رواية أسمنجون الفصل الثالث 3 بقلم مريم عبدالقادر
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
بقلم/ مريم محمد
(اسمنجون تعنى اللون الأزرق الخفيف كلون السَّماء ولون البنفسج)
_____________
إنها مدينة الأحجار الكريمة أسْمَنْجُون العظيمة
قالها شيخ كبير من الجالسين داخل العربة مع زمرد بصوته المجهد المتعب فأجابته زمرد بسؤال : وما هي أسمنجون هذه ؟
الشيخ : ألا تعرفين أسمنجون يا ابنتي ؟
زمرد : بلا .. لم اسمع بها من قبل
الشيخ : إنها أعظم البلاد في هذا العصر كيف لم تسمعي عنها من قبل ؟ إنها أغنى البلاد على الإطلاق تتاجر في الذهب والمجوهرات .. وتشتهر بأحجارها الكريمة التي لا مثيل لها في العالم .. وهي من أقوى البلاد عسكريا .. جميع المدن تهابها
زمرد : لحظة واحده .. كيف تكون كما قلت ولم يسمع بها أحد ؟.. لم أقرأ شيئا عنها من قبل
الشيخ : ربما لم تسمعي أنت بها ولكن جميع من يعيش في الإمبراطورية الآشورية قد سمع بها بالفعل
فور أن سمعت زمرد كلمة المملكة الآشورية غرت فاها وأتسعت عيناها وقالت والرعشة تسري في ظهرها : أي ( إمبراطورية آشورية ) تلك ؟ هل تقصد أننا في القرن التاسع قبل الميلاد ؟ ما الذي جاء بي الي هنا ؟
الشيخ : أي ميلاد ؟
كانت زمرد لا تصدق أنها تقف على أرض الإمبراطورية الآشورية التى قرأت كثيرا عنها وعن تاريخها القديم العريق منذ مئات السنين .. تلك الإمبراطورية التي نشأت في ما بين النهرين .. وأستمرت منذ سنة 934 ق.م وحتى سنة 609 ق.م.. نافست تلك المملكة كلا من بابل وعيلام ومصر على زعامة العالم القديم .. وأصبحت بمجئ تغلاث فلاسر الثالث أقوى إمبراطورية في العالم القديم بعد ان تمكنت من الإنتصار على هذه الممالك
وفي خضم هذا التخبط الذي وقع فيه عقل زمرد وصلت العربة الي بوابة المدينة كانت بوابة ضخمة داخل سور عملاق يصل ارتفاعه الي مائة متر وسمكه ما يقرب من العشرين متر وكانت مساحته حوالى خمسة آلاف كيلومتر مربع تقريبا ... يحيط بمدينة أشبه بمملكة كاملة بداخله من ثلاثة جوانب -بقلم/مريم عبد القادر- أما الجانب الرابع فقد أحاط به سلسلة من الجبال العملاقة التي لا يمكنك رؤية قممها .. وكان للسور أربعين برج مراقبة وتسع بوابات ولكل بوابة بابين حديديين أحدهما عند بداية السور من الخارج .. والآخر عند نهايته من الداخل ويقف في تلك المسافة بين البابين ما يقارب العشرة حراس بدروعهم وسيوفهم المصقولة .. وهناك شعل نارية مثبته على الجدران فوق الحراس لتضئ المكان
أخرج الرجل السمين ورقة صفراء وأعطاها الي أحد الحراس عند الباب الخارجي .. فسمح له بالمرور متجها الي المدينة داخل السور
وفور عبور العربة الخشبية سور المدينة المظلم نسبيا وظهور أشعة الشمس من جديد بدأت معالم الحياة تظهر أناس تتحرك هنا وهناك.. وأطفال تلعب.. وحراس تهرول .. خيول وثيران تجر خلفها عربات خشبية .. بدى المكان حيويا للغاية .. وكانت المنازل الصغيرة والكبيرة متراصة بجانب بعضها البعض في نظام وهندسية دقيقة للغاية .. كما زينت اسقف تلك المنازل بالأحجار الكريمة الزرقاء المختلفة في الحجم وكانت النوافير العملاقة بيضاء الهيكل والتي كانت مرصعة بالجواهر الزرقاء هي الآخرى توضع في أرجاء المكان بنظام .. كأن التناسق والجمال في تلك المدينة جعلها جزء لا ينتمي للأرض
سارت العربة التي كانت تحمل زمرد والآخرين بمحاذاة السور لبعض الوقت حتى وصلت الي مبنى كبير حجري
كئيب فتوقفت عنده ثم خرج بعض الجنود من داخل المبنى وبدءوا بإخراج الناس من العربة وادخالهم الي هذا البناء
سار الجميع معا في مكان واسع كان على جانبيه طاولات خشبية يجلس عليها عدد من الجنود وفي أخره باب خشبي في جدار .. وكان خلف الباب نفق طويل يصل الي آخر البناء على جانبية العديد من الزنزانات المتراصة لا يفصل الزنزانة عن أختها إلا قضبان حديدية كالتي أغلقت بها كل زنزانة منها .. كان المكان كريه الرائحة ومظلم للغاية إلا شئ من أشعة الشمس التي عبرت من تلك النوافذ الصغيرة أعلى الجدران العالية
قام الجنود بإدخال الرجال في زنزانات منفصلة عن النساء والأطفال ومنهم زمرد المسكينة التي لا تدري ماذا يحدث من حولها حتى أنها حاولت أكثر من مرة أن تتحدث مع الجنود ولكن لم يستجيب أحد لها بل قام أحدهم بدفعها بقسوة سقطت بسببها على الأرض وخدش باطن كفيها حتى خرج بعض الدم من جلدها
أغلق الجنود أبواب الزنزانات ثم خرجوا من تلك الردهة الكبيرة الي الخارج وأغلقوا الباب الخشبي بإحكام تاركين مئات الأسرى خلفهم في زنزانات مخيفة موحشة
جلست زمرد مكانها مسندة ظهرها الي الجدار خلفها ..
وضمت ساقيها الي صدرها وأحاطتهما بذراعيها واضعة رأسها على ركبتيها وأغلقت عينيها الزمرديتان وغاصت في بنات أفكارها تحاول جمع شتات نفسها والوصول الي حل لما يحدث معها حتى ملت من التفكير بدون الوصول لشئ
بعد توقف زمرد عن التفكير انتبهت الي صوت رقيق لبكاء فتاة جلست معها في نفس الزنزانة فاقتربت منها وأخذت تربت على ظهرها ثم سألتها عن سبب بكاءها فأجابت الفتاة بصوت أرهقه البكاء: لقد انتهى أمرنا وسنظل عبيد للأبد
زمرد : ماذا تقصدين بأننا أصبحنا عبيد ؟
الفتاة : ما هذا !!... هل أتيتِ الي هنا وأنت لا تعرفين ماذا سيفعلون بكِ ؟
زمرد : أجل .. هل يمكنك إخباري بما يحدث رجاءً ؟
الفتاة : نحن رهائن الديون
زمرد : رهائن !؟
الفتاة : أجل رهائن
قامت الفتاة بمسح دموعها ثم أردفت قائلة: إن أسمنجون مدينة فاحشة الثراء تقوم بإعارة المال للمدن الآخرى المحتاجة .. وعلى تلك المدن إعادة المال لها على سنوات تحدد بين البلدين ولكن في حال لم تستطع المدينة إعادة المال في الوقت المحدد يأتي فقراء المدنية الي أسمنجون كمتطوعين لخدمتها مقابل هذا الدين أو هذا ما يتداول في العلن -بقلم/مريم عبد القادر- أما الحقيقة هي أن المدن الدائنة تجبر فقراءها وترغمهم على الذهاب الي أسمنجون كرهائن ولم يعد الي الآن أي شخص من هؤلاء الفقراء الي داره مرة آخرى
زمرد : قد يكون هؤلاء الناس قد أحبوا البقاء هنا بدلا من العودة فقد سمعت أن أسمنجون من أعظم البلاد
الفتاة : هذا مستحيل فلم يسمع أحد أي خبر من قريب له جاء الى أسمنجون .. كما أن هذه السلاسل حول أيدينا هي أكبر دليل على أنهم سيقومون باستعبادنا
صمتت الفتاة هنيهة ثم أردفت والدموع تسيل على وجنتيها ثانيةً : لقد تخلت مدننا عنا ولا أمل لنا بحياة كريمة بعد الآن
زمرد : حتى لو تخلى العالم كله عنا فإن الله معنا لن يترك ابدا داعٍ محتاج في كربة بدون عون فهو القويّ الرحيم .. فلا تخافي
الفتاة : لم أفهم
ابتسمت زمرد وربتت على ظهر الفتاة تطمئنها ثم قالت :
لا بأس عليكِ .. سنكون بخير
عم الصمت المكان وعادت زمرد الى تقوقعها .. ومر الوقت وهي لا تفكر إلا في المحادثة السابقة.. لا تتوقف عن تخيل ما سيحدث لها في المستقبل داخل تلك المدينة العجيبة .. حتى خارت قواها وإستلقت على الأرض .. لم يعد بوسعها الصمود أكثر فجسدها يؤلمها إثر الرضوض التي أصيبت بها داخل الدوامة السوداء وجروح كفيها تؤلمها وتلك السلاسل حول معصميها وساقيها التي أهلكت جلدهما كما انها لم تأكل شيئا طوال اليوم وتشعر بالعطش الشديد جراء تلك الرحلة الشاقة تحت الشمس الحارقة
حل الليل وأصبحت الزنازين أكثر زمهريرا كانت زمرد ترتجف من شدة البرد فلم تكن معتادة على صقيع كهذا طوال حياتها كما أن الأرض التي كانت مستلقية عليها شديدة البرودة هي الآخرى حاولت الصمود ولكن الوهن تمكن منها فخرت مغشي عليها