اخر الروايات

رواية اسد مشكي الفصل العاشر 10 بقلم رحمة نبيل

رواية اسد مشكي الفصل العاشر 10 بقلم رحمة نبيل 

| حدود المملكة الخامسة |
قبل القراءة متنسوش التصويت للفصل ومنتظرة رأيكم بعد القراءة.
صلوا على نبي الرحمة
____________________
توقف بحصانه يتنفس الصعداء حين جاءه رسول من القصر يخبره أن الملك عثر بالفعل على الضيفة، مسح المعتصم وجهه يتنهد براحة شديدة، ثم أشار للرجال خلفه :
_ لنعد إلى القصر .
وبمجرد أن نطق تلك الكلمات تحرك معهم سريعًا في طريقه للقصر، لكن وأثناء تحركهم شعر بنفسه يتوقف دون إرادة، وقبل أن يتحدث أحدهم بكلمة أشار لهم بهدوء :
_ فقط اسبقوني رجاءً...
هز الرجال رؤوسهم رغم تعجبهم تصرفات المعتصم الذي شحب وجهه فجأة وهو ينظر لنقطة بعيدة، يشير لهم بالتحرك لينفذوا الأوامر ويتحرك هو في شارع فرعي شبه مظلم يتحرك ببطء شديد يدعو الله ألا يصدق ظنه وهو يبصر جسد صغير متكوم على نفس المكان يحدق بمنزل شبه محترق يبكي ويردد كلمات غير مفهومة لمن يتحرك .
بدأ حصان المعتصم يتوقف شيئًا فشيء بسبب جذب المعتصم لللجامه وحينما اقتربوا من تلك النقطة شهق المعتصم برعب وهي يهتف بصوت ملتاع :
_ يا الله، فاطمة ....
قفز عن حصانه بسرعة وقبل حتى أن يتوقف يهرول صوبها برعب وهو ينظر حولها الظلام يردد بخوف عليها :
- فاطمة يا ويلي ...ما الذي تفعلينه بهذا الوقت، ما الذي تفعلينه؟؟ فاطمة ؟!
اليوم وبسبب ما حدث لم يستطع السير خلفها واللحاق بسيرها كي يتأكد أنها بخير، اقترب منها بسرعة وهو يهتف باسمها حتى وأخيرًا انتبهت له تشير له باكية على منزلها :
- أبي وأحمد في الداخل ...المنزل يحترق بهما .
نظر أحمد صوب المنزل الخاص بها ليجده كما عرفه، يبدو أن فاطمة ما تزال سجينة لحظات معاناة، تعجب فهي دائمًا كانت تشير لوالدها وأحمد أنهم احياء، والآن !!؟
هناك شيء اكبر من مجرد نسيان دائم وذكريات سيئة حول الصغيرة، ابتلع ريقه يقترب منها يجلس نفس جلسته السابقة، يجلس القرفصاء أمامها يتحدث بصوت خافت حنون :
_ فاطمة انظري إليّ، انظري المنزل لا يحترق ولا أحد في الداخل يحترق حسنًا ؟؟
نظرت له فاطمة ثواني قبل أن تنفجر في البكاء بصوت صاخب :
_ لم نجد لهم عظامًا حتى، لقد احترقوا بالكامل وأمي.... أمي اخذت تبكي هناك أمام البيت لينقذهم أحد ولم يتمكنوا من ذلك .
اغمض المعتصم عيونه يدرك أن ما يخرج منها في هذه اللحظات هو ماضي عاشته وما يزال محفورًا داخل عقلها، فاطمة لا تختلف عن هؤلاء الصغار الذين وجدهم بين الطرقات يعانون صدمات .
سقطت دموع فاطمة وهي تنظر له تهمس بصوت منخفض :
_ أنا...لم استطع مساعدتهم....فقط كل ما استطعت فعله هو مشاهدتهم يحترقون، كل ما تمكنت من فعله وقتها كان البكاء عليهم، لم اقدم لهم سوى الدموع، فلا صرخاتي سحبتهم خارج النيران ولا دموعي اطفأت احتراقهم .
تأوه المعتصم وهو يشعر بالعجز مما يحدث ولم يستطع التحدث بكلمة :
_ فاطمة ...هو .... أنا....فقط أخبريني ما الذي يمكنني فعله لأجلك، أي شيء يمكنني تقديمه لكِ أخبريني .
نظرت له ثواني وهي تهمس بصوت مذبوح :
- هل تستطيع إخراجهم من النيران. ..
ختمت حديثها تشير صوب منزلها القابع بهدوء في منتصف الطريق، ليشتد شحوب وجه المعتصم الذي شعر بصدره ينتفض مما نطقت به .
ظل يحدق في المنزل ثواني قبل أن يهمس بصوت منخفض :
_ لا، لا استطيع ذلك، لكنني استطيع إخراجك أنتِ من ظلامك فاطمة .
نظرت له فاطمة ببسمة باهتة ولم تفهم جملته الأخيرة، ليؤكد هو على كلماته :
_ سوف تتخطين كل هذا فاطمة، سنعبر كل هذا حسنًا ؟؟
_ أريد النوم دون كوابيس يا المعتصم ...
تنفس المعتصم بصوت مرتفع وقد اشتد احمرار وجهه ينتفض بعيدًا عنها ويده ترتعش بشكل مريب، يشير لها بصوت هادئ أن تنهض :
_ هيا انهضي ...
تحرك صوب حاملة السهام الخاصة به والتي تقبع على ظهر حصانه يخرج منها مصحفًا صغير الحجم يقدمه لها :
- احتفظي بهذا، كلما شعرتي بالخوف اقرأي منه ما تيسر لكِ، وضعيه جوار رأسك وإن شاء الله ستكونين بخير يا صغيرة .
ثبتت فاطمة عيونها على المصحف ثواني، قبل أن ترفعها صوبه ببطء، ثم رسمت له بسمة صافية تناقض كل الغيوم التي كانت تحيط بها منذ ثواني، ابتسمت وكأنها لم تحزن يومًا، ابتسمت وكأن الخوف لم يسكن قلبها يومًا، وهذا ما جعل المعتصم يخشى ما يحدث معها أكثر وأكثر، الفتاة كانت في غاية الهشاشة وأكثر...
_ اعتني بنفسك لاجلك ولأجل والدتك فاطمة ....
هزت فاطمة رأسها تتمسك بالمصحف تضمه لصدرها بلهفة شديدة، ثم مسحت دموعها تقول بصوت خافت :
_ ألا تريد المجئ وتذوق الحلوى التي تعدها والدتي ؟ لقد أخبرتني أنها ستعدها اليوم لأجلي...
اتسعت عيون المعتصم يردد بعدما تنحنح بصوت منخفض :
_ لا اعتقد أنه من الملائم أن تدعي شاب غريب لمنزلك في هذا الوقت أو بأي وقت فاطمة، هذا لا يجوز ..
_ لكنك المعتصم، أنت تحميني وتساعدني .
تنهد المعتصم بصوت مرتفع يمسح وجهه يعطيها ظهره يردد بصوت عال :
_ استغفرك ربي و اتوب إليك، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
استدار لها مجددًا يرسم ملامح جامدة على وجهه :
_ فاطمة، رجاءً.....
_ ماذا ؟؟
_ عودي لمنزلك وحاولي التوقف عن مثل تلك الكلمات والاستثناءات في حياتك ؟؟ أنا لست استثناء، أنا في النهاية رجل غريب، اجنبي لكِ وبيننا حدود أحاول ألا اتخطاها، لذا ساعدينا لاساعدك دون أن اتخطاها رجاءً..
نظرت له فاطمة ثواني قبل أن تهز رأسها له مبتسمة بسمة صغيرة :
_ حسنا لا بأس أنا موافقة، لا تقلق أنا أضع بالفعل حدود بيننا يا المعتصم .
تشنجت ملامح المعتصم بقوة وهو يراقبها بعدم فهم، كل هذا وهي تضع حدود بينهما ؟! ماذا إن انتزعتها ؟؟
رفع حاجبه بسخرية مما سمع، ثم أشار صوب منزلها بصمت لتهز هي رأسها وتتحرك سريعًا في الطريق المؤدي له وهي تبتسم له مودعة .
لكن وقبل أن تصل وأخيرًا لمنزلها توقفت تنظر لظهره تناديه بصوت مرتفع :
_ أيها المعتصم ....
توقف المعتصم قبل أن يبلغ حصانه يستدير لها بعدم فهم لتمنحه هي بسمة واسعة :
_ شكرًا لك، أنت رجل صالح ذو مروءة...
ابتسم لها دون شعور ثم هز رأسه لها في تحية صامتة، يميل لها نصف ميلة، ثم صعد حصانه يراقبها حتى تأكد أنها بلغت منزلها ووجد امرأة هناك تستقبلها على باب المنزل ..
تنهد وهو يتحرك بحصانه وأخيرًا يعود للقصر يفكر فيما يحدث هنا بينه وبين نفسه :
_ إلى أين يقودوني طريقك فاطمة؟؟ كلما اعتقدت أنني تخطيت كل ذلك، أجد نفسي ابحث عنك لأتأكد أنكِ بخير ...
صمت ثم شرد يردد دون شعور :
_ لكن هل أنتِ كذلك بالفعل ؟؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صمت عم المكان بعد جملته، وهي فقط كل ما فعلته حدقت داخل عيونه وكأنها تبحث عن شيء ما داخلها، ظلت تنظر لعيونه دون رد قبل أن تبصره يبعد عيونه عنها وهو يستقيم في جلسته وكأنه حاز الرد الذي ينتظره، أشفق عليها أن تعيد بلسانها ما لا تتقبله مسامعها، لذا عفاها من الحديث .
أشار خلفه لكهرمان أن تقترب :
_ كهرمان، ساعديها رجاءً...
تحركت كهرمان صوب سلمى وهي تساعدها على النهوض، لتفعل الأخيرة بهدوء ولكن لم تخرج قبل أن تلقي له نظرة أخيرة مرددة بكل هدوء ولطف :
_ شكرًا لك على مساعدتك جلالة الملك ..
وختمت جملتها أن هزت رأسها في تحية صامتة، ثم تحركت للخارج تاركة أرسلان ما يزال يقف بهدوء شديد يحدق من النافذة المحطمة بهدوء شديد قبل أن يهتف بكلمات قليلة :
_ زيان ما الذي كان يُقال في الاسفل ؟!
نظر زيان لظهر أرسلان بجهل لما يتحدث عنه فهو لن يسمع شيء فبمجرد أن أبصر ما يحدث تحرك سريعًا ليساعد :
_ أنا لا ....لا اعلم ما تقصد مولاي، ما الذي تتحدث عنه ؟! أنا لم أكن بالاسفل.
استدار له أرسلان نصف استدارة يهتف بهدوء شديد :
_ إذن من كان بالاسفل زيان ؟
_ مولاي أنه....اعتقد القائد تميم كان بالاسفل.
هز أرسلان رأسه بهدوء، ثم تحرك خارج المكتبة ينتوي الذهاب للتحدث مع تميم، لكن فجأة وحينما وصل لباب المكتبة توقف يتساءل :
_ حين جئت للمساعدة هل كان الباب عالقًا زيان لذلك لم تستطع الآنسة الخروج ؟؟
كانت تخمينًا أكثر منه سؤالًا، لأنه إن لم يكن الباب العالق هو ما منعها من الخروج فما الذي فعل إذن ؟؟
وجاءه الرد من زيان في الخلف وقد كان نفس الشيء يثير تعجبه حين أتى :
_ في الحقيقة مولاي، حينما أتيت كان الباب مغلقًا..
صمت ثواني ثم أضاف يضغط على كامل حروفه :
_ من الخارج، هناك من اغلق الباب من الخارج، ربما أحد اغلفه بالخطأ دون معرفته أن هناك أحدهم داخل المكتبة .
ابتسم أرسلان بسمة صغيرة وهو يتحرك خارج المكتبة يهتف بجملة واحدة قبل أن يخطو للخارج :
- ومنذ متى اغلقنا ابواب المكتبة زيان ؟!
تحرك أرسلان في الممر وعيونه تطلق شرارًا، هناك ما يدور من خلف ظهره في هذا القصر وهذا أكثر ما يكرهه، أن يتخطاه أحدهم ويدبر لبعض الالاعيب من خلف ظهره داخل قصره .
كانت يتحرك بعنف داخل الممرات وهو يجمع خصلاته للخلف وقد اشتد الغضب على ملامحه وبمجرد خروجه للساحة نظر في جميع الوجوه المتجمعة حوله يهتف بصوت منخفض حاول قدر الامكان أن يجعله هادئًا :
_ عذرًا إن كنت أسبب لبعضكم الازعاج، لكنني أود منكم اللحاق بي صوب قاعة العرش وسأكون ممتنًا لهذا يا سادة .
ختم حديثه ببسمة واسعة، سرعان ما تلاشت وهو يستدير دون إضافة كلمة يتحرك بقوة يسبقهم كأنه يعلن لهم أن الرفض، أو الاعتراض ليس متاحًا على أية حال.
كل ذلك وإيفان يتابع ما يحدث وكذلك سالار الذي امسك له يد تبارك والتي كانت تراقب ما يحدث بفضول تهمس لسالار :
_ ما الذي يريده ؟!
هز سالار رأسه بجهل يسحبها خلفه وهو يردد بهدوء يلحق بالجميع ليرى ما يحدث :
_ لا أدري، لكنه لن يكون جيدًا، بالنظر لحالة أرسلان ونظراته، فما سيحدث لن يعجب أحدهم ..
نظرت له تبارك بعدم فهم ليهتف لها وهناك بسمة جانبية ارتسمت على فمه :
_ لقد حرروا شياطين الرجل، وهو من الأساس لا يحتاج لمحفز ليفعل ....
صمت ثم فكر في الأمر ثواني، ينظر لها لحظات قبل التحدث :
_ ما رأيك بتجنب كل هذا مهجتي والذهاب للبحث عن الملكة كهرمان والجلوس معها لحين ينتهي ما يريده أرسلان من الجميع ؟؟
حدقت به تبارك ثواني وهي تفكر في الأمر، وبالنظر لحالة أرسلان ووصف سالار، فهي بالفعل تفضل تجنب كل تلك الإثارة والتشويق والجلوس في الركن البعيد الهادئ، لذا تحدثت وهي تهز رأسها:
_ أنا سأذهب للبحث عنها، لا بد أنها في غرفتها أو غرفة سلمى ..
ربت سالار على رأسها يراقبها تتحرك بعيدًا عن الجميع ليتتفس الصعداء، ثم نظر صوب إيفان يردد بهدوء :
_ هيا لنلحق بصاحبك قبل أن يتناول من بالداخل ...
ضحك إيفان ضحكة صغيرة يتحرك مع سالار خلف الجميع :
_ لا أعرف لماذا، لكنني أشعر أن ما سيحدث سيرضيني بشكلٍ ما ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يجلس بين الرجال بملامح مختفية خلف إصاباته ويجسد شبه محطم، وعيون سوداء، يتنفس بصوت مرتفع والجميع حوله يأبى التحدث بكلمة واحدة حتى لا يطالهم شره في هذه اللحظة .
صمت عم المكان واستمر دقائق حتى بدأ بعضهم يشعر بالملل ويتحركون في مقاعدهم يضيق من هذا الصمت المقيت وقد اعتادت نفوسهم الضوضاء .
تأفف أحدهم بصوت شبه مرتفع وصل لمسامعه، ليرفع رأسه وعيونه صوب ذلك الرجل يردد بصوت وكأنه خرج من الجحيم :
_ هل هناك ما يزعج سيادتك ؟؟
صُدم الرجل وبهت وجهه ولم يتحدث بكلمة واحدة، ثم تراجع في مقعده يردد بهدوء مصطنع :
- لا الأمر فقط أننا هنا منذ دقائق طويلة دون فعل شيء أو التحدث بشيء، أنت جمعتنا لأجل لا شيء تقريبًا...
ابتسم له أنمار بسمة صغيرة كانت أكثر رعبًا من صمته السابق :
_ وماذا تمتلك يا ترى لتفعله وقمت أنا بتعطيلك عنه ؟؟
رمش الرجل وقبل أن يفتح فمه ويتحدث بكلمة انتفض جسده يرعب حين نهض أنمار غاضبًا ساخطًا من الجميع يصرخ في وجوههم وهي تحرك في الغرفة الفسيحة داخل مقره وكأن ما ناله من أرسلان وتوبة سيخرجه بالجميع :
_ إن كنتم تشعرون بالملل دون فعل شيء، لِمَ لا تجربون على سبيل المثال أن تنفذوا ما آمركم به ؟؟ أخبرتكم أن تحضروا لي تلك الفتاة التي يدعي أرسلان أنها زوجته ولم تفعلوا، أمرتكم بزرع الفتن بين شعبه ولم تفعلوا، أمرتكم بأحداث الخراب في الممالك ولم تفعلوا، أن تحضروا لي سمًا قوي المفعول وأيضًا لم تفعلوا، إذن ما سبب تأففكم للجلوس دون فعل شيء يا ترى، طالما أنكم لا تفعلون شيء في جميع الأحوال ؟؟
ختم حديثه، ثم حرك عيونه على الجميع يتحدث من تحت أسنانه بغضب :
_ أنتم تمامًا كما قيل عنكم في الممالك، مجموعة من الجبناء الحثالة، ستعيشون كالعبيد لهم دون أن تستطيعوا فعل شيء .
تنفس بصوت مرتفع وكأنه كان في سباق قبل أن يتوقف فجأة على الدوران ينظر للوليد بشر :
_ أنت أحضرت ذلك القذر نزار هنا وغامرت برجالنا لتحريره لأجل لاشيء ؟؟ ألم أخبرك أنني أريد سمًا منه ؟!
فتح الوليد فمه للتبرير:
_ الأمر فقط أنه يرفض مساعدتنا دون معرفة .....
وقبل إكمال جملته صرخ أنمار في وجهه :
_ يرفض ماذا ؟؟ يرفض مساعدتنا ؟؟ وهل يمتلك خيار الرفض من الأساس ؟؟ إن لم يقبل اقتله يا وليد نحن لا وقت لدينا للتوسل والاقناع، أما أن يقبل مساعدتنا أو يودع حياته و....
_ يمكننا إقناعه دون اللجوء لقتله .
كان ذلك صوت زهير الذي خرج من أحد الأركان يهتف بفحيح خبيث، تحركت الأعين صوبه ليدرك الوليد في هذه اللحظة أن زهير يسعى لانتقامه من نزار على ما فعل معه آخر مرة .
حذره بعيونه أن يتحدث بكلمة ويكشف ما سعى الجميع لكتمه عن أنمار منذ قدوم نزار هنا، مستغلين ندرة وجود أنمار في الجوار واعتماده الكامل على بعض الأشخاص هنا لتسيير أمور الجحر.
ترك أنمار ثياب الوليد يناظر زهير بفضول :
_ وكيف برأيك نفعل ذلك زهير ؟؟
_ هدده بما يجبره على ذلك سيدي .
_ والذي هو .....
نظر زهير لعمق عيون أنمار وهو يهتف بكلمة جعلت الاخير تتسع عيونه بصدمة :
_ زوجتك سيدي .
رفع أنمار حاجبه يتحرك صوب زهير خطوات صغيرة يردد بعدم فهم :
_ زوجتي ؟؟؟
_ الأميرة توبة، عشيقة نزار الجديدة .
قنبلة ألقاها زهير بين الجميع يراقب توابعها دون اهتمام للدوي الذي أحدثته، يراقب ملامح الوليد المتوعدة، ونظرات أنمار المصدومة، ليدرك في هذه اللحظة، أنه أصاب الهدف وبنجاح ..........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا ليس عالمها ولا مكان لها بين الجميع هنا، هي لا تشبههم وهم لا يتقبلونها كما ترى ...
كانت تلك هي الأفكار الوحيدة التي تدور في عقل سلمى وهي تضم جسدها على الفراش شاردة في نقطة فارغة أمامها لا تبصر شيئًا، سوى سواد، لا مستقبل ولا حياة لها هنا ..
على الاقل في عالمها كان لديها خالد ووالده، عملها، محل الزهور الخاص بها، حياة لم تكن تحبها، لكنها كانت مرتاحة على الأقل .
_ هل أنتِ بخير ؟؟
رفعت سلمى عيونها صوب كهرمان تحدق فيها ثواني قبل أن تحرك عيونها صوب تبارك تسألها دون مقدمات :
_ هل سبق وشعرتي بالفراغ، وأنكِ لا تنتمين لهذا المكان، وإن حياتك السابقة بكل ما فيها من عيوب افضل من هذه الحياة ؟؟
تفاجئت تبارك من كلماتها غير المتوقعة، حتى أنها نظرت صوب كهرمان بتعجب، بينما سلمى أكملت :
_ هل هناك أمل أن أجد نفسي في مكانٍ ما؟؟ أنا أشعر أنني اجلس هنا بلا فائدة لا أفعل شيء ولا اقدم شيء لأحد، لا فائدة ترجى مني و....
_ بلى هناك الكثير تقدمينه، لكنكِ لم تجربي بعد .
كانت تلك جملة كهرمان التي خرجت منها بقوة توقف الهراء الذي تنطق به سلمى، بينما سلمى أبعدت عيونها تنظر صوب النافذة وهي تهمس بصوت منخفض :
_ أشعر بأنني عبء لا أكثر، أنا عبء على الجميع هنا وأولهم شقيقك، لقد ....
توقفت تبتلع غصتها وهي تتذكر نظراته لها اليوم، تقسم أنها إن رأت نظرة اعجاب صغيرة فقط في عيونه كانت ستوافق دون تفكير على عرضه الذي سبق واخبرها به، لكنها لم تجد ...لم تبصر أي ذرة اعجاب أو انجذاب، كل ما رأته كان مجرد ...مسؤولية .
_ أنا فقط مجرد وصية يود أن يريح رأسه من جهتها معتبرًا أن الزواج مني سيخفف من عبئها، لقد أبصرت كل ذلك في عيونه، اليوم أبصرت كم كان مضغوطًا كما لو أنه مجبرًا على ذلك و...التضحية بكل أحلامه في زوجته المستقبلية لأجل تحمل مسؤوليتي.
رفعت عيونها صوب كهرمان تهمس بصوت خافت :
_ لا اعتقد أن شقيقك في يوم من الأيام كان ينتظر أن يرتبط في النهاية مع امرأة مثلي، الرجل يحطم أحلامه في زوجته المستقبلية لأجل مسؤولية غير مرغوبة .
كانت كهرمان تتابع ما تقول سلمى، ونعم كانت توافقها في كل كلمة، ربما لم يتخيل أحدهم يومًا أن يكون مصير أرسلان مع امرأة مثلها، لكنها تدرك أكثر من الجميع أنه ما من إمرأة في هذا العالم كانت لتلائم أرسلان كما تفعل هي .
_ أنا أثق كامل الثقة أن الله يدبر الأمر بحكمته، ومجيئك هنا لم يكن عبث، وكما كان وجود تبارك هام لأجل سالار، كذلك وجودك هام لأرسلان، بالله عليكِ ألم تدركي كيف هو اخي ؟؟ هل تعتقدين أن هناك امرأة في هذا العالم أو حتى عالمك تستطيع التأقلم معه ؟؟ هل تتخيلين أن هناك امرأة قد تتحمل أرسلان بكل تقلباته ؟؟
نظرت لها سلمى ثواني قبل أن تهمس بجدية ودون شعور :
_ أرسلان ليس بهذا السوء كهرمان، هو فقط يظهر الجميع الجزء الذي يود ترسيخه في الأذهان محتفظًا بجانبه الهش واللطيف بعيدًا عنه .
اتسعت بسمة كهرمان الخبيثة وقد أخرجت من سلمى ما كانت ترنو له :
_ عجبًا يبدو أنكِ ابصرتي ما يحاول أخي إخفاءه عن الجميع، لِمَ يا ترى ؟؟
اتسعت أعين سلمى بصدمة، بينما تبارك ابتعدت عنها بقلق من نظراتها وكأنها تخشى أن يتسرب بعض خبثها لها، تتحرك للجلوس على المقعد المجاور لفراش سلمى تجاوب على سؤال سلمى الاول والمعلق :
_ اسمعي سلمى أنا وحين جئت هنا، كنت أُعامل معاملة اسوء من معاملة الجواري في عصور ما قبل الحداثة وأنا من المفترض أنني كنت الملكة، شعرت في كثير من المرات بأنني لا انتمي لهذا المكان، لكن صدقيني كل ذلك تلاشى حين وجدت نصفي الآخر هنا .
ابتسمت لها كهرمان تجلس على الفراش جوارها مرددة بجدية :
_ ها انظري، كل شعورك هذا سيتلاشى بمجرد أن تعثري على نصفك الآخر والذي هو أخي بمشيئة الرحمن .
رفعت سلمى عيونها وهي تعتدل في جلستها تعيد خصلاتها للخلف وقد بدا عليها التفكير الطويل في الأمر:
_ الأمر ليس بهذه السهولة التي تتحدثين عنها كهرمان، شقيقك ليس من تلك الشخصيات التي يسهل التعامل معها .
اتسعت بسمة كهرمان وهي تقفز للسرير تجلس أمامها تتشدق بأعين ملتمعة من الحماس :
_ إذن هذه مهتمك عزيزتي، اخرجي من داخل أخي رجل رومانسي حنون، وصدقيني لن يأخذ الأمر منك الكثير فأخي بالفعل يمتلك داخله حنان ورومانسي لو وُزعت على رجال العالم لأكفتهم وفاضت ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }، لست هنا أعلمكم أمور دينكم يا سادة، بل أنا هنا لأذكركم أنه لا تهاون في شرع الله، ورمي المحصنات والقذف من الكبائر التي لا اقبل بأي شكل من الاشكال أن تُرتكب في بلادي، بلاد تعلو بها راية لا إله إلا الله، والآن لتسمعوني اصواتكم، وليتقدم اولئك الذين تبجحوا منذ قليل وقذفوا امرأة بالباطل بدلًا من التفكير في طريقة لمساعدتها .
ختم كلماته بصوت رج أرجاء المكان لترتجف النساء ويخفض الرجال رؤوسهم ارضًا دون كلمة واحدة .
بينما عيون أرسلان تتحرك عليهم، ونيران تشتعل في صدره بعد ما سمعه من تميم الذي رفض في البداية التحدث عما حدث كي لا يزيد الأمور اشتعالًا، لكنه تراجع خوفًا أن يتجرأ من أطلق تلك الأكاذيب أكثر ويمس اعراض امرأة أخرى ويتمادى .
راقب أرسلان الجميع ينتظر منهم كلمة، لكن لا أحد تحدث بكلمة، وهو لولا خوفه أن يظلم برئ بهم لكان جردهم جميعًا من عملهم في هذه اللحظة، تنهد بصوت مرتفع ثم قال يقطع الصمت :
_ المرأة التي تحدثت في وسط الجميع مدعية أنها أبصرت الآنسة تخرج من غرفتي مساءً ملمحة لوجود شيء لا يرضي الله بيننا، لترني رجاءً.
تحركت أعين الجميع صوب إحدى الجهات، حيث كانت تقف العاملة نفسها وهي تخفض رأسها ارضًا مرتجفة تدعو الله أن يخلصها من بين يديه ومن بعدها ستختفي عن وجه الارض بأكملها..
ثواني حتى سمعت صوت أرسلان يعلو في المكان ليشتد ارتجاف جسدها بأكمله وهي ترفع رأسها برعب تبصره أمامها مباشرة وبشكل كانت تتمناه سابقًا، لكن الآن تتمنى لو تهرب منه لآخر بقاع الأرض.
_ أين شهداؤك على تهمتك يا امرأة ؟؟
ارتجف جسد العاملة وقد بدأت دموعها تتساقط تهتف بصوت مرتعب :
_ مولاي أنا .....
_ ءأتيني بأربعة شهداء أو يُنفذ بك حد قذف المحصنات، ثمانين جلدة ولا تُقبل لك شهادة يومًا .
فجأة ودون مقدمات سقطت المرأة ارضًا تبكي بصوت مرتفع تترجاه العفو :
_ ارجوك مولاي الرحمة اقسم أنني لم اقصد أبدًا كل ذلك، أنا فقط تحدثت بما رأيت و....
_ وماذا رأيتي ؟؟
رفعت المرأة وجهها له وقد كان احمر كالدماء وعيونها تكاد تخرج من شدة البكاء من محجريها .
_ رأيتها... رأيتها تخرج من غرفتك مساءً ترتدي معطفك و....
_ و ماذا؟؟ أكملي، ماذا رأيتي أيضًا ؟؟
تنفست بصعوبة وقد شعرت أن القاعة أضحت ضيقة عليها إذ كانت لا تستطيع التنفس بشكل طبيعي، تتذكر ماذا رأت أيضًا عدا خروجها من غرفته ومبارزتهما، لكن لا شيء كان يشفع لها عنده ويقوي حجتها.
_ لا شيء مولاي .
ابتعد عنها أرسلان ينظر صوب الجميع، ثم قال بقوة :
_ ذلك اليوم وفي جناحي لم تكن المرأة معي وحدها، بل كان جميع مستشاري القصر حاضرين وكان باب جناحي مفتوحًا، ومن كان منهم حاضرًا يمكنه الشهادة بذلك، إذ لم اختلي بها وحدنا .
هز المستشارين رؤوسهم بالإيجاب، ليكمل أرسلان كلماته يعلنها على مسامع الجميع :
_ تلك المرأة التي يخوض العديد بعرضها هي زوجتي المستقبلية وملكتكم إن شاء الله، من يخوض في عرضها بكلمة فلا رد له عندي سوى شرع الله والذي سأنفذه به بنفسي واجلده الثمانين جلدة بيدي ..
صمت يتنفس بصوت مرتفع، ثم رفع إصبعه يحركه في وجوه الجميع يردد بصوت مرتفع :
_ هذه المرأة ستكون زوجتي وعرضي وشرفي، وحتى ييسر لي الله حلالها وتصبح امرأتي، إياكم أن تفكروا بينكم وبين أنفسكم يومًا في الخوض بعرضها ولو بكلمة، زوجتي بالنسبة للجميع ليست مجرد خط أحمر، بل هي دماء متناثرة واشلاء متفرقة ..
صمت ينظر للمرأة الساقطة ارضًا ثم هتف بصوت مرتفع :
_ حــــــراس، اصطحبوا الآنسة صوب السجن لحين يتم الحكم في شأنها.
ختم حديثه يتابع صراخ المرأة وقد توقف الحراس جوارها يشيرون لها بالتحرك وهي تبكي وتترجى أرسلان الذي راقبها بهدوء ودون أي ردة فعل من طرفه .
وحينما خرجت نظر للجميع، ثم ابتسم يتحدث بهدوء :
_ انتهت الجلسة يا سادة، ألقاكم فجرًا للصلاة ....
ختم كلماته يتحرك بقوة خارج القاعة وقد اكتفى اليوم من كل ما يحدث، صدره مشحون بالنيران والغضب، نظراتها وهي تخبره أنها ليست امرأة سيئة، قهرها وحسرتها وهي تحاول تبرير نفسها أمامه قتلته .
توقف في شرفته المعتادة يجلس بها دون كلمة، ثم سحب نفسًا عميقًا يردد بصوت هادئ :
_ وماذا بعد ذلك ؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبكي على صدره دون شعور منها لوضعها، وهو فقط يحاول إبعادها دون اذيتها، لكن كلما ارتفعت يده ليدفعها بعيدًا تراجع حين يزيد انهيارها أكثر وأكثر..
واستمر الأمر لنصف ساعة تقريبًا، حتى ضرب الإدراك جسد توبة التي انتفضت بسرعة مرعبة عن نزار تتراجع للخلف وكأن صاعقة ضربتها، كانت تنظر له متسعة الأعين شاحبة الوجه، ليس وكأنه هو من أجبرها على الارتماء بين أحضانها.
ابتلع نزار ريقه يحاول أن يتحدث بكلمة تخفف من وطأة ما حدث على عقلها :
_ سمو الأميرة مــ
_ لا .
همس بعدم فهم :
_ لا ؟؟
نظرت له بتحذير وهي تشعر بجسدها ينتفض بكره وغضب من ذاتها، كيف فعلتها، كيف فعلتها واقتربت من رجل لا يحل لها بهذا الشكل ولو كان تحت تأثير الصدمة ؟؟
_ لا تقترب مني، ابتعد ولا تقترب ودعني وشأني .
اتسعت أعين نزار بصدمة كبيرة وهو يرمقها باستنكار، هو من يبتعد وهي من كانت تتمسح به منذ ثواني ؟؟
ورغم كل استنكاره ذاك وكل نظراته التي باحت لها بما يفكر به، إلا أنه كتم كل ذلك داخل صدره، يحفظ لها حق خجلها، يرفض خدش حيائها، يهز رأسه وهو يغمض عيونه بغضب :
_ أوامرك سمو الأميرة، تأكدي ستكون آخر مرة اقترب لكِ فيها .
دفنت توبة رأسها بين قدميها وهي تبكي بصوت منخفض :
- فقط دعني وحدي، ارحل من هنا ... رجاءً.
عض نزار شفتيه، يحاول الحديث لكن كل ما خرج منه هو سؤال صغير :
_ أنتِ بخير ؟!
وكم كان سؤاله سخيفًا في هذا التوقيت تحديدًا ؟؟ بهذه الحالة ويتساءل إن كانت بخير ؟!
لكن يبدو أن توبة لم تكن في حالة تسمح لها بالتفكير إن كان سؤاله سخيفًا أو لا ..
_ لا لست بخير .
توقف بعدما كان على وشك الخروج يهمس بصوت خافت :
_ ما الذي حدث ؟!
_ لقد ...لقد عاد .
ضيق نزار ما بين حاجبه بعدم فهم لثواني :
_ عاد ؟؟
همست بنشيج وبكاء :
_ أنمار..
اشتعلت أعين نزار الذي انتفض سريعًا يردد بلهفة وخوف وهو يبحث في وجهها عن شيء حدث لها، أو أثر تركه نزار وهو ما تسبب في بكائها، وكأن كل الندوب التي تركها ذلك الذكر سابقًا لا تكفي للبكاء .
_ هل ...هل فعل لكِ شيء سييء ؟؟
_ لا اعتقد أن هناك اسوء مما فعل سابقًا ليفعل الآن.
ابتلع ريقه :
_ ما الذي حدث ؟!
نظرت له ثواني قبل أن تنفجر في البكاء أمامه للمرة التي لا يعلم عددها وهي تخبره كل ما حدث وكأنها تشكو ضرب أحد الفتيان لوالدها، تحرك يديها أمام وجهها وهي تبكي وتخبره ملخص اللقاء بينهما .
وختمت حديثها بصوت متقطع :
_ أنا لا أريد...لا اريد أن أبصر وجهه أمامي مجددًا، لا أريد...
اغمض نزار عيونه بقوة وهو يمسح وجهه يحاول التفكير في طريقة للخروج من المكان باسرع ما يمكن، إن لم يكن لأجله ولأجل ألا يغرق في المعاصي فلأجلها هي ..
_ حسنًا فقط اهدأي سوف ...اتولى الأمر .
نظرت له تتساءل بريبة :
_ ماذا ستفعل ؟!
_ سوف نهرب من هنا ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ هل يمكنني البقاء هنا ؟!
أبعد أرسلان عيونه عن السماء، يحركها صوب وجه المعتصم الذي اقترب منه بتردد وقد أخبره زيان منذ دقائق ما حدث، اقترب أكثر من الشرفة يبتسم بسمة صغيرة لأرسلان:
_ أنا لا اتطفل عليك صحيح ؟؟
ابتسم له أرسلان بحنان يتنحى جانبًا يتيح له مكان للجلوس مشيرًا له جواره :
- أجلس يا المعتصم، أنت لا تفعل البتة .
ابتسم المعتصم براحة شديدة فهو يدرك أن هذا الرجل لا يتقبل الكثيرين أثناء غضبه، وأن يفعل معه فهذا يعني له الكثير :
_ هل أنت بخير مولاي ؟؟
_ نعم أنا كذلك لا تقلق ..
صمت ثم نظر له بتركيز يبعد الحديث عنه يوجهه صوب المعتصم يتساءل بجدية :
_ ماذا عنك ؟؟
هز المعتصم رأسه بهدوء :
_ بخير .
_ لا يبدو لي ذلك، أنت تتصرف بغرابة منذ فترة، هل حدث شيء في حياتك لا أدري عنه ؟!
نظر له المعتصم بتردد، ثم أبعد عيونه بشكل جعل أرسلان يعقد حاجبيه وقد تأكد الآن أن المعتصم يخفي عنه شيئًا هامًا، مال عليه يهمس :
_ المعتصم، لم اعهد منك أن تنفيني عن مشاكلك، أنت بخير ؟؟ أخبرني إن كان هناك ما يسوئك هنا و....
_ لا، لم يحدث شيء هنا، أنا فقط ...
صمت ولم يكمل حديثه وهذا آثار ريبة أرسلان أكثر يضع يده على كتف المعتصم يربت عليها :
_ أخبرني ما يحدث معك يا المعتصم، شاركني همومك من يدري لعلي أجد لك حلًا يا اخي.
نظر المعتصم في عيونه بتقدير، ذلك الرجل ورغم كل ما سُلب منه ما يزال يعطي، رغم كل ما مُنع عنه ما يزال يمنح وببزخ :
_ أخشى فقط أن تزيد مشاكلك واحدة مولاي .
_ لا يسوئني أن أحمل مشاكل شعبي يا المعتصم، بل يسعدني أن احلها إن استطعت .
تنهد المعتصم وهو ينظر له ثواني قبل أن يشرع في إخباره بأمر فاطمة، أخبره القشور فقط عن حالتها وطريقة تعاملها مع الجميع وما تعانيه، وكانت كل كلمة تخرج منه تثير صدمة أرسلان الذي وبمجرد إنتهاء المعتصم حتى ابتعد عنه بعيونه يدفن وجهه بين كفيه ليشعر المعتصم بأنه أخطأ في إخباره .
ردد أرسلان بصوت منخفض :
_ اللهم عفوك ورضاك يا الله ...
_ أشعر أنني أثقلت الأمر عليك مولاي، أنا أعتذر .
_ غير صحيح، أنا فقط أشعر ...أشعر بالوجع لأجلهم يا المعتصم، أشعر بالعجز، أنا مقيد، لا أعلم كيف اساعدهم.. يا الله فقط أعني لأخرجهم من ذلك النفق المظلم .
مسح وجهه وهو يحاول البحث عن حل داخل عقله قبل أن يسمع صوتًا جواره يهمس بنبرة خافتة خجلة وقد سمع الله نجواه منذ ثواني لنفسه :
_ جلالة الملك .
رفع أرسلان عيونه ببطء صوب جهة الصوت ليبصرها تقف بثوب مليئ بالزهور كعادتها ليعلم أن الشخصية اللطيفة تتلبسها في هذه اللحظة، نظر لوجهها يجدها تبتسم له بلطف :
_ أردت فقط أن أشكرك بشكل لائق على مساعدتك لي اليوم، لا اعلم ما كان ليحدث لولا وجودك.
ظل أرسلان يحدق فيها دون ردة فعل، فقط يحدق في وجهها بشرود جعلها تتعجب وهي ترفع يدها سريعًا تتحسس شعرها لربما نسته دون غطاء، لكن حين اطمأنت لملمس القماش أسفل أناملها حركت أصابعها تتحسس ملامحها لربما هناك شيء على وجهها .
وارسلان فجأة انتفض يدرك تحديقه المريب بها هامسًا بصوت خافت :
_ إذا طلبت مساعدتك بشيء هل تفعلين ؟؟
نظرت له بعدم فهم وكذلك المعتصم الذي يراقب ما يحدث بفضول شديد ينتظر طلب أرسلان والذي كان يصرخ طوال الوقت أنه لا يحب أن يطلب معروفًا من أحدهم، لكن أرسلان سبق وكسر تلك القاعدة مئات المرات لأجل شعبه، وهذه المرة لن تكون استثناء .
اتسعت أعين سلمى بصدمة كبيرة، ولولا أنها أبصرت نظرات الضيق وعلامات الاختناق واضحة على ملامحه، ما كانت فوتت تلك الفرصة لتزعجه، لكن نظراته تلك جعلتها تلجم سخريتها، تجيبه بكل عملية وهدوء ولطف وهناك بسمة صغيرة ارتسمت على شفتيها علها تخفف القليل مما ترى على وجهه :
_ سيسعدني معرفة كيف أساعدك جلالة الملك ..
تنفس أرسلان الصعداء يرميها بنظرة امتنان على كبحها لشخصيتها المزعجة، والتي يفضلها في كثير من الموافق لكن ليس هذا بالطبع .
_ اخبرتيني أن عملك هو معالجة المرضى وتأهيلهم لحياة طبيعية .
استحوذ أرسلان على اهتمامها بذكره عملها لتتقدم خطوة تهز رأسها بنعم لتتحرك يده بسرعة يمسك القلنسوة الخاصة بها والتي كادت تسقط عن رأسها، ينظر لعيونها يهتف بجدية :
_ هناك من يعاني من ماضي مظلم ما يزال سجينه، يرفض تحريره وهذا أثر على حياة هذا الشخص، هل يمكنك مساعدته في تخطي ذلك الماضي ؟؟
حركت سلمى عيونها بين يده التي تمسك القلنسوة وبين عيونه التي تنتظر ردها بلهفة، وللمرة التي لا تعلم عددها يتحرك قلبها جوار هذا الرجل، حاولت أن تتماسك وهي تجيبه بصوت هادئ :
_ إن شاء الله أفعل فقط دلني عليه ....
اتسعت لها بسمة أرسلان يهتف وهو يحرك نظراته صوب المعتصم الذي كان فقط مصدومًا.
مصدوم من طريقة تعامل ملكه _ خشن الطباع _ بهذا الشكل مع ضيفته التي كان يتشاجر معها منذ يوم واحد فقط وعلى وشك قتلها .
غير مدرك أن هذه هدنة معتادة قبل العودة لساحة الحرب بينهما .
فجأة استفاق من صدمته على صوت أرسلان الذي ناداه :
_ إذن يا المعتصم، أخبر الآنسة سلمى عن الفتاة .
نظر المعتصم صوب سلمى التي تراجعت للخلف تعدل القلنسوة بسرعة وهي تتحدث بصوت رقيق أثار ضيق أرسلان بعض الشيء، يرفض أن تخضع في القول مع أحدهم ولو كان ذلك الاحدهم نفسه، وهذا شيء آخر يناقشه معها ..
_ إذن أخبرني بالتفصيل كل ما يتعلق بالفتاة، ولا تغفل عن شيء رجاءً، فكل شيء قد تعتقد أنه لن يفيد بالنسبة لي ذو فائدة كبيرة، لنبدأ باسمها، ماذا تسمى الفتاة ؟؟
نظر لها المعتصم يبتلع ريقه وهو يجيبها بصوت خافت يبعد عيونه عنها بسبب نظرات أرسلان الذي يضم ذراعيه لصدره وعيونه مثبتة عليه وكأنه يخبره صراحة " أنا اراقبك ".
_ فاطم ....فاطمة، تسمى فاطمة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبز المملكة الأكثر سلامًا في الاربع ممالك والتي كان يطلق عليها الجميع " رئة الممالك " لكثرة المناطق الخضراء والأشجار التي تحتويها، أكثر الممالك هدوئًا وسلامًا، ما عادت كذلك، وقد نالتها أيادي الخراب والدمار ...
عمت الفوضى شوارع العاصمة في سبز وبعض الباعة يصرخون وهم يبصرون الجنود يدمرون محلاتهم ويفرضون حظر تجوال وقوانين صارمة، اشتعلت الأوضاع وأصبح الشعب قاب قوسين أو أدنى من الانتفاض .
ارتفع صوت أحدهم بين الطرقات يصرخ بجنون :
_ ما بكم جننتم ؟؟ تنهبون خيراتكم وتدمرون ثروات بلادكم ؟؟ هذه بلادكم افيقوا .
توقف أحد الجنود ينظر له ثواني باحتقار، قبل أن يكمل طريقه، لكن الرجل لم يصمت وهو يزيد من صراخه حتى بدأ البعض يتحرك تبعًا لصرخاته وكأنه أيقظ داخلهم حمية الحرب .
وهذا ما أثار ريبة الجنود ليتحرك أحدهم صوب الرجل والذي كان في منتصف عمره يجذبه بقوة مسقطًا إياه ارضًا بعنف يجره جرًا وهو يصرخ في الجميع :
_ هذا سيكون مصير كل من اعترض منكم، قوانين الملك لا رجعة بها ولا نقاش .
وقبل أن يكمل طريقه وجره للرجل وجد جسد يقف أمامه، رفع عيونه ببطء صوب ذلك الجسد يتجهز للصراخ في وجهه، لكن لم يكد يفعل حتى وجد لكمة تسقط على وجهه وصوت جهوري يصدح في المكان :
_ ترفع يدك على شعبك، يدك التي كان من المفترض أن ترد أيادي المعتدي عنهم هي نفسها التي تبطش بهم ؟؟
رفع الجميع عيونهم صوب المتحدث والذي كان نفسه قائد جيوش سبز " أصلان"، ينظر للجميع حوله باشمئزاز وكره، يدفع الرجل للخلف، ثم مال وساند الرجل حتى وقف ومن بعدها واجه الجميع يهتف بصوت مرتفع :
_ هذه البلاد لا كلمة بها تعلو فوق كلمة الملك، وأقصد بالملك هنا هو الملك بارق شفاه الله، لا مدعيي الملك، وكلمة الملك بارق الأولى والأخيرة كانت الشعب اولًا، وسيظل الشعب ومصلحته اولًا شئتم أم أبيتم.
تحدث الجندي بصوت مرتفع :
- لكن هذه أوامره الملك أنمار و....
قاطعه أصلان بصوت محتد :
- وأنا لا آخذ اوامري من سيدك يا هذا، اذهب له وأخبره أنني وإن أردت جعلت سبز جحيمًا له ولمن معه، فليتجنب غضبي ويعود عما برأسه، لأنني سأكون له ولكل من سولت نفسه بأذية سبز في المرصاد .
ختم حديثه يدفعه بعيدًا ليتوعد له الجندي ويرحل ومن معه، بينما بقي أصلان ينظر لاثره بأعين ملتمعة بالغضب، ثم دار بعيونه في الرجال حوله يتنفس بصوت مرتفع وهو يرى نفق مظلم يكاد يبتلع سبز ومن بها .
_ دمتي في رعاية الله يا سبز .........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي ..
كان يقف على أعتاب قصر مشكى يودع الجميع بأعين حزينة وخاصة شقيقته الحبيبة، مال يحتضنها بقوة هامسًا :
_ سترحلين ومعكِ قلبي جوهرتي ...
ضمته كهرمان بحنان وهي تربت فوق ظهره :
- هذه ستكون المرة الأولى التي اتركك بها مطمئنة أنك لن تكون وحدك يا أخي، أما عن قلبك فتركت لك نصفه تهديه لمن تستحقه .
ختمت حديثها وهي تمنحه بسمة صغيرة تشير بعيونها صوب سلمى التي كانت تراقب تعامل أرسلان اللطيف مع شقيقته بصدمة لا تظن أنها ستنجلي قريبًا..
ابتلعت ريقها بتوتر حين أبصرت تحول نظرات الجميع صوبها، رمشت بتوتر وهي تنظر خلفها بحثًا عمن جذب انتباههم، ثم نظرت للأعلى لربما كانوا ينظرون لموزي، وحينما أدركت أنها هي كانت هدف نظراتهم ارتسمت بسمة خجولة صغيرة فوق شفتيها ترفع كفها في الهواء تلوح به لكهرمان .
ضحكت كهرمان ضحكة صغيرة وهي تميل هامسة لأخيها :
_ الله أتى لك بالفتاة من عالم آخر، فلا تضيعها منك يا أخي فلن تجد من تلائمك مثلها ..
ختمت حديثها تتحرك صوب سلمى تفتح لها ذراعيها مودعة :
_ سأشتاق لكِ سلمى .
عانقتها سلمى بصدق تهمس بحزن جلي :
_ أمن الضروري رحيلكم كهرمان؟؟ هكذا سأصبح وحدي .
_ لقد تركنا سفيد طويلًا وآن اوآن العودة، حينما تصبحين ملكة لمشكى ستدركين معنى أن يترك الملك أو الملكة مملكتهم جلالتك .
احمر وجه سلمى بقوة لتميل عليها كهرمان هامسة :
_ أنتِ لم تغيري رأيكِ صحيح ؟!
نظرت لها سلمى ثواني تهمس :
_ هذا يعتمد على شقيقك كهرمان .
ابتسمت لها الأخيرة في الوقت الذي اقتربت به تبارك لتفتح لها سلمى ذراعيها تودعها بحب شديد :
_ سأشتاق لكِ تبارك، أنتِ من أرق وألطف النساء الذين قابلتهن في العالمين .
ابتسمت تبارك لهذا اللقب:
_ وأنتِ كذلك لطيفة جدًا، ألقاكِ على خير حين نأتي لزفاف وسنحضر باقي الفتيات ستحبينهن .
_ سأتشرف بذلك بالطبع .
فجأة سمع الجميع صوت المنادي يأمر بالتحرك، لتميل كهرمان نصف ميلة تودع الجميع وكذلك تبارك وتحركن صوب موكب النساء الذي يقبع على عربة تجرها الخيول، ومن ثم تحركوا خارج أسوار مشكى مع رجال سفيد الذين ودعوا أرسلان بالمثل .
واخيرًا أُغلقت ابواب مشكى ولم يتبقى بها سوى أهلها ..
استدار أرسلان ببطء للخلف ليبصرها تحدق في أبواب مشكى بمشاعر عديدة جعلته يتساءل :
_ هل أنتِ بخير ؟؟
رفعت عيونها له تجيب بهدوء :
_ نعم فقط أتساءل متى يحين دوري ؟؟
رفع حاجبه بدون فهم يسألها التوضيحء لتكمل هي مبتسمة بسمة جانبية :
_ للرحيل أقصد.
أجابها بنفس البسمة الخاصة بها :
_ نعم أحب رؤيتك تحاولين .
_ صدقني أنت هكذا باستفزازك لي لا تحسن الأمر ولا تغير رأيي.
_ ومن أخبرك أنني اسعى لتحسين الأمر من الأساس ؟!
صمت ثواني ثم أشار للباب الذي كان قد أغلق بالفعل :
_ أخبرتك سابقًا، هذه بوابة القصر غادريها إن استطعتي .
رفعت حاجبها، وهو فقط أبعد عيونه عنها يردد بهدوء :
_ صحيح اليوم ستأتي فاطمة، سيعمل المعتصم على إيصالها لكِ وحينما تنتهين من العمل معها لدينا مبارزة نخوضها سويًا، ومن ثم نبدأ تدريبات التصويب، واخيرًا نصف ساعة يمكنك قضاؤها مع ذاتك للتأمل .
ابتسمت له تهز رأسها بهدوء شديد :
_ هذا كرم شديد منك اقدره وبشدة مولاي، اعتقد أن هذا عادل بما يكفي، شكرًا لك .
هز لها كتفه ورأسه، ثم تحرك بعيدًا عنها ببطء يهتف :
_ العدل أساس الملك آنستي، اتمنى لكِ يومًا سعيدًا بين ربوع مشكى ...في حفظ الله .
ختم حديثه يتحرك بعيدًا عن الجميع وهو يشير لبعض رجاله أن يلحقوا به وقد أظلمت تعابير وجهه فجأة وبشدة وكأنه تحول لشخصٍ آخر للتو .
بينما سلمى تراقب ظهره بهدوء، قبل أن تنظر صوب موزي تهمس بضيق :
_ سيتعبنا هذا الوسيم ها ؟!
أصدر موزي صوتًا مرتفعًا لتومأ هي مؤيدة كل أحاديثه التي لا تفهمها بالمناسبة :
- هذا رأيي كذلك، كان لطيفًا طالما كان مجرد شخصية في رواية، لكن حينما خرج منها أصبح شريرًا، و ..حسنًا أنا لست طيبة أيضًا كما تعلم موزي، لذا نعم هو يناسبني بعض الشيء ،
تمسك موزي برأسها وهو يصدر اصواتًا خافتة بعض الشيء وكأنه يحتج بصمت عما يحدث :
_ لا تقلق موزي، لن اتخلى عنك أبدًا في المقابل، ثم ما يزال طريقي مع هذا النرجسي طويلًا، وإن ظن أنني سأستسلم له بهذه السهولة فقد أخطأ.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتزع المعتصم القوس من يد الجندي، ثم ازاحه بهدوء شديد جانبًا يشير له بهدوء يعلمه إياه كل الأخطاء التي وقع به :
_ انظر يا صديقي هذا كتفك الذي يمسك القوس، لا علاقة له بأي حركة تقوم بها، ثبته ولا تحركه، هذا فقط هو ما تحركه، الكتف المتصل بالذراع الذي تحمل القوس، اجذب السهم للخلف، ضع كل قوتك في الجذب، اسحب واسحب حتى تشعر أن لا مجال لسحبة واحدة إضافية، ومن ثم ضع كل تركيزك وجمع حواسك بأكملها في الهدف وأخيرًا ......
وبمجرد أن نطق كلمته الأخيرة كان السهم يفلت من أسره بين أنامل المعتصم يلتف في الهواء بقوة مرعبة حتى استقر في هدفه اخيرًا لتتسع بسمع المعتصم، يمنح القوس مرة أخرى للرجل:
_ سهل صحيح ؟!
كانت أنظار الرجل ما تزال معلقة على الشجرة أمامه بصدمة كبيرة يراقبها متسع الفم، كبت المعتصم بسمة وهو يربت على كتفه :
_ أثق بك، تستطيع فعلها يا أخي.
حرك الرجل عيونه صوب المعتصم :
_ لكن يا قائد....
_ لا لكن، فقط أبذل ما بوسعك وافعل ما تستطيعه وحين تصل لنهاية الطريق يمكنك وقتها قول لكن، لكن بعدما تقدم كل ما تملك .
غمز له المعتصم، ثم ابتعد يشير له بإكمال ما كان يفعل، يراقب التدريبات باهتمام شديد وبسمته تتسع شيئًا فشيء وهو يرى أن الجيش أصبح على قدر عالي من التمرس ومن يبصر هؤلاء الرجال الآن لن يتخيل أنهم وقبل بضعة أشهر كانوا مجرد أرباب منزل وبائعي في الأسواق عاديين .
بفضل الله اولًا، وتدريبات الملك ومن ثم متابعته، الأن يمكنه القول أن مشكى تمتلك جيشًا يُعتمد عليه .
خرج من أفكاره على صوت أحد الجنود يتقدم منه يهتف باحترام :
_ سيدي الملك ينتظرك في قاعة الاجتماعات لأجل مناقشة بعض الأمور .
هز له المعتصم رأسه، ثم أشار صوب أحد الجنود القدامى :
_ تيّم، أكمل العمل من هنا لحين أرى ما استدعاني الملك لأجله.
ختم حديثه وتحرك بسرعة وهو يشمر اكمامه، يعدل خصلاته، وقد كان يرتدي ثوب أبيض مع بنطال بني.
قبل أن يتوقف فجأة في سيره حين ابصرها تمر أمامه مع مجموعة من النساء تتحرك صوب الحديقة، إذن هي جاءت هنا ولم تقفز له في ساحة القتال ؟؟
مريب، هل يعقل أنها واخيرًا قررت أن تتبع تعليماته ولا تقفز له في مناطق الرجال، الآن فعلت ؟؟
نظر حوله يود لو يتحرك لها ويجرها معه صوب سلمى، لكن لا يستطيع، بالتأكيد لا يمكنه أن يتخطى مكانته وكل شيء، وفوقهم حدود دينه، لذا توقف ينظر حوله يبتغي وسيلة ليوصله لها .
وحين يأس أن يفعل تنهد بصوت مرتفع وهو يكمل طريقه خوفًا من التأخر على أرسلان، يثق أنه سيجد طريقة ليتواصل معها، وما كاد يخطو خطوته الأولى صوب القاعة حتى سمع صوتها يهتف بنفس النبرة المعتادة منها :
_ يا المــعتـصــــم .
توقفت أقدامه يستدير حول نفسه بسرعة يتأكد أن لا أحد انتبه لما فعلت، لكن وقبل أن يتأكد وجدها تقف أمامه بسرعة وهي تردد ببسمة واسعة :
_ السلام عليكم يا المعتصم، كيف حالك اليوم، عسى يومك سعيدًا إن شاء الله ..
رمش المعتصم بصدمة وهو يحرك عينيه بتوتر في كل مكان لا يستوعب كل تلك الكلمات أو الأسئلة التي انبثقت من فمها
_ هل أنت بخير ؟؟ مالك تنظر في كل مكان حولك ؟؟ هل تبحث عن شيء ضائع، أهي قطتك الصغيرة برفى ؟؟
نظر لها بتعجب :
_ برفى ؟؟ هل تتذكرينها ؟؟
_ نعم بالطبع افعل، أنا من اعطيتها لك هدية في النهاية ألا تتذكر ؟؟
صمتت تطيل النظر به مرددة :
_ هل ....تعاني مشاكل في ذاكرتك أيها المعتصم ؟؟
تشنجت ملامح المعتصم بقوة يحدق في وجهها باستنكار :
_ هذا أنا ؟؟
حرك رأسه بلا اهتمام، ثم تنهد بصوت مرتفع يهتف بصوت منخفض بعض الشيء وكأنه يتلاشى أن يستمع أحد لحوارهم والذي يسعى أن ينتهي بأسرع وقت :
_ هناك أحدهم كنت أود منك التعرف عليه .
نظرت له بعدم فهم ليكمل هو :
_ صديقة لكِ، ألم تخبريني أنك لا تمتلكين اصدقاء فاطمة !!
ازدادت نظرات الريبة من عيون فاطمة، لينظر هو إلى عيونها بثقة وكأنه يشجعها على الأمر، يشير صوب الحديقة الخلفية للقصر :
_ انظري لهذه الحديقة، هناك امرأة هناك تجلس مع قرد تنتظرك للتعرف عليكِ، لقد أخبرتها عنكِ وكم أنتِ فتاة لطيفة وهي متشوقة للتعرف عليكِ.
اتسعت عيون فاطمة بحماس شديد وقد تجاهلت كل جملته ولم تعلق سوى على كلمات بعينها .
_ حقًا فعلت ؟! هل تراني لطيفة يا المعتصم ؟؟
رمش المعتصم واشتعل وجهه بخجل وكأنه للتو ادرك ما قال، وهو من ظن أنها لن تتوقف عند تلك الكلمة .
وضع يده أمام فمه يحاول أن يخرج كلماته بنبرة جامدة :
_ نعم صحيح، والآن هي متشوقة للتعرف بكِ، هل تذهبين للتعرف بها ؟؟
_ نعم لا مشكلة في ذلك، لكن أنا لدي الكثير من العمل و....
قاطعها المعتصم دون نقاش معها في الأمر :
_ أوه لا، لا تهتمي بهذا الشأن، لقد .... أنا سوف أخبر المسؤولة بالأمر وهي لن تمانع أن تأخذي راحة .
_ راحة ماذا أنا بدأت للتو .
هز رأسه بهدوء ينظر حوله يحاول إيجاد حجة جيدة قبل أن يهتف بها :
_ اسمعي فاطمة هذه المرأة التي ستذهبين لها هي امرأة مسكينة وحيدة لا اصدقاء لها هنا أبدًا، وحينما أخبرتها عنكِ أحبتكِ وطلبت مني التوسط لها عندكِ كي تصبحي صديقة لها، وهي الآن تجلس وحيدة هناك فهل تذهبين لها ؟؟
نظرت فاطمة صوب الحديقة بتردد تشعر بالريبة مما يحدث، هي ليست غبية لتتجاهل كل هذا التوتر المنتشر على وجه المعتصم، لكن ....هذا المعتصم وهي تثق به صحيح ؟!
_ حقًا ؟؟ أم تحاول استغلال طيبتي وتخدعني ؟؟
رمش المعتصم، ينفي برأسه بسرعة :
_ لا اقسم أنني لا أفعل، فقط اذهبي بنفسي وانظري، سوف تحبين المرأة كثيرًا فهي لطيفة .
ابتلعت فاطمة ريقها تنظر له ثواني ثم هزت رأسها:
_ حسنًا لا بأس سأذهب، لكن ....
توقفت عما كادت تتحدث به وترددت ليشجعها على التحدث :
_ لكن ماذا فاطمة ؟؟
لا تقول لطيفة عن امرأة أخرى غيري ...كلمات كبتتها داخلها بغيرة فطرية، ليست تلك الغيرة التي تنشأ بين رجل وامرأة في العادة، بل هي غيرة نشأت بين فتاة ترفض أن يمنح الرجل الوحيد والشخص الوحيد الذي يهتم بها اهتمامًا لشخص غيرها خاصة لو كان ذلك الشخص امرأة أخرى .
_ لا شيء، سأذهب وأنت...فقط أخبر رئيسة العمال أنني سأغيب لدقائق واعود حسنًا ؟؟
هز لها رأسه مبتسمًا وهو يراقبها تتحرك صوب الحديقة بتردد، تلتفت كل ثانية للخلف وكأنها تتأكد أنه يراقبها حتى إذا ما حدث شيء تركض له تستنجد به .
ابتسم لها بسمة مطمئنة حتى ابصرها واخيرًا تدخل الحديقة ليتنفس الصعداء :
_ الآن انتهت مهمتي، عسى الله أن يوفقك جلالة الملكة في مهمتك .
نظر لباب الحديقة بتردد، قبل أن يبلل شفتيه ويتحرك سريعًا بخطوات شبه مهرولة صوب القاعة وهو يمني نفسه بعلاج سريع للصغيرة.
وكل ثانية يلتفت للخلف ينظر صوب الحديقة وكأن أودع للتو صغيرته في الروضة بيومها الأول، ولم يتوقف عن الاستدارة حتى اصطدم بقوة في أحد الرجال ليعتذر بسرعة مبتسمًا له بخجل :
_ اه اعتذر منك، اعذرني لم ابصرك.
ختم حديثه وهو يرفع يده معتذرًا، ثم تحرك بسرعة صوب القاعة يفرك رقبته بخجل مما يحدث معه ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت الحديقة بتردد شديد تشعر بالخوف من التعرف على أشخاص غرباء ربما يكونون سيئين، لكن المعتصم اخيره أنها لطيفة وهي تثق به .
ويبدو أن المعتصم أضحى مقياس فاطمة في الآونة الأخيرة للتعامل مع العالم الخارجي .
وبمجرد أن خطت للمكان حتى دارت بعيونها فيه بحثًا عن تلك الفتاة التي تحدث عنها المعتصم، لتبصر فتاة تجلس بين الورود الملونة ارضًا تلتقط بعضها، ترتدي فستان غريب عليه رسومات لورود كذلك، وهناك قرد يجلس أعلى كتفها.
كانت تبدو كما لو أنها.....خرجت من لوحة، جميلة رقيقة مشرقة .
فجأة استدارت لها تلك المرأة تمنحها بسمة واسعة رقيقة ولطيفة تهتف باسمها بصوت رقيق :
_ فاطمة ؟؟
رمشت فاطمة بريبة لا تدري ما يجب فعله، ظلت واقفة مكانها تتراجع خطوات غير محسوسة، وقد اشتعلت إنذارات والدتها بتجنب الغرباء في رأسها.
ظلت تفرك يديها بقوة وهي تنظر لبوابة الحديقة، لتدرك سلمى ما تفكر فيه في هذه اللحظة، تلاحظ علامات التوتر التي انتشرت على جسدها .
جمعت بعض الورود تنهض تتحرك صوب فاطمة بخطوات هادئة تعطيها كامل وقتها لتتخذ ردة فعلها قبل أن تصل لها تحمل زهرة ملونة تضعها داخل حجاب فاطمة وهي تهمس بلطف :
_ زهرة الفريسيا، تشبهك وبشدة .
صمتت ترى نظرات فاطمة المنبهرة مما تسمع، قبل أن تعود عيونها صوب سلمى تتساءل عما تقصد لتوضح لها سلمى وهي تجذب يدها برقة صوب الطاولة الجانبية :
_ زهرة الفريسيا، ترمز للبراءة؛ لذا شعرت أنها تعبر عنكِ .
اتسعت عيون فاطمة أكثر بأنبهار تتحسس الزهرة داخل حجابها :
_ هل حقًا أشبه الزهور .
_ بل الزهور هي من تشبهك فاطمة، ألا تمتلكين مرآة لرؤية كم أنتِ جميلة وبريئة تبارك الرحمن .
وباستثناء كلمات والدتها الحبيبة وغزل والدها وشقيقها، كانت تلك أول كلمات لطيفة تسمعها فاطمة في حياتها، اول شخص يمتدح جمالها المخبئ أسفل أكوام العناء والشقاء الذي يغطي كامل ملامحها .
رفعت عيونها لتبصر القرد يمسك أحد الزهور يتناولها وهو ينظر لها بأعين متسعة لتردد سلمى وهي تجذب منه الزهرة بضيق :
_ حتى موزي يرى أنكِ جميلة، صحيح موزي ؟!
أصدر موزي صوتًا مرتفعًا وهو ييتأمل فاطمة يميل برأسه على رأس سلمى .
خجلت فاطمة وأحمر وجهها تنظر للزهور التي وضعتها سلمى على الطاولة:
_ شكرًا لكِ، أنتِ كذلك لطيفة، لقد ...لقد أخبرني المعتصم أنكِ لا تمتلكين اصدقاء هنا، وهذا غريب إذ أنكِ جميلة ولطيفة كذلك .
_ كنت انتظرك لتكوني صديقتي فاطمة، فهل تكوني ؟!
نظرت لها فاطمة بتردد وهي تتذكر كلمات والدتها المحذرة عن كيفية التعامل مع الغرباء، لكنها سبق وتعاملت معهم ولم يخدعها أحدهم، وهذه تبدو لطيفة كما المعتصم، لذا ابتسمت ترفع كفها تصافح كف سلمى الممدود تهتف بسعادة :
_ نعم يسعدني ذلك وبشدة ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى عكس جلسة النساء في الحديقة والتي كانت تفوح منها رائحة الزهور وتتطاير حولها الفراشات، كانت جلسة الرجال تفوح منها رائحة الدماء والخناجر تتطاير يمينًا ويسارًا .
انتفض جسد بعض الرجال على صوت غرز أحد الخناجر في الخريطة التي تغطي الطاولة أمامهم، وفي جزء معين استقصده أرسلان .
ابتسم أرسلان وهو يشمر عن اكمامه وقد كان يرتدي ثياب علوية باللون الابيض على عكس عادته مع بنطال اسود اللون تاركًا خصلاته الكثيفة تتطاير بعشوائية حوله .
يستند بقبضتيه على الطاولة أمامه يردف كلماته بكل هدوء :
_ هذه المنطقة الواسعة والتي وضعت حولها دائرة حمراء، المنطقة المستهدفة من المتمردين والتي ينتوون جعلها مملكة خامسة لهم، وكأن الأرض تابعة لوالدهم..
صمت ثم حرك رقبته يقول بتوضيح :
_ منطقة تضمن سبز بأكملها دون استثناء شبر منها وحدود مشكى مع سبز وحدود آبى مع سبنز والغابات التي تحد سفيد، ومن هذه الخريطة الصغيرة نستنتج شيء هام، ترى ما هو اعزائي ؟؟
تحدث زيان وهو يفكر في حديث أرسلان :
_ لِمَ سبز بالتحديد ستكون كاملة ضمن خطتهم في تكوين مملكة ؟؟
أجابه المعتصم بشرود وكأنه يفكر بصوت عالٍ :
_ سبز هي مقرهم الرئيسي ؟!
أشار له أرسلان، ثم صفق يهتف بإعجاب واضح :
_ احسنت، سبز هي مقرهم الأساسي، إذ يبدو أن أولائك الخنازير لم يكتفوا بسبز وقد بدأوا ينشرون قذوراتهم حول الممالك، وذاك الهجوم الذي شُن منذ أيام على جميع الممالك في الوقت ذاته كان ستارًا لضخ المزيد من صغار الخنازير داخل الممالك والبدء ببث سمومهم في نفوس الشعوب وتلك حربهم الأولى.
أولى الجميع انتباهه لأرسلان وما يقول، بينما الأخير اكمل بهدوء يستند على الطاولة يضيق عيونه مبتسمًا بسمة كانت أشبه بغيوم مفاجئه بعد يوم صافٍ :
_ نحن الآن لا نواجه حفنة من الاغبياء عديمي الخبرة كالمنبوذين والذين كنا ندرك جميعًا أقصى ما يمكنهم فعله هو التكاثر كالحشرات، ولولا كثرتهم ما خطوا أرض مشكى سابقًا .
فرد يديه يهتف بجدية كبيرة :
_ هؤلاء كانوا ويؤسفني قول أنهم كانوا بقايا بعض الذكور هنا، لذا هم متمرسين يدرون جيدًا كيف يحملون سيفًا ويقاتلوننا، يتوقعون منا رجفة وجهلًا بما يفعلون .
صمت ثم دار بنظراته بينهم وكأنه يختبر ردات فعلهم، يمنحهم كامل وقتهم ليبصر ردات فعلهم على حديثه، ثم مال على الطاولة يبتسم بسمة مرعبة وهو يردد بصوت كالفحيح :
_ إذن امنحوهم ما يريدون يا رجال .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ فقط سر معي نزار وسوف تعلم ما أريده منك حين نصل.
تحرك معه نزار بضيق شديد ود لو استدار وهروب بعيدًا عن المكان، لكن لأجل النفاذ بروحه وروح الأميرة والتنفيذ ما يخطط له عليه مجاراتهم .
وصل واخيرًا صوب منزل اضخم من جميع المنازل حوله، ولم يكن الأمر بحاجة لذكاء ليدرك نزار أنه مقر كبير المستنقع، تحرك للداخل بعدما أخذ الوليد الأذن لهم من الحراس على الباب .
دخل وهو ينظر حوله بضيق واختناق، وكأنه لا يطيق البقاء في المكان ثانية إضافية، لكن وبمجرد أن وطأ المنزل سمع صوت نزار يدعوه للتقدم أكثر:
_ الأمير نزار أنار خيمتي بنفسه، يالهذا الشرف العظيم ؟؟
كان من الواضح السخرية البارزة في احرفه وكلماته، لكن نزار اتسعت بسمته وهو يقف وقفة قوية يهز رأسه بهدوء :
_ لا بأس ببعض التواضع مع امثالك نزار .
تغضنت ملامح أنمار بقوة من رد نزار، لكن سرعان ما لانت وهو يمنحه بسمة واسعة يردد بجدية :
- تقدم يا عزيزي وجاورني المجلس فما جئت به يحتاج لأن ترتاح وتستقر .
رفع نزار حاجبه ولم تعجبه اللهجة التي يتحدث بها أنمار ورغم ذلك تقدم من مجلسه يجلس بهدوء وقد جاوره الوليد هادئًا بشكل كبير وكأنه يرتقب انفجارًا أو ما شابه .
_ أخبرني الوليد أنك رفضت العمل على الدواء الذي نطالبك به، لماذا يا ترى ؟! ألا تعتبره ردًا لجميل انقاذك من الموت ؟؟
حدق نزار في أعين أنمار بقوة :
_ عزيزي أنمار، هل تراني في مكان افضل من القبر الذي كنت سأذهب له إن لم تنقذني ؟؟ لا، صحيح ؟؟ إذن لا تعتبر انقاذك لي جميل طالما لم تأخذني لمكان افضل مما كنت سأذهب له على أية حال .
التوى جانب فم أنمار فيما يشبه البسمة، لكنها لم تكن بسمة بأي شكل من الأشكال، لكن نزار قابل تعابير وجهه تلك بهدوء شديد وهو يضم يديه لصدره في انتظار ما يريد لاحقًا .
- حسنًا يبدو أنك ما زلت تمتلك نفس العقلية الخاصة برجال الممالك، يتبجحون ويتكبرون حتى نعطيهم الحافز المناسب ليتوسلونا .
رفع نزار حاجبه بسخرية ولم يكد يتحدث بكلمة حتى وجد أنمار يشير بإصبعه لأحدهم، ليغيب الرجل داخل المنزل ويعود بعد ثواني يمسك بين يديه توبة مقيدة ومكممة الفاه ووجهها يحتوي العديد من الجروح، ورغم ذلك مازالت تقاوم وبشدة .
أشار أنمار للرجل، فألقى توبة ارضًا بقوة مما جعل جسد نزار ينتفض بسرعة لولا يد أنمار الذي أوقفه يردد باستفزاز لكل خلية من جسده :
_ ليس بهذه السهولة أيها الشهم، في البداية علينا مناقشة ما سآخذه في المقابل لاسمح لك بممارسة دور البطل أمام زوجتي .
صمت ثواني قبل أن يرفع إصبعًا يعدل حديثه السابق :
_ أوه معذرة يبدو أنني انسى كثيرًا هذه الأيام، اقصد أمام طليقتي ...........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقف في منتصف حلبة القتال يقذف تفاحة في الهواء ثم يعود ويلتقطها بيده، يتحدث بهدوء وهو يراقبها تحاول إتخاذ وضعية الهجوم منذ دقائق طويلة .
نظر صوب السماء، ثم عاد ونظر لها يتناول قضمة من التفاحة بيده :
_ هيا يا ابنتي اسرعي أوشكت الشمس على المغيب ولم تنجحي في ضربة واحدة حتى .
زفرت سلمى بصوت مرتفع وهي تضم قبضتها بقوة على السيف تتخذ وضعية أخرى غير التي كانت تتخذها منذ ثواني، ثم رفعت عيونها له تردد بحنق :
_ متأكد أن هذه تدريبات خفيفة تليق بالنساء ؟!
هز أرسلان رأسه بنعم يمضغ التفاحة بتلذذ، ثم اعتدل في وقفته يردد من بين مضغاته :
_ إذن هل أنتِ جاهزة لهذا ؟!
نفت برأسها، ليبتسم هو ثم رفع التفاحة يلقي بها بقوة صوبها لتحرك سلمى السيف بسرعة أمامها بغية تقطيع التفاحة شطرين تمامًا كما كانت تشاهد في افلام الكرتون قديمًا، لكن الأمر والذي كان يبدو في غاية السهولة على التلفاز كان صعبًا على أرض الواقع خاصة إن كان معلمك لئيمًا كأرسلان .
أخطأت الضربة ولم تكد تعتدل حتى وجدت تفاحة أخرى تتجه صوبها بقوة كبيرة لتصيب ذراعها، صاحت بتذمر :
_ هيييه هذا مؤلم ...
نظر لها بشر يصرخ بتوبيخ :
_ مؤلم، إذن صديها .
_ اه هذا حل سهل لم يخطر على عقلي .
هز لها رأسه، ثم رفع تفاحة أخرى يوجهها بدقة صوبها وبكل قوة لتصيب رأسها وتسقطها للخلف وهي تطلق تأوهًا مرتفعًا رنّ صداه في الأجواء :
_ لقد تقصدت هذا، أنت تقصدت هذا اقسم لك .
مسح أرسلان وجهه بعنف وهو يتحرك صوبها يشرف عليها من الاعلى يراقبها بضيق :
_ أنتِ لم تصدي تفاحة واحدة منذ بداية اليوم ولو بشكل خاطئ حتى .
أجابته سلمى المرمية ارضًا وهي تبتسم بسمة واسعة مشتعلة بالغضب :
_ معذرة منك مولاي، أنا فقط أحب تلقي بعض الضربات في جميع أنحاء جسدي قبل النوم كنوع من العلاج الطبيعي كما تعلم، لذا اتعمد ألا اصد أي ضربة منك طبعًا.
رفع حاجبه لها يشير لها بعيونه أن تنهض مبتسمًا بسخرية :
_ إذن تحركي وانهضي، كي نكمل علاجًا طبيعيًا .
زفرت سلمى بصوت مرتفع وهي تحاول النهوض تتمتم بصوت غاضب :
_ لو أن موزي كان هنا، ما كان ترك تفاحة واحدة تصيبني، بل كان قفز في الهواء يلتقطها بفمه، أين ذلك القرد حينما احتاجه ؟؟
_ إذا كنتِ انتهيتي من رثاء نفسك هل نبدأ؟!
اعتدل تتخذ وضعية الهجوم تشير له بحنق وهي تحرك السيف في الهواء وكأنها تتخيل جسده معلقًا أمامها تقطعه لشرائح متناهية الصغر :
_ فقط توقف عن الحديث وأكمل تعذيبي بصمت رجاءً.
ابتسم لها أرسلان يرفع تفاحة، ثم تعمد أن يلقيها ببطء دون أن يضع بها أي قوة، كي تصدها ويزيد من ثقتها بنفسها، لكن هي على العكس كانت تجهز نفسها لضربة قوية منه، وأخذت تقفز تستعد لصدر الضربة وقطع التفاحة لتكون النتيجة سقوط التفاحة أرضًا بكل سهولة أسفل أقدامها .
تحركت عيون أرسلان صوب التفاحة يفتح فمه بعدم تصديق مشيرًا للتفاحة بصدمة أفقدته النطق وكأنه يخبرها " ما خطبك ؟!"
أما عن سلمى. فهي ظلت تنظر للتفاحة ثواني بصدمة كبيرة، ثم رفعت عيونها له تدعي أن ذلك كان مقصودًا ترفع اصبعها في وجهه :
- وهذا حتى لا تستهين بقدراتي وتعاملني كالاطفال، أريد ضربات قوية .
نظر أرسلان لاصبعها بغضب شديد :
_ خســـ
قاطعته سلمى وهي تصرخ في وجهه بصوت مرتفع تسبقه هذه المرة وقد سئمت من هذا الرجل :
_ بل خسئت أنت، خسئت أنت واشباهك الاربعين .
ابتسم لها أرسلان باستهانة يجيب بكل بساطة :
_ احضري لي شبيهًا واحدًا في هذه الحياة، لنتحدث بأربعين يا امرأة ...
اشتعلت أعين سلمى تلقي سيفها ارضًا بغضب تصيح في وجهه وقد وصلت لحافة غضبها :
_ نــــرجســـــــي .
رد لها الصراخ بالمثل :
_ وأنت وقحـــــة .
ولولا أنها تخشى أن يقطع عنقها بأحد السيوف التي تحيط بهما، لكانت اسمعته في هذه اللحظة سبة لم يسمع بها يومًا في عالمه، رفعت إصبعها في وجهه ليشير لها بعيونه أن تنزل إصبعها، فانزلته وهي تقول بعدما هدأت نفسها بأعجوبة وارتسمت بسمة واسعة هادئة على وجهها :
_ أوتعلم ؟؟ أنا لن اجادلك في هذا، لتحترق بغضبك أيها المتعجرف، ليلة سعيدة لك مولاي .
ختمت حديثها تتحرك بعيدًا عنه بسرعة ترفع يدها تدس خصلاتها التي كادت تفر من قبعة ثوبها الشتوي للخارج، تتمتم بغضب :
_ بالله كان السجناء أكثر لطفًا ورقيًا من هذا الرجل ...
تابعها أرسلان وهي ترحل بخطوات هادئة وكأنها تمتلك العالم بأكمله، يبتسم عليها يردد بعدم تصديق وهو يتناول قضمة من التفاح :
_ عجبًا، أعصاب هذه المرأة من فولاذ حقًا .
بينما تحركت سول في المكان صوب المبنى المخصص للنوم وقد قررت قبل الخلود للفراش أن تدون ملاحظاتها عن حالة فاطمة والتي بدأت اليوم تتقرب منها شيئًا فشيء قبل أن تتخذ خطوة جدية في علاجها، عليها جعل فاطمة تثق بها في البداية ومن ثم تبدأ بعلاج فعلي لها ..
تحركت داخل الحديقة تبتعد بخطوات متعجلة صوب المبنى تكره السير وحدها في هذا الليل لقلة المشاعل في هذا الجانب من القصر، وفي الحقيقة كان كرهها هذا مبررًا، فقبل أن تصل بخطوات لمبنى الغرف شعرت بحركة حولها جعلت تشعر بالريبة، لكنها لم تتوقف لتستكشف مصدر تلك الحركات، بل اندفعت صوب المبنى بخطوات شبه مهرولة وقبل أن تخرج من منطقة القتال بالكامل شعرت بأحدهم يكمم فمها من الخلف وسلاح حاد يوضع على عنقها وصوت هامس يردد بنبرة لا تبشر بالخير :
_ الآن ودون أي همسة واحدة ستتحركين معي وتنفذين ما أقول لكِ جلالة الملكة .............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تخدعنك البسمات فما هي إلا قشور المشاعر، ولا يخدعنك الهدوء فما هو إلا مقدمات العواصف..
دمتم سالمين
رحمة نبيل


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close