رواية حان الوصال الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم أمل نصر
لست أنا المرأة التي تقبل أن يتغذى قلبها على فتات المشاعر التي تجود عليا بها فلست بالقليلة كي أتلقى منك احسنًا ترميني به كهبة أخذها بكل امتنان دون الطمع في أكثر من ذلك ، لا لن اقبل أن أعيش معك في المنتصف فكرامتي تستحق أن تكون عالية وقلبي لن ينشطر نصفين وعقلي لن يدمره التفكير بك يا رجل أعيش بين أحضانه بسعادة ملفقة وأنا اعد نفسي كاذبة بأن القادم معك هو الأجمل فأنا اتيقن منك الخذلان حتى وإن كنت أرسم بسمة كاذبة فوق وجهة ضاحك بقلب شطره الحزن.
اهداء الكاتبة القمر/ ايمان فارق
❈-❈-❈
ليلة طويلة، هل سيأتي بعدها الشروق
– طمنيني يا بهجة، انا بقالي ساعات على اعصابي
بصوت مجهد اضطرت لطمأنة نجوان؟
– لا اطمني عدت على خير، بعد انا ما حطيت النقط على الحروف معاه، وسيبت القرار في ايده.
– قرار ايه بالظبط يا بهجة؟
مرت فترة ليست بقليلة من الصمت، حتى جاء ردها:
– قرار اننا نكمل في النور او النهاية .
– وهو كان ايه رده؟
– سكت.
– سكت!
– ايوة سكت وانا مشيت عشان ياخد وقته في التفكير، المهم انه يرحمني من عذابي، حتى لو كان الاختيار الانفصال، اعتقد ان ده بالنسبالي هيبقى افضل كتير من اني تبقى عايشة حبيبة مخفية او نص زوجة.
– انا حاسة انك تعبانة وانتي بتتكلمي، هقفل معاكي يا بهجة، وبكرة الصبح ان شاء الله نتكلم براحتنا، انا بفكر اجي المحل عندكم، عائشة وحشتني اوي
– وانتي كمان وحشاها، المحل محلك اكيد، وبالمرة تباركي لايهاب، اصله خلاص اتقبل في كلية الطب
– يا قلبي الف مبروك، دا انا لازم ابوسه من خدوده الولد ده وإياك يعمل فيها مكسوف…. وادي حلم كمان من أحلامك اتحقق يا بهجة.
– الحمد لله، ربنا بيرطب على قلبي بنجاحهم والله، فرحتهم عندي بالدنيا .
– يا قلبي وانتي كمان هاتاخدي نصيبك من الفرح، صدقيني هيحصل.
كادت ان تغلبها دمعاتها، فتلك الأمنية تراها ضرب من المستحيل، حتى وقلبها يخبرها بغير ذلك.
فخرج صوتها بتحشرج من فرط ما تشعر به:
– ربنا كريم، ربنا كريم .
كادت نجوان ان تبكي هي الآخرى، وقد وصلها ما تشعر به، ولكنها كانت اقوى من ان تزيد عليها، لتواصل دعمها :
– انا معاكي يا بهجة ومش هسيبك أبدًا.
قالتها بصدق وصل اليها، ليخرج ردها بتأثر واضح:
– ربنا ما يحرمني منك.
انتبهت لفتح باب المنزل ، ودلوفه عائدًا من الخارج، لتنهي معها المكالمة سريعًا:
– ولا منك يا قلبي، اسيبك بقى ترتاحي، تصبحي على خير .
– وانتي من اهله يارب
القت الهاتف من يدها واتجهت لتخرج اليه تستقبله وتتحدث معه، متوقعة وجوده كالعادة في مكتبه في هذا الوقت، ولكنه ادهشها حينما وقعت ابصارها عليه، واقفًا في قلب الصالة وكأنه ظل متوقفًا في انتظارها.
– مساء الخير يا نجوان هانم.
طالعته قليلًا بصمت، ترا الإجهاد جليًا في نبرته الرخيمة، وتعابير وجهه التي اكتست بالهم، تؤلمها وبقوة المعاناة التي يشعر بها، وهذا ما يزيد عليها .
– مساء الخير يا… رياض.
سخر بابتسامة لم تصل لعيناه، واقدامه تتقدم نحوها:
– كنتي هتغلطي وتقولي يا قلبي صح؟ بس لحقتي نفسك، عندك حق، ما انا استحقش في نظرك، ما انتي قلبك مات من ناحيتي من زمان .
صدمها قوله، حتى اهتزت في وقفتها امامه:
– وهو في ام قلبها بيموت ناحية ابنها اصلا؟ إنت جاي من برا مضايق ولقتني في وشك، قولت تحط همك فيا، انت ليه مُصر توجع قلبي عليك يا رياض.
صرخ بها، وكأنه بالفعل يفرغ بها همه:
– عشان قلبي انا كمان موجوع، وتعبان بقالي سنين بعاني من آثار الماضي الزفت بتاعكم، لو كنتي ست قوية مكنش دا كله حصل، مكنش استغلك ولا اتجوز عليكي حتة بنت ما تسوى، دا حتى مات من قبل ما تعرفي بمصايبه، عشان اشيل انا كل البلاوي اللي عملها من وراه، وادفع الفاتورة من راحتي واستقراري النفسي.
غامت عينيها بدموع تحتجرها بصعوبة، لتحتفظ بجزء من القوة امامه:
– تاني يا رياض بتحملني ذنب اللي حصل، وترجع بعد كدة تقول ان متغيرة معاك، مش قادر تفهم لحد الان ان قسوتك دي كانت من أهم اسباب مرضي؟ ليه يا بني بتحملني فوق طاقتي، انا كنت ست ضعيفة فعلا معاه، بس هو كان حبيبي قبل ما يبقى جوزي، حبيبي اللي لو عاد بيا الزمن هختاره من تاني، حتى لو عذابي هيزيد اضعاف .
تركزت عينيها بخاصتيه لتردف بقوة:
– الناس كلها بتعيش تاكل وتشرب، لكن قليلين اوي اللي حصلوا على النعمة دي، نعمة القرب من الحبيب، وانا مكنتش بس قريبة منه، لا دا انا اتجوزته وخلفت منه ، وقعدت سنين في السعادة معاه، السعادة اللي انت حارم نفسك منها دلوقتي عشان معتقدات غبية في دماغك، عامل حساب لكلام الناس ونظراتهم، طب خليهم ينفعوك بقى لما تتحصر على ضياع فرصتك مع اللي بتحبها، ولا يمكن يجو يخففوا عنك لما تنام على مخدتك اخر اليوم تعيس في وحدتك أو في حضن واحدة لا انت حاسس بيها ولا عمرك هتحبها….. دا لو قررت في يوم تتجوز غيرها
انهت كلماتها واستدرات تتجه نحو غرفتها وتتركه لهمومه واوجاعه التي يشك ان تنتهي قريبًا
ليزفر باختناق يطبق على انفاسه، غير قادرًا على التحمل، ان لم يجد احد يتحدث معه الليلة، سوف يموت بالفعل.
❈-❈-❈
اما هي فقد عادت إلى فراشها، بعد انتهائها من مكالمة نجوان وتبديل ملابسها، لقد مر يومًا اخر على خير، بفضل ستر الله ودعواتها اليه التي لا تنتهي، وقد سقط قلبها في نصف اليوم بمواجهة لم تتوقعها مع ابن عمها سامر والذي اتى اليها من أجل التحقق فيما وصل اليه
المواجهة التي تمت منذ ساعات
بعدما نظرت إلى الصورة التي تحتل الشاشة امامها، لتعود بها الى لقطات تسجلها بعقلها باهتمام شديد، فتلك الذكريات هي أغلى ما تملكه الاَن، وربما قد تعيش عليها ايامًا وسنوات قادمة، اذا ما استسلم لعنجهيته ودفن عشقها في قلبه بالتخلي عنها.
– الصورة دي امتى خدتها؟ او بمعنى أصح، مين اللي ادهالك؟ وبلغك ايه عني بالظبط؟
رد سامر على سؤالها بسؤال هو الاخر:
– يهمك تعرفي اوي؟ جاوبي على سؤالي وانا اقولك، ريحي قلبي يا بت عمي وانا اقولك .
نظرت له بقوة الواثق من دفاعه:
– يهمني اعرف انت مصدق عليا ولا لأ، لأني اللي يديلك صورة زي دي، لقطها في لحظة غفلة لزوجة بتستقبل زوجها، يبقى اكيد نيته مش كويسة .
– جوزها !
تمتم بها بعدم استيعاب ، لتعود اليه بتأكيد:
– ايوة يا بن عمي ومتجوزاه من غير إشهار عشان ما تتعبش نفسك في التفكير والاستغراب .
وكأن الارض اهتزت من اسفله، رغم جلوسه داخل سيارته، ليكتنفه دوار مباغت نتيجة تصريحها، كم ود تكذيبها الأمر برمته، وأن تكون تلك الصورة لامرأة اخرى تشبهها.
– ايه يا بن عمي سكت ليه؟ لو مش مصدق اجيبلك دليل .
انفعل في رد متأخر:
– مش مهم الدليل، المهم دا امتى حصل؟ وازاي احنا منعرفش؟ ثم ايه حكاية من غير إشهار دي؟
قابلت عصبيته بهدوء شديد غير مبالية بأي شيء حتى صورتها امام عينيه:
– مش محتاجة شرح يا بن عمي، من غير إشهار يعني في السر، مع اني حاسة انه مبقاش سر دلوقتى، بعد كل الناس دي ما عرفت.
– ناس مين تاني غيري، وليه ترضيها على نفسك؟ انتي ايه ناقصك يا بهجة؟
تبسمت بسخرية قاتمة تعقيبًا على كلماته الاخيرة:
– ايه ناقصني؟ انت اللي بتسأل يا سامر؟
توقفت تتنهد بأسى وتشيح بأبصارها عنه، بالنظر إلى الخارج، ليستدرك هو فداحة موقفه ، وقد يأتي الاَن يحاسبها، متناسيًا كل ما مرت به من شقاء بفضل تعنت والديه في اعطائها حقها، حتى شعر بالخزي من نفسه، ولكنه ايضًا لا يقبل.
– مش مبرر يا بهجة انك تبيعي نفسك، انا طول عمري شايفك حاجة عالية اوي وغالية على اي حد، ليه تهزي صورتك في عيني؟ وانت تستاهلي اكتر من كدة بكتير اوي.
– عشان انا مبعتش نفسي، انا اتجوزت اللي بحبه، حتى لو هو شايف غير كدة، او بيكابر وممكن في اي وقت يستغنى عني، انا مش ندمانة اني اتجوزته وارتبط اسمي بيه لو حتى في السر.
– لدرجادي يا بهجة؟
خرج تساؤله بصوت بدى كالمبحوح تأثرًا بجرح شعر به داخل قلبه وكأنه انشطر نصفين، بعد تصريحها، واخباره وبكل وضوح انعدام فرصته في الوصول اليها، ربما ليس جديدًا عليه هذا الأمر ولكنها الاَن تؤكد
– لدرجادي واكتر كمان يا بن عمي، احنا قلوبنا مش بإيدينا، وانا قلبي غبي دونًا عن الناس كلها مختارش غيره.
– مش انتي بس اللي قلبك غبي، شكلنا عيلة بتحب اللي يعذبها.
غمغم كلماته بمعنى مقصود، ولم يوضح اكثر من ذلك، فلم تعد هناك فائدة للكلام.
ليأتي سؤال بهجة المباغت له:
– دلوقتي بقى جه عليك الدور تقولي مين اللي بلغك؟
واداك الصورة؟
❈-❈-❈
انشغلت كعادتها على احدى القضايا، لتضع بها تركيزها الشديد، دون الالتفاف لشيء اَخر حتى الإجابة على مناداة اخوتها ووالدتها التي تعبت من الصياح من خارج الغرفة، لتضطر للولوج اليها :
– وبعدين بقى يا صفية، ساعة بنده عليكي من برا، كل دا مسمعاش؟ تليفونك جمبنا عمال يرن بقالوا ساعة لما صدعنا.
بجدية شديدة رفعت عن عينيها النظارة الطبية لترد بحنق:
– في ايه يا حبيبتي يا ماما بس؟ ما انا مشغولة زي ما انتي شايفة اهو، التليفون حطاه على الشاحن يشحن وبالمرة افضي دماغي للقضية المهمة اللي في ايدي ، دي الموكلة مستأمناني على مستقبل بنتها اللي هيضيع لو مخدتش براءة بكرة…..
هتفت سمية مقاطعة وقد فاض بها:
– خلاص يا ختي احنا مش في محكمة عشان تترافعي وتاخدك الجلالة، هو انا كل مرة اكلمك لازم اسمع الموشح ده، وادي الرنة الزفت كمان خلصت برضو من غير رد، خدي بقى، خلي تليفونك ده جمبك مش ناقصين قلبة دماغ
شددت بالاخيرة تضع لها الهاتف على سطح المكتب لتتابع ساخطة:
– قال هنضيع مستقبل البت قال لو مركزتش في البراءة، كل اللي في سنك اتجوزو يا منيلة، مبقاش فاضل في المنطقة غيرك، يا خوفي لتقعدي في قرابيزي.
التوت شفتيها بعدم رضا دون ان تكلف نفسها برد لا طائل منه، فوالدتها لن تقتنع ابدًا بوجهة نظرها، وهي أيضا لن تتنازل وتطيعها.
دوى الهاتف مرة اخرى برقم غريب، جعلها تتطلع في الشاشة تحاول تذكره بلا فائدة، لتقرر الفتح عليه لتعرف من الطالب مع اندماجها في عدد الأوراق التي امامها
– الووو مين؟
– الوو دا انا يا أستاذة صفية
– إنت مين؟
– انا مين؟!
– ايوة انت مين؟ وبتتصل عليا ليه في الوقت ده؟ لو زبون، يبقى المكتب مفتوح من عشرة الصبح لعشرة الليل، بس كدة، تبلغ السكرتيرة وهي هتقوم بالواجب.
أعجبه حزمها وصرامتها، ولكن هذا اخر ما يحتاجه الان، ليدعي التمثيل والدراما:
– انا بجد مصدوم، ومش قادر حتى اتخيل، معقول تلت ساعات معايا ولسة متعرفنيش يا صيفو
استدركت تتذكره بالفعل، لتضرب بكف يها على جبهتها بيأس مغمفمة، يا ريتني ما افتكرت اصلا، انتي طالبني ليه؟
وصلها صوته بمسكنة:
– ليه الحدة دي بس؟ دا انا بتكلم عشان اطمنك عليا، لما لقيتك نسيتي ما تتصلي.
أبعدت الهاتف من على اذنها تطالعه شاشته بعدم تصديق لما وصل لأسماعها ثم عادت اليه بارقة عينيها بذهول في الفراغ امامها:
– انت بتتكلم بجد؟ يعني انت فعلا متصل بيا عشان تطمني عليك؟!
– ايوة طبعا، ما انا نبهت عليكي النهاردة تسألي عشان انا وحيد، بس حضرتك مسألتيش ولا كلفتي خاطرك، بس انا مسامحك يا صيفو.
نفضت عنها الدهشة من حديثه الغريب، لتصرخ معترضة على الاخيرة:
– يا نهار اسود، ايه صيفو دي كمان، انا كدبت وداني لما سمعتها الاول، حضرتك مش شايف انك زودتها؟
لطف على الفور مبررًا بمكره:
– وهي صيفو دي وحشة؟ انا اسف أن كنت زعلتك بس انا حسيت أستاذة دي تقيلة اوي، تتقال من موكلينك، انما انا بعد اللي عملتيه النهاردة معايا، يصعب عليا اوي اكبرك وانتي كتكوتة وتستاهلي الدلع.
اربكها، لقد علم بذلك على الفور حينما سمع شهقة صغيرة قطعتها سريعًا لترسم الجدية نحوه محذرة، بكلمات متقطعة وغير مترابطة، نتيجة خجلها الشديد، ليتها كانت امامه الاَن ليستمتع بهيئتها اللذيذة تلك:
– لو سمحت يا دكتور انت… انا بحذرك… عشان انا مبحبش الدلع… ولا اللي يدلعني….. انت شكلك بتعاكس صح؟
– لا والله ما بعاكس، انا بس بقول اللي بحس بيه، حسيت اني عايز اتكلم معاكي قوم اتصلت عليكي، حسيت اني عايز اندهلك باسم دلع، لساني نطقها من غير تفكير، وليكي كل الاحترام سيدتي اكيد.
– انت… انت بتقول ايه؟
تلعثمت بالكلمات تزيده انتشائًا ليواصل بلؤم، كي ينهي الأمر قبل ان تلملم شتاتها وتستعيد شراستها:
– انا بوضح احترامي ليكي، ع العموم انا بستأذنك من وقت للتاني اتصل بيكي اطمنك عليا، وإذا قطعت اعرفي اني جرتلي حاجة، ما انا وحيد يا استاذة، ربنا يجعلك دايمًا نصيرة للغلابة، تصبحي على خير.
انهى المكالمة اخيرًا، لتطالع هي الهاتف بعدم استيعاب، ماذا يفعل هذا الغريب معها؟ وكيف يجبرها بأسلوبه الملتوي على الإستماع اليه، فلا تجد حتى فرصتها في الإعتراض.
تنهدت تنفض هذه الأفكار من رأسها، لتعود إلى عملها المحبب، فنزلت بعيناها نحو الاوراق التي كانت تراجع بها منذ قليل، لتجد نفسها لا ترى حتى الكلمات من فرط شرودها، لتدفعهم من امامها بغيظ:
– ارافع عن البنية ازاي دلوقتي وانا حتى مش عارفة اجمع الأحداث على بعضيها؟ ادعي عليك بإيه بس يا هشام يا ابن ام هشام؟ انت السبب.
❈-❈-❈
عاد اخيرًا وقد قارب الليل على الانتصاف، فتح باب المخزن ليجدها تطالعه بلهفة اثارت به الشفقة، رغم غضبه الشديد منها:
– اخيرًا جيت، كنت سيبني ابات احسن، اموت من الجوع والعطش والبرد كمان .
تقدم يضع الطعام الذي كان يحمله على الطاولة، ثم اقترب يقطع الحبال التي تقيد يديها وقدميها، يتمتم باعتذار:
– انا اسف، بس المشوار كان طويل، دا غير العطلة اللي حصلت معايا، والانتظار اللي اضطريت اليه، على العموم انا جايبلك الاكل السخن وكل حاجة تحتاجيها .
دلكت يديها، تجأر به حانقة:
– حاططني في وضع غير ادمي، لا مقدر ولا عندك اي احساس بالمسؤولية، انا واحدة ست Lady قدامك، مش مجرمة ولا رد سجون.
التوى ثغره بضيق، ليقرب الطاولة منها:
– الأكل والمناديل والمعطر والغسول كمان، اعملي ما بدالك، انا مش هربطك تاني اصلا.
– انت بتتكلم بجد ولا بتضحك عليا؟
سألته بتشكك قابله بمزيد من الضجر مرددًا:
– يا ستي والله ما بضحك عليكي، انا مخنوق وعايز اروح بيتي وانام على فرشتي، كفاية ليلة بحالها قاعد حارس على جنابك.
تبسمت تتمعن النظر به، وهذا الإرهاق الذي يعلو ملامحه، وكأنه فقد الشغف وفقد حتى المقاومة، لتسخر بفرح:
– واضح اوي انك اتأكدت من كلامي، ودا اللي مخليك تعبان ومش قادر حتى تتكلم.
زفر يشيح بأبصاره عنها لتتيقن من صحة ترجيحها فيزداد اتساع ابتسامتها، لتتناول احد الأكياس وتنهض من امامه تستطرد بانتشاء:
– انا هروح الحمام اوضب نفسي، مع اني مخنوقة عشان الهدوم اللي مغيرتهاش من امبارح، ولا الحمام اللي بقرف منه، بس كويس انك قدرت وجيبت الحاجات الضرورية دي، هحاول متأخرش عشان نتكلم شوية مع بعض، الظاهر ان الحوار ما بينا هيبقى طويل
ظل صامتًا ولم يعقب بحرف، يتابعها تهرول نحو غرفة المرحاض بنشاط، وقد دب بها الحماس بعدما لاحظت خيبته، لتتأكد من ظنها، وتحاول استغلال الفرصة بخبثها.
لم ينتظر طويلا حتى خرجت اليه، ممشطة شعر رأسها بيداها، وجمال بشرتها الحليبية الصافية، بعد تنظيفها بالغسول، وقد بدا عليها الانتعاش جليًا، ليتها تزيل عن نفسها القذارة كما فعلت مع بشرتها.
جلست امامه تتناول الطعام بنهم وفمها لا يتوقف عن الحديث:
– كان نفسي اخد شاور بس طبعا مينفعش، لكن بسيطة، اصبر شوية واخدها في بيتي ان شاء الله، مقولتليش بقى، عملت ايه مع بنت عمك، او زوجتك السابقة على الورق.
تنهد بقنوط يربع ذراعيه فوق صدره:
– بهجة كان كاتبة كتابها على اخويا مش انا .
توقف الطعام بفمها، وقد استولت عليها الحيرة، تعيد الأحداث برأسها وشجاره وفعله الان، لترتخي ملامحها فجأة، ترمقه بنظرة ماكرة فهم عليها، زادت من غضبه لتجعله يقر معترفًا:
– اه يا ستي كانت خطيبة اخويا وانا كنت بحبها، لانها تستاهل الحب، انما انتي بقى، واحدة ربنا مديها ربنا كل المزايا تعلق نفسها بواحد مش شايفها ليه؟
ارتدت رأسها للخلف وكأنها تلقت لطمة قوية على وجنتها، اثر تصريحه الكاشف، ليتحرك فمها بالسباب نحوه بدون تفكير:
– انت بتقول ايه يا حيوان انت؟ مين قال الكلام ده؟
– مش محتاج حد يقولي، اللي تعمل عملتك وتوقف واحد زيي تسخنه من غير بينة، ولا مراقبتك ليهم ، دي كلها أمور مش محتاجة نباهة، بس اللي مجنني بقى، ان انتي مستمرة في خططك رغم انه سابك انتي بنت الحسب والنسب وراح لعاملة عنده في المصنع، دا كله ميخلكيش تفكري، ميخلكيش تسبيهم في حالهم وتبصي لنفسك ولمصلحتك، فين كرامتك ولا كبريائي عشان تقبلي على حالك وضع زي ده؟ في خانة الانتظار .
لم يكن مخططًا للإنفجار بها، ولكنها اجبرته على ذلك، حتى وهو يرى الاَن ضعفها وارتعاش شفتيها تأثرًا بقسوة كلماته إلا أنه ابدًا لن يشفق عليها، هذه الفتاة تستحق الضرب حتى تفيق.
– انت حيوان ومعندكش أدنى احساس، مين اداك الحق تكلمني بالطريقة دي ولا تتدخل في حياتي، بنت عمك هي ال……
– إياكي تنطفي حرف في حقها فاهمة.
قاطعها بحدة يوقفها قبل ان تكمل بالسباب، غير ابهًا لهياجها ولا بثورتها التي بدأت بعد ذلك:
– خايف اوي عليها بنت عمك، دي اللي علقتك وهي مخطوبة، ولا وما كفهاش دي كمان، دي وقعت رياض الحكيم، اللي مبتتهزش له شعره مع ملكات الجمال، انا مش فاهمة والله، هي جايبة الشطارة دي منين؟ ما تخليها تعلمني يا عم، ما هي أكيد خبرة….
– اخرسي
صرخ بها وارتفعت كفه في الهواء حتى كادت ان تلطم خدها، لتجعلها لا اراديا تنكمش على نفسها وتحاوط وجهها بين كفيها، ترهبها هيئته، وقد تغيرت ملامحه وكأن الشيطان تلبسه، ليردف كازًا على اسنانه:
– قسمًا بالله العظيم لو ما كنتي حرمة، لكان الكف ده نزل عليكي ومخلاش حتة في جسمك سليمة، لأن اللي انتي فيه ده مش قلة عقل، دا اسمه قلة رباية.
اخدت الأمان حينما نزلت يداه عن ضربها، لتستخف بوقاحة:
– ربي نفسك الأول يا خفة، انا لورا بنت الحسب والنسب ، اسم عيلتي لوحده عنوان، وبكرة اربيك على عملتك معايا
قالتها وتحركت تتخذ طريقها نحو الخروج ليهدر بها غاضبًا:
– غايرة على فين دلوقتي؟ استني لبكرة الصبح، المنطقة هنا صناعية والدنيا مش امان.
دبت قدميها على الارض برفض تتحداه:
– ان شالله حتى يكون فيها كلاب وعصابات، انا هخرج من هنا وإياك توقفني، وأن كنت سكتلك من امبارح، دلوقتي لو فيها موتي مش هسكت ولا هستني دقيقة واحدة، غور في داهية
صرخت بالاخيرة لتستدير عازمة على ما في رأسها، يغمغم هو من خلفها:
– غارة تشيلك يا بعيدة.
❈-❈-❈
دلف إلى المنزل الجديد عليه، بناءًا على اتصاله به منذ قليل، فقد شعر بحاجته اليه، حتى أنه هو من وصف له العنوان.
– انت قاعد هنا لوحدك يا رياض؟
كان هذا هو السؤال الذي تمتم به، عقب الترحيب به من الأخر، والذي كان يتحدث بصعوبة وهو يشير اليه بيده للدخول:
– دا بيتي من زمان يا كارم، لما اكون مخنوق بقعد فيه، تعالى معايا جوا عند البيسين.
تحرك معه نحو الداخل حتى وصلا إلى حوض السباحة، ليتخذا مجلسهما في ركن خاص، به اريكة كبيرة وثلاثة مقاعد وطاولة صغيرة تتوسط الجلسة، قريبة من الماء مباشرة بصورة تبعث على الراحة النفسية.
– الله يا رياض، حلو اوي القعدة هنا، منظر يرد الروح فعلا
ابتسامة جانبية باهتة، بزغت على زاوية فمه، جاءت كرد على كلماته، وقد أطلت امامه صورتها، حينما كان يجبرها على النزول معه في الماء وهي لا تجيد السباحة، فتتشبث به بخوف داخل الماء، فيستغل هو رعبها ذلك اجمل استغلال.
كيف للمرء ان ينسى اجمل لحظاته، وهل بالفعل يستطيع استبدالها بأخرى؟
انتبه كارم على شروده:
– مالك يا عم؟ لو هتسرح من بداية القعدة، يبقى ألمها وامشي
– لا خليك يا كارم، انا بجد.محتاج اتكلم النهاردة.
لمس في نبرته نوع من الرجاء جعله يشعر بالتعاطف نحوه حتى من قبل ان يعرف بما يصيبه، ليحثه مشجعًا:
– اتكلم يا حبيبي انا هسمعك، طلع اللي في قلبك حتى لو كان تافه، المهم انك تتكلم .
يعلم بصدقه وهذا ما جعله على استعداد تام للبوح أمامه، لكن تأتي الصعوبة في المقدمة والتي اختصرها عليه الأخر :
– بهجة البنت اللي شغالة عندك صح؟
توسعت عينيه بذهول التقطه اخر معقبًا:
– من غير ما تستغرب ولا مخك يروح لبعيد، انا بس بسهل عليك عشان تدخل في الموضوع مباشرة، لأن انا بجد نفسي اسمع منك .
❈-❈-❈
خرجت رؤى من غرفتها تبحث عن شقيقتها والتي لم تجدها حتى في غرفتها:
– يا أمنية انتي فين يا بنتي؟ اختك بقالها ساعة بترن عليكي، لغاية ما زهقت ، قامت متصلة على تليفوني
جاءها الرد من المرحاض القريب من الغرفة:
– ردي عليها انتي، انا لسة مخلصتش شارو، مصدقت عصام ماشي عشان اريح جسمي بمية سخنة قبل ما انام .
– ما انا تليفوني فصل شحن معاها، هروح اكلمها من تليفونك
قالتها رؤى وهي تتجه مباشرة نحو العودة إلى الغرفة، وافقتها الأخرى بصوت يصل اليها:
– هتلاقيه عندك فوق الكومدينو.
بالفعل اتجهت نحو المكان المذكور وقامت بتناوله تتصل مباشرة على شقيقتها:
– الوو يا شهد، معلش التليفون فصل شحن……. أه ما هي في الحمام، هتخلص وتتصل بيكي على طول……. لا هي كويسة الحمد لله اطمني……. حتى جوزها كان عندها النهاردة…… خلاص ماشي على ما تخرج، ارغوا مع بعض براحتكم.
بعدما انهت المكالمة، همت لتنهض وتترك الهاتف، ولكن اوقفها إشعار احدى الرسائل وذلك الإعلان عن مسابقة لأحدى كبرى المجمعات التجارية في العاصمة، عن فوز محقق بمناسبة اذا ما سجل العميل وتابع الخطوات، لتشهق بحماس حينما رأت المعروض من الجوائز .
– يا نهار ابيض ، دا فيه الماركة المشهور للجزم والشنط اللي كنت بحلم بيها.
خرجت سريعًا بلهفتها لتجد شقيقتها تخرج من المرحاض بمساعدة والدتها حتى تدخلها الغرفة:
– في مسابقة عندك مهمة تكسبي فيها يا أمنية ليه مدخلتهاش وجربتي حظك.
رمقتها بعدم فهم:
– مسابقة ايه؟ انا مبركزش اساسا في الرسايل .
سطحتها نرجس على فراشها لتجذب عليها الغطاء معطية أمرها لابنتها، وقد غمرها الحماس:
– ادخليلها انتي يا بت رؤى ، مدام شاطرة كدة يمكن تفوزيها.
لم تعطي الأمر اهميه لتعبر بعدم اكتراث:
– يا عم انتو بتصدقوا؟ بلا وجع دماغ
اعتدلت على جانبها الأيسر، تبتغي النوم، حتى حينما طالبتها رؤى ان تفعل وتشترك ، لوحت بكفيها دون مبالاة:
– اعملوا اللي تعملوه، انا هغفلي ساعة وبعدها ابقى اتصل بشهد، حاسة نفسي عملت مجهود وانا يدوب استحميت
ضغطت رؤى تدفعها اللهفة على الرابط دون تحقق من مصدره الحقيقية لتسير بعد ذلك على الخطوات، حتى تصل الى الجائزة المذكورة بتشجيع من والدتها وقد خرجتا الاثنتان من الغرفة، غافلين عمن صدح صوته عاليًا في الجهة الأخرى، مهللا بالنجاح اخيرًا، ليركض نحو المتربص في الزاوية التي يبيع بها ممنوعاته يبشره:
– الحلاوة بقى يا عم إبراهيم، اللي انت عايزة حصل.
❈-❈-❈
انهت اخيرًا عملها وبعد صعوبة في التركيز نتيجة التشتت والشرود الذي كان يفصلها كل دقيقة ، من بعد مكالمتها مع هذا الطبيب الغريب، سوف تأخذ قسطًا من النوم وترتاح من تعب اليوم الثقيل، وحين يأتي الصباح تبدأ يوما من أيامها العادية، لتنشغل بعملها وتنسى كل شيء
خلعت نظارة القراء تضعها على الكمود، ثم تناولت الهاتف تلقي به نظرة عابرة كعادتها، ولكن لفت نظرها هذا الإشعار الذي ظهر اعلى الشاشة، طلب صداقة من…… ( الطبيب المشاكس)
قرأت الاسم ليكتنفها الفضول تضغط وتدخل في حساب الطالب لصداقتها، كادت تفلت منها شهقة حينما اصطدمت عينيها بصورته، يضحك بأريحية من الإذن إلى الإذن
به جميع المعلومات عنه والمناصب التي يتولاها حالية، دون ان تدري اصبحت تقرأ وتتصفح المنشورات، كلها تقريبا عن إنجازاته والمناسبات الهامة التي يحضرها، اندمجت فلم تشعر بالوقت إلا حينما رأت الساعة لتتدارك وتخرج سريعا من الصفحة مغمغمة بغيظ :
– الله يخرب عقلك يا شيخ، انت طلعتلي منين بس .
أغلقت الهاتف نهائيا تلقيه بعيدا عنها، ثم اطفت الإضاءة لتغرق الغرفة في الظلام، على أمل النوم دون مجهود، ولكن ما حدث كان غير ذلك، فقد اصبحت تتقلب من اليمين إلى اليسار، دون فائدة، وقد كانت الصور تتلاحق بذهنها وتصرفات هذا الغريب معها وكلماته الغريبة، حتى فاض بها لتتضرع إلى الخالق.
– يارب عايزة انام تعبت
وما ان همت ان تغمض عينيها مرة اخرى حتى فتحتهم على وسعهما بهلع من الفكرة التي أتت برأسها:
– مصيبة لاحلم بيه كمان…. عشان تكمل الليلة الهباب دي.
❈-❈-❈
تحدث واسهب يخرج ما يكتمه بقلبه، وقد كان في حاجة قوية للحديث والاستماع اليه، وذلك ما قام به كارم جيدًا، فلم يقاطعه على الإطلاق، حتى انتهى والتف اليه طالبًا رأيه
– انا عارف انه حقها يا كارم، بس اعملها ازاي؟ الفرق شاسع ما بينا…. دا غير ان القصة القديمة هتنعاد من تاني، وانا ما صدقت انها اندفنت مع الزمن، دي اول مرة اتكلم فيها مع حد انا بجد دماغي هتشت
تنهد كارم بلحظة من الصمت المهيب حتى جاء رده أخيرًا:
– انا اكتر واحد حاسس بيك، وصدقني حقيقي مقدر النار والحيرة اللي انت فيها، بس مكدبش عليك، انا لا يمكن اشور عليك برأي فيها دي، لازم القرار يبقى منك انت، على حسب حبك يستاهل التضيحة وتحمل التبعات، ولا مجرد تعلق او إعجاب ممكن يروح مع الوقت
– معقول يا كارم كل اللي انا حاسس بيه ده ممكن يجي عليا يوم وانساه صح
قالها بحيرة قابلها الاخر بحزمه:
– ما انا بقولك اهو، انت الوحيد اللي تعرف الفرق وعلى اساسه تاخد القرار السليم
❈-❈-❈
كانت تسرع بخطواتها، تتلفت في جميع الانحاء حولها، بقلق يزداد مع الوقت كلما استكشفت خلو المنطقة إلا من اعداد قليلة من البشر تراها بعيد عنها، تعمل في ورش صناعية او مخازن يتم تحميل البضائع بها، كما يوجد ايضا بنايات لمنازل بالكاد تظهر امام عينيها تحتاج وقتًا طويلا حتى تصل اليها.
وهي تبحث عن الطريق او الرصيف الذي تسير به السيارات ربما تجد احدهم يُقلها، ليتها استعانت بسيارة هذا الاحمق الذي تركته بمخزنه، ولكنه كان صادق حين حذرها، ليتها استمعت وانتظرت حتى ضوء النهار، كان الوضع سيصير اكثر اطمئنانًا، فهو برغم كل غباء لم يأذيها سوى بتقيدها وحبسها نهارين وليلة كاملة.
انتفضت تتوقف محلها فجأة، وقد وجدت امامها ثلاثة شباب يبدو على هيئتهم الإجرام، قطعو عليها يتصدرون امامها حتى لم يعد هناك ثغرة تمر بها، فكلما وجدت فراغ لتمر به، وجدت احدهم يسده بجسده
ابتلعت ريقها بخوف لتجأر بشجاعة كاذبة:
– انت ولا هو، ابعد يا شاطر من طريقي خليني اعدي
سمعوا منها وكأنها قالت نكتة شعبية لتصدح ضحكاتهم تجلجل في الأجواء حولها، يزيدونها فزعًا واقدامهم تخطو حولها، يتحدثون بالتبادل.
– طب دا برضو كلام يا حلوة؟
– تمشي وتسبينا لوحدنا
– دا احنا مصدقنا نلاقيكي
– أصلك متعرفيش، دا الحظ الليلة عالي اوي
– ابعدو عني يا زفت انت وهو، حد قالكم ان انا ماشية لوحدي، وربنا لو ما بعدتو لانده لجوزي يكسركم كلكم ، انا جوزي عقيد جامد اوي في الشرطة
كانت تظن ارهابهم بكلماته، ولكن ما حدث لم يزيدهم إلا تصميمًا، يعلق احدهم باستحفاف:
– وجوزك العكيد الختير، سايبك لوحدك في منطقة مهجورة ليه بقى؟ بتلعبي معاه استغماية وهيظهر لنا بحلاوته دلوقتي.
شعرت بالرعب، لترتد بأقدامها للخلف مع ازدياد تقدمهم نحوها، ترى بأعينهم اصرار واضح، كلما خطر ببالها لمس احدهم لها، تنقلب معدتها داخلها، لتحاول باستماتة التهديد برفع سبابتها بوجههم:
– لآخر مرة يا حيوان انت وهو، ابعدوت من طريقي، جوزي هيجي ياخدكم ويحبسكم، ابعدوا عني وربنا ما….. اااه….
قطعت الاخيرة بصرخة مرتعبة، حينما شعرت بقبضتين قويتين حطت على عضديها تسحبانها للخلف بعنف، حتى اعتقدت ان هذا الرابع معهم، لكن سرعان ما هدأت انفاسها حينما وجدته امامها، يتصدر لهم، حاملًا عصًا غليظة هوت على ذراع احدهم فصرخ عاليًا من الوجع ليهدد الاخران كي يتراجعان للخلف ناهرًا بهم:
– مش قالتلك جوزي هيموتكم مبتسمعوش الكلام ليه ياض؟
اصبح يلوح بالعصا يمينًا ويسارًا نحوهم، وتلتف رأسه سريعًا للخلف اليها، يدفع الهاتف في يدها:
– العربية وراكي بكام خطوة تخلصيها، بسرعة روحي استنيني فيها .
– واسيبك لوحدك، ممكن يموتوك
– يخرب بيت فالك يا شيخ
تمتم بها عاليًا ليدخل معهم في معركة شرسة، هو لا يحمل الا العصا وهم بالاسلحة البيضاء وقد اتى احدهم بجنزير دراجة لتصير دعما قويًا امام العصا الغليظة.
فتراجعت هي برعب، لا تطاوعها قدميها على تركه، في نزال حامي مع ثلاثة من معتادي الإجرام كما يبدو من طريقتهم المحترفة في الاشتباك معه، ولكنه كان ندا قويا في مواجهتهم، غير ان الكثرة تغلب الشجاعة كما ذكر المثل القديم، كانت هي تحاول في هذه الاثناء الاتصال بالشرطة.
فرغم الاصابات الفادحة التي سببها لهما لهم، إلا أن الاصابات قد لحقت به ايضا في عدد من أعضاء جسده ، كانت في هذه الاثناء تحاول الاتصال بالشرطة، وتخبرهم عن مواصفات المكان وما يحدث من معركة حتى صدرت منها صرخة قوية حينما انتبهت لذلك السلاح الابيض يستقر في احشائه، فيخر على ركبتيه امامها:
– ساااامر، ضربوه بالمطوة، ضربوه بالمطوة .
صارت تردد بها وهي تهرول نحوه، لتفزع برؤيتها للشق الكبير الذي اخترق القميص في أعلى البطن والدماء تسيل بلا توقف، مما جعلها تصرخ بهستيريا، حتى اثارت فزع الاشقياء ليركض ثلاثتهم، هاربين من جريمتهم، فلم تدري بنفسها وهي تضمه بارتياع ليتماسك وهو ينازع امامها:
– امسك نفسك يا سامر، اوعى تسيبني لوحدي، ارجوك يا سامر، البوليس على وصول والله، ارجوك ارجوك ، .