رواية اسد مشكي الفصل الثاني عشر12 بقلم رحمة نبيل
| مخاوف تجسدت |
قبل القراءة تصويت على الفضل ومتنساش رأيك بعد القراءة
صلوا على نبي الرحمة .
تحرك على درج البناية وهو ينظر كل ثانية لساعة يده يحمل بين يديه هاتفه يتحدث مع أحدهم بسرعة كبيرة وتوتر اكبر :
_ فقط خمس دقائق واعود اقسم أنني حتى لا ادرك كيف نسيت أمر هذه الملفات، فقط انتظر خمس دقائق و....
وقبل أن ينتهي من كلماته تفاجئ بالباب الخاص بشقته يُفتح ووالدته تقف أمامه وهي تستند عليه ترفع الملف في وجهه تردد بغضب وهي تضربه به على رأسه:
_ إلى متى سأظل اركض خلفك بما يخصك راجيش ؟؟ لقد سئمت منك ومن مسؤوليتك يا فتى، فقط لو أنك سمعت لي وتزوجت تلك البرازيلية واحضرت لي أحفادًا برازيليين اربيهم لأجلك وهي اهتمت بك وبما يخصك لارحتني وارحت ذاتك، لكن لا تركت الفتاة تفر منك .
زفر راجيش بضيق شديد وشعر بالحنق من كلمات والدته التي لا تنفك ترددها على مسامعه كلما أبصرت وجهه وتذكرت أنهم استيقظوا ذات يوم ليبصروا منزل سول فارغًا .
امسك الملف من يد والدته :
_ حسنًا أمي، شكرًا لتحملك مشاكلي وصبرك عليّ بعدما اضعت زوجة برازيلية جميلة كــسول، الأن سأرحل و...
وقبل تحركه خطوة واحدة أمسكت أمه بثيابه وهي تجذبه لها تهتف من أسفل أسنانها:
_ اسمع أيها المعتوه يا رأس الحاسوب أنت، إن لم تعد لي محملًا بزوجة برازيلية ذهبية البشرة تحضر لي أحفاد مثلها اقسم أن اعيدك للهند سيرًا على الأقدام..
اتسعت عيون راجيش وقد شعر أن الأمر بدأ يشكل هاجسًا عند والدته وبدأ يتطور بشكل مرعب :
_ حسنًا، حسنًا لا بأس سأفعل، سوف أذهب الآن للعمل وحين عودتي سأحضر لكِ معي برازيلية ذهبية البشرة كـــسول .
ضيقت والدته عيونها ولم تكد تتحدث بكلمة، حتى أبصرت جسد يتحرك من أمامهما صوب الباب المقابل لمنزلها، ومن ثم توقف ينظر له ثواني، ثم فتح الباب ودخل بكل بساطة واغلق الباب في وجهها .
رمشت أم راجيش بصدمة كبيرة تهمس :
_ هل رأيت ما رأيت للتو يا ولد ؟! هذا الرجل الذي كان يأتي طوال الوقت لسول دخل الشقة منذ ثواني و....
شهقت فجأة بسعادة كبيرة :
_ أيعقل أن سول ستعود ؟؟
نظر لها راجيش بحنق وقد سأم كل هذا، عدل ثيابه، ثم استقام يهتف بجدية وهو يتحرك صوب الدرج يهرول للأسفل :
_ يمكنك سؤاله، سوف ارحل فقد تأخرت بما يكفي .
ختم حديثه يهرول على الدرج حتى كاد يصطدم بالشخص الذي كان يصعد في نفس اللحظة، اعتذر سريعًا دون أن ينتبه للشخص والذي لم يكن سوى جلال وأكمل طريقه خارج البناية بسرعة .
تحرك جلال على الدرج بسرعة كبيرة وهو ينتوي أن يؤدب ولده الذي يهوي تدمير حياته بيديه، شعر بنيران الغضب تملئ صدره وهو يندفع صوب الممر الذي يقع أمام منزل سلمى .
في الوقت ذاته الذي تحركت به أم راجيش صوب باب منزل سلمى بفضول كبير تسير على أطراف أصابعها وهي تنظر حولها في كل مكان قبل أن تتوقف أمام الباب ثواني، ثم مالت نصف ميلة كي ترهف السمع لمن بالداخل .
لكن فجأة انتفض جسدها حين سمعت صوت خطوات قادمة في الممر، لتبعد جسدها بسرعة وهي تعدل من ثوبها التقليدي ترفع رأسها للسقف وكأنها تتلو صلاة صامتة، في حين أن جلال لم يكن مهتمًا بكل ذلك وهو يطرق الباب بعنف شديد مغتاظًا من تصرفات ولده .
_ افتح هذا الباب خالد، لقد أبصرت سيارتك بالاسفل، هيا افتح هذا الباب .
وضعت والدة راجيش يدها أعلى فمها تراقب ما يحدث بفضول شديد، تسمع صوت الرجل يعلو أكثر وأكثر:
_ لن أسمح لك بتدمير حياتك بهذه الطريقة أيها الغبي، كان الأمر كله خطأي من البداية أن تركت لك حرية العيش في مثل هذه البلاد، لكن الأمر لن يستمر خالد هل سمعت ؟!
فجأة فتح خالد الباب لينظر صوب والده بملامح معترضة غاضبة، ليس من والده بل من كل ما يحدث حوله .
_ أبي فقط دعني اااا...
_ ادعك ؟؟ لا يا عزيزي يكفي الايام التي تركت لك حرية اختيار طريقة عيشك وفي الحقيقة اذهلتني بذوقك المقرف في حياتك، الآن حان الوقت ليتغير كل هذا .
شهقت أم راجيش شهقة صامتة وهي تتابع ما يحدث باهتمام شديد أكبر حتى من الاهتمام الذي كانت توليه لمسلسلاتها الدرامية، ترى ملامح خالد تتحول للاحمر وهو يتنفس بصوت مرتفع :
_ أبي رجاءً لقد أخذت قراري، أنا سوف أسافر للمنحة التي ...
_ لا يا عزيزي، بل أنا من أخذت قراري، أنت بالفعل ستسافر، ولكن ليس لأجل منحتك في بلاد الفجور التي تنتوي الذهاب لها لتكمل فساد روحك، بل سأرسلك في رحلة تستعيد بها نفسك وروحك، سوف ارسلك لمشكى وهذا قرار نهائي .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت كلمات الصبي التي نطقها بكل تلقائية تترد في أذن سلمى التي شعرت بقلبها يتصدع حين علمت ما يحدث، الفتاة ما تزال سجينة تلك اللحظات السعيدة التي كانت تمتلك بها والد وشقيق، لا تستوعب بعد ما يحدث في حياتها .
أقسمت في اللحظة التي سمعت بها كلماته أنها لن يهدأ لها بال، إلا حينما تعالجها وتخرجها من تلك الفجوة التي سجنت بها روحها دون شعور .
تنهدت بصوت مرتفع وقد كادت شهقاتها تتسبب في اختناقها، رأت في حياتها ما يشيب الرأس، لكن مثل معاناة فاطمة وهشاشتها لم تبصر .
كل ذلك وارسلان فقط يراقبها بصدمة وخوف من فكرة أن أحدهم آذاها لدرجة البكاء، همس دون شعور منه :
_ ما بكِ....أنتِ ....هل ...هل تسبب أحدهم في بكائكِ؟؟
ترك سؤاله معلقًا ثواني قبل أن يتبعه بجملة حادة :
_أخبريني، فأبكيه المتبقي من عمره .
ابتسمت سلمى دون شعور منها وهي تمسح دموعها ولم تكد تتحدث حتى ضربتها ذكرى فاطمة التي خرجت من المنزل تخبرها بكل براءة " هيا تعالي أمي في الداخل، لكن أخي وأبي ما يزالا في المسجد "
في هذه اللحظة، بكت أكثر وأكثر في أحضان أرسلان الذي كان يشعر بالريبة وهو ينظر حوله وكأنه يبحث عمن يساعده في تهدئتها عن البكاء داخل احضانــ
وفجأة حين ضرب الاستيعاب عقله ابتعد بسرعة كبيرة يسحب جسده منها لتشعر سلمى بأنها على وشك السقوط ارضًا لولا تماسكها في الجدار خلفها بسرعة .
اتسعت عيونها بصدمة مما حدث حتى أنها توقف عن البكاء ثواني، بينما أرسلان ابتعد أكثر وأكثر وهو يهمس لها بصوت مصدوم خافت يمسح ثيابه بسرعة وكأنه يزيح لمساتها عنه :
_ أنتِ يا امرأة وقحة .
اتسعت أعين سلمى أكثر وهي ترفع عيونها له وقد كانت ما تزال الدموع ملتصقة بها تهمس بعدم تصديق لما سمعت :
_ ماذا ؟!
وظن هو أن سؤالها كان لأنها لم تسمع ما قاله وليس استنكارًا، لذا أعاده بكل صراحة دون مماطلة أو تحسين حتى لكلماته :
_ أخبرتك أنكِ وقحة .
ابتسمت بعدم تصديق مما يحدث معها في هذه اللحظة :
_ وتعيدها مجددًا ؟!
_ أنتِ من سألني أن أفعل، قلتِ ماذا فظننت أن الصمم أصابك لذا أعدت كلمتي .
اتسعت بسمة سلمى أكثر وأكثر تراقب ذلك الإنسان العجيب:
_ وأنت.... أنت....حقًا لا أجد في عقلي صفة تليق بمثل شخصك .
وما كان من أرسلان سوى أن حرك رأسه موافقًا :
_ سعيد لأعترافك بهذه الحقيقة، لم يُعثر في قواميس اللغة بعد على ما يمكنه أن يصفني ويمنحني قدري .
ومن بين دموعها لم تشعر سلمى بنفسها سوى وهي تضحك ضحكة خافتة، تمسح دموعها بسرعة، وصوت ضحكاتها ما يزال يرن في المكان وارسلان يراقبها مضيقًا عيونه .
بينما هي فقط لا تصدق أي نوعية من الأشخاص هذا الارسلان.
_ شكرًا على لطفك مولاي، أقدر لك لحظات تفهمك حزني حقًا ومحاولتك التخفيف عني، كان هذا لطفًا منك .
ويبدو أنها ظنت صراحته مزاحًا ..
رمش هو دون فهم، قبل أن يردد بشك :
_ هل تسخرين مني ؟!
اتسعت بسمتها له تكتم ضحكة ثانية كادت تفلت من أسر شفتيها، تميل برأسها تنظر ارضًا وهي تمسح دموعها تحاول لملمة شتاتها الذي تبعثر على عتبات منزل فاطمة، وقلبها الذي ما يزال يجلس جواره حتى الآن ينوح على تلك الصغيرة .
_ العفو مولاي، ما كنت لأفعل أنا أتحدث بالصدق .
وفي الحقيقة كان أرسلان في هذه اللحظة يتمنى من أعماقه أن تكون نبرتها في نطق الجملة الأخيرة ساخرة كي يستطيع إيجاد رد مناسب لها، لكن أن تتحدث بهذه النبرة الجادة هذا ما الجم لسانه الحاد والذي لم يستطع أعتى الرجال لجمه يومًا وهكذا تعلن هذه المرأة انتصارًا جديدًا عليه، ليس بقوتها، بل برقتها.
رفع عيونه صوبها يحاول البحث عن رد عليها وقد شعر بعجزه عن الرد على تلك الجملة التي تمتدحه وقد كان هذا مريبًا عليه خاصة من فم امرأة.
كل هذا كان أمام أعين سلمى والتي لا أسهل عليها في هذه الحياة من قراءة أعين الغير، ورغم غموض نظراته وشخصيته في العادة، إلا أن أعين أرسلان كانت في غاية الشفافية في هذه اللحظة ...
كان أشبه بالطفل المشاغب الذي يفتعل المشاكل طوال ويتلقى التقريع من الجميع بكل برود، لا يهتم طالما أنه يدرك أن ما يفعله ليس خاطئًا، ليتفاجئ في مرة بأحدهم يربت على رأسه ويمتدح تصرفاته .
اتسعت بسمة سلمى أكثر وهي تردد بصوت خافت :
_ لماذا تعتقد أن شكري لك سخرية مولاي، أنت لم تفعل معي ما يستحق السخرية .
رفع عيونه لها بتعجب لتكمل هي بجدية :
_ كون أبي ألقى بحملي عليك ورغم ذلك تلقيته برحابة صدر وساعدتني واقتنصت حقي من فم كل من سلبه وساعدتني، هذا شيء اقدره لك، ورغم كل التصرفات اللئيمة واللسان اللاذع، أدرك جيدًا أي نوع من الأشخاص أنت.
ختمت حديثها، ثم هزت رأسها في تحية صامتة، قبل أن تنهض ببطء تنفض ثيابها وقد شعرت بالراحة للحديث معه، رغم أنها لم تبح له حتى بما يؤرقها ويحزنها، لكن الرجل ونظراته آذابا حزنها .
عدلت القلنسوة تبتسم بسمة صغيرة، ثم هتفت بصوت هامس :
_ آسفة لازعاجك هذا المساء، لكنني شعرت بالاختناق الشديد ولم أشعر سوى بنفسي أمام غرفتك، والآن سوف ارحل للنوم .
ختمت حديثها ولم تكد تتحرك حتى استدار لها برأسها وما يزال يجلس القرفصاء أرضًا حيث كانت :
_ لم تخبريني سبب بكائك ومجيئك هنا ؟؟
توقفت سلمى وخبتت نيتها للتحدث، وشعرت بالدموع تتجمع في عيونها مجددًا تهمس بصوت منخفض :
_ إنها فاطمة .
نظر لها أرسلان بفضول ينتظر أن تكمل حديثها، لكن ما كادت تفعل حتى اقتحم المعتصم الممر ظنًا أن الملك وحده به ليتفاجئ من وجود سلمى هناك .
رمش بسرعة وتراجع خطوة صغيرة وهو يردد بصوت منخفض :
_ معذرة ظننت أن الملك وحده .
رفع أرسلان عيونه صوب المعتصم وهو ينهض عن جلسته يستقيم بجسده بالكامل، يهز رأسه للمعتصم، قبل أن يمنح سلمى نظرة صغيرة فهمتها سريعًا لتتوقف عما كادت تخبره به، تصبر حتى يحين الوقت وتعلمهم جميعًا.
أما عن أرسلان ففضل عدم إخبار المعتصم في هذه اللحظة بشيء، قبل أن يدرك هو الوضع ويقدره جيدًا، ثم يعلمه الأمر بهدوء وبشكل بسيط إذ يبدو أن تلك الفتاة تعني الكثير المعتصم .
_ لا بأس تحدث بما جئت لأجله يا المعتصم .
تنحنح المعتصم وهو يرفع عيونه صوب سلمى بلمحة سريعة، ثم وجهها صوب أرسلان يقول بصوت هادئ :
_ لقد وصلت لنا رسالة من مجهول مكتوب على ظاهرها أن الملك وحده من يتسلمها .
ضيقت سلمى عيونها بعدم فهم، بينما التمعت أعين أرسلان بوميض غريب، قبل أن يتحرك صوب المعتصم وهو يردد بجدية :
_ المعذرة منكِ، اتمنى لكِ ليلة سعيدة هانئة .
ختم حديثه يشير المعتصم باللحاق به تاركًا سلمى تقف في مكانها تراقب ظهره وهي تشعر بمشاعر عدة تحتشد في صدرها وهي تراقبه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلك الأعين الحادة التي يحيط بها كحل اسود يظهر من خلف اللثام، كحل يلائم لون عيونها المماثل ويناقض لون بشرتها التي يظهر جزء صغير منها خفية من خلف اللثام .
أبعد زيان عيونه عن المرأة يتجاهل حديثها ونبرنها الحادة التي تزين كلماتها يهتف بصوت محايد هادئ :
_ هل هناك مريض في هذا المنزل ؟؟
_ وما شأنك أنت ؟؟ ارحل من هنا وغادر المكان .
حرك زيان عيونه صوب المرأة وقد اشتعلت صدره بالضيق من وقاحتها ولذاعتها، ورغم ذلك احتفظ بنبرته الهادئة:
_ هذا واجبي أن أمر على جميع المنازل ومعرفة إن كان هناك من يحتاج مساعدتي لـ ....
- وأنا اعفيك من واجبك علينا يا سيد، أذهب وابحث عن غيرنا لتعرض عليه كرمك الطائي .
أنهت جملتها وهي تغلق الباب بعنف في وجهه، لكن قبل أن تفعل قاطعتها يد زيان الذي منعها من فعل ما تنتوي حينما أدرك نيتها وسمع صوت التأوهات والسعال يزداد، فتحت الباب بصدمة من وقاحة الرجل وقبل التحدث بكلمة واحدة دفع زيان الباب بغضب شديد وقد ارتسمت على فمه بسمة غير مفسرة :
_ للأسف الشديد أنتِ مجبرة على تقبل كرمي الطائي، سواء كان بإرادتك أو دونها آنسة، هذه أوامر الملك .
ختم حديثه يتحرك داخل المنزل صوب صوت التأوهات والتوجع وهو يبحث عن صاحب هذه الأصوات حتى اهتدى لغرفة واسعة نظيفة مرتبة يتوسطها فراش يحتله جسد رجولي قوي انهكه الزمان .
اتسعت أعين زيان من الحالة التي أبصر عليها الشاب يتحرك بسرعة كبيرة صوب وهو يحمل حقيبته الطبية يهتف بلهفة :
_ ما هذه الحالة ؟؟ كيف تتركين الشاب بهذه الطريقة وجسده ملئ بالجراح ؟؟ ما كل هذا ؟؟
كان يتحدث بصدمة مما يرى فقد كانت قدم الرجل غير صالحة للأستخدام لكثرة الجروح والكدمات التي تملئها، وصدره العاري والذي كان يحتاج للتقطيب، كل ذلك جعل عيونه تتسع بتفكير عن مقدار القوة التي يمتلكها الرجل كي يحيا حتى هذه اللحظة بكل هذه الجراح .
_ أي نوع من النساء أنتِ، كل هذه الجراح وترفضين السماح لي بمعالجته ؟!
نظرت له بأعين رافضة لكلماته:
_ نحن لا نقبل شفقة من أحد يا هذا وخاصة ملكك الموقر .
اتسعت أعين زيان بصدمة من كلماتها وتهكمها الواضح وهي تذكر أرسلان:
- ما الذي تهذيت به أنتِ، ما الذي فعله الملك لتتحدثي بهذا التهكم عنه ؟؟
رفعت عيونها بسخرية له وقد بدا أن صدرها مشحون بالاكاذيب التي كان البعض من أعوان أنمار يطلقها في الأسواق، وقد وجدت لنفسها واخيرًا شماعة تعلق عليها عجزها، وجدت حجة تخفي خلفها قلة حيلتها، وجدت في الاخبار المندسة بين الشعب عن عدم استحقاقيته أرسلان للملك عزاءً لضعفها .
وزيان فقط مصدوم أن هناك أعين قد يظهر بها كل هذا الكره، ولمن ؟! أرسلان ؟! الرجل الذي رأى الموت بأم عينيه مئات المرات وعاش جحيمًا، وتنازل عن كبريائه المعروف فقط ليوفر لهم حياة هانئة .
التوى ثغره وهو يتجاهلها متحركًا صوب الشاب المريض يعاينه:
- لا اناقش متحجري العقول وخاصة النساء منهم .
ختم حديثه ينكب على الشاب والذي لم يعلم بعد صلة قرابته بالفتاة، يحاول فحصه ومعالجة ما يمكن معالجته، وقد منحه عشبة مخدرة تهدأ من أوجاعه، ثم استقام يردد بجدية :
- هذا لن يفي بالغرض لمدى طويل، علينا نقل المريض لمشفى القلعة ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" حين يستعين القرصان بقبطان سابق، فاحذر على بحارك فلا البحار ستعود بحارك ولا السفن ستظل جوارك"
تشنجت ملامح المعتصم مما سمع للتو، كان ذلك صوت أرسلان الذي قرأ على مسامعه كلمات الرسالة التي وصلت له، بينما أرسلان يناظر الرسالة بأعين شاردة بعض الشيء وكأنه يفكر فيما قرأ.
_ لا أشعر بأنني فهمت بالكامل ما قيل .
ابتسم أرسلان بسمة صغيرة يرفع عيونه صوب المعتصم يتحدث بجدية :
- ما الذي فهمته من الرسالة ؟!
حدق به المعتصم فترة من الزمن تكفي لتجميع أفكاره المتعثرة وبلورتها وتجميعها في نقطة معينة، ثم رفع عيونه صوب أرسلان يهتف بجدية وبصوت شارد بعض الشيء :
_ هناك تعاون غير محمود العواقب سيحدث .
اتسعت بسمة أرسلان له، يهز رأسه بنعم، ثم تنهد بصوت مرتفع يهتف بجدية :
_ غدا اتحرك لسفيد فهناك ما احتاج لمناقشته مع إيفان وسالار ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتلع ريقه وهو يرى نظراتها نحوه وكأنها ترفض حتى أن تنظر له مجرد نظرة عادية كانت تلقيه بها وقد اصبغت المزيد من الكره على نظراتها السابقة له .
_ لا أريد مساعدتك في شيء .
ابتلع نزار ريقه يشعر أن الأمور تتأزم :
- فقط ساعديني لاساعدك رجاءً لا اطالبك بأكثر من مجرد اتباع لتعليماتي .
توقفت توبة عن التحرك واستدارت له وهو يقف على باب المنزل الذي تسكن فيه منذ جاءت لهذا المكان، تبتسم له بسمة باردة وقد بدا له أنها عادت هي نفسها توبة الساخرة والمحتقرة التي كانت في بداية لقائه بها هنا .
_ لو كنت تمتلك المساعدة لساعدت شعبك أولى لك ولهم، أنا لا ارتجي المساعدة ممن يطعن بالظهر سيد نزار .
اتسعت أعين نزار من كلماتها التي أصابته بالتصميم، ابتلع ريقه يحاول النطق بكلمة، لكنها قاطعته وهي تتحرك تمسك سجادة الصلاة الخاصة بها تنفضها كي لا تتلوث مما يحيط بها، ثم تحركت تضعها برقة على الفراش، ومن ثم نطقت دون مقدمات بكلمات أصابت آخر المتبقى من تماسك نزار .
_ أصدقني القول، هل تستطيع النوم ليلًا مع كل الأصوات الصارخة التي تصل لمسامعك ؟! اعني كم من برئ ضاع غدرًا بسببك ؟؟ هل فكرت في عددهم حتى ؟!
شحب وجه نزار وهو يحاول التنفس بشكل طبيعي :
_ أنا لست .... الأمر ليس كما تتخيلين، لم أشارك في الهجوم و.....
_ وهذا لا يعفيك من ذنبهم، ولا يمحو الدماء العالقة بين أناملك سمو الأمير، والله حتى الآن لا أصدق أن المتسبب في نكبة مشكى كان أنت والتابعين لك من أبى، كيف هان عليك ؟؟ كيف فعلتها ؟؟
تنفس نزار بصوت مرتفع ينظر ارضًا بصمت وكأنه يشكو الرمال همومه، يطيل الصمت ويستحسنه، يشرد ويطول الشرود، حتى شعر أنه اكتفى من الصمت ردًا، ورفع عيونه ببساطة يتجاوز حديثها السابق ويتجاوز كل ما قالته منذ ثواني يردد بكل جدية وهدوء :
_ أنا سأغادر من هنا بطريقتي الخاصة، وسواء وافقتي أم لا فصدقيني رأيك لن يغير ما عزمت عليه، سوف تغادرين معي ولن أتركك بهذا المكان بينهم .
صمت يتنفس بصوت شبه مسموع ثم أكمل بنبرة نادمة :
_ ارتضيت بكِ سبيلي للتوبة، لذا لا تأتي الآن وتنبذيني لأحضان المعصية من جديد سمو الأميرة.
تأثرت توبة من كلماته وشعرت برجفة مرت على طول جسدها تبعد عيونها عنه بنفور شديد، تحاول أن تتجاهل كل ما يجذبها لمساندته :
- وكيف سيتم هذا ؟ بتنفيذك لشرط أنمار؟!
صمت نزار طويلًا وكأنه يفكر في كلماته قبل النطق بها، ثم همس بصوت وكأنه خرج من الجحيم :
- إن لم يكن أمامي سوى التحالف مع الشيطان للخروج من هذا الجحر، فسأفعل .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنفست عبق الصباح وهي تتمطأ مغلقة العين تقريبًا بعد ليلة طويلة قضتها في التقلب يمينًا ويسارًا تفكر فيما يحدث وما ستفعل .
سمعت صوت نهنهات في الخلف جعلتها تفتح عين واحدة بصعوبة ترى موزي يسير متبخترًا يمينًا ويسارًا وكأنه سكير ثمل، قبل أن يصعد على إحدى الطاولات في منتصف الغرفة ينتزع بعض الموز ثم جلس يأكله بعيون شبه مغلقة وكأنه يسير نائمًا .
ضحكت سلمى ضحكة صغيرة عليه وهي تفرك عيونها تتحرك صوب المرحاض كي تتجهز ليوم جديد وتؤدي صلاتها، لكن وقبل التحرك خطوة سمعت صوت طرق على الباب ..
رفعت عيونها تتساءل بصوت خافت :
_ من ؟!
_ هذه أنا جلالة الملكة أحضرت لكِ الفطور .
تشنجت ملامح سلمى لكلمة جلالة الملكة التي خرجت من الفتاة ورغم ذلك، تحركت صوب الباب تفتحه ببطء شديد وهي تخفي سائر جسدها خلفه تحدق في الفتاة الصغيرة التي تحمل صينية الطعام أمامها والتي لم تكن سوى فاطمة .
اتسعت بسمتها بقوة وهي تفتح الباب على مصراعيه أمامها ترحب بها في المكان جاذبة إياها للداخل :
_ فاطمة هيا ادخلي .
ابتسمت لها فاطمة بسمة صغيرة وهي تردد :
_ أخبروني أن أحضر لك الطعام هنا .
_ هذا لطف كبير منكِ عزيزتي، لكن لماذا تناديني جلالة الملكة ؟؟
_ هم أخبروني ذلك، أخبروني أنكِ ستكونين زوجة الملك إذن أنتِ الملكة .
وقفت سلمى حائرة مما سمعت، لكنها تجاوز الأمر تردد بجدية :
- حسنًا فقط ناديني سلمى، ألسنا اصدقاء ؟!
هزت لها فاطمة رأسها ببسمة واسعة وهي تردد سعيدة بالحصول على صديقة :
- آه نعم نحن كذلك، لقد أخبرت أمي عنكِ وهي متشوقة للتعرف عليكِ واخبرتني أن احضركِ يومًا لزيارتنا في منزلنا، هو ليس بعيدًا يقع بالقرب من الأسواق .
هزت لها سلمى رأسها وهي تردد بصوت منخفض ومبتسمة بسمة مرتعشة تتذكر ما ابصرته البارحة :
_ أوه نعم، رأيته البارحة .
عقدت فاطمة حاجبيها بتعجب شديد وهي تضع الطعام على اول طاولة قابلتها ليتحرك موزي نحوه وهو ما يزال في غمرة نعاسه يراقبه بعيون مشتهية .
وفاطمة فقط ابتسمت تردد بعدم فهم :
- حقًا فعلتي؟ جئتي لمنزلي بالأمس ؟؟ كيف لم اقابلك إذن وكيف عرفتي عنوان منزلي ؟!
اتسعت عيون سلمى بصدمة من كلماتها، لكن فجأة تذكرت الأعراض التي كان يقصها عليها المعتصم، لذا ابتسمت بسمة صغيرة تردد بصوت منخفض وهي تبعد عيونها عن عيون فاطمة :
_ سألت البعض حين ذهبت للسوق وهم أشاروا لي عليه .
_ لماذا لم تأتي إذن ؟؟ الجميع كان متشوقًا لمقابلة رفيقتي الجديدة .
همست سلمى ببسمة مهتزة :
- الجميع ؟؟
_ نعم ابي وامي وأحمد، لقد أخبرتهم جميعًا عنكِ .
ارتجف صدر سلمى وهي تخفض وجهها ارضًا تردد بصوت ضعيف كاد يفضح غصتها التي استحكمت حلقها:
- أوه سيكون هذا من دواعي سروري بالفعل، أنا فقط كنت مستعجلة وعدت سريعًا هنا و....
صمتت تريد تجاوز هذا الحديث كي لا تضمها باكية وتفسد كل شيء قبل أن يبدأ، رفعت عيونها صوب فاطمة تردد ببسمة :
_ ما رأيك بمشاركتي الطعام ؟؟
نظرت لها فاطمة بخجل وهي تفرك أصابعها ببعضهما البعض تنظر حولها قبل أن تتراجع رافضة تهز رأسها ترفض أن تشاركها الطعام وتتخطى دورها في المكان، لكن سلمى لم تعتمد ردها وهي تجذب يدها تجلسها على الطاولة تبتسم لها بحنان :
- هيا شاركيني الطعام .
رفعت فاطمة عيونها لها بخجل :
- لا اعتقد أن هذا ملائم .
- ملائم ماذا ؟؟ فاطمة شاركيني الطعام ما بكِ ؟؟
نظرت فاطمة للطعام بجوع وقد خرجت صباح اليوم دون تناول شيء خوفًا أن ترهق والدتها وتوقظها مبكرًا لصنع إفطار لها .
ابتسمت فاطمة وهي تراقب ملامحها البريئة تدفع الطعام أمامها تدعوها بحنان لتشاركها الطعام، لتقبل فاطمة بخجل وتبدأ في تناول بعض اللقيمات بتردد، بينما سلمى وكعادتها بدأت صباحها بكوب الحليب الخاص بها مبتسمة للصغيرة...
وفاطمة بدأت تندمج في تناول الطعام وتتناسى خجلها مع سلمى، حتى أصبحت تتعامل معها نفس تعاملها مع والدتها، وفي الحقيقة سلمى لم تقصر في هذا الجانب إذ بدأت تدفع جميع انواع الطعام صوبها واكتفت بكوب الحليب افطارًا تشرد في ملامح فاطمة التي كانت تواريها خلف بعض الغباء الذي يلوث وجهها لتبتسم بحنان مرددة :
_ ما سبب تلك الأتربة في وجهك فاطمة ؟! هل كنتِ تلعبين في الرمال ؟؟
رفعت لها فاطمة وجهها لها وقد كان ملطخًا بالطعام إلى جانب الأتربة، تحاول معرفة ما تقصد قبل أن تقول بلا اهتمام :
_ لا ادري وجهي يكون ملوثًا هكذا طوال الوقت ولا ادري السبب .
رفعت لها سلمى حاجبها قبل أن تبتسم بحنان لها وقد أدركت أنها ربما لوثت نفسها دون أن تتذكر، هزت رأسها بهدوء وهي تراقبها بأعين ضيقة، ثم هتفت فجأة :
_ ما رأيك بأن نعيد ترتيبك فاطمة ؟!
نظرت لها فاطمة بعدم فهم، لتبتسم لها سلمى بسمة واسعة غريبة جعلت الأخيرة تضيق عيونها مفكرة فيما تنتوي عليه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجع شديد نخر معدته وهو يتلقى بها طعنة تلو الأخرى، ورغم كل ما ناله لم ترتخي يده عن السيف وهو يدافع به عن نفسه، يواجه الجميع بوجه مرعب وملامح مخيفة، حتى وهو في أضعف حالاته كان مخيفًا، بدأ القتال يشتد و الوجع يزداد أكثر وأكثر داخل جسده، لكنه لم يكن يهتم طالما قد اطمئن على والدته وشقيقته أنهما بأمان، والخوف كل الخوف ألا ينجو ويطالهم أذى على يد خسيس .
فجأة أبصر وجه قائد جيوشه الذي أمنه على شقيقته وهو يتحرك أمامه يطلق ضحكات صاخبة، ومن ثم اخرج سيفه وسدد له طعنة الغدر مسقطًا إياه ارضًا وقبل انغلاق عيونه ابصرها تقف أمامه باكية تمد يدها له علّها تنتشله، تناضل لتصل له، وهو فقط لا يبصر سوى صورة ضبابية من بين الدماء التي بدأت تسيل فوق وجهه، صورتها وهي تتحرك صوبه باكية تجلس أمامه القرفصاء تمسح الدماء عن وجهه تتحسس وجنته بحنان .
لمسات كالنعيم في لحظات الجحيم، رفرفات فراشات لحظة خروج روحه، ابتسم أرسلان دون شعور وهو يحدق في وجهها بأعين تصارع لحفظ اكبر قدر ممكن من الصور لها داخل عقله، وكأنه يأبى الرحيل دون أن تبصرها عينه .
مد يده وكأنه يدعوها للتمسك بكفه، لكن وقبل الاقتراب منه أبصر جسدًا يخيم بظله عليها يرفع سيفه عاليًا بشكل جعل عيونه تتسع برعب، وبينما كان مرحبًا بالموت منذ ثواني، الآن فقط شعر بالرعب وهو يرى ذلك الجسد يرفع سيفه يوجهه لها، وفي ثواني أسقطه باعنف ضربة على ظهرها لتتناثر دمائها على وجهه وتختلط بدمائه التي أغرقت وجهه .
رنت صرخة أرسلان في المكان بشكل مرعب وهو ينادي باسمها وقد كادت عروق رقبته تنفجر وهو يراقب وجهها الذي شحب والألم الذي انتشر على وجهها في هذه اللحظة :
_ ســــــــــــلــــمى .......
انتفض جسده عن الفراش بقوة وقد كان متعرقًا بشكل مرعب ينظر حوله بأعين زائغة ووجه شاحب وقد اشتدت قبضته على الفراش أسفله يتنفس بصوت مرتفع مسموع في المكان، استدار لليسار وقد كان جسده يرتجف من هول ما رأى، تفل ثلاث مرات مرددًا بنبرة خافتة :
_ اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..
مد يده يمسح وجهه المتعرق وهو ينفض عنه الغطاء يتحرك منتويًا الصلاة قبل التحرك لسفيد، وذلك الحلم الذي اختلط بماضيه ما يزال يعاد أمام عيونه بشكل جعل ملامحه تشتد، يسأل من الله أن يرد الشر عنهم .
وقد شعر بالحيرة ليحلم بمثل هذا الحلم، لماذا هي بالتحديد من أبصرها في هذا الحلم ؟؟
انتهى من صلاته بعد دقائق طويلة، ثم تحرك يرتدي ثيابه والتي اختار أن تكون هذه المرة عبارة عن بنطال أسود وثوب علوي بني اللون، ومن ثم حمل معطفه الاسود المعروف يرتديه يرفع القلنسوة أمام المرآة وقبل أن يتحرك أطال التأمل بملامحه، ومن ثم تعلقت عيونه على المعطف قليلًا يبتسم بسمة جانبية يهتف بصوت خافت لنفسه :
_ ربما حان الوقت لاوصي بحياكة المزيد منك ..
تحرك يحمل سيوفه وأسلحته، ثم خطى بهدوء خارج الغرفة يتحرك في الممرات بقوة والمعطف يتطاير خلفه حتى سقطت القلنسوة عن رأسه مبرزة خصلات شعره الكثيفة التي جمعها للخلف، يخرج من المكان متحركًا صوب البوابة الأمامية حيث ينتظره البعض مع المعتصم ..
وحينما وصل ابتسم بسمة صغيرة :
_ السلام عليكم يا المعتصم .
هز له المعتصم رأسه بهدوء واحترام شديد :
_ عليكم السلام مولاي .
_ هل جهزت كل شيء ؟!
_ نعم لا تقلق، تصحبك السلامة بإذن الله .
هز له أرسلان رأسه، ثم مد يده يرفع القلنسوة على رأسه يهتف بصوت خافت هادئ :
- لن اتأخر، اعتني بالجميع هنا و....
صمت ثواني وكأنه يفكر في إمكانية قول ما يدور بعقله، هل يمكنه التصريح عن قلقه عليها بهذه البساطة ؟؟ ابتلع ريقه يحرك عيونه صوب المعتصم الذي نظر له بفضول، ففتح أرسلان فمه يتحدث بهدوء :
_ اسمع يا المعتصم، أنت تعلم ما يحدث هذه الأيام في الجوار، لذا فقط اهتم بــ
فجأة توقفت الكلمات على طرف شفتيه حين أبصر من كان على وشك ذكرها منذ ثواني تتهادى أمامه بهدوء شديد، ترتدي فستان بلون السماء مع حذاء ابيض اللون، بينما معطفة الاسود كالعادة مستكين على رأسها بهدوء تتحرك في الطرقات مبتسمة بسمة واسعة بينما قردها يستريح على كتفها بكل هدوء كعادته .
تنفس أرسلان بصوت مرتفع وهو يبعد عيونه عنها يستغفر الله بصوت وصل واضحًا للمعتصم الذي حرك عيونه بعدم فهم خلفه حيث كان ينظر أرسلان، لكن يد أرسلان أمسكت كتفه بسرعة يهتف :
_ فقط انتبه لها ولا تدعها تغيب عن نظراتك يا المعتصم فأنت تدرك نية هؤلاء الذكور بشأنها .
ورغم أنه كان يتحدث عنها بنبرة الغائب إلا أن المعتصم أدرك أنه يتحدث عن سلمى، فمن تلك التي قد يهتم الملك بشأنها في هذا القصر بعد رحيل شقيقته عدا ابنة رائف التي كان يصرخ منذ أسابيع حين علم بشأنها .
هز رأسه بهدوء يطمئنه :
_ لا تقلق مولاي سوف اهتم بكل شيء حتى تعود لنا سالمًا، فقط عد بسلام .
هز له أرسلان رأسه وهو ما يزال يتجنب النظر لنفس النقطة التي تقف بها مع فاطمة، وكأنه إن نظر لها ستحترق عيونه برؤيتها، يرفض أن يحشر نفسه في تلك النقطة، المرأة سبق ورفضت وصاله وعرضه بالزواج وهو لن يعود ويتذلل لها مجددًا بالوصالء إلا حينما يتأكد من موافقتها.
رفع عيونه لها في لمحة خاطفة قبل التحرك ليبصرها تقطف بعض الزهور مبتسمة دون اهتمام لما يحيط بها، وهذا اغضبه وبشدة، هتف دون مناقشة طويلة مع المعتصم :
_ اخبرهما أن يتحركا للحديقة الجانبية بعيدًا عن أعين الرجال وامنع الحراس من دخول تلك الحديقة .
ختم حديثه يصعد على ظهر حصانه، ثم تحرك به بسرعة يقود من معه من الجنود صوب سفيد وقد بدا جسده متحفزًا لقتال، لذا ابتهل أن يلتقي في طريقه بأي من هؤلاء القذرين علهم يساعدونه في التنفيس عن غضبه بشكل أقل ضررًا لمن حوله .
ارتفع صوته وهو يهتف في الجميع :
_ لنتحرك يا رجال ...
وعلى صوت هتافه انتبهت سلمى التي رفعت رأسها سريعًا صوبه تحدق فيه يخرج من القصر بسرعة كبيرة والجميع يلحق به، تساءلت بصمت عن مكان رحيله في هذا الصباح الباكر .
فجأة أفاقت من شرودها على صوت فاطمة جوارها وهي تهتف بنبرة مبتهجة سعيدة :
_ أيها المعتصم...
حركت عيونها ببطء لتبصر المعتصم يقترب منهم بهدوء شديد وبملامح شبه جامدة وحين توقف أمامهم رفع عيونه لهما يردد بصوت خافت :
_ السلام عليكم و....
وقبل إكمال تحيته حتى توقفت الكلمات على طرف لسانه حين أبصر فاطمة في أول نظرة لها منذ وصلت للمكان، فتح عيونه باتساع مصدومًا مما يرى، كانت الصغيرة ترتدي فستانًا من اللون الأصفر الرقيق به زهور بيضاء صغيرة، نفس نوع الفساتين الذي ترتديه ابنة رائف عادة، مع حجاب ابيض اللون وبوجه مشرق على عكس عادتها .
هتف مشدوهًا بصدمة :
_ فاطمة ؟؟
ابتسمت له فاطمة وهي تشير لفستانها بخجل شديد :
- سلمى منحتني إياه هدية، هل هو جميل ؟!
تنفس المعتصم بصعوبة ينتزع عيونه عنها بعد صراع قصير مع عقله، يحركها بعيدًا وهو يتنحنح يخرج كلمات بنبرة شبه جامدة :
- يفضل أن تذهبا للحديقة الجانبية حيث لا رجال ولا حراس .
عقدت سلمى حاجبيها بتفكير قبل أن تضيق عيونها تقول ببسمة جانبية :
- هذه كلماتك أنت يا المعتصم ؟!
ضم المعتصم يديه خلف ظهره :
- لا يهم كلمات من هي آنسة، المهم أنها صحيحة، وجودكما في الخارج هكذا بهذه الثياب الـ
صمت ثواني ينتقي لفظه، ثم حرك عيونه صوب فاطمة التي كانت تحدق فيه بعدم فهم :
- الملفتة .
ابتسمت له سلمى تردد كلمته وهي تضم يدها لصدرها :
_ ملفتة إذن ؟؟ هذه كلمات الملك صحيح ؟؟
أجابها المعتصم بنفس الجمود الذي يدعيه بصعوبة تحت نظرات فاطمة التي تنتظر منه أن ينظر لها ويبتسم ويطمئن عليها، لكنه لم يفعل بل فقط أجاب سلمى بكل هدوء :
_ لا اعتقد أن هذا سيفرق طالما كانت صحيحة .
اقتربت سلمى خطوة صغيرة من المعتصم وما تزال تحتفظ بالمسابقة الأمنة بينهما تهتف بصوت واثق هادئ :
_ الصحيح والخطأ مقاييس غير ثابتة يا المعتصم فالصحيح لك قد يكون خطأ لغيرك، والخطا لملكك قد يكون صحيحًا لي، ورغم ذلك سنتحرك للحديقة، ليس لأن ملكك أمر بذلك، بل لأنني أبتغي ذلك وكنت على وشك فعله على أية حال .
ختمت حديثها ثم نظر لفاطمة التي انكمشت ملامحها بحزن :
_ هيا عزيزتي فاطمة لنتحرك .
ختمت حديثها تسبقها دون كلمة مانحة لها الفرصة لقول ما تريد قوله منذ مجئ المعتصم دون أن تتسبب لها في إحراج، تخطو بخطوات واثقة صوب الحديقة دون اهتمام لشيء، نفس الخطوات التي كانت تخطوها في ممرات السجون لتعالج المساجين سابقًا .
بينما المعتصم يتابعها بعيونه يتساءل في عقله، أي نوع من النساء رُزق الملك، بالله لم تفكر ثانية واحدة قبل أن تخرج له برد هادئ بسيط، تمامًا كأرسلان لكن نسخة أشد لطفًا وأقل لذاعة .
_ هل تتجنبني يا المعتصم ؟!
انتبه المعتصم من أفكاره على صوت فاطمة، استدار لها ببطء يبعد عيونه ارضًا بهدوء :
- لا أفعل فاطمة، أنا فقط اضع حدودًا بيننا كما اتفقنا سابقًا، ألم نفعل ؟؟
نظرت لها ثواني قبل أن تبتسم وتتذكر ما قاله لها سابقًا، ثم هزت رأسها بنعم تقول :
_ اه نعم صحيح، أنا بالفعل التزم بأتفاقنا لا تقلق .
وكم ود أن يسألها في هذه اللحظة حول حدود معرفتها بما يسمى حدود، كارثة أن تكون هذه هي نفسها الحدود التي تفرضها بينها وبين الجميع .
اتسعت عيونه عند تلك الفكرة يقترب منها بحذر مرددًا :
_ فاطمة هل الحدود التي تضعينها بيني وبينك الآن هي نفسها ما تضعينها مع الجميع ؟؟
نظرت له ثواني تحاول تحليل سؤاله الذي لم يكن مفهومًا بالكامل لها، لكنها ابتسمت فجأة حين قالت بكل بساطة :
_ أنا لا اعلم من تقصد بالجميع، أنا لا اعلم سواك وعائلتي وسلمى والسيدة ألطاف.
ختمت حديثها بكل هدوء ليتنفس الصعداء، ثم مسح وجهه ورفع عيونها لها ببطء يهمس بعد تردد قصير :
_ فاطمة أين غطاء وجهكِ، لم تنتزعيه سابقًا ؟؟
نظرت له ثواني بعدم فهم، قبل أن تتسع عيونها شيئًا فشيء، ومن ثم رفعت كفها بسرعة كبيرة صوب وجهها تتحسسه بسرعة شاهقة بصوت مرتفع وكأنها للتو أدركت أنها خرجت دون غطاء الوجه :
- غطاء الوجه ؟! أين هو لقد ...لقد كنت ارتديه صباحًا ؟؟ أين ذهب ؟! هل سرقه أحدهم ؟؟
نظر لها بعدم فهم :
_ سرقه من على وجهك دون أن تشعري ؟!
- لا اعلم، أنا لا أتذكر أن أحدهم أخذه مني و....
فجأة صمتت وكأنها تذكرت شيئًا ما تبتسم بسرعة متنفسة الصعداء :
_ اه نعم تذكرت، لقد تركته في غرفة سلمى، سوف اعود لاخذه .
هز رأسه بيأس وقد رأى أنه لا يستطيع أن يطيل الوقوف بهذا الشكل أمامها وإلا فقد المتبقى من عقله الذي يحتفظ به .
_ حسنًا فقط ...فقط اذهبي حيث الآنسة سلمى واجلسي معها ولا تتحركي في المكان وحدك .
_ حسنًا حسنًا لا تخف عليّ يا المعتصم أنا لست صغيرة .
نظر لها ثواني دون رد من طرفه وقد كانت الكلمات تتصارع الخروج من فمه، لكنه لجمها يمنحها بسمة صغيرة :
- لا اعتقد ذلك فاطمة.
هزت رأسها وهي تردد ببسمة واسعة :
- إذن سأذهب أنا كي لا أتأخر على صديقتي وأنت عد لعملك لا أريد أن اشغلك عنه، وداعًا يا المعتصم .
ختمت حديثها ثم ركضت صوب الحديقة بسرعة تاركة إياه يقف مكانه يراقب أثرها بأنفاس مسلوبة، هذا التغيير الذي أحدثته بها سلمى وبهيئتها...يكرهه وبشدة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى واخيرًا من فحص الشاب، ثم ابتعد عنه يدون بعض التعليمات التي تخص صحته، ومن ثم ابتسم بسمة صغيرة، يرفع عيونه صوبه يردد :
- لا بأس يا بطل غدًا تصبح بخير بمشيئة الرحمن .
ابتسم له الشاب بسمة صغيرة باهتة تتوسط وجهه الشاحب :
_ أنا اشكرك، البارحة كانت الليلة الأولى التي أتمكن فيها من النوم دون وجع .
امتقع وجه الفتاة التي جاءت معه وهي تشيح بوجهها جانبًا حين استدار لها زيان يؤمقها بنظرة ذات معنى، جعلتها تتنفس بصوت مرتفع مغتاظة مما يحدث ونظرة الانتصار التي غطت عيونه، بالطبع سيشعر بالانتصار بعدما نفذ حديثه وأحضر توأمها العزيز للمشفى دون إرادتها، ليس لأنها لا تتمنى شفائه، ولكنها لا تثق بالغرباء .
فجأة اقتحم المكان رجل في منتصف العمر يهتف بصوت مرتفع وخوف :
_ عثمان، هل أنت بخير ؟؟
رفعت الفتاة عيونها صوب ذلك الرجل لتتغضن ملامحها بضيق اكبر جعل زيان يعقد حاجبيه بعدم فهم :
_ هل أنت قريب للمريض ؟؟
نظر له الرجل بتشنج وضيق، ثم تقدم من فراش المريض يردد بجدية وهو يتجاهل الجميع في الغرفة عدا ولده يردد بحنان :
- هل أنت بخير يا بني .
هز عثمان رأسه بارهاق شديد :
- بخير أبي لا تقلق .
زفرت الفتاة بصوت مرتفع، لكن الرجل لم يلتفت لها أو يهتم حتى بها، ليس وكأنها ابنته التي لم يبصرها منذ شهر بسبب سفره للتجارة في سبز وعودته اليوم ليعلم من جيرانه ما حدث .
- بخير ؟؟ أي خير هذا وأنت تبدو كالجسد بلا روح ؟؟ لماذا أهملت ذاتك بهذا الشكل يا بني، هذا خطأي ما كان عليّ السفر وتركك مع تلك الـ...
صمت فجأة ينظر لابنته بضيق لتبادله هي النظرة بأخرى حادة أكثر وكأنها توجه له سهامًا وليس نظرات، ليدرك زيان أن ما طاله منها كان أكثر نظراتها رقة .
امسك عثمان يد والده يمنعه من توجيه كلمة قد تجرح شقيقته رافضًا أن تنال من لسان والدها لذوعة اليوم كذلك :
_ أبي أنا بخير، دلارا كانت تعتني بي جيدًا لا تقلق .
تجاهل الرجل احاديث ولده وهو يربت على خصلاته بحنان :
_ أنا سأبقى معك هنا لحين شفائك، وهي لتعد إلى المنزل لا حاجة لها هنا بعد الآن.
رفعت دلارا حاجبها وقد ارتسمت بسمة ساخرة على فمها، تتنهد بصوت مرتفع وهي تمسح وجهها، ثم تحركت بكل بساطة صوب المقعد المجاور للفراش تجذبه بعيدًا عنه، ثم نفضته بكل هدوء ومن ثم جلست عليه بهدوء شديد، تضم يديها أمام صدرها تنظر صوب عثمان بهدوء دون أن تجهد نفسها وتدير نظراتها صوب والدها حتى لو لمحة خاطفة :
_ إن احتجت تناول طعام أخبرني عثمان فأذهب لاحضر لك كل ما تحب .
اشتعلت أعين والدها وهو يرمقها بمقت وكره شديد وكأنها عدو لدود له وليس ابنته من لحمه ودمه .
كل ذلك كان يحدث أمام زيان الذي لم يفهم ما يحدث، يمسح وجهه وهو يردد بصوت متعب :
_ حسنًا لقد اطمئننت على المريض، سوف أذهب لتفقد باقي المرضى وإن احتجتم مني شيئًا فقط اعلموني .
ختم حديثه يلقي نظرة أخيرة صوب كحيلة الأعين ذات الرداء الاسود، ومن ثم هز رأسه هزة صغيرة مودعة ورحل ببساطة دون كلمة.
رحل تاركًا حرب مشتعلة في المكان ولم يكن ليطفأها سوى سيلان دماء أحدهما ....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يجلس في غرفة بعيدة عن الجحرة في منطقة تقع على أطراف الغابة التي تحد سبز، حوله بعض الأشخاص الذين يحيطون به بغرض المساعدة ظاهريًا، والمراقبة باطنيًا، لكن هل يهتم ؟؟ لا لم يفعل، فقط كان يود الانتهاء مما يفعل حتى يخرج من هذا المستنقع و....
توقف صخب أفكاره فجأة حين وصل لهذه النقطة، و ماذا ؟؟ ماذا سيفعل حين يخرج من المكان ؟! ما الذي يمتلكه في الخارج ليهرب له ؟!
لا وطن، لا عائلة، لا زوجة، لا حياة ....
ما الذي يعافر لأجله الآن ؟؟
ارتفعت أصوات تنهيداته ولم يكد اليأس يتمكن منه حتى استدعى عقله صورتها لتكون طوق نجاته من الغرق في بحيرة الحيرة والاستسلام، صورتها وهي تبكي وتأخذ منه عهدًا أن يساعدها في الخروج، ولأجلها تنفس بصوت مرتفع وقد عاد التصميم يعلو عيونه لينتهي منهم ويهرب بها من ذلك المكان .
_ هل ينقصك شيئًا ؟؟
ابتسم له نزار يرفع عيونه صوبه مرددًا بصوت حانق مغتاظ :
_ ينقصني أن تختفوا من أمام وجهي وتتركوني وشأني .
هز الوليد رأسه وهو يبتعد عنه بضيق من تعامله معهم كما لو أنهم يعملون لديه، وفي الحقيقة كان نزار لا يطيق قرب أحدهم شاعرًا بالاختناق لأجل تنفس نفس الهواء الذي يتنفسونه .
تنفس بصوت مرتفع وهو يعيد أنظاره صوب الاعشاب أمامه وقد بدأت يده تشتد بضيق شديد من فكرة أنه للمرة الثانية سيشارك في ابادات للشعوب التي ينحدر منها .
_ لعنة الله عليكم أجمعين، ليعطني الله الصبر والصحة لاضع ذلك السم في أفواهكم .
سمع صوت الوليد يتساءل بعدم فهم :
_ هل تقول شيئًا نزار ؟!
_ اقول لعنة الله عليكم أجمعين يا الوليد .
اتسعت عيون الوليد بصدمة، بينما نزار اكمل عمله دون أن ينظر له أو يفكر في شيء، فقط اكمل بكل هدوء وبساطة يمني نفسه بالرحيل من ذلك المكان ليطمئن عليها ويستأنس بهواء نقي جوارها بعيدًا عن فتن المعاصي التي تحيط به في الخارج .
عجبًا يختبأ من الفتن، في مسكن كبيرهم ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي المسكن حيث أكبر الفتن، أنتهت من قراءة بعض الآيات التي تحفظها في رأسها، ثم حركت انظارها صوب النافذة تأخذ شهيقًا لصدرها، وقبل خروج زفيرها، سمعت صوت الباب يُفتح والمرأة صاحبة المكان بأكمله تقف على بابها تبتسم بسمة مريعة بوجه غريب تستند بكسل على الباب وهي تشير صوبها :
_ هيا يا فتيات جهزوا ضيفة الليلة .
نظرت لها توبة بعدم فهم وهي ترى العديد من الفتيات يتحركون داخل الغرفة محملين بثياب لامعة وزينة كثيرة يشكلون حلقة حولها ..
رفعت عيونها لهم وهي تشير ببرود لما يحدث حولها :
_ ما الذي تفعلونه هنا ؟؟
ابتسمت لها المرأة بتشفي وقد شعرت أنها تقتص لكل ما نالها على يد نزار بسببها لتلك العفيفة التي يخشى مقارنتها بهم .
_ نجهز عروس المحفل للرجال في الخارج، هم ينتظرون على أحر من الجمر .
حركت توبة عيونها في المكان على الثياب الحمراء التي كانت تلتمع بشكل مقزز ومعها العديد من المصوغات الذهبية اللامعة كذلك، كانت عيونها تتحرك على الأشياء بعدم فهم قبل أن ترفعها ببطء صوب المرأة التي تتحدث وهي تقول بتشنج :
_ ماذا ؟؟
_ ماذا ألم تسمعي ما قلت ؟! هيا تجهزي فقد ملّلنا من جلستك دون فائدة هكذا، تتناولين الطعام وتنامين ونحن نقوم بخدمتك، وأخيرًا منحنا السيد اذنًا بفعل ما نريده بكِ .
ختمت حديثها تشير للنساء بالتحرك صوبها :
- هيا افعلوا ما أخبرتكم به .
نهضت توبة بسرعة من مكانها مناقضة بحدة صارخة وهي تشير لهم بتحذير أن يقتربوا منها، لكن وقبل أن تتخذ أي حركة للدفاع عن نفسها شعرت ببعض النساء ينقضون عليها بسرعة مقيدين ذراعيها للخلف وأخرى تقدمت منها تمسك عشبة غريبة الشكل تدسها في فمها بالقوة تجبرها على ابتلاعها وصوت المرأة في الخلف يصدح في المكان :
_ لا تخافي فقط دقائق وتستمتعين بكل ما يحدث حولك، أعدك بذلك ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لا اعتقد أن هذا الحل مناسب أرسلان.
اعترض أرسلان على كلمات إيفان بضيق وهو ينهض عن مقعده يدور في المكان محركًا يده في الهواء باستنكار :
_ لماذا ؟؟ ما به الحل الذي اقترحته أنا ؟!
_ هذا ليس حلًا حتى، الهجوم عليه وقتله في غرفته ؟! جديًا ؟!
هز أرسلان كتفه ببساطة وكأنه يخبره أنه جاد فيما قال، لكنه أضاف سريعًا يحسن من تلك الفكرة التي وصلت لهم :
_ حسنًا أنا لم أقل ذلك إيفان..
ابتسم له إيفان بسخرية لاذعة وهو يستند بكفيه على الطاولة أمامه، يحرك له حاجبيه وكأنه يتساءل عن صدق حديثه، لتتسع بسمة أرسلان يحرك كتفه بهدوء :
_ حسنًا قتله جزء من الخطة، لكنه ليس أساس الخطة كما أوضحت .
ابتسم له سالار وهو يحرك أصابعه على الطاولة أمامه بشرود، ثم رفع عيونه صوب أرسلان يردد بهدوء :
_ ألا يصيبك الفضول لمعرفة إلاما سيصل القرصان مع القبطان السابق ؟!
_ لا يهمني قبطان أو قرصان في النهاية غرضي وهدفي واحد.....تحطيم السفينة أعلى رؤوس المبحرين عليها .
صمت ثواني ثم هتف وهو يشرح لهم ما يدور بعقله :
_ الرسالة لا توحي بالخير أبدًا، هناك ما يدبر له أنمار والذي لن يكون خيرًا البتة، ويبدو أن هناك من يساعده على ذلك، والتأخر في إتخاذ خطوة جدية قد يقودنا لندمٍ نحن في غنى عنه، يكفي ما سبق وحدث .
نبرته التي خرجت في نهاية جملته، خرجت محملة بعبق ماضي قريب مؤلم ما يزال يترك أثره على جدران صدر أرسلان، ذلك الماضي الذي لم يكن مستعدًا لتكراره بأي شكل من الأشكال .
_ نحن لن ننتظر حتى تنعكس نظرات شعب مشكى بأعين باقي الممالك سالار، ترقبنا القادم ما هو إلا فرص نمنحها لهم كي يحسنوا التدبير .
تبع حديثه صمت ثقيل على الأنفس حوله قبل أن يقطعه همسات أرسلان التي استرسلت في الأجواء كالاسواط تجلد العقول مستدعية ذكريات سيئة لهم :
_ سبز في طريقها لتسلك مسلك مشكى وشعبها وهذا ما لا أتمنى أن نصل له .
ارتفعت أصوات التنهيدات والزفرات في المكان وقد مست كلمات أرسلان المذبوحة اوتار الجميع واشعلت احطاب غضبهم ليهتف سالار وهو ينهض من مكانه يشمر اكمامه يدور حول الطاولة ثواني قبل أن يحمل خنجرًا يغرزه بقوة في منطقة ما على الخارطة يهتف بصوت غامض وبسمة سوداء :
_ غدًا في " سبز "، مستنقع الوحل المحبب لقلوبهم .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في المساء وبعد ساعات طويلة:
_ زيان فقط توقف عن استفزازي قبل أن اتجاهل فرق العمر بيننا وأجعلك تحزن على المتبقي من شبابك .
رفع زيان حاجبه يصاحب تعجبه بهمسة مستنكرة :
_ أنت حقًا شخص ذو صبر قليل .
_ صبر قليل ؟؟ والله لو كان صبري قليل ما كنت وجدتني بعقلي بعد كل ما نالني داخل هذا القصر و...
توقف عن الحديث وعلقت نصف كلماته في الهواء حين أبصر شيء يتحرك في الظلام، ضيق حاجبيه بعدم فهم وهو يحرك عيونه مع الظل الذي كان يتحرك بهدوء شديد وكأنه يمتلك كامل الوقت .
بينما زيان تعجب صمته المفاجئ واستدار نصف استدارة يتبين ما ينظر إليه، لكن كل ما ابصره هو فراغ فقط، عاد بنظراته صوب وجه المعتصم الذي كان غير مفسرًا .
_ معتصم ...ما الذي تنظر إليه أنت ؟؟ معتصم ؟؟
انتفض المعتصم بسبب هزة يد زيان، يحرك عيونه له ببطء مريب وكأنه على وشك الانقضاض عليه واستخراج سائر اعضائه من جسده .
وزيان يراقبه بعدم فهم يرفع حاجبه يتناول بعض المسليات التي أخذها من المطبخ في طريقه للمكان، يتساءل بعدم فهم وهو ينظر حوله :
_ ماذا ؟! هل هناك شيء خلفي ؟!
كانت جملة أخيرة نطقها زيان قبل أن يشعر بجسده يسقط عن المقعد بعنف مرتطمًا بالارضية الصلبة أسفله يطلق تأوهات مرتفعة، وجسد المعتصم فوقه يحركه بغضب شديد وضيق :
_ كم مرة عليّ القول أن اسمي هو المعتصم بالله، أو المعتصم ؟!
ارتفعت تأوهات زيان بقوة وهو يحاول دفع جسد المعتصم عنه يطلق سبة منخفضة ولأول مرة تخرج منه، وها هي لعنة مشكى تصيب حتى أكثر الرجال هدوئًا ..
_ أبتعد عني ستحطم عظام ظهري لأنني انتزعت منك التعريف ؟! ماذا لو انتزعت مقلتيكِ أيها الحقير ؟!
ابتسم له المعتصم بشر وقبل أن يمنحه ردًا منه سمع الاثنان صوتًا في الخلق يهتف بشك وعدم فهم :
_ ما الذي يحدث هنا ؟!
رفع الاثنان عيونهما بسرعة صوب الصوت، ليتضح أن صاحبه كان أرسلان الذي عاد لتوه من سفيد بعد ساعات قضاها هناك منذ الصباح وحتى هذه الساعة المتأخرة من الليل .
رفع حاجبه وكأنه ينتظر ردًا منهما، بينما المعتصم صوب زيان الذي كان ما يزال يحدق في أرسلان قبل أن ترتسم بسمة واسعة على فم زيان وهو يردد بصوت خافت :
_ أوه جلالة الملك، لقد عدت مبكرًا ظننت أنك لن تعود قبل أيام على الأقل، هذا صادم حقًا.
_ تتحدث وكأنني أمسكت بزوجتي تخونني مع صديقي العزيز زيان، ما الذي تفعلانه ارضًا بهذا الشكل المريب على مرأى ومسمع من الجميع ؟!
انتفض جسد المعتصم بقوة صارخًا :
_ ماذا !! لا أنا كنت سأضربه اقسم لك .
نفخ زيان بسخرية لاذعة وهو ينفض ثيابه بقوة، ثم عدل من وضعية خصلات شعره، يستقيم في وقفته بهدوء شديد ينفخ صدره بقوة يضع نفسه في مكانته التي من المفترض أن يكون، يحاول صبغ لهجته بنبرة جادة:
_ كنا فقط نتحدث حديث ودي منذ ثواني، حمدًا لله على سلامتك .
نظر له المعتصم بسخرية وضيق ولم يكد يعلق على كلماته، حتى قاطعهم أرسلان يتنهد بصوت مرتفع :
_ حسنًا أنا فقط أشعر بالتعب الشديد ربما غدًا نتناقش في ذلك الأمر وما كنتما تفعلان منذ قليل .
صاح المعتصم بسرعة مدافعًا عن نفسه :
- ماذا كنا نفعل ؟؟ كنت اضربه .
هز له أرسلان رأسها يتثائب بارهاق شديد، ثم تحرك بعيدًا عنهما تاركًا إياهما يقفان في منتصف المنطقة التي تتوسط ساحة القصر، يشير لها بيده :
_ حسنًا أراكما غدًا، أكملا ما كنتما تفعلان .
ارتفع صياح المعتصم بقوة وهو يصرخ في أثر أرسلان:
_ والله كنت سأضربه ....
_ مالك تتفاخر بالأمر معتصم ؟! ليس لأنني طبيب في القصر تعتقد أنني لقمة سائغة سهلة المضغ، لا يا عزيزي بل أنا اسوء من مضغ الصخور الصلبة، جرب أن تقترب مني وسأريك ماذا يعني أن تتهجم على طبيب يدرك كيف ينهي حياتك في ثواني .
ختم حديثه وهو يشير له بعيونه يتحرك بعيدًا عنه بظهره وعيونه ما تزال معلقة بوجه المعتصم المتشنج يشير بأصبعيه صوب عيونه، ومن ثم يشير بها صوب المعتصم في إشارة واضحة أنه يراقبه .
وفجأة شعر زيان بظهره يصطدم بقوة في إحدى الأشجار ليعلو تأوهه وهو يستدير بسرعة يركلها بغضب، ثم أخذ يفرك ظهره يتحرك للداخل وهو يتمتم بكلمات غاضبة ساخطة .
بينما المعتصم ابتسم بسخرية لاذعة قبل أن تعلو ضحكاته أكثر وأكثر، لكنه كبتها بسرعة حينما أبصر نفس الظب يتحرك مجددًا في الظلام، ضيق ما بين حاجبيه بشك وهو يقترب من المنطقة التي يتحرك بها الظل ليبصر جسد رشيق يرتدي معطف متطاير خلفه يتحرك بهدوء في المكان، ولم يكد يقترب أكثر حتى أبصر جسد آخر يقترب من الجسد الأول يضمه له ضمة قوية، ثم جذبه معه بعيدًا تحت أعين المعتصم الذي لم يفهم شيئًا .
رمش وهو ينظر حوله وكأنه يحاول فهم ما يجري، تحرك في الإتجاه الذي تحرك به الإثنين، وقد قاده الفضول والشك مما يحدث، وقبل الاقتراب خطوة من الجهة التي ابصرهما يتحركان لها سمع صوت أحد الجنود يصيح بصوت قوي :
_ من هنا ؟؟ اظهر نفسك .
وبسبب تلك الكلمات انتقض الجسدان والذين كانا متقاربين بشكل مريب وركضا بعيدًا تحت أعين المعتصم المصدومة ...
_ ما الذي يحدث هنا ؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أحد ممرات القصر ...
كانت تسير شاحبة في المكان وهي تحاول الانتهاء من عملها سريعًا وقد بدأت طاقتها القليلة تفنى من جسدها، سمعت صوتًا بعيدًا يناديها كي تحضر لتتولى بعض الأعمال، لكن وقبل أن تتحرك خطوة سمعت صوت خلفها يتحدث بقلق :
_ فاطمة عزيزتي أنتِ بخير ؟! ما رأيك في العودة للمنزل ؟؟ لقد انتهينا من العمل بالفعل .
رفعت فاطمة عيونها صوب السيدة ألطاف تبتسم لها بشكر :
_ لا بأس خالة ألطاف أنا بخير، فقط أشعر ببعض التوعك، ربما بسبب برودة الطقس .
ختمت حديثها تتحرك بهدوء في المكان تنهي عملها، كي تعود للمنزل، لكن أثناء ذلك سمعت صوتًا يهتف بصوت ملهوف جوارها:
_ فاطمة ما بكِ ؟!
ارتفعت أعين فاطمة ببطء صوب الصوت وكأنها تبحث بين ضباث أفكارها عن صاحب الصوت، تضيق عيونها وهي تركزها على صورة من يقف أمامها، لكنها لثواني فقط شعرت بالجهل وهي تهمس بصوت منخفض:
_ من ؟؟
اتسعت أعين المعتصم بقوة وشعر بقلب يتوقف لثواني، هي كانت تنسى كل شيء، لكن لم يسبق وأن نسته، أم هل فعلت ؟!
ولم يكن قلبه فقط من توقف، بل العالم بأكمله حوله توقف، حتى أنفاسه تحالفت مع كل شيء ورفعت رايات المؤازرة تتوقف عن الخروج من رئته.
وبعد ثواني أخذها عقله يحاول تحليل تلك الكلمة الصغيرة المريبة التي خرجت من فمها، همس هو ببسمة غير مصدقة :
_ مــ ...ماذا ؟! من ماذا فاطمة؟؟ هل ....هل تمزحين معي ؟؟ ألا تتذكرين من أنا ؟!
اطالت فاطمة النظر بوجهه طويلًا قبل أن تفتح فمها بصعوبة تحاول الحديث، لكن ذلك الوجع المتزايد داخل حنجرتها جعلها تشعر أن خروج كلمة بمثابة خروج روح .
نظرت له بعجز ووجع شديد واعين شبه مغلقة، وهو فقط ينتظر منها كلمة تريح قلبه، كلمة أو حتى إشارة منها تخبره أنها ما تزال تتذكره، ليس بهذه السهولة، لا يمكنها أن تنساه في غمرة نيسان عابرة.
أوليس هو المعتصم الذي تتغنى كلما أبصرته أنه ليس كالجميع ؟؟
_ فاطمة ؟! أنتِ حقًا لا تتذكرين من أنا ؟! هذا أنا...الـ...المعتصم.....الرجل الصالح ذو المروءة ؟!
كان يتحدث مبتسمًا بسمة شبه يائسة وكأنه يحاول استحضار كل حجة أو برهان قد يساهم في توضيح صورته داخل عقلها مرة أخرى، وهي فقط شعرت بجسدها يتحرك حركة غيرة مستقرة والعالم يدور حولها ليكون آخر ما وصل لمسامعها قبل اصطدامها العنيف بالأرض هو صرخة باسمها من المعتصم ............
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يتحرك بالممرات وهو يتنفس بصوت مسموع في المكان يشعر بالاختناق مما يحدث حوله يتساءل من تُكتب له الراحة ؟!
وفي الحقيقة كان فقط يشعر كما لو أن الراحة ستزور قلبه داخل القبر فقط، فهو ومنذ كبر وأدرك الحياة حوله، وقد كُتب عليه الشقاء بكافة أشكاله، حتى في طفولته لم يحظى بطفولة سعيدة هادئة طبيعية، لكن أمله الوحيد أن ينال بعد كل هذا راحة في الآخرة.
تنفس يبتسم وهو يستودع الله نفسه وقلبه وبلاده وشعبه، يدخل غرفته وهو يلقي معطفه على الفراش، ثم اتبعه يثيايه بالكامل وهو يلقيها على الفراش ومن ثم تحرك المرحاض يستحم براحة واخيرًا يتجهز لرحلة الغد مع الجميع..
بعد دقائق خرج من المرحاض يتحرك في المكان يرتدي ثياب النوم الخاصة به والتي كانت تتكون من بنطال قماشي مريح وثوب علوي قطني ذو أكمام قصيرة .
نظر لنفسه في المرآة يراقب ملامحه عن قرب قبل أن يبتسم بسمة صغيرة وهو يتحرك صوب الفراش الخاص به يجذب الغطاء فوق جسده يتسطح عليه براحة، وقد بدأ يغرق في نوم شبه عميق بعد يوم شاق وطويل .
ارتفعت صوت تنهيدة له وهو يغوص بين أغطية الفراش الناعمة يسقط في النوم شيئًا فشيء، قبل أن يُسحب بالكامل لغيمة الأحلام..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما عنها ففي غرفتها الخاصة كانت تقف في منتصفها وهي ترتدي ثيابه قصيرة لا تكاد تغطي معدتها مع بنطال يتعدي ركبتها بسنتيمترات معدودة وهي تقوم ببعض التدريبات البدنية التي كانت قد أهملتها منذ مجيئها للمكان .
وموزي حولها يدور في المكان، لا يتوقف في نقطة معينة، يا يدور ويدور حول نفسه ويقفز هنا وهناك مستمتعًا بالمغريات التي تحيط به، وهي فقط تراقبه بطرف عيونها حريصة ألا يدمر شيء على حين غرة وفي غفلة منها .
وهكذا استمر تدريبها لساعة تقريبًا قبل أن تنتهي وتقرر أخذ حمام بارد يهدأ من حرارة جسدها، تحركت صوب المرحاض الذي يستقر في أحد أركان غرفتها تغلق الباب يعد إلقاء كلمات مهددة له :
_ أنا أرهف السمع موزي، لذا إياك أن تظن أنك ستفسد شيئًا وتنجو مني، وهذه المرة سأسملك بنفسي للوسيم صاحب الأعين المخيفة والثوب الاسود، فاحذرني.
ختمت حديثها تقتحم المرحاض بسرعة وبلا صبر للشعور بالمياه الباردة تنعش جسدها .
ابتسمت تغلق الباب خلفها بقوة تاركة موزي يقفز هنا وهناك باستمتاع وهو يتناول الفاكهة ومن ثم حمل الكثير منها وتحرك صوب الفراش يحيط نفسه بكل ما لذ وطاب .
وما هي إلا دقائق حتى فُتح باب الغرفة ببطء شديد لم ينتبه له موزي، بل أكمل تناول الفاكهة بهدوء وسعادة، لكن فجأة أبصر جسد يتسحب للداخل وكأنه كان ينتظر الوقت المناسب ليفعل .
أصدر موزي صوتًا صاخبًا وهو ينظر صوب ذلك الضيف الغير مرغوب به، بينما رفع ذلك الشخص والذي كانت ملامحه شبه مختفية خلف اللثام رفع عيونه صوب موزي بغضب شديد يشير له بالهدوء، لكن استمر صراخ موزي بشكل مزعج جعل سلمى من الداخل تصرخ بضيق :
_ بعض الهدوء هنا رجاءً...
لكن موزي كان قد جن جنونه برؤية ذاك الجسد المتشح بالسواد يلتقط شيئًا عن الأريكة بسرعة، ثم تحرك صوب الباب مجددًا، وما كاد ينجح في الهروب حتى وجد جسد موزي يقفز فوق رأسه بسرعة مخيفة وهو يجذبه من الغطاء الذي يخفي به رأسه.
والشخص يحاول إبعاده عنه دون إصدار صوت ملحوظ في المكان، لكن صوت صخب موزي ازداد أكثر وأكثر حتى كاد يوقظ جميع من بالقصر .
أخرج ذلك الشخص سكين وهو يرفعه بسرعة ودون ثانية تفكير حتى كانت السكين تصيب يد موزي لتشتد صرخاته أكثر وأكثر بشكل مرعب جعل سلمى تحرك من المرحاض برعب وهي تصرخ بعدم فهم :
_ ما بك موزي ما الذي ....
وقبل إكمال جملتها أبصرت جسد موزي ملقى أرضًا مضجرًا في دمائه وهناك جسد يتشح بالاسود يحمل سكينًا تغطيها دمائه يقف جوار باب الخروج ويحمل .....معطفها الاسود، أو بالأحرى معطف أرسلان .
اتسعت عيون سلمى بصدمة وهي تهمس بصوت مرتعش :
_ موزي ؟؟
رفعت عيونها التي امتلئت بالدموع صوب الشخص وهي تتقدم منه بصدمة كبيرة، كل ذلك وهي لم تكن ترتدي سوى معطف ابيض خاص بالاستحمام يتخطى ركبتها قليلًا كانت قد احضرته معها سابقًا .
اقتربت من الشخص خطوات مصدومة بطيئة وهي تحدق به بوجه شاحب، وفجأة وكأن شيطان تلبسها وقبل أن يتوقع الشخص أو تتوقع هي حتى ما تفعل كانت يدها تمسك أول مزهرية قابلتها تنقض بها على جسد الشخص لتصيب ذراعه وصوتها انطلق يطلق صرخات مرتفعة :
_ أيها الحقير، أيها الحقير .
اصطدم الشخص ليعود للخلف بسرعة يمسك ذراعه، ثم ودون تفكير ثانية كان يلوح بسكينه في الهواء مهددًا، وسلمى التي كانت قد اعتادت على مثل تلك الأمور انقضت عليه تجذب يده التي تحمل السكين بقوة وهي تصرخ في وجهه :
_ أعطني هذه السكين، قتلت قردي لعنة الله عليك ..
أمسكت السكين منه تحاول نزعها، لكن وأثناء ذلك إصابتها ضربة في باطن يدها جعلتها تتراجع بسرعة للخلف وهي تطلق صرخة أخرى وقبل رفع وجهها، كان الرجل يهرب من المكان بسرعة كبيرة .
رفعت سلمى عيونها بسرعة مصدومة من هروبه لتركض بسرعة مخيفة خلفه، وما كادت تعبر عتبة غرفتها بثوب الاستحمام حتى سمعت صوتًا يصرخ باسمها يوقفها في منتصف الممر :
_ ســــــــــــلـــــــمى .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحب هي حرب كذلك، والفوز بكلاهما مصير حتمي ....