اخر الروايات

رواية جلاب الهوي الفصل السادس عشر 16 بقلم رضوي جاويش

رواية جلاب الهوي الفصل السادس عشر 16 بقلم رضوي جاويش 


جلاب الهوى
١٦- عفويته
تطلعت زينب الى دلال في حزن و هي تراها على هذا الحال الذي ما توقعت ان تراها عليه يوما .. مسدت على ظهرها في محبة هامسة لها :- دلال ..انا زينب يا دلال .. دلال انا هنا ..
تحشرج صوتها واختنق بالعبرات وما عادت قادرة على النطق بحرف.. امسكت كف صديقتها البارد وضمته بين كفيها وهمست ما ان استطاعت النطق من جديد :- دلال .. انا عارفة انك سمعاني .. و عارفة انك مرتاحة ف الوضع اللي انتِ فيه ده .. لكن عايزة اقولك حاجة مهمة .. اكيد هتخليكي تغيري رأيك وترجعي من حالتك دي لدلال اللي انا اعرفها ..
ساد الصمت قليلا وزينب تتطلع حولها في ترقب قبل ان تقترب من دلال هامسة :- نديم و ناهد عندي…
انتظرت زينب اي انفعال يذكر من قبلها ولكن لم يحدث فاستطردت من جديد :- والله العظيم نديم وناهد موجودين عندي فبيتي .. انا مش هقول كده عشان أخرجك من اللي انتِ فيه .. اقسم بالله دي الحقيقة حتى اسألي شريف .. شافهم بنفسه..
لم تحرك دلال ساكنا مما دفع زينب للنهوض غير قادرة على مجابهة ذاك الوضع الذي تري فيه صديقتها وقد شعرت ان الخبر الوحيد الذي كانت تعقد عليه امل كبير في زحزحة هذا الصمت المسيطر عليها كليا قد فقد تأثيره المتوقع .. دمعت عيناها بعد ان شعرت بالخيبة وهمت بالاندفاع مبتعدة الا ان صوت متحشرج قادم من اعماق سحيقة همس في تردد:- احلفي انه بخير ..
عادت زينب مسرعة تجسو بالقرب من ركبتىّ دلال هاتفة في حماسة :- ورحمة ابويا اللي انتِ عارفة و متأكدة غلاوته واني عمري ما بحلف بيها الا ف الشديد القوي نديم بخير .. وجالي امبارح بعد ما أتنقل ف كذا مكان هو وناهد .. وطبعا حذرته انه يرجع شقتكم وسيبتهم بايتين مع ماما وهديله الشقة المقفولة عندنا يقعدوا فيها لحد ما ربنا يسهل ..
تطلعت اليها دلال بنظرات جوفاء هامسة بنفس النبرة المتحشرجة :- يعني هو بخير !؟..
هتفت زينب مؤكدة :- اقسم بالله بخير وزي الفل..
ساد الصمت للحظات قطعها انفجاردلال باكية ما ان اجابتها زينب .. بكاء دامي وكأنما كان هناك سدا منيعا يقف امام عبراتها والان فقط انهار وانهارت معه لامبالاتها.. ضمتها زينب في تعاطف ممزوج بفرحة .. فها قد عادت دلال .. كانت تعلم ان معرفتها بأي اخبار عن نديم من شأنها إعادتها لدلال التي تعرفها والتي تحقق المستحيل من اجل اخيها ..
رفعت دلال رأسها من بين احضان زينب متسائلة من جديد في لوعة :- يعني بجد انتِ شفتيه يا زينب .. و هو بخير !؟.. صحته كويسة يعني!؟.. اصله وحشني قووي ..
دمعت عينا زينب وهتفت تحاول السيطرة على عبراتها وتصنعت المزاح هاتفة :- و الله زي القرد وكان عايز يجي معانا كمان ..
انتفضت دلال موضعها هاتفة فى ذعر :- لااا .. يجي فين !؟.. هو انا جيت هنا عشان ابقى انا الطعم اللي يصطادوه بيه !؟.. لااا .. أوعي تطاوعيه يا زينب عشان خاطري ..
هتف زينب تطمئنها :- وهو انا عبيطة أخليه يبوظ الدنيا .. وعلى فكرة انتِ كمان وحشاه قووي .. و عشان تصدقي هخليه يبعت لك جواب المرة الجاية مع حضرة الظابط ..
هتفت دلال متسائلة :- هو سيادة النقيب عرف الموضوع ولا ايه!؟…
هزت زينب رأسها ايجابا وقصت عليها ما حدث من لقاء شريف بنديم ورؤيته لناهد برفقته مما دفعهم لإخباره الحقيقة كاملة ..
هتفت دلال في هدوء :- حضرة الظابط راجل محترم و ..
هتفت زينب مقاطعة :- ومجنون و عنده كام ربع ضارب ف نفوخه ..
انفجرت دلال ضاحكة على صديقتها وتعليقاتها على شريف و ما ان همت بالدفاع عنه حتى هتف صوت عميق النبرات من خلفهما جذبته ضحكاتها التي اشتاقها كثيرا حد ارضا غاب عنها موسم المطر لعصور مما جعلها تنتفض ما ان طل عليهما بقامته السامقة مستحسنا :- ما شاء الله .. سرك باتع يا داكتورة زينب .. كنتِ فين من زمن!؟..
وتطلع الي دلال محاولا غض بصره هاتفا :- حمدا لله ع السلامة يا داكتورة ..
هزت دلال رأسها فما كان لها القدرة على التطلع اليه اوالحديث في حضرته .. قاطعت زينب خواطرها هاتفة لعفيف في حزم :- طب يا عفيف بيه احنا متشكرين لك حسن الضيافة بس انا بقول ارجع و اخد دلال معايا ..
انتفض عفيف داخليا لمجرد ذكر رحيلها بعيدا لكنه ظل على ثباته الظاهري ولم يعقب بحرف واحد متطلعا الى دلال منتظرا منها الموافقة على ما تقترحه صديقتها او الرفض .. فهمست دلال اخيرا بعد فترة من الصمت :- لااا .. مش هرجع يا زينب.. انا هقعد هنا ..
لا يعرف ما دهاه لحظة ان نطقت بكلماتها تلك فكأنما نطقت ببراءته من حكم جائر بالفراق .. ابتسم رغما عنه واستأذن في عجالة مندفعا يبتعد كى لا يلحظ احدهم سعادته الطاغية تلك والتي على غير العادة لم يستطع مداراتها ما ان أعلنت قرارها بالبقاء .
اما زينب فهتفت فى دلال بحنق :- تاااني .. هتقعدي هنا تاااني يا دلال .. مش كفاية اللي حصل لك !؟.. و كمان أدينا اطمنا على نديم .. ارجعي بقى وارتاحي شوية ..
هتفت دلال مفسرة سبب رغبتها في البقاء :- مينفعش يا زينب .. ده عشان انا اطمنت على نديم بالذات مينفعش أرجع .. لأن لو رجعت عفيف هايبعت حد يبقى ورايا على طوول وده هيخلي احتمالية اكتشاف عفيف لمكان نديم و ناهد كبيرة.. خليني هنا .. خليه فاكر ان نديم هيرجع على هنا اول ما يعرف بوجودي .. خليه لسه معتقد اني لسه الطعم اللي هيصطاد بيه نديم و اخته ..
وتطلعت دلال لزينب هاتفة :- بمناسبة اخته .. شفتيها طبعا يا زينب .. ايه رأيك فيها !؟..
قهقهت زينب هاتفة :- ايه يا دولي احنا هنبدأ شغل الحموات ولا ايه !؟
ابتسمت دلال ولم تعقب لتستطرد زينب مؤكدة :- اطمنى يا ستي الاستاذ نديم وقع واقف البنت زي القمر ..
هتفت دلال :- انا مش بسأل على جمالها يا زينب .. انا ..
قاطعتها زينب مؤكدة :- أطمني .. شكلها بنت حلال وطيبة والله .. دي قضت القاعدة كلها عياط اول ما عرفت ان عفيف جابك على هنا .. شكلها حاسس بالذنب قووي ..
همست دلال :- غلطتهم كبيرة قوي يا زينب .. ازاي نديم يعمل كده!؟.. وازاي طاوعها ولا هى طاوعته ف اللي عملوه ده !؟.. مية سؤال بيدورا ف دماغي ومفيش اجابة واحدة تريحني ..
ما ان همت زينب بالإجابة عليها حتى سمعا جلبة قادمة من ناحية بوابة البيت الكبير .. تطلعا من موضعهما لما يحدث فإذا به عفيف قد دخل البيت وخلفه مناع ساحبا ورائه بهيمة عفية امره عفيف هاتفا فى سعادة :- ادبح يا مناع وفرج ع الغلابة كلهم .. ومدخلش من الدبيحة حاچة للبيت .. كله لله ..
هتف مناع مجيبا :- أوامرك يا عفيف بيه ..
وسحب البهيمة حتى أطراف الحديقة باتجاه الذريبة لينفذ امر سيده بينما اتجه عفيف صوب دلال وزينب وما ان اصبح قبالتهما حتى هتف في سعادة :- دي حلاوة جيامك بالسلامة يا داكتورة ..
همست دلال فى امتنان :- متشكرة يا عفيف بيه .. لولا انها لله كنت قلت لك ملوش لزوم .. بس اهو ربنا خلانا سبب لفرحة الغلابة ..
ابتسم عفيف هاتفا :- ربنا يچعلك دايما سبب للفرحة يا داكتورة ..
شعر بالحرج مع كلماته العفوية تلك والتي خرجت بتلقائية شديدة أربكته هو شخصيا مما دفعه ليتنحنح مستأذنا :- عن اذنكم لما اشوف زحمة الناس اللي ع الباب ..
صاحبته نظرات دلال وهو يستدير راحلا وكذا نظرات زينب التي تطلعت اليه في تعجب وتحولت الي صديقتها ليزداد تعجبها أضعافا وقد شعرت ان شيئا ما يدور هاهنا .. شئ رغم انه خفي عن الاعين لكنه اكثر وضوحا من شمس في كبد سماء صيفية ..
***************
تمطع بعرض الفراش يحاول فك تيبس عضلات ظهره وفجأة تنبه لأمر ما .. لقد استغرق في النوم دون ان يشعر .. انتفض متطلعا حوله باحثا عنها على ذاك الضوء الخافت المنبعث من احد المصابيح الصغيرة الموضوعة على احد جانبى الفراش ..فوجدها تنام متكومة على نفسها على ذاك المقعد الضيق .. شعر بالذنب لوضعها ذاك فنهض في هدوء مقتربا منها و انحنى محاولا حملها في حذّر حتى لا تستيقظ لكنه ما ان وضع كفه اسفل رأسها حتى استيقظت مذعورة منتفضة من موضعها وكادت تسقط ارضا تشعر بالدوار لنهوضها المفاجئ ذاك فما كان منه الا ان لحق بها يحاول مساعدتها على التوازن ..
تطلعت نحوه للحظة كانت كفيلة لجعل قلبه ينتفض بصدره فقد كانت نظرتها تلك تحمل عتابا صامتا مزق قلبه كخرقة بالية ..
استعادت توازنها وتوجهت مبتعدة عنه لطرف الفراش البعيد ليهمس هو بصوت متحشرج :- خدي راحتك ونامي .. انا اسف اني نمت امبارح غصب عني ومسبتش السرير ليكِ .. عن اذنك ..
واندفع خارجا من الغرفة .. تطلعت هي نحو موضع رحيله للحظات في تيه واخيرا تمددت على الفراش ليأخذها النعاس في لحظات الى دنياه بعد ليلة قضتها مؤرقة ..
***************
خرجتا من الباب الخلفي للبيت الكبير منحدرتان التلة المقام عليها في اتجاه قلب النعمانية .. هتفت دلال في سعادة :- هفرجك ع النعمانية كلها بقى .. انا بقالي حوالي شهر هنا وحفظتها من كتر ما رحت وجيت بالكارتة ..
هتفت زينب في تخابث :- واضح انك حبيتي النعمانية قووي .. كنت فاكرة اني هلاقيكي كرهاها ومش مستحملة تفضلي هنا !؟..
ابتسمت دلال هاتفة :- انا مش كارهة المكان يا زينب .. انا كارهة عادات بتشوه جماله .. وافكار للاسف بتدمر بنات ملهاش ذنب غير فقر اهاليهم.. و هم اللي بيدفعوا تمنها من عمرهم .. و براءة مكنتش الا مثل على مليون براءة بتغتالها تقاليد عمية ملهاش قلب واهل طاحنهم العوز ..
تنهدت زينب هامسة :- صدقتي ..
هتفت دلال تخرج من جو الحديث المشحون بالشجن ممسكة بكف زينب مؤكدة :- تعالي بس افرجك على مناظر عمرك ما هتنسيها .. زي ما وريتك النعمانية من سطح المندرة تعالي بقى اوريهالك وانتِ وسط ناسها ..
ابتسمت زينب واندفعت خلفها سارتا معا ما بين الحقول واتجهتا للمعدية .. حاولت دلال ان تقنع زينب بتجربتها الا ان زينب أبت خوفا فعادتا مرة اخرى للطريق الترابي .. صوت مكابح عربة اثار انتباههما .. ترجل شريف من عربته الميري متوجها في حماس باتجاهما هاتفا :- ايه النور ده !!.. وانا اقول النعمانية الفولت زايد فيها اليومين دول ليه !؟..
قهقهت دلال بينما امسكت زينب ضحكاتها بجدية تحاول ادعائها وهى تلكز دلال خفية والتي هتفت في أريحية :- ده نور اهلها يا حضرة الظابط ..
هتف شريف فى نبرة تشتعل هياما:- ازيك يا دكتورة زينب !؟.. يا رب تكوني مرتاحة هنا !؟..
اومأت برأسها ايجابا هامسة :- الحمد لله ..
تنبه جمعهم لصوت كارتة عفيف القادمة من البعد والتي توقفت خلال لحظات بالقرب من موضع وقوفهما وهتف ملقيا السلام دون ان يترجل منها :- السلام عليكم ..
رد الجميع التحية ليتساءل عفيف :- خير يا داكتورة !؟.. ايه اللي موجفكم كِده !؟.. كلكم تمام ..!؟..
اكدت دلال :- كلنا بخير يا عفيف بيه .. انا خرجت أتمشى انا وزينب شوية وأفرجها ع النعمانية .. بس الصراحة تعبت ..
هتف شريف متحينا الفرصة حتى يكون برفقة زينب :- تعالوا أوصلكم..
امتعض عفيف وكاد ان يلق تعليقا لاذعا كعادته الا ان دلال كانت الأسبق لتهتف مؤكدة :- لا .. انا هروح مع عفيف بيه وانتِ يا زينب خلي حضرة الظابط يفرجك ع النعمانية .. انتِ ملحقتيش تتفرجي عليها ..
همت زينب بالرفض وهى تتطلع الي دلال بنظرة لائمة تخالف نظرة الفرحة التى اعترت شريف وهو يجزل الدعاء لدلال على إتاحتها هذه الفرصة ..
اندفعت دلال في اتجاه الكارتة ليمد عفيف يده لاأراديا تجاهها لتقبلها هى بشكل غريزي وتتلاقى الأكف بعد طول اشتياق .. استقرت جواره بالكارتة ليشعر انه لتوه قد اكتمل كمن غاب عنه جزء غال من روحه وهاقد عاد لموضعه الأصلي من جديد ..
لوحت لزينب والكارتة تندفع راحلة ليهتف شريف في نشوة :- اتفضلي يا دكتورة زينب .. ده انا حصل لى البهجة النهاردة ..
صعدت العربة وهى تقسم ان تقتص من دلال على فعلتها بينما سمعت همس ذاك المخبول جوارها :- و الله نيتك صافية يا شرشر وامك داعية لك ..
امسكت ضحكاتها وهتفت فى تعجب :- ايه يا حضرة الظابط !؟.. هو احنا هنقضيها هنا ولا ايه !؟..
هتف متعجبا بدوره :- هاااا .!؟.. انتِ قصدك ايه !؟..
هتفت زينب ساخرة :- حضرتك متحركتش بالعربية .. احنا محلك سر على فكرة ..
تنبه شريف انه ادار محرك العربة لكنه لم يبرح موضعه بالفعل فقهقه هاتفا بلهجة نسائية متقنة :- استري عليا بقى .. اصل انا عندي فكر .. والفكر مبهدلني ..
ابتسمت رغما عنها هاتفة :- لا ألف سلامة .. اتفضل بقى ربنا يجعل لك ف كل خطوة سلامة ..
همس ممتعضا:- سلامة مين !؟.. قولي ربنا يجعلي ف كل خطوة زينب ..
ابتلعت ابتسامتها تخفيها مُشيحة بوجهها في اتجاه نافذة السيارة وهو ينطلق بها اخيرا ..
****************
لا تعلم كم مر عليها وهى على حالها داخل الغرفة وقد طواها النوم تحت جناحيه فلم تشعر الا بأشعة الشمس تتسلل بقوة من بين خصاص النافذة معلنة عن بداية النهار .. انتفضت لا تعلم كم الساعة حتى تنبهت لموضع ساعة حائط بمواجهة الفراش لم تلحظها البارحة كانت عقاربها تشير لما بعد العاشرة بقليل ..
نهضت من موضعها في اتجاه الباب ليتناهى صوته لمسامعها و هو يدلف للشقة من الخارج هاتفا لماجدة ام الدكتورة زينب :- جبت لك شوية فطار يا طنط انما ايه .. هتكلي صوابعك وراه ..
هتفت ماجدة :- يا بني ليه تكلف نفسك م الاكل موجود اهو ..
ظهرت على اعتاب الردهة لتطالعها ماجدة هاتفة في سعادة :- اهلًا بعروستنا .. ياللاه تعالي جوزك جاب فطار سخن .. كلي لك لقمة .. انتِ متعشتيش كويس امبارح ..
وتطلعت لنديم هاتفة بأمر امومي :- وانت كمان يا نديم تلاقيك ميت م الجوع .. انت نايم من غير عشا .. تعالوا كلوا على بال ما أحط الشاي ع النار..
اتجهت ماجدة للمطبخ بينما جلست هى فى هدوء للمائدة تبعها هو واضعا أصناف الطعام امامها هامسا :- يا رب تكوني نمتِ كويس!؟..
هزت رأسها مؤكدة في هدوء دون ان تنطق بحرف واحد ..هم بالحديث من جديد الا ان ماجدة ظهرت على اعتاب الردهة قادمة اليهما .. جلست قبالتها وبدأوا جميعا في تناول افطارهم .. كانت عيناه تحاول ان تتجاهل حضورها الطاغ قبالتهما لكنها لم تستطع الا التطلع اليها خلسة ما بين لحظة واخرى .. اما هى فقد كانت تحاول ان توطد نفسها على تجاهل حضوره الذي يربك مشاعرها ويغمر روحها بوهج من بهجة ما استشعرتها يوما.. كانت تجاهد حتى تتغلب على ذاك الشعور المتنامي تجاهه والذي يتغلب على اي محاولة من قبلها لتعود ناهد القديمة التي ما كانت تقيم لأمور القلب وزنا ولا تعترف بالعشق مذهبا ..
هتفت ماجدة تجذب كلاهما من براثن خواطرهما الدامية :- انا هتفق لكم مع حد يجي ينضف الشقة اللى جنبنا دي عشان تقعدوا فيها براحتكم ..
هتفت ناهد في حماسة :- مفيش داعي يا طنط .. انا هقوم انضفها .. اهو أتسلى بدل جعدتي دي ..
هتف ماجدة في اعتراض :- تنضفيها ده ايه !؟.. ده انت عروسة جديدة والشقة عايزة شغل جامد .. دي مقفولة من فترة طويلة .. هتتعبي يا حبيبتي ..
ابتسمت ناهد مؤكدة :- متجلجيش يا طنط .. مفيش تعب ولا حاچة .. و أوعدك مش هاچى على نفسي و اللي اجدر أعمله النهاردة هعمله و الباجي لبكرة باذن الله ..
ازعنت ماجدة لمطلب ناهد هاتفة :- طيب يا حبيبتي اللي يريحك .. هقوم اجيب لك المفتاح ..
ما ان اختفت ماجدة حتى همس نديم في حنو :- طب كلي كويس .. انتِ مكلتيش حاجة ..
اكدت وهي تنظر لطبقها الذي كان تقريبا على حاله هامسة بدورها :- كلت الحمد لله ..
ظهرت ماجدة بالمفتاح لتتناوله ناهد وتنهض مستأذنة في اتجاه الشقة المقابلة ليهتف نديم بدوره خلفها :- استني انا جاي معاكِ ..
لم تشأ ان تجادله امام ماجدة فأثرت الصمت .. تناول منها المفتاح و سبقها لفتح باب الشقة والذي اخذ يعالج به الباب لفترة وذلك لطول مدة اغلاقه حتي انفرج اخيرا ..
هتف نديم بالبسملة في وجل و استطاع ان يجد وصلات الكهرباء وينيرالردهة قبل ان يتوجه للنوافذ ليفتحها بعد محاولات عدة .. كانت الشقة تحتاج الي مجهود جبار بالفعل حتى تصبح صالحة للمعيشة الآدمية بها ..
هتف متسائلا :- هااا .. هنبدأ منين!؟..
تطلعت اليه للحظة ثم هتفت في تعجب :- هنبدأ !؟.. هو انت هتشتغل معايا !؟..
هتف بدوره متعجبا :- اه .. ليه !؟.. عندك مانع !؟..
أكدت في اصرار :- اه طبعا عندي .. انا عايزة اشتغل لوحدي ..
اشار للشقة في تعجب :- لوحدك ازاي !؟.. الشقة كبيرة وفعلا محتاجة مجهود فوق العادي .. انا هساعد باللي هقدر عليه .. عشان ننجز ونعرف نبات ف الشقة بدل الاوضة ف الشقة الثانية ..
اعترفت انه على حق فلم تجادل و عادت من جديد لشقة ماجدة لتبدل ملابسها بملابس تصلح للتنظيف و جمعت شعرها تحت غطاء محكم للشعر وعادت لتجده قد خلع قميصه ووضعه جانبا وثنى أطراف بنطاله حتى ما دون ركبتيه ..و امسك بعصا المكنسة متكئا عليها هاتفا :- استعنا ع الشقا بالله .. نبدأ منين يا حلاوتهم !؟..
تطلعت اليه هاتفة في زمجرة :- حلاوتهم !؟..
هتف مازحا :- والله ده انا مجاملك .. بشكلك ده اخرك ست ابوها ..
زمجرت من جديد ليهتف مشاكسا :- اهو العرق الصعيدي هيطلع و هدفن هنا ولا من شاف ولا من دري ..
علا صوت قهقهاتها لتجذبه كما الفراشة للهب ليتعلق ناظريه بها في وله .. اخفضت ناظريها حياءً و هتفت في محاولة لقطع استرسال تلك النظرات التي تذهب بثباتها :- هنبدأ ننضف اوضة اوضة ..
هز رأسه متفهما وسار خلفها للحجرة الاولى ليتوجه لفتح نافذتها بينما عادت هى للخارج لتحضر أدوات التنضيف .. حملت دلو المياه باتجاه الغرفة ليعود هو ادراجه باحثا عنها فكاد ان يصطدم بها .. تناول منها الدلو معاتبا :- متشيليش حاجة تقيلة تاني .. ناديني وانا اشيلها ..
كانت ماجدة تقف على باب الشقة الذي تركاه مشرعا حاملة صينية عليها أكواب من الشاي في تلك اللحظة لتهتف في سعادة :- انتِ حامل يا ناهد!؟.. الف مبروك يا ولاد .. يتربى ف عزكم يا رب..
بهت كل من ناهد ونديم ولم يجرؤ احدهما على التفوه بحرف لتكذيب الخبر .. فقد شملتهما الصدمة كليا عن محاولة اصلاح ذاك الاعتقاد الخاطئ لتستطرد في سعادة :- طب بلاش بقى تنضيف .. ده مش هايبقى حلو على صحتك ولا ع البيبي ..
هتف نديم مازحا :- لا متقلقيش يا طنط ما انا هساعدها اهو ..
هتفت ماجدة مازحة :- وانا اللي قلت نديم جدع ورايح يساعد مراته .. اتاريك عارف اللي فيها عشان كده جاي تساعد عشان خايف على ولي العهد .. يا سااااتر عليكم يا رجالة .. محدش فيكم يعمل حاجة لله ابدا !؟..
قهقه نديم و قد أعجبته المزحة فاستمر بها هاتفا في مشاكسة :- لا عملنا لله يا طنط .. ان احنا اتجوزناكم...
قهقهت ماجدة هاتفة :- شايفة يا ناهد جوزك ..
أطرقت ناهد برأسها خجلا ولم تستطع التفوه بحرف فاستنتاج ماجدة بذاك الحمل المزعوم حرك شئ ما كان كامنا بأعماقها .. اضطربت وهي تحاول ان تحيد بناظريها عن محياه تكاد تصرخ غيظا لان كل من عقلها وقلبها و عينيها قد تأمروا جميعا ضدها و اصبحوا لا تشغلهم الا فكرة واحدة للأجابة عن سؤال واحد .. كيف سيكون شكل أطفالها اذا كان هو ابوهم !؟..
ارتجفت داخليا للخاطر اللذيذ الذي أذاب تمنعها وذهب بمحاولتها لتجاهله ادراج الرياح .. واضحى ذاك هاجسها طول فترة ما بعد الظهيرة وهما يعملان جنبا الي جنب فى حماسة ..
*****************
تمايلت العربة تمشي الهوينى على ذاك الطريق الترابي المؤدي لتلة البيت الكبير .. كانت دلال شاردة في الأفق البعيد وهو شاردا فيها .. كان كل منهما مشغول بِما يأسره .. كان السلام والسكينة يعما الأجواء ويسربلا الطريق كانما هو الطريق للجنة .. ذاك الأخضر الذي ينتشر على جانبي الدرب والذي مال لونه للبرتقالي مصبوغاً بأشعة الشمس المائلة للغروب .. و صوت ذاك الناي الذي كان يأتيهما من البعد يطفي على العالم من حولهما سحر معتق ..
توقفت العربة فجأة وانتظرها ان تسأل عن السبب لكنها كانت مأخوذة تماما بذاك الجو الخرافي .. تناهى لمسامعهما صوت احد الفلاحين ينشد بصوت عذب مصاحبا لذاك الناي :-
يا بايعين الصبر .. الصبر فين ألاجيه ..
حبيبي غاب ما عاود .. دلوني فين أراضيه ..
لو يطلب العين ما تغلا .. جلولي كيف أراضيه ..
دِه كل جلب لجي خله .. و انا خلي الروح فيه ..
عاشج يا بووي وما لاجي للعشج مداوي ..
و انا يا خال ما كنت غاوي عشج و لا ناوي ..
وكان مالي انا يا ناس ما كنت ع البر معداوي …
اخذ المنشد في الاسترسال في مواله الشجي حتى تنبهت هى اخيرا لتوقف العربة فتطلعت الي عفيف في تعجب ثم ابتسمت في تفهم عندما ادركت انه أوقفها لاستشعاره رغبتها في الاستمتاع بذاك الشدو المتهادي من ذاك الغيط القريب نوعا ما وبالتحديد من تحت ظل شجرة الجميزالعتيقة تلك ..
تحرك عفيف بالعربة لتتهادى مرة اخرى على الطريق حتى وصلا للبيت الكبير ..
ترجلت منها مسرعة قبل ان يترجل هو ويمد لها كفا لا قبل لها على رفض عطيتها واندفعت مبتعدة عن محياه شاكرة اياه في عجالة ..
وصلت لغرفتها لتدلف اليها فوجدت زينب متمددة على الفراش في انتظارها وما ان طالعتها حتى هتفت في حنق :- كنتِ فين بقى!؟.. هاااا .. و بعدين ده مقلب تعمليه فيا برضو يا دولي !؟
قهقهت دلال هاتفة :- مقلب ايه !؟.. والله الراجل كان هيجراله حاجة لو مكنش وصلك .. قلت اعمل فيه جميل ..
هتفت زينب حانقة :- تعملي جمايل على حسابي.. و بعدين كان هيجراله ايه يعني !؟.. ده منخوليا ع الاخر ..
علت ضحكات دلال من جديد :- متنكريش ان دمه خفيف .. انا راقبتك وشوفتك كذا مرة وانت بتكتمي ضحكك على كلامه .. و بعدين والله شريف غرضه شريف..
هتفت زينب مصدومة :- غرضه شريف ازاي !؟..
اكدت دلال متخابثة :- سألني ان كنتِ مرتبطة اوحد متكلم عليكِ ..
هتفت زينب في شجن :- هااا وانتِ قولتيله ايه !؟..أوعي يا دلال تكوني قولتيله حاجة !؟..
هتفت دلال في شجن مماثل :- هقوله ايه بس يا زينب !؟.. لا طبعا.. دي حاجة تخصك وانتِ بس اللي ليكِ الحق تقوليله ولا لأ ..
ساد الصمت بينهما للحظات و اخيرا هتفت دلال تخرج صديقتها من خضم خواطرها الشجية هاتفة بمرح :- وبعدين هو انتِ هتتجوزي المجنون ده برضو !؟..
هتفت زينب متنهدة بحسرة :- ايوه صح مجنون ودمه خفيف وابن حلال وبيحب امه قووي وامي كمان حبته قووي..بس ياللاه ..
عاجلتها دلال هاتفة في مرح :- ياااه ده احنا عرفنا عنه كل حاجة اهو..!؟.. ع العموم انا قلت له انك مش مرتبطة ولا حد أتكلم عليكِ و انك قربتي تعنسي وهيكسب فيك ثواب لو لحقك قبل ما تروح عليكِ..
انتفضت زينب في غيظ ممسكة بأحدى الوسائد وجذبت دلال تسقطها على الفراش واخذت تضربها بالوسادة ودلال لا تسطيع الدفاع عن نفسها من شدة قهقهاتها التي خرست فجأة ما ان تناهى لمسامعها صوت موسيقى قادم من غرفة مكتبه المجاورة ..
هتفت زينب هامسة :- عفيف بيه!؟..
اكدت دلال بايماءة من رأسها لتستطرد زينب متعجبة :- الراجل ده عجيب قووي .. اول مرة اشوف التركيبة دي .. راجل متعرفيش ان كان قاسي ولا حنين .. دماغه متحجرة ولا متحضر .. عادل ولا ظالم !؟.. تركيبة تحير..
همست دلال في شرود :- هو ده عفيف .. تناقضات عجيبة معجونة ف راجل والعجيب ان كل تناقض له اللي يبرره .. و الأعجب انك تشوفي ده وتصدقيه ..
اكملت زينب في وله :- وتحبيه !؟..
انتفضت دلال كالمصعوقة هاتفة في صدمة :- احب مين !؟.. انتِ بتقولي ايه يا زينب !؟.. احنا أعداء.. بينا مصيبة ممكن تنتهي على مصيبة اكبر .. انا وهو طرفين نقيض .. ماية وزيت مش ممكن حاجة تجمعنا .. انا كل اللي بدعيه دلوقتي ان الموضوع بتاع نديم ده يعدي على خير .. ازاي!؟.. معرفش .. ربنا اللي يدبرها من عنده .. لكن حب .. لاهو بتاع الكلام ده ولا اللي بينا يسمح بده يا زينب ..
ثم استطردت في لهجة حاولت اضفاء بعض المرح المصطنع عليها :- خلينا ف حضرة الضابط شريف اللطيف ابو دم خفيف ..
قهقهت زينب لتعاجلها دلال هاتفة :- ياللاه بينا بقى على تحت نساعد الخالة وسيلة ف تحضير العشا ..
خرجتا من الغرفة في اتجاه الأسفل يصحبها على طول الردهة موسيقاه الشجية ..
*******************

يتبع 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close