اخر الروايات

رواية اسد مشكي الفصل الرابع عشر14 بقلم رحمة نبيل

رواية اسد مشكي الفصل الرابع عشر14 بقلم رحمة نبيل 

الرابع عشر | شعرة بين الرحمة والحُمق |
قبل القراءة متنسوش التصويت والتعليق برأيكم بعد القراءة.
صلوا على نبي الرحمة
__________________
الهدوء الذي يسود هذا الليل كان عاملًا اضافيًا يضفي المزيد من الغموض والرعب على الأحداث التي نشأت بساحة قلعة سبز، تلك المملكة التي لم تعلم للصراعات من طريق طوال فترة وجودها، الآن أضحت تمثل ساحة حرب للعديد من المعارك .
وتلك المعركة لم تكن استثناءً ....
في منتصف الساحة وحيث كان من المفترض أن تكون مكيدة لأنمار ورجاله، انقلبت اللعبة على مصممها وابتلعتهم المصيدة التي عكفوا على بنائها أيامًا، وذلك لم يكن تقصيرًا منهم، بل مجرد اجتهاد اضافي من الشيطان والذي تسلل وبنجاح لنفوس البعض وزيّن لهم العصيان والغدر .
_ الصبر ليس من شيمي جلالة الملك ..
اتسعت بسمة أرسلان بما لا يلائم الموقف البتة، لكن هل يمنحه لذة الاستمتاع بصدمته التي هزته من الداخل ؟! والله يموت ويُقطع اربًا ولا يمنحه لذة إبصار صدمته؛ إن كان رفض أن يظهر خضوعًا أمام بافل وهو يُطعن، هل يفعل الآن ؟؟
التوى ثغره بضجر وكأنه توقع ما حدث وكان ينتظر حدوثه يجيب أصلان بهدوء :
_ ولا الرجولة صدقني .
وهنا كانت الصدمة من نصيب أصلان الذي تراجع خطوة للخلف وكأنه أراد بذلك تفادي كلمات أرسلان التي اصطدمت في وجهه، بينما الأخير فقط تنهد بصوت مرتفع :
_ والآن ماذا ستظل تنظر لنا بهذا الشكل وكأننا جئنا من عالمٍ آخر ؟! فقط تحرك وانتهي مما تريد فعله لأنتهي أنا كذلك مما أريد، فقد تأخرت عن العودة للمنزل .
اقترب منه أصلان وهو يقف مقابله ينظر له نظرات ساخرة :
- لا بأس سننتهي سريعًا وستصبح سجون سبز منزلًا لك ولرفاقك .
_ لا أريد أن أكون بنفس السجن مع إيفان وسالار فضلًا، لا تساويني بهما، اريد سجنًا مميزًا عنهما .
ختم حديثه يبتسم بسمة واسعة جعلت شياطين أصلان تجن جنونها وهو يتنفس بصوت مرتفع :
- كلما سارعت في تقبل حقيقة سقوطكم أجمعين كلما كان هذا افضل لك ولمن معك مولاي ..
نظر أرسلان لمن حوله يردد بجدية وإعجاب شديد متجاهلًا ملامح الصدمة التي تعلو جميع الوجوه في المكان :
- على الأقل هو أكثر احترامًا من ذلك الوغد أنمار، يناديني بمولاي، لذا سامحته على خيانتي .
نظر لأصلان ثواني طويلة دون كلمة وفي ثواني كان ينقض عليه يكيل له لكمات غير معدودة جعلت أصلان يقاومه بسرعة وهو يحاول صد تلك الضربات والهجمات التي لم يتوقعها، وبصعوبة شديدة سحبه جنود أصلان بعيدًا عن قائدهم، ليتنفس أرسلان وهو يرسم بسمة واسعة مستمتعة على وجهه يراقب العلامات التي تركها على وجهه .
_ هيا أصلان أنت لا تعتقد أنني سأسمح لك بالافلات من فعلتك هذه صحيح ؟!
مسح أصلان الدماء عن وجهه وقد تراقصت الشياطين أمام وجهه في هذه اللحظة وزين له الشيطان قتل أرسلان وطحنه أسفل أقدامه، ومن ثم إحراق جثته وتحقيق ما فشل به رجال بافل سابقًا .
_ لو كنت محلك _ معاذ الله _ لفعلت ما تفكر به في هذه اللحظة لأن تركي حيًا بعد هذا لن يضمن لك البقاء حيًا لوقت نمو شعيرات لحيتك القادم عزيزي أصلان .
كانت تلك كلمات أرسلان الذي قرأ وبكل بساطة ما يدور داخل عقل أصلان في هذه اللحظة، ثم اكمل بكل هدوء وهو يفتح ذراعيه يلوح بسيفه في الهواء :
_ لنتحدث بجدية عزيزي، أتظن أن خيانتك لي ستكون اقسى من خيانة جميع رجالي وقادتي سابقًا ؟؟
نفخ باستهزاء وسخرية، ثم حرك كفه في الهواء دون اهتمام:
_ لعنة الله عليكم أجمعين أنا لا اهتم ....
وفي اللحظة التي انتهى من حديثه نظر خلفه صوب رجاله الثلاثة، بنظرة فهمها الجميع قبل أن يبتسم وهو يعود بنظراته صوب أصلان:
- وإن ظننت أننا سنتحرك معك صوب سجون سبز بلا مقاومة من طرفنا، فخسئت، لم يولد بعد من يكسر شوكتي ويحطم هامتي ويجبرني على الاستسلام .
اشتدت نظرات عيونه سوادًا :
- وإن كنت أنت قائد جيوش سبز، فأنا ملك مشكى الذي يستطيع تحطيم سبز وإحالتها لرماد فوق رؤوسك أنت ومن معك لولا الصالحين بها .
وبمجرد نطق تلك الكلمات لم يدرك أصلان ما يحدث سوى أنه أبصر ذراع أحد رجاله يطير في الهواء مرتطمًا بالأرض تبعه صوت أرسلان الذي لغى كل سخرية وكل استهانة كانت تصبغ حديثه يردد بنبرة سوداوية وقد أعاد له ما يحدث ذكرى قديمة سوداء دفنها داخل عقله :
_ حاول قبلك الكثيرون والآن مسكنهم القبور .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقفت أقدام سالار فجأة عن التحرك حين شعر بحركة غريبة جواره بعدما انتهوا تقريبًا من نصف رجال أنمار، وكانوا في طريقهم ليجيروا على المتبقى منهم، ومن استسلم أعطوه الأمان، لكن تلك الأصوات حوله أثارت ريبته، توقف فجأة يشير للجميع بالهدوء ...
توقفت الاقدام بحركة من سالار والذي كان يقود الهجوم على مبنى الجنود، وبسبب حركته تلك تحفزت جميع الأجساد حوله، إذ أخرج دانيار العديد من السهام واشتدت قبضة إيفان على سيفه، وضاقت عيون تميم وهو يتحسس حقيبة ظهره يتأكد من جاهزية القنابل التي يحملها .
وفي ثواني كان العديد من الرجال يحيطون بهم داخل المسكن لتتسع أعينهم ويرسم سالار تعبيرًا ساخطًا على وجهه يحرك سيفيه في الهواء يهمس :
_ أوه يبدو أن القبطان احسن قيادة السفينة وحشرنا في الزاوية يا رجال .
نظر له إيفان ثواني نظرات غامضة وما كاد تميم أو دانيار يتسائلان عن هذه النظرات حتى وجدا الحرب نشبت في ثواني بينهما وبين رجال أنمار..
حرك سالار سيفيه في الهواء وهو يتحرك بهدوء بين الأجساد وكأنه ينفذ من أجسادهم، لا يمر من أحدهم إلا وسقط جسده ارضًا هامدًا بعد ضربة من أحد سيوفه، وعيونه ما تزال تتحرك في الإرجاء وكأنه يبحث عن مخرج لهم.
وكل فكره يدور في نقطة واحدة، لقد سقطوا في مكيدة أُحيكت بذكاء يتعجبه في مثل هؤلاء الخنازير.......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل قاعة سبز ...
كان جسده مسطحًا ارضًا يتأوه بصوت مكتوم وهو ينظر بشر صوب آزار الذي كان يراقبه من عليائه ببسمة سرعان ما تلاشت وحل محلها وجه اسود من الغضب يحرك سيفه في الهواء :
_ لم أكن يومًا بذلك الرجل الحليم، بل لطالما تأفف الجميع من قلة صبري، لذا لا تعتمد على كرمي الذي سمح لك بالعيش حتى هذه اللحظة وتحدث وأخبرني مكان الأميرة توبة .
امسك أنمار خصره يوجع شديد يتمالك تأوهاته، وقد سمع اصوات مرتفعة تصدر من الخارج، إذن نجح أصلان في تنفيذ ما اتفق معه عليه، والآن اللعبة أضحت تُلعب بوضوح على مرأى ومسمع من الجميع .
نظر أنمار في أعين ازار ثواني قبل أن يهتف بنبرة هادئة :
- صدقني ملك آزار أنا....
ولم يكد يكمل كلماته حتى كان سيف آزار يطاد يثقب رقبته ويقسمها نصفين وهو يهمس له بصوت كالفحيح :
- الحقيقة عزيزي، فقط أخبرني الحقيقة ولنتجاوز جزء المبررات السخيفة التي تجهز لها منذ أيام .
قست عيون أنمار لثواني قبل أن تهدأ فجأة وهو يبتسم بسمة واسعة لا معنى لها :
_ حسنًا بما أن اللعب أصبح مكشوفًا فحسنًا لا مبررات لك عندي ولا حاجة لك كذلك، وإن كنت تتساءل عن زوجتي العزيزة أو ....
وفى بضيق يمسح وجهه :
- ياويلي دائمًا ما انسى أنني طلقتها بالفعل، فيما يخص طليقتي العزيزة فلا تقلق عليها، لا بد أنها الآن تحظى برعاية جيدة واهتمام مكثف بين أحضان ولدك العزيز نزار .
اتسعت أعين آزار شيئًا فشيء حتى شعر أن المكان يدور حوله وصوت أنمار ما يزال يصدح وهو يردد بتشفي في نظراته المصدومة تلك :
_ صدق أو لا تصدق، يبدو أن ولدك لم يستطع مقاومة سحر ابنة بارق والآن يقضي لياليه بين أحضانها، لقد هربت معه، اعتقد أن الأمر كان باتفاق مسبق بينهما .
كان يتحدث وهو يدور حول آزار الذي شعر أن العالم هو من يدور حوله وليس فقط أنمار، الأمر كان كما لو أن مطرقة هبطت فوق رأسه بقوة حطمتها لفتات .
وأنمار يمتع عيونه بما يشاهد، اقترب من آزار يقف أمامه مرددًا :
_ لا تدعي الشرف وأنت كنت تأوي أكثر الرجال قذارة أسفل سقف قصرك جلالة الملك، ولن استبعد أن تكون أنت كذلك بمثل قذارة ولدك، فلا يعقل أن كل تلك القذارة كانت اجتهاد شخصي منه و......
وقبل إكمال جملته كانت يد آزار تصطدم في وجه أنمار بقوة حتى أنه شعر بعظامه تتحطم أسفل قبضته يهمس له بشر :
_ لا تحسبن الجميع كوالدك أيها الوسخ ..
ختم حديثه يراقب أنمار ينازع وجعه ارضًا وهو يحاول التنفس بشكل طبيعي، لكن الألم كان يمنعه من الأمر، بينما آزار لم يهتم به يسمع اصوات صرخات في الخارج ليدرك اشتعال الموقف، تحرك صوب الخارج بسرعة وقد كانت أقدامه تكاد تحطم الأرضية أسفله، يشعر بالغضب يكاد يشعل المكان حوله، وبمجرد أن خطى خارج المبنى أبصر المعركة التي تدور بين الجميع ليستل سيفه سريعًا يتحرك صوبهم بشر كبير وقد علت أنفاسه الغاضبة ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الرجل يتنفس بصعوبة وهو يشعر بعظامه تكاد تترك أثرها على الجدار خلفه لشدة التصاقه بها، عيون المرأة أمامه مشتعلة بشكل مخيف وهي تحدق بأعماق عيونه وكأنها تحاول النفاذ لروحه .
_ ترفع سلاحًا على امرأة، وابنتك أيضًا ؟! أيها الـ ...
صمتت بعدما بصقت كلماتها في وجهه، تأبى أن تلوث لسانها بسباب لأجله، نظرت صوب الفتاة والتي لم يكن يبدو عليها الخوف البتة وكأنها اعتاد أن يلوح ذلك الرجل العجيب بالسكين في وجهها .
انتزعت منه سلمى السكين وهي تتركه بعنف، ثم حركت السكين أمام عيونه تهتف بغضب :
- أعزّك الله بعقل لتفكر ولسان لتتناقش، وأنت مصر على البطش كالأبل ..
ختمت حديثها تلقى السكين في حاوية القمامة التي كانت تجاور الفراش، ثم نظرت للرجل بتهديد :
_ المرة المقبلة التي ترفع بها سلاحك على امرأة، سأخبر الحراس عنك .
استدارت صوب دلارا وهي تنظر لها نظرة شاملة تحاول الاطمئنان أنها بخير، لكن نظراتها لم تكن تكفيها، إذ نطقت بهدوء وهي تقترب منها :
_ أنتِ بخير صحيح ؟؟
أبعدت دلارا عيونها عن والدها بصعوبة، ثم حدقت في وجه تلك الفتاة تهز رأسها دون اهتمام، ومن ثم تحركت صوب شقيقها تطمئن أنه بخير بعد ما عاشه في هذه اللحظة وقد كاد الشاب ينهار من الرعب وهو يناظر والده يهدد شقيقته بالقتل على مرأى ومسمع منه دون أن يتمكن حتى من تحريك إصبعًا للمساعدة ونجدتها .
هزت سلمى رأسها بهدوء، ثم ابتسمت بسمة صغيرة لا محل لها في مثل هذه الجلسة المريبة:
_ إذن بما أن كل شيء بخير فأستذئنكم الرحيل، واعذروا تدخلي الخشن .
ولم تكد تتحرك حتى تقدمت وحملت السكين من الحاوية وكأنها قلقة أن يعود الشيطان ويتراقص بين الجميع مجددًا .
تنظر صوب المريض بشفقة وهدوء :
_ اتمنى لك الشفاء العاجل، السلام عليكم ....
وهكذا خرجت كالنسيم عكس دخولها العاصف، تاركة الغرفة ما يزال دخان الشجار يفوح من أركانها وكأن الجمر اختبأ أسفل الرماد ينتظر نسمة هواء أخرى تشعله...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرغت من الصلاة وهي ترفع كفيها في الهواء تدعو الله يخرجها من هذه المحنة، اكتفت وشعرت بأنها لم تعد قادرة على المواصلة في هذه الحياة، ذُلت ودُنست ونالها ما لم تتوقع أن يطولها تحت سقف قصرها، كانت تظن _ بكل غباء _ أنها في مأمن من غدر الحياة وتقلبات الأقدار.
سقطت دموعها بقوة وهي تهبط بجبينها ارضًا وهي تكثف دعائها لولدها الصغير، وصدى صوته الحنون يتردد في أذنها، لمسات كفه الصغيرة وهو يقفز حولها سعيدًا بهدوء حولها يريها ما احضر له جده ..
فالان لا هو هنا ولا جده، سقطت دموعها أكثر وأكثر وهي تهتف من بين شهقاتها :
_ إنا لله وإنا إليه راجعون .
تنهدت بصوت مرتفع تحاول أن تتماسك وهي ترفع رأسها عن الأرض أسفلها، وبمجرد أن فعلت سمعت صوت الباب يُفتح ببطء شديد وصوت خطوات اقدام تقترب منها، لم تحد بعيونها عن موضع سجودها تنتظر أن تتبين هوية الداخل، واخيرًا شعرت بالجسد يستقر على بُعد صغير منها، وران صمت طويل بينهما وكأن القادم لم ينتوي الحديث، بل جاء فقط يراقبها ويتمتع بالنظر لها .
وفي الحقيقة كان الداخل في حيرة لكيفية التحدث بعد آخر نقاش حاد بينهما، وكأنه يبحث عن مدخلٍ له معها، صوت أنفاسه يوشي بتردده وحيرته الكبيرة، فتح فمه مرات ومرات وفشل في الحديث، حتى استكان وخضع للصمت الذي أحاط بهما .
اغمض عيونه ولم يعتقد أنه قد يوضع بمثل هذا الموقف يومًا، لم يتخيل في حياته أن يجلس أمام امرأة يبحث عن كلماته، فآخر عهده بالحديث مع النساء، كانت كلماته المحببة لزوجته التي هجرته وفرت بنفسها من أسره.
ابتسم بسخرية، ربما كانت زهور أكثر النساء حظًا، إذ كتب لها الله خلاصًا منه .
ابتلع ريقه وهو ينظر لاصابعه بشرود، نفس الاصابع التي صنعت لتوها ما يرنو إليه أنمار، رفع عيونه ببطء يتنفس بعمق ولم يكد يتحدث بكلمة حتى سقطت عيونه على عيونها التي أمسكت به لتتسع خاصته شيئًا فشيء، وأعلن الصمت نفسه سيد الموقف مجددًا ...
وهكذا استمر الصمت لدقائق طويلة لم يقطعها سوى صوت توبة التي همست حينما ملت صمته الخانق ومشاركته أنفاسها في المكان :
_ لا اعتقد أنك تركت مهمتك في التحضير لإبادة جديدة لأجل المجئ ومراقبتي هكذا سمو الأمير .
ونعم كانت آخر كلماتها ساخرة قاتلة له، رمش لحظات، قبل أن يفتح فمه وينطق بما جاء لأجله في هذه اللحظة :
_ لقد ....سوف نرحل من هنا .
رفعت حاجبها، ليهز رأسه بسرعة :
_ يجب أن اخرجك من هنا، لن اطمئن لترككِ في هذه الحجرة بعد اليوم، لا أضمن مغادرتي وعودتي لأجدهم قد تسببوا لكِ بأذى آخر، الله وحده يعلم ما كان سيصيبك إن تأخرت نازين في مساعدتك .
همست بعدم فهم وهي تردد ذلك الاسم الغريب على مسامعها تحاول تذكر صاحبته :
_ نازين ؟؟
المرأة التي ساعدتك.
ضربها الإدراك، تبعد عيونها عنه بنفور، وقد أعترفت لنفسها وفي لحظات صراحة، أن تلك الفتاة أنقذت حياتها، فهي كانت تدرك أنه وإن حدث ما أراده هؤلاء القوم بها وأخذ الرجل منها وطأه، لكانت انتهت حياتها في اللحظة ذاتها.
_ إذن ستأتي معي ؟!
ضيقت توبة ما بين حاجبيها وهي تنظر له مجددًا :
_ إلى أين ؟!
_ سوف اساعدك للخروج من هنا، ونازين سوف تخرجك للطريق حيث يمكنك العودة للمملكة .
اتسعت أعين توبة وقد شعرت بضربات قلبها تزداد بقوة وهي تتنفس بصوت مرتفع :
- أنت...تتحدث بجدية ؟؟ ثم كيف تأمن لتلك الفتاة، لربما ساعدتنا لأجل غرض خاص بها و....
توقفت تفكر في حديثها قبل أن تهتف بجدية :
_ وأنت ؟؟ كيف أثق بك من الأساس ؟؟
اوجعته الكلمة وبقوة وشعر بها تصيب منتصف قلبه، يبصر النفور والشك يعلو نظراتها، يهمس لها بكل الصدق المختزن داخل صدره :
_ لن اخذلك اقسم لكِ .
- وكيف أتأكد وقد خذلت أُمة كاملة ؟؟ كيف أثق بك وقد كسرت ثقة والدك وشعبك ومن قبلهم عصيت خالقك، لا أمان لك نزار .
اشتعل وجه نزار وهو ينظر لها وقد ضغط على شفتيه بقوة وكأنه يكتم عنها انفجارًا سيزيحها بالكامل، اغمض عيونه يبعد وجهه عنها كي لا تبصر ما يعلو وجهه في هذه اللحظة، وصوت أنفاسه بدأ يزداد لتبتسم هي بسخرية، ومن ثم عادت تنظر أمامها تردد بمرارة أبت ألا تصاحب احرفها :
_ بالإضافة لنتخيل فقط أنني وثقت بك للحظة وخرجت من هنا وتحررت، إلى أين الرحيل ؟؟
نظرت له بأعين دامعة وجسد مرتجف :
_ أبي الذي لا أدرك مصيره ؟! ولدي الذي ضاع ضحية لأب حقير، أم بلاد يحكمها ذلك الحقير وأكون تحت رحمته مجددًا ؟!
رمش ثواني ثم قال بهدوء وكأنه كان يعلم ما ستقوله :
_ إلى سفيد أو مشكى أو حتى آبى .
_ وأترك بلادي له يعيث فيها فسادًا كما يحلو له ؟!
هز رأسه بسرعة وكأنه يحاول أن يقنعها بشيء وقد شعر بصبره على وشك النفاذ، الوقت يداهمهم لذا وجب عليه التحرك سريعًا قبل عودة أنمار في زيارته اللاحقة .
_ ماذا تريدين أنتِ تقضين المتبقي من عمرك في هذا المكان القذر ؟؟ ألا.... ألا تريدين الرحيل ؟؟ ما بكِ ؟؟
- فقط لا أثق بك نزار .
اشتد غضب نزار منها وهو يتنفس بصوت مرتفع ينتفض عن مكانه متحركًا للخارج ورأسه يدور في نقطة واحدة، سيخرجها من هنا في الوقت الذي حدده ولو تسبب هذا في قتله على أيديهم .
انتفض جسد توبة بقوة بسبب غلقه للباب بقوة شديدة، لكن وبمجرد أن أغلق الباب ابتسمت بسمة لا معنى لها من الأساس، لكنها كانت تدرك في هذه اللحظة ورغم أنها رفضت الأمر إلا أنه إن يتوقف عن مساعدتها وربما هذا ما يبث بعض الطمأنينة بصدرها ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هجم أرسلان على أصلان بقوة وقد كاد سيفه يشق الأخير نصفين، لكن أصلان لم يكن بالهاوي، ولم ينل تلك المكانة داخل سبز من فراغ .
ابتسم وهو ينظر لوجه أرسلان يهمس له :
_ كبريائك سيكون يومًا سبب دمارك مولاي ...
- هذا ما يعتقده عديمي الكبرياء والشرف امثالك، فكلٌ يخشى ما لا يعلمه أصلان.
ختم كلماته في اللحظة التي أبصر لها جسد قوي يتحرك صوبه بسرعة كبيرة يرفع سيوفه في الهواء، ولم يكن ذلك الجسد سوى سالار الذي يبدو أنه انتهى من قتاله في الداخل وجاء هنا ليكمل، فمن غير سالار يحارب بسيفين ؟!
انتفضت الأجساد بقوة حين انقض عليهم سالار يؤازر رفيقه لتكون الغلبة في هذه اللحظة لصالح أرسلان وسالار ورجالهما ..
ثواني حتى أبصر الجميع إيفان يتحرك خارج مسكن الجنود يتبعه دانيار وتميم، ومن ثم توقف الثلاثة يشيرون بإشارة صغيرة صوب سالار الذي أدرك ما يقصدونه، يرفع سيفه منتهيًا من الرجل الذي كان يقاتله، ثم أشار لأرسلان ومن معه .
ليرفع أرسلان سيفه يسقط أصلان ارضًا بضربة قوية لم ينهض بعدها، ومن ثم تحرك منسحبًا مع الجميع دون مقدمات خارج القصر ونحو الأحصنة الخاصة بهم، لكن وقبل تحركهم دوى صوت انفجار قوي في أحد المباني والذي تبين أنه مخزن أسلحة رجال أنمار بعدما ذرع تميم قنابله هناك .
ولا أحد يدري علاما جاءوا ولمَ رحلوا بكل بساطة، لكن هم فقط من كانوا يدركون السر وراء قدومهم اليوم .
توقف أرسلان ثواني يلقي بنظراته صوب القلعة قبل أن يردد بجدية :
- لنا عودة سبز، وحينها ندخلك منتصرين، لن أسمح أن يعيد الزمان نفسه، ليس وهناك أنفاس في صدري .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ساعات ومع فجر يوم جديد ...
تقف أمام المشفى تتنفس واخيرًا، اطمئننت أن موزي بخير وكذلك فاطمة التي لم تتوقف عن الحديث عن أسرتها حتى غلبها النوم كالأطفال، ومن كلماتها أدركت أن عقل فاطمة توقف عند نقطة واحدة في ماضيها، خروج والدها مع شقيقها للصلاة وتحرك والدتها لإعداد الطعام .
_ لا بأس فاطمة القادم سيكون أفضل صغيرتي .
وقد كانت هذه حقيقة مضحكة بعض الشيء، سلمى والتي تكبر فاطمة بسنوات قليلة تنظر لها نظرة الأم لطفلتها، ابتسمت بحنان وهي تتذكر كلمات فاطمة لها :
_ أنت اجمل امرأة رأيتها في حياتي لا عجب أن الملك احبك وسيتزوجك سلمى، اتمنى لكِ السعادة فأنتِ تستحقين كل اللطف والسعادة لكِ .
يحبها ؟! هل يستطيع أرسلان الحب حقًا ؟! وهل إن أحب سيحبها هي ؟! فتاة تختلف عنه لا تناسب معاييره بشيء ؟! تثق أنه بنى لزوجته المستقبلية صورة تنافي صورتها بالكامل، لكن رغم ذلك وفي نقطة بعيدة داخل أعماقها تشعر أنها تميل لذلك الرجل كما لم تفعل طوال سنوات عمرها،
مرت سنون الجامعة والعمل ولم تلتقي يومًا برجلٍ يجبرها على التفكير به كما تفعل مع أرسلان.
الكثير رغب بمواعدتها، ولن تنكر أنها في بعض الأحيان كانت تميل لعيش قصة حب كغيرها من الفتيات، لكنها لم تكن تستطيع تجاوز حدودها في تلك النقطة، كما أنها لم تقابل من الرجال من يجبرها على التخلي عن عزوبيتها .
ابتسمت تتحدث لنفسها بصوت هامس :
_ وأي رجالٍ يقارنون به يا ترى ؟!
ختمت كلماتها في اللحظة التي سمعت بها صوت أحد رجال الاسوار يتحدث بصوت مرتفع رنّ صداه في المكان بأكمله معلنًا فتح الابواب لوصول الرجال .
تحركت أقدامها دون شعور تبتعد عن بوابة المشفى وهي تقترب من الجزء الامامي للقصر بغرض رؤيته، وبمجرد أن توقفت حلقت نظراتها بسرعة تلتهم تفاصيل القادمين والذي كان يقودهم هو، يتقدمهم بهيئته الغامضة السوداوية .
الرجل كان غريبًا من يبصره من بعيد يبصر شخص غامض مرعب سوداوي خشن الطباع ..
وحين يقترب قليلًا يبصر جانبًا ساخرًا مراعيًا مسؤولًا...
وبالاقتراب أكثر تدرك جانبًا حنونًا محبًا ....
وهي تتساءل متى تصل لدرجة القرب الثالثة وقد وصلت لتوها للمرتبة الثانية، والسؤال الأهم هل هي تطمح حقًا لتلك المكانة ؟؟ ألم تكن تنتوي الرحيل من هنا ؟؟
فجأة وجدته يتحرك عن حصانه يقفز مسلمًا إياه لأحد الجنود يتبعه المعتصم الذي تحرك دون تفكير صوب المشفى لسبب تعلمه، بل يعلمه الجميع، الرجل غارق حتى أذنيه في بحار فاطمة ...
ابتسمت له بسمة صغيرة وهي تهز رأسها في تحية صامتة له وهو يعبر جوارها، تضم نفسها تقيها برودة الليل، ولم تكد تعود بنظراتها صوب أرسلان لتُصدم بصوت جوارها يردد بهدوء :
_ السلام عليكم ...
ابتلعت ريقها وهي تحاول التنفس بشكل طبيعي ترسم ملامح جادة محايدة على وجهها، قبل أن تعود بالنظر له تقول ببسمة صغيرة :
- عليكم السلام مولاي، حمدًا لله على سلامتكم .
شعر أرسلان بردها الجاف الذي صاحب كلماتها، نظر لها طويلًا :
_ أرى أنكِ مازلتي مستيقظة ؟!
ونعم كان يفتعل أي حديث يجرها للتحدث معه، ولا يدرك متى أحب هو ثرثرة النساء، وهي فقط نظرت بعيدًا عنه تدعي انشغالًا ببقايا الليل الهادئ والنسمات العابرة :
_ لا أشعر بالنعاس .
حركت عيونها بينه وبين الفراغ جواره وكأنها تدعي عدم اهتمام واضح، لكن وقبل ابتعاد عيونها بالكامل عن جسده، اتسعت بصدمة وهي تمد يدها دون شعور تلتمس ثيابه مرددة برعب :
_ دماء ؟؟
وعلى لمستها انتفض جسد أرسلان للخلف بسرعة وكأنها ألقته بجمر، اتسعت أعين سلمى بصدمة تنافس صدمته من تلك الحركة المفاجئة التي اتخذها على حين غرة .
لكنها لم تهتم وهي تحاول معرفة مصدر الدماء وهو فقط يبتعد عن يدها يتحدث بجدية :
_ لا تلمسيها، هذه ليست دمائي من الأساس .
رفعت حاجبها بعدم فهم، ثم رفعت رأسها له تتحدث بصوت متساءل :
_ ليست دمائك ؟! أين كنت بالتحديد أنت ؟! هل كنت في حرب أو ما شابه ؟؟
_ وماذا إن فعلت ؟!
تنفست بضيق وهي تمسح وجهها :
- هذا ليس جيدًا، ليس جيدًا أن تتخذ الحرب وسيلة للتعبير عن استيائك، ألم تفكر في السلام ؟!
نظر لها ثواني بعدم فهم :
- لا، لكن إيفان يفعل طوال الوقت .
_ حكيم هذا الإيفان، لِم لا تحاول أن تحذو حذوه ؟؟
نفخ أرسلان بسخرية شديدة :
_ هراء هذا آخر إنسان قد اتخذه قدوة، فقط لندعو ألا يشبهه أبناء أختي.
- بل ما تفعله هو الهراء، منذ جئت لهنا وهذه ثاني حرب تخوضها بعد حرب الساحة ذلك اليوم، مما يعني حربين في فترة قصيرة، هذا ليس جيدًا البتة وتأثيره سيكون في غاية السوء على عقلك الباطن، تخيل أنك تحفز لاوعيك للعنف المستمر ؟؟
كانت تتحدث بكلمات كثيرة وهي تحرك يديها أمامه تشرح له أنها تخشى على عقله لكثرة العنف الذي يسبح به، وارسلان فقط يحرك عيونه مع يديها فاتحًا فمه بعدم فهم، ينتظر أن تفرغ من تلك الكلمات الغريبة الاعجمية التي تنطقها على مسامعه ليخبرها أن خاض الحربين الذين تتحدث عنهم حينما كان مراهقًا، وأنه تجاوز رقم اثنين منذ كان يلعب في الوحل.
يفكر بجدية أنها لو علمت عدد الحروب التي خاضها في حياته ربما تصيبها صدمة .
أما عن سلمى فأخذت تكمل شرح ما تريده :
_ الطب النفسي أثبت وبأدله قاطعة أن كثرة العنف قد يضر بصحتك النفسية على المدى البعيد، العنف يؤدي لعنف، فها أنت خضت حربين في فترة قصيرة وهذا قد يحفز جسدك للبحث عن حرب اخرى وإن لم تجد تفتعل بنفسك حربًا .
رفع عيونه عن يدها ينطق بعدم فهم لما تتحدث به :
_ أنا لم اخض أية حروب منذ جئتي، لقد كانت مجرد قتالات هذه لا تسمى حروب حتى .
تشنجت ملامح وجهها بقوة وهي تردد :
_ هل تمزح معي ؟؟
قلب عيونه بملل وهو يتنهد بصوت مرتفع :
- أخبرتك أنني لا امازح النساء في العادة، لكن لا أنا لا امزح، ما حدث يُسمى قتالًا، الحرب تكون في الساحة بين جيشين، إن كنتِ متشوقة ربما اصطحبك الحرب القادمة معي .
ختم حديثه ببسمة واسعة جادة، وهي فقط تراقبه متسعة الأعين تهمس بصدمة لبساطة حديثه، الرجل يعرض اصطحابها في حرب كما لو كان يدعوها لموعد رومانسي في أحد المطاعم المشهورة في الحي .
_ أنت... أنا لا ...لا أصدق أنك تتحدث بكل بساطة عن الحرب .
_ ماذا هل اتحدث عن النساء ؟؟ ما به الحديث عن الحرب؟؟
_ هذه حرب، دمار وموت وضحايا وأرواح تضيع بين ويلات الحروب .
نظر لها ثواني قبل أن يهتف بجدية :
_ هل تعلمين عدد الحروب التي خضتها طوال سنوات حياتي هذه ؟!
نظرت له بفضول تنفي برأسها معرفتها لمثل هذا الشيء، ليهز هو الآخر كتفه مبتسمًا لها يردد ببساطة :
- حتى أنا لا أعلم، توقفت عن العد منذ كنت في الخامسة عشر .
تراجعت سلمى للخلف بصدمة من كلماته، أبصرت مجرمين خطيرين ورجال أشداء ومرضى نفسيين مريعين خلال سنوات عملها كمعالجة نفسية ومؤهلة، لكن في حياتها لم تبصر رجلًا بمثل تجبر وشدة أرسلان، الرجل كان تركيبة غريبة، فالرجال الذين يتصفون بالعنف لا يتصفون باللين والحنان، بل يكونون مختلين.
ومعاملة أرسلان لكهرمان ولها في بعض الأحيان تنفي كونه مختلًا عنيفًا .
ولم تدرك سلمى بعد أن الرجال هنا كانوا يستطيعون الفصل بين تجبرهم في ساحات الحرب، وحنانهم مع ذويهم .
تنحنح أرسلان يخرجها من شرودها به والذي جعله يتململ في وقفته، بينما هي كانت شاردة في شخصيته العجيبة، تشعر بالفضول الشديد للغوص داخل جوانبه العديدة ودراستها، الرجل كان بيئة خصبة لإجراء بحوث ودراسات عليه .
أفاقت سلمى من شرودها على صوته الذي حاول إخراجه هادئًا :
_ حسنًا بخصوص ما حدث البارحة لقد ...نحن نحتاج لوضع بعض الحدود بخصوص الأمر كما نحتاج للتحدث بخصوص فاطمة.
ضمت سلمى يديها لصدرها تنظر له بعناد :
_ أراك تتحدث وكأنني سأقضي المتبقي من عمري بين جدران قصرك .
_ ألن تفعلي ؟!
اتسعت بسمتها له ليشعر بالريبة الشديدة وهي تتحرك تاركة إياه دون إجابة على سؤاله، وهذا اغضبه وبشدة، أن تتجاهله وكأنه لا شيء وتتصرف على هذا الأساس، شيء اثار غضبه ليلحق بها بسرعة كبيرة يهتف بصوت منخفض بعض الشيء :
_ ســـلمى .
توقفت أقدام سلمى بصدمة من نطقه اسمها مجردًا بهذا الشكل، ولم تعي بعد أنه سبق ونطقه وقت الكارثة .
توقفت تستدير له بتعجب ليقترب منها بأقدام تلتهم الأرضية أسفله بشكل ارعبها لتتراجع بسرعة وهو فقط رفع إصبعه في وجهها يهتف بغيظ وغضب شديد :
_ إياكِ وأن تتجاهليني بهذا الشكل أثناء الحديث، تحلي ببعض الاخلاق ولا تتركي محدثك حتى ينتهي من حديثه، تعاملي مرة واحدة كآنسة راقية وليس كامرأة وقحة .
أبعدت سلمى عيونها عن إصبعه بصدمة من ذلك الهجوم، لينزل هو إصبعه ينظر حوله يتنفس بصوت مرتفع، يفكر في سبب غضبه، هل هو تركها له والرحيل، أم غضبها الذي لا ينضب ؟؟
فجأة ابتسمت دون مقدمات بسمة وترت أرسلان وهو ينظر لها بفضول يحاول معرفة سبب بسمتها، لتتسع بسمتها أكثر، وهي ترفع حاجبها تقول :
_ تكره أن يرفع أحدهم إصبعه في وجهك وترفعه أنت بدورك دون اهتمام، أنت حقًا نرجسي .
تحركت تاركة إياه يراقبها وهي تتركه دون اهتمام بشيء ليشعر بالضيق الشديد وهو يراقب ظهرها الذي يبتعد، حتى وجدها تتوقف في سيرها فجأة واستدارت له بشكل جعله يبعد عيونه عنها يتظاهر أنه كان على وشك الرحيل من الأساس لتوقفه هي :
_ تصبح على خير جلالة الملك .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحرك في ظلام الغرفة بخطوات هادئة، وكأنه يخشى أن تزعجها اصوات خطواته أو توقظها، ابتسم بسمة صغيرة وهو يجذب أحد المقاعد من الداخل يترك الباب مفتوحًا، ثم وضع المقعد أمام الباب مباشرة يتوسطه براحة شديدة، ولم يقترب خطوة إضافية كي لا تقع أنظاره على جسدها المتسطح على الفراش ويسترق النظر لما لا يحق له .
يكفيه فقط أن يشاركها المكان ويتأكد أنها بخير حال بعدما كاد يفقد عقله لأجل ما حدث لها .
ظل ينظر لها ويتأملها دون كلل أو ملل، ليسمع فجأة صوت أنفاسها يزداد وهي تتحرك حركات عنيفة بعض الشيء على الفراش تهمس ببعض الاسماء .
انمحت بسمته يدرك أن الوقت قد حان لتتغذى عليها كوابيسها، نظر حوله وهو يبحث عن أحدهم يساعدها، لكن الممر كان فارغًا إلا منهما .
تحرك خطوات بطيئة يهمس بصوت منخفض مخافة أن يفزعها أثناء نومها، وقد حمد ربه أن الظلام أخفى عنه جسدها النائم.
_ فاطمة ...فاطمة أنتِ بخير ؟!
فجأة انتفض جسد فاطمة عن الفراش وهي تشهق بصوت مرتفع وكأنها كانت تغوص لساعات طويلة في أعماق المحيط دون حصولها على ذرة هواء واحدة .
أخذ جسدها ينتفض دون هوادة والعرق بدأ يسيل منها بقوة، كل ذلك على مرأى ومسمع من المعتصم الذي كان يقف على بُعد صغير من الفراش لا ضوء يبصره في المكان سوى ذلك المتسلل من الخارج .
حركت فاطمة عيونها في المكان تبتلع ريقها بصعوبة بسبب جفاف حلقها، تشعر بحرارة شديدة في جسدها وكأنها كان وسط النيران التي ابصرتها في أحلامها .
اخذت تدور بعيونها في المكان بأكمله حتى اصطدمت في جسد يقف في الظلام، توتر المعتصم، حتى أنه اوشك على التحدث ليعلمها هويته قبل أن تخافه، لكن فجأة ودون مقدمات انفجرت في بكاء وهي تهتف من بين بكائها :
_ أيــها المعتــصم .
نبض قلب المعتصم بقوة وهو يهرول صوب الفراش يجلس ارضًا على ركبتيه يهتف بخوف عليها ولم يدرك كيف تعرفت على هويته حتى :
- أنا هنا فاطمة، كان هذا كابوسًا لا تخافي .
ازداد بكاء فاطمة أكثر وهي تحاول الحديث من بين شهقاتها :
_ لم يكن، لم يكن كابوسًا، ليته كان، ليته كان يا المعتصم .
اشتد ارتجاف يد المعتصم وهو يقبضها على الغطاء الذي نفضته عنها أثناء كابوسها يهتف بصوت حنون وهو ينظر لها نظرات موجوعة مقهورة لأجلها، لم تبصرها هي بسبب الظلام :
_ نامي فاطمة نامي يا صغيرة، كان مجرد كابوس وانتهى، أنتِ هنا وأنا جوارك لا تخافي شيء.
نظرت له بأعين باكية أبصرها على الضوء المتسلل من الخارج وهي تهتف بصوت موجوع :
_ لا ترحل، ابق جواري ارجوك .
هز رأسه لها يهمس بحنان :
- سأكون دائمًا فاطمة، سأظل طوال الوقت جوارك يا صغيرة .
مالت فاطمة برأسها على الوسادة وهي توليه وجهها، تعطي ظهرها للظلام والمجهول، وكأنها تأبى أن تواجه شيء بعيدًا عن أعين المعتصم، ابتسم لها الاخير بسمة صغيرة يميل يبتعد بعض الشيء عن الفراش يستند بظهره على الفراش :
_ سأكون طوال الوقت جوارك فاطمة حتى لو اضطررت لأن اعتزل الحياة واكتفي بكِ حياة، سأفعل طوال الوقت فاطمة .
اتسعت بسمة فاطمة التي كانت تسمع همس لا تعي منه الكثير، لكنها رغم ذلك ابتسمت بسمة صغيرة وهي تهمس بأعين شبه مغلقة :
_ أنت رجل صالح ذو مروءة يا المعتصم .
اتسعت بسمة المعتصم وهو يضم قدمه لصدره، ثم مال يستند عليها بذراعه يشرد بعيدًا عنها يعطيها الراحة لتنام دون أن تكون مراقبة منه بغير حق :
_ وأنتِ فتاة بريئة وجميلة ...فاطم .
كانت الكلمة الأخيرة بصوت خافت منه وقد أبى أن ينطق تدليل وتصغير اسمها بصوت مرتفع وكأنه يخشى أن يصل لصوت ضميره الذي يجلده على أفعاله الصبيانية تلك، لكنه رغم كل شيء ابتسم، هو هنا وفاطمة كذلك هنا وبخير .
وبعد الساعات السابقة التي شعر فيها بقرب رحيله ورعبه الذي اختبره بسبب خوفه لتركها وحيدة إن لم يعد حيًا، بالإضافة للهلع الذي تلبسه حين أبصر جسدها يهوى أمامه، قرر المعتصم أن ينفذ ما سبق وقرر بالفعل ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أغلقت باب غرفتها بقوة تتحرك بهدوء شديد خارج الممر في صباح يوم جديد، ترفع قبعة ثوبها تخفي خصلاتها وقد كانت ترتدي قميصًا ابيضًا تدخل أطرافه داخل تنورة ترتدي فوقهم معطفًا طويلًا من نفس لون التنورة، تتحرك بكل هدوء لزيارة فاطمة تطمئن عليها .
لكن وحين خطت خارج الممر وجدت إحدى النساء تتحرك صوبها وهي تبتسم بسمة صغيرة مرددة :
- جلالة الملكة صباح الخير .
رفعت سلمى حاجبها بعدم فهم، وما كادت تفتح فمها توضح سوء التفاهم الذي يجعل الجميع يناديها جلالة الملكة وهي ما تزال كما هي لا علاقة لها بالمُلك أو غيره .
ورغم تحفظها على مناداتها بجلالة الملكة إلا أنها تجاوزت عن الأمر مؤقتًا لحين تتحدث مع الملك بخصوص الأمر، منحت الفتاة بسمة هادئة:
- صباح الخير لكِ أيضًا .
_ طلب الملك مني اخبارك أن الجميع ينتظرك داخل قاعة العرش .
لم تفهم سلمى ما تتحدث به، الجميع من وقاعة عرش ماذا ؟! ضيقت ما بين حاجبيها ولم تكد تتساءل عن السبب، حتى وجدت الفتاة تتنحى جانبًا مشيرة بيدها للممر أمامها:
_ من هنا رجاءً
وهكذا ختمت حديثها تقطع على سلمى أي فرصة حتى للحديث أو الاستفسار عما يحدث في الجوار، ضيقت ما بين حاجبيها تخطو خلف الفتاة وعقلها يعمل سريعًا وكأنه يستدعي آخر ساعات مرت عليها في هذا المكان إن كانت تسببت في كارثة أو ما شابه قد تستدعي حضورها لقاعة العرش في حضور " الجميع " كما تفضلت الفتاة وقالت منذ ثواني .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
داخل القاعة كان هو يتوسط المقعد وهو يحرك عيونه في وجوه الجميع حوله بملامح جامدة واجمة، وفي أحد الأركان تقف سراي يحيط بها الحراس وقد حان الوقت لينفذ بها الحد .
كانت أقدامها ترتعش برعب شديد وهي تتمنى لو ينظر لها أرسلان نظرة واحدة فتترجاه وتتوسل، بل وتقبل أقدامه ليعفو عنها، لكن أرسلان لم يفعل ولم ينظر لها نظرة واحدة، عيونه معلقة فقط على الباب ينتظر حضورها ليعلن الحكم النهائي.
وما هي إلا ثواني حتى وجد العاملة التي أرسلها تتحرك داخل القاعة بهدوء وهي تخفض عيونها ارضًا، تتحرك جانبًا صوب الجميع تراقب ما يحدث .
في الوقت ذاته الذي تحفز جسد أرسلان وهو يبصرها تدخل بكل هيبة وخطوات قوية ترفع رأسها للجميع تحدق بهم في تعجب شديد، قبل أن تثبت عيونها عليه، تمنحه نظرة متسائلة تتقدم صوب العرش الخاص به وصوت طرق حذائها على الأرض أسفلها هو ما يمكن سماعه في المكان بأكمله، إلى جانب شهقات سراي .
رفعت رأسها صوبه وهي تتحدث بهدوء شديد ونبرة متزنة مترقبة :
_ طلبت رؤيتي ...مولاي .
ظل أرسلان ينظر لها ثواني دون رد حتى شعرت هي بالتعجب وهي تنظر حولها تبحث عن رد على سؤالها المعلق من أحدهم، لكن لا شيء .
عادت له تتحدث بصوت منخفض :
- مولاي، أخبروني أنك تريد رؤيتي ؟؟
ابتسم لها بسمة وترتها، ثم حاد بعيونه عنها يلقي يأوامر صامتة صوب الجنود الذي دفعوا سراي صوب منتصف القاعة حيث تقف سلمى والتي كانت تتعجب ما يحدث في المكان، فجأة وجدت ومن حيث لا تدري جسد امرأة تميل على يديها تحاول تقبيلها لتنتفض سلمى مبتعدة تجذب يدها منها بهلع وهي تدور بعيون مصدومة في الوجوه :
_ مــا...ماذا ؟؟ ما الذي تفعلينه أنت ؟!
مالت الفتاة ارضًا تبكي بصوت مرتفع وهي تتوسل كل ذرة رحمة داخل صدر سلمى، تبكي وتنوح وتندب وتتوسل المرأة التي كانت تخطط للإيقاع بها منذ ساعات قليلة فقط تحت أعين رفيقتها التي رمقتها بإشمئزاز وغضب تتمنى من أعماقها لو تصرخ في الجميع ألا يصدقون ما تفعله تلك الممثلة البارعة .
بينما الفتاة استمرت في البكاء بشكل هستيري اثار شفقة سلمى تاني مالت تجلس القرفصاء أمامها تجذبها للوقوف :
- ما بكِ ؟؟ ما الذي تفعلينه ؟!
رفعت سراي عيونها والتي كانت قد تحولت للأحمر لشدة بكائها تهتف بنبرة ممزقة :
_ اتوسلك أن تغفري لي، اقسم أنني لم اقصد، لم اقصد ما حدث لقد ...لقد ظننت واخطأت بظني .
والجهل ما يزال يسود ملامح سلمى التي تحركت بنظراتها صوب أرسلان تحاول أن تنتزع من نظراته أي معلومة أو شيء يفهمها ما يحدث .
وارسلان التقط نظراتها يردد بهدوء ونظرات هادئة تصاحبها نبرة جادة، وملامح وجه جامد، إذ كان يبدو في هذه اللحظة كما الصخر :
_ هذه هي نفسها الفتاة التي قذقتك بالباطل، واشاعت بين الجميع سوء خلقك دون وجه حق .
ولم يوضح حديثه أكثر حين أبصر الادراك وقد بدأ يلتمع على وجه سلمى التي انتزعت كفها ببطء عن كتف الفتاة، شحب وجهها تنظر في جميع الوجوه حولها، تستقيم بوقفتها مجددًا، بينما سراي شعرت بقلبها يهوى داخل صدرها حين شعرت نفور من سلمى .
تعود للصياح:
_ اقسم لم اقصد أنا فقط ...أنا فقط كنت ....لم اقصد اقسم لكِ أرجوكِ اغفرلي، فقط اغفر لي وسوف ارحل من هنا ولن يبصرني أحدكم .
التوى ثغر نجوم بازدراء وقد على الغضب ملامحها مما ترى، ممثلة بارعة :
_ عسى أن تُجلدي حتى الموت أيتها اللعينة ...
أبعدت سلمى عيونها عنها تتذكر نظرات الجميع صوبها ذلك اليوم وتلك الكلمات التي أخذت تتردد في أذنها في ذلك الحين .
رفعت عيونها صوب أرسلان الذي كان يترقب ردة فعلها بفارغ الصبر وقد بدأ الفضول يأكله لمعرفة ما تريده .
_ إذن ما سبب احضاري هنا ؟؟
رفع أرسلان حاجبه وقد بدا أن ردة فعلها المحايدة هذه لم تعجبه، وكأنه كان يرتقب منها ردة أكثر عنفًا تعيد لها حقها، ورغم ذلك زفر بغضب يهتف بهدوء شديد يحاول أن يكون حياديًا .
_ شرع الله في حالة قذف المحصنات معروف، وأنتِ هنا فقط لتمنحيها رحمة أو تُعاقب، والخيار يعود لكِ فأنتِ صاحبة الحق هنا .
كان يضغط على جميع كلماته بقوة وكأنه يحذرها أن ترفض عقاب الفتاة، تلك المسرحية السخيفة التي كانت تدعيها منذ ثواني لم تؤثر به مقدار شعرة، ويرجو لو أنها لم تفعل المثل بسلمى، فنيران صدره المشتعلة لن يطفئها سوى تنفيذ حد الله بها، نظرات سلمى الباكية، وصوتها المرتجف وخوفها الملتمع بعيونها ذلك اليوم ونبرتها وهي تخبره " لست امرأة سيئة مولاي "، ذلك المشهد يجعله يود لو يهبط ويحمل سوطًا ويأخذ قصاصها بيده .
لكنه لم يستطع تجاوزها ولم يتمكن من تنفيذ حكمه قبل معرفة صاحبة الشأن واعطائها الرأي الاخير .
أما عن سلمى فقد حركت نظراتها بين الجميع والذين كانوا ينتظرون حكمها، والفتاة التي سقطت ارضًا باكية، تطيل النظر لها، ضميرها يرفض أن تتعرض امرأة لمثل تلك العقوبة، وعقلها يسخر من سخافتها آمرًا إياها بعدم التنازل عن حقها .
أبعدت سلمى عيونها عن الفتاة بهدوء تعود بنظراتها صوب أرسلان والذي كان يدعوها بكل ذرة في جسده للموافقة على حكمه .
تنفست بصوت مرتفع وهي تهتف بعد ثواني من الصمت وقد شعرت بالخسة حينما فكرت لثواني في عقابها، وهي التي كانت تؤمن طوال حياتها بأن كل إنسان يستحق فرصة ثانية، أولم يكن هذا عملها من الأساس ؟؟ خلق فرصة ثانية تمنح كل مخطئ حياة جديدة ؟!
- أتنازل عن حقي مولاي .
عض أرسلان شفتيه بقوة وغضب اشتغل بعيونه وهو يطيل النظر بوجهها يهتف من بين أسنانه:
_ هذا قرارك الاخير؟
_ نعم .
أومأ برأسه يشير صوب الحراس بعيونه :
- فكوا وثاقها واخرجوها من القصر لا عمل لها عندي بعد اليوم، فلترحلي من هنا ...
تنفست سراي الصعداء وهي تبتسم بسعادة كبيرة وقد أخذت تردد كلمات الشكر والامتنان على مسامع الجميع، تحت استنكار البعض وشفقة البعض الآخر، وغضب البعض كنجوم التي شعرت بدمائها تغلي وهي تتحرك خارج المكان بغضب شديد .
كل ذلك حدث وما زالت أعين أرسلان معلقة بأعين سلمى وكأن هناك حرب نشأت بين الاثنين .
هبط أرسلان عن عرشه يتحرك بخطوات صغيرة صوبها وحينما وقف أمامها ابتسم بسمة صغيرة ساخرة :
_ جيد أن تكوني رحيمة، سيئ أن تكوني غبية .
استدارت له سلمى بسرعة كبيرة ترمقه بشر كبير جعله يمنحها بسمة تحمل من السخرية الكثير :
_ كان يمكنكِ بكل سهولة أن تنتقمي منها وتجعليها عبرة لكل من تسول له نفسه الاقتراب منكِ، وعوضًا عن ذلك صدقتي مسرحيتها السخيفة، ظننتك أذكى مما يبدو عليكِ آنستي .
اشتعلت أعين سلمى بقوة ولم تكد تتحدث بكلمة، حتى استقام أرسلان بقوة يهتف لها بجدية :
_ الحقي بي لساحة التدريب يا صاحبة القلب الرحيم والعقل الغبي ....
وبهذه الكلمات ختم وجوده تحت نظرات سلمى المصدومة مما قال، لا تعي هل هذا الرجل بهذه القسوة، أم هي بهذا الغباء ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأول مرة منذ وطئت المكان تخرج بنفسها خارج الغرفة التي كانت تحتمي بها من كل شيء حولها، لكن وبمجرد أن فعلت انتفضت للخلف وهي تطلق شهقة مرتفعة وقد اصطدمت عيونها بوجه تبغضه، تراجعت للخلف بهدوء شديد للخلف تضيق عيونها بكره، قبل أن تنفر النظر له من الأساس وتبتعد عنه بهدوء تاركة إياه يقف دون حتى أن تمنحه نظرة واحدة ولو على سبيل الفضول .
أما عنه فقد احترق بالغضب والضيق حين أبصر منها تجاهلًا يتنفس بصوت مرتفع يستدير صوبها :
_ صباح الخير سمو الأميرة .
ابتسمت توبة بسخرية على ذلك الحقير الذي حاول التهجم عليها يومًا وضربها واليوم يأتي يلقي عليها تحية الصباح، وقد كان هو نفسه الرجل الذي فشى سر ما يحدث لأنمار ليستغله اسوء استغلال ضده .
توقفت توبة بسمة صغيرة تنظر له نظرات محتقرة :
- وأي خير لي في اليوم بعدما أبصرت وجهك القمئ .
ختمت حديثها تتحرك بعيدًا عنه قبل أن تنبش باظافرها آثارًا لا تزول في وجهه، لكن ما كادت تتحرك خطوة واحدة حتى سمعت صوته يردد بجدية :
_ فقد أخبريني ما الذي يجذبك به ولا امتلكه أنا ؟؟ الشيء الوحيد الذي يمتلكه هو ولا أفعل هو كونه اميرًا وقد فقد هذا الحق منذ أشهر، لذا لا فرق بيننا .
توقفت توبة ثواني تنظر له مطولًا قبل أن تهمس له :
_ كيف ذلك ؟؟ هو رجل وأنت ذكر والفرق كبير لو تدرك .
ختمت حديثها ثم تحركت دون اهتمام وقد قررت أن تستغل ساعات اليوم الطويلة في الدوران حول المكان علها تعثر على مخرجًا لها، لكن فجأة توقفت وهذه المرة بسبب ملاحظتها لنزار الذي كان يتابع ما يحدث بهدوء شديد ويبدو أنه سمع كلماتها الأخيرة إذ لاحظت هي التماع عيونه بشكل غريب .
ابتسمت له بسخرية وهي تتحرك في طريقها وحين مرت حواره همست بصوت منخفض :
- لا تفرح كثيرًا، تلك كانت مجرد كلمات لإثارة غضبه فقط وليس بالضرورة أن اعنيها بالكامل .
ومع نهاية كلماتها كانت تتحرك تاركة له بوجه أحمر من الغضب يضغط على يده بقوة وهو لا يزال يتذكر توسله لها البارحة كي تساعده في الخطة التي وضعها للهرب من المكان، لكنها رفضت حتى أن تفتح له الباب بعدما وضعت كافة الأثاث خلفه ..
نظر لظهرها وقد شعر بالغضب يتملك منه بسبب هذه المرأة، في حياته كلها لم تتحدث له امرأة بهذه الطريقة أو توجه له هذا الكم من الإهانات .
تنفس بصوت مرتفع يتحرك بسرعة خلفها وقد قرر أنه لن يتركها تتحرك في هذا المكان وحدها، لن يأمن عليها بين هؤلاء القذرين وحدها .
لذا اسرع بخطواته يلحق بها .
وهي كانت تشعر بخطوات تلحق بها، لكن لم تهتم إذ أخذت تدور في المكان بفضول شديد تتحرك هنا وهناك تحت الأعين المراقبة والفضولية، وأثناء سيرها ابتعدت عن الأسواق بهدوء شديد وقد بدأت تقترب بخطواتها من حدود المكان حتى شعرت بأن الأمر ابسط مما تخيلت ..
ولم تكد تبلع الجدار المصنوع من الأسلاك الشائكة حتى تراجعت صارخة صرخة شقت هدوء الأجواء المحيطة، وخطواتها التي سبق وحطتها صوب السياج تلاشت وهي تلتهما عائدة بسرعة متسعة الأعين للخلف حتى اصطدمت بجسد نزار الذي ركض لها سريعًا ليبصر تكاد تسقطه على الأرض .
وهي لم تهتم بأي شيء بقدر ما كان اهتمامها ينصب على الاختباء من أعين ذلك الرجل جاحظ الأعين اسود الوجه خشن الملامح ضخم الجسد .
كان الرجل كالمارد مرعبًا، ينظر صوب وجه توبة بشكل جعل الأخيرة تختبئ خلف نزار تهمس بصوت مرتجف :
- ما...ما هذا ؟ أنا فقط كنت ...كنت اريد التقاط زهرة .
رفع نزار حاجبه بسخرية وهو ينظر لها من أسفل رموشه الكثيفة وملامح الاستنكار والسخرية التي تعلو وجهه جعلت وجه توبة ينقبض بضيق شديد وهي تردد من أسفل أسنانها:
_ لا تنظر لي بهذا الشكل .
_ أي شكل ؟!
تنفست بصوت مرتفع تبعد عيونها عن العملاق أمامها بصعوبة وكأنها تخشى أن تغفل عنه فيستغل الفرصة ويهجم عليها يقطعها اربًا بأسنانه.
_ هذا الشكل الذي تنظر إليّ به وكأنك محق في كل شيء .
_ أنا كذلك بالفعل سبق واخبرتك الكثير لأجل مساعدتك وأنتِ رفضتي .
أغمضت عيونها وكأنها تستعد لإخراج نيران من حدقتيها، ثم فتحتها تتراجع للخلف بسرعة مبتعدة عنه نافرة :
_ لا تتذاكى وتتعامل معي كما لو أنك تجهل سبب رفضي لمساعدتك سمو الأمير .
ونزار لم يكن قادرًا في تلك اللحظة على جدالها هذا الجدال، ولم يبرأ بعد من آثار حديثها السابق الذي جلدته به، حتى شعر بالدماء تنبثق من أجزاء جسده دون هوادة .
أشار لها لتبتعد عن المكان :
_ إذن ارحلي رجاءً فأنا لست بقادر على هذا الجدال مرة أخرى وقد نفذ حديثي بالكامل .
نظرت له بغضب من طريقته في الحديث معها وكأنها هي المخطئة في حقه أو ما شابه .
لكن على كلٍ قررت التحرك بعيدًا تتجنب نظراته التي تحرقها في هذه اللحظة، لكن يبدو أن العملاق كان له رأي آخر في الأمر إذ تحدث بصوت مرتفع وهو يوقفها :
_ إلى أين ؟؟ هل تظنون المجئ هنا كالرحيل ؟!
توقفت أقدام توبة ترتعش من نبرته الاجشة المرعبة، لكنها ورغم ذلك تماسكت وهي تبتلع ريقها تنظر صوب الرجل بكل قوة ترفع رأسها أبية متحدية ولم تكد تتحدث كلمة حتى أبصرت المشهد يختفي خلف جسد نزار الذي وقف أمامها يتحدث بنبرة متشنجة :
_ عساه خير، ما الذي تريده منها يا هذا ؟!
تحركت أعين العملاق من توبة ببطء شديد صوب نزار وكأن نظراته تمتلك نفس الجسد الضخم الثقيل الذي يعوق حركتها الخفيفة، واخيرًا استقر على جسد نزار الذي كان ينتظر أن يجيبه الرجل بكلمة يحمي توبة خلف ظهره، والتي شعرت في هذه اللحظة براحة أبت التعبير عنها ولو باسترخاء ملامحها .
ارتسمت بسمة جانبية على قم الرجل وهو يحرك نظراته بينهما دون توقف حتى تحدث :
_ تريدون الهرب من هنا ؟!
ولم يكد نزار يتحدث بكلمة حتى سارعت توبة تهتف بضيق وسخرية :
_ وهل ترى هذا المستنقع مكانًا صالحًا للعيش ؟؟ بالطبع أي إنسان عاقل سيفكر بالهرب من هنا، واستثنيكم من الأمر.
اشتعلت أعين الرجل ليستدير نزار يرمقها بصدمة وملامح متشنجة بعدم فهم وكأنه يخبرها بنظراته " حقًا ؟؟"
وهي فقط منحته بسمة مستفزة ليتنفس بصوت مرتفع :
_ فقط اصمتي رجاءً.
_ لا تأمرني أنت.
_ ولا تثيري غضبي أنتِ، ليس الآن على الأقل، دعينا نخرج من أسفل يد العملاق احياء .
_ من أخبرك أنني أريد مساعدتك من الأساس ؟! أنا استطيع تدبر أمر نفسي و....
توقفت عن الحديث حين أبصرت نزار يبتعد من أمام جسدها مفسحًا الطريق لها أمام العملاق يشير لها ببسمة سخيفة باردة:
_ تفضلي سمو الأميرة، يمكنك نيل شرف الطحن اولًا على يد العملاق .
اتسعت أعين توبة حيت وجدت نفسها مكشوفة أمام العملاق، حركت عيونها على الرجل، ثم لنزار الذي كان يضم ذراعيه لصدره يشير لها بعيونه مبتسمًا:
_ هيا تقدمي لا تخجلي ...
تنفست سصوت مرتفع، ثم نظرت صوب العملاق بكل ذرة قوة امتلكتها يومًا خلال سنوات عمرها :
_ ماذا تريد أنت ؟؟ نحن جئنا بالخطأ هنا و...حسنًا على الأقل أنا جئت بالخطأ هنا لا ادري عنه يمكنك سؤاله أو قتله لا اهتم، أما عني فسوف أرحل وإن استطعت اوقفني .
ختمت حديثها تبتسم بثقة كبيرة وهي تستدير بعيدًا عنهما، خطت خطوة واحدة ولم تكد تتمها بثانية حتى وجدت يد تمتد صوبها تمسك كتفها بقوة كادت تحطم عظام ترقوتها، ولم تتخذ ردة فعل بعد حتى شعرت بيد أخرى تنتزع ذلك الحمل الثقيل عن كتفها ولم تكن اليد الأولى سوى يد العملاق والتي انتزعتها اليد الثانية والتي تعود بالطبع لنزار .
ولم يكد الرجل يستوعب ما يحدث أو كيف استطاع ذلك الرجل انتزاع قبضته عن الفتاة الحسناء والتي أثارت إعجابه منذ ابصرها تقترب من الحدود، حتى وجد جسده يندفع للخلف بقوة غريبة، ومن ثم قبضة تسقط على وجهه بقوة مرعب.
كل ذلك تحت أعين توبة المصدومة مما تبصر، كيف استطاع نزار منافسة الرجل وكيف استطاع أن يدفعه للخلف ويتحكم به، وربما نست توبة لثواني أن نزار لم يكن ولي عهد آبى وطبيب المملكة فقط، بل كان قائد جيوشها من بعد والده ..
فجأة أبصرت العملاق يتدارك نفسه وهو يدفع نزار عنه بسرعة وبقوة جعلت الأخير يسقط ارضًا بقوة سلبت تأوهًا من بين شفتيه .
اتسعت أعين توبة وهي ترفع عيونها عن نزار صوب الرجل، تبتلع ريقها وهي تراه يتقرب منها مبتسمًا بسمة مقززة، لتصرخ في وجهه.
_ الويل لك ولسلالتك إن تجرأت واقترب مني أيها الحقير اقسم بالله لاحيلن المتبقى من حياتك لجحيم.
اتسعت بسمة الرجل وكأنها تمازحه او تلقي بعض النكات على مسامعه، تراجعت أكثر وهو تقدم كل خطوة تراجعتها حتى شعرت توبة أن لا مفر لها من الأمر، وإن كانت تمتلك شجاعة فلها حدود ستتحطم جميعها أسفل أقدام ذلك العملاق، في هذه اللحظة لم تشعر بنفسها سوى وهي تنادي بصوت مرتعب تبحث بعيونها عن حارسها الذي يحوم حولها يحيطها بعنايته منذ وطئت المكان :
_ نزار ....نزار ساعدني ارجوك .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أنتِ حقًا أكثر النساء لطفًا أتعجب أن البعض يصفك بالساحرة .
تركت سلمى الملعقة الخاصة بها وهي ترفع حاجبها بعدم فهم :
_ ماذا ؟؟ ساحرة ؟!
هزت فاطمة رأسها تبتلع الطعام الذي دسته سلمى منذ ثواني داخل فمها تقول بجدية وهي تبتسم بلطف لسلمى تحاول صرف انتباهها عن ذلة لسانها التي اباحت بما لا يفترض قوله :
_ مجرد هراء تتناقله النسوة فلا داعي للأهتمام .
رفعت سلمى حاجبها بريبة :
_ متأكدة ؟؟
_ أوه نعم، لا تقلقي بالطبع أنا لا أصدق كل ما يقال لست حمقاء .
ابتسمت لها فاطمة تربت على خصلاتها بحنان :
_ بالطبع لستِ كذلك، بل أنتِ بريئة لطيفة فاطمة .
اتسعت بسمة فاطمة بقوة وهي تغمض عيونها براحة لتربيتات سلمة على خصلاتها، بينما الأخيرة لاحظت نظرات الراحة والاسترخاء التي علت نظرات فاطمة لتهتف :
_ أنتِ الآن بخير فاطمة صحيح !!؟
_ أوه نعم، لقد تذكرت تربيتات أمي و....
فجأة انتفض جسدها بصدمة كبيرة تهتف بصوت مرتفع ولهفة تحاول التحرك عن الفراش لولا يد سلمى التي كانت تمنعها من الأمر:
_ كيف نسيت الأمر، امي، لا بد أنها ستموت قلقًا، يا ويلي كيف لم أخبرها و....
فجأة توقفت عن الحديث وهي تنفجر في البكاء بخوف على والدتها، لا بد أنها الآن تموت رعبًا عليها دون القدرة على الحركة والسؤال عنها بسبب مرضها، فقط تتمنى لو أن ألطاف طمئنتها عليها .
في الوقت ذاته سمع الاثنان طرق الباب لتساعدها سلمى في ارتداء حجابها، ومن ثم سمحت للطارق بالدخول، والذي لم يكن سوى المعتصم نفسه والذي منذ دخل لم يمنحهم سوى نظرة واحدة قبل أن يخفض نظره يقول بجدية :
_ طلب الملك مني أن أخبرك أن وقت تدريباتك قد حـ
ورغم أنها كانت نظرة واحدة، إلا أنها كانت أكثر من كافية ليبصر دموع فاطمة العالقة بين رموشها وكأنها تتمسك بهم خشية السقوط في الهاوية، شحب وجهه يهتف برعب :
_ فاطمة ؟! ما الذي حدث ؟؟ لِمَ البكاء ؟؟
رفعت فاطمة عيونها سريعًا بمجرد سماعها صوته تهتف بصوت متلهف وكأنها غريق تعلق بطوق نجاته وسط أمواج عاتية :
_ يا المعتصم ..
تحرك المعتصم دون تفكير يدنو من الفراش بسرعة كبيرة يقف جوار رأسها مرددًا بخوف عليها :
_ نعم ؟! أنتِ بخير ؟!
سقطت دموع فاطمة أكثر تهتف من بين شهقاتها بصوت مرتعش :
_ أمي ....لقد نسيت أن أخبرها ما حدث معي .
_ ماذا ؟؟ فاطمة كيف ستخبرينها وأنتِ كنتِ متعبة ؟؟
تنفست من بين شهقاتها بصوت يهتز وعلى وقعه يهتز قلق المعتصم الذي كان يراقبها بأعين مهتمة يتتبع كل حركة منها بريبة واهتمام شديد، حتى رفعت عيونها تقول واخيرًا بعدما هدأت بعض الشيء :
_ أريد الذهاب لها يا المعتصم، أمي وحدها وسوف تقلق عليّ و.....لا بد أن أحمد الآن يدور في الطرقات بحثًا عني، ارجوك ساعدني للعودة لها سريعًا .
كانت تتحدث وهو يستمع بكل جوارحه، يهز رأسه بهدوء شديد يوليها كامل الاهتمام تحت أعين سلمى التي ابتسمت بسمة واسعة تراقب ما يحدث بأعين مدركة لكل ما يدور .
ابتسمت بسمة جانبية ترى اهتمام المعتصم بكل حركة تقوم بها فاطمة لدرجة أنه كان يحرك عيونه مع حركة يدها .
وكأن فاطمة كانت " المايسترو" الذي يتحرك على إشارته الفرقة الموسيقية، وبالطبع لا حاجة لذكر أن المعتصم كان هو الفرقة الموسيقية بكل أفرادها، والآلات العزف إن أرادت فاطمة .
اتسعت بسمتعا بسعادة تراقبهم بأعين ملتمعة تتحرك صوب الخارج تترك الباب مفتوحًا تقف جواره، ابتعدت مع البقاء في الجوار، تمنح لهما حرية شبه مقيدة ..
أما عنهما في الداخل .
جلس المعتصم دون شعور على ركبتيه يتحدث بهدوء شديد وكأنه يخاطب فتاة صغيرة، وكعادته معها لم يكن يعي بتصرفاته مؤجلًا التفكير فيها لحين يتفرد بنفسه ليجلدها بسياط الضمير والذنب على تجاوزه حدوده معها، وتعهده على الإبتعاد واتخاذ ساترًا منها، ليعود في اليوم التالي ويحطم الساتر أسفل أقدام لهفته، ويسير في طريق ممهد لها .
_ لا تبكي فاطمة، سوف أذهب لها بنفسي واحضرها لتبقى جوارك، فقط ابقي هنا، فقد أخبرتني الطبيبة أنكِ تحتاجين للعناية .
مسحت دموعها تردد بصوت خافت :
_ وأمي تعتني بي يا المعتصم هي لا تدعني اشكو من شيء، سأكون بخير إن عدت لها لا تقلق .
وأنا لن أكون إن فعلتي فاطمة ....
كانت كلمات كبتها المعتصم بصعوبة يطيل النظر لها ببسمة صغيرة جعلتها تخجل وهي تشعر بالمكان يضيق عليها تهمس بصوت منخفض :
_ يا المعتصم ...
_ نعم ؟؟
_ هل ستعيدني لأمي ؟!
_ بل سأحضرها لكِ هنا فاطمة .
رمشت وهي تبعد عيونها عنه، ليبتسم هو لها بلطف يكرر سؤال سبق ونطقه، لكن المرة هذه أراد التأكد أكثر:
_ إذن كم هو عمرك فاطمة ؟!
رفعت له فاطمة عيونها بتعجب، ثم هتفت وكأنها تسخر من ذاكرته :
_ متأكد أنك لا تعاني مشكلة في الذاكرة يا المعتصم ؟؟
ابتسم بسمة واسعة سرعان ما تحولت إلى ضحكة صغيرة، يراها وقد خجلت من نظراته لها، فابعد عيونه، وقد أضحى متيقنًا لما يفكر به :
_ نعم اعاني من مشكلة صعبة في التذكر، أصبحت لا اتذكر شيء خلال يومي سوى سلامتك فاطمة ..
اتسعت أعين فاطمة بقوة وهي تحاول إيجاد كلمة تجيب بها كلماته، والمعتصم فقط يحدق بوجهها بترقب وتفكير قبل أن ينطق دون شعور :
_ أوتعلمين أنا بالفعل احتاج لزيارة عائلتك في اقرب وقت ممكن .
نظرت له بعدم فهم لينهض هو يردد بنبرة جادة وكأنها استقر واخيرًا وبعد ليالٍ طويلة على ما يفكر به :
_ أريد التحدث معهم حول تحويل زيارتك للقصر إلى إقامة فورية فاطمة ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحركت بعيدًا عن العيادة حين أبصرت الطبيبة تقترب لتفحص فاطمة، فقررت استغلال الفرصة والتحرك لتفقد موزي، لكن وقبل أن تصل لغرفته توقفت أقدامها حين ابصرته يخطو للمشفى بكل كبرياء وهيبة عُرف بها .
لتدرك في هذه اللحظة أن كل كلمة نطق بها أرسلان يومًا حول نفسه حتى ولو كانت على سبيل المزاح كان حقيقة مجردة من أي زيف، الرجل كان مدمرًا مع ثياب بيضاء ولأول مرة تبصره يرتديها، يتحرك مع خصلات مبعثرة داخل المكان يسير صوبها وكأنه ما جاء للمشفى إلا قاصدًا إياها.
توقفت أقدامها وكأنها التصقت بالارضية أسفلها لا تستطيع التحرك خطوة واحدة، واخيرًا توقف أمامها ينظر لها نظرات صغيرة قبل أن يتكرم واخيرًا يهتف بجدية :
_ ألم يخبرك المعتصم عن استدعائي لكِ ؟؟
رمشت بصدمة من كلماته وكأن حديثه أخرجها من شرودها به، تتراجع للخلف خطوات سريعة تحاول الثبات عند الإجابة :
_ أوه نعم المعتصم، هو ...فعل بالفعل .
_ وإن كان قد فعل الفعل مالي لا أراكِ في ساحة القتال تحملين سيفك ؟؟
_ أنت مع من تظن نفسك تتحدث ؟؟ أنت تتحدث مع ما امرأة.
_ نعم ؟! ومن ثم ؟؟
تنفست بصوت مرتفع تقترب منه خطوات معدودة لم تزد عليها خطوة واحدة، ثم توقفت أمامه تمنحه بسمة صغيرة :
- ومن ثم لقد انتهينا مولاي، لا تدريب لا مبارزة ولا اشياء سخيفة ستجبرني على فعلها، لا اعتقد أن ذكائك سيدعك تضيع ساعات يومك الثمين على امرأة بمثل أخلاقي .
اغمض أرسلان عيونه بغضب شديد وقد بدأ جسده يشتعل على غرار عيونه يهمس بصوت حاد وكأنه يوبخها، لكنه في الحقيقة كان يوبخ نفسه :
_ أنا لم أقصد و....
_ لا ترهق نفسك بالبحث عن حجج لا معنى لها مولاي، فأنا على أي حال اقتنعت بالأمر واضحيت أصدق نظرتك عني .
كادت ترحل بعد انتهاء الحوار القصير الذي جمعهما، لكنها فجأة توقفت وهي تنظر له ثواني، ثم ابتسمت بسمة صغيرة :
- أسدي لي معروفًا للمرة الأخيرة إذا سمحت .
نظر لها بفضول لتكمل ببسمة قاتلة :
_ أرسل في إحضار صامد وصمود، أريد العودة لمنزلي فقد سأمت المكوث هنا .
ختمت حديثها وهي تتحرك خارج المشفى تاركة أرسلان ينظر لظهرها بصدمة، وفجأة وحين أدرك أنها رحلت تحرك بسرعة خلفها كي يمسك بها قبل الخروج من المكان بأكمله، لكن ما كاد يقترب خطوة منها حتى توقفت أقدامه وهو يسمع صوت صارخ يأتيه من جهة الباب الخاص بالمشفى ولم يكن ذلك الصوت سوى صوت أحد الجنود المدوي الذي صرخ بصوت مرتفع رنّ صداه في الإرجاء :
_ مـــــــــــولاي .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما عن دروب الحرب فقد خاضها الجميع، لكن طرقات الحب منهم من استكان لها، ومنهم من عاندها ومنهم من نبذها بالكامل ......
دمتم سالمين
رحمة نبيل


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close