اخر الروايات

رواية قيد القمر الفصل الواحد والعشرون 21 والاخير بقلم نهي طلبة

رواية قيد القمر الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم نهي طلبة


الخاتمة

اندفعت سهير تركض بسرعة بين طرقات المستشفى.. حتى وصلت إلى طابق الولادة.. فوجدت.. الجميع متواجد.. والدها ووالدتها.. ورؤوف وعمتها قمر بالطبع.. ولكن رؤوف كانت تبدو على وجهه ملامح الرعب الشديد..

وهو يذرع ممر المستشفى ذهاباً وإياباً متمتماً ببعض الآيات القرآنية..

فاقتربت سهير من إمها التي هللت لرؤيتها وهي تحتضنها وتسألها:

ـ متى وصلتما؟..

أجابتها سهير:

ـ الآن.. كيف حالها؟

طمأنتها شموس:

ـ لا تقلقي.. كل شيء على ما يرام..

التفتت إلى رؤوف الذي كان يحادث منذر.. وعادت لأمها:

ـ إن رؤوف يبدو على وشك قتل أحدهم.

مطت شموس شفتيها:

ـ فلندعو ألا يقتل الطبيب.. فنورا ما زالت تحتاجه..

كادت تفلت قهقه من سهير ولكنها تحكمت في نفسها.. وهي تعاود السؤال:

ـ منذ متى هي بالداخل؟..

ـ أخبرتك ألا تقلقي.. لقد قضينا الليلة بالمشفى في انتظار اللحظة التي يقرر فيها ابن أختك الخروج إلى النور.. وهي بالداخل منذ نصف ساعة فقط..

ضحكت سهير وهي تسأل:

ـ ابن!!.. لماذا يصر رؤوف على إنها فتاة إذاً..

تأملت شموس التغيير الذي أصاب ابنتها.. فهي أصبحت أكثر انفتاحاً.. أكثر ارتياحاً.. وبالطبع تبدو سعيدة..

أجابتها:

ـ لا تهتمي.. إنه يريد فتاة.. وهي عندما علمت أن الطفل صبي.. كانت تجاريه فحسب.. أظن أنه متأكد أنها تحمل ولده وليست ابنته ولكنه يشاكسها فحسب..

ابتسمت سهير بمرح وهي تتبادل نظرات دافئة مع منذر الذي كان يلوح لها خفية.. وعندها انطلق صوت صراخ طفل صغير لينبأ باشراقة حياة جديدة..

تحرك رؤوف بسرعة.. نحو غرفة العمليات.. فخرجت إحدى الممرضات وهي تبتسم له:

ـ ألف مبروك.. لقد رزقك الله بصبي وسيم كوالده..

خر رؤوف ساجداً ليشكر ربه على المنحة الرائعة وكذلك عبد السلام الذي حمد ربه أولاً على سلامة ابنته فهو كتم رعبه منذ أن علم أن نورا داهمتها آلام المخاض.. لا يريد تذكر ذلك اليوم الذي دفن فيه ابنه.. بدون حتى أن يرى عينيه مفتوحتين حتى ليعرف ما كان لونهما..

ضحكت الممرضة بسعادة وهي تبارك لهما ثانية:

ـ ألف مبروك مرة ثانية

وتوجهت لرؤوف وهي تسأله:

ـ ألا تريد أن تهنئ زوجتك بنفسك؟

اندفع رؤف نحو حجرة الولادة.. ليجد نورا تحتضن ابنهما.. قريباً من قلبها.. وتبدو على ملامحها معالم الإرهاق الممتزجة بسعادة صافية..

تحرك ليجلس بجوارها.. ولفها بذراعه.. ليضمها هي وابنهما تحت جناحه.. ويطبع قبلة طويلة على جبهتها.. وهو يهمس:

ـ شكراً لكِ.. شكراً لكِ.. وآسف بشدة.

همست بعجب وهي تريح رأسها على كتفه:

ـ لماذا الأسف؟..

اجابها بحب:

ـ لقد أرهقكِ ابني حتى يخرج إلى الدنيا.

ابتسمت وهي تجيب ببساطة:

ـ أحبك..

دخل والديها عليهما وشموس تصيح:

ـ لن أستطيع الانتظار حتى تنقلوها إلى غرفة خاصة.. سأراها الآن.. وماذا في ذلك.. أنها غرفة ولادة.. وليست مكتب رئيس الجمهورية..

ابتسمت نورا لوالديها واندفعت والدتها لتحتضنها:

ـ ألف مبروك يا حبيبتي.. وحمداً لله على سلامتك..

ـ سلمكِ الله يا أمي..

والتفتت لوالدها:

ـ ألا تريد أن ترى حفيدك يا أبي؟..

اقترب أبوها ليحمل الطفل الصغير ويتجه نحو رؤوف الذي نهض ليقف بجانب الفراش عند دخولهما..

مد عبد السلام الطفل لرؤوف:

ـ هيا يا رؤوف.. احمل ابنك حتى يتعرف الصبي على والده..

حمل رؤوف الطفل برعب شديد.. كان خائفاً أن يسقطه.. ولكن ما أن حمله حتى فتح الصغير فمه الوردي كأنه يتثائب ثم ظهرت بسمة خفيفة على وجهه..

فصاح رؤوف:

ـ إنه يبتسم لي..

هتفت نورا بغيرة:

ـ لا أصدق بعد كل ما عانيته في حمله وولادته يبتسم لك.. وأنت من كنت تدعوه بالفتاة طوال فترة الحمل..

اجابها رؤوف:

ـ هذا يعلمك أن تستمعي لكلامي المرة القادمة.. وأنا أخبرك من الآن أنني أريد فتاة صغيرة..

ارتفع ضحكات الموجودين من حولهما.. وتنحنحت الممرضة تطالب الجميع بالخروج حتى يمكن للأم الصغيرة أن ترتاح..

قبل أن يخرج أذن رؤوف في أذن ابنه اليمنى.. وأقام الصلاة في أذنه اليسرى.. ثم سلمه لنورا كي تبدأ أولى مهامها في اطعامه..

***************

وقف منذر وسهير يراقبان الطفل الصغير والذي بدا هادئاً كملاك صغير..

داعبت سهير وجنته الناعمة بدفء وهي تسأل منذر:

ـ هل ترى كم هو جميل وناعم!..

أسكتها:

ـ هشششش.. ابتعدي عنه.. إن شقيقتك في الغرفة المجاورة وقد نامت للتو.. ولو علمت أنكِ السبب في ايقاظه.. قد تفتك بكِ..

ضحكت سهير وهي تسأله:

ـ ألن تدافع عني؟..

بحلق عينيه بذعر مصطنع:

ـ أنا!!.. أواجه أختك المتوحشة.. إن الجميع يمشي على أطراف أصابعه منذ ولادتها.. خوفاً منها.. ألن تعود الى بيتها؟.

ابتسمت سهير وهي تتأمل الرضيع الصغير الذي بلغ أمس شهره الأول..

ـ ستعود غداً إن شاء الله.. إن رؤوف في غاية السعادة لعودتها

أجاب بوقاحة:

ـ بالطبع.. فأنا أدرك شعوره.. أنتِ تلازمين شقيقتك منذ شهر كامل.. وأنا في غاية الشوق..

صاحت به بحرج:

ـ منذر.. أيها المحتال.. لقد كنت معك منذ ثلاثة أيام.

ضمها لصدره بقوة:

ـ حقاً.. لماذا إذاً شعرت بهم وكأنهم ثلاثون يوماً!

تملصت منه:

ـ دع عبثك الآن.. فوالدتي ممكن أن تدخل في أي لحظة..

ثم أردفت بشقاوة:

ـ آه.. أعتقد إنك يجب أن تعتاد على الشوق قليلاً.. فالطبيبة أخبرتني اليوم أنني حامل في الأسبوع الخامس..

صرخ منذر بقوة:

ـ حقاً!..

ارتفع صراخ الطفل مفزوعاً من صوت منذر المرتفع.. فهتفت سهير:

ـ ستقتلك نورا..

اجابها بجدية:

ـ كلا من المستحيل أن تقتل والد زوجة ابنها!

حملقت به بحيرة.. فأخبرها بحزم:

ـ نعم.. أنني أريد فتاة صغيرة!..

جاء من خلفه صوت نورا وهي تخبره بنزق:

ـ ألم تعلمكم التجربة يا أحفاد الجيزاوي ألا تتحدوا بنات شموس!

***************

كانت الوليمة المعدة.. للاحتفال بعقيقة..

"نور الدين عبد الرؤوف عبد الله الجيزاوي"

يوماً مشهوداً بحق.. وقف فيه الجيزاوي الكبير بنفسه ليشرف على الذبائح.. والموائد التي امتدت في حديقه قصره.. وجاءت جموع الناس لتهنئ العجوز وحفيده الشاب بوريث عائلة الجيزاوي الصغير..

ابتسم عبد الرؤف.. لقد أطلق رؤوف على ابنه اسم نور الدين.. يعلم أنه أطلقه عليه لأنه مشتق من اسم نورا.. تلك الفتاة الرائعة التي اضاءت حياة حفيده.. بعد أن عاش سنوات عجاف..

أخذ يتأمل أحفاده جميعاً وقد رفرفت السعادة عليهم.. وحمد ربه أن مد في عمره حتى يرى ذلك اليوم..

جاء عبد السلام ليقف بجواره ويربت على كتفه:

ـ أنه يوم جميل أليس كذلك؟..

أومأ عبد الرؤوف موافقاً.. ثم قال لعبد السلام:

ـ هات ما عندك..

هز عبد السلام رأسه في أسى:

ـ صح توقعك.. لقد تزوجته..

هز العجوز رأسه بحزن:

ـ لله في خلقه شئون.. حمداً لله أن رؤوف لم ينجب منها.. لكان اضطر أن يدفن باقي سنواته معها..

اتهمه عبد السلام:

ـ أنت من زوجته اياها..

وافقه العجوز:

ـ لقد اضطرت لذلك.. وحمداً لله أنها كانت تعيش في فترة تخبط فوافقت بسرعة بدون أن تحصي بدائلها وتقرر مساومتنا على ما امتلكته من ثروة العائلة..

ايده عبد السلام:

ـ حمداً لله أن رؤوف استطاع على مدار السنوات الماضية شراء ممتلكاتنا منها مرة أخرى.. وبهامش خسارة لا يذكر

ـ نعم.. لا أصدق أنني كدت أخدع بدموعها عندما أتى رؤوف في صباح ذلك اليوم بعد ما حاولت بدناءة تحطيم سهير.. لقد ارتفع صوته عليها لأول مرة حتى أنني كدت أن أنهره على ذلك.. وأخيراً ألقى يمين الطلاق.. لقد شعرت أنه أزاح جبلاً من على صدره..

هز عبد السلام رأسه بأسى:

ـ إنها غبية.. غبية من تستبدل رؤوف بقاسم..

قال الجد بهدوء:

ـ إنهما يستحقان بعضهما.. فقاسم ونعمات.. كلاهما أغرق نفسه في الحقد..

*******************

وقفت نورا بجانب سهير وهما تتلقيان التهاني من نساء البلدة.. فأخيراً دخل الفرح قصر الجيزاوي.. بعدما هجرته السعادة لفترة ليست بالقصيرة..

لمحت نورا شقيقتها وهي تراقب زوجها بمحبة.. فاقتربت منها أكثر لتبعدها عن آذان النساء اللاتي يبحثن عن أي شائعة لتلوكها السنتهن.. وسألتها برقة:

ـ تحبينه يا سهير؟..

مسدت سهير على بطنها وكأنها تداعب طفلها وهي تجيب على سؤال نورا:

ـ أنتِ من تسألين يا نورا!!.. أنا لا أحبه فقط.. أنا أعشقه..

عادت نورا لتسألها بخوف:

ـ هل تمكنتِ من مسامحته؟..

ابتسمت لها سهير بتفهم:

ـ لقد منحته السماح عن كل اخطائه الماضية والمستقبلية عندما أحببته.. أنني سامحته.. نعم.. منذ سنين من قبل حتى أن يجرحني.. لكن هناك النسيان.. وهو يسعى جاهداً حتى أنسى.. وسوف ينجح بإذن الله..

استمعت شموس التي كانت قريبة من ابنتيها إلى حوارهما.. وقد أدركت أخيراً مكمن قوة سهير.. قد تبدو نورا جامحة ومسيطرة أحياناً.. لكن القوة التي تملكها سهير أكبر بمراحل.. فالقوة التي تمكن الإنسان من المسامحة وغفران الإساءة ليس سهل امتلاكها.. وسهير مُنحت تلك القوة كما منحت الهبه لاستغلالها...

********************

استيقظت نورا على صوت بكاء نور الدين.. فتحركت من فراشها لتجد إن رؤوف يرفع ابنهما من مهده ويهدهده بين ذراعيه.. كما لاحظت وجود دفتر رسم كبير ملقى بجوار الكرسي المجاور للمهد..

فسألت رؤوف مداعبة:

ـ إلن تمل من رسمه؟!

ضحك بسعادة:

ـ كلا.. ولكن الحل في يدك.. امنحيه شقيقة.. حتى ابدأ في رسمها

لكزته في كتفه:

ـ إن نور الدين عمره أربعة أشهر فقط

رفع حاجبه باستفهام:

ـ إذاً.. هل استخدمتِ العلبة الموجودة في درج المنضدة أم لا؟

اجابته بهمس:

ـ نعم استخدمتها.

سأل بأمل:

ـ و...

عاد لتلكمه ثانية:

ـ وارح نفسك.. أخيراً ستحصل على ابنة صغيرة..

وضع ابنه في مهده برقة ثم التفت ليرفعها ويدور بها في الهواء..

وهو يصرخ بسعادة:

ـ أخيراً.. ستصبح عندي نسخة صغيرة منكِ.

ضحكت بعبث:

ـ لا أعرف إذا كنت تستطيع التعامل مع اثنين مني..

ضمها إلى صدره وهو يمنحها قبلة طويلة.. ثم همس لها:

ـ صباحك سكر..

وضعت يدها في خصرها:

ـ الآن بعد أن تأكدت أنني حامل في ابنتك تذكرت أن تمنحني تحيتي الخاصة!

نظر إلى عينيها وكل ملامحه ترسم لوحة لعاشق مغرم بحبيته:

إذا مر يوم ولم أتذكر به

أن أقول صباحك سكر

ورحت أخط كطفلٍ صغير

كلاماً غريباً على وجه دفتر

فلا تضجري من ذهولي وصمتي

ولا تحسبي أن شيئاً تغير

فحين أنا لا أقول: أحب

فمعناه أني أحبك أكثر


تمت
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close