رواية ورد الجناين كامله وحصريه بقلم ميمي عوالي
$$: طلقنى ياحكيم
حكيم بذهول : أطلقك ! انتى اتجننتى ياورد ، طلاق ايه اللى بتتكلمى عنه بعد السنين دى كلها
ورد بهدوء شديد : وعشان خاطر السنين دى كلها بقوللك طلقنى
حكيم بغضب : ممكن تفهمينى ليه دلوقت
ورد وهى مازالت على هدوئها : اسمع ياحكيم ….السبب الرئيسى لجوازنا ، وده لو كان اسمه جواز فخلاص انتهى ، انت اهوه حبيت وهتتجوز وهيبقى لك حياتك ، انا كمان ..انا كمان فى حاجات كتير فى حياتى نفسى احققها ، وطول مانا على ذمتك مش هعرف احقق ده
حكيم بعصبية : وايه بقى أن شاء الله اللى مش هتعرفى تحققيه وانتى على ذمتى يا ورد
لتنظر ورد بعينى حكيم وعيناها تحمل بعض العتاب والألم وتقول : عاوزة احضر الرسالة بتاعتى ،عاوزة اروح البعثة ، اقوللك …… عاوزة احب واتحب ياحكيم ، عاوزة اعيش ، عاوزة يبقى لى زوج بجد وأسرة وأطفال ، انا مش مصدقة انك انانى كده ، انا عمرى ما وقفت فى طريق سعادتك حتى لو على حسابى، ليه انت واقف فى طريقى وطريق مستقبلى
لينتفض حكيم من مكانه صائحا : انتى اتجننتى ….عاوزة بعد جواز كل السنين دى ..تروحى تتجوزى وانتى لسه بكر ، انتى عاوزة تفضحينى ، عاوزاهم يفكروا انى مش راجل
ورد ببرود وهى بتحاول تدارى وجعها : ومين اللى هيعرف حاجة زى دى
حكيم : انتى بتستهبلى ، يعنى ايه مين اللى هيعرف ، ده انا هبقى لبانة على لسان الكل ، وابويا لما يعرف انى كدبت عليه السنين دى كلها ، هيعمل ايه ويقول ايه
ورد وقد بدأ الغضب يتملك منها : وانا مش عشان انانيتك هعيش متراهبنة طول عمرى ، لأ ياحكيم ...انا كمان من حقى انى اعيش زيك بالظبط
ليجذبها حكيم فجأة ويسحبها إلى غرفته وهو يقول : يبقى انتى اللى حكمتى على نفسك … مش انتى عاوزة تتطلقى وتعيشى حياتك ، انا بقى هعمللك اللى انتى عاوزاه ، بس على مزاجى انا
ليأخذها حكيم غصبا وان كان دون اى مقاومة من ورد ولكنها كانت كمن شلتها الصدمة ولم يكن يتحرك منها سوى عينيها ودموعها ، وعندما انتهى منها ونظر بعينيها للمرة الأولى هاله ما رأى فقد وجدها تنظر إليه بعينين حمراء كالدماء تملأها الدموع والعتاب والألم ، ليستوعب حكيم مافعله بورد الصغيره التى تكاد تكون قد شبت على يديه ليقترب منها محاولا الاعتذار على مافعله ولكنها أغمضت عينيها ونهضت من مكانها وهى تحاول لملمة غطاء الفراش من حولها ، ونهضت وهى تتسند على الحائط والارائك حتى وصلت إلى غرفتها وقبل أن تغلق بابها عليها قالت له دون أن تنظر إليه : متهيألى كده لما تطلقنى ماحدش هيقدر يجيب سيرتك بكلمة ، انا عاوزة ورقة طلاقى تبقى معايا الصبح عشان اقدر اجهز ورق السفر …. وااه مبروك على الجواز ..ربنا يهنيك
ليجلس حكيم وهو يعبث بشعره ويلعن نفسه تحت أنفاسه على مافعله ، ولكن فات اوان الندم وان كان من الممكن جبر بعض الكسور إلا أن البعض الآخر لا يصلح جبره
…………………….
فى صالة السفر بمطار القاهرة الدولى ، تستعد ورد للسفر إلى لندن لاستكمال دراستها وإتمام بعثتها العلمية ليلحق بها حكيم قبل الصعود على متن الطائرة لتسمع نداءه
حكيم : ورد
لتلتفت ورد على صوته ولكنها تظل ثابتة مكانها حتى أتى إليها وعندما وقف أمامها قال : ماقدرتش امنع نفسى أنى اجى اودعك
لتنظر له ورد فى صمت دون أن تتحدث إليه ليقول مرة أخرى : انا عارف انى ظلمتك وعارف انك ماسامحتينيش ...لكن عارف ان قلب ورد عمره مابيفضل زعلان من حكيم كتير ، سامحيني ياورد ،انا فعلا كنت انانى فى اللى عملته ، بس مش عاوزك تبعدى وانتى غضبانة منى بالشكل ده
ليستمعوا إلى النداء الاخير للصعود للطائرة لتلتفت ورد لتتجه إلى الطائرة وهى تهمس قائلة : ياريت انت كمان تسامحنى
حكيم : اسامحك ! ده انتى احلى حاجة حصلت فى حياتى ياورد الجناين، بس انا كنت غبى واعمى وماعرفتش قيمتك من بدرى ...سامحيني
لتنظر له ورد نظرتها اللائمة التى قد اعتاد عليها من مدة طويلة وقالت : ربنا يسامحنا كلنا ياحكيم
ومضىت فى طريقها تاركة إياه يلوم نفسه على سنوات ضاعت وعلى عمر اخر سوف يضيع فى البعاد
………………………..
على الطائرة وبعد إقلاعها تنظر ورد من نافذتها على بلدها وهى تبتعد عنها ودموعها تغرق عينيها كالشلالات وتربت بيدها على بطنها هامسة…….أن شاء الله هنبقى بخير ، وراحت تتذكر كل ما قد كان
فقد كانت ورد وحيدة أبويها خليل ونوارة والتى انجبوها بعد معاناة شديدة ومشاكل اكبر ، فكانوا من أعيان الصعيد ، وكم من مرة حاول الجميع أن يقنع خليل بالزواج من أخرى حتى ينجب له من يحمل اسمه خاصة أن الجميع كان يعلم أن المشكلة والمانع من نوارة ولكنه كان يرفض بشدة ، فنوارة كانت ابنة خالته الحبيبة اليتيمة التى عين نفسه الحمى والسند من أجلها ، ولكن مشيئة الله كانت فوق الجميع فعندما أتت ورد اخيرا كانت بعد عشرون عاما من العناء والمحاولات وكان والدها قد تخطى الخمسون من عمره وامها كانت قد تخطت الخامسة والأربعون ولسنها الحرج ، كان الحمل غاية فى الخطورة وقد عانت كثيرا فى شهوره وما أن اتتها آلام الولادة حتى علم الجميع أنها لن تنجو منها وبالفعل لم تعد إلى بيتها مرة أخرى ، فقد عاد والدها محتضنا إياها حزينا على فراق زوجته ، ويسأل نفسه هل سيكفى عمره أن يربى ابنته حتى يطمئن عليها أم أن سنوات عمره الباقية ستنقضى سريعا ويتركها دون اب او ام وتعيش يتيمة كأمها….وقتها أوصى أخاه الاصغرعتمان والذى كان يصغره باحدعشرعاما ، اوصاه عليها بأن يراعيها كابنته ، وكان يعلم أن زوجة أخيه طيبة القلب حنونة سوف تحتويها وقتما يحدث قضاء الله
وقد كان ...فلم تمض سوى خمس سنوات واختطف الموت خليل ، لتنتقل ورد إلى كنف عمها عتمان والذى كان مع قوة شخصيته يتمتع بحنان كبير كزوجته حكمت والتى كان يحبها ويكن لها احتراما كبيرا حتى أنه قد أسمى ابنه حكيم كناية عن اسمها والذى كان يبلغ من العمر خمسةعشر عاما عند وصول ورد إلى منزلهم بعد وفاة عمه ولديهم أيضا صفية الاخت الصغرى لحكيم والتى تكبر ورد بسبع سنوات ، ولكن بوصول ورد إلى منزل عمها كان الجميع يتعامل معها كقطعة الحلوى المغلفة وكانت مدللة الجميع ، واهتم عمها بتعليمها كما اوصاه أخاه ، وكان حكيم وصفية يقدمان لها كل الدعم ، وخاصة حكيم الذى كان يدللها كأنها ابنته وكان دائما يناديها بورد الجناين ،والتى كانت تسعد عند سماعها لهذا اللقب من الجميع عامة ولكنها كانت تسعد أكثر بكثير عند سماعها اياه من حكيم خاصة
وكم كان حزنها عندما أصر حكيم على الذهاب للقاهرة والاستقرار فيها ، فقد اتفق مع صديق له على افتتاح مكتبهم الخاص للمحاماة ، ولكن حكيم وعدها بأنه سيحادثها كل يوم وسيقوم بمراجعة دروسها معها على الهاتف وسوف يأتيها كلما استطاع أن يوفر وقتا لذلك
كان دائما يشجعها فى دراستها وتفوقها الشديد الذى كان يحسدها عليه الجميع حتى كانت نتيجة امتحاناتها بالثانوية العامة والتى حصلت على مجموع يؤهلها لدخول كلية الطب جامعة القاهرة ليبدأ التحول بمحور حياتها
فلاش باك
ورد ببكاء: بقى بعد كل التعب ده ياعمى مش عاوزنى اروح الجامعة
عتمان : ياحبيبتى انا ماقلتش كده ابدا ، انا بس مش هقدر ابدا اسيبك تروحى تقعدى لوحدك فى مصر
ورد : طب ماهو حكيم هناك ...هياخد باله منى
لينظر لها عتمان بسعادة وكأنه قد وجد مصباح علاء الدين فينهض من مكانه آخذا ورد باحضانه وهو يربت على كتفيها ويقبل جبينها قائلا : خلاص يا ورد ..سيبينى بس النهاردة افكر ازاى ممكن اعمللك اللى انتى عاوزاه بس على شرط
لتتعلق ورد بعمها قائلة بلهفة : اؤمرنى ياعمى
عتمان : اللى اقول عليه يتنفذ بالحرف الواحد من غير نقاش
ورد : وانا من امتى بكسرلك كلمة ياعمى
عتمان وهو يربت على أكتافها : هى دى ورد بنتى حبيبتى
ليعرض عليها عمها فى اليوم التالى زواجها من حكيم والسفر معه إلى القاهرة ، وكم كانت سعادتها وقتها لمكوثها مع حكيم فى منزل واحد حتى أن سعادتها بهذا الأمر قد تغلب على سعادتها بدخول الجامعة
وقد أقام لهما عمها زفافا يليق بعائلتهم ومنزلتهم الاجتماعية والمالية ، واصر حكيم على سفرهم إلى القاهرة ليلة زفافهم وهى برداء زفافها ورفض أن يظل ساعة واحدة ، وأقنع أباه بأن ورد مازالت صغيرة وأنه لا يريد أن يخيفها أو يضغط عليها بتقاليدهم المعتادة ، ولحب عتمان الشديد لورد وافق على طلب حكيم وقاموا بتوديعهم بالزغاريد والبهجة الشديدة
وما أن دخلت ورد إلى شقة حكيم حتى واجهها حكيم بكل ما يخبئه فى صدره قائلا : تعالى ياورد اقعدى
لتجلس ورد بخجل شديد وهى ترسم أحلاما وردية بخيالها ولكنها تنتبه لكلام حكيم الذى قال : طبعا انتى عارفة أنا بحبك قد ايه وبعتبرك زى صفية بالظبط
لترفع ورد وجهها إليه منتبهه لبقية حديثه والذى استكمله قائلا : انا زى مانتى عارفة يهمنى جدا مستقبلك ، وحرام بعد تعبك ده كله ماتدخليش الكلية اللى نفسك فيها ، وعشان كده لما ابويا كلمنى واتفقنا على جوازنا وأنه هيبقى متطمن عليكى وانتى معايا ...مااعترضتش ، لان فعلا ماكانش ينفع ابدا انك تيجى تقعدى لوحدك حتى لو انا معاكى فى نفس البلد ، وعشان كده احنا اتجوزنا ، طبعا هيبقى جواز على الورق بس ..ماتخافيش ...مش هيحصل بينا حاجة ، انتى اختى وهنفضلى كده طول عمرك ومن بكرة أن شاء الله هنروح نقدم لك الورق بتاعك فى التنسيق
لتنظر له ورد بابتسامة مهزوزة قائلة : انا مش عارفة اشكرك ازاى ياحكيم
حكيم بابتسامة : تشكرينى بانك تتعودى تعتمدى على نفسك بسرعة وتجتهدى وتنجحى كل سنة بتقدير عالى
لتومئ ورد برأسها فيقودها حكيم إلى إحدى الغرف وهو يقول : ودى ياستى اوضتك، وعاوزك لو احتجتى تغيرى فيها اى حاجة تقوليلى وانا هعمللك كل اللى انتى عايزاه
ورد بنفس ابتسامتها المهزوزة : اللى انا عاوزاه دلوقتى انى انام
حكيم : طبعا ياحبيبتى ادخلى ياللا وانا هجيبلك الشنط بتاعتك ، واوضتك فيها حمام مخصوص ،عشان تبقى براحتك وماتتكسفيش
لتمر الايام وحكيم يهتم بجمبع امورها ويتعامل معها حقا على أنها شقيقته الصغرى ، وورد بالمقابل تبادله نفس الاهتمام والمعاملة ، ولكن ما كان فى القلب مازال بالقلب فما زال حكيم فارس أحلامها دون منازع ، وكانت تحيا على أمل أن تتغير نظرته لها فى يوم ما
وكانت تنجح عاما بعد عام بامتياز مما جعلها دائما فخرا لحكيم ولجميع العائلة ،الى أن تخرجت فى السنة النهائية بامتياز مع مرتبة الشرف ليتم ترشيحها لبعثة بانجلترا لمدة ثلاثة أعوام لتحصل على الماجيستير والتحضير للدكتوراه لتعود إلى المنزل وهى ترسم بمخيلتها رد فعل حكيم على هذه الأخبار وعندما دلفت إلى داخل الشقة تفاجئت بجلوس حكيم بالشرفة وهو يحتسى فنجانا من القهوة لتعلم على الفور أن هناك أمرا ما يشغل باله بشده ، فهى عادته التى علمتها عنه طوال هذه السنوات ، لتذهب إليه بهدوء لتلقى السلام ليخرج حكيم من شروده وهو يتفحص ملامحها سائلا إياها : ايه الاخبار ...فرحينى
ورد بسعادة وابتسامة هادئة : كالعادة ياحكيم ..الحمدلله امتياز مع مرتبة الشرف
حكيم بابتسامة يبدو عليها الاضطراب : الف مبروك ياورد الجناين
ورد بابتسامة : بقالك سنين ماقلتهاليش
ليستند حكيم على سور الشرفة وهو ينظر للخارج قائلا : سامحيني ياورد
ورد : على ايه حكيم
ليتنهد حكيم بشدة ثم ينظر لورد سائلا إياها : انتى عارفة أنا عندى دلوقتى كام سنة
ورد باستغراب : عندك ٣٥ سنة
حكيم : و ده ما لافتش نظرك لحاجة
ورد وقد بدأ قلبها يشعر بأن حكيم سيلقى عليها ما يعكر صفوها : قول اللى انت عاوز تقوله على طول ياحكيم
حكيم بابتسامة : من وانتى لسه بضفاير وشرايط ..كنتى اكتر واحدة بتفهمينى من غير ما اتكلم
ورد : كل اللى فهمته دلوقتى انك عاوز تقوللى حاجة ومش عارف تبتدى منين ..وانا اهوه بقوللك اتكلم وانا سامعاك
حكيم : انا بحب ياورد
ورد بذهول : بتحب !
حكيم : ايه مش من حقى انى احب واتحب
ورد وهى تحاول السيطرة على تعبيرات وجهها : مين يا حكيم
حكيم ببعض التردد: مها زميلتنا فى المكتب
ورد بدهشة : دى ماكملتش شهرين معاكم
حكيم : شدتنى من اول ماعينى وقعت عليها
ورد بذهول وصوتها يكاد أن يكون همسا : دى عكس كل اللى انت ربتنى عليه
حكيم : وعشان كده شدتنى وعندى رغبة شديدة انى اغيرها، واخليها زى مانا عاوز ، واتجوزها وابنى بيت واخلف واعيش طبيعى بقى
ورد وهى تكاد تستطيع التنفس : طلقنى ياحكيم
عودة
راحت ورد تمسح دموعها التى لم تتوقف منذ بداية تذكرها ، وتذكرت أيضا طريقة حصوله عليها ، وكم كان عنيفا فى بدايته وتحول فجأة بعد مجرد لحظات الى منتهى الرقة ، ولكن قلبها لم يسامحه ابدا ، ليس على استباحتها التى انتظرتها سنوات ولكن بأسلوب حالم ، ولكنها لم تسامحه على خيانة قلبه لها
فقد كانت تعتقد أن بمرور السنوات سوف يرى حبه بعينيها ليبادلها عشقا بعشق، ولكنه لم يراها ابدا أكثر من أخته الصغيرة
ولم تسامحه أيضا على انانيته عندما قرر أن يتزوج ويمارس حياته ويتركها هى على وضعها ، فلا هى زوجة ولا هى حرة
ولكنها أيضا لم تسامح نفسها على كتم سرها عنه ، فعندما علمت بحملها صارحت به عمها وزوجته فقط واستحلفتهم بالله أن لا يعلم حكيم شيئا عن حملها حتى لا يوقف مشروع زواجه من مها ، وانها لن تكون سعيدة ابدا إذا ردها لعصمته لمجرد حملها فقط
وعندما ثار عمها وزوجته اضطرت ورد أن تصارحهم بحقيقة زواجهم من البداية حتى صار ما صار ، ولكنها أوضحت لهما كم أن حكيم وقف بجانبها وساعدها وأنه لم يجرحها أو يخلو بها يوما واحدا ، وأنه فعل ما فعل معها فى النهاية خوفا على رجولته وسمعته
وترجتهم كثير الترجى أن يوافقاه على مارسم لحياته وزواجه من مها فكفى ضياعا لعمره
وكم بذلت من مجهود جبار حتى رضخ عمها وزوجته لمطلبها وسفرها بمفردها وهى تحمل باحشائها قطعة من حكيم لا تدرى أن كانت ستكون ذكرى لحبها ام ذكرى لاستباحته إياها تلك الليلة
……………...
بعد صعود ورد إلى الطائرة غادر حكيم المطار متجها الى مكتبه وهو يشعر أن جزءا من قلبه قد غادره مع مغادرة ورد
فبعد تلك الليلة .. تغير شئ ما بداخله لا يعلم ماهيته ، لم يعد يستطيع البعد عن التفكير بورد ، ولم يستطيع أن يعود لاحساسه القديم بها كأخته صفية كما السابق ، فلم يعد يستطيع أن يراها ورد الصغيرة ، لم يعد يستطيع ألتغافل عن دقة قلبه الغريبة التى يشعر بها وقت أن تأتى ورد على خاطره ، بل عندما يرى صحبة من الورود حتى وإن كانت صورة على غلاف مجلد
لا يدرى ماحدث له ، أصبح مشوشا ، غاضبا معظم وقته ، أصبح كمن ضاع منه شئ ثمين فقد الأمل فى العثور عليه
وعندما وصل إلى مكتب المحاماه اتجه إلى غرفة مكتبه مباشرة دون الحديث مع أحد ليقف وراء نافذته يراقب حركة السير حتى سمع طرقات على الباب ووجد مها تدخل إليه دون أن يسمح لها بالدخول كما اعتادت أن تفعل مع الجميع
مها : كنت فين كل ده ياحكيم ومابتردش ليه على تليفونك ، انا وإسماعيل بنتصل بيك من بدرى
لينظر إليها حكيم بنظرة متفحصة وكلمات ورد ترن فى أذنيه(دى عكس كل اللى انت ربتنى عليه)
فمها إنسانة متحررة للغاية ، لا تضع حدودا فى التعامل بينها وبين أحد ممن تعرفهم من الجنس الآخر ، صوتها عالى دائما ، ملابسها ليست عارية ولكنها أيضا ليست محتشمة ، فدائما ماترتدى مايفصل جسدها ، تغطى رأسها بوشاح يشف شعرها وجسدها ، بل ونحرها فى بعض الأوقات ، جريئة هى ..واثقة بنفسها ..طموحة لابعد الحدود
وتذكر فى المقابل كيف أنه ربى ورد على الصوت الهادئ والملبس المحتشم ، وكيف عودها من نعومة أظافرها أن يكون تعاملها مع الجنس الآخر فى أضيق الحدود وللضرورة القصوى
ليستفيق من أفكاره على صوت مها التى تقول وهى تقترب منه حتى كادت أن تلتصق به وتضع يدها على كتفه : ايه روحت فين ، عمالة بكلمك وانت مش معايا خالص
ليبتعد حكيم عنها بسرعة ويذهب للجلوس وراء مكتبه قائلا : كنت فى المطار
ليتلون وجه مها بالغضب لتقول : برضة روحتلها يا حكيم ...احنا مش هنخلص بقى من الموال الزفت ده
حكيم بحزم : لما تتكلمى عن ورد ...تتكلمى بأسلوب احسن من كده يامها ، وماتنسيش أنها هتفضل طول عمرها بنت عمى
مها وهى تحاول معرفة ما بداخله : حاسة أن الموضوع اكبر من كده ياحكيم ، وماتنساش انك لغاية دلوقتى ماجيتش اتقدمتلى رسمى
حكيم متنهدا : اول ما الاقيكى خدتى خطوة ..اكيد هتلاقينى انا كمان اتحركت
مها : انا اللى هاخد خطوة برضة ياحكيم ، ليه أن شاء الله! هروح اخطبك من العمدة
لينهض حكيم غاضبا وهو يضرب بيده على ظهر مكتبه : احفظى ادبك يامها وانتى بتتكلمى معايا واياك اسمعك بتتكلمى معايا بالاسلوب ده مرة تانية ، ثم عمدة مين اللى انتى بتتريقى وانتى جايبة سيرته ده ، انا ابويا عمره ماكان عمده ، لكن مقامه فى بلدنا أعلى من اى عمدة ، وحتى لو ماكناش اغنيا، احترام ابويا وأهلى من احترامى ...فاهمة واللا لا
مها وهى تحاول تلطيف الأمر : انت ليه أخدتها كده ياحكيم ، انا مش قصدي طبعا كل ده ، ثم اقتربت منه وهى تكمل : واضح أن فى حاجة مضايقاك ، احكيلى ياحبيبى ايه اللى مضايقك
ليبتعد عنها حكيم مرة أخرى وهو يصيح بوجهها : انتى اللى مضايقانى يامها
مها بصدمة : انا ياحكيم ..انا عملت ايه
حكيم بتنهيدة ،: ماعملتيش يامها ، وده اللى مضايقنى
مها : انا مش فاهمة حاجة
حكيم وهو يحاول تهدئة نبرة صوته : هو انا مش سبق واديتلك الشهر اللى فات عشرتلاف جنية عشان تجيبى لبس مناسب غير لبسك ده
مها وهى تدعى الحزن : انت بتعايرنى ياحكيم
حكيم وهو يزفر أنفاسه : اسمعى يامها ، دى خامس مرة اديكى فلوس عشان الموضوع ده ومابتنفذيش وكل مرة بحجة ، مرة تعب ماما وعلاجها ومرة اتسرقوا منى ،ومرة اصل اخويا شافهم معايا واخدهم غصب عنى واخر مرة أصل مش عارف بابا احتاجهم فى ايه ….ياترى بقى المرة دى حجتك ايه
مها بغضب : ده انت عاددهم عليا بقى ، انا ماكنتش اعرف انك بخيل كده
حكيم بدهشة : بخيل ! خمسين ألف جنية خلال اربع شهور وبخيل
ثم اقترب منها قائلا بحزم : ماشتريتيش الهدوم ليه يامها
مها بغرور: مافيش حاجة عجبتنى
حكيم بذهول : نعم ، معلش قولى تانى كده
مها بلجلجة : نزلت اشترى وماعجبنيش حاجة ،المواصفات اللى انت عاوزها بلدى اوى وفلاحى ، مش الاستايل بتاعة
حكيم : واستايلك بقى اللى هو المحزق الملزق اللى انتى لابساه ده مش كده
مها : دى حياتى وانا زى مانا كده ياحكيم ، ولازم تقبلنى زى مانا
حكيم : ولو ماقبلتش ؟
مها : تبقى مابتحبنيش
حكيم : يبقى انتى كمان لما جبتى وقلتيلى انك معجبة بيا وبتحبينى وانتى كنتى عارفة انى متجوز ، ورغم ذلك كنتى عاوزانى ارجع ورد تعيش فى البلد ..ماكنتيش بتحبينى
مها : لا طبعا كنت بحبك بس بغير عليك
حكيم : طب وانا كمان بغير عليكى وانتى بشكلك ده ومش عاوز اللى رايح واللى جاى يتفرج عليكى وعلى جسمك اللى متفسر ده
مها بتذمر: بس انا بحب دايما ابقى جميلة فى عيون الكل
حكيم بنفاذ صبر : الكل ….الكل يامها …. انتى مابتحاوليش تعملى اى خطوة ولا تبذلى اى مجهود ، عاوزانى انا اللى على طول اقدم تنازلات وانتى تاخدى وبس
انا اسف يامها ...مش هقدر ، ماعنديش اى استعداد انى ابقى خيال راجل ، من هنا ورايح احنا مجرد زملاء وبس ، وكفاية عليا خساير لحد كده
مها بعصبية : كل ده عشان الخمسين ألف جنية
حكيم : ياريتها جت على الفلوس وبس ، لكن للاسف اللى ضاع اغلى بكتير
لتنظر له مها كالابلة بغضب ثم التفتت وتذهب إلى الخارج وهى تدق بقدميها الأرض غضبا
وبعد أن خرجت مها وتركت الباب مفتوحا دخل اسماعيل إلى حكيم واغلق الباب خلفه وهو يقول : انت جيت امتى ، انا كلمتك كذا مرة
حكيم محاولا نسيان ماحدث : مابصيتش فى تليفونى ،كان فى حاجة مهمة واللا ايه
اسماعيل : كان جايلنا قضية جديدة وكنت عاوزك تقعد مع الموكل وتناقشه فيها
حكيم : معلش يا اسماعيل انا عارف انى متقل عليك اليومين دول ، بس اوعدك انى هفوقلك واعمللك اللى انت عاوزة
اسماعيل : روحت لورد
حكيم متنهدا : أيوة
اسماعيل : ايه اللى جد خلاك مهموم اوى كده
لينظر حكيم إلى صديقه قائلا : مش عارف يا اسماعيل ، حاسس انها خدت دقة من قلبى معاها
اسماعيل محاولا المرح : طب الحمدلله انها دقة واحدة ..يعنى هتعيش اهوه
ليقف حكيم ويتجه إلى نافذته مرة أخرى وقال : تصدقنى لو قلتلك انى مش قادر اتنفس ، حاسس انى مخنوق ، حاسس ان دقات قلبى ناقصة ، خايف عليها اوى
اسماعيل : ده لأنها طول عمرها تحت عينك وكنت دايما مسئول عنها ، بس صدقنى ، ورد بميت راجل
حكيم : مش ده اللى مخوفنى
اسماعيل : اومال ايه اللى مخوفك
حكيم : خايف تقابل راجل يحسسها بحبه .. فتحبه
ليزوى اسماعيل مابين حاجبيه وهو يقول بدهشة : ايه يا حكيم ...انت حبيتها واللا ايه
ليصمت حكيم فيكمل اسماعيل : يعنى جاى تحبها بعد ماتنفصل عنها ، ماهى كانت بين ايديك
حكيم : الظاهر انى كنت غرقان لشوشتى من زمان ..بس انا اللى كنت غبى واعمى ومش فاهم
اسماعيل : طب و مها
حكيم : تصدق انى اكتشفت أن عمرى ماحبيتها ، مها بالنسبة لى كانت زى التحدى واكتشفت انى خسرت التحدى ده وانى كمان مش اده ، مها مختلفة عنى تماما وكنت فاكر أنها لما جت قالتلى أنها بتحبنى أن عندها استعداد أنها تتنازل وتتغير زى مانا كنت بتنازل عن حاجات كتير مهمة اوى عشانها ، وللاسف انا اللى ابتديت بالتنازلات وهى …..هى قالتلى اسفة ماينفعش
بس تصدق ...مازعلتش ولا اتضايقت من حاجة قد مازعلت من نفسى على اللى عملته مع ورد
وافتكرت الليلة إياها واكتشفت أن غضبى وغلى ماكانش على منظرى ولا رجولتى زى ماقلتلها لأ ...لكن كان من تخيلى ليها وهى بتحب راجل تانى وبتديله عمرها
كانت دايما بتبصلى بنظرة فيها لوم وعتاب وانا كنت غبى ومش عارف أفسر نظرتها دى ، أنا متأكد أن ورد بتحبنى زى مانا بحبها لكن برضة متأكد انها لا يمكن تسامحنى على اللى عملته
اسماعيل وهو يربت على كتف صديقه : اللى بيحب بيسامح ياصاحبى ، وعشان تبقى تصدقنى بعد كده
لينظر له حكيم يتساؤل ، فيقول اسماعيل : ماتنساش انى حذرتك كتير من مها وانت كنت فى وادى تانى
حكيم متنهدا : وادينى دفعت التمن غالى اوى
اسماعيل: الايام بتنسى ، اصبر ، يمكن يكون ربنا كاتبلنا فى اللى جاى خير
………………………
بعد مرور شهر على وصول ورد إلى لندن ، تستقر بالجامعة وتقيم مع زميلة لها بنفس جامعتها ولكنها تخصص آخر فورد تدرس جراحة الأعصاب ، أما زميلتها نور فهى تدرس علم البرمجيات
وسرعان ما اندمجت ورد مع نور وكونا صداقة جميلة برعاية الغربة والوحدة ، وكانت ورد تهاتف عمها بانتظام مساء كل ليلة جمعة ، ويجمعها البكاء مع زوجة عمها التى يعتريها القلق الشديد على حملها وهى وحيدة وطلبت منها زوجة عمها أن تتحدث الى نور وبالفعل تحدثت إليها وأخذت توصيها على ورد وجنينها ووعدتها نور أن تظل دائما ملاكها الحارس
حتى جاء موعد ولادة ورد التى نقلتها نور على الفور إلى أحد المشافى ولم تتركها حتى وضعت مولودتها وعادت بها مرة أخرى إلى منزلهم تحت رعايتها
نور وهى تعدل وضع نوم ورد وتناولها طعامها : بس انتى لسه ماقلتيليش هتسمى القمراية دى ايه
ورد بابتسامة : هسميها نوارة
نور بسعادة وهى تصفق بيديها : الله ، كناية عن أسمى مش كده
ورد ضاحكة : كان نفسى اكدب عليكى واقول لك ااه ...بس مسيرك تعرفى الحقيقة فى يوم من الايام
نور بإحباط وهى تمد شفتيها بامتعاض : وايه هى بقى الحقيقة دى
ورد بابتسامة : ده اسم امى الله يرحمها
نور : الله يرحمها ويخليلنا نوارة الصغيرة القمراية دى ...بس شكل مين ياورد ، مش شكلك خالص ..مش واحدة منك غير لون شعرك
ورد بشرود حزين : شكل باباها
لتصدر نور صفيرا عاليا وتقول ،: ده واضح انه مز اوى
ورد وهى مازالت على شرودها وكأنها تتذكر كل ماقد كان : كفاية أنه راجل
نور : حبيتيه
ورد : اكتر من روحى
نور باستغراب : اومال اتطلقتوا ليه
ورد وهى تحاول تغيير الحديث : الحب مش دايما بيبقى كفاية ، وبعدين انتى هتاكلينى واللا هترغى
نور : أيوة استعبطى استعبطى , انتى بس بتغيرى الموضوع وانا هعديهالك بمزاجى
ورد ضاحكة : ماشى يا ام العريف ، بس انا عاوزة اخلص اكل بسرعة عشان اكلم عمى ، النهاردة معاد مكالمتهم
نور : كلى بس الاول وماتقلقيش انا فاكرة
وبعد انتهاء ورد من طعامها تقوم بارضاع صغيرتها وتصويرها على هاتفها وتقوم بإرسال الصور الى عمها وزوجته ثم تقوم بمهاتفة عمها
عتمان : اتأخرتى عليا المرة دى ياورد طمنينى عليكى يا بنتى
ورد : احنا بخير ياعمى ماتقلقش علينا
عتمان : وانتى مش محتاجة حاجة يابنتى
ورد بابتسامة : محتاجين دعاك بس ياعمى ادعيلى وادعى لنوارة
عتمان : هى مش اسمها نور
ورد بمرح : جرى ايه ياعمى مش تركز معايا كده ...نور تبقى زميلتى لكن نوارة ….. نوارة تبقى حفيدتك ياحاج عتمان
لينتفض عتمان من مجلسه وهو يتقافز فرحا رغم تقدم عمره قائلا : الله اكبر.. الله اكبر ..حمدالله على السلامة ياقلب عمك ..انتى ونوارة اللى نورت الدنيا كلها
لتدخل حكمت على صوت زوجها العالى وهى تستفسر عن سبب سعادته البالغة ليقول : بقيتى جده يا ام حكيم ...ورد قامت بالسلامة وجابتلنا نوارة
ليسمعا صوت شئ ما وقع متهشما على الأرض ليلتفتوا إلى مصدر الصوت ليجدوا حكيم يقف والصدمة تعلو وجهه وقد وقع فنجان قهوته ارضا وصار هشيما