رواية هويت رجل الصعيد الجزء الثاني الفصل الثامن عشر 18 بقلم نور زيزو
الفصل الثامن عشر (18)
____ بعنــوان “إتهـــام”____
ما زالت عينيها مغمضتين لكنها شعرت بشيء لطيف يعانق يدها الباردة بقوة مُتشبثًا بها كالوبر، من دون أن تفتح عيناها لتنظر علمت بأنه المحب والحبيب الغارق بهواها، فتحت عينيها ببطيء وتعب لتراه بصورة مشوشة يحتضن يدها بكفيه الاثنين ويقبلها بشفتيه ودفء أنفاسه يداعب هذه اليد الصغيرة لتقول بصوت مبحوح:-
-نوح
رفع رأسه بلهفة وشغف ناظرًا إلى زوجته طريحة الفراش ثم وقف بتعجل مطوقًا رأسها بيده وهو يمسح على شعرها بدلال ليقول:-
-حمدالله على سلامتك يا حبيبة قلبي
تبسمت "عهد" بضعف وما زالت تحت تأثير المخدر القوي من أجل جراحتها لتقول بهمهمة:-
-ابني....
ربت على رأسها بلطف أكثر ودفء يحتويها وقال بحب:-
-ربنا وهبني ملاك صغير جميل منكِ
تبسمت "عهد" بضعف لتغمض عينيها وهى تستسلم للنوم بحضوره وهو جوارها لتدخل الممرضة عليهم فسأل "نوح" بقلق:-
-مش المفروض أن ولادتها بدون ألم
أجابته الممرضة بجدية وهى تعلق لها المحلول الملحي قائلة:-
-اه ومفعولها هيبدأ متقلقش
أومأ "نوح" إليها بنعم ثم حمل الرضيع من صندوقه الزجاجي ليضعه بين ذراعي زوجته حتي يشعر كلا منهما بالأخر ويستنشق هذا الطفل رائحة والدته لتفتح "عهد" عينيها بتعب ثم نظرت إلي طفلها ببسمة مُشرقة وكأن تعبها وهذا الأرهاق الغليظ تلاشوا وتواروا فور رؤيتها لوجه طفلها الرضيع الذي لطالما أنتظرته لشهور طويلة وهى تشعر به يكبر بداخلها، تحدث "نوح" بسعادة لم يشعر بمثلها من قبل وهو يري أسرته الصغيرة أمامه:-
-عهد
رفعت نظرها إليه ببسمة مبهجة ليتابع الحديث وهو يجلس على حافة الفراش جوارها فى المقابل:-
-أنا بحبك بعمري كله ولو فى حاجة ممكن توصف سعادتي باللحظة دى هتكون أني فى الجنة على الأرض ما دام جنبك ومعاكي وربنا كرمي وأنعم عليا بطفل منك أن شاء الله أحسن تربيته وبيكون سبيلنا للجنة فى الأخرة زى ما كان سبب سعادتنا دلوجت
تبسمت "عهد" بدلال وهى تستمع لحديثه ثم قالت بإمتنان:-
-أنت عظيم أوي يا نوح، أعظم راجل شافته عيني وأنا حرفيًا بكل ما تعني الكلمة أنا مُمتنة للقدر والظروف اللى جمعتني بك وخلتني من نصيبك، كفاية أحتوائك ليا ومساندتك ليا فى لحظة زى دى وأنك تقوم بدور أمي اللى أتحرمت منها وتهتم بكل التفاصيل اللى المفروض امي وأختي اللى يهتموا بها فى لحظة زى دى، أنا فعلًا بحبك وعلى أيدك أتعلمت أن الحب مش مجرد كلام بيتقال ولا ورد وشوية هدايا، الحب أعظم وأثمن بكتير من كل دا
تبسم "نوح" بلطف ثم أنحني يقبل جبينها بدلال كأميرته التي يدللها دومًا ويتوجها بتاج العشق على عرش قلبه الذي سقط فى الهوي
قاطع حديثهم دخول مُفاجيء للغرفة بمجموعة من رجال الشرطة فنظر الاثنين إليهما بدهشة ليقول الضابط بحزم:-
-أنت نوح الصياد
نظر “نوح” إليه بغرور وجدية وقال:-
-اه فى حاجة
أجابه ضابط الشرطة بجدية دون أن يهتم لمكانة هذا الرجل أو هيبته قائلًا:-
-أنت مطلوب القبض عليك بتهمة جتل خالد الصياد
أتسعت أعين الجميع على مصراعيهامن الذهول والصدمة التى ألجمتهم وجمدت ألسنتهم داخل أفواههم، تتطلعت “عهد” به بصدمة غير مصدقة ما تسمعه فقال “نوح” بنفي ومعارضة:-
-أنا مجتلتش حد
أشار الضابط للعساكر بأخذه وهو يقول:-
-الكلام دا تجوله فى النيابة ومن حجك تنفي براحتك لكن أنا من حجي وواجبي أن أجبض عليك
أخذوا من أمامها دون أن يتركه له الفرصة لتوديعها أو ليطمئنها بأنه لم يفعل، لم تفوق من صدمتها إلا وهو يغادر الغرفة مع الشرطة لتنهمر الدموع من جفنيها بغزارة وأرتجف قلبها فزعها وحتى أنفاسها لم تصل لرئتيها لتوجه صعوبة فى التنفس مما ألقي عليها فى هذه اللحظة...
_________________
خرجت “ليلي” من المطبخ حامل طبقين بيديها ووضعتهم على الطاولة لتسمع صوته من الأعلى يقول:-
-صباح الفل والياسمين
ألتفت إليه لتراه ينزل على الدرج مُرتدي عباءة بيضاء حتى وصل “عطيه” أمامها وهو ينظر حوله باحثًا عن والدته وعندما تأكد بأنها ليست بالجوار وضع قبلة على جبينها بلطف قائلًا:-
-صباحية مباركة يا عروستي
تبسمت “ليلي” بخجل رغم سعادتها التى توصف بشيء فهذه اللحظة وقد أصبحت زوجة لرجل عشقته مع كل شجار بينهما وكأن المشاجرات هى من صنعت هذا العشق، نبضات قلبها تتسارع وتكاد تجزم أن “عطيه” سمع نبضاتها فى هذه اللحظة فتحدثت بصوت دافيء:-
-صباح النور يا حبيبي، أقعد أفطر وأنا هروح أصحي ماما
تبسم بخباثة وهو يعرف أمه أكثر من هذه الزوجة الجديدة فى منزلهم وقبل أن يتحدث أتاهما صوت والدته من الخلف وهي تقول:-
-ودا ما أفتكرتي يا هانم أن فى حد معاكم فى الدار ولا كنتِ ناوية تأكليني البواجي بتاعتك
ألتفت “ليلي” إلى والدته بدهش ثم سارت نحوها وهى تقول:-
-لا والله يا ماما أنا كنت بجهز الفطار بس
وصلت أمامها لتنحنى مُقبلة يدها فجذبت والدته يدها منها بقوة وقالت بشجن:-
-بعدي أكدة عني، ومالك أكدة حلوة وشبه الجمر على الصبح أيه رايح تتجوز
صمتت “ليلي” بحرج فتبسم “عطيه” وهو يتطلع بزوجته الواقفة فى صمت مُرتدية فستان أبيض ملأ بالورود الملونة وتستدل شعرها الحرير ذو اللون الأسود الفحمي على ظهرها وتضع رابطة حول رأسها باللون الوردي جميلة وترسم عينيها بالكحل وتضع ملمع شفايف فقط، كانت جميلة بحق فلم تخطأ والدته فى نعتها بالجمال ورقتها تزيدها جمالًا مع خجلها التى جعل من وجنتيها حمراء كالفراولتين، أقتربت “ليلي” من والدته بحيرة كيف تكسب رضا هذه المرأة العجوزة التى تجاوزت السبعين من العمر لكن عقلها عقل طفل لم تكمل العشر سنوات وقالت:-
-أجبلك برفيوم من بتاعي
نظرت والدته إليها ثم قالت ببسمة خبيثة:-
-حلو
قربت “ليلي” يدها من أنف والدته لتستنشق عبيرها وقالت:-
-عندك منه؟
أومأت “ليلي” بنعم لتبتسم والدته بحماس طفولية لتدفع “ليلي” المقعد المتحرك نحو السفرة وجعلتها تجلس بجوار “عطيه” من اليسار وجلست هى بجواره على اليمين ، جذبته والدته من ذراعه بقوة وهمست فى أذنه قائلًا:-
-زينة البنية دى وجميلة كيف الجمر أجوزهالك يا ولدي
تبسم “عطيه” بعفوية ممزوجة بالحب وعينيه لم تفارق النظر إلى زوجته المُدللة ذات القلب اللين وقال بحب شديد ساكنًا بين ضلوعه بيسار صدره:-
-يا ريت
قطع حديثهم دخول “مريم” من الخارج فجلست على السفرة جوار والدتها وبدأت فى تناول الطعام وهى تقول:-
-شوفتك أهنا حتى وأنت عريس بتجول أنك مسمعتهاش باللي حصل
نظر “عطيه” إلى أخته بأستغراب من حديثها لتقول بسعادة:-
-صباحية مباركة يا عروسة أن شاء الله كل أيامك الجاية هنا وسعادة
تبسمت “ليلي” بخجل وهى تقول:-
-أمين يا رب العالمين، عقبالك
قاطعهما “عطيه” بفضول من جملتها الأولي وقال:-
-حصل أيه يا مريم؟
أجابته ببرود دون أن تكترث كثيرًا لما يحدث بهذه البلدة قائلة:-
-أتجبض على نوح الصياد
أتسعت أعين “عطيه” بصدمة ألجمته فقال بذهول:-
-أنتِ بتجولي أيه؟
تناولت لقمتها وهى تقول:-
-وأنا مالي أنا، بيجولوا جتل خالد ولد عمه
وقف “عطيه” من مكانه ليغادر المنزل وفزعت “ليلي” بقلق على صديقتها لما حدث لزوجها فقالت “مريم”:-
-مش أنا جولت ما دام لسه أهنا يبجي متعرفش، أنت هتطلع وتسيب عروستك يوم صباحيتكم عاوز الناس تجول أيه علينا
أجابها “عطيه” وهو يقترب بخطواته من الدرج ولا يبالي لشيء سوي صديقه:-
-ما تولع الناس، أنا مههملش نوح لحاله فى ظرف زي دا
تحدث “ليلي” بتردد وخوف من رده قائلة:-
-ممكن أروح لعهد
ألتف إليها وهو على الدرج وقب أن يُجيب أجابتهم “ليلي” قائلة:-
-عهد فى المستشفى من أمبارح، تعبت فى الفرح ودخلت ولادة ومجالوش لحد
تأفف “عطيه” بضيق شديد من أخته وهو يقول:-
-أنتِ هتنجطينى بالكلام ما تجولي كله مرة واحدة، تعالى يا ليلي غيرى خلجاتك عشان أوصلك فى طريجي
صعدت “ليلي” معه بهلع وزاد خوفها على صديقتها الموجودة بالمستشفي وما حل بزوجها، خرج “عطيه” من المرحاض ليري زوجته واقفة أمام خزينة الملابس فى صمت ولا تتحرك تحدق بالملابس وكأنها فى عالم أخرى ويديها ترتجف ، أقترب منها بلطف ثم قال بنبرة دافئة مُطمئنة لها:-
-متجلجيش يا حبيبتي كله هيكون تمام وبخير
لم تتفوه بكلمة واحدة بل أخذت الخطوة الفاصلة بينهم إليه ووضعت رأسها فوق صدره بضعف كطفلة صغيرة خائفة وبدأت بالتمتمة تلوم نفسها على ما حدث لصديقتها:-
-أنا اللى تعبتها معايا الأيام اللى فاتت وبسببي ولدت قبل ميعادها
ربت “عطيه” على ظهرها بلطف وقال بحنان:-
-أيه اللى بتجوليه دا ها، دا مكتوب لها تولد دلوجت والولادة رزق يا حبيبتى وهى أكيد فرحانة دلوجت وهى شايلة ابنها بين أيدها أطمني
أبتعدت “ليلي” عنه لتحدق به ثم تمتم بخوف:-
-نوح لو حصله حاجة عهد ممكن تروح فيه، أنت متعرفش هى بتحبه قد أيه
مسح “عطيه” على رأسها بدلل ثم قال:-
-أطمني والله ما هيحصل حاجة، أنا مهملش حد يأذي نوح طول ما انا عايش وهيطلع منها بأذن الله
أومأت إليه بنعم وهى تثق بحديث زوجها وأنه سيفي بوعده لها ما دام قطع هذا الوعد...
____________________
ربتت “عليا” على أكتاف “عهد” الباكية بأنهيار تام وغير مصدقة ما حدث وكيف كسرت فرحتها بمولودها بما حدث لزوجها، تحدثت ”عليا” بنبرة خافتة قائلة:-
-أهدئي يا عهد أنتِ بطنك مفتوحة والعياط دا كله هيأذي جرحك، شدة وهتزول والله
لم تتوقف عن البكاء وتضع يدها على جرح بطنها المؤلم لكن ألم قلبها المُنقبض يقتلها أكثر ويجعل جسدها يتنفض فزعًا وخوفًا، لم يتوقف طفلها الصغير عن البكاء لوهلة بسبب الجوع وهى ترفض فعل شيء سوى البكاء حتى أرضاع طفلها لا تقوي على فعله، نظرت “عليا” بعجز فى مواساة أختها إلى “سلمي” لتضرب “سلمي” كفيها ببعضهم وهى تقول:-
-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فتح باب الغرفة ودلفت “ليلي” بلهفة ونظرت إلى الجميع وتحديدًا إلى صديقتها المُنهرة لتسرع نحوها بلهفة وهى تقول:-
-عهد
نظرت “عهد” إلى بضعف وخوف لتدمع عيني “ليلي” رغمًا عنها فعانقتها بحب شديد صادق بينهما وهن أكثر من صديقتين لتبدأ تربت على ظهرها وتقول:-
-أهدئي يا عهد، عطيه راح لنوح وهم هيقدروا يحلوها متقلقيش يا حبيبتي
صرخات بكائها وشهقاتها القوية تعلو وتعلو، دمعت عيني “ليلي” أكثر على حال صديقتها فأنتبهت لصوت بكاء الرضيع هو الأخر، أبتعدت عنها لتحمل الطفل الباكي لكنه لم يكفى عن البكاء وهو يرغب بوالدته الآن أكثر من أن يدلله أحد، وضعته “ليلي” بين ذراعي “عهد” لتنظر “عهد” إلى طفلها فقالت “عليا” بحنان:-
-ياسين هيموت من الجوع يا عهد، أهدئي يا حبيبتى وخلي بالك منه كويس
أستسلمت لرغبة رضيعها الباكي فرفعت يدها ببطيء تجفف دموعها التى لوثت وجنتيها بالكامل وضمت “ياسين” إلى صدرها بقلب أم لا يعرف سوى الطيبة والحُب، فكم ليلة أنتظرت رؤيته وأشتاق لمعرفة ملامحه وأستنشاق عبيره ورائحته الطفولية، كم لحظة تمنت أن تلمس أصابعه بحب، سكن الحب قلبها لهذا الرضيع من قبل أن تراه وأكتفت بما تشعر به وهو داخل أحشائها وركلته لها المؤلم كانت كالنبض لأحيا عشقه داخل قلبها وروحها رغم ألمه لكنها كنت تنتظر ركلته حتى تطمئن أنه بخير، والآن أتعاقبه بعد أن جاء إليه فدمعت عينيها من قسوتها على رضيعها الذي لم يكمل سوى يومًا واحدًا من العمر....
__________________
ظل “عطيه” و”علي” واقفان أمام مكتب وكيل النيابة بانتظار خروج “نوح” من الداخل، فُتح باب المكتب وخرج “نوح” بيد العسكري ومعه المحامي ليسرع الأثنين إليه فقال “عطيه” للعسكري:-
-لحظة
أجابه العسكري وهو ينظر حوله بقلق:-
-بسرع اللى يخليكم عشان وكيل النيابة مشدد جوي بعد ما عرف أن نوح بيه من كبائر البلد ومعايزهوش يتميز عن بجية المتهمين
أومأ “عطيه” إليه بنعم وقال بقلق:-
-حصل كيف دا؟
تحدث “نوح” بجدية صارمة وتحذير:-
-مخابرش، المهم مرتى وولدى، متروحش عهد وياسين على البيت الكبير يا حج، فاتن وبنتها ميتأمنوش ومكرهم وسمهم هيأذوهم، مرتي وولدي أمانة يا أبويا
أجابه “على” بجدية مُطمئنًا له:-
-متجلجش يا ولدى عليهم محدش يجدر يأذيهم طول ما أنا عايش المهم أنت خليك فى حالك
نظر “نوح” إلى “عطيه” بجدية ليقول “عطيه”:-
-متجلجش يا نوح أنا فى ضهرك وبأذن الله مهتطولش أهنا
أومأ “نوح” إليه ثم قال بتحذير:-
-خلي الرجالة تدور على تاج وكل واحد له عداوة مع خالد حتى لو أضطرت تجلب البلد على رأسها، وهمام كمان دور عليه بس الأول أمن مكان لعهد وياسين النهاردة وجبل ما تطلع من المستشفي فاهمني يا عطيه
تحدث “عطيه” بجدية قائلًا:-
-متجلجش من كل دا وأنا هوصي العساكر عليك متخافيش
نظر “نوح” له ثم قال ببسمة ساخرًا من هذا الحديث وقال:-
-متجلجوش عليا، أنا نوح الصياد ألف من هيعوز يخدمنى حتى فى الحبس
مر الضابط من جوارهم ليصرخ العسكري بيهم وهو يقول:-
-هم أمال يا متهم
سار “نوح” مع العسكري بضيق ليغادر “عطيه” مع المحامى و”علي” وقال:-
-شايف أيه يا متر
نظر المحامي إليهم وقال:-
-القضية مش سهلة، فى شهود شهدوا أن نوح بيه ورجالته هم اللى خدوا خالد من البيت اللى كان فيه بالقوة دا غير التحريات اللى أثبتت العداوة بين خالد ونوح بيه وفاتن مرات عمه جالت انه هددها بجتل خالد وجتل حمدي لنادر ودا دافع تاني يخلي نوح بيه عايز يأخد ثأر أخوه من ولد حمدي
أومأ “عطيه” بحماس وحزم شديد قائلًا:-
-يعنى كلها أفتراضات للعداوة والمشكلة فى الشهود بس، سيبها على الله
تحدث المحامي بجدية وقلق من نبرة “عطيه” ونظرته التى توحي بالشر والأنتقام:-
-خليني نمشي بالقانون
تبسم “عطيه” وهو يهندم عباءته فوق أكتافه ويقول:-
-القانون دا ليك أنت يا متر أنما إحنا لينا طريجنا اللى يجيب الحج بيدينا
فتح باب السيارة إلى “علي” ثم صعد لينطلقوا فسأل “علي” بقلق:-
-خلينا فى عهد وياسين دلوجت
أجابه “عطيه” وهو يخرج الهاتف من جيبه بيده الأخرى أثناء قيادته وقال:-
-خليها على الله يا حج متشلش هم، بعون الله محدش هيلمس منه شعرة
وضع الهاتف على أذنه بأنتظار الطرف الأخر يستقبل اتصاله...
_________________
كانت “أسماء” جالسة بغرفتها حزينة وترتدي عباءة سوداء وتتحدث فى الهاتف مع نادر قائلة:-
-عمايله هى اللى وصلته لكدة بس برضو هو أخويا، أه ينعم اللى سمعته عنه مكانش أحسن حاجة بس دا أخويا يا نادر
أجابها “نادر” وهو يسير فى رواق المستشفى واضعًا يده فى جيب البلطو الأبيض هاتفًا:-
-أنا خابر زين ومن حجك تزعلى لأنه أخوكي، أدعليه بالمغفرة على أعماله ودلوجت فى أيدي الخالق
تحدثت بصوت باكي ونبرة واهنة قائلة:-
-أنا جلجانة جوي على ماما، من ساعة ما رجعنا من المشرحة وهى ساكتة مبتنطجش بحرف حتى دموعها بتنزل فى صمت، لدرجة أنى عايزها تصرخ وتصوت بس أسمع صوتها، خايفة أوى من صامتها دا يا نادر وجلجانة عليها
جلس “نادر” على أريكة بحديقة المستشفي وقال بهدوء:-
-خليك معاها وجنبها دايمًا هى برضو أمه وخسرت ولدها وكمان شافته فى المشرحة بعد كم الجروح اللى فيه اكيد مصدومة
صمتت “أسماء” قليلًا ثم سألت بتردد:-
-هى عهد خرجت من المستشفى؟
أعتدل “نادر” فى جلسته فى صمت وهو يدرك سبب سؤالها عن “عهد” فقال بجدية مُحذرًا لها:-
-عارفة يا أسماء أنا وياكي وأخترتك ليه حتى لو مكنتش جولتها بس أنا خابر زين أنك مُتأكدة من مشاعر ليكي، هجولك من غير ما تفكرى او تتعبي نفسك فى الكلام، أنا وياكي وأخترتك لأن قلبك أبيض وطيبتك ظاهرة فى كل تصرف وفعل بتعمليه، نقائك وجمال روحك هما اللى جذبوني ليكي وكونوا ليكي كل المشاعر الجميلة اللى جوايا، روحك وقلبك دول اللى خلوكي عندي أغلى من كل المجوهرات وأثمن ما فى الكون فبلاش تخرسي نقائك وطيبتك
كادت أن تتحدث “أسماء” قائلة:-
-نادر أنا …
قاطعها بحزم قائلًا:-
-عهدت ولدت وخرجت المغرب يا أسماء وأنا مهمنعكيش عن أى حاجة بس صدجنى بلاش تخسرني وتخسري كل الحلو اللى ليكي جوايا بتصرف غبي وعُذرًا فى الكلمة اللى هجولها بس كيف ما أنتِ جولتى، خالد مكنش أمام جامع ونوح لسه مشتبه به لكن القانون مأجزمش انه عملها وأنا عن نفسي ممصدجش أنه عملها
كادت أن تتحدث ليقول “نادر” بجدية صارمة:-
-أنا هجفل عشان عندي شغل يا أسماء
أغلق الاتصال معها لتظل تنظر للهاتف فى صمت وتفكر بحديثه وتحذيره لها بألا تخسره لتسيل الدموع من عينيها فى صمت بحزن شديد يفتت قلبها وينحر روحها بسكين حاد فتنهدت بأختناق لما يحدث بها وألمها...
_______________________
كان “نوح” جالسًا بالزانزنة يفكر بما حدث ومن فعلها لكن هذا الفاسق أعدائه أكثر من حلفائه، وبكل خطوة يخطوها يصنع عدو جديد مما يُصعب وجود الفاعل، أغمض عينيه بغضب ليفكر بزوجته المريضة ومولوده الذي لم يحمله سوى مرة واحدة وكيف تدمرت فرحتهما وكُسرت بسبب هذا الفاسق المختل، تمتم بحزن مُشتاقًا لزوجته:-
-كيفك يا عهدي؟
_______________________
بغرفة مُظلمة كانت “عهد” نائمة بفراشها تبكي بصمت ودموعها لم تتوقف لوهلة واحدة عن النزول وقلبها يفتك به الوجع والحزن على ما حدث ولم تبالى لبكاء طفلها النائم بجوارها ففُتح باب الغرفة ودلفت “خلود” ابنه “حُسنة” تجمل صينة الطعام وقالت بهدوء:-
-برضو مهتأكليش
لم تُجيبها “عهد” لتجلس “خلود” جوارها وقالت بلطف:-
-صدجني هم وهيزول، نوح بيه ميعملهاش وبراءته هتظهر جريب بس أنتِ مهينفعش اللى بتعمله فى حالك دا، ولدك محتاجاك
لم تبالي “عهد” وكأنها بعالم أخر غير العالم ولا تستمع لكلمة واحدة من حديث “خلود” فربتت “خلود” على ذراعها بلطف وقالت:-
جومي أمال كُلي أى حاجة عشان علاجك وجرحك حتى عشان تجدر تروح تزور نوح بيه وتطمني عليه
ألتفت “عهد” بعد ذكر أسمه بضعف وحاولت الجلوس بصعوبة فتبسمت “خلود” بعفوية وهى تتسائل أهذه المرأة تحبه بهذا القدر؟ بدأت فى تناول القليل من الطعام فى صمت لتحتضر لها “خلود” العلاج وهى تقول:-
-الحج علي ربنا يكرمك ويخليهولك مرفضش أبدًا أنى أجي أهتم فيكي أنتِ وياسين الجميل دا
تحدثت “عهد” بضعف ولهجة واهنة بصوت مبحوح:-
-نوح معملهاش أنا مُتأكدة من دا
جلست “خلود” أمامها ثم قالت:-
-نوح بيه ميعملهاش، اه هو ساعات قسوته بترعب وممكن بنظرة يخلي أخاف أجي داركم تاني لكن قلبه مفيش أطيب منه صدجينى، ميجتلش نفس ربنا حرم جتلها، هو جبروته وقسوته يرعبه ويخلوكي تتمني الموت لكن ميموتكش أبدًا
رفعت “عهد” يدها إلى عنقها تلمس القلادة التى أهدأها إليها قبل هذا الحادث وتحديدًا اسمه بأشتياق وخوف من أن يُصيبه شيء وتُثبت التهمة عليه وعينيها تنظر إلى “ياسين” بضعف وانكسار وهو يبكي كأنها تطلب من هذا الطلب أن يغفر قسوة والدته عليه فحقًا قلبها على وشك التوقف من الفراق والخوف......
_______________________
بأحد خيم الغجر، تحدثت السيدة العجوزة بصدمة قاتلة ألجمتها بنبرة هامسة خوفًا من أن يسمعهما أحد:-
-جتلتيه كيف؟ أنتِ جنتي إحنا كنا عايزينه يتجوزك عشان اللى فى بطنك؟
كانت “تاج” جالسة على الأرض وتأكل الفاكهة بفرحة عارمة تغمرها بعد أن أنتقمت منه على كل ما فعله بها ورفض للزواج منها وقالت بسعادة:-
-وهو مهيتجوزنيش يبجي يموت وأى ورجة عرفي وهجوله أنى أتجوزته واللى يشك فى كلام يبجى يروح يسأله فى الجبر
ضربت السيدة العجوزة الأرض بعصتها ثم قالت:-
-وأنتِ بجي مفكرة أن نوح الصياد بجلالة قدره هيشيل التهمة عندك ولا هيفضل فى السجن كتير ويلبسها عشان تفكرى فى ولدك، أنتِ متعرفيش أنك لعبتي مع اللي مينفعش تلعبي فيه
رمقتها “تاج” بنظرة مُرعبة ثم وقفت من مكانها وهى تمسك سكين الفاكهة بيدها لتقف أمام هذه السيدة ووضعت السكين على عنقها بغضب سافر ثم قالت:-
-أنا جتلت مرة ومعنديش مانع أجتل تاني دا بالعكس هتكون أسهل من الأولي، جربي أنتِ تفتحى تمك لحد وتنطج بكلمة واحدة وهتشوفي أنا هعمل أيه
أنهت كلمتها ودفعت السيدة بقوة لتسقط أرضًا بخوف شديد وهى تلهث رعبًا مما تحولت عليه “تاج” هذه الغجرية الشمطاء.....
يتبــــــع......
____ بعنــوان “إتهـــام”____
ما زالت عينيها مغمضتين لكنها شعرت بشيء لطيف يعانق يدها الباردة بقوة مُتشبثًا بها كالوبر، من دون أن تفتح عيناها لتنظر علمت بأنه المحب والحبيب الغارق بهواها، فتحت عينيها ببطيء وتعب لتراه بصورة مشوشة يحتضن يدها بكفيه الاثنين ويقبلها بشفتيه ودفء أنفاسه يداعب هذه اليد الصغيرة لتقول بصوت مبحوح:-
-نوح
رفع رأسه بلهفة وشغف ناظرًا إلى زوجته طريحة الفراش ثم وقف بتعجل مطوقًا رأسها بيده وهو يمسح على شعرها بدلال ليقول:-
-حمدالله على سلامتك يا حبيبة قلبي
تبسمت "عهد" بضعف وما زالت تحت تأثير المخدر القوي من أجل جراحتها لتقول بهمهمة:-
-ابني....
ربت على رأسها بلطف أكثر ودفء يحتويها وقال بحب:-
-ربنا وهبني ملاك صغير جميل منكِ
تبسمت "عهد" بضعف لتغمض عينيها وهى تستسلم للنوم بحضوره وهو جوارها لتدخل الممرضة عليهم فسأل "نوح" بقلق:-
-مش المفروض أن ولادتها بدون ألم
أجابته الممرضة بجدية وهى تعلق لها المحلول الملحي قائلة:-
-اه ومفعولها هيبدأ متقلقش
أومأ "نوح" إليها بنعم ثم حمل الرضيع من صندوقه الزجاجي ليضعه بين ذراعي زوجته حتي يشعر كلا منهما بالأخر ويستنشق هذا الطفل رائحة والدته لتفتح "عهد" عينيها بتعب ثم نظرت إلي طفلها ببسمة مُشرقة وكأن تعبها وهذا الأرهاق الغليظ تلاشوا وتواروا فور رؤيتها لوجه طفلها الرضيع الذي لطالما أنتظرته لشهور طويلة وهى تشعر به يكبر بداخلها، تحدث "نوح" بسعادة لم يشعر بمثلها من قبل وهو يري أسرته الصغيرة أمامه:-
-عهد
رفعت نظرها إليه ببسمة مبهجة ليتابع الحديث وهو يجلس على حافة الفراش جوارها فى المقابل:-
-أنا بحبك بعمري كله ولو فى حاجة ممكن توصف سعادتي باللحظة دى هتكون أني فى الجنة على الأرض ما دام جنبك ومعاكي وربنا كرمي وأنعم عليا بطفل منك أن شاء الله أحسن تربيته وبيكون سبيلنا للجنة فى الأخرة زى ما كان سبب سعادتنا دلوجت
تبسمت "عهد" بدلال وهى تستمع لحديثه ثم قالت بإمتنان:-
-أنت عظيم أوي يا نوح، أعظم راجل شافته عيني وأنا حرفيًا بكل ما تعني الكلمة أنا مُمتنة للقدر والظروف اللى جمعتني بك وخلتني من نصيبك، كفاية أحتوائك ليا ومساندتك ليا فى لحظة زى دى وأنك تقوم بدور أمي اللى أتحرمت منها وتهتم بكل التفاصيل اللى المفروض امي وأختي اللى يهتموا بها فى لحظة زى دى، أنا فعلًا بحبك وعلى أيدك أتعلمت أن الحب مش مجرد كلام بيتقال ولا ورد وشوية هدايا، الحب أعظم وأثمن بكتير من كل دا
تبسم "نوح" بلطف ثم أنحني يقبل جبينها بدلال كأميرته التي يدللها دومًا ويتوجها بتاج العشق على عرش قلبه الذي سقط فى الهوي
قاطع حديثهم دخول مُفاجيء للغرفة بمجموعة من رجال الشرطة فنظر الاثنين إليهما بدهشة ليقول الضابط بحزم:-
-أنت نوح الصياد
نظر “نوح” إليه بغرور وجدية وقال:-
-اه فى حاجة
أجابه ضابط الشرطة بجدية دون أن يهتم لمكانة هذا الرجل أو هيبته قائلًا:-
-أنت مطلوب القبض عليك بتهمة جتل خالد الصياد
أتسعت أعين الجميع على مصراعيهامن الذهول والصدمة التى ألجمتهم وجمدت ألسنتهم داخل أفواههم، تتطلعت “عهد” به بصدمة غير مصدقة ما تسمعه فقال “نوح” بنفي ومعارضة:-
-أنا مجتلتش حد
أشار الضابط للعساكر بأخذه وهو يقول:-
-الكلام دا تجوله فى النيابة ومن حجك تنفي براحتك لكن أنا من حجي وواجبي أن أجبض عليك
أخذوا من أمامها دون أن يتركه له الفرصة لتوديعها أو ليطمئنها بأنه لم يفعل، لم تفوق من صدمتها إلا وهو يغادر الغرفة مع الشرطة لتنهمر الدموع من جفنيها بغزارة وأرتجف قلبها فزعها وحتى أنفاسها لم تصل لرئتيها لتوجه صعوبة فى التنفس مما ألقي عليها فى هذه اللحظة...
_________________
خرجت “ليلي” من المطبخ حامل طبقين بيديها ووضعتهم على الطاولة لتسمع صوته من الأعلى يقول:-
-صباح الفل والياسمين
ألتفت إليه لتراه ينزل على الدرج مُرتدي عباءة بيضاء حتى وصل “عطيه” أمامها وهو ينظر حوله باحثًا عن والدته وعندما تأكد بأنها ليست بالجوار وضع قبلة على جبينها بلطف قائلًا:-
-صباحية مباركة يا عروستي
تبسمت “ليلي” بخجل رغم سعادتها التى توصف بشيء فهذه اللحظة وقد أصبحت زوجة لرجل عشقته مع كل شجار بينهما وكأن المشاجرات هى من صنعت هذا العشق، نبضات قلبها تتسارع وتكاد تجزم أن “عطيه” سمع نبضاتها فى هذه اللحظة فتحدثت بصوت دافيء:-
-صباح النور يا حبيبي، أقعد أفطر وأنا هروح أصحي ماما
تبسم بخباثة وهو يعرف أمه أكثر من هذه الزوجة الجديدة فى منزلهم وقبل أن يتحدث أتاهما صوت والدته من الخلف وهي تقول:-
-ودا ما أفتكرتي يا هانم أن فى حد معاكم فى الدار ولا كنتِ ناوية تأكليني البواجي بتاعتك
ألتفت “ليلي” إلى والدته بدهش ثم سارت نحوها وهى تقول:-
-لا والله يا ماما أنا كنت بجهز الفطار بس
وصلت أمامها لتنحنى مُقبلة يدها فجذبت والدته يدها منها بقوة وقالت بشجن:-
-بعدي أكدة عني، ومالك أكدة حلوة وشبه الجمر على الصبح أيه رايح تتجوز
صمتت “ليلي” بحرج فتبسم “عطيه” وهو يتطلع بزوجته الواقفة فى صمت مُرتدية فستان أبيض ملأ بالورود الملونة وتستدل شعرها الحرير ذو اللون الأسود الفحمي على ظهرها وتضع رابطة حول رأسها باللون الوردي جميلة وترسم عينيها بالكحل وتضع ملمع شفايف فقط، كانت جميلة بحق فلم تخطأ والدته فى نعتها بالجمال ورقتها تزيدها جمالًا مع خجلها التى جعل من وجنتيها حمراء كالفراولتين، أقتربت “ليلي” من والدته بحيرة كيف تكسب رضا هذه المرأة العجوزة التى تجاوزت السبعين من العمر لكن عقلها عقل طفل لم تكمل العشر سنوات وقالت:-
-أجبلك برفيوم من بتاعي
نظرت والدته إليها ثم قالت ببسمة خبيثة:-
-حلو
قربت “ليلي” يدها من أنف والدته لتستنشق عبيرها وقالت:-
-عندك منه؟
أومأت “ليلي” بنعم لتبتسم والدته بحماس طفولية لتدفع “ليلي” المقعد المتحرك نحو السفرة وجعلتها تجلس بجوار “عطيه” من اليسار وجلست هى بجواره على اليمين ، جذبته والدته من ذراعه بقوة وهمست فى أذنه قائلًا:-
-زينة البنية دى وجميلة كيف الجمر أجوزهالك يا ولدي
تبسم “عطيه” بعفوية ممزوجة بالحب وعينيه لم تفارق النظر إلى زوجته المُدللة ذات القلب اللين وقال بحب شديد ساكنًا بين ضلوعه بيسار صدره:-
-يا ريت
قطع حديثهم دخول “مريم” من الخارج فجلست على السفرة جوار والدتها وبدأت فى تناول الطعام وهى تقول:-
-شوفتك أهنا حتى وأنت عريس بتجول أنك مسمعتهاش باللي حصل
نظر “عطيه” إلى أخته بأستغراب من حديثها لتقول بسعادة:-
-صباحية مباركة يا عروسة أن شاء الله كل أيامك الجاية هنا وسعادة
تبسمت “ليلي” بخجل وهى تقول:-
-أمين يا رب العالمين، عقبالك
قاطعهما “عطيه” بفضول من جملتها الأولي وقال:-
-حصل أيه يا مريم؟
أجابته ببرود دون أن تكترث كثيرًا لما يحدث بهذه البلدة قائلة:-
-أتجبض على نوح الصياد
أتسعت أعين “عطيه” بصدمة ألجمته فقال بذهول:-
-أنتِ بتجولي أيه؟
تناولت لقمتها وهى تقول:-
-وأنا مالي أنا، بيجولوا جتل خالد ولد عمه
وقف “عطيه” من مكانه ليغادر المنزل وفزعت “ليلي” بقلق على صديقتها لما حدث لزوجها فقالت “مريم”:-
-مش أنا جولت ما دام لسه أهنا يبجي متعرفش، أنت هتطلع وتسيب عروستك يوم صباحيتكم عاوز الناس تجول أيه علينا
أجابها “عطيه” وهو يقترب بخطواته من الدرج ولا يبالي لشيء سوي صديقه:-
-ما تولع الناس، أنا مههملش نوح لحاله فى ظرف زي دا
تحدث “ليلي” بتردد وخوف من رده قائلة:-
-ممكن أروح لعهد
ألتف إليها وهو على الدرج وقب أن يُجيب أجابتهم “ليلي” قائلة:-
-عهد فى المستشفى من أمبارح، تعبت فى الفرح ودخلت ولادة ومجالوش لحد
تأفف “عطيه” بضيق شديد من أخته وهو يقول:-
-أنتِ هتنجطينى بالكلام ما تجولي كله مرة واحدة، تعالى يا ليلي غيرى خلجاتك عشان أوصلك فى طريجي
صعدت “ليلي” معه بهلع وزاد خوفها على صديقتها الموجودة بالمستشفي وما حل بزوجها، خرج “عطيه” من المرحاض ليري زوجته واقفة أمام خزينة الملابس فى صمت ولا تتحرك تحدق بالملابس وكأنها فى عالم أخرى ويديها ترتجف ، أقترب منها بلطف ثم قال بنبرة دافئة مُطمئنة لها:-
-متجلجيش يا حبيبتي كله هيكون تمام وبخير
لم تتفوه بكلمة واحدة بل أخذت الخطوة الفاصلة بينهم إليه ووضعت رأسها فوق صدره بضعف كطفلة صغيرة خائفة وبدأت بالتمتمة تلوم نفسها على ما حدث لصديقتها:-
-أنا اللى تعبتها معايا الأيام اللى فاتت وبسببي ولدت قبل ميعادها
ربت “عطيه” على ظهرها بلطف وقال بحنان:-
-أيه اللى بتجوليه دا ها، دا مكتوب لها تولد دلوجت والولادة رزق يا حبيبتى وهى أكيد فرحانة دلوجت وهى شايلة ابنها بين أيدها أطمني
أبتعدت “ليلي” عنه لتحدق به ثم تمتم بخوف:-
-نوح لو حصله حاجة عهد ممكن تروح فيه، أنت متعرفش هى بتحبه قد أيه
مسح “عطيه” على رأسها بدلل ثم قال:-
-أطمني والله ما هيحصل حاجة، أنا مهملش حد يأذي نوح طول ما انا عايش وهيطلع منها بأذن الله
أومأت إليه بنعم وهى تثق بحديث زوجها وأنه سيفي بوعده لها ما دام قطع هذا الوعد...
____________________
ربتت “عليا” على أكتاف “عهد” الباكية بأنهيار تام وغير مصدقة ما حدث وكيف كسرت فرحتها بمولودها بما حدث لزوجها، تحدثت ”عليا” بنبرة خافتة قائلة:-
-أهدئي يا عهد أنتِ بطنك مفتوحة والعياط دا كله هيأذي جرحك، شدة وهتزول والله
لم تتوقف عن البكاء وتضع يدها على جرح بطنها المؤلم لكن ألم قلبها المُنقبض يقتلها أكثر ويجعل جسدها يتنفض فزعًا وخوفًا، لم يتوقف طفلها الصغير عن البكاء لوهلة بسبب الجوع وهى ترفض فعل شيء سوى البكاء حتى أرضاع طفلها لا تقوي على فعله، نظرت “عليا” بعجز فى مواساة أختها إلى “سلمي” لتضرب “سلمي” كفيها ببعضهم وهى تقول:-
-لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فتح باب الغرفة ودلفت “ليلي” بلهفة ونظرت إلى الجميع وتحديدًا إلى صديقتها المُنهرة لتسرع نحوها بلهفة وهى تقول:-
-عهد
نظرت “عهد” إلى بضعف وخوف لتدمع عيني “ليلي” رغمًا عنها فعانقتها بحب شديد صادق بينهما وهن أكثر من صديقتين لتبدأ تربت على ظهرها وتقول:-
-أهدئي يا عهد، عطيه راح لنوح وهم هيقدروا يحلوها متقلقيش يا حبيبتي
صرخات بكائها وشهقاتها القوية تعلو وتعلو، دمعت عيني “ليلي” أكثر على حال صديقتها فأنتبهت لصوت بكاء الرضيع هو الأخر، أبتعدت عنها لتحمل الطفل الباكي لكنه لم يكفى عن البكاء وهو يرغب بوالدته الآن أكثر من أن يدلله أحد، وضعته “ليلي” بين ذراعي “عهد” لتنظر “عهد” إلى طفلها فقالت “عليا” بحنان:-
-ياسين هيموت من الجوع يا عهد، أهدئي يا حبيبتى وخلي بالك منه كويس
أستسلمت لرغبة رضيعها الباكي فرفعت يدها ببطيء تجفف دموعها التى لوثت وجنتيها بالكامل وضمت “ياسين” إلى صدرها بقلب أم لا يعرف سوى الطيبة والحُب، فكم ليلة أنتظرت رؤيته وأشتاق لمعرفة ملامحه وأستنشاق عبيره ورائحته الطفولية، كم لحظة تمنت أن تلمس أصابعه بحب، سكن الحب قلبها لهذا الرضيع من قبل أن تراه وأكتفت بما تشعر به وهو داخل أحشائها وركلته لها المؤلم كانت كالنبض لأحيا عشقه داخل قلبها وروحها رغم ألمه لكنها كنت تنتظر ركلته حتى تطمئن أنه بخير، والآن أتعاقبه بعد أن جاء إليه فدمعت عينيها من قسوتها على رضيعها الذي لم يكمل سوى يومًا واحدًا من العمر....
__________________
ظل “عطيه” و”علي” واقفان أمام مكتب وكيل النيابة بانتظار خروج “نوح” من الداخل، فُتح باب المكتب وخرج “نوح” بيد العسكري ومعه المحامي ليسرع الأثنين إليه فقال “عطيه” للعسكري:-
-لحظة
أجابه العسكري وهو ينظر حوله بقلق:-
-بسرع اللى يخليكم عشان وكيل النيابة مشدد جوي بعد ما عرف أن نوح بيه من كبائر البلد ومعايزهوش يتميز عن بجية المتهمين
أومأ “عطيه” إليه بنعم وقال بقلق:-
-حصل كيف دا؟
تحدث “نوح” بجدية صارمة وتحذير:-
-مخابرش، المهم مرتى وولدى، متروحش عهد وياسين على البيت الكبير يا حج، فاتن وبنتها ميتأمنوش ومكرهم وسمهم هيأذوهم، مرتي وولدي أمانة يا أبويا
أجابه “على” بجدية مُطمئنًا له:-
-متجلجش يا ولدى عليهم محدش يجدر يأذيهم طول ما أنا عايش المهم أنت خليك فى حالك
نظر “نوح” إلى “عطيه” بجدية ليقول “عطيه”:-
-متجلجش يا نوح أنا فى ضهرك وبأذن الله مهتطولش أهنا
أومأ “نوح” إليه ثم قال بتحذير:-
-خلي الرجالة تدور على تاج وكل واحد له عداوة مع خالد حتى لو أضطرت تجلب البلد على رأسها، وهمام كمان دور عليه بس الأول أمن مكان لعهد وياسين النهاردة وجبل ما تطلع من المستشفي فاهمني يا عطيه
تحدث “عطيه” بجدية قائلًا:-
-متجلجش من كل دا وأنا هوصي العساكر عليك متخافيش
نظر “نوح” له ثم قال ببسمة ساخرًا من هذا الحديث وقال:-
-متجلجوش عليا، أنا نوح الصياد ألف من هيعوز يخدمنى حتى فى الحبس
مر الضابط من جوارهم ليصرخ العسكري بيهم وهو يقول:-
-هم أمال يا متهم
سار “نوح” مع العسكري بضيق ليغادر “عطيه” مع المحامى و”علي” وقال:-
-شايف أيه يا متر
نظر المحامي إليهم وقال:-
-القضية مش سهلة، فى شهود شهدوا أن نوح بيه ورجالته هم اللى خدوا خالد من البيت اللى كان فيه بالقوة دا غير التحريات اللى أثبتت العداوة بين خالد ونوح بيه وفاتن مرات عمه جالت انه هددها بجتل خالد وجتل حمدي لنادر ودا دافع تاني يخلي نوح بيه عايز يأخد ثأر أخوه من ولد حمدي
أومأ “عطيه” بحماس وحزم شديد قائلًا:-
-يعنى كلها أفتراضات للعداوة والمشكلة فى الشهود بس، سيبها على الله
تحدث المحامي بجدية وقلق من نبرة “عطيه” ونظرته التى توحي بالشر والأنتقام:-
-خليني نمشي بالقانون
تبسم “عطيه” وهو يهندم عباءته فوق أكتافه ويقول:-
-القانون دا ليك أنت يا متر أنما إحنا لينا طريجنا اللى يجيب الحج بيدينا
فتح باب السيارة إلى “علي” ثم صعد لينطلقوا فسأل “علي” بقلق:-
-خلينا فى عهد وياسين دلوجت
أجابه “عطيه” وهو يخرج الهاتف من جيبه بيده الأخرى أثناء قيادته وقال:-
-خليها على الله يا حج متشلش هم، بعون الله محدش هيلمس منه شعرة
وضع الهاتف على أذنه بأنتظار الطرف الأخر يستقبل اتصاله...
_________________
كانت “أسماء” جالسة بغرفتها حزينة وترتدي عباءة سوداء وتتحدث فى الهاتف مع نادر قائلة:-
-عمايله هى اللى وصلته لكدة بس برضو هو أخويا، أه ينعم اللى سمعته عنه مكانش أحسن حاجة بس دا أخويا يا نادر
أجابها “نادر” وهو يسير فى رواق المستشفى واضعًا يده فى جيب البلطو الأبيض هاتفًا:-
-أنا خابر زين ومن حجك تزعلى لأنه أخوكي، أدعليه بالمغفرة على أعماله ودلوجت فى أيدي الخالق
تحدثت بصوت باكي ونبرة واهنة قائلة:-
-أنا جلجانة جوي على ماما، من ساعة ما رجعنا من المشرحة وهى ساكتة مبتنطجش بحرف حتى دموعها بتنزل فى صمت، لدرجة أنى عايزها تصرخ وتصوت بس أسمع صوتها، خايفة أوى من صامتها دا يا نادر وجلجانة عليها
جلس “نادر” على أريكة بحديقة المستشفي وقال بهدوء:-
-خليك معاها وجنبها دايمًا هى برضو أمه وخسرت ولدها وكمان شافته فى المشرحة بعد كم الجروح اللى فيه اكيد مصدومة
صمتت “أسماء” قليلًا ثم سألت بتردد:-
-هى عهد خرجت من المستشفى؟
أعتدل “نادر” فى جلسته فى صمت وهو يدرك سبب سؤالها عن “عهد” فقال بجدية مُحذرًا لها:-
-عارفة يا أسماء أنا وياكي وأخترتك ليه حتى لو مكنتش جولتها بس أنا خابر زين أنك مُتأكدة من مشاعر ليكي، هجولك من غير ما تفكرى او تتعبي نفسك فى الكلام، أنا وياكي وأخترتك لأن قلبك أبيض وطيبتك ظاهرة فى كل تصرف وفعل بتعمليه، نقائك وجمال روحك هما اللى جذبوني ليكي وكونوا ليكي كل المشاعر الجميلة اللى جوايا، روحك وقلبك دول اللى خلوكي عندي أغلى من كل المجوهرات وأثمن ما فى الكون فبلاش تخرسي نقائك وطيبتك
كادت أن تتحدث “أسماء” قائلة:-
-نادر أنا …
قاطعها بحزم قائلًا:-
-عهدت ولدت وخرجت المغرب يا أسماء وأنا مهمنعكيش عن أى حاجة بس صدجنى بلاش تخسرني وتخسري كل الحلو اللى ليكي جوايا بتصرف غبي وعُذرًا فى الكلمة اللى هجولها بس كيف ما أنتِ جولتى، خالد مكنش أمام جامع ونوح لسه مشتبه به لكن القانون مأجزمش انه عملها وأنا عن نفسي ممصدجش أنه عملها
كادت أن تتحدث ليقول “نادر” بجدية صارمة:-
-أنا هجفل عشان عندي شغل يا أسماء
أغلق الاتصال معها لتظل تنظر للهاتف فى صمت وتفكر بحديثه وتحذيره لها بألا تخسره لتسيل الدموع من عينيها فى صمت بحزن شديد يفتت قلبها وينحر روحها بسكين حاد فتنهدت بأختناق لما يحدث بها وألمها...
_______________________
كان “نوح” جالسًا بالزانزنة يفكر بما حدث ومن فعلها لكن هذا الفاسق أعدائه أكثر من حلفائه، وبكل خطوة يخطوها يصنع عدو جديد مما يُصعب وجود الفاعل، أغمض عينيه بغضب ليفكر بزوجته المريضة ومولوده الذي لم يحمله سوى مرة واحدة وكيف تدمرت فرحتهما وكُسرت بسبب هذا الفاسق المختل، تمتم بحزن مُشتاقًا لزوجته:-
-كيفك يا عهدي؟
_______________________
بغرفة مُظلمة كانت “عهد” نائمة بفراشها تبكي بصمت ودموعها لم تتوقف لوهلة واحدة عن النزول وقلبها يفتك به الوجع والحزن على ما حدث ولم تبالى لبكاء طفلها النائم بجوارها ففُتح باب الغرفة ودلفت “خلود” ابنه “حُسنة” تجمل صينة الطعام وقالت بهدوء:-
-برضو مهتأكليش
لم تُجيبها “عهد” لتجلس “خلود” جوارها وقالت بلطف:-
-صدجني هم وهيزول، نوح بيه ميعملهاش وبراءته هتظهر جريب بس أنتِ مهينفعش اللى بتعمله فى حالك دا، ولدك محتاجاك
لم تبالي “عهد” وكأنها بعالم أخر غير العالم ولا تستمع لكلمة واحدة من حديث “خلود” فربتت “خلود” على ذراعها بلطف وقالت:-
جومي أمال كُلي أى حاجة عشان علاجك وجرحك حتى عشان تجدر تروح تزور نوح بيه وتطمني عليه
ألتفت “عهد” بعد ذكر أسمه بضعف وحاولت الجلوس بصعوبة فتبسمت “خلود” بعفوية وهى تتسائل أهذه المرأة تحبه بهذا القدر؟ بدأت فى تناول القليل من الطعام فى صمت لتحتضر لها “خلود” العلاج وهى تقول:-
-الحج علي ربنا يكرمك ويخليهولك مرفضش أبدًا أنى أجي أهتم فيكي أنتِ وياسين الجميل دا
تحدثت “عهد” بضعف ولهجة واهنة بصوت مبحوح:-
-نوح معملهاش أنا مُتأكدة من دا
جلست “خلود” أمامها ثم قالت:-
-نوح بيه ميعملهاش، اه هو ساعات قسوته بترعب وممكن بنظرة يخلي أخاف أجي داركم تاني لكن قلبه مفيش أطيب منه صدجينى، ميجتلش نفس ربنا حرم جتلها، هو جبروته وقسوته يرعبه ويخلوكي تتمني الموت لكن ميموتكش أبدًا
رفعت “عهد” يدها إلى عنقها تلمس القلادة التى أهدأها إليها قبل هذا الحادث وتحديدًا اسمه بأشتياق وخوف من أن يُصيبه شيء وتُثبت التهمة عليه وعينيها تنظر إلى “ياسين” بضعف وانكسار وهو يبكي كأنها تطلب من هذا الطلب أن يغفر قسوة والدته عليه فحقًا قلبها على وشك التوقف من الفراق والخوف......
_______________________
بأحد خيم الغجر، تحدثت السيدة العجوزة بصدمة قاتلة ألجمتها بنبرة هامسة خوفًا من أن يسمعهما أحد:-
-جتلتيه كيف؟ أنتِ جنتي إحنا كنا عايزينه يتجوزك عشان اللى فى بطنك؟
كانت “تاج” جالسة على الأرض وتأكل الفاكهة بفرحة عارمة تغمرها بعد أن أنتقمت منه على كل ما فعله بها ورفض للزواج منها وقالت بسعادة:-
-وهو مهيتجوزنيش يبجي يموت وأى ورجة عرفي وهجوله أنى أتجوزته واللى يشك فى كلام يبجى يروح يسأله فى الجبر
ضربت السيدة العجوزة الأرض بعصتها ثم قالت:-
-وأنتِ بجي مفكرة أن نوح الصياد بجلالة قدره هيشيل التهمة عندك ولا هيفضل فى السجن كتير ويلبسها عشان تفكرى فى ولدك، أنتِ متعرفيش أنك لعبتي مع اللي مينفعش تلعبي فيه
رمقتها “تاج” بنظرة مُرعبة ثم وقفت من مكانها وهى تمسك سكين الفاكهة بيدها لتقف أمام هذه السيدة ووضعت السكين على عنقها بغضب سافر ثم قالت:-
-أنا جتلت مرة ومعنديش مانع أجتل تاني دا بالعكس هتكون أسهل من الأولي، جربي أنتِ تفتحى تمك لحد وتنطج بكلمة واحدة وهتشوفي أنا هعمل أيه
أنهت كلمتها ودفعت السيدة بقوة لتسقط أرضًا بخوف شديد وهى تلهث رعبًا مما تحولت عليه “تاج” هذه الغجرية الشمطاء.....
يتبــــــع......