنفاسه لتسلب خاصتها، بادلته هي بقوة مماثلة له تعبر عن شوقها الجارف له برغم غيابه الذي لم يدم لساعتين!! تحركت يداه لتجذبها أكثر له ولأول مرة يختبر جرأتها معه وعدم خوفها وخجلها منه، شعر بحرارة أنفاسها السريعة فأشفق عليها وابتعد عن شفتيها ودفن وجهه بعنقها الأبيض وهمس باختناق:
_حرام عليكي كفاية كدا عليا
ضحكت « أثير» بمرح وزمت شفتيها للأمام وهمست بصعوبة من خجلها بسبب أنفاسه التي تلفح عنقها:
_حد منعك؟!
رفع رأسه من عنقها بزهول وعدم تصديق لما تفوهت به وبرز بؤبؤ عينينه وهتف بتقطع:
_يعني خلاص؟! إفراج!!!
عضت شفتيها بخجل وهزت رأسها بتأكيد وفرت هاربة منه ولكن قبضته التي حاصرتها جعلتها تتصلب بمكانها، جذبها «راكان» بعنف لصدره ليتصدى ظهرها لنبضات خافقه السعيد وهتف ويده تتلاعب بخُبث بحمالات ثوبها الواهية:
_ هتهربي فين بقا يا هانم
عضت شفتيها بخجل شديد وهزت رأسها بنفي ودارت بين يديه لتمتزج ابتسامتهم وصوت خفقاتهم يقرع كطبول الحرب، لفت يديها حول عنقه بتملك وعشق وهمست بجانب أذنيه:
_مين قالك إن الهانم عاوزه هتهربي
ابتسم « راكان» بسعادة وضمها بشوقٍ وسعادة لصدره وهمس بنَبرة مُفعمة بالعواطف:
_تعرفي إني استنيت اللحظة دي من سنين؟! تعرفي كام مره نمت على أمل بكره تكوني هنا في بيتي وفي أوضتي واسكن قلبك زي ما احتليتي قلبي، ياااه يا أثير الحب في عذابك لذه كبيرة
بادلته عناقه بأخر أقوى وتشبثت به وخفقاته المضطربة تتهادى فوق أوتار قلبها السعيد والراضي، ابتعدت عنه وكورت وجهه بين يديها وهمست وعيناها مصوبة على حدقتيه القاتمتين:
_ عمري ما اتخيلت إني أتحب بالطريقة دي، أنا قلبي لو قِدر يسكن ضلوعك مش هيتأخر، جيت نورت حياتي وخلتني بروح عيله بتضحك وتضوي، أنت جنة الله في أرضه ليا، هفضل طول عمري منك وإليك يا راكان
غمزها « راكان» بعبث وتوهجت ملامحه وهتف بوقاحة:
_لا دا إحنا اتغيرنا خالص وبقينا بنعمل حاجات حلوة
مطت « أثير» شفتيها الورديتين بأغراءٍ وتحسست بنعومة عنقه وهمست برقة:
_ودا حلو ولا وحش في رأيك؟!
غامت عيناه بسحابة سعيدة وغمزها بوقاحة وحملها للفراش وهتف بوقاحة:
_ رأيي هتعرفيه دلوقت يا هانم بس عاوزك تسجلي اللحظة دي عشان أنا هرمت لأجلها والله
ضحكت « أثير» بمرح وخجل على حديثه الوقح ولكنها دفن ضحكاتها بين طياته القوية لتبدأ رحلة من نوعٍ خاص بروحيهما بعد عذاب أربعة سنوات ها هو يلوذ بعشقه الأول والأخير ومحبوبته تسكن بين ذراعيه بلهفة واشتياقٍ مماثل لعنفوانه وشغفه لها، نسجا حديقة وردية من ترانيم عشقهم وبحورٍ من السعادة والحماس الممزوج بالحب المقدس.....
******************************
جلست ممسكة بيديه وبسمة راضية وسعيدة تزين ثِغرها، مضت ساعتين على نومه بسبب بعض الأدوية المسكنة، مرَّ على زواجهم ما يقارب الإسبوع قضوه بالمشفى لإجراء فحوصاته الطبية استعدادًا لتلقي جرعات الإشعاع اللازمة له، لن تنكر أن هناك غرفة من قلبها حزينة على ما أصابه ولكن حمدً للاه على شفاؤه وتجاوب جسده للجرعات، اتسعت بسمتها العاشقة وخللت أصابعها برقة بين منابت شعره الكثيف وهي للآن لا تصدق أن هذا الوسيم أصبح زوجها وأنها لطالما ملكت قلبه!!، لقد راضاها الله بعطائه الوفير وكرمه الكبير، شردت بملامحه الجذابة ونزلت بأصابعها لتستكشف وجهه الشاحب وهمست بتقطع مختنق:
_ هتخف ونفضل سوا وتفضل تحبني وربنا مش هيخيب ظني فيه عمري ما رفعت كفوفي برجاء وردني حزينه يا براء بس خليك قوي عشاني، طريقنا طويل وهنكمله سوا يا عيوني
تقدمت منه وخفضت رأسها متلمسة شفتيه بخاصتها بحالمية وتتميم جارف ولم تنتبه لذلك المتابع لكل شاردة وواردة منها ويتمنى جذبها لأحضانها وجعلها ضلعًا رفيقًا لروحه ولكن لن يكف عن التظاهر بالنوم حتى يشبع من قربها قبل جلسته القادمة ولكن عندما أحس بشفتيها الناعمة تتمسح بخاصتها جذبها بتملك وتولى زمام الأمر ليغيبا بتملك بقبلة هائمة ببحور عشقهم المُتعب سارقين بعض الثوان القليلة من الزمن المُحزن، ابتعدت عنه ورفرفت بأهدابها السوداء الكثيفة وهمست بحرج:
_أنتَ صاحي من امتى؟!
ابتسم « براء» بوهنٍ وأشار لها لتجلس جانبه على الفراش فنهضت جواره وما لبث أن جذبها بين ذراعيه بعناقٍ قويٍ متعب يستمد منها قوته ومصدر أمانه وهمس بتعب:
_ مبعرفش أنام طول ما أنتِ جنبي ومش في حضني
ضمته باحتواءٍ لصدرها وطبعت قبلة على رأسه وودت لو تنساق خلف رغبتها المُلحة بالبكاء لتُفرغ كبت قلبها ولكن لن تفعل فزوجها يريد قوتها ولن تتوانى عن تقديم روحها وإن كانت مشوهة لأجله!! أغمضت عينيها بإرهاق وهمست بعبث:
_ ما احنا بنعرف نحب ونقول كلام حلو اهو اومال ليه الوش الخشب يا ابو عمو
ضحك « براء» بتعب على مُزاحها رغم علمه بمدى حزنها عليه ولكنه يجب عليه مساندتها رغم كل شيء، عليه الصمود لأجلها، شبك أصابعه بين أناملها الرقيقة ورفعها لفمه ثم لثمها بقبلة ممتنة وراضية وغمغم بمرحٍ:
_الحلو للحلو يا واد يا حلو يا بطل أنتَ
مررت « ورده» أناملها بين ذقنه الكثيفة التي تكفي لإيقاع جيوشًا من النساء تحت قدميه وفور وصولها لتلك النقطة غلت الدماء بعروقها ونفخت خديها بقنوط وهتفت:
_دقنك عاوزه تتحلق يا أستاذ ولا هي عجباك ومريحاك كدا؟!
تعجب «براء» من تحولها وغضبها الذي ظهر بصوتها ولكنه ما إن توصل لسبب غضبها حتى ابتسم بخبث ورفع نفسه ليصبح أمام وجهها مباشرة وهمس بنَبرته التي رغم ضعفها سُربت لخافقها اللعين:
_إحنا بنغير ولا بنغير!!؟
ضحكت « ورده» بتهكم وأغمضت عينيها لثوانٍ معدودة ثم فتحتهم بهدوء واقتربت منه أكثر حتى تداخلت أنفاسهم الحارة وطبعت قبلة متملكة جانب ثِغره المُغري لها وهمست أمام شفتيه بتأكيد وثقة:
_ بغير!! أنا لما بغير بحرق، بولع وممكن اقتل فخاف من غيرتي لأنها لو طالت جِنس حواء جنبك هتولع فيك وفيها آمين!؟!!
ابتلع « براء» ريقه بخوف وتوجس واهتزت تفاحة آدم خاصته وهمس بلا وعي من نظراتها:
_آمين!!
****************
مضت ثلاثة أيامٍ بلا رؤيته، كعادته يختفي كما يشاء ويعود يجدها بانتظاره، رغبة ملحة تنتابها بـ زيارة والديها، لم تعد خائفة من رؤية « فاضل» أو والدتها ولكن هناك ما هو أكثر من الخوف بداخلها، ارتدت ثوبًا أسود ووضعت نقابها وتركت رسالة ورقية لشقيقتها تخبرها بذهابها لأمرٍ هام بالعمل ومن المحتمل تأخيرها، أغلقت باب المنزل خلفها وألقت نظرة خائبة على منزله، له الحق بذلك هو حتى لم يأتي ليعلم سبب غضبها عليه وحدتها معه، كل ما يصدر عنه يؤكد لها بأنه من المستحيل أن تحصل على حبه، ظلت طوال الطريق شاردة بحياتها التي لو كانت رواية لملَّ القارئ منها ومن كَم الحزن المختزن بها، هبطت من السيارة بضعف بعد مدة طويلة، بعد الأحيان تحسد الموتى على ذهابهم لربما لعالم أفضل بعيداً عن أنياب البشر الحادة، وصلت لقبر والدتها وجلست أمامه بهدوء وابتسمت بحزن وهمست:
_ وحشتيني... كل حاجه كنتي بتقوليهالي وأنا صغيره كانت صح، العالم بشع زي ما كنتي فاهمه وبنتك لسه بتتخبط فيه، كان لازم تسيبيني أبكي كل ليله لواحدي من غير حضنك، بنتك بقت مشوهه من جوا وفاضيه، أنا اسفه عشان وعدتك إني مش هعيط والله أسفه
حديثها الغير مترابط وتعلثمها ودموعها الغزيرة كفيلة لوصف شوقها لوالدتها الغائبة، وضعت يديها بالرمال وهتفت بحرقة وألم:
_ في وجع جوايا مبيوقفش في نزيف مش عاوز يخلص غير لما يقضي عليا، تعبت من المحاولة، كل يوم بقوم على محاوله جديدة ارجع فيها ولو جزء بسيط مني بس بفشل، كل يوم وجعي وحرقة قلبي بتزيد، كل يوم وليله مخدتي الدموع مش بتفارقها، أنا ضايعه من غيرك، وحشتوني، لو كنتي هنا مكنتش فضلت طول عمري لواحدي، لو كنتي هنا مكنتش اتهنت وانضربت وجوزي اغتصبني وذلني ولا كان حاجات كتير حصلت، انتو لي مش هنا ولي قلبي مش عاوز يوقف وجع، ليييي قوليلي.....
بحالة يرثى لها حملت حقيبتها ونهضت بضعف للخارج، أمسكت بالباب تستمد من قوته وألقت نظرة أخيرة على قبرهما وهتفت بمرارة وندم:
_ أتمنى وجع قلبي يختفي يا أمي...
بخيبة أمل وألم خرجت من المقابر تجر ضعفها وقلة حيلتها ودموعها تغلف صفحات وجهها، زكرياتها مع والدتها تدور بعقلها كدوامة قاسية تعاتبها على ضعف إيمانها، لم تنتبه للطريق من حولها ولا صوت العابرين فقط كل ما تسمعه هو صوت اصطدامها بالسيارة وصوت صفيرٍ مؤلم يضرب بعقلها وتجمهر الكثير من البشر حولها، هناك ألمًا مريب يطعن جسدها وتشعر بسائل لزج يتدفق من كل خلاياها التي لازالت حية؟!!! ابتسمت بوهنٍ وتعب لرؤية والدتها تحتضنها بشغف وأغمضت عينيها بسلامٍ سامحة للضباب الرقيق بابتلاعِها.....