رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الرابع 4 بقلم فاطمة طه
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
ده الي كان نفسي فيه لو تيجي صدفه تجمعني بيه فرصه عمري اضيعها ليه مش معقول
عيني قدام عنيه باكتر من الي حلمت بيه ده اليوم الي انا مستنيه عشان اقول
وياه الحياه هتحلي وانا معاه هو ده الي انا بتمناه والي عيني شيفاه احساس انه احلي واغلي الناس
خلي قلبي يقولي خلاص اهدي بقي لقيناه
ايوه هقول واعيد مهو بقي جنبي ومش بعيد فرحه قلبي كانو عيد مستنيه
يلا اهوه جه الاوان مش هستني ليوم كمان لازم اقولو من زمان عيني عليه
كلمات الأغنية تصدع بقوة من الخارج، بشكل ازعج نضال الذي خرج من غرفته وسار بضعة خطوات ليجد سلامة في المطبخ يرتدي مريول المطبخ في حالة نادرة جدًا، هو أقصى ما قد يفعله هو الشاي والقهوة وبضعة شطائر....
يرتدي مريول المطبخ لأنه يصنع قهوة سريعة الذوبان فقط وهذا ما استنتجه نضال وهو يجده يدندن كلمات الأغنية ويسير في المطبخ بطريقة مسرحية وهو يحمل المضرب الكهربائي.....
تمتم نضال بعدما خرج وأوقف الاغنية من ريموت التلفاز:
-هما اخترعوا السماعات ليه؟! وكل شوية يخترعوا حاجة جديدة منها بشكل جديد؛ علشان الواحد يسمع مع نفسه مش يطرش اللي في البيت...
ضحك سلامة من منظر شقيقه الغاضب على الأغلب والحانق لكنه أسترسل بخفة وهو يدندن:
-خلي قلبي يقولي خلاص اهدي بقي لقيناه....ايوه هقول واعيد مهو بقي جنبي ومش بعيد فرحه قلبي كانو عيد مستنيه..
هتف نضال بنبرة جادة:
-أنا هشيل السماعات وهخرب الساوند سيستم اللي في الشقة ده لجل خاطر عيونك يا سلامة.
عبس سلامة وهو يهتف ساخرًا:
-أنا معرفش أنتَ نكدي لمين؟! بكرا أتجوز واكون في شقتي لوحدي أنا ومراتي وتبقى تقول ولا يوم من أيامك يا سلامة، ياللي كنت مالي الشقة عليا يا سلامة وساعتها ولا هعبرك هكون مجرد جار ليك وهسمعك الاغاني من فوق.
تحدث نضال بنبرة حاول جعلها جادة:
-والله أنا ما هفتقد حد غير الأستاذ عمرو دياب وتامر عاشور والفنانة أصالة، وبعدين ساعتها لما تكون جاري هعملك محضر ازعاج..
وضع سلامة يده على قلبه بطريقة مسرحية ليدندن:
-اه الفنانة أصالة اه، وياك لو حتى وأنتَ بعيد، الشوق إليك بيزيد وأفضل أفكر فيك...
ابتلع ريقه ثم تحدث بجدية:
-هخلص النسكافيه واشغلها...
رغم أنه دومًا يتشاجر معه ويستنكر علاقته بخطيبته لكنه يتمنى أن يظل سعيدًا وصاحب مزاج رائق هكذا.........
هتف نضال بنبرة متهكمة:
-ياريتك بتطرشني على حاجة عدلة..
قاطعه سلامة بنبرة ساخرة:
-هو لازم اسمع أغاني من العصر الحجري علشان اعجبك؟!..
-اللي ميسمعش ألحان بليغ حمدي ورياض السنباطي والموجي وعبد الوهاب يبقى محتاج ينضف ودنه، مفيش حاجة اسمها مبحبش الاغاني القديمة في حاجة اسمها لسه مكتشفتش إني بحبها..
تمتم سلامة بهدوء:
-خلاص روح شغل لينا حاجة على ذوقك يمكن اكتشف المرة دي إني بحبهم..
رد عليه نضال ببساطة:
-لا، أنا مش بسمع عمال على بطال يعني، وأنتَ مش كل يوم أغاني قرفتنا بقا..
كاد أن يتحدث سلامة ويخبره بأنه أصبح مثله هو وأبيه لديه تقلبات مزاجية عنيفة بعدما كان يسخر منهم لكن صدع صوت الهاتف المتواجد في يد نضال ليجد دياب هو المتصل أجاب عليه:
-ألو...
جاءه صوت دياب بنبرة مقتضبة:
-أيوة يا نضال أنا في القسم، تعالى..
هتف نضال بدهشة وقلق شديد:
-ليه حصل إيه؟! عملت إيه يا دياب؟!.
-تعالى بس وهتعرف لازم حد يجي يضمني أو يكون معايا حد لأني أنا هنا ومعايا حور وايناس...
لم يفهم نضال كليًا ما يحدث ولكنه سأله:
-حاضر، حاضر جاي حالًا، قولي في قسم إيه طيب..
تحدث سلامة مستفهمًا بقلق هو الآخر:
-في إيه يا نضال؟!!!
______________
الدخول إلى الفرع الأول والرئيسي لمجمع المستشفيات كان أمرًا صعبًا عليه، أن يدخل ولأول مرة بدون والده، والده الذي كان بمثابة قدوته، معلمه، صديقه الأول الذي لم ينافسه أحد في مكانته.....
كان كل شيء بالنسبة له...
إنسان حنون قبل أو يكون أب وجراح...
كل ركن في المستشفى له ذكرى مع والده، منذ أن كان طفل صغير يأتي مع والدته لزيارة والده بين الحين والأخر في عمله...
في نهاية اليوم ولج إلى مكتب والده الخاص بالإدارة كان المكتب مثلما تركه كل شيء فيه يحمل بصمته ولمسته....
لم يستطع أن يجلس في مقعده لكنه جلس على الأريكة الجلدية مع الدكتور مصطفى صديق والده الذي أخذ يحاول تعزيته وتقويته، ويجعله يهتم بما تركه له والده وهذا من حسن البر به، استكمال عمله والدعاء له، وفعل ما كان يفعله..
كان الحديث روتينيًا..
ففي وقتها قد تظن بأنه حديث أحمق، لأنه يخرج من شخص حتى لو تعرض للشيء نفسه هو قد تخطاه أو تأقلم عليه بينما أنتَ مازالت في خطوتك الأولى فيه لم تعتد على الأمر حتى.....
لذلك تجد حديثهم عبثًا...
تركه مصطفى ورحل ليستكمل دوامه وظل هو جالسًا في مكانه يتصل تارة بزوجته وتارة أخرى يطمئن على أحوال شقيقته...
لا يظن بأنه سوف يستطيع اليوم ممارسة عمله بشكل فعلي مازال يحتاج إلى وقت، هو لن يطيل جلسته لليوم الأول على أي حال، ليلقي التحية على الأطباء ويتابع كل شيء مثلما كان يفعله والده بالإضافة إلى عمله....
مرت ساعة أخذ يسير فيهما في المستشفى ثم عاد مرة أخرى إلى الغرفة يظن بأنه قد أتى الوقت حتى يرحل..
لكن قبل أن ينفذ ما رغب فيه كان هناك طرقات خافتة على الباب وهادئة، أذن جواد إلى صاحبها في الدخول...
وولجت أحلام بالفعل بابتسامة صافية من الدرجة الأولى وأغلقت الباب خلفها، فهي شخصية بشوشة على أية حال وهذا ما جعله ينجذب لها من البداية:
-كُنت ناوية أصبح عليك، بس اعمل إيه وقت الصباح عدى، ممكن أقول مساء الخير؟!.
عقب جواد وهو يعقد ساعديه يناظرها:
-مساء النور يا أحلام، عاملة إيه؟!.
تمتمت أحلام بنبرة عادية وهي تأتي وتجلس على أحد المقاعد:
-أنا الحمدلله بخير، مكنتش متوقعة أنك جاي النهاردة، ومعرفتش غير من الدكتورة عبير، مع إني بعتلك الصبح ومكلفتش نفسك ترد عليا، ولفيت على المستشفى كلها إلا القسم بتاعنا و....
قاطعها جواد بنبرة جادة لكنه كان كاذبًا:
-أبدًا صدفة مش لسبب معين وأنتِ عارفة الظروف اللي أنا بمر بيها الفترة دي فبلاش تزودي الضغوط عليا لو ممكن يعني أنا مبقتش زي الأول.
ردت أحلام عليه ببساطة ونبرة لطيفة:
-أكيد أنا مقدرة اللي أنتَ فيه، بس بصراحة أنا مش مطمنة..
سألها جواد باستغراب لكن نبرته لم تكن فضولية هي فقط نبرة باردة وجامدة إلى حدٍ كبير:
-ليه حصل حاجة عندك؟!..
هتفت أحلام بنبرة جادة وهي تخبره بما تشعر به حقًا:
-جواد أنا حاسة أنك بتبعد عني كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله ومتقولش من ساعة وفاة والدك علشان أنتَ من قبلها بفترة وأنا حاساك متغير معايا اه بتكلمني وبنخرج بس مش معايا زي الأول و...
تمتم جواد بانزعاج وهو يحاول غلق هذا الأمر مؤقتًا لكن بالتأكيد سيتحدث معها فيه مطولًا وقريبًا جدًا....
-أحلام لو سمحت أنا مش حابب أتكلم في حاجة دلوقتي ولا حابب أدخل في أي نقاش، أنا ولا ببعد ولا بقرب، لكن دلوقتي أنا حياتي وحسبتي مختلفة عن قبل كده ومسؤولياتي زادت، ونفسيتي مش جايبة إني اتكلم في أي حاجة، لما أحس إني قادر أتكلم هقولك ونتكلم زي ما أنتِ عاوزة...
شعرت بأن هناك دلو من الماء المثلج قد أسكبه فوق رأسها وللحق يُقال هي شعرت بالقلق من حديثه هذا...
هل صرف نظر عنها تمامًا؟!
هل يرغب في إنهاء كل شيء؟!!!...
هل حساباته الجديدة هي ليست موجودة فيها؟!!..
ومن كثرة قلقها لم تنتبه إلى صوت هاتفها الذي يصدع بقوة وهو موضوع في "البالطو" الطبي التي ترتديه مما جعل جواد يهتف بنبرة هادئة:
-أحلام موبايلك بيرن..
هزت رأسها بحرجٍ ثم نهضت وأخرجت الهاتف من جيبها وأجابت على إيناس التي قالت لها شيئًا ما جعل أحلام تتحدث بنبرة جادة:
-وده حصل أمته ده؟! خلاص أنا جاية، أنتم فين دلوقتي...
صمتت لثواني ثم تحدثت:
-خلاص هجيلكم على البيت تكونوا وصلتوا، أنا خلصت شغل عمومًا ماشي سلام..
تمتم جواد وهو يراها قد انتهت من المكالمة:
-في حاجة ولا إيه؟!.
عقبت أحلام بهدوء:
-أبدًا في مشكلة كده عند صاحبتي ولازم امشي، عن إذنك نبقى نتكلم يوم تاني ان شاء الله..
____________
كان هناك بعض الكدمات البسيطة جدًا في جسد دياب مقارنة بالكدمات والجروح العميقة جدًا في رأس عمرو زوج إيناس وجسده، تجمع الجيران وحاول فصلهما ولكن لم يكن دياب يتركه أبدًا تحت صراخ شقيقتيه بأن يتوقف....
لم يتوقف أبدًا حتى طلب أحد الجيران الشرطة لأنه لم يكن أي شخص قادر على أن يوقف الاثنان أبدًا وفي النهاية ذهب الاثنان إلى القسم وأخذ دياب يخبرهم بما حدث وكذلك عمرو الذي أخذ ينفي كل شيء وأخبر الشرطي بأنه هو من تهجم عليه في منزله دون سبب..
لكن إيناس كذبته، لو كان موقف أخر لكانت صمتت لكن عند شقيقها لم يعد لها قدرة على الصمت وأخبرت الشرطي بما حدث بأنه كان يتهجم عليها لذلك فعل شقيقها ما فعله...
وفي ذلك الوقت كان نضال قد أتى مع والده زهران، بمجرد معرفة زهران من سلامة ما حدث جاء خلف نضال فورًا، هو لن يترك دياب هو ابن ثالث له،...
ويعلم بأنه لا يتواجد له أب أو قريب يستطيع الوقوف بجانبه لذلك حاول مساندته هو ونضال، حتى أن الشرطي تعاطف مع دياب بداخله ويعلم بأن ما فعله يفعله أي رجل حُر قد علم بإهانة شقيقته...
أخبر الشرطي زوج إيناس بأن زوجته لديها عدة جروح في جسدها بالإضافة إلى يدها الجريحة والتي أقرت بأنه هو السبب في هذا الأمر، لذلك حاول الشرطي إخافة عمرو بأن هذا سيكون ضده في الوقت ذاته لذلك أسلم حل له أن يتنازل عن المحضر وأن يكتب الاثنان تعهد بعدم التعرض للآخر وكان زهران هو الذي يحاول أن يسعى إلى هذا الأمر وحاول إقناع دياب بصعوبة الذي كان على وشك بأن يتعدى عليه في قسم الشرطة وأن يضعف موقفه.....
لقد قضى على الرجل حقًا ليس هناك مكان في جسده سليمًا أن كان كدمه تحولت إلى اللون الأحمر والأرزق أو جروح بسبب الزجاج غير الجرح الغائر في رأسه وساقه......
انتهت الليلة بأقل الخسائر وأخذ زهران دياب في سيارته حاول تهدئته وكان معه ابناء شقيقته وفي السيارة الآخرى الخاصة بـ نضال كانت تجلس ايناس وحور مع نضال حتى أوصلهما إلى المنزل ورحل أبيه لمقابلة أحد أصدقائه....
ظل نضال واقفًا في الطابق الثاني، لم يرغب في الذهاب حتى يتأكد من أن دياب لن يهبط مرة أخرى، تحديدًا بعدما أتت أحلام وألقت التحية عليه حينما وجدته واقفًا على الدرج..
صدع صوت هاتف نضال فأخرجه من جيبه وجده والده فأجاب:
-أنا في البيت يا بابا، واقف في الدور التاني عند شقة بهية، مرضتش ادخل معاهم علشان اسيبهم على راحتهم وفي نفس الوقت مش عارف امشي.
"صوتك بيقطع يا ابني"
حاول نضال التحرك قليلا من مكانه:
-معلش أنا واقف على السلم الشبكة وحشة؛ سامعني؟!.
"أيوة كده سامعك"
-بقولك واقف عند شقة بهية، خايف المجنون ده ينزل تاني ده حالف أنه يروح يقتله..
"ايوة خليك معاه متسيبهوش، أصل الواد الصغير ياريته ما ركب معانا في العربية فضل يقوله دي مش أول مرة بابا يعمل كده في ماما، جننه أكثر؛ صاحبك صعب خليك معاه علشان ميوقعش نفسه في مصيبة لو عرفت هاته يبات معاكم هنا".
تمتم نضال بنبرة منزعجة:
-حاضر ممكن خمس دقائق كده وأطلع او انزل اقعد في العربية، لغايت ما اطمن انه مش هينزل، ولو نزل هحاول أجيبه.
"ماشي أنا هخلص مع عمك فتحي وهتصل برضو أطمن عليكم، المهم متسيبهوش علشان ده دماغه مفوتة أنا عارف أن معاه حق بس في حاجة اسمها عقل ودياب مقطع بطاقته ده عايز يضربه في القسم".
" بـــداخـــل شـقـة عائـلـة ديـاب"
-كنتي عارفة، كنتي عارفة طبعًا ما أنتِ مخزن الأسرار، وجنى قالت أنك روحتي وغيرتي على الجرح..
كان دياب يصرخ بهستيريا أمام أحلام التي تجلس بجانب صديقتها وردت عليه بغضب هي الأخرى:
-متزعقليش يا دياب، وبعدين أه كنت عارفة أعمل إيه يعني؟!! كنت ببقى عايزة اجي اقولك أنتَ وطنط حُسنية واختك مش راضية، اعمل إيه اجي اقول بالعافية واكون أنا اللي بخربها وبخرب بيتها.
تحدث دياب ساخرًا وهو يدور في أرجاء الشقة ولم يجلس لثانية حتى منذ صعودهما:
-صح العيب مش عليكي العيب على الهانم اللي ساكتة ومخبية وكل ما نكلمها تقول أنا كويسة، وشارطة علينا نيجي في ميعاد ونمشي في ميعاد وسايباه يمد ايده عليكي.....
يصرخ بشكل جنوني مما جعل إيناس ترد عليه بنبرة لا تقل عنه:
-أيوة كنت بضرب وساكتة، ومش عايزة أعرفكم علشان كنت عارفة أن ده اللي هيحصل يا دياب وأنك مش هتتحمل، وممكن تضيع نفسك، سكت مش علشان بحبه ولا زفت ولا علشان حاجة، سكت علشان أنا مش عارفة اعمل حاجة ومش عايزة أشيلك حِملي أنا كمان، علشان مجيش اطب عليكم هنا واضايق أختك وهي ثانوية عامة...
انفجار آخر...
كما انفجر هو وأخرج كل طاقته وغضبه من كل شيء يحدث، انفجرت إيناس بما يتواجد بداخلها، لقد تحملت كل شيء على أمل أن ينصلح حال زوجها، قامت بالدعوة له في كل صلاة بأن يصلح الله شأنه من أجل أطفالها، ومن أجل ألا تصل إلى تلك النقطة..
لكن لم ينصلح أي شيء...
جاءت حور في الوقت نفسه من الداخل متمتمة بتوتر وأعصاب متوترة بسبب هذا اليوم الصعب:
-يا جماعة وطوا صوتكم شوية العيال منهارة من العياط، اليوم ده صعب عليهم...
نهضت إيناس وخلفها أحلام ولجوا إلى الغرفة التي يتواجد بها الأطفال وعلى عكس المتوقع فتح دياب باب المنزل وهو يشعر بالغضب الشديد يفتك به يحاول تخيل معاناة شقيقته من أجله ومن أجل الظروف الشاقة، لن يتركه حتى ولو قتله...
أغلق باب المنزل خلفه وهبط على الدرج وحينما شعر نضال بأن هناك من يهبط من الدور العلوي وضع هاتفه في جيب بنطاله، اتضح له الأمر أنه دياب فاقترب من دياب متحدث بنبرة جادة:
-رايح فين؟!.
سأله دياب بملامح مُبهمة:
-أنتَ واقف بتعمل إيه هنا؟!.
غمغم نضال كاذبًا:
-كنت طالع ليك أطمن عليك..
-مش وقتك..
أمسكه نضال من ملابسه حينما وجدته يتحرك مقررًا الهبوط:
-استنى بس رايح فين..
-رايح للـ*** ده...
كان دياب مقررًا أن يتحرك عنوة عن نضال الذي يمسك في أحد أكمام سترة صديقه ويشده منها تحت حركة دياب مما جعل الكم ينفصل عن باقي السترة تحت صرخة دياب:
-عاجبك كده قولتلك سيبني...
صرخ نضال فيه هو الآخر وهو بيده الاخرى لأن الاولى يتواجد بها أحد أكمام السترة:
-مش سايبك، إيه عايز تروح تلبس نفسك مصيبة تانية؟!.
-خليك في حالك وأبعد عني أنا مش طايق نفسي وعلشان متزعلش من ردة فعلي يا نضال أبعد عني وخليك في نفسك..
-ممكن تخرس شوية وبعدين مش هخليني في حالي ولو أنتَ مش خايف على نفسك أنا خايف عليك..
ثم صرخ نضال فيه غاضبًا:
- وبعدين أنتَ ماضي تعهد على نفسك ولسه ماشيين من القسم عايز تروح تهبب إيه؟! شغل دماغك شوية.
"مساء الخير"....
صوت أنثوي لفت انتباه الاثنان، لم يدرك نضال ودياب بأن هناك فتاة تتابع هذا العرض الرائع وهي تقف أمام شقة بهية تطل منها بعدما فتحت الباب وكانت على وشك أن تصعد وتذهب إلى شقة الخالة حُسنية والدة دياب...
أستدار نضال فالصوت ليس غريبًا أبدًا على مسمعه، بينما دياب هتف أولًا بنبرة قلقة رغم عقله المشحون:
-ازيك يا سلمى عاملة إيه؟!.
ردت سلمى عليه بنبرة هادئة:
-الحمدلله، أنا جيت علشان أدي الحقنة لبهية، وكنت لسه هطلع عندكم أقول لطنط أنها تنزل تقعد معاها شوية لغايت ما تنام علشان أنا اتأخرت...
سألها نضال بنبرة غريبة وهو ينظر بها بأعين واضحة يتمنى أن تفهم ما يرمي إليه رغم اندهاشه من وجودها هنا، وكان يشير إليها من خلف دياب الذي أصبح أمامه:
-ليه هي تعبانة ولا إيه؟!.
فهمت سلمى ما يريده منها لكنها على أي حال لن تكذب هذا هو حالها بالفعل:
-هي فعلا تعبانة شوية وعايزة حد يقعد معاها لغايت ما تنام لأني اتأخرت جدًا...
______________
مازال عقابها مستمرًا هي لا ترى حتى والدها...
لا تراه أبدًا ولا يسمح حتى بخروجها خارج غرفة نومها...
تشعر بالضيق الشديد....
لا يتواجد معها هاتف، ولا أي شيء، فقط التلفاز المتواجد في غرفتها لا تغلقه حتى في نومها على عكس المعتاد؛ الوقت يمر ببطئ شديد عليها...
حتى الجامعة لا تذهب لها ولا يسمح والدها تحت أي ظرف أن تخرج من المنزل...
تجلس ريناد على الفراش، فُتح باب الغرفة بعد طرقات خافتة أذنت ريناد لصاحبتها بالدخول وبالتأكيد هي زينب لا يدخل أحد إلى غرفتها سواها تقريبًا..
دخلت وهي تحمل صينية الطعام ووضعتها على الطاولة متحدثة:
-العشاء يا حبيبتي.
ردت ريناد عليها بنبرة منزعجة:
-مليش نفس ومش عايزة أكل حاجة أنا خلاص زهقت حاسة إني هتجنن من القعدة في الأوضة..
جاءت زينب وجلست بجانبها على الفراش متمتمة:
-معلش يا حبيبتي استحملي شوية بس أكيد هو هيروق وهيقعد يتكلم معاكي وبعدين يعني اللي عملتيه مش شوية...
قالت زينب كلماتها الاخيرة معتمدة على رواية ريناد لها التي أخبرتها بما فعلته وسط بكائها حتى تستحق عقاب هكذا.....
هتفت ريناد بنبرة متألمة:
-والله العظيم كانت أول مرة أروح مكان زي ده والله أول مرة وأخر مرة ومش هعملها تاني، أنا حبيت أجرب حاجة جديدة ومشيت ورا كلام صحابي أننا مش هنخسر حاجة ومش هيحصل حاجة...
قالت زينب بنبرة جادة وهي تنظر لها بحنان بالرغم من ذلك:
-واهو حصل يا ريناد، حصل حتى ولو من أول مرة، المهم دلوقتي تفكري ازاي تصالحي والدك يا حبيبتي، من ساعتها وهو متعصب طول الوقت ومش كويس خالص...
تمتمت ريناد بنبرة منزعجة:
-وأنا هعرف منين اصالحه وهو مانعني أخرج من الأوضة، ومش طايق يبص في وشي...
-أعذريه أكيد شوية وهيروق يا بنتي هو أكيد كان خايف عليكي وبيفكر في ألف احتمال واحتمال...
رفعت زينب يدها ووضعتها على وجنتي ريناد متمتمة بنبرة هادئة:
-كلي أنتِ وكل شيء هيتحل وأنا هحاول اتكلم معاه قبل ما اروح ان شاء الله خير اهم حاجة تكوني عرفتي وأدركتي غلطك يا بنتي..
-عرفته والله مش هكررها تاني..
______________
-خلع إيه يا متخلفة؟!..
قالت أحلام تلك الكلمات وهي تنهر صديقتها التي تجلس بجوارها على الأريكة بعدما جعلت طفليها يخلدون إلى النوم بعد نومة بكاء مريرة...
تمتمت إيناس بانزعاج شديد:
-أمرك عجيب يا أحلام بقالك سنين بتقولي ليا أطلق ولما...
قاطعتها أحلام بنبرة واضحة:
-بقول اطلقي وتاخدي كل حقوقك لكن الخلع ده هتعملي فيه جميل وهو نفسه يأخد كل حاجة ما الخلع ده يعني هتتنازلي عن كل حاجة وهو ميستاهلش نسيب له حاجة...
هتفت إيناس ساخرة:
-عمرو لو عايز يطلقني كان طلقني من زمان لكن هو مش هيرضى يخسر حاجة وأنا مش هدخل دياب في مشاكل أكتر من كده، لولا الظابط ابن الحلال اللي كان هناك وعم زهران، عمرو مكنش اتنازل عن المحضر؛ اخويا أهم عندي من أي حاجة وعمرو أصلا استحالة يرجعني بعد اللي حصل ومش هيطلقني برضو.
قاطعتها أحلام وهي تعقد ساعديها بتفكير:
-استني اكيد ليها حل اهدي كده، أهم حاجة متسبيش للحيوان ده أي حاجة..
_______
في الطابق الثاني...
كان يجلس دياب على المقعد بينما بهية مستلقية على الاريكة وكان نضال واقفًا في مكانه، قد رحلت سلمى منذ حديثها معهم مخبرة أياهم بأنها قد تأخرت وعليها الرحيل الآن...
تمتمت بهية منزعجة:
-ازاي يعني معكش رقمه؟!.
رد دياب عليها موضحًا الامر:
-مهوا الحظ بقا أنتِ موبايلك سلم نمر وأنا موبايلي البوردة بتاعته والشاشة لما اتغيروا كل حاجة اتمسحت بس متقلقيش هتصرف أنا..
تحدثت بهية بانزعاج شديد:
-ياريت يا ابني واحشني أوي وأول مرة يغيب كده وقلقانة عليه...
ثم توقفت عن الحديث وأخذت تحرك رأسها متمتمة:
-في حد هنا غيرك صح ودخل معاك؟!..
تمتم دياب بنبرة ساخرة:
-اه ده نضال صاحبي، شكلها شمت ريحتك يا نضال وغريبة عليها...
ردد نضال كلماته باستنكار:
-شمت ريحتي؟! ما تحسن ملافظك..
هتفت بهية بترحاب:
-طب أقعد يا ابني واقف ليه؟!.
شعر نضال بالقلق وجلس على المقعد وهو يميل على دياب قائلا:
-هي بتشوف؟!.
رد عليه نضال ساخرًا:
-لا، مخاوية..
تحدثت بهية بنبرة غاضبة:
-احترم نفسك يا واد سمعاك؛ وبعدين أنا أه مش بشوف بس بسمع كويس وبشم كل حواسي التانية شغالة بشكل أحسن منكم..
وجهت بهية حديثها إلى دياب متمتمة:
-وبعدين قولي كنت فين وإيه اللي حصل مع اختك..
أخذ دياب يخبرها بما حدث، مما جعلها تشعر بالأسف والحزن الشديد على فتاة في عمر إيناس مرت بهذا كله مما جعل دياب يختم حديثه....
-مرضيناش نقول لماما علشان متجيش مفزوعة لغايت ما ترجع هي بكرا بقا وتعرف لوحدها، معتقدش يعني عمرو أو حد من اهله هيتصل يعرفها حاجة...
ثم حاول تغيير الموضوع متحدثًا:
-كنت ناسي أن ميعاد الحقنة النهاردة، كويس أن سلمى افتكرت لوحدها بنت حلال والله.
تحدث نضال هنا باستغراب:
-أول مرة أعرف أن سلمى بتدي حقن يعني أو أنها تعرف بهية أصلا..
رد دياب عليه تحت صمت بهية:
-سلامة اللي قالي، أحلام ساعات كانت بتيجي بس مبقتش تعرف تيجي لما تكون في المستشفى ومش من النوع اللي تعتمد عليها في مواعيد فلما كنت مسافر أنتَ وعم زهران العمرة وكنت قاعد مع سلامة على القهوة بتكلم في الموضوع راح قالي وكلمناها ومن ساعتها وهي بتيجي عموما بتزور بهية وبتديها الحقن في مواعيدها..
هتفت بهية بنبرة ساخرة معقبة على حديث دياب:
-قول شعر عنها بالمرة، وبعدين سيبني أرد هو أنا مفيش فيت لسان يعني أرد على الواد اللي ريحته غريبة ده...
عقب دياب على حديثها متهكمًا:
-يا ابني ما تروح تستحمى قرفتنا بقا..
تمتم نضال ساخرًا:
-يا حجة بهية والله عماله تشككيني في نفسي أن ريحتي فايحة ولا إيه؟! أروح أخد دش وأرجعلكم تاني ولا أعمل وإيه؟!...
تجاهلته بهية ثم وجهت حديثها وهي تحاول التقاط يد دياب متحدثة بحنو:
-كلام صاحبك صح يا ابني اطلع كده وريح دماغك شوية، وإياك تروح تاني للواد ده الحمدلله أن ربنا سترها استنى امك لما ترجع وساعتها يحلها الحلال لكن متوقعش نفسك في مصيبة...
بدأ يشعر دياب بالاقتناع لرأيهم، وشعر باهتزاز هاتفه للمرة التي لا يعرف عددها وكان صاحب الاتصال معروفًا وهي خطيبته ليلى الذي لا يمتلك أي مزاج رائق ليخبرها بكل ما حدث..
___________
أخذ القرص الأول من المُسكن بعد هبوطه من عند دياب لكن الآن وهو يتواجد في منزله برفقة أبيه لا يظن بأن باقي الشريط قد يُسكن ما يفعله أبيه الآن في رأسه...........
غير ضحكات سلامة الغير منطقية مقارنة بما يسمعه والذي تسبب في جنون نضال...
تمتم نضال بنبرة جادة:
-بابا هو اللي بتقوله ده بجد ولا بتهزر لأن لو بتهزر علشان افك بعد اليوم الغريب ده فصدقني الموضوع مش مضحك خالص زي ما ابنك مش قادر يبطل ضحك كده...
ترك زهران الارجيلة متحدثًا بقوة وهو يؤكد على حديثه مرة أخرى:
-يعني أنتَ تعرف عن أبوك كده؟! أبوك يا نضال يهزر في أي حاجة إلا الجواز والطلاق ده مفيهمش هزار، خط أحمر.
هتف نضال بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-يعني إيه؟! بعني أنتَ خلصت على كل الستات اللي تعرفهم خلاص ومبقاش غير أم خطيبة ابنك؟!.
تمتم زهران ببساطة شديدة وبدأ سلامة يعتدل في جلسته ويحاول أن يتوقف عن الضحك:
-كيفي كده، القلب وما يريد يا أخي.
قاطعه نضال بنبرة ساخرة:
-قلب إيه وكبدة إيه؟ ده أنتَ مبقالكش أسبوعين مطلق ده أنتَ بتخلص الموف أون بسرعة الصاروخ، الموف أون اللي عندك يا بابا محتاج يتصدر للشباب ده علشان يعرفوا يكملوا بقية حياتهم، ده أنتَ ملحقتش...
هتف زهران بجدية وهو ينظر له:
-أنا بنجز وبخلص بسرعة..
هتف نضال بنبرة هادئة حاول تصنعها فـوالده سيفقده عقله:
-بابا شوف أي حد غيرها أحسن أنتَ هوائي وهطلقها بعد فترة زي أي واحدة قبلها وهتعمل مشاكل لابنك فيما بعد وهدخله في حوارات..
رد زهران عليه ببساطة:
-ما أنا هتوب على ايديها نويت اتغير فيها إيه دي؟!.
-يا مثبت العقل والدين يارب...
قالها نضال ثم وجه حديثه إلى سلامة متحدثًا:
-ما تتكلم وتبطل ضحك..
غمغم سلامة من وسط ضحكاته:
-والله مش عارف اقول إيه بس يسرا طيبة أنها تأخد صفة مرات الأب والحماة...
هتف نضال بسخرية:
- يا روقانك أنتَ وأبوك، هو أنا الوحيد اللي مش عاجبني الكلام؟!
تمتم زهران بجدية وهو ينظر له بانتصار:
-لا أنتَ الوحيد اللي مش متربي ومش عايز يقف جنب أبوه..
قاطع سلامة الحديث بنبرة حاول جعلها جادة قدر المستطاع:
-أنا مع نضال بصراحة بس مش قادر مضحكش.
عقب زهران بغضب:
-ولا ابو شبكة رايحة جاية ده كمان أتربى..
تمتم نضال وهو يسأل والده بنبرة جادة:
-طيب هي تعرف؟! أو لمحت ليها عن حاجة؟.
رد زهران عليه نافيًا:
- حد الله، لا طبعًا أنا مش بلمح ولا بقول حاجة لأي واحدة أنا بقول في وشها مرة واحدة عايز اتجوزك وافقت أهلا وسهلا موافقتش أهلا وسهلا هو أنا لسه عيل صغير هقعد ألمح..
هتف نضال بغضب مكتوم:
-طيب عرفت منين أنها عايزة تتجوز أصلا مهي بقالها سنين مطلقة لو كانت عايزة كانت اتجوزت من زمان...
تمتم زهران ببساطة بعدما أمسك خرطوم الارجيلة وسحب نفس منها:
-أعتقد أنا عريس مترفضش.
هز نضال راسه بإيجاب وهو يتحدث بسخرية:
-طبعًا ده مفيش حاجة تخليها ترفض أنها تكون الزوجة الثامنة هي تطول أصلا....
هتف زهران بنبرة غاضبة:
-عمومًا أنا اللي غلطان إني بتكلم مع شوية عيال زيكم وبأخد رأيكم، عموما أنا حر في اللي أنا هعمله بيكم ومن غيركم أنا بس حبيت أخد رأيكم وسديتوا نفسي..
تمتم نضال بنبرة صريحة:
-لا متقلقش يا بابا أنتَ نفسك بتتسد عن أي حاجة في الدنيا إلا الجواز..
رد زهران عليه بابتسامة صفراء:
-عقبالك يا حبيبي لما نفسك تتفتح على الجواز زي أبوك..
وقبل أن يُفتح في جروح ولده تحدث بنبرة جادة تحت نظراته إلى سلامة الذي نهض بسبب اتصال هاتفي من أحد أصدقائه:
-أهم حاجة بكرا تجيب ليا الواد دياب أتكلم معاه أنا معرفتش أتكلم معاه لازم يهدى كده وميعملش أي تصرف غبي وميروحش يأخذ حاجة أخته ولا يعمل حاجة لغايت ما الموضوع يهدى وقتها نقعد مع الواد وأهله سواء هترجع أو مش هترجع برضو نروح معاه ونتكلم بالاصول وييطل يشغل دراعه ويشغل دماغه شوية...
_____________
في صباح يوم السبت...
تستيقظ بهية مع صوت أذان الفجر لتتوضأ وتقضي فرضها وتظل جالسة لمدة تقوم بقول أذكار الصباح وإذا أرادت النوم مرة أخرى تفعل...
لكن اليوم كانت تشعر بأنه سيأتي رغم أن دياب لم يجد رقمه ولم يتصل به...
تجلس على الأريكة تقوم بسماع القرآن من الراديو كعادتها كل صباح، سمعت رنين الجرس فنهضت من مكانها بعدما حركت يدها لتبحث عن عكازها وحينما لمسته استندت عليه ونهضت وهي تحفظ كل شبر في شقتها عن ظهر قلب لذلك ذهبت إلى الباب بسهولة وما أن فتحته تحدثت وكأنها تراه حقًا:
-محمد...
رد عليها بهدوء متعجبًا من أنها تعرفه بسهولة في كل مرة:
-أيوة أنا..
رفعت كف يدها التي ترتعش قليلا كـ حركة طبيعية لمن هم في عمرها، محاولة الوصول إلى وجهه لتضعها عليه وساعدها هو حينما أمسك معصمها..
تحدثت بهية بنبرة عاطفية وهي تحاوط وجهه بكفيها بعدما تركت عكازها يسقط أرضًا:
-كنت مستنياك يا حبيبي وكنت حاسة أنك هتيجي، أنتَ كويس؟! طمني عليك يا حبيبي...
تمتم محمد بآسفٍ وهو يحتضنها:
-حقك عليا اتأخرت عليكي المرة دي أوي..
-ولا يهمك يا ابني تعالى ندخل جوا مش هنفضل واقفين على الباب...
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا..
كان محمد يجلس فيها مع بهية خالته، شقيقة والدته الراحلة التي كان يأتي معها لزيارة عائلتها بين الحين والاخر ولكن بعد وفاتها انقطعت زياراته لفترة لأن والده لم يكن يسمح له أو بمعنى أصح لم يكن الأمر في أولوياته...
وحينما نضج محمد وكبر أصبح يأتي بين الحين والأخر حتى أنه عرض عليها الكثير من المساعدات ولكنها لا تقبل أي شيء هي فقط تريد رؤيته ولا تريد الانتقال من المنزل كما يريد أو أخذ نقود منه هي فقط تقبل الهدايا التي يأتي بها لها على مضض لا أكثر من ذلك...
حتى أنه عرض عليها في وقت من الأوقات أن يأتي بـ جليسة لها في المنزل تساعدها نظرًا لوضعها وفعل وأرسل لها بدل الواحدة ثلاثة ولكنها لم تتكيف ولم تشعر بالراحة بأن يكن هناك نفس غريب في منزلها ولأن الشخص الكفيف يصعب عليه العيش مع أناس غريبة لأنها لا تقبل أي تغيير أبدًا في المنزل هي تحفظ خطواتها منذ سنوات عدة...
ولا تستطيع التكيف مع أي تغيير حتى ولو بسيط ولن تأخذ راحتها لذلك كانت تغلق جميع الأبواب في نظره لمساعدتها...
لذلك اقتصر الأمر لزيارتها في أوقات فراغه وحينما يشعر بالضيق وأن جميع الأماكن لا تناسبه.....
"مالك يا ابني فيك إيه؟!".
هذا السؤال كررته بهية أكثر من مرة وفي النهاية أخبرها محمد بكل شيء تقريبًا وبما فعلته ابنته وجعلته في تلك الحالة وشعور عميق بالذنب يحتله لن ينكر......
فهو يفكر هل أخطأ بحقها؟!
هل قام بالتقصير معها؟!
لكنه سعى دومًا أن يعوضها عن كل شيء...
عقبت بهية بنبرة هادئة:
-مش شرط تكون أنتَ السبب في اللي هي عملته أنتَ زي أي حد حب يعوضها عن موت امها وينفذ طلباتها ورغباتها ويدلعها، بس هي فهمت الدلع ده غلط وبعدين هي صغيرة وطايشة والعيال في السن ده ممكن يعملوا تصرفات غريبة ده وارد عند أي حد بيكون عندهم طاقة عايزين يعملوا كل حاجة ويجربوا كل حاجة جديدة وغريبة....
تمتم محمد بنبرة جادة:
-ده مش مُبرر للي عملته أنا حابسها في البيت مش عقاب قد ما هو خوف عليها، خوف أنها تعمل حاجة تضر نفسها، تقريبًا هي بقت متخيلة أن من كتر ما حياتها سهلة يبقى أي حاجة عادي ومش متحملة مسؤولية حاجة لدرجة أن صحابها أثروا عليها وخدوها معاهم، الحمدلله أن الخبر متسربش كمان..
كانت بهية تسمعه باهتمام وإنصات نادرًا ما تقاطعه هي تريده أن يفرغ ما بداخله....
تحدث محمد بضيقٍ:
-سيبك مني وقوليلي أنتِ عاملة إيه؟؟.
لا تختلف إجابة بهية مهما حدث هي شاكرة وحامدة:
-الحمدلله في أحسن حال.
______________
-ازاي كل ده يحصل ومحدش فيكم يكلمني؟!.
قالت حُسنية تلك الكلمات وهي تجلس على الأريكة وفي أحضانها جنى حفيدتها، وقبل أن تتفوه بتلك الكلمات كان دياب قد جاء من غرفته فهو كان قد خلد للنوم حديثًا بعد ليلة كان يحرق ذاته بدخان سجائره....
كان يحاول أن يخرج غضبه في أي شيء..
ولم يكن الأمر صعبًا على دياب وهو ينظر إلى حور هاتفًا:
-الست ملحقتش تغير هدومها حتى وبعدين تعرفيها، مهوا طبعا الراديو معرفش يسكت لازم ست حور تنطق وتقول ملخص كافي ووافي بسرعة في أقل من خمس ثواني..
تمتمت حسنية بسخرية:
-كل ده اللي هامك يا أستاذ دياب؟! مكنش همك أنك تودي نفسك في داهية؟!.
هتف دياب بنبرة مقتضبة وهو يجلس جوار حور:
-بنتك اللي كانت المفروض تفكر في كل ده قبل ما تقبل على نفسها الإهانة وأرجوكم محدش يحاول يفتحني، المهم الـ *** ده لازم يطلقها..
ثم سأل باستغراب:
-هي إيناس فين أصلا؟!.
ردت حور عليه مثل الصحفي أو المذيع الذي يتفوه بالنشرة الإخبارية:
-إيناس دخلت تنام شوية علشان طول الليل معرفتش بسبب الواد..
تحدث دياب ساخرًا:
-مش عارف من غيرك هعرف أي خبر في الدنيا ازاي..
هتفت حُسنية بنبرة جادة:
-سيبك من ده كله بلاش تتسرع في موضوع الطلاق خراب البيوت مش بالساهل كده يا دياب..
رد دياب عليها بقوة:
-اه يدوبك نرجعها ليه علشان يخلص عليها ولا أنتِ عايزة إيه؟!...
تمتمت حُسنية بغضب:
-أكيد أنا مقولتش كده بس في نفس الوقت مينفعش نستعجل، وقت الخناقات والمشاكل مينفعش حد يأخذ قرار وبعدين احنا لازم نفهم و عمرو له أهل نتكلم معاهم..
-يولع بجاز وسخ هو وأهله ومش هنتكلم مع حد وأعلى ما في خيلهم يركبوه يا يطلقها بالذوق يا أنا هخليه يطلقها بمعرفتي...
هتفت حُسنية بلومٍ واضح يكفي ما حدث لها خلال اليومين الماضيين يكفي ما عرفته:
-دايما كده أنتَ صوتك من دماغك وصعب التفاهم معاك ودايما تاعب قلبي..
غمغم دياب بنبرة متشجنة:
-صح أنا غلطان فعلا كان المفروض لما أروح ألاقيه ضارب أختي أروح اقوله كمل يا حبيبي حقك عليا، عطلتك صح؟! ده اللي أنتِ عايزاه مني علشان مبقاش بتاع مشاكل صح؟!.
ردت والدته عليه بانزعاج واضح:
-هو ده اللي باخده منك تريقة وبس يا دياب، كل اللي بقوله اهدى علشان نعرف نفكر محدش بيأخد حقه وقت المشاكل المفروض نفكر كويس..
قال دياب قبل أن يدخل إلى حجرته مرة أخرى:
-اللي عندي قولته؛ الراجل ده يطلق اختي ومش هتقعد في بيته من تاني لو إيه اللي حصل، ولا حد يقولي عقل ولا يقولي منطق، ده لما نكون بنتكلم مع راجل مش مع **** بيمد إيده على اللي مش هتقدر عليه...
_______________
بعد مرور أسبوعين..
هبطت ريناد برفقة والدها..
كان اليوم هو اليوم الأول الذي دخل فيه إلى حجرتها بعدما طلب من زينب تحضير حقيبة ملابس منزلية لها......
ذهبت ريناد برفقته دون أن تعرف إلى أين سوف تذهب، مازال الحديث بينهما منقطع فقط سمعت صوته وهو يخبر الفتاة التي تقف معهم في المتجر بأن تأتي لها بملابس تناسب قياسها، تكون لائقة ومحتشمة إلى حدٍ ما..
لم تكن ريناد ترتدي ملابس قصيرة أو بها شيء مُلفت إلى حد كبيرة ولكن الوضع الجديد يناسبها ملابس جديدة مختلفة التصميم قليلا عما كانت ترتديه.
لم تعترض ريناد يكفي بأنها خرجت من المنزل أخيرًا بعد كل هذا الوقت...
شعرت بأنها عادت إلى الحياة مرة أخرى...
بعد شراء ملابس كثيرة من اختيار والدها هي فقط كانت تقوم بالقياس، ذهبت معه إلى "سوبر ماركت" كبير أخذ يقوم بشراء بعض الاحتياجات الضرورية وهي كانت تراه شيئًا غريبًا والدها ليس من عادته أبدًا شراء أغراض إلى المنزل...
لكنها كانت صامتة تسير جانبه ولا تعلم متى سوف ينتهي هذا اليوم ومتى سوف ياحدث معها كالسابق وإذا مازال ممتنع عن الحديث معها لما أخبرها بأن ترتدي ملابسها حتى تهبط معه؟!..
في طريق العودة لم يكن طريق منزلهما بل كان طريق أخر جعلها تمر على بعض المناطق المكتظة وبها ازدحام مروري لا ينتهي، بعدها بمدة ولج إلى حي شعبي كما ترى ولكنها كانت تخشى أن تعترض لو كان في السابق لأظهرت إعتراضها بشكل واضح..
هل أتت هنا من قبل؟!.
هي ترى المكان مألوفًا رُبما أتت في طفولتها لا تتذكر...
تقرأ أسماء الشوارع وهي تسير على اللافتات الزرقاء الموجودة ومعبئة بالاتربة، ومنها كان شارع خطاب.
وبعدها ولج والدها إلى شارع جانبي ثم أصطف بالسيارة أمام بناية رقم 14....
-أنزلي..
فتحت ريناد الباب وهبطت من السيارة وكذلك والدها وأخذت تتأمل الشارع بشكل مخيف، تلك الأماكن لا تراها إلا في التلفاز حتى ولو كان المكان مألوفًا لها وتشعر بأنها أتت من قبل إلا أنها خائفة......
هتفت ريناد بتردد أخيرًا خرج صوتها المهزوز:
-أحنا فين هنا؟!.
-قدام البيت اللي فيه الشقة اللي اتولدت فيها أمي، جدتك وعايشة فيها دلوقتي خالتي اللي هي تعتبر جدتك برضو......
أسترسل محمد حديثه ببساطة:
-لو تفتكري مرة جيتي معايا زمان وأمك جت بس من بعدها محدش جه معايا فيكم...
سألته ريناد بتردد وخوف لا تعلم لما يرافقها:
-بس حضرتك ليه جايبني هنا؟! علشان نزورها؟!.
تحت ذهول ريناد كان يجيب عليها محمد:
-لا علشان هتقعدي هنا........
________يتبع________
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
ده الي كان نفسي فيه لو تيجي صدفه تجمعني بيه فرصه عمري اضيعها ليه مش معقول
عيني قدام عنيه باكتر من الي حلمت بيه ده اليوم الي انا مستنيه عشان اقول
وياه الحياه هتحلي وانا معاه هو ده الي انا بتمناه والي عيني شيفاه احساس انه احلي واغلي الناس
خلي قلبي يقولي خلاص اهدي بقي لقيناه
ايوه هقول واعيد مهو بقي جنبي ومش بعيد فرحه قلبي كانو عيد مستنيه
يلا اهوه جه الاوان مش هستني ليوم كمان لازم اقولو من زمان عيني عليه
كلمات الأغنية تصدع بقوة من الخارج، بشكل ازعج نضال الذي خرج من غرفته وسار بضعة خطوات ليجد سلامة في المطبخ يرتدي مريول المطبخ في حالة نادرة جدًا، هو أقصى ما قد يفعله هو الشاي والقهوة وبضعة شطائر....
يرتدي مريول المطبخ لأنه يصنع قهوة سريعة الذوبان فقط وهذا ما استنتجه نضال وهو يجده يدندن كلمات الأغنية ويسير في المطبخ بطريقة مسرحية وهو يحمل المضرب الكهربائي.....
تمتم نضال بعدما خرج وأوقف الاغنية من ريموت التلفاز:
-هما اخترعوا السماعات ليه؟! وكل شوية يخترعوا حاجة جديدة منها بشكل جديد؛ علشان الواحد يسمع مع نفسه مش يطرش اللي في البيت...
ضحك سلامة من منظر شقيقه الغاضب على الأغلب والحانق لكنه أسترسل بخفة وهو يدندن:
-خلي قلبي يقولي خلاص اهدي بقي لقيناه....ايوه هقول واعيد مهو بقي جنبي ومش بعيد فرحه قلبي كانو عيد مستنيه..
هتف نضال بنبرة جادة:
-أنا هشيل السماعات وهخرب الساوند سيستم اللي في الشقة ده لجل خاطر عيونك يا سلامة.
عبس سلامة وهو يهتف ساخرًا:
-أنا معرفش أنتَ نكدي لمين؟! بكرا أتجوز واكون في شقتي لوحدي أنا ومراتي وتبقى تقول ولا يوم من أيامك يا سلامة، ياللي كنت مالي الشقة عليا يا سلامة وساعتها ولا هعبرك هكون مجرد جار ليك وهسمعك الاغاني من فوق.
تحدث نضال بنبرة حاول جعلها جادة:
-والله أنا ما هفتقد حد غير الأستاذ عمرو دياب وتامر عاشور والفنانة أصالة، وبعدين ساعتها لما تكون جاري هعملك محضر ازعاج..
وضع سلامة يده على قلبه بطريقة مسرحية ليدندن:
-اه الفنانة أصالة اه، وياك لو حتى وأنتَ بعيد، الشوق إليك بيزيد وأفضل أفكر فيك...
ابتلع ريقه ثم تحدث بجدية:
-هخلص النسكافيه واشغلها...
رغم أنه دومًا يتشاجر معه ويستنكر علاقته بخطيبته لكنه يتمنى أن يظل سعيدًا وصاحب مزاج رائق هكذا.........
هتف نضال بنبرة متهكمة:
-ياريتك بتطرشني على حاجة عدلة..
قاطعه سلامة بنبرة ساخرة:
-هو لازم اسمع أغاني من العصر الحجري علشان اعجبك؟!..
-اللي ميسمعش ألحان بليغ حمدي ورياض السنباطي والموجي وعبد الوهاب يبقى محتاج ينضف ودنه، مفيش حاجة اسمها مبحبش الاغاني القديمة في حاجة اسمها لسه مكتشفتش إني بحبها..
تمتم سلامة بهدوء:
-خلاص روح شغل لينا حاجة على ذوقك يمكن اكتشف المرة دي إني بحبهم..
رد عليه نضال ببساطة:
-لا، أنا مش بسمع عمال على بطال يعني، وأنتَ مش كل يوم أغاني قرفتنا بقا..
كاد أن يتحدث سلامة ويخبره بأنه أصبح مثله هو وأبيه لديه تقلبات مزاجية عنيفة بعدما كان يسخر منهم لكن صدع صوت الهاتف المتواجد في يد نضال ليجد دياب هو المتصل أجاب عليه:
-ألو...
جاءه صوت دياب بنبرة مقتضبة:
-أيوة يا نضال أنا في القسم، تعالى..
هتف نضال بدهشة وقلق شديد:
-ليه حصل إيه؟! عملت إيه يا دياب؟!.
-تعالى بس وهتعرف لازم حد يجي يضمني أو يكون معايا حد لأني أنا هنا ومعايا حور وايناس...
لم يفهم نضال كليًا ما يحدث ولكنه سأله:
-حاضر، حاضر جاي حالًا، قولي في قسم إيه طيب..
تحدث سلامة مستفهمًا بقلق هو الآخر:
-في إيه يا نضال؟!!!
______________
الدخول إلى الفرع الأول والرئيسي لمجمع المستشفيات كان أمرًا صعبًا عليه، أن يدخل ولأول مرة بدون والده، والده الذي كان بمثابة قدوته، معلمه، صديقه الأول الذي لم ينافسه أحد في مكانته.....
كان كل شيء بالنسبة له...
إنسان حنون قبل أو يكون أب وجراح...
كل ركن في المستشفى له ذكرى مع والده، منذ أن كان طفل صغير يأتي مع والدته لزيارة والده بين الحين والأخر في عمله...
في نهاية اليوم ولج إلى مكتب والده الخاص بالإدارة كان المكتب مثلما تركه كل شيء فيه يحمل بصمته ولمسته....
لم يستطع أن يجلس في مقعده لكنه جلس على الأريكة الجلدية مع الدكتور مصطفى صديق والده الذي أخذ يحاول تعزيته وتقويته، ويجعله يهتم بما تركه له والده وهذا من حسن البر به، استكمال عمله والدعاء له، وفعل ما كان يفعله..
كان الحديث روتينيًا..
ففي وقتها قد تظن بأنه حديث أحمق، لأنه يخرج من شخص حتى لو تعرض للشيء نفسه هو قد تخطاه أو تأقلم عليه بينما أنتَ مازالت في خطوتك الأولى فيه لم تعتد على الأمر حتى.....
لذلك تجد حديثهم عبثًا...
تركه مصطفى ورحل ليستكمل دوامه وظل هو جالسًا في مكانه يتصل تارة بزوجته وتارة أخرى يطمئن على أحوال شقيقته...
لا يظن بأنه سوف يستطيع اليوم ممارسة عمله بشكل فعلي مازال يحتاج إلى وقت، هو لن يطيل جلسته لليوم الأول على أي حال، ليلقي التحية على الأطباء ويتابع كل شيء مثلما كان يفعله والده بالإضافة إلى عمله....
مرت ساعة أخذ يسير فيهما في المستشفى ثم عاد مرة أخرى إلى الغرفة يظن بأنه قد أتى الوقت حتى يرحل..
لكن قبل أن ينفذ ما رغب فيه كان هناك طرقات خافتة على الباب وهادئة، أذن جواد إلى صاحبها في الدخول...
وولجت أحلام بالفعل بابتسامة صافية من الدرجة الأولى وأغلقت الباب خلفها، فهي شخصية بشوشة على أية حال وهذا ما جعله ينجذب لها من البداية:
-كُنت ناوية أصبح عليك، بس اعمل إيه وقت الصباح عدى، ممكن أقول مساء الخير؟!.
عقب جواد وهو يعقد ساعديه يناظرها:
-مساء النور يا أحلام، عاملة إيه؟!.
تمتمت أحلام بنبرة عادية وهي تأتي وتجلس على أحد المقاعد:
-أنا الحمدلله بخير، مكنتش متوقعة أنك جاي النهاردة، ومعرفتش غير من الدكتورة عبير، مع إني بعتلك الصبح ومكلفتش نفسك ترد عليا، ولفيت على المستشفى كلها إلا القسم بتاعنا و....
قاطعها جواد بنبرة جادة لكنه كان كاذبًا:
-أبدًا صدفة مش لسبب معين وأنتِ عارفة الظروف اللي أنا بمر بيها الفترة دي فبلاش تزودي الضغوط عليا لو ممكن يعني أنا مبقتش زي الأول.
ردت أحلام عليه ببساطة ونبرة لطيفة:
-أكيد أنا مقدرة اللي أنتَ فيه، بس بصراحة أنا مش مطمنة..
سألها جواد باستغراب لكن نبرته لم تكن فضولية هي فقط نبرة باردة وجامدة إلى حدٍ كبير:
-ليه حصل حاجة عندك؟!..
هتفت أحلام بنبرة جادة وهي تخبره بما تشعر به حقًا:
-جواد أنا حاسة أنك بتبعد عني كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله ومتقولش من ساعة وفاة والدك علشان أنتَ من قبلها بفترة وأنا حاساك متغير معايا اه بتكلمني وبنخرج بس مش معايا زي الأول و...
تمتم جواد بانزعاج وهو يحاول غلق هذا الأمر مؤقتًا لكن بالتأكيد سيتحدث معها فيه مطولًا وقريبًا جدًا....
-أحلام لو سمحت أنا مش حابب أتكلم في حاجة دلوقتي ولا حابب أدخل في أي نقاش، أنا ولا ببعد ولا بقرب، لكن دلوقتي أنا حياتي وحسبتي مختلفة عن قبل كده ومسؤولياتي زادت، ونفسيتي مش جايبة إني اتكلم في أي حاجة، لما أحس إني قادر أتكلم هقولك ونتكلم زي ما أنتِ عاوزة...
شعرت بأن هناك دلو من الماء المثلج قد أسكبه فوق رأسها وللحق يُقال هي شعرت بالقلق من حديثه هذا...
هل صرف نظر عنها تمامًا؟!
هل يرغب في إنهاء كل شيء؟!!!...
هل حساباته الجديدة هي ليست موجودة فيها؟!!..
ومن كثرة قلقها لم تنتبه إلى صوت هاتفها الذي يصدع بقوة وهو موضوع في "البالطو" الطبي التي ترتديه مما جعل جواد يهتف بنبرة هادئة:
-أحلام موبايلك بيرن..
هزت رأسها بحرجٍ ثم نهضت وأخرجت الهاتف من جيبها وأجابت على إيناس التي قالت لها شيئًا ما جعل أحلام تتحدث بنبرة جادة:
-وده حصل أمته ده؟! خلاص أنا جاية، أنتم فين دلوقتي...
صمتت لثواني ثم تحدثت:
-خلاص هجيلكم على البيت تكونوا وصلتوا، أنا خلصت شغل عمومًا ماشي سلام..
تمتم جواد وهو يراها قد انتهت من المكالمة:
-في حاجة ولا إيه؟!.
عقبت أحلام بهدوء:
-أبدًا في مشكلة كده عند صاحبتي ولازم امشي، عن إذنك نبقى نتكلم يوم تاني ان شاء الله..
____________
كان هناك بعض الكدمات البسيطة جدًا في جسد دياب مقارنة بالكدمات والجروح العميقة جدًا في رأس عمرو زوج إيناس وجسده، تجمع الجيران وحاول فصلهما ولكن لم يكن دياب يتركه أبدًا تحت صراخ شقيقتيه بأن يتوقف....
لم يتوقف أبدًا حتى طلب أحد الجيران الشرطة لأنه لم يكن أي شخص قادر على أن يوقف الاثنان أبدًا وفي النهاية ذهب الاثنان إلى القسم وأخذ دياب يخبرهم بما حدث وكذلك عمرو الذي أخذ ينفي كل شيء وأخبر الشرطي بأنه هو من تهجم عليه في منزله دون سبب..
لكن إيناس كذبته، لو كان موقف أخر لكانت صمتت لكن عند شقيقها لم يعد لها قدرة على الصمت وأخبرت الشرطي بما حدث بأنه كان يتهجم عليها لذلك فعل شقيقها ما فعله...
وفي ذلك الوقت كان نضال قد أتى مع والده زهران، بمجرد معرفة زهران من سلامة ما حدث جاء خلف نضال فورًا، هو لن يترك دياب هو ابن ثالث له،...
ويعلم بأنه لا يتواجد له أب أو قريب يستطيع الوقوف بجانبه لذلك حاول مساندته هو ونضال، حتى أن الشرطي تعاطف مع دياب بداخله ويعلم بأن ما فعله يفعله أي رجل حُر قد علم بإهانة شقيقته...
أخبر الشرطي زوج إيناس بأن زوجته لديها عدة جروح في جسدها بالإضافة إلى يدها الجريحة والتي أقرت بأنه هو السبب في هذا الأمر، لذلك حاول الشرطي إخافة عمرو بأن هذا سيكون ضده في الوقت ذاته لذلك أسلم حل له أن يتنازل عن المحضر وأن يكتب الاثنان تعهد بعدم التعرض للآخر وكان زهران هو الذي يحاول أن يسعى إلى هذا الأمر وحاول إقناع دياب بصعوبة الذي كان على وشك بأن يتعدى عليه في قسم الشرطة وأن يضعف موقفه.....
لقد قضى على الرجل حقًا ليس هناك مكان في جسده سليمًا أن كان كدمه تحولت إلى اللون الأحمر والأرزق أو جروح بسبب الزجاج غير الجرح الغائر في رأسه وساقه......
انتهت الليلة بأقل الخسائر وأخذ زهران دياب في سيارته حاول تهدئته وكان معه ابناء شقيقته وفي السيارة الآخرى الخاصة بـ نضال كانت تجلس ايناس وحور مع نضال حتى أوصلهما إلى المنزل ورحل أبيه لمقابلة أحد أصدقائه....
ظل نضال واقفًا في الطابق الثاني، لم يرغب في الذهاب حتى يتأكد من أن دياب لن يهبط مرة أخرى، تحديدًا بعدما أتت أحلام وألقت التحية عليه حينما وجدته واقفًا على الدرج..
صدع صوت هاتف نضال فأخرجه من جيبه وجده والده فأجاب:
-أنا في البيت يا بابا، واقف في الدور التاني عند شقة بهية، مرضتش ادخل معاهم علشان اسيبهم على راحتهم وفي نفس الوقت مش عارف امشي.
"صوتك بيقطع يا ابني"
حاول نضال التحرك قليلا من مكانه:
-معلش أنا واقف على السلم الشبكة وحشة؛ سامعني؟!.
"أيوة كده سامعك"
-بقولك واقف عند شقة بهية، خايف المجنون ده ينزل تاني ده حالف أنه يروح يقتله..
"ايوة خليك معاه متسيبهوش، أصل الواد الصغير ياريته ما ركب معانا في العربية فضل يقوله دي مش أول مرة بابا يعمل كده في ماما، جننه أكثر؛ صاحبك صعب خليك معاه علشان ميوقعش نفسه في مصيبة لو عرفت هاته يبات معاكم هنا".
تمتم نضال بنبرة منزعجة:
-حاضر ممكن خمس دقائق كده وأطلع او انزل اقعد في العربية، لغايت ما اطمن انه مش هينزل، ولو نزل هحاول أجيبه.
"ماشي أنا هخلص مع عمك فتحي وهتصل برضو أطمن عليكم، المهم متسيبهوش علشان ده دماغه مفوتة أنا عارف أن معاه حق بس في حاجة اسمها عقل ودياب مقطع بطاقته ده عايز يضربه في القسم".
" بـــداخـــل شـقـة عائـلـة ديـاب"
-كنتي عارفة، كنتي عارفة طبعًا ما أنتِ مخزن الأسرار، وجنى قالت أنك روحتي وغيرتي على الجرح..
كان دياب يصرخ بهستيريا أمام أحلام التي تجلس بجانب صديقتها وردت عليه بغضب هي الأخرى:
-متزعقليش يا دياب، وبعدين أه كنت عارفة أعمل إيه يعني؟!! كنت ببقى عايزة اجي اقولك أنتَ وطنط حُسنية واختك مش راضية، اعمل إيه اجي اقول بالعافية واكون أنا اللي بخربها وبخرب بيتها.
تحدث دياب ساخرًا وهو يدور في أرجاء الشقة ولم يجلس لثانية حتى منذ صعودهما:
-صح العيب مش عليكي العيب على الهانم اللي ساكتة ومخبية وكل ما نكلمها تقول أنا كويسة، وشارطة علينا نيجي في ميعاد ونمشي في ميعاد وسايباه يمد ايده عليكي.....
يصرخ بشكل جنوني مما جعل إيناس ترد عليه بنبرة لا تقل عنه:
-أيوة كنت بضرب وساكتة، ومش عايزة أعرفكم علشان كنت عارفة أن ده اللي هيحصل يا دياب وأنك مش هتتحمل، وممكن تضيع نفسك، سكت مش علشان بحبه ولا زفت ولا علشان حاجة، سكت علشان أنا مش عارفة اعمل حاجة ومش عايزة أشيلك حِملي أنا كمان، علشان مجيش اطب عليكم هنا واضايق أختك وهي ثانوية عامة...
انفجار آخر...
كما انفجر هو وأخرج كل طاقته وغضبه من كل شيء يحدث، انفجرت إيناس بما يتواجد بداخلها، لقد تحملت كل شيء على أمل أن ينصلح حال زوجها، قامت بالدعوة له في كل صلاة بأن يصلح الله شأنه من أجل أطفالها، ومن أجل ألا تصل إلى تلك النقطة..
لكن لم ينصلح أي شيء...
جاءت حور في الوقت نفسه من الداخل متمتمة بتوتر وأعصاب متوترة بسبب هذا اليوم الصعب:
-يا جماعة وطوا صوتكم شوية العيال منهارة من العياط، اليوم ده صعب عليهم...
نهضت إيناس وخلفها أحلام ولجوا إلى الغرفة التي يتواجد بها الأطفال وعلى عكس المتوقع فتح دياب باب المنزل وهو يشعر بالغضب الشديد يفتك به يحاول تخيل معاناة شقيقته من أجله ومن أجل الظروف الشاقة، لن يتركه حتى ولو قتله...
أغلق باب المنزل خلفه وهبط على الدرج وحينما شعر نضال بأن هناك من يهبط من الدور العلوي وضع هاتفه في جيب بنطاله، اتضح له الأمر أنه دياب فاقترب من دياب متحدث بنبرة جادة:
-رايح فين؟!.
سأله دياب بملامح مُبهمة:
-أنتَ واقف بتعمل إيه هنا؟!.
غمغم نضال كاذبًا:
-كنت طالع ليك أطمن عليك..
-مش وقتك..
أمسكه نضال من ملابسه حينما وجدته يتحرك مقررًا الهبوط:
-استنى بس رايح فين..
-رايح للـ*** ده...
كان دياب مقررًا أن يتحرك عنوة عن نضال الذي يمسك في أحد أكمام سترة صديقه ويشده منها تحت حركة دياب مما جعل الكم ينفصل عن باقي السترة تحت صرخة دياب:
-عاجبك كده قولتلك سيبني...
صرخ نضال فيه هو الآخر وهو بيده الاخرى لأن الاولى يتواجد بها أحد أكمام السترة:
-مش سايبك، إيه عايز تروح تلبس نفسك مصيبة تانية؟!.
-خليك في حالك وأبعد عني أنا مش طايق نفسي وعلشان متزعلش من ردة فعلي يا نضال أبعد عني وخليك في نفسك..
-ممكن تخرس شوية وبعدين مش هخليني في حالي ولو أنتَ مش خايف على نفسك أنا خايف عليك..
ثم صرخ نضال فيه غاضبًا:
- وبعدين أنتَ ماضي تعهد على نفسك ولسه ماشيين من القسم عايز تروح تهبب إيه؟! شغل دماغك شوية.
"مساء الخير"....
صوت أنثوي لفت انتباه الاثنان، لم يدرك نضال ودياب بأن هناك فتاة تتابع هذا العرض الرائع وهي تقف أمام شقة بهية تطل منها بعدما فتحت الباب وكانت على وشك أن تصعد وتذهب إلى شقة الخالة حُسنية والدة دياب...
أستدار نضال فالصوت ليس غريبًا أبدًا على مسمعه، بينما دياب هتف أولًا بنبرة قلقة رغم عقله المشحون:
-ازيك يا سلمى عاملة إيه؟!.
ردت سلمى عليه بنبرة هادئة:
-الحمدلله، أنا جيت علشان أدي الحقنة لبهية، وكنت لسه هطلع عندكم أقول لطنط أنها تنزل تقعد معاها شوية لغايت ما تنام علشان أنا اتأخرت...
سألها نضال بنبرة غريبة وهو ينظر بها بأعين واضحة يتمنى أن تفهم ما يرمي إليه رغم اندهاشه من وجودها هنا، وكان يشير إليها من خلف دياب الذي أصبح أمامه:
-ليه هي تعبانة ولا إيه؟!.
فهمت سلمى ما يريده منها لكنها على أي حال لن تكذب هذا هو حالها بالفعل:
-هي فعلا تعبانة شوية وعايزة حد يقعد معاها لغايت ما تنام لأني اتأخرت جدًا...
______________
مازال عقابها مستمرًا هي لا ترى حتى والدها...
لا تراه أبدًا ولا يسمح حتى بخروجها خارج غرفة نومها...
تشعر بالضيق الشديد....
لا يتواجد معها هاتف، ولا أي شيء، فقط التلفاز المتواجد في غرفتها لا تغلقه حتى في نومها على عكس المعتاد؛ الوقت يمر ببطئ شديد عليها...
حتى الجامعة لا تذهب لها ولا يسمح والدها تحت أي ظرف أن تخرج من المنزل...
تجلس ريناد على الفراش، فُتح باب الغرفة بعد طرقات خافتة أذنت ريناد لصاحبتها بالدخول وبالتأكيد هي زينب لا يدخل أحد إلى غرفتها سواها تقريبًا..
دخلت وهي تحمل صينية الطعام ووضعتها على الطاولة متحدثة:
-العشاء يا حبيبتي.
ردت ريناد عليها بنبرة منزعجة:
-مليش نفس ومش عايزة أكل حاجة أنا خلاص زهقت حاسة إني هتجنن من القعدة في الأوضة..
جاءت زينب وجلست بجانبها على الفراش متمتمة:
-معلش يا حبيبتي استحملي شوية بس أكيد هو هيروق وهيقعد يتكلم معاكي وبعدين يعني اللي عملتيه مش شوية...
قالت زينب كلماتها الاخيرة معتمدة على رواية ريناد لها التي أخبرتها بما فعلته وسط بكائها حتى تستحق عقاب هكذا.....
هتفت ريناد بنبرة متألمة:
-والله العظيم كانت أول مرة أروح مكان زي ده والله أول مرة وأخر مرة ومش هعملها تاني، أنا حبيت أجرب حاجة جديدة ومشيت ورا كلام صحابي أننا مش هنخسر حاجة ومش هيحصل حاجة...
قالت زينب بنبرة جادة وهي تنظر لها بحنان بالرغم من ذلك:
-واهو حصل يا ريناد، حصل حتى ولو من أول مرة، المهم دلوقتي تفكري ازاي تصالحي والدك يا حبيبتي، من ساعتها وهو متعصب طول الوقت ومش كويس خالص...
تمتمت ريناد بنبرة منزعجة:
-وأنا هعرف منين اصالحه وهو مانعني أخرج من الأوضة، ومش طايق يبص في وشي...
-أعذريه أكيد شوية وهيروق يا بنتي هو أكيد كان خايف عليكي وبيفكر في ألف احتمال واحتمال...
رفعت زينب يدها ووضعتها على وجنتي ريناد متمتمة بنبرة هادئة:
-كلي أنتِ وكل شيء هيتحل وأنا هحاول اتكلم معاه قبل ما اروح ان شاء الله خير اهم حاجة تكوني عرفتي وأدركتي غلطك يا بنتي..
-عرفته والله مش هكررها تاني..
______________
-خلع إيه يا متخلفة؟!..
قالت أحلام تلك الكلمات وهي تنهر صديقتها التي تجلس بجوارها على الأريكة بعدما جعلت طفليها يخلدون إلى النوم بعد نومة بكاء مريرة...
تمتمت إيناس بانزعاج شديد:
-أمرك عجيب يا أحلام بقالك سنين بتقولي ليا أطلق ولما...
قاطعتها أحلام بنبرة واضحة:
-بقول اطلقي وتاخدي كل حقوقك لكن الخلع ده هتعملي فيه جميل وهو نفسه يأخد كل حاجة ما الخلع ده يعني هتتنازلي عن كل حاجة وهو ميستاهلش نسيب له حاجة...
هتفت إيناس ساخرة:
-عمرو لو عايز يطلقني كان طلقني من زمان لكن هو مش هيرضى يخسر حاجة وأنا مش هدخل دياب في مشاكل أكتر من كده، لولا الظابط ابن الحلال اللي كان هناك وعم زهران، عمرو مكنش اتنازل عن المحضر؛ اخويا أهم عندي من أي حاجة وعمرو أصلا استحالة يرجعني بعد اللي حصل ومش هيطلقني برضو.
قاطعتها أحلام وهي تعقد ساعديها بتفكير:
-استني اكيد ليها حل اهدي كده، أهم حاجة متسبيش للحيوان ده أي حاجة..
_______
في الطابق الثاني...
كان يجلس دياب على المقعد بينما بهية مستلقية على الاريكة وكان نضال واقفًا في مكانه، قد رحلت سلمى منذ حديثها معهم مخبرة أياهم بأنها قد تأخرت وعليها الرحيل الآن...
تمتمت بهية منزعجة:
-ازاي يعني معكش رقمه؟!.
رد دياب عليها موضحًا الامر:
-مهوا الحظ بقا أنتِ موبايلك سلم نمر وأنا موبايلي البوردة بتاعته والشاشة لما اتغيروا كل حاجة اتمسحت بس متقلقيش هتصرف أنا..
تحدثت بهية بانزعاج شديد:
-ياريت يا ابني واحشني أوي وأول مرة يغيب كده وقلقانة عليه...
ثم توقفت عن الحديث وأخذت تحرك رأسها متمتمة:
-في حد هنا غيرك صح ودخل معاك؟!..
تمتم دياب بنبرة ساخرة:
-اه ده نضال صاحبي، شكلها شمت ريحتك يا نضال وغريبة عليها...
ردد نضال كلماته باستنكار:
-شمت ريحتي؟! ما تحسن ملافظك..
هتفت بهية بترحاب:
-طب أقعد يا ابني واقف ليه؟!.
شعر نضال بالقلق وجلس على المقعد وهو يميل على دياب قائلا:
-هي بتشوف؟!.
رد عليه نضال ساخرًا:
-لا، مخاوية..
تحدثت بهية بنبرة غاضبة:
-احترم نفسك يا واد سمعاك؛ وبعدين أنا أه مش بشوف بس بسمع كويس وبشم كل حواسي التانية شغالة بشكل أحسن منكم..
وجهت بهية حديثها إلى دياب متمتمة:
-وبعدين قولي كنت فين وإيه اللي حصل مع اختك..
أخذ دياب يخبرها بما حدث، مما جعلها تشعر بالأسف والحزن الشديد على فتاة في عمر إيناس مرت بهذا كله مما جعل دياب يختم حديثه....
-مرضيناش نقول لماما علشان متجيش مفزوعة لغايت ما ترجع هي بكرا بقا وتعرف لوحدها، معتقدش يعني عمرو أو حد من اهله هيتصل يعرفها حاجة...
ثم حاول تغيير الموضوع متحدثًا:
-كنت ناسي أن ميعاد الحقنة النهاردة، كويس أن سلمى افتكرت لوحدها بنت حلال والله.
تحدث نضال هنا باستغراب:
-أول مرة أعرف أن سلمى بتدي حقن يعني أو أنها تعرف بهية أصلا..
رد دياب عليه تحت صمت بهية:
-سلامة اللي قالي، أحلام ساعات كانت بتيجي بس مبقتش تعرف تيجي لما تكون في المستشفى ومش من النوع اللي تعتمد عليها في مواعيد فلما كنت مسافر أنتَ وعم زهران العمرة وكنت قاعد مع سلامة على القهوة بتكلم في الموضوع راح قالي وكلمناها ومن ساعتها وهي بتيجي عموما بتزور بهية وبتديها الحقن في مواعيدها..
هتفت بهية بنبرة ساخرة معقبة على حديث دياب:
-قول شعر عنها بالمرة، وبعدين سيبني أرد هو أنا مفيش فيت لسان يعني أرد على الواد اللي ريحته غريبة ده...
عقب دياب على حديثها متهكمًا:
-يا ابني ما تروح تستحمى قرفتنا بقا..
تمتم نضال ساخرًا:
-يا حجة بهية والله عماله تشككيني في نفسي أن ريحتي فايحة ولا إيه؟! أروح أخد دش وأرجعلكم تاني ولا أعمل وإيه؟!...
تجاهلته بهية ثم وجهت حديثها وهي تحاول التقاط يد دياب متحدثة بحنو:
-كلام صاحبك صح يا ابني اطلع كده وريح دماغك شوية، وإياك تروح تاني للواد ده الحمدلله أن ربنا سترها استنى امك لما ترجع وساعتها يحلها الحلال لكن متوقعش نفسك في مصيبة...
بدأ يشعر دياب بالاقتناع لرأيهم، وشعر باهتزاز هاتفه للمرة التي لا يعرف عددها وكان صاحب الاتصال معروفًا وهي خطيبته ليلى الذي لا يمتلك أي مزاج رائق ليخبرها بكل ما حدث..
___________
أخذ القرص الأول من المُسكن بعد هبوطه من عند دياب لكن الآن وهو يتواجد في منزله برفقة أبيه لا يظن بأن باقي الشريط قد يُسكن ما يفعله أبيه الآن في رأسه...........
غير ضحكات سلامة الغير منطقية مقارنة بما يسمعه والذي تسبب في جنون نضال...
تمتم نضال بنبرة جادة:
-بابا هو اللي بتقوله ده بجد ولا بتهزر لأن لو بتهزر علشان افك بعد اليوم الغريب ده فصدقني الموضوع مش مضحك خالص زي ما ابنك مش قادر يبطل ضحك كده...
ترك زهران الارجيلة متحدثًا بقوة وهو يؤكد على حديثه مرة أخرى:
-يعني أنتَ تعرف عن أبوك كده؟! أبوك يا نضال يهزر في أي حاجة إلا الجواز والطلاق ده مفيهمش هزار، خط أحمر.
هتف نضال بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-يعني إيه؟! بعني أنتَ خلصت على كل الستات اللي تعرفهم خلاص ومبقاش غير أم خطيبة ابنك؟!.
تمتم زهران ببساطة شديدة وبدأ سلامة يعتدل في جلسته ويحاول أن يتوقف عن الضحك:
-كيفي كده، القلب وما يريد يا أخي.
قاطعه نضال بنبرة ساخرة:
-قلب إيه وكبدة إيه؟ ده أنتَ مبقالكش أسبوعين مطلق ده أنتَ بتخلص الموف أون بسرعة الصاروخ، الموف أون اللي عندك يا بابا محتاج يتصدر للشباب ده علشان يعرفوا يكملوا بقية حياتهم، ده أنتَ ملحقتش...
هتف زهران بجدية وهو ينظر له:
-أنا بنجز وبخلص بسرعة..
هتف نضال بنبرة هادئة حاول تصنعها فـوالده سيفقده عقله:
-بابا شوف أي حد غيرها أحسن أنتَ هوائي وهطلقها بعد فترة زي أي واحدة قبلها وهتعمل مشاكل لابنك فيما بعد وهدخله في حوارات..
رد زهران عليه ببساطة:
-ما أنا هتوب على ايديها نويت اتغير فيها إيه دي؟!.
-يا مثبت العقل والدين يارب...
قالها نضال ثم وجه حديثه إلى سلامة متحدثًا:
-ما تتكلم وتبطل ضحك..
غمغم سلامة من وسط ضحكاته:
-والله مش عارف اقول إيه بس يسرا طيبة أنها تأخد صفة مرات الأب والحماة...
هتف نضال بسخرية:
- يا روقانك أنتَ وأبوك، هو أنا الوحيد اللي مش عاجبني الكلام؟!
تمتم زهران بجدية وهو ينظر له بانتصار:
-لا أنتَ الوحيد اللي مش متربي ومش عايز يقف جنب أبوه..
قاطع سلامة الحديث بنبرة حاول جعلها جادة قدر المستطاع:
-أنا مع نضال بصراحة بس مش قادر مضحكش.
عقب زهران بغضب:
-ولا ابو شبكة رايحة جاية ده كمان أتربى..
تمتم نضال وهو يسأل والده بنبرة جادة:
-طيب هي تعرف؟! أو لمحت ليها عن حاجة؟.
رد زهران عليه نافيًا:
- حد الله، لا طبعًا أنا مش بلمح ولا بقول حاجة لأي واحدة أنا بقول في وشها مرة واحدة عايز اتجوزك وافقت أهلا وسهلا موافقتش أهلا وسهلا هو أنا لسه عيل صغير هقعد ألمح..
هتف نضال بغضب مكتوم:
-طيب عرفت منين أنها عايزة تتجوز أصلا مهي بقالها سنين مطلقة لو كانت عايزة كانت اتجوزت من زمان...
تمتم زهران ببساطة بعدما أمسك خرطوم الارجيلة وسحب نفس منها:
-أعتقد أنا عريس مترفضش.
هز نضال راسه بإيجاب وهو يتحدث بسخرية:
-طبعًا ده مفيش حاجة تخليها ترفض أنها تكون الزوجة الثامنة هي تطول أصلا....
هتف زهران بنبرة غاضبة:
-عمومًا أنا اللي غلطان إني بتكلم مع شوية عيال زيكم وبأخد رأيكم، عموما أنا حر في اللي أنا هعمله بيكم ومن غيركم أنا بس حبيت أخد رأيكم وسديتوا نفسي..
تمتم نضال بنبرة صريحة:
-لا متقلقش يا بابا أنتَ نفسك بتتسد عن أي حاجة في الدنيا إلا الجواز..
رد زهران عليه بابتسامة صفراء:
-عقبالك يا حبيبي لما نفسك تتفتح على الجواز زي أبوك..
وقبل أن يُفتح في جروح ولده تحدث بنبرة جادة تحت نظراته إلى سلامة الذي نهض بسبب اتصال هاتفي من أحد أصدقائه:
-أهم حاجة بكرا تجيب ليا الواد دياب أتكلم معاه أنا معرفتش أتكلم معاه لازم يهدى كده وميعملش أي تصرف غبي وميروحش يأخذ حاجة أخته ولا يعمل حاجة لغايت ما الموضوع يهدى وقتها نقعد مع الواد وأهله سواء هترجع أو مش هترجع برضو نروح معاه ونتكلم بالاصول وييطل يشغل دراعه ويشغل دماغه شوية...
_____________
في صباح يوم السبت...
تستيقظ بهية مع صوت أذان الفجر لتتوضأ وتقضي فرضها وتظل جالسة لمدة تقوم بقول أذكار الصباح وإذا أرادت النوم مرة أخرى تفعل...
لكن اليوم كانت تشعر بأنه سيأتي رغم أن دياب لم يجد رقمه ولم يتصل به...
تجلس على الأريكة تقوم بسماع القرآن من الراديو كعادتها كل صباح، سمعت رنين الجرس فنهضت من مكانها بعدما حركت يدها لتبحث عن عكازها وحينما لمسته استندت عليه ونهضت وهي تحفظ كل شبر في شقتها عن ظهر قلب لذلك ذهبت إلى الباب بسهولة وما أن فتحته تحدثت وكأنها تراه حقًا:
-محمد...
رد عليها بهدوء متعجبًا من أنها تعرفه بسهولة في كل مرة:
-أيوة أنا..
رفعت كف يدها التي ترتعش قليلا كـ حركة طبيعية لمن هم في عمرها، محاولة الوصول إلى وجهه لتضعها عليه وساعدها هو حينما أمسك معصمها..
تحدثت بهية بنبرة عاطفية وهي تحاوط وجهه بكفيها بعدما تركت عكازها يسقط أرضًا:
-كنت مستنياك يا حبيبي وكنت حاسة أنك هتيجي، أنتَ كويس؟! طمني عليك يا حبيبي...
تمتم محمد بآسفٍ وهو يحتضنها:
-حقك عليا اتأخرت عليكي المرة دي أوي..
-ولا يهمك يا ابني تعالى ندخل جوا مش هنفضل واقفين على الباب...
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا..
كان محمد يجلس فيها مع بهية خالته، شقيقة والدته الراحلة التي كان يأتي معها لزيارة عائلتها بين الحين والاخر ولكن بعد وفاتها انقطعت زياراته لفترة لأن والده لم يكن يسمح له أو بمعنى أصح لم يكن الأمر في أولوياته...
وحينما نضج محمد وكبر أصبح يأتي بين الحين والأخر حتى أنه عرض عليها الكثير من المساعدات ولكنها لا تقبل أي شيء هي فقط تريد رؤيته ولا تريد الانتقال من المنزل كما يريد أو أخذ نقود منه هي فقط تقبل الهدايا التي يأتي بها لها على مضض لا أكثر من ذلك...
حتى أنه عرض عليها في وقت من الأوقات أن يأتي بـ جليسة لها في المنزل تساعدها نظرًا لوضعها وفعل وأرسل لها بدل الواحدة ثلاثة ولكنها لم تتكيف ولم تشعر بالراحة بأن يكن هناك نفس غريب في منزلها ولأن الشخص الكفيف يصعب عليه العيش مع أناس غريبة لأنها لا تقبل أي تغيير أبدًا في المنزل هي تحفظ خطواتها منذ سنوات عدة...
ولا تستطيع التكيف مع أي تغيير حتى ولو بسيط ولن تأخذ راحتها لذلك كانت تغلق جميع الأبواب في نظره لمساعدتها...
لذلك اقتصر الأمر لزيارتها في أوقات فراغه وحينما يشعر بالضيق وأن جميع الأماكن لا تناسبه.....
"مالك يا ابني فيك إيه؟!".
هذا السؤال كررته بهية أكثر من مرة وفي النهاية أخبرها محمد بكل شيء تقريبًا وبما فعلته ابنته وجعلته في تلك الحالة وشعور عميق بالذنب يحتله لن ينكر......
فهو يفكر هل أخطأ بحقها؟!
هل قام بالتقصير معها؟!
لكنه سعى دومًا أن يعوضها عن كل شيء...
عقبت بهية بنبرة هادئة:
-مش شرط تكون أنتَ السبب في اللي هي عملته أنتَ زي أي حد حب يعوضها عن موت امها وينفذ طلباتها ورغباتها ويدلعها، بس هي فهمت الدلع ده غلط وبعدين هي صغيرة وطايشة والعيال في السن ده ممكن يعملوا تصرفات غريبة ده وارد عند أي حد بيكون عندهم طاقة عايزين يعملوا كل حاجة ويجربوا كل حاجة جديدة وغريبة....
تمتم محمد بنبرة جادة:
-ده مش مُبرر للي عملته أنا حابسها في البيت مش عقاب قد ما هو خوف عليها، خوف أنها تعمل حاجة تضر نفسها، تقريبًا هي بقت متخيلة أن من كتر ما حياتها سهلة يبقى أي حاجة عادي ومش متحملة مسؤولية حاجة لدرجة أن صحابها أثروا عليها وخدوها معاهم، الحمدلله أن الخبر متسربش كمان..
كانت بهية تسمعه باهتمام وإنصات نادرًا ما تقاطعه هي تريده أن يفرغ ما بداخله....
تحدث محمد بضيقٍ:
-سيبك مني وقوليلي أنتِ عاملة إيه؟؟.
لا تختلف إجابة بهية مهما حدث هي شاكرة وحامدة:
-الحمدلله في أحسن حال.
______________
-ازاي كل ده يحصل ومحدش فيكم يكلمني؟!.
قالت حُسنية تلك الكلمات وهي تجلس على الأريكة وفي أحضانها جنى حفيدتها، وقبل أن تتفوه بتلك الكلمات كان دياب قد جاء من غرفته فهو كان قد خلد للنوم حديثًا بعد ليلة كان يحرق ذاته بدخان سجائره....
كان يحاول أن يخرج غضبه في أي شيء..
ولم يكن الأمر صعبًا على دياب وهو ينظر إلى حور هاتفًا:
-الست ملحقتش تغير هدومها حتى وبعدين تعرفيها، مهوا طبعا الراديو معرفش يسكت لازم ست حور تنطق وتقول ملخص كافي ووافي بسرعة في أقل من خمس ثواني..
تمتمت حسنية بسخرية:
-كل ده اللي هامك يا أستاذ دياب؟! مكنش همك أنك تودي نفسك في داهية؟!.
هتف دياب بنبرة مقتضبة وهو يجلس جوار حور:
-بنتك اللي كانت المفروض تفكر في كل ده قبل ما تقبل على نفسها الإهانة وأرجوكم محدش يحاول يفتحني، المهم الـ *** ده لازم يطلقها..
ثم سأل باستغراب:
-هي إيناس فين أصلا؟!.
ردت حور عليه مثل الصحفي أو المذيع الذي يتفوه بالنشرة الإخبارية:
-إيناس دخلت تنام شوية علشان طول الليل معرفتش بسبب الواد..
تحدث دياب ساخرًا:
-مش عارف من غيرك هعرف أي خبر في الدنيا ازاي..
هتفت حُسنية بنبرة جادة:
-سيبك من ده كله بلاش تتسرع في موضوع الطلاق خراب البيوت مش بالساهل كده يا دياب..
رد دياب عليها بقوة:
-اه يدوبك نرجعها ليه علشان يخلص عليها ولا أنتِ عايزة إيه؟!...
تمتمت حُسنية بغضب:
-أكيد أنا مقولتش كده بس في نفس الوقت مينفعش نستعجل، وقت الخناقات والمشاكل مينفعش حد يأخذ قرار وبعدين احنا لازم نفهم و عمرو له أهل نتكلم معاهم..
-يولع بجاز وسخ هو وأهله ومش هنتكلم مع حد وأعلى ما في خيلهم يركبوه يا يطلقها بالذوق يا أنا هخليه يطلقها بمعرفتي...
هتفت حُسنية بلومٍ واضح يكفي ما حدث لها خلال اليومين الماضيين يكفي ما عرفته:
-دايما كده أنتَ صوتك من دماغك وصعب التفاهم معاك ودايما تاعب قلبي..
غمغم دياب بنبرة متشجنة:
-صح أنا غلطان فعلا كان المفروض لما أروح ألاقيه ضارب أختي أروح اقوله كمل يا حبيبي حقك عليا، عطلتك صح؟! ده اللي أنتِ عايزاه مني علشان مبقاش بتاع مشاكل صح؟!.
ردت والدته عليه بانزعاج واضح:
-هو ده اللي باخده منك تريقة وبس يا دياب، كل اللي بقوله اهدى علشان نعرف نفكر محدش بيأخد حقه وقت المشاكل المفروض نفكر كويس..
قال دياب قبل أن يدخل إلى حجرته مرة أخرى:
-اللي عندي قولته؛ الراجل ده يطلق اختي ومش هتقعد في بيته من تاني لو إيه اللي حصل، ولا حد يقولي عقل ولا يقولي منطق، ده لما نكون بنتكلم مع راجل مش مع **** بيمد إيده على اللي مش هتقدر عليه...
_______________
بعد مرور أسبوعين..
هبطت ريناد برفقة والدها..
كان اليوم هو اليوم الأول الذي دخل فيه إلى حجرتها بعدما طلب من زينب تحضير حقيبة ملابس منزلية لها......
ذهبت ريناد برفقته دون أن تعرف إلى أين سوف تذهب، مازال الحديث بينهما منقطع فقط سمعت صوته وهو يخبر الفتاة التي تقف معهم في المتجر بأن تأتي لها بملابس تناسب قياسها، تكون لائقة ومحتشمة إلى حدٍ ما..
لم تكن ريناد ترتدي ملابس قصيرة أو بها شيء مُلفت إلى حد كبيرة ولكن الوضع الجديد يناسبها ملابس جديدة مختلفة التصميم قليلا عما كانت ترتديه.
لم تعترض ريناد يكفي بأنها خرجت من المنزل أخيرًا بعد كل هذا الوقت...
شعرت بأنها عادت إلى الحياة مرة أخرى...
بعد شراء ملابس كثيرة من اختيار والدها هي فقط كانت تقوم بالقياس، ذهبت معه إلى "سوبر ماركت" كبير أخذ يقوم بشراء بعض الاحتياجات الضرورية وهي كانت تراه شيئًا غريبًا والدها ليس من عادته أبدًا شراء أغراض إلى المنزل...
لكنها كانت صامتة تسير جانبه ولا تعلم متى سوف ينتهي هذا اليوم ومتى سوف ياحدث معها كالسابق وإذا مازال ممتنع عن الحديث معها لما أخبرها بأن ترتدي ملابسها حتى تهبط معه؟!..
في طريق العودة لم يكن طريق منزلهما بل كان طريق أخر جعلها تمر على بعض المناطق المكتظة وبها ازدحام مروري لا ينتهي، بعدها بمدة ولج إلى حي شعبي كما ترى ولكنها كانت تخشى أن تعترض لو كان في السابق لأظهرت إعتراضها بشكل واضح..
هل أتت هنا من قبل؟!.
هي ترى المكان مألوفًا رُبما أتت في طفولتها لا تتذكر...
تقرأ أسماء الشوارع وهي تسير على اللافتات الزرقاء الموجودة ومعبئة بالاتربة، ومنها كان شارع خطاب.
وبعدها ولج والدها إلى شارع جانبي ثم أصطف بالسيارة أمام بناية رقم 14....
-أنزلي..
فتحت ريناد الباب وهبطت من السيارة وكذلك والدها وأخذت تتأمل الشارع بشكل مخيف، تلك الأماكن لا تراها إلا في التلفاز حتى ولو كان المكان مألوفًا لها وتشعر بأنها أتت من قبل إلا أنها خائفة......
هتفت ريناد بتردد أخيرًا خرج صوتها المهزوز:
-أحنا فين هنا؟!.
-قدام البيت اللي فيه الشقة اللي اتولدت فيها أمي، جدتك وعايشة فيها دلوقتي خالتي اللي هي تعتبر جدتك برضو......
أسترسل محمد حديثه ببساطة:
-لو تفتكري مرة جيتي معايا زمان وأمك جت بس من بعدها محدش جه معايا فيكم...
سألته ريناد بتردد وخوف لا تعلم لما يرافقها:
-بس حضرتك ليه جايبني هنا؟! علشان نزورها؟!.
تحت ذهول ريناد كان يجيب عليها محمد:
-لا علشان هتقعدي هنا........
________يتبع________
الخامس من هنا