رواية جبر السلسبيل الفصل السادس عشر 16 بقلم نسمة مالك
الفصل ال16..
جبر السلسبيل..
نسمة مالك..
مر يومان..
لهفتها عليه تلغي كل ذرة تعقل بها، خاصةً بعد عناقهما الذي أصبح إدمان بالنسبة لهما، كل لحظة تمر عليها تحترق شوقًا لضمة من صدره ، لكنها صامدة لخاطر" خضرا" التي تعتني بها بحب صادق رغم حزنها و ألم قلبها الظاهر بعينيها يجبرها على الإبتعاد عن زوجها قدر الإمكان حتي لا تُزيد وجع غيرها، بينما وجعها هي يتضاعف..
حسمت قرارها ولن تتراجع فيه، ستبتعد وقتما تستعيد قواها و تتمكن من النهوض و السير بمفردها حينها ستتركه لعائلته دون وداع حتي، فهي على درايه كاملة أنه لن يعطي لها أبدًا فرصة الهروب منه..
"أحنا بقينا عال يا مدام سلسبيل، و ممكن اكتبلك على خروج انهاردة"..
قالها الطبيب فور أنتهاءه من فحصها بدقة تحت أنظار "عبد الجبار" المرتعدة من شدة خوفه عليها، و "خضرا" التي صدح صوتها بزغروطة تعبر بها عن فرحتها..
"صُح حديتك يا دكتور.. يعني هي بقت زينة"..
قالها" عبد الجبار " بهدوء عكس ضجيج قلبه، ليجيبه الطبيب بأسف قائلاً..
"هي حالتها أصبحت مستقرة الحمد لله.. فأحنا هنعتبر خروجها من المستشفى هدنة بسيطة هتمشي فيها على علاج مهم جداً.. تاخده في ميعاده بانتظام لأن الخطر لسه موجود و علشان كده ممنوع الزعل نهائي.. أو أي مجهود تعمله حتي لو بسيط"..
"أني هحطها چوه عنيا و مهخلهاش تعمل حاچة واصل يا دكتور"..قالتها" خضرا " و هي تقترب منها تهندم ثيابها، و تربت على صدرها بحنو..
" تسلميلي يارب يا أبلة خضرا.. ربنا ميحرمنيش من حنيتك عليا"..
همست بها" سلسبيل " بخفوت و هي تبتسم لها ابتسامة باهتة تخفي بها عبراتها التي ترقرقت بعينيها..
بادلتها" خضرا " ابتسامة دافئة وهي تقول..
" ولا يحرمني منكِ يا خيتي"..
بينما "عبد الجبار" سار برفقة الطبيب خارج الغرفة، لتتسع ابتسامة" خضرا " مغمغمة..
"أيوه أكده روقي يا حبيبتي و قومي على حيلك و ارچعي دارك نوريه و فرحي جلبي و جلب چوزك"..
صمتت لبرهةً و تابعت بمزاح..
"و افقعي عين و مرارة بخيتة"..
حركت "سلسبيل" رأسها لها بالنفي و همست بضعف قائلة.. "ده بيتك أنتي و هيفضل بيتك لوحدك و عمري ما هشركك فيه يا أبلة خضرا.. أنا ضيفة عندك و هيجي اليوم اللي همشي فيه و بتمني يكون في أقرب وقت ممكن"..
"وه ليه يا بتي بتقولي أكده.. أنتي خلاص بجيتي مَرات عبد الچبار اللي بمشيئة الله هتچبر خاطره و تچبله الواد اللي بيتمناه من سنين طويلة"..
رسمت غضب مصطنع على ملامحها البشوشة و تابعت..
" ويكون في علمك أني هكون أم الواد زيكِ و يمكن أكتر كمان.. هيكون ابني اللي مخلفتهوش يا سلسبيل "..
فتحت" سلسبيل " فمها و همت بالحديث لكن"خضرا " أوقفتها حين قالت..
" خلينا نفرح لول بخروچك بالسلامة.. أني ندراها يوم ما ترچعي على الدار هعمل ليلة كبيرة و وكل ياما بيدي لخاطر عيونك أنتي يا ست البنتة"..
أطبقت" سلسبيل " جفنيها بعنف كمحاوله منها لكبح عبراتها التي تجمعت بحدقيتها بسبب معاملة "خضرا" معاها التي تجعل إصرارها بالابتعاد عن زوجها يزداد..
...................................لاحول ولا قوة الا بالله ...
" المنصورة "..
" جابر" تسعة و عشرون عامًا.. شاب مكافح بني نفسه بعمله الشاق داخل بلده و خارجها ،حتي تمكن من تحقيق الكثير من أحلامه، لكن أهم حلم بحياته بأكملها لم يستطيع تحقيقة حتي الآن، لكنه لم و لن يتوقف عن السعي حتي يصل لغرضه و يحقق هذا الحلم مهما كلف منه الأمر..
صف سيارته أحدث الموديلات أمام منزل حديث الطراز، جلس شارد داخل السيارة، و مد يده لجيب سرواله الخلفي اخرج جزدانه الجلدي فتحته على مهلٍ و اخرج ورقة قديمة مطوية أكثر من مرة فتحها بحرص و يتطلع لصورته المرسومة بأحترافية رسامة ماهرة برفقة فتاة صغيرة ممسك بيدها ، يسير بها تجاه مدرستها..
انبلجت ابتسامة على ملامحه الوسيمة حين صدح صوتها الطفولي العذب يرن بأذنه..
.. فلاش باااااااااااك..
كان بعامه السبعة عشر، و هي بعمر السابعة.. يعاملها كما لو كانت ابنته من شدة اهتمامه بأدق تفاصيلها، حتي أصبحت هي معلقة به أكثر من والديها..
"شوفت رسمتي الجديدة حلوة إزاي"..
أخذها منها و تأملها بانبهار مدمدمًا..
"دي حلوة أوي يا سلسبيل.. بس قوليلي تقصدي بيها مين يا تري!!" ..
اجابته بتلقائية..
"اقصدنا سوا.. رسمتك و رسمتني و أنت بتوديني المدرسة يا جابر"..
مسح على شعرها بحنان، و مال على وجنتيها الممتلئة لثمها بعمق مغمغمًا..
"عقبال ما أوديكي الكلية كمان يا عيون جابر"..
التمع الحماس بعينيها الجميلة بلونهما الأخضر الصافي، و تحدثت بفرحة غامرة.. "هتوديني الكلية اللي قولتلي عليها بتاعت الرسم"..
" هوديكي يا حبيبتي.. هو أنا عندى كام سلسبيل"..
قالها و هو يدغدغها كعادته معاها و هي تضحك بقوة ضحكتها الملائكية التي تأثر القلوب .. لم يمر على هذا اليوم سوي أسبوع واحد و انقلبت حياتهما رأسًا على عقب..
.. نهاية الفلاش باااااااك..
. بشقة واسعة تتميز برقي أثاثها، نجد "فؤاد" رجل كفيف بأواخر عقده السادس يجلس على أريكة ممسك مسبحته يسبح عليها كعادته..
"صباح الورد على أحلى جدو فؤاد في الدنيا"..
أردف بها "جابر" الذي دلف للتو من الخارج، و اقترب منه، مال عليه و قبل يده و جبهته بحب مكملاً..
"أيه اللي مصحيك بدري كده يا حبيبي"..
"مستنيك من إمبارح يا جابر يا ابني.. كنت فين طول الليل يا حبيب جدك"..
جلس "جابر " على الاريكة جواره، و تنهد براحة مغمغمًا..
"وصلت أخيراً لعنوان سلسبيل بنت بنتك يا جدي"..
تهللت أسارير "فؤاد" مردفًا بلهفة..
"فين يا جابر.. خدني عندها يا ابني.. خدني عندها الله لا يسيك يا جابر"..
" أهدي يا جدي..انا هجبهالك لحد عندك اطمن"..
قالها و هو يجذب رأسه لصدره و ضمه بحنو مكملاً..
"انهارده هروح اجابها.. مش هسيبها بعيد عن حضننا تاني أبدًا "..
.......................... سبحان الله العظيم ...
أمام منزل" عبد الجبار "..
فرقة من أشهر فرق الفنون الشعبية ترقص الخيول على المزمار البلدي أصرت "خضرا" على أحضارهم ، و صدح صوت طلقات نارية فور وصول سيارته التي توقفت بمكانها الخاص داخل حديقة منزله..
هبطت "خضرا" التي كانت تجلس بجواره بعدما فشلت في إقناع "سلسبيل" بالجلوس بالمقعد المجاور لزوجها و فضلت الجلوس بالخلف ..
طيلة الطريق كانت عينيها تتهرب من نظرة "عبدالجبار" التي تحاصرها عبر المرآه، كانت فرحته بخروجها من المشفى ليس لها مثيل،و كأن قلبه عادت له الحياة برجوعها له..
استدارت "خضرا" مسرعة نحوها و فتحت باب السيارة، و مدت يدها لها تساعدها، و تساندها و هي تزغرط بلا توقف أمام أعين "بخيتة" المتآججة..
تقف على باب المنزل تتابع ما يحدث بغيظ و غضب عارم و هي تري قوة "خضرا" تتضاعف بوجود "سلسبيل" وهي كانت تظن أنها كسرت أنفها بزواج ابنها من امرأه غيرها، و ستصبح الكلمة الأولى و الأخيرة لها هي،
"شيل مَراتك يا خوي"..
أردفت بها "خضرا" حين شعرت بتهاوي جسد "سلسبيل" التي تسير بصعوبة بالغة بسبب ضعفها الشديد..
لم يجعلها "عبد الجبار" تُعيد جملتها مرتين، و قطع المسافة بينه و بينهما و حملها على ذراعيه بخفة كأنها لم تزن شيء، بل هي بالفعل ضئيلة للغاية، و جسدها صغير بين ضخامة جسده العريض..
دلف بها لداخل المنزل محمولة علي يديه، محاوطها بحماية كالحصن المنيع أمام أعين "بخيتة" المنذهلة من أفعال "خضرا" التي كانت تسير خلفهما تسقف، و تزغرط، بل وصل بها الأمر أن تتمايل راقصه بذراعيها و هي تلاعب لها حاجبيها..
"حمد لله على سلامة مَراتك يا ولدي"..
نطقت بها "بخيتة" من بين أسنانها و هي ترمق "سلسبيل" المستندة برأسها على كتف زوجها بنظرات كالسهام القاتلة..
" الله يسلمك يا أمه"..
قالها "عبدالجبار" وهو يتابع سيره بها متجه نحو غرفتها، لتتسع أعين "بخيتة" بصدمة حين نظرت لها" سلسبيل " و أخرجت لسانها لها بحركة أستفزازية جعلت النيران تشتعل بداخلها أكثر..
" اه يا بت المركوب".. تمتمت بها بسرها، لتقفز فجأة بفزع حين اقتربت منها" خضرا " و زغرطت داخل أذنها بصوت عالِ للغاية مرددة..
"الليلة فرحتنا كبيرة بخروچ عروسة سيد الدار بالسلامة يا أمه بخيته.. وإني نادراها هعمل وكل ياما و أوزع على الخلق بيدي"..
"اممم و ماله.. اعملي و وزعي ما هو كله خير ولدي"..
قالتها "بخيتة" و هي تسير من أمامها بخطوات غاضبة، و هي تسب و تلعن بسرها كعادتها..
........................ صلِ على محمد ......
" خضرا"..
دلفت خلف" عبد الجبار " غرفة" سلسبيل " كان هو يضعها على الفراش برفق و كأنها بلورة باهظة الثمن يخشي عليها من الكسر، سحب يده من حولها متعمد لمسها بطريقة حميمية كادت أن توقف قلبها من عنف دقاته..
"هروح أنا اتسبح و أغير خلجاتي على ما تچهزي الوكل يا خصرا"..
قالها و هو يغادر الغرفة، و يسير للخارج بعدما اطمئن على صغيرته التي تجهز لها "خضرا" ثياب بيتيه، و جلست بجوارها لتساعدها على تغير ثيابها..
"عنيا يا أبو فاطمة.. هساعد البنته و اسيبها ترتاح هبابة و هقوم اچهز الوكل طوالي"..
أردفت بها و هي تخلع لها حجابها بعدما تأكدت من خروج زوجها وغلق الباب خلفه..
"أبلة خضرا ممكن تبعتيلي فاطمة و حياة يقعدوا معايا على ما انتي تخلصي اللي بتعمليه و تيجي"..
تفهمت" خضرا " المخزي وراء طلبها هذا، تراقص قلبها فرحًا حتي إنها لم تستطيع إخفاء فرحتها هذه، و ردت عليها دون أدنى إعتراض بعدما ربحت غيرتها مجددًا..
"حاضر يا خيتي.. هقولهم يفضلوا وياكِ على ما أچيكِ بالوكل لاچل ما تاكلي زين و أعطيك علاچك بيدي"..
نظرت لها "سلسبيل " بابتسامة تتعجب من حنانها عليها و غيرتها منها بأن واحد..
.................................لا إله إلا الله ...
..بعد مرور أقل من ساعة..
ممدة على الفراش تتابع بنات زوجها يلعبان بجوارها بعرائسهما الباربي، انبلجت ابتسامة حزينة على ملامحها الجميلة و هي تتأملهما، لم يأخذان من والدهما سوي رسمة عينيه الواسعة ذات الرموش السوداء الطويلة،
تلاشت ابتسامتها حتي اختفت تمامًا و حل مكانها الخجل الذي جعل وجنتيها تتورد بحمرة قاتمة حين تسللت لأنفها رائحة عطره التي تحفظها عن ظهر قلب،
علقت أنفاسها بصدرها، و نظرت تجاه باب الغرفة بلهفة تنتظر طالته عليها بنفاذ صبر، تسارعت نبضات قلبها حين وصل لسمعها صوت خطوات قدميه تقترب، و من ثم طرق برفق على الباب و دلف للداخل غالقه خلفه، و عينيه تدور بحثًا عنها بإشتياق واضح على قسماته الصارمة..
يا إلهي تشتاقه حد الجنون !!!
رفرف قلبها بشدة بين ضلوعها حين طل عليها بهيئتة التي تذيب عظامها و تخطف أنفاسها ، نظراتها تشمله بتفحصٍ لا يخلو من الإعجاب، جلبابه الأسود الذي يظهر عرض كتفيه و ذراعيه المعضله زاده هيبه و وقار ..
"أبوي!!"..
نطق بها الفتاتان و هما يركضان نحوه، أرتموا داخل حضنه، فضمهما هو له بحب شديد، و عينيه مثبته على تلك الصغيرة التي تطلع لهم بابتسامة فاتنة، و كم تمنت لو تركض هي الأخرى و تختبئ بين ضلوعه،
"اتواحشتكم قوي قوي"..
قالها "عبد الجبار" قاصدها هي بها، عينيه ترمقها بنظرة معاتبة على معاملتها له التي تبدلت للنقيض دون مبرر أو سبب واضح..
ابتعدت هي بعينيها عنه سريعًا، و قد عادت ملامحها للجمود ثانيةً و سحبت عليها الغطاء تخفي به منامتها القطنية ذات اللون الوردي التي تظهر جمال عنقها المرمري، و بداية صدرها بسخاء..
"قاعدين أهنه و سايبين أمكم تحضر الوكل لحالها أكده "..
قالها و هو يبتعد عن الباب، مكملاً.. "همي يا فاطمة و خدي خيتك وياكِ!!"..
لم تدعه "سلسبيل" يُكمل حديثه حين قطعته قائلة بصوت مرتجف يظهر مدي توترها..
"لا سيبهم.. أنا قولت لابلة خضرا عايزاهم يفضلوا معايا"..
رفع حاجبيه و رمقها بنظرة منذهلة، أكدت هي الآن ظنونه بها و أصبح على يقين أنها تتهرب من وجودها معه بمفردهما..
" امممم وماله يفضلوا ، و أني كمان هفضل وياكِ"..
قالها و هو يسير نحوها بخطي بطيئة أثارت الريبة بداخلها، و قد اعتلت ملامحه ابتسامة ماكرة ذادت من توترها، و جعلت أنفاسها تتلاحق حين وجدته جلس بجانبها على الفراش المسافة بينهما لا تُذكر..
جحظت عينيها بصدمة حين شعرت بذراعه يتسلل من أسفل الغطاء و يلتف حول خصرها مستغل انشغال الفتاتان باللهو مرة أخرى، و جذبها عليه لصقها بجزعه العلوي كتفها الأيمن يتوسط صدره..
"عبد الجبار".. همست بها بتحذير، و هي تتنقل بعينيها بينه و بين الصغيرتان..
"اتوحشتك يا سلسبيل.. اتوحشتك قوي"..
همس بها داخل أذنها، و هو يزيل خصلاتها الحريرية بيده الأخرى، و أنامله تتحسس نعومة بشرتها بلمسات جعلت جسدها ينتفض بقوة بين يديه حين شعرت بأنامله تضغط على خصرها بعنف محبب..
أخذ نفس عميق يملئ رئتيه بعبق رائحتها، و عينيه تجول على وجهها يتفرس ملامحها، حتي توقف بنظره علي شفتيها، ابتلع لعابه بصعوبة مكملاً..
"حرماني منكِ ليه يا عشج الجلب و الروح"..
قالها و هو يسحب الغطاء بعيدًا عن عنقها حتي ظهرت مقدمة صدرها أمام عينيه التي تتآجج بها رغبته فيها..
أطلقت آهه خافته حين ضمها له بقوة أكبر و يده تتحرك ببطء على خصرها صعودًا إلى صدرها، فأسرعت هي بالقبض على كفه و همست بنبرة مرتجفة متوسلة..
" عبد الجبار علشان خاطري كفاية"..