اخر الروايات

رواية تسونامي القلب كامله وحصريه بقلم اماني زيدان

رواية تسونامي القلب كامله وحصريه بقلم اماني زيدان



إهداء
إلي أحبائي ، إلي من شاركوني مقتطفات حياتي لأسرد حبري مبعثرًا فيبحروا بين ثنايا حروفي و يجدوا روحهم الضائعة وسط كلماتي.
***
المقدمة
احيانا الخوف يتملك منا ، احيانا لا نقدر علي المقاومة
تتوجب عليك المقاومة و لكن تشعر أنك مقيد، أنك عاجز، خائف من المستقبل و كلما مر الوقت تشعر باقتراب النار، بألم شديد و تفضل الهرب من وطنك طلبًا للراحة و لكن أين الراحة ؟؟ كأن بنيران تحرق جسدك ليصير رمادا مهشمًا تذروه الرياح لا بل بركان داخلك يفور و يحثك علي المقاومة ، تتمزق و كأنها النهاية حتمًا ، تتمني لو اخترت المقاومة .
هيهاااات لا تنفع الندامة !! اخترت الطريق وعليك اكمال السير فيه
هي اختارت الهرب خوفا من المستقبل المظلم مع ابيها و نسيت أن لا شيء يدوم و ان المشاكل تنتهي و أنك ستدفع ثمن قرارك في المستقبل الذي هربت منه فهو قادم لا محال .
اختارت نار البعد اختارت البعد عنهم ليرتاحوا و لترتاح فما خفي كان أعظم !!
لم تجد ما كانت تبحث عنه بل وجدت نفاق و رياء علي تلك الجزيرة و فهل يكتب لها القدر السعادة من جديد ام عليها أن تدفع ثمن قراراها ؟
*******
وسط زحام المدينة و في أحد أزقة شوارعها في جوف قبو المنزل تأكدت ان بابه محكم الاغلاق و احضرت اوراقها التي رسمت فيها مخطط الالة التي ستنتقل بها الي تلك الجزيرة البعيدة عن هؤلاء المزعجين ، ابتسمت عندما وجدت الرسمة كاملة لم يتبق إلا التنفيذ ستبيع تلك الاراضي التي ورثتها عن والدتها ، هي لا تحتاج اراضي بل تحتاج المعدات لكي تصنع الالة التي سوف تحقق حلمها
في اليوم التالي انتقلت الفتاة الي الضفة المجاورة للنهر و اتمت عقود البيع و اشترت ما تريد من ادوات و قامت باستئجار مهندس ليساعدها في بناء الآلة العجيبة كما اطلقا سوا .
المهندس : متأكدة مما تقومين به حتمًا هذا جنون .
رهف : لا انا أطلق عليه اكتشاف عالمنا لنري ما تخبئه الأيام علي تلك الجزيرة أعدك عندما أعود سأروي لك مغامراتي لتتوارث قصتي عبر التاريخ
المهندس : سأترقب عودتك لكن إن لم تصلي في الوقت المحدد سأقدم النسخة الأخرى من الالة في معرض المخترعات من يعلم إذا نجحت حقا اين سأكون من الأموال التي تنتظرني لا أحد يعود من تلك الجزيرة ، استعيدي عقلك لن انتظر اكثر من سنه من الشهر القادم كي تكوني أنهيت سخافاتك تلك .
رهف : و اذا عدت
المهندس بسخرية : وعد سنتقدم معًا للمعرض لا أستطيع التفريط باختراعاتك ايضا.
خطوت أولى خطواتي نحو مغامرتي الجديدة كأميرة هاربة فقط الاختلاف الوحيد هو أنها هاربة نحو القلعة لا من القلعة، مملكة عريقة تخطف الأنظار بهندستها الفريدة بنوعها ، تأسرك بالمباني كأنها ناطحات سحاب يبدو ان الحضارة هنا تسبق حضارة البلاد عشرة اعوام لا بل مائة عام ، جميع الأنظمه تعمل بالطاقة الشمسية ، البشر فقط مشرفون علي الآلات الصناعية، تجذبك بجمال قصورها فالذهب يحاوط قمة القصر و ينسدل بسلاسله علي جوانب القصر كسنابل قمح ذهبية تعكس أشعة الشمس من فوقها ، وعلو قلاعها الشاهق الذي تدنو بجانبه كحبة سقطت من سُنبلتها إثر خطأ ريح يهفو من تجاه البحر المحيط بالمملكة من جنوبها لتتميز بهوائها الطلق ، محفور علي جدرانها بماء الذهب تراثها و مجد أجدادها ، بسالة فرسانها في تحقيق التقدم لها عبر العصور باختراعاتهم الفذة تمنيت لو كنتُ واحدة من سكانها يكتب علي القلادة التي أرتديها أعمالي مثلهم ففيها الحياة بلا نفاق كما يظن من يدخلها للوهلة الأولي لا تستطيع تدوين علي القلادة ما لم تفعله قبل.
كل شيء في الحياة بثمن و ثمن أن تسكن هذه المملكة و تحيا بأحد قلاعها أن تقدم اختراع لهم يستفيد به سُكان المملكة وهذا ما جئت لأجله.
تخرج قافلة يرأسها شاب يبدو أنه قادم مثلي الي الجزيرة فهو لا يشبههم لا في شكلهم او ردائهم الغريب لكن القلادة المتدلية علي عنقه لا يوجد نقوش باختراعاته فقط صورة بحر سرت في نفسي سخرية:
- هل اخترع البحر و نحن لا نعلم؟!
اقتربت من الحرس علي أسوار تلك المملكة لأتحدث إليهم:
-هل يمكنني تقديم اختراعي و العيش معكم ؟
ليشير ذلك الضخم بإشارات لم أفهمها لكن علي الأرجح فقد أمرهم بتقييدي فها أنا مكبلة اليدين مع لفاع يحجب عني الرؤية، همهمات تتزايد من حولي ثم دوار شديد بعد ارتطام مؤخرة رأسي ليعلن جسدي تمرده عليَّ و أفقد الوعي .
أستيقظ لأجد نفسي طريحة الأرض و الدوار يفتك ب رأسي، تتثاقل جفوني أحاول بقواي الخائرة ارتشاف ذكري قدومي لتلك المملكة من عقلي حتي بدأ وميض الذكريات يهاجمني فأنا أتيت إلي هنا بحثًا عن كأس الاهتمام لأتجرع مذاقه العذب ، كنت ضحية أب مريض بزير النساء منذ وفاة أمي يخرج و يذهب إلي البار طول الليل و يعود صباحًا مع امرأة جديدة ربما يهرب من ألمه لكن ماذا عني و عن ضربه المبرح لي و إهاناتي لأني أذكره بحادث وفاة أمي فأنا أشبهها كثيرا بشعري البني كالقهوة الداكنة و عيناي الرماديتان اللتان تمتلأن بغيوم الحزن و اليأس من مصيري طالما أريه ما أخترع فهذا شغفي منذ الصغر لكنه يتهمني بالجنون و يسخر من اهتماماتي ، لم أميز المكان جيدًا لكن يمكنني الجزم بأن هناك أشخاص في الغرفة
-هل من أحد هنا؟
سرعان ما أتتني إجابة من الطرف الأخر صوت مألوف بالنسبة إليَّ :
-استيقظت أخيراً لم أجد معكي ما يؤهلك لتعيشي تحت ظلال المملكة لكنني فضلت أن استمع اليك قبل أن أؤمر بطردك
-لم أحضره خشية أن يسرق أردت أن أري المكان أولًا ثم…
-يبدو أنها محض إضاعة للوقت أخبرتكم أن تنتظروا المرة القادمة لقد اقترب ما ننتظره أساسًا.
-سيدي فلنستمع إليها أولًا تبقي ستة أشهر لا يزال أمامنا وقت و فرد لن يزيد الطين بلة .
نهضت و قد عادت الرؤية إليّ يبدو أن جسدي كف عن التمرد و سيطلق لي العنان، سته أفراد يجلسون في حلقة دائرية يتوسطهم السابع علي ما يبدو هو سيدهم :
-اختراعي قريب من المملكة علي شاطئ من شواطئ البحر المحيط بها يستطيع أحد رجالك التأكد من ذلك و إحضاره .
-رافقوها الي حيث تريد و أحضروا اختراعها و إن كانت تحاول كسب الوقت تخلصوا منها بطريقتنا المعهودة لتكون عبرة لأهل الجزيرة .
هكذا نطق من يترأسهم استطعت أن أحدس ذلك من لهجته الحازمة، ليقاطع الصوت المألوف مرة أخري :
-انتظروا سآتي معكم
شيّعتُ بصري إليه إنه ذلك الشاب رئيس القافلة جال بخاطري سؤال هل يجنون المال مقابل اختراعاتهم التي تباع في القوافل ربما ، هذا ما سأعلمه مع مرور الأيام .
مضيت بجانب ذلك الشاب صاحب الابتسامة التي لا تفارق ثغره علي عكس والدي المكفهر الوجه دائمًا ليقاطع تأملي صوت جهوري به حدة لكن اللهجة غريبة الي حد ما فأدركت انه أحد الحرس:
-الي اين نتجه لا يوجد غير الكهف في هذا الطريق!!
- نعم لقد وضعته في الكهف
وصلنا إلي الكهف و تطلعوا الي جهازي و وضعوه في صندوق معهم إلي أن أمرهم صاحب الابتسامة بتركنا وحدنا دقائق فقلت :
-ما اسمك لأناديكَ به ؟
واضح انها من نفس بلدتي و هذا ما يثير دهشتي كيف أتت دون أن نجبرها هل يعلم أحد بسر هذه المملكة وإن كان صحيحًا فسيجدر بنا تغيير الخطة، يجب أن تظل هذه الفتاة تحت المراقبة لن تعيش وسط المملكة ستكون في القصر معنا سرعان ما رسمت علي وجهي الجمود :
-اسمي أرثر كيف عثرتي علي هذه المملكة و ما دوافع رغبتك للإقامة بها ؟
لأول مرة تختفي ابتسامته شعرت برعشة في جسدي :
-"أيعقل أنني سيئة لدرجة أن الجميع يعبس معي ؟ هل كان والدي علي صواب؟"
رفعت رأسي لأجيبه :
-أرغب في الهرب بعيدًا عن عالمي و قد سمعت عن مملكة هذه الجزيرة التي لم يعد منها أحد بعد أن غادر عالمنا لهذا بذلت قصاري جهدي لأتقن استخدام اختراعي الذي يمكنني من الذهاب الي اي منطقة ما دامت موجودة علي الخريطة .
راودتني فكرة لاستغلال تلك الفتاة الحمقاء ربما اختراعها سيفيدنا كثيرا في تحقيق ما نريد و سهولة نقلنا في الموعد المحدد لا تعلم أنها جنت علي نفسها بقدومها الي هنا استعدت ابتسامتي و لطافتي الزائدة :
-يا له من اختراع مذهل لذا ستقيمين في القصر معنا دونًا عن بقية السكان .
دوت فرحة في نفسي و وافقت علي الفور:
-اسمي رهف يسعدني التعرف علي جزيرتكم و التجول فيها لأري ملامحها
سمعته يأمر الحرس بمرافقتي أثناء التجول و من ثم إحضاري إلي القصر كان يوما رائعا احتلت الفرحة قلبي، شعرت فيه بخروج اليرقة من شرنقتها التي دامت ٢٠عامًا بعد وفاة الفراشة الأم فأنا الآن عمري في ال٢٥ ، رمال دافئة تحت أقدامي تداعبها، أشجار في كل مكان يحاوطني لأقتطف ثمارها الناضجة ، كل شيء علي الطراز الحديث حتي إنهم يملكون ما يملكه الغرب و لا نملكه نحن كأن البشر اتفقوا علي الفرار باختراعاتهم ليستفيد بها أهل الجزيرة و تفني وحوش مدينتنا البرية .
وصلت القصر واستلمت من الحرس قلادتي عليها صورة الوقت تداهمه أمواج ثائرة مما حير عقلي لكنني نفضت الصورة من ذهني فأنا أريد كسب صفو هذه الأيام، علمت أنني سأقيم في غرفة بجوار القصر هذا المساء حتى اقدم ولائي غدا للحاكم.
لن أنكر ان مكان الغرفة مريب أقسم أنني اذا صرخت هنا لن يسمعني أحد و هذا ما يدفع الشك الي قلبي اذا اصابني مكروه من هؤلاء هل سيعلم أبي مهلا هل إن علم سيحاول انقاذي فما أنا بالنسبة إليه إلا أداة لقتل أمي و قد تعهد هو أن يقتلني بكلماته و أفعاله بلا هوادة .
إناء دخولي الغرفة عاهدت نفسي أنني لن أبكي مجددا خارج جدران غرفتي، ضعفي سأتخلص منه حتي مشاعري تجاه أبي لن تكون سوى قمامة أصنع منها سلما و أمضي قدما من فوقه
مرآتي المخلصة تخفي عيوبي، أبكي وأنتحب، ثم أتوجه إليها لتضمني، وأضع مستحضراتي لأزيل قناع الحزن، وأضحك بخيبة أمل وغصة تملؤني، حتى أقرب الناس إليَّ لا يعرفني، وحدها مرآتي ستسمع شجني، حتى أنني أظنها ستنفجر من آهاتي، غطيت في سبات عميق أمام المرآة التي وقعت كشاهدة علي عهدي
في اليوم التالي وميض ضوء يتسلل إلي غرفتي و كأن أشعة الشمس تتسابق لتداعب وجنتيّ فأتململ علي فراشي فتزداد انسدالًا علي وجهي أنهض بأمل فجر جديد علي هذه الجزيرة اعزم علي أن أكشف لنفسي أسرار هذه الجزيرة المريبة ما سمعته أمس لم يكن مطمئنا البتة لكنني أردت أن استمتع فقط فتجاهلت او تظاهرت بذلك بينما نمت الأفكار السوداوية بداخلي، عليّ فقط انتشال المعلومات من صاحب الابتسامة سيكون فارسي الأبيض أمتطيه لأكشف ستار لغز هذه الجزيرة.
دخل أحدهم يخبرني:
-هلا تجهزتي آنستي فقد حان وقت إظهار الولاء للحاكم .
لتدخل قصر أحلامها و تقابل فارسها ذو الحصان الأبيض فيركع لجمال جسدها و يذوب في بحار عيناها فقد تبددت غيوم اليأس ، هكذا تخيلت القصر الذي يحتل وسط المملكة و يخاف جميع السكان الاقتراب منه كما سمعت البارحة أثناء تجوالها خشية بطش سلطة الحرس الملكي فقد عُرِفوا بالجبروت و التسلط علي ممتلكات من يقترب منهم و نهبها كاملة هذا إن أبقوا حياة الشخص له و لم يسفكوا دمه في ساحة الجزيرة ثم قذف الجثمان الي بحر الدم بالمدفع المصمم خصيصًا لأجل ذلك الغرض لكن صُعقت مما تراه فهؤلاء لا يستحقوا أبدا أن يطلق عليهم لقب حُكام!!
نبيذ أحمر، أناس سكاري يستندون علي الحائط ليصلوا فقط إلي غرفهم ، منضدة القمار مفتوحة علي مصرعيها لتنقض علي كل جديد بالقصر و تنهب أمواله بجوارها لافتة كتب عليها "اربح منصب في القصر"
تلك الجملة وحدها تكفي لجذب ملايين الناس بحروفها المعسولة و اللؤلؤ بجانبها لإغراء الخصم و اخراج شهوة المال لديه
كان مصيري مثل باقي الدخلاء لا يوجد ولاء للحاكم و لا غيره فقط الولاء لتلك المنضدة !!
الجلوس علي الوحش المتنكر داخل ثوب اللطافة الزائدة كي ينجح في الإيقاع بهدفه، جلست أمام خصمي الذي لم أتوقع أن يكون أرثر!!
تبددت أحلامي في مهب الريح و كأن لم تكن لكنني سرعان ما استدركت أنني يمكنني اخذ المعلومات و هو بتلك الحالة غير واعي فأنا لم أقع في حبه ربما أعشق ابتسامته التي لا تفارقه لأنني أتمني لأبي أن يتعلم منه
غبي انت يا قلبي كيف تعشق ابتسامة رجل ألم نتعاهد سويا بأن معشر الرجال مخادعون ؟؟
اتفقنا علي إيقاعه في شبكتنا لتقصي المعلومات هل ستهدم أنت أسوارك؟؟
أنتظرك لتقسو علي جميع الرجال فقد تجمعت الآلام حولي أصبحت تنهشني كالفريسة السهلة لصياد الوجع.
ابتسمت و قد حاوطتني هالة الجمود :
-لا أمتلك مال لألعب فابعد حرسك عني و دعني أرحل .
-ستلعبين علي ملكية اختراعك فأمواج قلادتك تلزمني
ها قد أتي سر تلك الأمواج أردفت قائلة :
-و انت ستلعب علي البوح بأسرارك التي تخصني.
-لا بأس لك ما تريدين هذا ان ربحتي الرهان.
شرح لي أحدهم قواعد اللعبة سريعا لم أفهمها جيدا و بدأت المباراة التي سرعان ما انتهت في ثوانٍ بهزيمتي الساحقة و انتزاع القلادة دون أي انسانية لأري ختما يختم اسمه علي اختراعي ثم أخذه الحرس بعيدًا .
هممت لأنهض خلف وسيلتي الوحيدة للعودة فيا للأسف لم أصنع غيره لحماسي في الذهاب لكنني شعرت بحرارة يده تمسك بي بعنف لأخضع جالسة
- سنلعب من جديد
-ليس لدي ما يمكنني من اللعب ثم إن شرح اساتذتك ليس كافي لي.
ضحكة رنانة تشبه ملامح السخرية ، دوت عالية في المكان لكنها أثلجت صقيع صدري من الرعب "هل جسدي محطته التالية" ثوبي جعلني أسِّب نفسي و الخوف يتملكني
-نرغب في نسخة من اختراعك آنستي
- لا أمتلك نسخ أخري
-تبًا سيكون إهدارا للوقت لكن لا بأس أريده في أقل من أربعة أشهر فلم يتبقى سوي ست أشهر فقط
-ما الذي تسابقون الزمن من أجله يا أرثر ما ذا سيحدث بعد ستة أشهر
- اسمي سيد أرثر دعك من ترحيب البارحة و امسحيه من ذاكرتك لم تفوزي بعد رهف لتعلمي أسراري و ثقي أنكِ طالما لم تعلمي شيئا فستكونين بخير لا أضمن لك ما دون ذلك .
دخلت للمرة الثانية وكلي يقين بأن الله سينصرني لا أدري كيف حالفني الحظ و بنزول الورقة من يدي تم إعلان فوزي
-أخبرني ماذا سيحدث وتخافون منه؟
-ليس من حقك أن تعلمي.
-إذن أعد لي قلادتي ودعني أعيش في وسط الجزيرة لا أرغب بدخول هذا القصر
صمت خيم المكان و كأنه ملك هذا القصر لا أولئك الحكام ، قطعه أحد الحراس يخبره بأن الحاكم استيقظ فينقلب المكان رأسًا علي عقب و ينتهي الحفل و يتسابق الجميع لإخفاء ما غنموا من تلك الساحة
- أوافق علي أن لا تذكري شيئا من هذا أمام الحاكم و تنسي ترهات أسراري الي ترددين بها هذا لمصلحتك
اجتاحني الغضب ، خفق قلبي بشدة كأمواج ثائرة تتشكل لتكون توسنامي مدمر يكفي قوته لاغراق مدن كاملة ، زوبعة رياح تمزق جسدي ، كلمات تندفع مني بأني سأكشفهم أمام الحاكم و سأزيل غمامة عينيه ليري الظلام المحيط بأعوانه كانت أقوالي كوابل من الرصاص يخترق كل ما يقابله ، رغبة عارمه في الانقضاض عليهم كأسد تعرض للهجوم، لهيب مشتغل يسبب تهشم الاعضاء ، ظلام حالك يحجب الرؤية ، طقطقة الاصابع في محاولة للجم غضبي من المدعو أرثر كمزارع يحاول ترويض فرسه.
"أيعقل أن هذا ما سمعته عن جبروت حاشية القصر و يبدو أنني كنت مخطئة ان أردت المعلومات فلست من سأنزعها منهم بل سأولي تلك المهمة الي الحاكم بعد بلاغه فتلك المهمة ثقيلة علي كاهلي."
شعرت بثقل يده تجذبني مع إطباقه علي فمي حتي وصل بي إلي سرداب و ترك أحدهم معي ليتمكن من تكبيلي قبل أن أتفوه بما أريد للحاكم، انهالت الدموع علي خديّ كأنها شلال يتدفق بحرارة من مقلتيّ، شعرت بضعفي حقًا هذه المرة ، فقد نقضت عهدي امام مرآتي كيف سأنظر إليها بعد الآن كان علي الهرب من ذاك القصر
"سامحني يا طويل القامة، مفتول العضلات علي محاولاتي التي ستبدأ للتو لا أقصد لك أنت الإساءة ، أعلم ما يمكنهم فعله بك "
ناديت علي ذلك الحارس الطويل أخبره بصراخ مكتوم أستغيث به
-ليس لدي أوامر بسماعك انتظري حتي يخرج الحاكم .
صراخ مكتوم مرة أخري في محاولة مني لإزالة قطعة القماش التي تكمم فاهِ، نجحت بتلك الحركة استثارة الشفقة ممن أمامي فأشدق قائلا :
- سأنتزع القماش من فمك علي أن تعديني بعدم إصدار اي صوت
أومأت برأسي كموافقة علي ما قال فحرر فمي ثم وضع يده حوله ليتأكد من عدم تهوري و عندما استكنت بين أذرعه قام بحل وثاقي و حثني علي الهرب من بؤرة الوحوش كما وصفهم فقد أخبرني أنني إن بِتُ هنا فأنا أحفر قبري بيدي شكرته من أعماق قلبي فقد سهَّل مهمتي.
أحمل ضغوطات الحياة علي عاتقي ، أمضي بشرود في طريقي المفقود لأتقصَّى عن انشراح صدري متي تتساقط أعبائي لأستشعر الهدوء و السكينة، بمفردي أتعثر في الرحلة التي طمحت كثيرًا إليها، شاردة كطفل ضلَّ الطريق، نحو جوانح قلبي أبحرت لأنتشل منه سكاكين غدر أفاعي القصر ، عبراتي كطاقة التي لا تفني، أبحث عن مصدر الألم كغريق يبحث عن طوق نجاة، عن الصوت المسبب لتهشم قلبي ليلًا عندما يبدأ عقلي في كونه الجلاد، ويتهيأ قلبي ليكون الضحية "ضحية فحيح البشر " أنتزع مُدية تلو الأخرى وحدي أتجرَّع ذكرياتها البائسة التي تهاجمني كأسد يتطوق للخلاص من فريسته ثم أتخلص منها للأبد، لقد كبرت الطفلة التي تبثون السم بداخلها كعقرب خبيث يكره من حوله، نضجت لتصير يرقة بشرنقة ، فقدت ثقتها بالبشر، باتت تراكم وحوشًا ضارية تبحث عن فريستها لتغرز أنيابها في قلوبهم ، انتهت رحلتي عند البؤرة البيضاء المتبقية في قلبي تركتها من أجل أن يسكنها من أعشقه في المستقبل و لم أدرِ بأنني سأكون سبب القضاء عليه ، احتضنت نفسي حينها فلم يعد هناك داعٍ للبكاء على اللبن المسكوب، عزمت علي أن أجد مكانًا للمبيت تلك الليلة ثم التفكير مليًا في خطة ل استعادة اختراعي لأعود لوطني فلا الديار هنا دياري و لا المكان مكاني و لا الرفاق رفاقي .
بحثت عن شقة بسيطة لأستأجرها و قد وجدت و وافق صاحبها علي ألا أكتب اسمي في العقد فقد خفت من أن يلاحقني أحد من القصر كان رجل بسيط تمر الأيام و تثبت لي طيبته لكنني فقدت ثقتي لهذا دائما أتعامل معه بحذر حتي أنني عندما يحضر الطعام لي أجعله يتذوق أولا حتي يطمئن قلبي و يبادرني بابتسامته المعهودة ثم يغادر كطيف لم يكن له أثر ، بمرور الأيام تطورت علاقتنا كجيران فهو يسكن بالشقة المقابلة لي و قد كان أخوه يسكن في الشقة التي أسكنها للتو قبل أن يفقد أثره منذ سنتين هذا سبب إقامته هنا الأمل في عودة أخيه او اكتشاف سر غيابه و الثأر إن أصابه مكروه وأدركت أيضًا أنه له علاقات تجارية مع هذه الجزيرة و أنه ليس من هنا بل يأتي ببضاعته و يقيم شهرين ثم يذهب الي جزيرة قريبة من هنا حيث ولد و كان أخيه و زوجته هم من يفضلون البقاء فتركهم علي وعد بالعودة بعد سنتين فقد علمت منه أن مملكة الجزيرة لا تستقبل أي تجارة سنه بعد سنه استقبالها و هذا ما جعل الشك يتدفق إلي عقلي من جديد و حدثته عن ظني بان هناك مؤامرة كبيرة تقام من قبل القصر الملكي و قد وعدني بكسب ثقتهم إلي أن نصل سويا الي هدفنا أنا اصل الي اختراعي و هو الي ثأره لكنني كنت أشعر بأنه يماطل في كسب ثقتهم غافلة عن قلبه الذي أصبح يدق بحروف عشقي و يرغب ببقائي جواره علي هذه الجزيرة .
في تلك الغرفة المغلقة التي يحتلها سادة المملكة
الحاكم : تبقي خمسة اشهر علي حسب الارصاد الفلكية
أرثر : سنرسل لكل من يستحق تلك الرسالة و لكن لن نخبر احد الآن بشيء سيسير كل شيء كعادته منذ اعوام
الشخص الثالث : لن نعلن الا قبل الموعد بشهر ، لا نريد تكرار ما حدث منذ عامين
الشخص الرابع: بالتأكيد لن نفكر في مسألة الانتهاء منهم حاليا فلنستفيد من بقية من يخترعون او ممن يشرفون علي آلات المصنع
الشخص الخامس : ثم ان الجميع يظنون ان تلك الجزيرة ملعونه و يموت من عليها ليس فيهم من يعلم ذلك بأمر البحر ابدا غيرنا و إن علم أحد فسيقتل.
أرثر : كنت اظن ان العصر سيتقدم و لكن يظل الجميع غارق في ذلك الظلام الذي يدعي الخرافات بسبب جهلهم ، لا بأس نحن نجمع افضل رجالنا في النهاية من هناك، من عند أولئك الحمقى من يظنون انهم سادة العالم
و انتهي الحديث بقهقهة مجلس الشر المركز على السته أفراد مع تسجيل ذلك لمن يكون كفيل بتحمل مسؤولية الجزيرة في السنه المقبلة
-دائما ما أتحدث أنا و تفضلين الصمت لكن المرة أرغب في معرفة الكثير منك مثلًا ما الذي جاء بك الي تلك الجزيرة ؟
لم أخبره بقصة أبي لكنني اكتفيت بقول السبب الاخر :
-لا احد يعبأ بتفكيري ، ينعتني الجميع بالجنون كانت اقصي أمنياتي هي السيطرة علي تلك الجزيرة التي لا يوجد حياة فيها كما انتشرت الأقاويل من يذهب هناك لا يعود لأريح ذهني، كنت أريد تأسيس مملكتي الخاصة هناك و تكون مقرا للاختراعات فأنا لا أعترف بتلك المواد التي يدرسها الجميع أنا أري الارقام و الاختراعات هي التي ستقود العالم ، ما الجنون في هذا ؟ ، بل ما الذي يزعج هؤلاء البشر ؟ حلم و اردت له ان يتحقق ، لم اكن ارغب في دفنه كبقية احلامي لكنه أصبح رماد بعد أن أشعلته النيران
شردتُ في رماد عينيها يبدو أنهما محملّتان بخيبات ، يبدو أن القنوط اتحد ليحول عيناها الواسعتين اللتان تأسران قلبي إلي بحر من الحزن و الأسي أما أنا فقد دربتني الايام بعد فقدان شقيقي علي التعلق بقشة الامل و طاقة الضوء و ان كانت بحجم ابرة لكنني أخشي عليها الضرر ان صدق ظنها.
أنا فارس قررت الدخول إلي القصر عن طريق تجارتي لكني أبدا لن أدخل رهف معي تلك المجازفة .
أثناء دخولي القصر بعربة بضاعتي لاحظت أحدهم يشاجر الحرس ثم يغادر ، أثار فضولي ذلك الشخص و تبعته بعد أن أخبرت الحرس أن هذه العربة هدية للحاكم، سرت خلف الرجل و أنا أتلهف بهطول المعلومات إليّ كالمطر لكنني فوجئت بأنه يكره القصر و طلب مني مكان للمبيت وافقت علي الفور بأن يبيت معي و نسيت تلك الحسناء التي ما أن تصل رائحة الخبر إليها ستهب علينا كإعصار لاستجواب ذلك الشاب و قد كان فها أنا أحضر أكواب الشاي لحضرة المحقق رهف
شريف : اتيت من الشرق اليس كذلك ؟
مايا : لا
شريف : لا داعي للكذب أسئلتك يعلم عنها جميع اهل الجزيرة ، لا تقلقي انا ايضا أبغضهم و لكن ابي احد حكام هذه الجزيرة فاضطر للعيش معهم في القصر و نغادر اذا حدث فيضان ثم نعود من جديد لنبني مجدنا
مايا : فيضان؟ كيف ظننت أن المكان مهجورا يا الله !!
شريف بسخرية :
-مهجور !! أهكذا درستم في الجغرافيا ، لا عجب في ان ابي يكره تلك البلاد كثيرا فتأخرها عن العالم ظاهر
مايا : اذا اريد التعرف علي حاكمكم
شريف : ان النظام هنا معقد قليلا ، لا يقود الجزيرة حاكم واحد انهم ستة حكام امرأة و خمسة رجال علي المرأة ان تكون متزوجة من احد الرجال و ابنهم أنا يكون هو من يجلس علي كرسي الأسد و الجميع يتخذون القرار و هو من يصدر الموافقة هذا يعني انه كبيرهم (الحاكم) ثم اما ان يتزوج هو او يحضر رجل اخر ليتزوج
مايا : من يختارهم اذا
شريف : لا يتم بالاختيار من اهل الجزيرة بل تقوم لعبة بازل بعد كل فيضان و تسونامي ليتم اختيار المجموعة الجديدة مع ذلك الابن الذي يكون له نسل من القدامى الملكيين ليتزوج المرأة او يدع لغيره الحق في ذلك و أنا ابن أحد الحكام الأربعة لكنني لست صاحب كرسي الأسد و إلا لأوقفت قتلهم للأشخاص بدون ذنب فهو الآمر و الناهي في القصر إن أوقعتيه هنيئا لكِ الجزيرة لذا يحاول بقية الحكام جعله تحت تأثيرهم
مايا : قتلهم؟؟ أي قتل ؟؟
شريف : لم يعد لديك حق الأسئلة كيف اتيت الي هنا لان السفن لا تأتي الا بعد ان نعود الي هنا بشهر و يمنع الابحار حتي موعدها بعد الفيضان التالي
قصصت عليه قصتي ثم بادرت بالسؤال بارتجاف فإن اتخذت ظنوني محلها فنحن في خطر لا مُحال
مايا : هل يعلم الجميع بالفيضان؟
شريف : لا استطيع مساعدتك فسوف تأتي المشاكل علي راسي ان كنتِ منهم و تحاولين استكشاف ولائي ، لقد أخبرتك بما يكفي سيكون عليكِ متابعة الرحلة بمفردك يا شارلوك هولمز
قاطعته : أين يضعون الاختراعات أحتاج آلتي لأعود ؟
شريف : لا أعلم لكن هذا فقط ما يمكنني تقديمه لكم مقابل ضيافتكم لي سأؤمن الطريق لكم لكي تدخلوا و أدلكم علي طريق الغرفة غدا وقت الظهيرة تكون استراحة الحرس انتظركم غدا
و رحل بعد أن تركنا مشدوهين إثر حديثه، في اليوم التالي نهضنا و بداخل كل منا خوف من القادم ، ذهبنا إلي القصر و قد كان في انتظارنا و استطعنا بفضله الدخول لكن ليس من الطريق الذي مررت به مع الحرس المرة السابقة، يقود الجزيرة حاكم واحد انهم ستة حكام امرأة و خمسة رجال علي المرأة ان تكون متزوجة من احد الرجال و ابنهم أنا يكون هو من يجلس علي كرسي الأسد و الجميع يتخذون القرار و هو من يصدر الموافقة هذا يعني انه كبيرهم (الحاكم) ثم اما ان يتزوج هو او يحضر رجل اخر ليتزوج
، وصلنا أخيرا إلي غرفة أقسم أنها غرفة أحلامي بها كل المعدات التي احتاجها و اختراعات لو تساقطت علي عالمنا لتغير وضعه ، بحثنا عن آلتي حتي عثرنا عليها لكن الرياح لا تأتي بما تشتهي السفن ، سمعنا وقع أقدام فهممت لأشتت انتباه الحرس و يَهُمّ فارس أحلامي بالهروب ، أجل اعترفت بما أكِنّه من مشاعر له في قلبي فقد سحرني بريق عيناه فأصبح بحر عينيه و نسيمها ملاذي .
*******
استيقظ علي صوت سيارة الاسعاف ليجد الدماء متناثرة حوله ، و جسده لا يسعفه علي الحراك مع تشنج في العضلات، يحاول إرغام الذكريات ليدرك أنه كان سيذهب بفتاة اخري في قبل العشرينات الي بيته كعداته ليعصي الله مرة أخري كما ارتكب الكثير من الكبائر من قبل هل حانت ساعته دون التوبة ؟؟
تملّكُه الندم علي حياته التي أفناها بعد رحيل زوجته و انقض عليه الدوار دون سابق إنذار ، رؤية مهتزة ، ضربات قلب متسارعة ، بدأت السيارة تدور في غير مسارها محاولا في غير جدوي السيطرة عليها و لكنها خانته و انقلبت راسا علي عقب ليفصله الواقع الأليم عندما سمع صوت الطبيب معلناً فقدان الفتاة و معه فقد شعوره بالعالم حوله و ترك نفسه ليغرق في ظلام أفعاله و كأن عقله أراد أن يطمئن أن رصيده لم يُضاف إليه القتل و لكن صفعته الحياة صفعة قاسية لتلقنه درساً لن ينساه طول الدهر
********
أُلقي القبض عليّ و انهال الضرب علي جسدي ، حتي خارت قواي و أصبح الضباب و الألم سيدا الموقف ، دخل بابتسامته المعهودة لكن كانت تتطاير منها الشر ، سيره أجفل جسدي و جعلني اهتز خوفا ، تمنيت لو انشقت الأرض و ابتلعتني قبل أن يوجه يده ليجذب شعري ناحيته
-طلبت منك من قبل نسخة من آلتك، لم أطلب منكِ أن تأتي لتسرقيها
مع ضربة جعلتني ألفظ الكثير من الدماء ثم تابع :
-أين سيذهب مساعدك الذي سرق الآلة دون التفات هؤلاء الأغبياء إليه
اتخذت من الصمت صديقًا في دجن تلك الليلة ، بسلاحه و أطلق النار علي أول الحرس مما قطع صمتي بصرخة مدوية خرجت من أعماقي
-لمَ الصراخ ألم تكوني أنتي سبب هذا ، من أعد خطة الدخول و أفسد عملهم ، كل خطأ له عقاب
بعيار آخر تم سقوط الشخص الثاني و سقط معه جدار صمتي لأرتجف قائلة :
-إن أحضرته إليكم تترك الحرس الآخرين
ليأتي الرد بحزم :
-آلتين ثم أتركهم ، كان لدي واحدة بالفعل الثانية هي الشافعة لديّ.
شعرت بالبغض تجاهه و تجاه ابتسامته المزيفة التي جعلتني أصدقه منذ البداية ، أومأت برأسي فأمر بتكبيلهما معي ، كان الحل الوحيد بالنسبة إليّ للوصول إلي الحاكم و إخباره كما أخبرني الفتي إن تملكته وملكت زمام الجزيرة و أخذت ثأر فارسي لأخيه
كان الكره يظهر جلياً علي وجه مرافقيّ بعد خروج أرثر من الغرفة نطق أحدهم و قد بدا التردد علي وجهه :
-فلتجعلي الحاكم أسير عشقك فعليه الزواج حاليًا ثم خذي بثأرك و ثأرنا من ذلك المتعجرف
بصيص من الأمل تسلل إلي من أعماق قنوطي ليعلن عن فجر جديد بداخلي و حينها سمحت لجفني أن يسقط .
دلو أعلن عن تمرده و قذف بمياهه علي رأسي لأستيقظ فزعة ، بجسد متصلب من الألم حاولت الاعتدال حتي رأيته :
-أين أخفيتي آلتك
كان علي التضحية بمن أسر فؤادي بأمواج عينيه كأنها استعارات صفاء السماء بأكمله لأنقذ جزيرة بأكملها نطق ثغري بأسوء خيانة شهدتها البشرية "عنوان فارسي " سلمني فارسي راية سلامه، و رددتها إليه بمقصلة موته
دوى صهيل الفرس بعد إعلان أمر اغتياله دون الشفقة علي روحي الضائعة التي تتوسل إليه بأخذ اختراعي فقط لكن هيهات فقد تصلب قلب ذاك القاسي منذ أمد .
******
لا أظن أنها ستعود من يذهب إلي تلك الجزيرة لن يعود و قد مرّ ما يزيد عن شهرين لن أضيع سنة من عمري هباء خلف أوهام تلك الفتاة سأقدم الاختراع بكلا الاسمين و لتعود وقتما شاءت ، اتجه المهندس إلي المعرض و ناقش أهمية اختراعه و قدم تجربته و استلم جائزته و تم الاعلان عن تسليم جائزة رهف إلي والدها في المنزل بعدما أصبح طريح الفراش إثر الحادث فقد ندم علي حياته و كان حديث المهندس طوق النجاة له ليكَفِر عن أخطاءه بالذهاب إلي ابنته في تلك الجزيرة لكنه لم يدرِ بمَ ينتظره!
********
وسط زحام الآلات و في مختبر تفوح رائحة صهر الحديد فيه ، حلمها و لكن الزمان غير الزمان فقد أجبرتها الحياة لتجر أذيال خيبتها من اختياراتها فتقودها إلي حلمها بطريقة لم تخطر ببالها و لم تتمناها أبدًا فخسارتها تكسو علي حلمها لتمزقه إربًا، إربًا ، منهمكة في عملها تود التسلل خارج المختبر لكن تخشي بطش ذلك المدعو أرثر ، مرت الأيام و هي تحاول إنجاز اختراعها قبل نفاذ مهلة الاربعة أشهر علي حلول موعدهم كما زعموا .
******
الخوف ذلك الوحش الذي ينقض علي فريسته دون شفقة او رحمه ، يمنعنا من لذة الحياة فأن يظل الانسان مقيدا بقيود خفية تحت مسمي اخشي من النتائج ذلك هو الشعور الأسوء ، عدو يجب التغلب عليه بمحاربته حتي التعود علي ان نقدم عليه ، انهض يا عزيزي و روض ذلك الوحش الشرس حينها ستنتهي مشاكلك و ستخلد في راحة ليس لها مثيل ستشعر ان الامواج الثائرة داخلك هدأت و سترسُ سفينتك بهدوء بعد ان كدت تغرق في تلك العاصفة التي جاءت دون سابق انذار.
بعد مرور أسبوع و قد أدركت أن الخوف سلاح ذو حدين إذا تغلبت عليه ستملك زمام أمورك قامت بانتظار الظهيرة كي تهرب من الغرفة و يا للحظ إنه ابن الحاكم مجددًا رجوته كثيرا ليخبرني أين غرفة كرسي الأسد ، ظهر التوتر عليه قبل أن يمضي قدما و لازلت أنظر إلي طيفه يرحل شيّعتُ بصري نحو الغرف في حيرة إلي أن سمعت أحدهم يسير بجواري بسرعة البرق و هو يردد إلي اليمين و قد كان ممر طويل يفترشه بساط أحمر كثيف الوبر لكن ما دب الرعب في قلبي هو تطوره إذ إن بصمات أقدامي رأيتها تسجل علي الشاشة إذن فلأستعد لعقابي ، هرولت حتي وصلت الي الغرفة لكنها ببصمة و لا يوجد مقبض يا لهول المفاجأة ، سقطت المفاجأة علي قلبي كرعد هشم أعضائي لم تجرؤ قدماي علي حملي ، استندت علي الحائط حتي لمحت عيني حمام علي يميني لم أنتبه له أثناء هرولتي ، اختبأت فيه إلي أمد لا أعلمه حتي رنت في أذني كلمة مولاي ، لقد خرج صاحب كرسي الأسد من الغرفة و يبدو أن هناك شرفة بالممر سيجلس بها الملك غفلت أيضًا عنها ، لقد أتت الفرصة علي طبق من ذهب ، خلعت حقيبتي و اخرجت ملابسي و ارتديت فستاني الوردي يتخلله رباط رمادي اللون فيظهر خصري ممشوقا ليظهر جمالي حد الفتنة فيقع في مصيدتي لكن اللون الرمادي هذه المرة يميل للبياض فلا مجال لرماد عيناي بعد اليوم اما الاسود او الابيض اما ان اغرق في بحور يأسي او أغوص في دربي فأصنع سفينه النجاة.
*****
غرفة كساها الحزن و زّين جدرانها ليطمس ملامحها فتبدو كضباب في ليلة مقفرة نوافذها مغلقة دائماً و ستائر سوداء تسدل لتلامس الجليز موصده بإحكام كدرع يصد أشعة الشمس، تجلس رهف بعينيها الرماديتين اللتان تعكسان بؤسها، تعانق الصور بِنهَم، هاجت مشاعرها لتنسج لحنًا حزينًا علي أوتار الذكريات، ذبلت نضارة وجهها كأوراق الشجر في الخريف ، يهفو القلب أحيانًا إليه فهو والدها رغم تخليه عنها، لا تزال مرارة كلماته الأخيرة يقشعر لها بدنها لقد كان يهتف باسمي قبل أن يقتله رجال الحاكم عقابًا لها علي تجرؤها فلقد كان وفاء صاحب كرسي الأسد للقصر و أموال الجزيرة أكبر من ضميره و أقوالها و حتي حبها فقد تزوجها !! نعم لكن فقط لتكون أسيرة ، تدمع من صميم قلبها، صورته تنعكس في خيالها وجه دائري، جبين عريض، عظام بارزة، عينين غائرتين، شعره الذي صارع الزمن ليظل علي لونه عدا بعض الشعيرات الدقيقة كسيَّاف أبي أن يترك سيفه إلا منتصرًا إلا أن ما يميز وجهه ملامحه الجامدة كلوح ثلج لا ينصهر أبدًا كأنها كانت تنتظر ندمه لتنتهي المعركة باستلام الطرفين لعاطفة الأبوة.
لقد دفع ثمن خطأها هي لا خطأه كما زعم فهي من اختارت الجزيرة عنه و لولا اختراعها ما كان آتي إلي هنا.
اغمضت عيناها بتعب تتذكر فقد ظنت ب تحقق مرادها و اكتساب ثقة الملك ها هي تجلس في جناحه دائما كفراشة قيدت أجنحتها فنسيت الطيران ، لكل شيء ثمن مقابل معرفة ما تريد تم عقد زواجها من الحاكم و تدفقت سيول المعلومات تحطم أسوار حساباتها و تهدم ما بقي من أمل فقد سنّ السياف سيفه بإحكام و كانت ضربته في مقتل ، حضارة هذه الجزيرة تدوم سنه واحدة ثم بالتلاعب في درجات الجو مع كهرباء للبحر ليتشكل الاعصار و التسونامي فيضربا بملامح الجزيرة لتُباد عن بكرة أبيها بسكانها فلا يعود أحد منهم باستثناء الحكام و بعض كبار الفكر مقابل الصمت ليلوذوا بالذهب و بيع اختراعات بقية السكان في معارض في بلادنا و من ثم الانتظار سنه حتي تهدأ الأمور و ينتهي مخزون توزيع الحقوق عليهم و يتم تشييد المزيد و المزيد و نهب أفكار البلدان المجاورة ثم الإعلان عن مفكرين من بلادنا و أخذهم ليلقوا مصيرهم بعد عام من العبودية ل فساد الحكام ثم يُسدل الستار الأسود بإحكام و يخيم الظلام علي الأسطر الأخيرة للجزيرة تلك السنة .
لكنني لم أعلم بعد كيف يهرب الحكام بقي ذلك اللغز يؤرق فكري فلم يبُح الحاكم لي بأكثر من ذلك .
استشاطت مشاعري غضبًا ، الدماء تجمعت في جسدي كأنما أعلن قلبي عن ثورانه كبركان أخرج حميمه فشعرت بحرارة الدماء حتي أنني ندمت انني حاولت لأنقذ الجزيرة فإن الأسرار دفنت حتي نسي مكان قبرها فمن أنا للبحث في مقابر مضي عليها الزمن لقد عوقبت بمقتل أبي (الضربة القاضية) و انتهي بي المطاف إلي السجن فقد بت الخطر الأعظم بعد نبشي بقبور موتاهم كما أطلقوا عليّ لا تزال تحفر في خبايا صدري غمامة سجني في غرفة متطرفة عن القصر الظلام هو سيدها، يتربع الغبار جدارها و تستقر العناكب علي أرضها، بعد أن كنت في غرفة جناح الحاكم كان يمكنني تجاوز الحرس أحيانا لكني لم أمتلك الجرأة بعد مقتل أبي فأين المفر ؟؟
وحشة الوحدة تنهش داخلي متحدة مع الأغلال التي تُطبِق علي جسدي، أمام النافذة تطاير خصلات شعري البنية معلنة تمردها عن حالي، تداعب نسمات الهواء العليل خدي، منفذي الوحيد للتخلص من همومي، عيني تدور في السماء لأبحث عن أنيس وحدتي، القمر ، سادلًا ستاره ليزيح النجوم جانبًا و يستقل بكبد السماء أفكر فيما تبقي من أيام علي هبوط المقصلة فوق أهل الجزيرة، أبحث بين طيات دفتري المهترئ عن الرقم المفقود مهتدية بضوء البدر، كيف أنقل إليهم خيانة الحكام و انا أسيرة لديهم و إن تمكنت فكيف نعثر علي طريقة الهروب
انتبهت أذناي إلي ارتطام مدوي ، شيَّعت نظري نحوه هذه المرة دخوله كزوبعة رياح تندفع دون سيطرة، عيناه الجاحظتان، حبيبات عرقه تتساقط من أعلي وجهه، قبضته الفولاذية التي توشك أن تطيح بالجدار أمامها، تشنج عضلاته مع بروز عروقه ليعلن عن رباطة جأشه كبركان صرَّح بإنهاء خموله و الفوران إلي الأبد و يدخل غرفة الاجتماعات في حديقة القصر، المعدة خصيصًا ليكون بها مخرج حين تضرب الأمواج الثائرة و تقضي علي كل إنش في المملكة، بداخلها فراغ يقودنا إلي حلقة مستديرة يتوسطها كرسي لمن يفوز بعرش السنة و ستة مقاعد متراصة واحد يحاذي الآخر، من الخلف يطبع صورة لحيوان كرمز لم أفهمه بعد، في مركزها صورة لجميع الاختراعات التي قدمت هذا العام و هذا ما يميزها عن الأخرى التي في القصر.
زمجر جلاد قلبي بصوته الذي أميزه جيدًا:
- لم يعد هناك مجال ارفعوا الجدار و أعلنوا عن موعد التوسنامي صباح الغد ، خرج الأمر عن سيطرتنا هذه المرة.
"هذا ما لم يكن بحسباني " حدثت نفسي بمرارة
بعد بضع ساعات فُتح الباب ليدخل ابن الحاكم و يخبرني :
-لن أدعك لتهلكي هنا فلكِ جميل لن أنساه أبدًا
نطقت بأمل : و سكان الجزيرة ؟
-أنتِ لم تختلطي بأهل الجزيرة لم يجبرهم أحد علي القدوم كلهم هربوا من حياتهم ليكون قدرهم الموت هنا
- أليس ذنب أبيك و من معه؟
-لم يكن ذنب الريح أنهم كانوا أوراقًا .
-أخبرني أين المهرب و سوف أساعدهم بنفسي أو أعطني آلتي و أنقلهم أنا ، أنت جبان فلتعترف بذلك تخشاهم ؟ تخشي الريح؟؟؟ و تبحر حيث تقودك ، هي ريح هادئة بالنسبة لك و هو أبيك إذن لك مني نصيحة الريح الهادئة لا تصنع ملاحًا ماهرًا و كنها إعصار علي سكان المملكة.
نظرت إليه لأسبر أغواره و قد بدا و كأنه استساغ حديثي فقد كانت لكلماتي وقع عليه :
- اتفقنا
حينها فقط بعد نطقه لتلك الكلمات كأنها كانت أسيرة بداخله مدة طويلة و ها قد خرجت للضوء لاحت ابتسامة رضا تزين وجهه و قد خلع نظارته السوداء معلنًا فجر جديد علي عينيه الزرقاوان
-كيف لزرقة بحار عينيك أن تسقط فيها جزر تحتمي بهما من مآثمها و معاصيها فتغرقها كأن شيئا لم يكن؟!
-عزيزتي لا تغفلي عن أن البحر يتكون من قطرات بكل قطرة يكمن سر لا يمكنني البوح به .
يومها أعلن لأبيه أنه سيتخلص مني للأبد ثم أخرجني من سجن غرفتي المشؤومة لأكون بجواره و نعد خطتنا المثالية التي تتمثل في سرقة ما تم نهبه مني ثم انتظار إعلانهم الذي بات من الظاهر أنه سوف يبث غدا فيقترح علي أبيه أن يجمع سكان الجزيرة في مكان قرب البحر ليغرقوا بينما نذهب نحن إليهم عندما ينجو الحكام بأنفسهم و ننقذهم فنعود جميعا إلي عالمي و تُسرد قصة الجزيرة إلي العالم أكمل فتصير قضية رأي عام و يحاسب القانون أولئك الأوغاد علي ما اقترفت أيديهم من ذنوب و يتم أخذ ذلك البذخ إلي عالمنا ثم فلتكون عبرة لإنشاء معمل لاختراعات النابغين و تمنيت داخلي أن يحدث هذا و أزعم أنا هذا المعمل .
في دجن السماء، يختفي القمر فيها كما اختفت أحلامي فتلك الليلة حين خلد كل منا إلي فراشه بانتظار الغد دخل الحاكم علينا فزعت كثيرا بينما رأيت جمود في عينيه و نظره استحقار لابنه ثم بأعلى طبقات صوته صاح في الحراس بقتلي ، لكنهما تشاجرا و انتهي الأمر برضوخ الحاكم مع كلماته التي سقطت لتقسم ظهر البعير
"هيا بني فقد بدأ الإعصار و قريبا سيفيض النهر وسط الجزيرة"
ألجمت الكلمات حماسي ، سقطت أرضا مشدوهة لما يحدث حملني و سار بي حتي وصلنا إلي جبل وسط البحر يبدو أن الطغاة قد أعدوا لكل شيء فقد استقبلتنا سفينه و سلكت دربًا هادئًا لكن العائق الوحيد لهدوئهم كان صراخي فقد تمكننا من استعادة آلتي كان ما يتبقى هو نقلنا لأهل القرية ليتنا لم نخلد إلي الفراش و جمعناهم لينجوا بحياتهم فما ذنب أولئك البشر العيش بين ذئاب بشرية تتغذي علي لحومهم ثم تسير علي درج نجاحهم و اختراعاتهم ، كنت في حالة يُرثى لها ، فقدت وعي ليومين كاملين و عندما استيقظت كنا قد اقتربنا من الشاطئ نظرت له نظرة يملؤها اليأس فهمس في أذني أن حق من ماتوا لن يضيع سُدى و أن لكل ظالم يوم ، سوف يحاكم هؤلاء الأكابر في بلدهم ، كانت نظرته ذات معني لكنني ظننت أنه يحاول انتشالي من حطامي ، ذهلت عندما أغلق باب الغرفة و أحضر حقيبته ليخرج منها ما جعل رماد عيناي يبرق للمرة الأولي فقد أدركت أنه طوال سنين كان يجمع أدلة تدينهم بصور للجزيرة و بذهب ممالكها الذي سرقه ليظهره للعالم أجمع او بصور الاختراعات التي تدون علي ورق بطريقة صنعها لكي تعاد تصميمها من جديد في سنه الهدنة و بعض القلائد لا أدري إن كان انتظر موتهم لينهبها قبل الهرب من الجزيرة لقد كان ذكي بما يكفي لكن خوفه هو عدوه الوحيد الذي قيده و كنت أنا كما سماني نجمة الأمل .
أخبرني بأن أتظاهر أني معهم مثله و أن أستكين إلي أن تسطع شمس الحقيقة و نكون في حماية القانون و قد كان فنحن أمام القاضي اليوم و قد حولت أوراقهم جميعًا إلي مفتي الجمهورية أما ابن الحاكم فقد تم الإعفاء عنه مقابل يد المساعدة التي قدمها لرجال القانون ، و تلك الحادثة دبت الرعب في قلب المهندس فأتي راكعًا إليّ يتوسل ألا أقدم شكوي في حقه فلبيت طلبه مقابل تنازله لي عن ملكيتي الخاصة للاختراع لا تشاركنا فأنا أستحق نجاح اختراعي و ثناء الناس علي فكرتي.
عدت إلي بيتي الذي سُرقت فيه طفولتي لأودعه فقد آن الأوان للبدء من جديد دون هروب آنذاك أدركت ان الحبور لا يعني ألا تواجه الآلام بل تكمن في بلوغ ذروة الرضا، اجتاحتني رغبة عارمة في البكاء، ظننت أنني احتميت بتلك الصخرة العالية و لكن يبدو أنها كانت رخوة من الداخل ضربتها أمواج الحرب فأصبحت علي شفا الانهيار ، كله لأنني فقط لم أتعلم السباحة في قعر هذا البحر المظلم و فضلت الهروب بتلك الصخرة
ما العمل الآن ؟؟ لقد اخترت الهروب و لم أعلم أن تلك الأمواج كانت تكيد لي و ستقوم بذلك التوسنامي بمساعدة أعاصير البشر!!
تمت بحمد لله
أماني زيدان (ماينور)
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close