رواية ذئب يوسف الفصل الحادي والعشرين 21 بقلم زكية محمد
ذئب يوسف
الفصل الحادي والعشرون
شعر بدوار شديد ضرب رأسه بحدة وهو يشاهد صوراً لذلك الحقير الذي سبق أن رآه في شقته في ذلك اليوم، و صوراً أخرى لأسماء، و ما زاده صدمة رؤيته لصورة لمريم و مفاتيح الشقة الخاصة به.
بالخارج يتابع الرجال وهم يحملون البضاعة من السيارة و يضعوها بالمخزن، أرتجفت أوصاله حينما تذكر أنه يضع كل شيء بالدرج و إسلام بالداخل يبحث عن الدفتر، أزاح العامل من أمامه بسرعة و ركض للداخل شاحب اللون، فوجد الأخير يبحث على الدفتر فوق المكتب و ما إن رآه هتف بثبات :- فين يا عم الدفتر دة مش لاقيه.
أردف بتنهيدة راحة :- لا خلاص أنا هجيبه تعال أنت بس تابع مع العمال برة.
نهض من مكانه قائلاً بهدوء مريب :- اه وماله يا صاحبي.
خرج هو ليفتح الآخر الدرج بلهفة، وما إن رأى الأشياء بمحلها تنهد براحة قائلاً :- أكيد هو مشفهاش وإلا مكانش منظره بقى كدة.
أي معجزة هذه التي ألقت عليه هذا الثبات المخادع، فبداخله بركان يغلي تتصاعد ألسنته ولن يهدأ له بال إلا بعد أن يصب حممه المنصهرة عليه وعلى من معه، ولكنه يجب أن يصمت الآن حتى يعرف لغز وجود هذه الصور و أيضاً مفاتيحه الخاصة بشقته، يجب أن يتريث قدر المستطاع من أجلها فيبدو أن الخطر لازال يحيط بها و أنهم يحيكون لأمراً آخر.
قضى تلك اللحظات الثقيلة على قلبه كالجبل، و انصرف بهدوء متعللاً بالعمل حتى يبدو طبيعياً أمامه، و ما إن دلف لداخل الوكالة توجه ناحية محمود قائلاً بخفوت :- محمود عاوزك في حوار .
انتبه له قائلاً :- خير يا ابن عمي!
جلس قبالته و نظر يميناً و يساراً قائلاً :- فتح ودانك معايا كويس و مش عاوز حد يعرف أي حاجة بالموضوع دة.
بعد وقت نهض قائلاً بغضب مكتوم :- أنا رايح مشوار صغير كدة، وأنت نفذ اللي طلبته منك دلوقتي و حذاري أي غلطة في الموضوع.
بعد دقائق كان أمام باب شقة عمته للمرة التي لا يعلم عددها، و طرق الباب ففتحته عمته فهتف بسرعة :- إزيك يا عمتي، فين مريم؟
وكزته بذراعه قائلة بمرح :- ما تتقل يا واد!
أردف بضجر :- عمتي مش وقت هزار ناديلي مريم بسرعة هنا حالاً.
قطبت جبينها بتعجب، ولكنها تمثلت لطلبه ودلفت للداخل قائلة :- مريم كلمي إسلام عاوزك، و قبل ما تعترضي شكله كدة في حاجة حصلت أطلعي شوفيه وأنا هقعد مع أحمد.
ما إن التقط الصغير اسم عمه هتف باعتراض:- لا أنا كمان عاوز أشوف إثلام يا ماما.
هزت رأسها باستسلام و خرجوا جميعهم لرؤيته، وما إن خرجت و رآها لوهلة نسي لم هو قادم و أخذ يمعن النظر فيها باشتياق، عاد لرشده قائلاً :- مريم تعالي أقعدي عاوزك في كلمتين ضروري.
هتفت بحنق :- كلام إيه دة إن شاء الله؟!
أردف من بين أسنانه :- مريم! أتعدلي معايا و تعالي أحسنلك هنا.
امتثلت لأوامره و جلست بضجر فركض الصغير ناحيته ليحمله إسلام بحنان و طالعها قائلاً بحذر :- مين جه البيت في الفترة اللي كنا فيها مع بعض؟
جعدت أنفها قائلة بغيظ :- إيه عاوز تتهمني في حاجة تانية؟
جز على أسنانه بعنف قائلاً بغضب مكتوم :- والله أقوم أكسرلك راسك دي، ما تتعدلي كدة أنا مش جاي أتنيل أتهمك بحاجة أنا بس عاوز أعرف و ضروري يا مريم.
أردفت بحنق :- محدش جه مين يعني هيجي؟
مسح وجهه بكف يده بعنف قائلاً:- استغفر الله العظيم، يا بنت الناس أنا مش قصدي حاجة قوليلي مين جه عندك حتى لو كان الحد دة أمي وصلت؟
هزت رأسها بتذكر :- لا مرات عمي مجتش وأنت مش موجود، مفيش غير أمي و سامية و بثينة..
أردف بحاجب مرفوع :- بثينة! إممممممم.
أردفت بغيرة :- أيوة يعني عاوز إيه منها بثينة، ولا تكونش هتتجوزها بعد ما تطلقني!
أردف بنبرة يقصد من خلفها إثارة حنقها :- تصدقي فكرة بردو، مش عارف أودي جمايلك فين الصراحة.
نظرت لعمتها قائلة بتذمر :- شايفة يا عمتي شايفة، علشان أقولك دة تور ما بيحسش!
حدجها بذهول قائلاً و هو يشير لنفسه:- دة أنا دة؟! قوم يا احمد قوم لما نشوف أمك المؤدبة دي!
أنهى كلماته و وضع الصغير على الأريكة و انتصب واقفاً يسير ناحيتها و نظراته تنذر بالشر، بينما تراجعت للخلف لتختبئ خلف عمتها قائلة بخوف :- إلحقيني يا عمتي!
أردف بسخرية :- راحت فين الشجاعة اللي كانت من شوية دي؟ بقى أنا تور! ماشي يا مريم ليكِ يوم. طيب أنا ماشي ..
أردفت بتهور مصحوب بالضيق لعدم اهتمامه بها ككل مرة :- بس؟ يعني أنت جاي تقول الكلمتين دول بس؟
وضع يده بجيبه قائلاً بخبث :-اه جيت بس علشان أقول الكلمتين دول، ولا أنتِ عاوزة حاجة تانية!
حدجته بغضب و قد تحول وجهها للأحمر النبيذي قائلة بحدة طفيفة :- لا مش عاوزة حاجة شرفت.
اصطك فكه بقوة قائلاً بغيظ :- مع السلامة يا عمتي.
ثم نظر لها قائلاً بعبث :- أما ألحق أشوف بثينة..
انصرف بخفة بينما أردفت بغل :- بثينة! ماشي يا إسلام الكلب، شايفة يا عمتي ابن أخوكي بيعمل إيه؟
ربتت على كتفها قائلة بروية :- يا حبيبتي دة بيناغشك، يعني اللي مخليه يجيلك هنا كل شوية علشان ترجعي هيبص لواحدة تانية! هو بس عاوزك تغيري.
هزت رأسها بعدم اقتناع و بداخلها غيرة عمياء تحرقها، فهو غير مسموح أن يلفظ اسم أنثى غيرها.
______________________________________
بعد يومين يجلس كعادته مكفهر الوجه، فرآه محمد الذي هتف بخبث مبطن :- مالك يا صاحبي بس؟ ليك كام يوم مش مظبوط كدة!
هتف بضيق :- يا عم سيبني في حالي كفاية الغلب اللي أنا فيه.
رفع حاجبه بدهشة مصطنعة قائلاً :- لا دة شكله الموضوع خطير، فيه إيه يا صاحبي؟
ضيق عينيه بغيظ من تكرار كلمة صديقي التي يهتفها مراراً و تكراراً، ألا يشعر بالخزي عند تفوهه بها؟!
مط شفتيه بضيق قائلاً :- المشكلة اللي أنا فيها محدش يقدر يحلها يا محمد .
هز رأسه بنفي قائلاً :- لا بس قولي في إيه، مش يمكن نلاقي حل سوا.
أردف بجمود :- ما اعتقدش يا محمد لأن الموضوع دة ما يتحلش دة بينتهي وبس. أنا هطلق مريم.
لمعت بوادر السعادة بعينيه قائلاً بلهفة :- بجد؟ ثم عاد لرشده ليقول:- ليه كدة يا إسلام بقى دة اللي اتفقنا عليه، مش قلنا تدوا لبعضكم فرصة.
أردف بحنق :- لا هديها فرصة ولا نيلة طريقنا مش واحد يا محمد علشان كدة هطلقها .
أردف بروية :- طيب استهدى بالله يا صاحبي كدة و كل حاجة هتبقى تمام، بس ليه يعني هتطلقها؟
أردف بغيظ :- مبحبهاش، انا اكتشفت إني مش عارف أنسى أمل خالص حتى بعد ما أتجوزت، أنا مخنوق أوي و عاوز أخلص منها لولا أبوها كنت طلقتها من زمان علشان كدة وديتها عند عمتها..
أردف بتعجب :- يعني مش علشان زعلانة منك؟!
أردف بغضب مكتوم :- مين قالك الكلام دة؟ ما تزعل ولا تتفلق، بقولك إيه أنا قائم أشوف مصالحي.
أنهى كلماته لأنه شعر بأنه لو تحدث بحرف آخر سيطرحه أرضاً، لذا تحجج بالعمل كي لا يقتله قبل أن يحقق مبتغاه، بينما طالعه الآخر بابتسامة عريضة منتصرة قائلاً :- ولا الخطة جات بفايدة و هتلعب و هتحلو. بقلم زكية محمد
دلف للداخل وهو ينظر يميناً و يساراً بحثاً عن أية شيء يفرغ بها شحنته الغاضبة فلم يجد غير محمود الذي باغته بلكمة قوية أوقعته أرضاً في الحال، بينما وضع الآخر يده على موضع الكدمة و نهض قائلاً بحدة :- في إيه يا حيوان؟ هو هيعبيك من هنا هتاجي تفضيهم فيا من هنا! خف الغباوة شوية.
صك على أسنانه بعنف قائلاً :- مش قادر أكمل، مش قادر أضحك في وشه وأنا نفسي أقتله.
أردف بشر :- ومين سمعك أنا نفسي أنزل كرشه دلوقتي بس اللي مصبرني أعرف مين معاه و طريق الواد إياه و ساعتها محدش هيرحمه مني.
أردف بحذر :- جبت اللي قولتلك عليه؟
أومأ بنعم قائلاً :- أيوة كله جاهز بس فاضل التنفيذ.
أردف بتصميم و عزيمة :- الموضوع هيخلص الليلة، الليلة لازم أعرف إن كان شكي طلع في محله ولا لا.
______________________________________
ليلاً كانوا يجلسون معه بداخل المحل الخاص به بحجة قضاء وقت معاً يتسامرون فيه كما السابق.
التفوا حول الطاولة التي تحمل لعبة الشطرنج وهم يلعبون بتركيز و يرتشفون الشاي الساخن .
أخذا يتابعوه بانتباه وهم يشاهدون متى سيبدأ مفعول المنوم الذي وضعوه له في الشاي، حتى أنهم انتابهم القلق من فشل مخططهم.
ما إن رأوا رأسه تهتز بتثاقل، غُرِس الأمل مجدداً بصدورهم و انتظروا حتى يغفو تماماً لينفذوا ما جعلهم يلجأوا لتلك الحيلة حتى وإن كان بها بعض الدونية.
أزاحه إسلام بعنف و غيظ ليرتد الآخر على الأريكة وهو غائب عن الوعي لا يشعر بشيء، ليلتقط الآخر الهاتف بسرعة من جيبه ثم امسك بإصبعه و وضعه على البصمة الخاصة بالهاتف و لحسن الحظ فُتح معهم، فأسرع إسلام يبحث فيه عن المكالمات و الرسائل و بجواره محمود اللذان صُدِما حينما وجدوا محادثات بينه و بين تلك المدعوة بثينة، و ذلك الحقير الذي فر هارباً ولم يلحق به، و كم صُعِقوا من تفكيرهم الشيطاني و تخطيطهم الدنيء للإيقاع بهما وكم نجحوا في ذلك و بجدارة .
دون الأرقام الخاصة بهما إلى هاتفه الخاص و بعث رسالة لهما من هاتف محمد تنص على أنه يريد مقابلتهما في ****** ومن ثم مسح تلك الرسائل على الفور من الهاتف و كأن شيئا لم يكن.
نظرا له بغضب عارم فهم إسلام ليخنقه إلا أن يدي محمود أوقفته قائلاً بغيظ مكبوت :- سيبه يا إسلام لسة عاوزينه دلوقتي، أنا عارف أنه بني آدم معندهوش ضمير و خان صاحبه و طعنه في ضهره بس استنى بس لبكرة علشان كل حاجة تنتهي مع بعضها و نخلص.
أخذ صدره يعلو و يهبط بشدة قائلاً بانفعال :- و ربي ليشوفوا مني يوم أسود من قرن الخروب.
أردف محمود بروية :- أنا عاوز أقتله قبلك بس لازم نستنى، خلينا نقعد على ما يتزفت يصحى و نغور من هنا.
أردف بانتباه :- متنساش إني هعمل نائم أنا كمان و تصحيه هو الأول علشان ميشكش في حاجة.
أومأ بتأكيد بينما يطالعانه بنظرات مملوءة بالكره و الازدراء.
____________________________________
تجلس على الفراش و أمامها جهاز الكمبيوتر المحمول، تكتب بعض الكلمات على محرك البحث جوجل وهي تهتف بتذمر :- أجيبها إزاي دي؟ اه لقيتها اكتبِ دي يا بت يا رحيق كيف تتعامل مع شخص فريزر؟
ولكن لم تأتها النتائج المطلوبة، فكتبت وهي تقول بصوت عال :- كيف تتعامل مع مراد الفريزر؟ هوف حتى الكمبيوتر مش عارفلك كاتلوج!
كان على وشك الدلوف و لكنه تسمر عند الباب حينما سمعها تنعته مجدداً بذلك اللقب الذي يكرهه، فأتكأ بذراعه الأيمن على الجدار يشاهد ما تفعله بسخرية، بينما صرخت بحدة :- يوووه و بعدين بقى أنا غلبت.
- و يا ترى إيه اللي مغلب حرمي المصون و مخليها هتتجنن كدة؟
اغلقت الحاسوب قائلة بتوتر :- لا ...لا أبداً دة ....دة أنا كنت بدور على وصفة كدة في النت.
ضيق عينيه بغيظ قائلاً :- و لقيتي اللي بتدوري عليه؟
أردفت بحنق :- لا للأسف ملقتش، أصل الوصفة صعبة أوي بعيد عنك و صعب تتلاقى.
أردف بعبوس مصطنع وهو يلتقط الحاسوب من أمامها بلحظة قائلاً :- وريني كدة اللي بتدوري عليه دة.
أردفت بسرعة :- لا لا خلاص مش مهم هبقى أشوفها في حتة تانية. بقلم زكية محمد
فتح شاشة الحاسوب لينظر لما تكتبه، لتزدرد الأخرى ريقها بتوتر وحينما رأت نظراته الحادة المصوبة نحوها هتفت بتبرير أخرق :- دة أنا كنت بشوف إزاي يصلحوا الفريزر أصل التلاجة بايظة تحت و قلت أشوف يمكن أعرف اصلحها.
أردف بتهكم :- والله!
هزت رأسها قائلة بتلعثم وهي تنهض لتلوذ بالفرار منه :- أيوة طبعاً أومال هيكون في إيه يعني؟ أنا... أنا رايحة أشرب..
ما إن همت لترحل وجدت من يجذبها نحوه بقوة حتى التصقت به ليهتف بحدة :- أنتِ إزاي عاوزة تنزلي تحت بالشكل دة ها؟
أردفت بخوف من القادم :- أنا...مش .... أااا..هو...
قاطعها قائلاً بسخرية :- إيه لسانك اتربط مش عارفة تقولي جملة مفيدة!
زاغت أنظارها ولم تعرف ما عليها فعله للخروج من هذا المأزق، بينما أردف هو بغيظ :- مش قولتلك قبل كدة الكلمة الزفت دي ما تتنطقش تاني؟
أردفت بلهفة :- أنا مقولتش جوجل هو اللي بيقول، أنا مليش دعوة حاسبه هو مش أنا.
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :-دة بجد!
هزت رأسها بموافقة قائلة ببراءة مصطنعة :- أبقى أكسره ولا أرميه علشان يحرم بعد كدة.
أردف بوعيد وهو يقترب منها :- أنا فعلاً هكسر و هقص لسانك كمان ..
ازدردت ريقها بصعوبة قائلة :- لساني! ليه يا عم هو أنا قولت إيه؟
أردف بخبث :- أنا هعرفك قولتي إيه دلوقتي.
و بلحظة كان ينهل من رحيقها دون توقف و كأنه غريق و وجد مرساه، ليغرق معها في بحر من نوع آخر.
______________________________________
بعد وقت ليس بقليل كان في منزل عمته التي تأففت بضجر قائلة :- و بعدين بقى، من كتر المحبة يا ابن أخويا، خير!
ضحك بصخب قائلاً :- الله يا عمتي بحبك .
مصمصت شفتيها بسخرية قائلة :- بتحبني انا برده!
اقترب منها مقبلاً إياها برأسها قائلاً :- طبعاً يا عمتي أومال مبحبكيش أنا جاي أنفذ إتفاقي اللي اتفقته مع بنت أخوكي، فينها؟
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- إتفاق إيه دة؟
جلس على المقعد قائلاً :- ناديها الأول يا عمتي ربنا يباركلك أنا تعبان و على آخري.
هزت كتفيها باستسلام قائلة :- ماشي يا أخويا لما نشوف أخرتها إيه معاكم.
خرجت هي تقف قائلة بجمود :- يا نعم!
رفع حاجبه قائلاً بتهكم :- لا شكل القعدة هنا قوِّت قلبك جامد ما شاء الله! يلا قدامي على البيت .
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا مش هرجع معاك في حتة.
جز على أسنانه بعنف قائلاً بهدوء مريب :- بقولك أدخلي إلبسي و روحي معايا بالذوق وإلا.........
صمت لتهتف هي بحنق :- وإلا إيه أنت كل شوية هتهددني!
هز رأسه نافياً وهو يقول بوعيد :- لا يا حبيبتي أنا مش جاي أهدد أنا جاي أنفذ بس.
أردفت بمبالاة و تحدي :- وأنا أو بقولك مش رايحة، و وريني بقى هتعمل ايه!
حك طرف أنفه قائلاً بوعيد :- لا من ناحية هعمل فأنا هعمل كتير.
و بلحظة حملها عنوة و وضعها على كتفه لتصبح رأسها بالأسفل و قدميها بالأعلى، فأطلقت صرخة عالية وهي تقول بحدة ممزوجة بالخجل :- بتعمل إيه يا مجنون نزلني.
أردف بابتسامة انتصار :- لا أنتِ لسة مشفتيش جنان، أنا بقى هوريكي الجنان على حق.
أنهى حديثه و توجه بها نحو الباب لتردف هي بحذر :- إسلام أنت... أنت هتعمل ايه؟
أردف بخبث :- هنروح بيتنا يا روحي.
اتسعت عيناها بذعر قائلة :- ها كدة و أنت شايلني! لا لا نزلني الناس هتشوفنا، بالله عليك لا يا إسلام.
مط شفتيه بدون اكتراث قائلاً :- والله دي مش مشكلتي في إيدك كل حاجة يا توافقي تروحي معايا برضاكي ساعتها هنزلك و هخليكي تلبسي و تيجي معايا، مرضتيش يبقى هتروحي بلبس البيت و بالشكل دة ها أخترتي إيه؟
صمتت ولم تعرف بما تجيبه، أما هو ما إن رآها هكذا تظاهر بالنزول فهتفت بصراخ :- خلاص خلاص هاجي معاك نزلني..
خرجت منال على صوتهما وما إن رأتهم هتفت بدهشة :- في ايه؟
أردفت مريم باستغاثة :- إلحقيني يا عمتي، شوفي المجنون دة عاوز ينزلني الشارع كدة.
أنزلها لتقف على الأرض قائلاً بغيظ و صرامة :- طيب يلا يا حلوة على جوة و نفذي اللي قولتلك عليه بدل ما أنفذ تهديدي التاني.
دبت الأرض بقدميها بحنق، ومن ثم دلفت للداخل وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة ولكنها بالطبع حانقة عليه.
هندم ملابسه بغرور مصطنع قائلاً :- الحمشنة حلوة برده.
ضربت منال كف بآخر قائلة :- و الله أنتوا جوز مجانين و عاوزين السرايا الصفرة.
بعد دقائق خرجت وهي مرتدية ملابسها الخاصة بالخروج، وهي تمط شفتيها بتذمر و ضيق، بينما تحمل الصغير الذي غفا منذ لحظات قليلة.
طالعها بابتسامة ظافرة زادتها غضباً، و تقدم منها وحمل الصغير عوضاً عنها، و من ثم ودعوا منال و أنصرفا لشقتهم الخاصة.
دلفا معاً فتوجه مباشرة و وضع الصغير في فراشه، و من ثم دثره جيداً و أودع قبلة هادئة على وجنته، ومن ثم خرج ليرى تلك التي تتصاعد منها الأدخنة أثر الحريق الناشب بداخلها.
لا زالت تقف كما هي تهز قدميها بعصبية شديدة، و قد داهمتها الذكرى لتتذكر آخر مرة كانت بها هنا و ما حدث لتشعر بالاختناق و لمعت بوادر الدموع بعينيها، شعرت به يقف أمامها فتظاهرت بالقوة وهي بالحقيقة غصن هش إن مسه أحد سيقع في الحال.
أقترب منها و احتضنها بحب قائلاً وهو يعض على أصابعه ندماً علام فعل :- آسف.. آسف لكل وجع، لكل جرح، لكل لحظة بكيتي فيها وأنا كنت السبب في دة، أرجوكِ سامحيني، أوعدك إني هجبلك حقك من اللي عمل كدة كلها ساعات كدة و كل حاجة تخلص.
أخذت تقاومه إلا أنها استسلمت أخيراً لقوته و عدم خنوعه في الأمر، و بكت بحرقة قائلة :- أنت وجعتني و هنتني يا إسلام..
قبل رأسها بقوة قائلاً :- حقك عليا يا روح إسلام، سامحيني و أديني فرصة، يهون عليكِ إسلام!
أردفت بوجع و عتاب و خفوت :- ما أنا بردو هنت عندك .
أردف بندم :- كنت غبي و مش هتتكرر تاني، أنا خلاص أتعلمت، أهم حاجة أنول الرضا يا جميل.
لم تتحدث و إنما ظلت ساكنة بين دفء ذراعيه الذي أفتقدته منذ مدة تبكي و تشهق بخفوت، بينما أخذ يمسد على ظهرها بحنو، و اليد الأخرى تحاوطها بتملك خشية فقدانها.
بعد وقت هتف بمرح :- مريم! أنتِ نمتي ولا إيه؟
ابتعدت عنه بخجل وهي تمسح دموعها التي بللت قميصه، بينما هتف هو بمزاح :- ينفع كدة بليتي القميص!
أردفت بخفوت :- أنا آسفة مخدتش بالي.
أردف بحب وهو يجفف عبراتها بحنان :- فداكِ القميص و صاحب القميص، هو أنا عندي كام مريومة حلوة كدة.
أحمرت وجنتيها بخجل بينما أردف هو بعبث :- لا وكمان بنحمر لا عدينا، بقولك إيه متعمليلي كوباية نسكافيه من إيديكي الحلوة دي واكسبي فيا ثواب، أنا ليا يومين مطبق منمتش و تعبان جداً.
أردفت بقلق وهي ترى معالم الأرق على وجهه :- مالك أنت تعبان؟
ضيق عينيه بتعب مصطنع قائلاً بفرحة داخلية وهو يرى قلقها عليه :- اه مصدع أوي يا مريم..
قال ذلك ثم جلس على الأريكة وهو يضغط بيديه على رأسه وإمارات الألم مرسومة على وجهه، فاقتربت هي منه قائلة بخوف :- إسلام أنت كويس؟
أردف بهدوء متعب :- لا مفيش حاجة أنا كويس.
امسكت يديه بخوف حقيقي قائلة بدموع مهددة بالنزول :- طيب أنا هروح أجبلك مسكن للصداع من جوة. بقلم زكية محمد
قالت ذلك ثم هرولت للداخل، بينما أخذ يتابع اختفائها بعيون ذئب ماكر، ونهض قائلاً بخبث :- استعنا على الشقى بالله.
دلف لغرفتهم و نزع قميصه، و تمدد على الفراش ليكمل باقي عرضه اللئيم مثله.
عادت بكوب من الماء و قرص مسكن و لكنها لم تجده، فأردفت بتعجب :- راح فين دة؟!
ثم سمعت صوت أناته الآتية من الغرفة فأسرعت للداخل و قد وقعت الفريسة في فخ الصياد.
شهقت بخجل لرؤيته بتلك الهيئة فتقدمت نحوه ببطء قائلة وهي تمد له الماء و المسكن، فألتقطه منها و تظاهر بوضعه بفمه ثم ارتشف بعضاً من الماء، و ما إن رآها تغادر تأوه بخبث لتعود له بلهفة قائلة :- في إيه تاني؟
أردف بخبث :- شكلي سخن، شوفي كدة.
بطيبة قلب و حسن نية أذعنت لطلبه، و جلست جواره و وضعت يدها على جبينه لتهتف بتعجب:- لا مفيش سخونة يا إسلام، تلاقيك مصدع بس..
أطلقت صرخة خافتة عندما وجدت نفسها مكبلة بذراعيه و يطالعها بخبث، لتفهم مؤخراً أنه يخدعها، أخذت تتململ قائلة :- بتكدب عليا يا غشاش!
ضحك بمكر قائلاً :- طيب أعملك إيه وأنتِ مش راضية تسامحيني بقى .
جعدت جبينها بضيق قائلة :- يعني بالشكل دة هسامحك!
أومأ بتأكيد قائلاً بخبث :- اه أنا هصالحك كدة ..
أردفت باعتراض :- إسلام ...
إلا أنه كبح اعتراضها بطريقته الخاصة ليعتذر منها بطريقته الخاصة.
______________________________________
في اليوم التالي تجلس بشرود وهي تعض على شفتيها بأسى من استسلامها المخزي له ليلة أمس، لطالما نوت معاقبته و الإبتعاد عنه، و لكنها فوجئت بانهيار حصونها أمامه ليعلن عشقه راية الانتصار في كل معركة تخوضها معه.
في المقعد المجاور كان يجلس يراقب تعبيراتها قائلاً :- مريم! مالك؟
هزت رأسها قائلة بتخبط :- مفيش.
اصابه ذلك بمقتل و علم أنها تفكر فيما حدث بينهما، و السؤال هنا هل هي نادمة على ذلك ؟ لذا نظر لها قائلاً بشكل مباشر :- مريم أنتِ ندمانة على اللي حصل بينا صح؟
لم ترد عليه فابتسم بحزن قائلاً :- ماشي، أنا متأسفلك لو فرضت نفسي عليكي بالشكل دة، و دلوقتي يا ريت تروحي تلبسي علشان ورانا مشوار مهم.
كانت سترد عليه ولكن جذبها جملته الأخيرة فهتفت بتعجب :- رايحين فين ؟
أردف بجمود :- هنحط النقط فوق الحروف.....
______________________________ يتبع
الفصل الحادي والعشرون
شعر بدوار شديد ضرب رأسه بحدة وهو يشاهد صوراً لذلك الحقير الذي سبق أن رآه في شقته في ذلك اليوم، و صوراً أخرى لأسماء، و ما زاده صدمة رؤيته لصورة لمريم و مفاتيح الشقة الخاصة به.
بالخارج يتابع الرجال وهم يحملون البضاعة من السيارة و يضعوها بالمخزن، أرتجفت أوصاله حينما تذكر أنه يضع كل شيء بالدرج و إسلام بالداخل يبحث عن الدفتر، أزاح العامل من أمامه بسرعة و ركض للداخل شاحب اللون، فوجد الأخير يبحث على الدفتر فوق المكتب و ما إن رآه هتف بثبات :- فين يا عم الدفتر دة مش لاقيه.
أردف بتنهيدة راحة :- لا خلاص أنا هجيبه تعال أنت بس تابع مع العمال برة.
نهض من مكانه قائلاً بهدوء مريب :- اه وماله يا صاحبي.
خرج هو ليفتح الآخر الدرج بلهفة، وما إن رأى الأشياء بمحلها تنهد براحة قائلاً :- أكيد هو مشفهاش وإلا مكانش منظره بقى كدة.
أي معجزة هذه التي ألقت عليه هذا الثبات المخادع، فبداخله بركان يغلي تتصاعد ألسنته ولن يهدأ له بال إلا بعد أن يصب حممه المنصهرة عليه وعلى من معه، ولكنه يجب أن يصمت الآن حتى يعرف لغز وجود هذه الصور و أيضاً مفاتيحه الخاصة بشقته، يجب أن يتريث قدر المستطاع من أجلها فيبدو أن الخطر لازال يحيط بها و أنهم يحيكون لأمراً آخر.
قضى تلك اللحظات الثقيلة على قلبه كالجبل، و انصرف بهدوء متعللاً بالعمل حتى يبدو طبيعياً أمامه، و ما إن دلف لداخل الوكالة توجه ناحية محمود قائلاً بخفوت :- محمود عاوزك في حوار .
انتبه له قائلاً :- خير يا ابن عمي!
جلس قبالته و نظر يميناً و يساراً قائلاً :- فتح ودانك معايا كويس و مش عاوز حد يعرف أي حاجة بالموضوع دة.
بعد وقت نهض قائلاً بغضب مكتوم :- أنا رايح مشوار صغير كدة، وأنت نفذ اللي طلبته منك دلوقتي و حذاري أي غلطة في الموضوع.
بعد دقائق كان أمام باب شقة عمته للمرة التي لا يعلم عددها، و طرق الباب ففتحته عمته فهتف بسرعة :- إزيك يا عمتي، فين مريم؟
وكزته بذراعه قائلة بمرح :- ما تتقل يا واد!
أردف بضجر :- عمتي مش وقت هزار ناديلي مريم بسرعة هنا حالاً.
قطبت جبينها بتعجب، ولكنها تمثلت لطلبه ودلفت للداخل قائلة :- مريم كلمي إسلام عاوزك، و قبل ما تعترضي شكله كدة في حاجة حصلت أطلعي شوفيه وأنا هقعد مع أحمد.
ما إن التقط الصغير اسم عمه هتف باعتراض:- لا أنا كمان عاوز أشوف إثلام يا ماما.
هزت رأسها باستسلام و خرجوا جميعهم لرؤيته، وما إن خرجت و رآها لوهلة نسي لم هو قادم و أخذ يمعن النظر فيها باشتياق، عاد لرشده قائلاً :- مريم تعالي أقعدي عاوزك في كلمتين ضروري.
هتفت بحنق :- كلام إيه دة إن شاء الله؟!
أردف من بين أسنانه :- مريم! أتعدلي معايا و تعالي أحسنلك هنا.
امتثلت لأوامره و جلست بضجر فركض الصغير ناحيته ليحمله إسلام بحنان و طالعها قائلاً بحذر :- مين جه البيت في الفترة اللي كنا فيها مع بعض؟
جعدت أنفها قائلة بغيظ :- إيه عاوز تتهمني في حاجة تانية؟
جز على أسنانه بعنف قائلاً بغضب مكتوم :- والله أقوم أكسرلك راسك دي، ما تتعدلي كدة أنا مش جاي أتنيل أتهمك بحاجة أنا بس عاوز أعرف و ضروري يا مريم.
أردفت بحنق :- محدش جه مين يعني هيجي؟
مسح وجهه بكف يده بعنف قائلاً:- استغفر الله العظيم، يا بنت الناس أنا مش قصدي حاجة قوليلي مين جه عندك حتى لو كان الحد دة أمي وصلت؟
هزت رأسها بتذكر :- لا مرات عمي مجتش وأنت مش موجود، مفيش غير أمي و سامية و بثينة..
أردف بحاجب مرفوع :- بثينة! إممممممم.
أردفت بغيرة :- أيوة يعني عاوز إيه منها بثينة، ولا تكونش هتتجوزها بعد ما تطلقني!
أردف بنبرة يقصد من خلفها إثارة حنقها :- تصدقي فكرة بردو، مش عارف أودي جمايلك فين الصراحة.
نظرت لعمتها قائلة بتذمر :- شايفة يا عمتي شايفة، علشان أقولك دة تور ما بيحسش!
حدجها بذهول قائلاً و هو يشير لنفسه:- دة أنا دة؟! قوم يا احمد قوم لما نشوف أمك المؤدبة دي!
أنهى كلماته و وضع الصغير على الأريكة و انتصب واقفاً يسير ناحيتها و نظراته تنذر بالشر، بينما تراجعت للخلف لتختبئ خلف عمتها قائلة بخوف :- إلحقيني يا عمتي!
أردف بسخرية :- راحت فين الشجاعة اللي كانت من شوية دي؟ بقى أنا تور! ماشي يا مريم ليكِ يوم. طيب أنا ماشي ..
أردفت بتهور مصحوب بالضيق لعدم اهتمامه بها ككل مرة :- بس؟ يعني أنت جاي تقول الكلمتين دول بس؟
وضع يده بجيبه قائلاً بخبث :-اه جيت بس علشان أقول الكلمتين دول، ولا أنتِ عاوزة حاجة تانية!
حدجته بغضب و قد تحول وجهها للأحمر النبيذي قائلة بحدة طفيفة :- لا مش عاوزة حاجة شرفت.
اصطك فكه بقوة قائلاً بغيظ :- مع السلامة يا عمتي.
ثم نظر لها قائلاً بعبث :- أما ألحق أشوف بثينة..
انصرف بخفة بينما أردفت بغل :- بثينة! ماشي يا إسلام الكلب، شايفة يا عمتي ابن أخوكي بيعمل إيه؟
ربتت على كتفها قائلة بروية :- يا حبيبتي دة بيناغشك، يعني اللي مخليه يجيلك هنا كل شوية علشان ترجعي هيبص لواحدة تانية! هو بس عاوزك تغيري.
هزت رأسها بعدم اقتناع و بداخلها غيرة عمياء تحرقها، فهو غير مسموح أن يلفظ اسم أنثى غيرها.
______________________________________
بعد يومين يجلس كعادته مكفهر الوجه، فرآه محمد الذي هتف بخبث مبطن :- مالك يا صاحبي بس؟ ليك كام يوم مش مظبوط كدة!
هتف بضيق :- يا عم سيبني في حالي كفاية الغلب اللي أنا فيه.
رفع حاجبه بدهشة مصطنعة قائلاً :- لا دة شكله الموضوع خطير، فيه إيه يا صاحبي؟
ضيق عينيه بغيظ من تكرار كلمة صديقي التي يهتفها مراراً و تكراراً، ألا يشعر بالخزي عند تفوهه بها؟!
مط شفتيه بضيق قائلاً :- المشكلة اللي أنا فيها محدش يقدر يحلها يا محمد .
هز رأسه بنفي قائلاً :- لا بس قولي في إيه، مش يمكن نلاقي حل سوا.
أردف بجمود :- ما اعتقدش يا محمد لأن الموضوع دة ما يتحلش دة بينتهي وبس. أنا هطلق مريم.
لمعت بوادر السعادة بعينيه قائلاً بلهفة :- بجد؟ ثم عاد لرشده ليقول:- ليه كدة يا إسلام بقى دة اللي اتفقنا عليه، مش قلنا تدوا لبعضكم فرصة.
أردف بحنق :- لا هديها فرصة ولا نيلة طريقنا مش واحد يا محمد علشان كدة هطلقها .
أردف بروية :- طيب استهدى بالله يا صاحبي كدة و كل حاجة هتبقى تمام، بس ليه يعني هتطلقها؟
أردف بغيظ :- مبحبهاش، انا اكتشفت إني مش عارف أنسى أمل خالص حتى بعد ما أتجوزت، أنا مخنوق أوي و عاوز أخلص منها لولا أبوها كنت طلقتها من زمان علشان كدة وديتها عند عمتها..
أردف بتعجب :- يعني مش علشان زعلانة منك؟!
أردف بغضب مكتوم :- مين قالك الكلام دة؟ ما تزعل ولا تتفلق، بقولك إيه أنا قائم أشوف مصالحي.
أنهى كلماته لأنه شعر بأنه لو تحدث بحرف آخر سيطرحه أرضاً، لذا تحجج بالعمل كي لا يقتله قبل أن يحقق مبتغاه، بينما طالعه الآخر بابتسامة عريضة منتصرة قائلاً :- ولا الخطة جات بفايدة و هتلعب و هتحلو. بقلم زكية محمد
دلف للداخل وهو ينظر يميناً و يساراً بحثاً عن أية شيء يفرغ بها شحنته الغاضبة فلم يجد غير محمود الذي باغته بلكمة قوية أوقعته أرضاً في الحال، بينما وضع الآخر يده على موضع الكدمة و نهض قائلاً بحدة :- في إيه يا حيوان؟ هو هيعبيك من هنا هتاجي تفضيهم فيا من هنا! خف الغباوة شوية.
صك على أسنانه بعنف قائلاً :- مش قادر أكمل، مش قادر أضحك في وشه وأنا نفسي أقتله.
أردف بشر :- ومين سمعك أنا نفسي أنزل كرشه دلوقتي بس اللي مصبرني أعرف مين معاه و طريق الواد إياه و ساعتها محدش هيرحمه مني.
أردف بحذر :- جبت اللي قولتلك عليه؟
أومأ بنعم قائلاً :- أيوة كله جاهز بس فاضل التنفيذ.
أردف بتصميم و عزيمة :- الموضوع هيخلص الليلة، الليلة لازم أعرف إن كان شكي طلع في محله ولا لا.
______________________________________
ليلاً كانوا يجلسون معه بداخل المحل الخاص به بحجة قضاء وقت معاً يتسامرون فيه كما السابق.
التفوا حول الطاولة التي تحمل لعبة الشطرنج وهم يلعبون بتركيز و يرتشفون الشاي الساخن .
أخذا يتابعوه بانتباه وهم يشاهدون متى سيبدأ مفعول المنوم الذي وضعوه له في الشاي، حتى أنهم انتابهم القلق من فشل مخططهم.
ما إن رأوا رأسه تهتز بتثاقل، غُرِس الأمل مجدداً بصدورهم و انتظروا حتى يغفو تماماً لينفذوا ما جعلهم يلجأوا لتلك الحيلة حتى وإن كان بها بعض الدونية.
أزاحه إسلام بعنف و غيظ ليرتد الآخر على الأريكة وهو غائب عن الوعي لا يشعر بشيء، ليلتقط الآخر الهاتف بسرعة من جيبه ثم امسك بإصبعه و وضعه على البصمة الخاصة بالهاتف و لحسن الحظ فُتح معهم، فأسرع إسلام يبحث فيه عن المكالمات و الرسائل و بجواره محمود اللذان صُدِما حينما وجدوا محادثات بينه و بين تلك المدعوة بثينة، و ذلك الحقير الذي فر هارباً ولم يلحق به، و كم صُعِقوا من تفكيرهم الشيطاني و تخطيطهم الدنيء للإيقاع بهما وكم نجحوا في ذلك و بجدارة .
دون الأرقام الخاصة بهما إلى هاتفه الخاص و بعث رسالة لهما من هاتف محمد تنص على أنه يريد مقابلتهما في ****** ومن ثم مسح تلك الرسائل على الفور من الهاتف و كأن شيئا لم يكن.
نظرا له بغضب عارم فهم إسلام ليخنقه إلا أن يدي محمود أوقفته قائلاً بغيظ مكبوت :- سيبه يا إسلام لسة عاوزينه دلوقتي، أنا عارف أنه بني آدم معندهوش ضمير و خان صاحبه و طعنه في ضهره بس استنى بس لبكرة علشان كل حاجة تنتهي مع بعضها و نخلص.
أخذ صدره يعلو و يهبط بشدة قائلاً بانفعال :- و ربي ليشوفوا مني يوم أسود من قرن الخروب.
أردف محمود بروية :- أنا عاوز أقتله قبلك بس لازم نستنى، خلينا نقعد على ما يتزفت يصحى و نغور من هنا.
أردف بانتباه :- متنساش إني هعمل نائم أنا كمان و تصحيه هو الأول علشان ميشكش في حاجة.
أومأ بتأكيد بينما يطالعانه بنظرات مملوءة بالكره و الازدراء.
____________________________________
تجلس على الفراش و أمامها جهاز الكمبيوتر المحمول، تكتب بعض الكلمات على محرك البحث جوجل وهي تهتف بتذمر :- أجيبها إزاي دي؟ اه لقيتها اكتبِ دي يا بت يا رحيق كيف تتعامل مع شخص فريزر؟
ولكن لم تأتها النتائج المطلوبة، فكتبت وهي تقول بصوت عال :- كيف تتعامل مع مراد الفريزر؟ هوف حتى الكمبيوتر مش عارفلك كاتلوج!
كان على وشك الدلوف و لكنه تسمر عند الباب حينما سمعها تنعته مجدداً بذلك اللقب الذي يكرهه، فأتكأ بذراعه الأيمن على الجدار يشاهد ما تفعله بسخرية، بينما صرخت بحدة :- يوووه و بعدين بقى أنا غلبت.
- و يا ترى إيه اللي مغلب حرمي المصون و مخليها هتتجنن كدة؟
اغلقت الحاسوب قائلة بتوتر :- لا ...لا أبداً دة ....دة أنا كنت بدور على وصفة كدة في النت.
ضيق عينيه بغيظ قائلاً :- و لقيتي اللي بتدوري عليه؟
أردفت بحنق :- لا للأسف ملقتش، أصل الوصفة صعبة أوي بعيد عنك و صعب تتلاقى.
أردف بعبوس مصطنع وهو يلتقط الحاسوب من أمامها بلحظة قائلاً :- وريني كدة اللي بتدوري عليه دة.
أردفت بسرعة :- لا لا خلاص مش مهم هبقى أشوفها في حتة تانية. بقلم زكية محمد
فتح شاشة الحاسوب لينظر لما تكتبه، لتزدرد الأخرى ريقها بتوتر وحينما رأت نظراته الحادة المصوبة نحوها هتفت بتبرير أخرق :- دة أنا كنت بشوف إزاي يصلحوا الفريزر أصل التلاجة بايظة تحت و قلت أشوف يمكن أعرف اصلحها.
أردف بتهكم :- والله!
هزت رأسها قائلة بتلعثم وهي تنهض لتلوذ بالفرار منه :- أيوة طبعاً أومال هيكون في إيه يعني؟ أنا... أنا رايحة أشرب..
ما إن همت لترحل وجدت من يجذبها نحوه بقوة حتى التصقت به ليهتف بحدة :- أنتِ إزاي عاوزة تنزلي تحت بالشكل دة ها؟
أردفت بخوف من القادم :- أنا...مش .... أااا..هو...
قاطعها قائلاً بسخرية :- إيه لسانك اتربط مش عارفة تقولي جملة مفيدة!
زاغت أنظارها ولم تعرف ما عليها فعله للخروج من هذا المأزق، بينما أردف هو بغيظ :- مش قولتلك قبل كدة الكلمة الزفت دي ما تتنطقش تاني؟
أردفت بلهفة :- أنا مقولتش جوجل هو اللي بيقول، أنا مليش دعوة حاسبه هو مش أنا.
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :-دة بجد!
هزت رأسها بموافقة قائلة ببراءة مصطنعة :- أبقى أكسره ولا أرميه علشان يحرم بعد كدة.
أردف بوعيد وهو يقترب منها :- أنا فعلاً هكسر و هقص لسانك كمان ..
ازدردت ريقها بصعوبة قائلة :- لساني! ليه يا عم هو أنا قولت إيه؟
أردف بخبث :- أنا هعرفك قولتي إيه دلوقتي.
و بلحظة كان ينهل من رحيقها دون توقف و كأنه غريق و وجد مرساه، ليغرق معها في بحر من نوع آخر.
______________________________________
بعد وقت ليس بقليل كان في منزل عمته التي تأففت بضجر قائلة :- و بعدين بقى، من كتر المحبة يا ابن أخويا، خير!
ضحك بصخب قائلاً :- الله يا عمتي بحبك .
مصمصت شفتيها بسخرية قائلة :- بتحبني انا برده!
اقترب منها مقبلاً إياها برأسها قائلاً :- طبعاً يا عمتي أومال مبحبكيش أنا جاي أنفذ إتفاقي اللي اتفقته مع بنت أخوكي، فينها؟
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- إتفاق إيه دة؟
جلس على المقعد قائلاً :- ناديها الأول يا عمتي ربنا يباركلك أنا تعبان و على آخري.
هزت كتفيها باستسلام قائلة :- ماشي يا أخويا لما نشوف أخرتها إيه معاكم.
خرجت هي تقف قائلة بجمود :- يا نعم!
رفع حاجبه قائلاً بتهكم :- لا شكل القعدة هنا قوِّت قلبك جامد ما شاء الله! يلا قدامي على البيت .
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا مش هرجع معاك في حتة.
جز على أسنانه بعنف قائلاً بهدوء مريب :- بقولك أدخلي إلبسي و روحي معايا بالذوق وإلا.........
صمت لتهتف هي بحنق :- وإلا إيه أنت كل شوية هتهددني!
هز رأسه نافياً وهو يقول بوعيد :- لا يا حبيبتي أنا مش جاي أهدد أنا جاي أنفذ بس.
أردفت بمبالاة و تحدي :- وأنا أو بقولك مش رايحة، و وريني بقى هتعمل ايه!
حك طرف أنفه قائلاً بوعيد :- لا من ناحية هعمل فأنا هعمل كتير.
و بلحظة حملها عنوة و وضعها على كتفه لتصبح رأسها بالأسفل و قدميها بالأعلى، فأطلقت صرخة عالية وهي تقول بحدة ممزوجة بالخجل :- بتعمل إيه يا مجنون نزلني.
أردف بابتسامة انتصار :- لا أنتِ لسة مشفتيش جنان، أنا بقى هوريكي الجنان على حق.
أنهى حديثه و توجه بها نحو الباب لتردف هي بحذر :- إسلام أنت... أنت هتعمل ايه؟
أردف بخبث :- هنروح بيتنا يا روحي.
اتسعت عيناها بذعر قائلة :- ها كدة و أنت شايلني! لا لا نزلني الناس هتشوفنا، بالله عليك لا يا إسلام.
مط شفتيه بدون اكتراث قائلاً :- والله دي مش مشكلتي في إيدك كل حاجة يا توافقي تروحي معايا برضاكي ساعتها هنزلك و هخليكي تلبسي و تيجي معايا، مرضتيش يبقى هتروحي بلبس البيت و بالشكل دة ها أخترتي إيه؟
صمتت ولم تعرف بما تجيبه، أما هو ما إن رآها هكذا تظاهر بالنزول فهتفت بصراخ :- خلاص خلاص هاجي معاك نزلني..
خرجت منال على صوتهما وما إن رأتهم هتفت بدهشة :- في ايه؟
أردفت مريم باستغاثة :- إلحقيني يا عمتي، شوفي المجنون دة عاوز ينزلني الشارع كدة.
أنزلها لتقف على الأرض قائلاً بغيظ و صرامة :- طيب يلا يا حلوة على جوة و نفذي اللي قولتلك عليه بدل ما أنفذ تهديدي التاني.
دبت الأرض بقدميها بحنق، ومن ثم دلفت للداخل وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة ولكنها بالطبع حانقة عليه.
هندم ملابسه بغرور مصطنع قائلاً :- الحمشنة حلوة برده.
ضربت منال كف بآخر قائلة :- و الله أنتوا جوز مجانين و عاوزين السرايا الصفرة.
بعد دقائق خرجت وهي مرتدية ملابسها الخاصة بالخروج، وهي تمط شفتيها بتذمر و ضيق، بينما تحمل الصغير الذي غفا منذ لحظات قليلة.
طالعها بابتسامة ظافرة زادتها غضباً، و تقدم منها وحمل الصغير عوضاً عنها، و من ثم ودعوا منال و أنصرفا لشقتهم الخاصة.
دلفا معاً فتوجه مباشرة و وضع الصغير في فراشه، و من ثم دثره جيداً و أودع قبلة هادئة على وجنته، ومن ثم خرج ليرى تلك التي تتصاعد منها الأدخنة أثر الحريق الناشب بداخلها.
لا زالت تقف كما هي تهز قدميها بعصبية شديدة، و قد داهمتها الذكرى لتتذكر آخر مرة كانت بها هنا و ما حدث لتشعر بالاختناق و لمعت بوادر الدموع بعينيها، شعرت به يقف أمامها فتظاهرت بالقوة وهي بالحقيقة غصن هش إن مسه أحد سيقع في الحال.
أقترب منها و احتضنها بحب قائلاً وهو يعض على أصابعه ندماً علام فعل :- آسف.. آسف لكل وجع، لكل جرح، لكل لحظة بكيتي فيها وأنا كنت السبب في دة، أرجوكِ سامحيني، أوعدك إني هجبلك حقك من اللي عمل كدة كلها ساعات كدة و كل حاجة تخلص.
أخذت تقاومه إلا أنها استسلمت أخيراً لقوته و عدم خنوعه في الأمر، و بكت بحرقة قائلة :- أنت وجعتني و هنتني يا إسلام..
قبل رأسها بقوة قائلاً :- حقك عليا يا روح إسلام، سامحيني و أديني فرصة، يهون عليكِ إسلام!
أردفت بوجع و عتاب و خفوت :- ما أنا بردو هنت عندك .
أردف بندم :- كنت غبي و مش هتتكرر تاني، أنا خلاص أتعلمت، أهم حاجة أنول الرضا يا جميل.
لم تتحدث و إنما ظلت ساكنة بين دفء ذراعيه الذي أفتقدته منذ مدة تبكي و تشهق بخفوت، بينما أخذ يمسد على ظهرها بحنو، و اليد الأخرى تحاوطها بتملك خشية فقدانها.
بعد وقت هتف بمرح :- مريم! أنتِ نمتي ولا إيه؟
ابتعدت عنه بخجل وهي تمسح دموعها التي بللت قميصه، بينما هتف هو بمزاح :- ينفع كدة بليتي القميص!
أردفت بخفوت :- أنا آسفة مخدتش بالي.
أردف بحب وهو يجفف عبراتها بحنان :- فداكِ القميص و صاحب القميص، هو أنا عندي كام مريومة حلوة كدة.
أحمرت وجنتيها بخجل بينما أردف هو بعبث :- لا وكمان بنحمر لا عدينا، بقولك إيه متعمليلي كوباية نسكافيه من إيديكي الحلوة دي واكسبي فيا ثواب، أنا ليا يومين مطبق منمتش و تعبان جداً.
أردفت بقلق وهي ترى معالم الأرق على وجهه :- مالك أنت تعبان؟
ضيق عينيه بتعب مصطنع قائلاً بفرحة داخلية وهو يرى قلقها عليه :- اه مصدع أوي يا مريم..
قال ذلك ثم جلس على الأريكة وهو يضغط بيديه على رأسه وإمارات الألم مرسومة على وجهه، فاقتربت هي منه قائلة بخوف :- إسلام أنت كويس؟
أردف بهدوء متعب :- لا مفيش حاجة أنا كويس.
امسكت يديه بخوف حقيقي قائلة بدموع مهددة بالنزول :- طيب أنا هروح أجبلك مسكن للصداع من جوة. بقلم زكية محمد
قالت ذلك ثم هرولت للداخل، بينما أخذ يتابع اختفائها بعيون ذئب ماكر، ونهض قائلاً بخبث :- استعنا على الشقى بالله.
دلف لغرفتهم و نزع قميصه، و تمدد على الفراش ليكمل باقي عرضه اللئيم مثله.
عادت بكوب من الماء و قرص مسكن و لكنها لم تجده، فأردفت بتعجب :- راح فين دة؟!
ثم سمعت صوت أناته الآتية من الغرفة فأسرعت للداخل و قد وقعت الفريسة في فخ الصياد.
شهقت بخجل لرؤيته بتلك الهيئة فتقدمت نحوه ببطء قائلة وهي تمد له الماء و المسكن، فألتقطه منها و تظاهر بوضعه بفمه ثم ارتشف بعضاً من الماء، و ما إن رآها تغادر تأوه بخبث لتعود له بلهفة قائلة :- في إيه تاني؟
أردف بخبث :- شكلي سخن، شوفي كدة.
بطيبة قلب و حسن نية أذعنت لطلبه، و جلست جواره و وضعت يدها على جبينه لتهتف بتعجب:- لا مفيش سخونة يا إسلام، تلاقيك مصدع بس..
أطلقت صرخة خافتة عندما وجدت نفسها مكبلة بذراعيه و يطالعها بخبث، لتفهم مؤخراً أنه يخدعها، أخذت تتململ قائلة :- بتكدب عليا يا غشاش!
ضحك بمكر قائلاً :- طيب أعملك إيه وأنتِ مش راضية تسامحيني بقى .
جعدت جبينها بضيق قائلة :- يعني بالشكل دة هسامحك!
أومأ بتأكيد قائلاً بخبث :- اه أنا هصالحك كدة ..
أردفت باعتراض :- إسلام ...
إلا أنه كبح اعتراضها بطريقته الخاصة ليعتذر منها بطريقته الخاصة.
______________________________________
في اليوم التالي تجلس بشرود وهي تعض على شفتيها بأسى من استسلامها المخزي له ليلة أمس، لطالما نوت معاقبته و الإبتعاد عنه، و لكنها فوجئت بانهيار حصونها أمامه ليعلن عشقه راية الانتصار في كل معركة تخوضها معه.
في المقعد المجاور كان يجلس يراقب تعبيراتها قائلاً :- مريم! مالك؟
هزت رأسها قائلة بتخبط :- مفيش.
اصابه ذلك بمقتل و علم أنها تفكر فيما حدث بينهما، و السؤال هنا هل هي نادمة على ذلك ؟ لذا نظر لها قائلاً بشكل مباشر :- مريم أنتِ ندمانة على اللي حصل بينا صح؟
لم ترد عليه فابتسم بحزن قائلاً :- ماشي، أنا متأسفلك لو فرضت نفسي عليكي بالشكل دة، و دلوقتي يا ريت تروحي تلبسي علشان ورانا مشوار مهم.
كانت سترد عليه ولكن جذبها جملته الأخيرة فهتفت بتعجب :- رايحين فين ؟
أردف بجمود :- هنحط النقط فوق الحروف.....
______________________________ يتبع