اخر الروايات

رواية عقاب ابن البادية الفصل الرابع 4 بقلم ريناد يوسف

رواية عقاب ابن البادية الفصل الرابع 4 بقلم ريناد يوسف 


رواية عقاب ابن الباديه الفصل الرابع بقلم ريناد يوسف

إنتفضت مديحة وقد شعرت أن وقت تحقيق الأمنيات قد حان، وتقدمت نحو اخيها وسألته بعبارات تقطر لهفة:
-بجد يايحيى لقيته، لقيته فين وازاي إنطق.
- فيه جواب جه لمحمود النهارده من فرنسا وبمجرد ما استلمه خباه بس اللي مكلفه بالمراقبه قدر يعرف العنوان اللي عالظرف ويحفظه، آدم في فرنسا يامديحه، هنسافر وكأننا رايحين البلد نقعد يومين ونخلص مهمتنا هناك وهتكون سهله ومتيسره مادام الولد لوحده..
الغبي محمود سهلهالنا وهو مش حاسس.. صحيح هيفضل طول عمره راس فجله على رأي المرحوم ابونا.

غادر الغرفة تاركاً المجال لشقيقته كي تجهز ماستحتاجه في الرحلة بعد أن إتفقا على الخطة التي سينفذونها هذه المرة وذهب لزوجته ليأخذ منها باقي التعليمات، فهي الرأس المدبر وهم السواعد المنفذة، وهي من يبدأ من عندها كل شيء.

بعد حوالي ساعتين.. نظر محمود بطرف عينه من وراء الصحيفة التي تواري وجهه، وتبسم وهو يرى اخيه وزوجته واولادهم وشيقته يهبطون الدرج وهم يحملون حقائبهم وفرحة الظفر بادية على وجوههم، وفور ان وقفوا أمامه تحدث يحيى بهدوء:

-محمود احنا مسافرين البلد هنقضي هناك يومين الولاد زهقانين ومحتاجين يغيروا جو واحنا معاهم.
تحدث محمود بجدية:
- روحوا يايحيى وانا إحتمال ابعت وراكم ناديه على بكره الصبح عشان النهارده حاجزلها عند الدكتور، هي كمان أعصابها تعبانه ومحتاجه تغير جو.
إزدرد يحيى لعابه واخذ يتبادل النظرات مع الجميع وقد شعر بأن مخططهم علي وشك أن يُتلف بواسطة هذا الغبي، فنظر لزوجته مستجدياً منها حلاً سريعاً فاردفت بهدوء:
- اكيد طبعاً هتكون فرصه حلوه انها تخرج من حالتها دي، وكمان انا هاخدها معايا انا والولاد لبيت أهلي تسلم عليهم وتقضي معانا الأجازه وسط اللمه الحلوة، اصل نسيت اقولكم السبب الحقيقي ورا سفرنا إن اختي الدكتوره هدى اتخطبت وهتعمل حفله ولازم نكون موجودين.
تبسم كلاً من يحيى ومديحة، فهم يعلمون جيداً أن ناديه لا تذهب الى بيت اهل فريال ولا تطيق منهم أحداً.
فأردفت ناديه سريعا:
- لأ انا مش هروح مكان ومش هسافر مش عايزه ومش قادره.. سافروا انتوا واتهنوا برحلتكم.

انهت حديثها ونهضت بتثاقل ودلفت للمطبخ تعد لها قدحاً من القهوة يهدئ الضجيج الذي يعتمر راسها، وأما يحيى والبقية فغادروا على الفور وكأنوا يتسابقون هرباً خوفاً ان تتراجع في قرارها.

وبعد ان غادر الجميع عادت عايده الى زوجها محمود واردفت له بسعاده عارمه:
- خلاص يا محمود هنقدر نشوف ابننا ادم خلاص هشوف ابني واطمن عليه، معقوله هاخده في حضني، هشم ريحته هسمع انفاسه، انا مش مصدقه،
انا مش مصدقه بعد الوقت اللي عدى ده كله ان انا هرجع اشوف آدم من تاني دا وحشني قوي قوي.

محمود :
اهدي يا عايده اللي بتقوليه ده مش هيحصل، انا سبق وقلت لك اننا حتى لو شفناه هنشوفه من بعيد لبعيد، مش هنقرب، مش هنخليه يحس بوجودنا ولا يشوفنا.. لانه لو شافنا وحضناه زي ما بتقولي ورجعنا سبناه مره ثانيه هيفتكر ان احنا تخلينا عنه للمره الثانيه..
ووقتها مش هيحط لنا اي اعذار للبعد، مش هيلاقي لنا اي مبررات، ولا اي حاجه في الدنيا هتغفر لنا عنده ان احنا خذلناها مرتين..
دي فرصه وجات لنا واحتمال ما تتكررش مره تانيه، فمش عايزينها بدل ما تكون فرصه جميله لينا تتقلب لكارثه ونخسر ابننا للابد، ونخسر فرصه رجوعه لينا وهو فقلبه شوية محبه..
انا مشتاق لادم اكتر منك ونفسي اخده في حضني اكتر منك،
نفسي اطمنه واقول له ان احنا جنبك ما سبناكش ما بعدناش عنك ولا تخلينا عنك،
بس المشكله اننا فعلا مش هنقدر نعمل كده.. فنهدى يا عايده ونكمل اللي بداناه للنهايه ما ينفعش دلوقتي نهد كل اللي بنيناه
يا كده يا إما بلاش نروح من الاساس وخلينا زي ما احنا، نطمن عليه من بعيد لبعيد وهو فاكر ان احنا مسافرين وفتره وهنرجع.

عايده: لا لا خلاص انا مش هطلب ان انا اقرب، مش عايزه احضنه، كفايه اني اشوفه من بعيد،
خلاص يا محمود خدني اشوف ابني ووعد مش هخليه يشوفني.

محمود:
- خلاص يا عايده جهزي نفسك علشان بعد ما اتاكد ان يحيى ومديحه سافروا بره البلد هاخدك ونروح نشوف ادم زي ما اتفقت مع الشيخ منصور.
وبالفعل في اليوم الثاني تأكد محمود أن اشقائه غادروا البلد متجهين إلى حيث اوهمهم،
وأنها فرصته التي خطط لها طويلاً قد حانت، فاخذ زوجته واتجه إلى حيث يقطن صغيره، وطوال الطريق قلوبهم تسابق دواليب السيارة حتى تراه قبل اعينهم.
وصلا اخيراً، وترجلا من السيارة، وكادت ناديه ان تفقد رباطة جأشها وتتهور بقلب أم مشتاق لطفلها، وتهرول باحثة عنه وتختطفه لأحضانها وتباً لكل شيء،
ولكنها تراجعت ما أن تذكرت لحظة وداعها لإبنها مروان وهم يأخذونه من احضانها للأبد ليُدفن تحت الثرى وتحرم منه،
وقررت الا تسمح لهذه اللحظة ان تعاد ابداً مادامت تستطيع ان تمنعها.

توقفت وهي تمسح عبراتها، واقترب منها محمود واخذها تحت جناحه مهدئاً لنوبة الحنين والاشتياق التي ضربت اوصالها فأضعفتها، وهو يعلم كم تجاهد الآن للمقاومة، فهو مثلها تماماً، ويشعر بما تشعر به.

اقترب منهم قصير مهرولاً ومرحباً، وبعد السلام والإستقبال الحار المعتاد دعاهم للتقدم، وطمأنهم بأنه ابعد الصبي حتى يختبئا منه في خيمة الشيخ منصور قبل عودته.

وبعد السلام على الشيخ منصور جلس الاثنين وهم على وشك الموت توتراً، ووصلت القلوب الحناجر حين اردف قُصير الذي صنع فتحة صغيرة في بدن الخيمة وكان يختلس النظر منها:
-ابشروا عاود الوليد.
عندها هبت عايدة وسابقت زوجها كي تنظر الى طفلها، وكم آلمها رؤيته وهو يهش على الاغنام مع سائر الصبية، وقد تبدلت احواله كلياً، فلا هذا إبنها ولا هذة هيئته، لا هذا وجهه.. مهلاً واين ذهب شعره الحريري الذي كان يصل حتى منكبيه إنه شبه اصلع!
فنظرت لقصير وسألته:
- انتوا قصيتوله شعره؟
قصير:
- اي زيناله راسه.. الوليد صغير وما يعرف يعتني بروحه، حتي لا يصير براسه قمل.
اغمضت عايده عيناها بألم على ماصاب فلذة كبدها، ثم فتحتهم سريعاً كي تعاود إشباعهم منه قدر المستطاع، وتخزن من ملامحه في عقلها الاف المشاهد حتى تتذكرهم لاحقاً.
أما محمود فكان يختبر شعورين مختلفين، شعور الراحة والإطمئنان على قطعة من روحه يدرك انه إختار لها المأوى المناسب، وشعور الاشتياق الذي يكاد يمزقه، ومثل أمه يود أن يحتضنه ويحترق العالم بعدها ولا يأبه.
إختفى آدم مع الصبية وعاد كلا منهما يجلسان مقابل الشيخ منصور، وقص عليهم قُصير ماحدث في الايام الماضية مع الصبي، ولكنه لم يخبرهم بلدغة الثعبان، فهو اكيد أنه لو فعل ذلك لخرا الاثنان أرضاً يصارعان ذبحة صدرية في الحال.

كان قصير يتحدث وعينا محمود تلمعان فرحاً وفخراً، اما عيون عايده فكانا ينزفان دمعاً وحسرة، وفي نهاية المطاف اشفق منصور عليها فأردف لقصير آمراً:

-قم وخد آدم خله يركب فرسه ويتسابق مع الصبيه، خلي بوه يكحل عينه بشوفته وهو يسابق الريح، خليه يشوف كيف بكم يوم الولد اصبح فرق السما من الارض عن أول نهار جانا فيه.
عقاب الفصل الرابع ٢

إمتثل قُصير للأمر وخرج من الخيمة وإستدعى الاطفال لسباق خيل مفاجئ، وكان آدم في مقدمة الجميع، فإمتطى حصانه وأمسك لجامه، وأستعد حاله كحال البقية، وإنطلق كالريح متخطياً للجميع وهو يضرب الحصان بكلتا قدميه الصغيرتين ويزأر كفارس صغير، وهو لا يعلم ان هناك من يختلسا النظر إليه وقلوبهم تحاوطه ويطيران فرحاً،
وكم ودا لو ياخذانه فى احضانهم ويخمدون براكين الشوق التي تحترق الآن وهو قريب منهم وبعيد في ذات الوقت..
ولكن للظروف احكام واجبة التنفيذ.

وبعد أن غاب آدم عن مرمى ابصارهم عادا لجلستهم، وبدأ محمود يشكوا قساوة اخيه، ولولاه لما تكبد أحد منهم كل هذا العناء..

فرد عليه قصير غاضباً:
-وليش انت تستسلم لأفاعيله وتنتظر الشين منه، ليش ماتسبق وتصون وليدك وتمد لخوك يد الغدر اللي دوم طايلك بيها ، ايش رأيك لو اجيبلك خبره ومايعاود لبيتك مره تانيه،
وتعزق مرته بره دارك وتربي عياله، واختك تزوجها وتفتك منها،
وتعيش مع ولدك وتاخده تحت جناحك.. ليش تعيش بخوف وتتحمل الفراق وانت المظلوم.

محمود:
- انت بتقول ايه ياقُصير إنت عايزني اقتل اخويا وايتم اولاده منه؟ انت عايزني ابقى مجرم؟

قُصير:
- لا ودي تاخد بتار ولدك وتحافظ على التاني من الموت ماودي تقتل لغرض القتل او تصير مجرم.. القصاص حق الله والمُقتص موش مجرم.
نهره منصور قائلا:
-ولا حرف تنطقه ياقصير، إلا زهق الارواح ماتسعى فيه..واكمل وهو ينظر لمحمود وزوجته:

- ادري عيبة كبيره في حق شيخ القبيله انه يطلب من ضيفه الرحيل يامحمود من غير ماياخد واجب ضيافته. على اكمل وجه، ، لكن انت اكيد تعرف انه مايصير بحالتك اجالسكم واضايفكم ، لان الولد إذا شافكم ماراح يصير خير،، يلا خد مرتك وتوكل على الله قبل لا يعاود الولد.
اطاعه محمود وسحب عايده وتركا المكان، ولكن بعد ان تركت للشيخ منصور حقيبتان أمنته ان يعطيهم لآدم.. وضعت فيهم معظم العابه وبعضاً من ملابسه الثقيلة، منامته المفضلة، والكثير من الشيكولاته التي يعشقها ووجبة من الدجاج المقرمش التي اعدته له بيديها وهي تعلم انه حتماً يشتاقه الآن، فهي وجبته المفضلة التي لا يمل منها ابداً.

وكما غادرا بالسيارة تاركين روحهم هنا أول مرة انعاد كل شيئ من اول وجديد، نفس لحظات الوداع القاتلة ونفس الشعور، حتى الدموع نفسها،

ولكن الفرق ان هذه المرة قد إطمانوا أن طفلهم اصبح بإمكانه العيش في هذه البيئة التي ظنوا انه سيهلك بها ولن يتحمل، بل وبدأ يتأقلم وهذا ما جعل بعضاً من الإطمئنان يتسرب إلى داخل نفوسهم.

وفي هذا الوقت كان آدم عائداً مع بقية الصبية على حصانه، ومن بعيد لمح ماجعل قلبه يخفق بشدة، سيارة تقف بعيداً تشبه سيارتهم، ورجل وإمرأة يشبهان أمه وأبيه يقتربان منها!
نعم المسافة طويلة ولكن الإحتمال مع الشعور بقربهم منه لا يسمحان له بالتجاهل، فترجل عن حصانه وأسرع نحوا السيارة وكان هذا خطأه الذي ندم عليه، فهو لا يعلم لِمَ لم يكمل المسافة بحصانه وكان سيصل أسرع! ولكن هذا ماحدث ،
وفي منتصف الطريق كانت السيارة تترك المكان وتغادر مبتعدة،
لم ينادي هذه المرة ولم يبكى، بل ظل ينظر للسيارة المبتعدة بأنفاس متلاحقة وغضب مكتوم، فحتى لو كانا أمه وأبيه لن يستجدي منهم محبة،
وأنهم لو كانا يريدانه لانتظرا.
فعاد إلي حيث يقف بقية الأطفال، ووقف معهم شارداً، وفور رجوعه معهم لخيمته رأي الحقيبتين..
فأسرع يفتحهم دون أن يخبره احد انهما له، فهو يعرفهم جيداً.
وتأكد من ظنونه حين رأى مابداخلهم، فالتف حوله الأولاد بفضول حتى يرون مابداخل الحقائب!
وكم اذهلتهم الالعاب الغريبة التي كان يخرجها، فهو شيئ جديد عليهم، فهم لا يعرفون الالعاب!
واخيراً اخرج وجبة الدجاج التي عرف على الفور أنها من صنع يد أمه، والتي رائحتها جعلت لعاب الاولاد جميعهم يسيل،
ففتحها واعطاها لهم بكاملها، وأبي أن يتذوق ماصُنع باليد التي افلتت قبضتها منه وتركته غارقاً في رمال الصحراء يعاني بلا رحمة منها ولا رافة،
وترك الخيمة وغادر للهواء الطلق كي يبكي بعيداً عن الجميع، فهو بات يعرف جيداً أن دموع الذكور إذا نزلت تحط من شأن صاحبها ويصير اضحوكة الجميع.

إقترب منه قُصير ولما رآه يمسح عبراته اردف له:
-ويش فيك ياولد، عمرك شفت رجال يبكي؟ انهض وامسح عيونك قبل لا حد يشوف الدمع فيهم، دمعة الزلم تموت في ارحام محاجر العين ماتنزل،
حتي ولو الشوق مزع القلوب وتلفها تلف.بوك وامك هيعاودو قريب، شد حيلك وتعلم كل شي وانتظرهم، هم بعتولك سلامهم هاد مع مرسول ويبلغوك سلامهم واشواقهم،

وبوك يقولك صير رجال خلي يفرح فيك ويشد ضهره بيك وتكونلة رفعة راس وتعاودله قريب.
آدم:
انا مش مشتاق لحد ومش ببكي على حد ومش عايز حد.
انهي كلماته وغادر المكان مبتعداً، فتأكد قصير أن شدة شوقه وغضبه مع خذلانه بدئا يصيبا قلبه بالقساوة، وهذا شيئ جيد وخطير في ذات الوقت،
وسيجاهد قصير أن يحول هذة القسوة لصالح آدم ولن يتركها تدمره كما تفعل قسوة القلوب في اصحابها، فالقسوة إن توجهت بطريقة صحيحة تخدم اصحابها.

أما في فرنسا..
مديحه:
- وبعدين يايحيى ازاي بقالنا ٣ ايام مش عارفين نوصل للعنوان اللي مكتوب عالظرف، إنت متأكد إنه عنوان حقيقي وله وجود أو حتى متاكد إنه العنوان اللي فيه آدم؟
يحيى:
يعني بالعقل كده محمود ملوش اي مصالح في فرنسا ولا معارف وأول مره فحياته جواب من فرنسا يوصله لأني انا اللي طول عمري بستلم البوسته والجوابات واي مراسلات، يبقى العنوان هيكون عنوان مين، وكمان السريه والخوف اللي كان بيتعامل بيها مع الظرف كانت بتدل انه جواه حاجه خاصه بإبنه.
- طيب مفتحتوش ليه وقريت اللي جواه مادام ايد حد من اللي تبعك طالته؟
- الجواب كان مسوجر ومكنش ينفع يتفتح، وبعدين اللي شافه يادوب لحق يلمح العنوان.
مديحه:
- يحيى يلا بينا نرجع مصر انا حاسه ان المشوار دا فشنك.
- ازاي؟
- احنا انضحك علينا يايحيى، محمود عرف يخدعنا، ومتأكده انه فتش ورانا واتأكد اننا سافرنا، وأصلاً دي خطته عشان يتأكد اننا فعلاً بنسعى ورا إبنه، وغير كده اخد فرصه إنه يطمن عليه، دا إن مكانش راحله كمان وقضى معاه اليومين اللي فاتوا هو وامه، وإحنا زي الحمير بنركب طيارات ونسافر ونجري فى البلاد ندور على سراب.
- قصدك ايه يامديحه؟
- آدم في مصر يايحيى مخرجش منها، آدم قريب على محمود واراهن ع الكلام دا بعمري كله.
نظر بعيداً وقد تملك منه الغضب وهو يستوعب ماقالته شقيقته للتوا، فلو كان هذا صحيحاً فهذه هي المرة الأولى التي يتسم فيها بالغباء ويتفوق عليه اخيه محمود دهاءً ومكراً، وهذه ليست من عاداته أو من عادات الآخر، وكأن الادوار قد تبدلت.

أرتدى معطفه سريعاً وخرج ليحاول محاولة أخيرة في العثور على العنوان المطلوب، وبعد عدة ساعات عاد محمل بالخيبة وبيده تذكرتان للعودة إلي مصر وهو يتوعد لأخيه في سره بأنه سيجعله يدفع ثمن خيبته هذه غالياً.
عقاب الفصل الرابع ٣

وصلا اخيراً الي مصر بعد ساعات من السفر ونزلا عند اهل فريال، ومن ثم انتقلا إلى عزبة محمود، وهناك إنعقد الإجتماع المغلق..
فريال بغضب:
يعني جايين انت واختك شايلين خيبتكم.
مديحه:
-واحنا هنعمل ايه يعني يافريال مااخوكي ضحك علينا وخدعنا وبقى يعرف يلعب بينا وابتدا يشغل علينا دماغه بدال ما مكانش يعرف يشغلها غير في الشغل وبس.

يحيى:
-المشكله اننا دلوقتي انكشفنا قدامه والانكار والمقاوحه مبقالهمش قيمه، ومحمود اتأكد اننا احنا.
فريال:
ومادام دا حصل يبقى اللعب عالمكشوف من هنا ورايح وهنغير الاهداف.. وبدال ماهدفنا اننا نقطع الفرع هنضرب في الجذور ونضعفها والفرع هيموت لوحده.
يحيى برفض:
- لا يافريال مش هموت اخويا.
فريال:
-مش لازم يموت يايحيى، بالعكس دا لو مات كده هنخسر القضيه، اخوك لازم ينتهي وهو عايش، ميعرفش يمينه من شماله، ويسلم ويسيبلك كل حاجه وإحنا نسرسبها منه بالراحه،
مراته هتنشغل بيه وابنه اهو غايب واحنا الايام قدامنا طويله والفرصه متاحه..
اخوك وقت ماهيوقع مش هيلاقي قدامه حل غير انه يسيبلك كل حاجه ومش بمزاجه، ساعتها نمضيه على كل حاجه ويبقى يجي إبنه بقى يطالب باللي ليه وياخده.

يحيى:
والوصيه؟
- الوصيه عالورث وهو لو مات مش هنكون سبناله حاجه.
مديحه:
-عجبني التخطيط.. ودلوقتي التنفيذ هيكون ازاي؟
فريال:
-سيوها عليا انتوا ناسيين ان اختي دكتوره صيدلانيه ولا ايه.. ولا نسيتوا تركيبة السم اياها اللي محدش قدر يتوصل لمكوناتها وحيرت الدكاتره كلهم.

صمتت لتأخذ نفساً عميقاً، فإقترب منها يحيى ووضع كلتا يداه على كتفيها واخذ يمسد عليهم في حنوا وهمس لها:
-اهدي بس انتي وكل حاجه هتكون تمام، احنا هنعمل كل اللي هتقولي عليه.. ومادام الموضوع مفهوش موت ليحيى انا معاكي.. اصلى مش هقدر اواجه ابويا بعد مااموت وانا قاتل إبنه اللي كان روحه فيه.
اردفت مديحه بسخريه:
- بر الوالدين اللي جواك يايحيى بيقشعر جسمي ويخليني احس قد ايه قلبك كبيرر..
انهت جملتها وعقبتها بضحكة رنانة وتركتهم ودلفت لغرفة واغلقت الباب خلفها لتحادث من هي اكيدة انه يحترق الآن غضباً لغيابها المفاجئ، وكم يكره عندما تفعل ذلك ولطالما نبهها لئلا تعاود هذا الفعل، ولكنها ضرورات وعليه تقبلها شاء أم أبى.

في هذا الوقت في الباديه..
سالم:
آدم تعا العنزه البلجه تجيب تعال اتفرج وشوف الصغار لمن ينزلون من بطنها كيف يكون شكلهم وكيف تجيب.
آدم:
مش عايز اشوف حاجه ياسالم.
سالم:
-ويش فيك يارفيقي من الصبح وانت شايل الهم.. انهض انهض ماتزعل مافي شي يستاهل، تعال عشان لو العنزه جابت وليدات كتار اطلب واحد من الشيخ منصور ليك،
بيعطيك.. يكبر تبيعه وتاخد قروشه، كلنا عندنا شواهي صغيره ومعز.. مافي ولد فينا ماعنده راسين وتلاته، وبس يكبروا نبيعهم للشيخ منصور وناخد قروشهم.. قوم بس انت اللي ماعندك حلال وفقير بيناتنا.

نهض آدم معه متثاقلاً، وحضر ولادة العنزة وهو يتعجب، فقد كان شيئاً غريباً عليه، ولكن ماهو الشيئ الذي ليس بغريب هنا، فكل الاشياء غريبة وعليه الاعتياد..
اخذ سالم آدم من يده وذهب به الي الشيخ منصور الذي كان يجلس مع بعض رجال البادية والقى السلام ونظر اليه وقال:
شيخي اليوم عنزه جابت وآدم وده يستأذنك في صخل ياخده يكبره وسط الحلال ويكون ليه.
تبسم منصور وسأل سالم:
-كم جابت؟
سالم:
جابت ثلاثه
نظر إلى آدم واردف:
-الثلاثه إلك ياآدم حلال عليك.
قفز سالم من الفرحة ونظر لآدم وقال:
-وووواه صار معك مثلي ثلاث رووووس يالمحظوووظ.

ظن أن آدم سيقفز مثله من الفرحة ولكن آدم تحرك تاركاً المكان بلا اية ردة فعل، فقد كانت صغار الماعز او امتلاك اي شيئ آخر همه اليوم بالذات.
نظر منصور لقصير بعد ان راقب آدم وهو يبتعد:
-الوليد هاد بدا قليبه يموت والفرحه ماتزوره ياقُصير، خايف اعليه من الجفا.
قُصير:
ماتخاف ياشيخ لساه صغير وبنطوع قلبه كيف مانريد ونعلمو اللي نبيه.
منصور:
-خلصت فيه حوي ولا مازال؟
قُصير:
- هو اني بس عطيته جرعه وماعدتها، الليله بعطيه ثاني جرعه.. بس ياشيخ انا ودي اقول شي.
منصور:
أبشر بعرفه.. مد يدك واشبك يد عمك عمران وردوا وراي.. وانا موافقة سدينه اخذتها وانت بالرحله وخيمتك جاهزه..
اليوم انت معرس.
تبسم قصير وقفز بفرحة وامسك بيد عمران وبدأ منصور يلقنهم وهم يرددون خلفه، وفور إنتهائه صرخ قُصير على إحدى الغلمان:
- ياولد روح قول لسدينه روحي علي خيمتك وانتظري زوجك تم الزواج.

عمران:
ياقصير انتظر لغدوه نزفها الك ونعملكم عرس مليح ونفرحوا البنيه.
قُصير:
انا فرحتها ياعمي والفرحه مابالطبل والغناوي، وبعدين ودي اراعي ام عيالي وما ازيد عليها القهر.

منصور:
معك حق ياقصير، خلاص ياعمران مايلزم عرس، قوم اذبح خروف لزوج بتك وطيبه بالحفره خلي بس يفيق من النوم يتريق بيه.
عمران:
حاضر ياشيخنا تأمر أمر.
نهض عمران ونهض خلفه قصير وذهب إلي خيمة مكاسب يزف اليها الخبر، وياخذ من عندها ملابسه، فمن اليوم سينتقل للعيش كلياً في مسكنه الجديد، وسيترك الخيمة لها وياتيها في مواعيد محدده.
دلف إلي خيمته بعد ان اطلق رصاصاته في قلب مكاسب،
ووجد سدينة في إنتظاره بهيئة عروس، فأقترب منها وامسك بيدها يتاكد من وجودها، واخذ نفساً عميقاً وزفره بإرتياح وهو يردف:
- نورتي خيمتك ياام الوليدات، الله يجعلك ولاده للذكور ومنك تيجي عزوتي وحزام ضهري.
سدينه:
-الله يسمع منك ياابن عمي.
ترك قُصير يدها وذهب إلي سلة من خوص رفع غطائها واخرج منها ثعبان متوسط الحجم وامسكه من رأسه فسألته سدينة بإستغراب:
- ويش هتسوي ياقُصير؟
قصير:
-ودي اروح احوي الولد الصغير واعاودلك، راح اخلي رابح يسهر مهو ماراح ابقى هونيك، بس مسافة قرصة الحنش واعاودلك.

نظرت سدينه ليد قُصير التي أطبق عليها الثعبان ينفث سمه واردفت:
-بربك هاد وقت حوي ياقُصير يعني ماينتظر الحوي لغدوه؟
قُصير:
- الحوي اله امواعيد يابنت عمران وياويلك لو اسمعك تعترضي على شي يسويه قُصير.. وإلا وحق من خلقك اخلي ذكراكي ماتضل بالباديه الا اربعين يوم، وبعدها الكل ينسى إن كان فيه وحده بالباديه اسمها سدينه..
والحين سوي الفراش واطلعي حمي الوكل اعاود القى العشا حاضر..سمعتييي
سدينه بخوف:

انعم انعم.. السماح منك ياولد العم ماراح تنعاد اول واخر نوبه.

غادر قُصير الخيمة ودلف إلي خيمة الاولاد، وذهب إلي آدم وإقترب منه، وكان سالم مستيقظاً فأغمض عينيه ألماً وهو يعلم ماينتظر صديقه، فقد مر بكل هذا قبلاً.
أما آدم ففتح عيناه حين شعر بقُصير فوق رأسه، فرأى نفس المشهد السابق يعاد، الثعبان امام وجهه وقصير فوق رأسه وعذاب بإنتظاره.. فأغمض عيناه مستسلماً فهو بات يعلم أن مايُقرر بشأنه سيُنفذ حتى وإن إعترض. وتحمل لدغة الثعبان مرة أخرى وكتم ألمه وقرر ألا يصرخ أو يتألم بأي شكل من الأشكال، فحجة أبويه أنهم أتوا به إلي هنا ليتعلم الرجولة،
والرجولة من وجهة نظر الجميع ومن الذي فهمه حتى الآن هي تحمل الألم وكتمانه.. وهو سيصبح مثلما يريده الجميع أن يكون.
إنتهى قصير ووقف ينظر لآدم وهو قاطب حاجبيه متعجباً من ردة فعل آدم، أو من عدم ردة فعله بالمعنى الأدق، وزاد إستغرابه حين فتح الصغير عينيه ونظر له بقوة وأردف:
-خلصت ولا لسه فيه تعابين تانيه هتجيبها تعضني؟

يتتتبع


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close