اخر الروايات

رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم مريم غريب

رواية عزلاء امام سطوة ماله الفصل التاسع والعشرين 29 بقلم مريم غريب


( 29 )

_ رعب ! _

إعتذرت "سمر" من أخيها و ذهبت لترد علي المكالمة ... ليأخذ "فادي" الضيف و يجلسه بالصالون المتواضع و هو يمطره بوابل من الإبتسامات و الكلمات المرحبة

ولجت "سمر" إلي غرفتها و أوصدت الباب خلفها

و قبل أن ينقطع الرنين المتواصل ضغطت زر الإجابة و ردت بصوت متوتر :

-ألو !

-أيوه يا سمر . إيه ما ردتيش بسرعة ليه ؟

كان صوت "عثمان" متوازنا .. فيه قدر من الثبات و الهدوء الذي بث فيها التوجس بصورة أكبر ..

-مـ معلش الموبايل كان بعيد عني .. هكذا أجابته "سمر" و هي تحاول ضبط الهزة في صوتها قدر أستطاعتها

عثمان بنبرته الخفيضة الهادئة :

-أووك . عموما أنا كنت بتصل أقولك Sorry هضطر أكنسل ميعادنا إنهارده بس أكيد هنتقابل بكره.

سمر بعدم تصديق و سرور في آن :

-ده بجد ! قصدي ليه كده ؟؟؟

عثمان بأسف :

-صحيت الصبح ياستي لاقيت أبويا رجع من السفر و إبن عمي كمان خرج من المستشفي و رجع علي البيت كل العيلة متجمعين بقي و محدش راضي يفرج عني إنهارده .. معلش يا حبيبتي . بكره هعوضك.

سمر بغبطة شديدة :

-و لا يهمك خد راحتك خآالص . قصدي ماتستعجلش . يعني هنروح من بعض فين !

صمت قصير .. ثم قال "عثمان" بشك :

-أومال إنتي فين كده يا بيبي ؟

إزدردت ريقها بتوتر و أجابت بإرتباك :

-آا أنـ أنا . أنا في البيت !

عثمان بدهشة :

-في البيت إزاي يعني ؟ لسا شوية علي ميعاد الإنصراف ! .. ثم قال بغضب :

-إنتي ماروحتيش الشركة إنهاردة ؟؟؟

سمر بإرتباك أشد :

-مـ ما . ما ما آا ..

-ما إيـــــه إتكلمي ! .. قاطعها بإنفعال و تابع :

-يعني لو ماكنتش إتصلت بيكي ماكنتش عرفت إنك طنشتيني و كسرتي كلامي ؟ إنت بتتحديني يا سمر ؟؟؟

تخيلت "سمر" أن نبرة صوته العنيفة تجاوزت سماعة الهاتف و صار بإمكان أخيها سماعه و هو في الخارج ..

-أرجوك وطي صوتك .. قالتها بخوف شديد و هي تنظر نحو الباب ، ليرد "عثمان" بإستنكار ممزوج بعصبيته :

-أوطي صوتي ! هو إنتي لسا شوفتي حاجة ؟ بس لما أشوفك يا سمر . هخليكي تفكري مليون مرة قبل ما تحاولي تكسريلي كلمة واحدة تاني.

سمر و قد تملك منها الرعب :

-تهديد ده ؟ هتعملي إيه يعني ؟!

عثمان بنبرة وعيد :

-أفضل تشوفي بنفسك .. ثم قال بصرامة :

-بكره الساعة 9 نتقابل في نفس المكان . إوعي تتأخري زي المرة إللي فاتت و جربي ماتجيش يا سمر . يا ويلك مني لو عملتيها .. سلام يا بيبي.

و أقفل الخط بوجهها ..

-يا نهار إسود ! .. تمتمت "سمر" بإنيهار ، و أكملت :

-هيعمل فيا إيه الحيوان ده ؟ .. مش ممكن يعمل حاجة . هيعمل إيه يعني ! . يا ربي أعمل إيه بس . أنا أعصابي إدمرت خلآاص !!

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

أنهي "عثمان" مكالمته و هو يغلي من الغضب ... ثم خرج من الشرفة و عاد إلي مجلس العائلة

حيث إحدي القاعات الفخمة التي يزيدها جمالا تلك النوافذ التي تمتد من الأرضية إلي السقف لتمنح للمشاهد إطلالة بانورامية آسرة ..

-يابني كنت فين ؟ مش تقعد معانا بقي ! .. قالها "يحيى" بإنزعاج ، و أردف بحدة :

-أنا قلت مافيش خروج إنهاردة.

عثمان بإبتسامة :

-أنا جيت أهو . كنت بعمل مكالمة بس.

و ذهب ليجلس بجوار أمه ..

-منوور البيت يابو الصلـــوووح . حمدلله علي السلامة .. قالها "عثمان" و هو يمد يده و يربت علي قدم "صالح"

إبتسم "صالح" و هو يثبت الكرسي المتنقل الذي يجلس فوقه ، ثم رد دعابة إبن عمه :

-الله يسلمك يابن عمي . هو البيت كان ناقصني عشان ينور يعني ؟ ما فيه ناس زي الفل أهو مش قاطعين عنه الكهربا ليل نهار.

ضحك الجميع إثر جملته ، و شارك "محمود أبو المجد" في الحديث المرح :

-طول عمرك دمك خفيف يا صالح . ربنا يشفيك يابني و يقومك بالسلامة.

صالح بإبتسامة :

-متشكر يا أنكل .. ثم تساءل بإهتمام :

-أومال هي فين هالة يا جماعة ؟!

أجابته "صفية" الجالسة بخفة علي يد مقعده المعدني :

-أنا طلعت أندهلها بس قالتلي تعبانة و مش هتقدر تنزل.

صالح بقلق :

-تعبانة إزاي يعني ؟ طيب أطلع شوفها يا بابا من فضلك !

تنهد "رفعت" بسأم ، و قال :

-ماتقلقش يابني . هي كويسة.

صالح بشئ من العصبية :

-و حضرتك عرفت منين كنت شوفتها يعني ؟!

رفعت بضيق :

-أختك حساسة أوي زي ما إنت عارف .. ثم أكمل و هو يحدج "عثمان" بنظرات ذات مغزي :

-أقل حاجة ممكن تضايقها أو تتعبها . بس هي بترجع و بتبقي كويسة . ماتقلقش عليها.

تظاهر "عثمان" بعدم ملاحظة عبارة عمه الإتهامية و واصل العبث بهاتفهه و هو لا يكف عن مغازلة أمه بنفس الوقت

بينما إستمر الحديث و الهرج من حوله ليمتلئ المكان بالدفء و الألفة الأسرية ..

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في منزل "سمر" ... بعد الغداء ، تدخل إلي الصالون و هي تحمل طقم المشروبات

تقدم الشاي إلي "فادي" ثم القهوة المضبوطة إلي الضيف ..

-تسلم إيدك يا أنسة سمر ! .. قالها "أدهم" مبتسما و هو يتناول منها فنجان القهوة ، و تابع بثناء :

-الأكل كان حلو أوي . حقيقي من مدة مادوقتش أكل بيتي حلو كده.

سمر بإبتسامة و هي تجلس في كرسي مجاور لأخيها :

-ميرسي يا دكتور و بالهنا و الشفا . دي حاجات بسيطة.

أدهم بدهشة :

-كل ده و حاجات بسيطة ! بلاش تواضع . أكلك يجنن و الأصناف إللي عملتيها عجبتني أووي.

سمر و قد توردت وجنتاها خجلا :

-ميرسي علي المجاملة الرقيقة.

أدهم بإبتسامته الجذابة :

-مش بجامل علي فكرة . دي حقيقة .. و لا إنت إيه رأيك يا فادي ؟

فادي بإعتداد و فخر :

-و الله أنا من زمان معجب بأكلها و مش أنا لوحدي . كل معارفنا و جيرانا بيشكروا في نفسها في الأكل.

و هنا لاحظ "أدهم" خجلها المتزايد ، فقال بلبقاته المعهودة :

-أعتقد إن الأنسة سمر بتتكسف من المدح . طيب نغير الموضوع عشان خاطرها .. ثم مضي يكمل بجدية :

-شوف يا فادي . أنا تقريبا خلصت إجراءات تعيينك . مش هيبقي عليك بعد كده غير إنك تستلم شغلك.

فادي بحماسة :

-أنا جاهز يا دكتور من بكره لو أمكن.

-طبعا ممكن . خلاص بكره الصبح تطلع علي البحر الأحمر و تستلم مكانك هناك.

سمر بصدمة :

-بحر أحمر إيه ؟ إنت هتسافر يا فادي ؟؟؟

نظر "فادي" إليها و رد بشئ من الإرتباك :

-أيوه يا سمر . ما أنا نسيت أقولك إن شغلي هيكون في البحر الأحمر و بالتالي لازم أسافر.

سمر بغصة مريرة :

-هتسيبنا و تسافر ؟ طب مين إللي هياخد باله مني و من ملك ؟؟!

فادي بتأثر شديد :

-أنا مش هسيبكوا بمزاجي يا حبيبتي . هو الشغل كده طب هعمل إيه يعني !

و بدا عليه القلق من ردة فعل "أدهم" لتلاحظ "سمر" هذا و تقول بإستسلام :

-خلاص يا فادي . سافر .. ربنا يوفقك.

يتدخل "أدهم" بلطف :

-أنسة سمر ماتقلقيش . فادي مش هيغيب عليكوا كتير هما خمستيام إللي هيكون فيهم في البحر الأحمر و هيجي يقضي معاكوا نهاية الأسبوع !

أومأت "سمر" و هي تحاول رسم إبتسامة علي ثغرها

ليأتيها صوت بكاء "ملك" في اللحظة التالية ..

سمر بوجوم :

-عن إذنكوا . هروح أشوف ملك !

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

في الصباح التالي ... يودع "فادي" شقيقتاه

تقلبت "ملك" بين ذراعي أختها و مضت إلي أخيها فإحتضنها بين ذراعيه ..

همس من فوق رأسها :

-أشوف وشك بخير يا سمر !

أومأت "سمر" قائلة و الدموع تلمع بعيناها :

-أشوف وشك بخير يا فادي.

أوصاها من جديد. :

-خلي بالك من نفسك و من ملك.

سمر بخفوت :

-ماتقلقش.

-هبقي أكلمكوا كل يوم.

ثم لثم جبهة "ملك" و قبلها من وجنتيها و أعادها إلي "سمر" ثانيةً ..

رحل ... فأخذت "سمر" شقيقتها الصغيرة إلي الجارة "زينب" و ذهبت علي أساس إلي عملها ، و لكن كانت الوجهة مختلفة تماما

نصف ساعة و كانت في نفس المكان الذي تواعدا عنده في المرة السابقة ..

إنتظرت نصف ساعة إضافية حتي آتي

رأته و هو يوقف سيارته بصورة تدريجية ، إرتجفت مرتعبة حين إلتقت عيناها بعيناه

نظراته مخيفة .. رغم أنه كان يبتسم ، الله أعلم ماذا يضمر لها ..

-إركبي يا بيبي ! مستنية إيه ؟ .. قالها "عثمان" بنعومة ، ثم مد يده و فتح لها الباب لتستقل بجانبه

لبت دعوته بآلية ، لتسأله بتردد عندما إنطلق بالسيارة :

-هـ هو إ إحنا رايحين فين ؟

عثمان ببرود شديد :

-أنا خدت بالي المرة إللي فاتت إن اليخت عجبك . فقلت هخدك تاني بقي و نقضي سوا يومين حلوين وسط البحر .. عشان ماتعرفيش تهربي مني !

سمر بإنفعال :

-يومين إيه ! قولتلك ماينفعش أغيب عن البيت أكتر من ساعات الشغل.

عثمان بحدة :

-وطي صوتك . مش هكملك تاني في الموضوع ده .. ثم قال بصوت جازم :

-و بعدين قلت هتقضي معايا يومين يعني هتقضي معايا يومين.

-بس آا ..

-مابسش .. قاطعها بصرامة ، و تابع :

-سيادتك مراتي و أنا ليا حقوق عليكي و لما أقول كلمة ما تتردش أبدا فاهمة ؟

شدت علي أسنانها و راحت تلهث بقوة ... لا مفر ، إتضح ذلك في نبرة صوته ، في طريقة كلامه .. و يا ليته يكتفي بهذا

بعد قليل أوقف سيارته أمام إحدي البنايات الضخمة الحديثة ، ثم أدار لها وجهه و قال بأمر :

-إنزلي.

رمقته بإستغراب ، لكنها إنصاعت له

ترجلت من السيارة و مشت ناحيته ... أمسك بيدها و جرها خلفه ، ليجتازا معا ممر حجري

تبعته و قلبها يرتجف بين أضلاعها ، تري أين يتوجه بها ؟ ما ذا سيفعل لها ؟؟؟

إزدادت حيرتها حين ولج بها إلي ذلك المكان ..

الإضاءة شديدة هنا و لاشك أنها مزعجة قليلا ، لكنها إستطاعت أن تري و تكتشف المكان بوضوح ..

الحركة المستمرة ، الموسيقي المنبعثة من السماعات المعلقة بالسقف ، الملصقات النسائية الخاصة بالموضة و الإطلالات العصرية تزين الجدران ، المكان نفسه يكاد يعج بالنساء !!!

-كوافير ! .. تمتمت "سمر" بإستغراب شديد ، ثم إلتفتت له بسرعة

وجدته يرمقها بنظراته الشيطانية و أصابعه الغليظة ما زالت تحاوط رسغها بإحكام ..

-إحنا إيه إللي جابنا هنا ؟! .. تساءلت بجدية ، ليرد "عثمان" ببراءة :

-جينا عشانك يا بيبي . زي ما إنتي شايفة ده كوافير أعتقد إنه مكان مش ملائم للرجالة . و لا إيه ؟

سمر بتوجس :

-و أنا هعمل إيه هنا ؟

عثمان بخبث :

-هتعملي كل حاجة . الناس إللي هنا هيظبطوكي علي الأخر . صدقيني هتخرجي من هنا واحدة تانية خآالص.

جلل وجهها رعب حقيقي ، لترد برفض :

-بس أنا مش عايزة !

عثمان بلهجة خفيضة مهدئة :

-سمر . Relax يا حبيبتي . هما مش هيعملولك حاجة . الحكاية بسيطة أووي . إنتي محسساني إنك عمرك ما دخلتي مكان زي ده . إيه يا بيبي هو أنا جايبك فين يعني ؟ ده أكبر Beauty center في إسكندرية .. ثم قال بنعومة :

-و بعدين إنتي مرات عثمان البحيري . حتي لو في السر لازم تبقي أجمل و أشيك ست في البلد كلها.

و هنا جاءت إحدي العاملات ، لتتساءل بنبرة رسمية رقيقة :

-صباح الخير يافندم ! تحت أمرك ؟ أي خدمة أقدر أقدمهالكوا ؟!

عثمان بجدية :

-أه لو سمحتي . في حجز بإسم سمر حفظي !

العاملة :

-فعلا يافندم و ميعادها بعد عشر دقايق بالظبط.

عثمان بإبتسامة و هو يشير إلي "سمر" :

-هي دي . مدام سمر حفظي !!!

يتبـــــــع ..


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close