رواية شبح حياتي الفصل الثالث 3 بقلم نورهان محسن
الفصل الثالث شبح حياتي
يبدو تائهًا ، عيناه نجمتان ، يداه سلال من الريحان ، صدره وسادة من القمر ، وشعره أرجوحة للريح والزهور ، يبدو تائهًا ، مسافرًا لا يحسن السفر...!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قامت حياة بإطفاء أضواء المطبخ قبل مغادرتها ، ولكن فجأة دوي صرخة فزع من حلقها بمجرد أن رأت رجلاً طويلاً يقف أمامها منتصباً ينظر إليها بابتسامة جانبية.
تزامنت مع انتفاضة قوية من جسدها إلى الوراء ، حيث انزلق كأس العصير من يدها بسبب ذعرها ، و أحدث صوتًا عاليًا عند ارتطامه بالأرض.
أغمضت عينيها بشهقة حين تناثرت بعض قطرات العصير الصفراء في الهواء ، ثم استقرت على ملابسها ووجهها.
فتحت حياة عينيها ، وهمست في رعب بينما جحظت عيناها فزعاً ، عندما تأكدت من أن ما كانت تراه أمامها حقيقي ، وليس مجرد وهم كما ظنت في البداية : انت .. مين..!؟
تحرك نحوها خطوة واحدة محاولاً الاقتراب منها ، بينما كانت عيناها مثبتتين عليه بمجرد أن تحرك نحوها بسرعة ، خرجت من حالة الصدمة التي أوقفت عقلها ثوان.
توقفت قدمي ذلك الرجل دون أي حركة أخرى فور أن رآها إنحنت على الأرض ، وأخذت الكأس المكسور في يديها المرتعشتين بوضوح ، ثم نصبت بقامتها القصيرة نسبيا بطوله الفارع ، ووجهته على الفور بتهديد مباشر تجاه من يقف أمامها.
نظر إليها بملامح مبهمة لم تستطع قراءتها لأن وجهه كان مثل صفحة بيضاء تمامًا لم يُكتب عليها أي تعبير ، لكنه فجأة قام بعقد حاجبيه بغموض.
أطلقت حياة صرخة سريعة فجأة ، و قالت بنبرة تهديد مليئة بالذعر بعد أن ابتلعت لعابها برعب شديد ، بينما قلبها ينبض داخل ضلوعها بسرعة كبيرة نتيجة الخطر ، الذي شعرت به في تلك اللحظة التي تواجهها لأول مرة في حياتها : اثبت مكانك و اوعي تفكر تقرب مني والله ماهتردد ثانية و هموتك..
أردفت حياة بإستنتاج سريع أكثر منه بسؤال ، وعيناها تراقبان حركة يديه وقدميه الثابتين بتمعن : اكيد انت حرامي .. استغليت غياب صاحب الشقة وجيت تسرقها مش كدا!!
واصلت بنبرة صوت متلعثمة مشوبة بالإنفعال ، بعد أن سيطر عليها الهلع التام من صمته المريب : مااا.. ما ترد عليا يا صنم .. انت دخلت هنا ازاي!!
زم شفتيه في خط مستقيم ، وأغمض عينيه مع عقده حاجبيه بانزعاج من صراخها بصوت عال في وجهه ، ثم بدأ يقترب منها بخطوات هادئة ومتوازنة.
ارتسمت على محياه الجدية ، وقال بغموض ممزوج بالثقة جعل الخوف يتغلغل أكثر في قلب حياة : نزلي اللي في ايدك دا
تراجعت حياة عدة خطوات إلى الوراء حتى أصبحت المسافة بينهما كبيرة إلى حد ما ، و صاحت بهستيريا ورفض : لاااا .. بقولك اثبت مكانك .. انت مابتفهمش!!
اِمتثل الآخر لأمرها ووقف دون أن يرد على مضض ، لا يعرف ماذا يقول ، ويبدو عليه عدم الفهم ، من يجب أن يخاف من الآخر ، فهذه المجنونة هي التي تهدده بسلاح ، وليس هو.
كما أنه ليس لديه إجابة على أسئلتها الكثيرة ، بينما كانت تخطو ببطء إلى الوراء بحذر شديد تريد إستغلال وضعه الشارد أمامها ، وقلبها يرتجف برعب ، لكن ما يطمئنها قليلاً أنها ما زالت تمسك الكأس المكسور في يديها بتهديد ودفاعا عن النفس حتى لا يقترب منها.
ظلت حياة تحسب الأمر في ذهنها ، إذا حاولت الركض نحو باب الشقة البعيد عن موقعها الحالي ، فسوف يمسك بها بسهولة بسبب طول ساقيه.
إذن ليس هناك إلا مهرب واحد فقط ، حتى لو كان مؤقتًا.
لم تفكر كثيرًا في الأمر ، حيث استدارت بسرعة ، وركضت نحو المطبخ خلفها مباشرة ، وأغلقت الباب جيدًا بالمزلاج لأنها لم تجد مفتاحًا فيه.
أمالت رأسها على الباب ، ووجهها مواجه له ، وعيناها مغمضتان ، ودموعها تتساقط بغزارة ، وتشهق بعنف ، وقلبها يرتعد من الخوف.
همست حياة بشكل متقطع ، وهي تحاول إيجاد حل للكارثة الواقعة فيها ، وهي تدفع يدها اليسرى على الباب بينما الأخرى لا تزال تحمل الكأس المكسور : يالهوووي .. اعمل ايه .. اعمل ايه .. فكري بسرعة يا حياة..!!؟
أنزلت يدها ، ووضعتها في بنطالها تتفقده ، قائلة بلهفة : اه .. اكلم عم حمزة يلحقني
كادت تنهار وتبكي أكثر عندما وجدت جيوبها فارغة ، وقالت بتشوش : لا .. تليفوني راح فين؟!!
: قدام التليفزيون برا
فغرت فاهها ، وعينيها بصدمة و عدم تصديق ، و فرت الدماء هاربة من وجهها عندما سمعت صوته مرة أخرى ، فالتفتت بجسدها ورأته يقف خلفها مباشرة.
استدارت يمينًا ويسارًا محاولة أن تجد المكان الذي كان قادرًا على الدخول منه ، لكنها لم تجد أي مدخل أو مخرج سوى الباب خلفها.
ومضت عيناها بغرابة ، وبدون لحظة من التردد قذفت الكأس في وجهه بقوة ، واستدارت لتفتح الباب وهرولت بأسرع ما يمكن إلى باب الشقة ، ثم فتحته بأصابع ترتجف من خوفها الشديد ، وفور خروجها ، بدأت بالصراخ طلباً للمساعدة من سكان المبنى : حد يلحقني .. الحقوووني .. الحقوووني ياااا ناس!!
في ذلك الوقت
كان يصعد بخطوات هادئة ، وهو يتنهد متذمراً على درج المبنى بسبب تعطل المصعد ، لكنه رفع رأسه متفاجئًا عندما سمع صوت امرأة تستنجد بصراخ ، فأسرع خطواته علي السلم بإندفاع.
وجد امرأة شابة في ملابس المنزل متسخة ، تخرج من شقة بدر وتجري نحوه مذعورة.
سألها وهو يلتقطها بين ذراعيه ، ممسكًا بمعصميها الباردة من رعبها الرهيب : ايه .. بتصرخي كدا ليه .. في ايه!!
فتحت حياة فمها ، وأغلقته عدة مرات متتالية ، تحاول أن تجد صوتها حتى استطاعت أن تنطق بتلعثم : ف..ي ف...ي
عقد حاجبيه ونظر إليها ، محاولًا فهم شيء ، لكنه لم يستطع.
قال محاولاً تهدئتها بعد النظر إلى وجهها الشاحب ورعشة جسدها ، مما قد يتسبب في إصابتها بنوبة قلبية : ممكن تهدي .. خدي نفسك بعدها اكلمي عشان افهم!!
ابتلعت لعابها بصعوبة بسبب حلقها الجاف ، ووجهت يدها إلى باب المنزل ، تهمس بصوت مبحوح ، وعيناها تحدقان للأمام بذعر : في .. حد .. جوا!!
ضيق عينيه وقوس شفتيه في حالة من عدم الفهم ، ثم قال بريبة وهو يشير في اتجاه الشقة : قصدك علي شقة بدر .. مين اللي جوا؟ مش فاهم حاجة!!
تحدثت حياة باندفاع ، وهي تنظر إلى عينيه الخضروتين : حرامي .. في حرامي جوا الشقة
ترك يدها تزامناً مع صعود حارس المبنى وعائلته ، وبعض السكان الآخرين الذين استمعوا إلى ما قالته ، ثم اندفع الجميع إلى الداخل.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور عدة دقائق
خرج حمزة من المطبخ ، ووقف أمام حياة ، ثم قال بهدوء : يا ست حياة احنا دورنا في الشقة كلها محدش موجود خالص
كانت حياة جالسة على الكنبة بصمت ، ولكن حالما سمعت ما قاله حمزة ، هزت رأسها غير مقتنعة ، وصاحت بإصرار وكل إنش في جسدها ارتجف من الخوف : لا يا عم حمزة .. والله انا شوفته قدامي واقف زي ما انت واقف في نفس المكان حتي
تحدث ذلك الرجل ذو العيون الخضراء بنبرة هادئة حتى لا يثير فزعها مرة أخرى : ماينفعش يكون حرامي .. انتي بتقولي كنتي قافلة الباب علي نفسك وفي الدور الخامس و كمان الشبابيك كلها مقفولة كويس اهي
تطلعت به حياة ، وهو يقف عند النافذة ، ثم أخذت نفسا عميقا محاولة السيطرة على أعصابها فما قاله كان صحيحا ، لكنها همست في حيرة وهي تخفض رأسها : مش عارفة .. مش عارفة .. بس انا شوفته بعيني صدقوني!!
ربتت زوجة حمزة على كتف حياة ، قائلة بلطف قبل ان تبتعد وتدخل المطبخ : اهدي يا بنتي .. اهدي جايز كان بيتهيألك دا بيجرا مع اي حد
تنهدت حياة مستسلمة ، فهي ليست في حالة جيدة تسمح لها بالمجادلة أكثر من ذلك : يمكن!!
ظهر رجل في منتصف الثلاثينيات من عمره يدعي كرم هو الابن الأكبر لحمزة ، الذي كان يبحث في الغرف لعله يجد شيء ، لكنه قال بثقة : صعب حد يدخل العمارة يا انسة حياة من غير ما نحس بيه .. العمارة ليها باب واحد بس واكيد مش استاذ بدر اللي كان هنا عشان عربيته مش واقفة تحت
خرجت ابنة كرم البالغة من العمر 11 عاما ، وتقول بفخر طفولي لطيف لانها قد اديت مهمتها بنجاح : خلاص يا ابلة حياة انا نظفت الارض و المطبخ
ضمت شفتيها في حرج ، ثم قالت بابتسامة صغيرة : تسلمي حبيبتي .. انا اسفة اوي علي اللي حصل تعبتكو معايا و قلقتكو علي الفاضي
تحدث حمزة بصوت عطوف طمئن قلبها قليلاً : ماتقوليش كدا يا بنتي نامي و ارتاحي .. كرم اطمن علي كل الشبابيك مقفولة وانتي اقفلي باب الشقة كويس عليكي من جوا
حياة بتمتمة : تمام
خرجت زوجة حمزة من المطبخ ، وقالت بابتسامة حنونة : اتفضلي يا بنتي عملتلك ليمون يروقلك دمك و يهديكي
نظرت حياة إليها بصمت ووجه باهت ، وهي تأخذ الكأس منها بكلتا يديها ، و لسان حالها يقول بسخرية مضحكة : يروق دمي ايام ما كان عندي دم .. ما طفش خلاص .. كل دمي قطع تذكرة للمالديف يروق نفسه بنفسه ابن الجبانة
لكنها بدأت في استعادة زمام أمور نفسها ، ووجدت أنه لا داعي للمبالغة أكثر في هذا الأمر ، ربما كانت متوهمة كما قالوا ، وبغض النظر عما قالته ، فيبدو أنهم لن يصدقوا ذلك بأي حال من الأحوال.
كانت آخر من خرج من باب المنزل ، والدة كرم تقول بابتسامة : تصبحي علي خير يا بنتي
ردت حياة بابتسامة قبل أن تغلق الباب جيداً من الداخل : و انتو من اهله
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في غرفة نوم بدر في وقت متأخر من الليل
كانت حياة منغمسة في النوم بينما كانت مستلقية بشكل فوضوي على بطنها على السرير ، ثم شعرت بشيء ناعم يسير على وجهها ، مما تسبب لها في دغدغة لطيفة جعلتها تستيقظ من سباتها.
فتحت عينيها ببطء وبانزعاج ، لتنصدم بوجود القط أمامها جالس على الوسادة فوق رأسها.
همست بتذمر ناعس : هو انا مش هرتاح في الليلة الهباب دي ولا ايه!!
أضافت ، بعد أن إعتدلت على السرير ، بينما إمتدت يديها تمسك القط ووضعته في حضنها ، وقالت له بصوت مبحوح : يعني عشان نسيت أقفل باب الاوضة عليا .. تقوم تقلق راحتي من غير لا احم ولا دستور .. مش كفاية اللي انا فيه هتبقي عليا انت و الزمن كمان!!
كان القط يموء بصوت منخفض ، محدق بعينه الخضراء البريئة إلى حياة ، التي نظرت إليه في حيرة وقالت بصوت خافت ، متزامنة مع ثني جسدها حتى تنزل القط على الأرض : ولا فاهم حاجة طبعا!! يلا بقي يا عسلية خلي عندك حبه من أبو أحمر واطلع نام برا علي الكنبة ان شاء الله تعمل بيبيه عليها مش فارقلي بس سيبني انام شوية خلاص الفجر هيأذن
استلقت حياة على السرير مجددًا ، وقالت بحسرة مرهقة بينما تضع إحدى يديها على عينيها : ايه الليلة الغريبة دي!! معقولة اللي شوفته دا كان بيتهيألي .. بس دي أول مرة تحصلي .. انا خايفة لا اكون اجننت و يودوني العباسية و يشمت فيا معاذ و امه الحيزبونة
: انتي لسه ما طهرتيش جرح صباعك كدا يعمل صديد
فتحت عينيها بتفاجئ عندما سمعت ذلك الصوت الجميل والعميق مرة أخرى ، ورأت مجددا ذلك الشاب غريب الأطوار يقف فوق رأسها ناظرا إليها ، وقد مال بجسده قليلا تجاهها.
سرعان ما صرخت بعد أن قفزت ووقفت على السرير ، ولوّحت بكلتا يديها في الهواء بعفوية وعنف : اسمع انت ايه بالظبط!! حرامي و لا عفريت ولا أنا بحلم و لا ايه حكايتك في الليلة اللي مش عايزة تعدي دي!!
كان يحدق فيها بعيون بنية تتلألأ بالأمل ، متسائلاً بصوته الرجولي المميز : انتي شايفاني مش كدا!!
رفعت حاجبها في إنشداه كأن من يقف أمامها معتوه ، وأجابت على سؤاله بسؤال : يعني ايه شايفاك؟!
أشار إلى نفسه قائلا بإستفهام : يعني شايفاني و سمعاني
ردت عليه حياة وهي تؤمي برأسها وهي بداخلها ، أقسمت أنه مجنون أو أنها مجنونة ، لا يمكنها التحديد بعد ، لكنها قررت أن تسايره ، ربما تفهم شيئًا : ايوه!!
وضع كلتا يديه على وجهه ، وتنهد بارتياح واضح كأن هناك حجر ضخم على صدره يعيق تنفسه ، وإنزاح بعد أن كاد أن يفقد الأمل ، ثم ابتهج فرحًا وابتعد قليلاً عن السرير : الحمدلله .. اخيرا لاقيت حد حاسس بوجودي .. انا كنت قربت اتجنن!!
هزت حياة رأسها برفض ، وهي ترفع يدها وتلوح بها في الهواء بإشارة توحي بأن الشخص الذي يقف أمامها كان بالفعل مجنونًا و مختل عقليًا ، ثم صاحت مؤكدة أفكارها الداخلية ونفاد صبرها : لا انت شكلك مجنون اصلا .. انا مش فاهمه منك حاجة .. انت مين و بتعمل ايه هنا!!؟
شعر بالطمأنينة تتغلغل بعمق في داخله ، فتنهد ونظر إليها ، وتغيرت نبرة صوته قائلا بأمر ، وعينين ثاقبتين موجهتين إليها بنظرة بغيضة من الطريقة التي وقفت بها أمامه فوق فراشه : اسكتي شوية وانزلي من فوق السرير بهدلتيه ونص الحاجات في البيت اتكسرت بسببك
أضاف بنبرة واثقة ، وهو يشير بإصبع السبابة لأعلى ثم لأسفل : ولعلمك انا مش حرامي .. انا عايش هنا
زاد التشوش والارتباك في عقلها من أسلوبه الحازم والثقة بالنفس التي يتحدث بها ، فقالت مرة أخرى بتساؤل : ازاي يعني عايش هنا!! وتطلع مين اصلا؟
مد يده اليمنى ليصافحها قائلا بثقة مطلقة ، بينما ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه جعلته أكثر وسامة : اسمي بدر
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في الصباح التالي
تملمت حياة بانزعاج من أشعة الشمس التي تسللت عبر النافذة إلى عينيها عسليتين ، فتحتهما ورفرفت حتى تعتاد على الضوء الساطع من حولها.
نظرت من حولها بعدم إستيعاب من آثار النوم والاجهاد ، ووجدت أنها مستلقية على سرير كبير ، ثم تذكرت أنها في غرفة فندق.
نهضت حياة بجذعها ببطء ، ووجهها شاحب ، ثم إستندت بجسدها على ظهر السرير ، وفركت جبهتها بألم من صداع يهاجم رأسها.
اتسعت عيناها من الخوف ، ونبضات قلبها أصبحت فوق الطبيعي ، حين عادت إليها ومضات من أحداث الليلة الماضية.
Flash Back
مد يده اليمنى ليصافحها قائلا بثقة مطلقة ، بينما ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه جعلته أكثر وسامة : اسمي بدر
حدقت في يده الممدودة بخجل واضح على ملامحها ، من علمه أنها كسرت بعض أغراضه ، واستطاعت أن تشعر من نبرة صوته الواثقة أنه بالفعل صاحب المنزل.
شعرت بمزيج من الإحراج والاضطراب لكونها وحيدة مع هذا البدر ، و في غرفة نومه ، بينما كانت ترتدي إحدى بيجاماتها الطفولية السخيفة ، وقبل أن تمنح نفسها فرصة للتفكير وجعله ينتظر أكثر.
نزلت من السرير بهدوء إلى الأرض ، ومدت يدها لمصافحته بتردد ، لكن يدها مرت في يده ، وكأنها مسكت الفراغ.
نظروا إلى بعضهم البعض بصدمة متوازية ، ثم اختفي من أمامها دون ترك أي أثر ، وكأنه لم يكون موجود اطلاقاً.
ظلت محدقة بوجه باهت في المكان الذي كان يقف فيه لعدة ثوان في ذهول كبير ، ثم همست برهبة وشهقة قوية ، ورفعت كلتا يديها إلى فمها : شبح!!!!!
Back
يبدو تائهًا ، عيناه نجمتان ، يداه سلال من الريحان ، صدره وسادة من القمر ، وشعره أرجوحة للريح والزهور ، يبدو تائهًا ، مسافرًا لا يحسن السفر...!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قامت حياة بإطفاء أضواء المطبخ قبل مغادرتها ، ولكن فجأة دوي صرخة فزع من حلقها بمجرد أن رأت رجلاً طويلاً يقف أمامها منتصباً ينظر إليها بابتسامة جانبية.
تزامنت مع انتفاضة قوية من جسدها إلى الوراء ، حيث انزلق كأس العصير من يدها بسبب ذعرها ، و أحدث صوتًا عاليًا عند ارتطامه بالأرض.
أغمضت عينيها بشهقة حين تناثرت بعض قطرات العصير الصفراء في الهواء ، ثم استقرت على ملابسها ووجهها.
فتحت حياة عينيها ، وهمست في رعب بينما جحظت عيناها فزعاً ، عندما تأكدت من أن ما كانت تراه أمامها حقيقي ، وليس مجرد وهم كما ظنت في البداية : انت .. مين..!؟
تحرك نحوها خطوة واحدة محاولاً الاقتراب منها ، بينما كانت عيناها مثبتتين عليه بمجرد أن تحرك نحوها بسرعة ، خرجت من حالة الصدمة التي أوقفت عقلها ثوان.
توقفت قدمي ذلك الرجل دون أي حركة أخرى فور أن رآها إنحنت على الأرض ، وأخذت الكأس المكسور في يديها المرتعشتين بوضوح ، ثم نصبت بقامتها القصيرة نسبيا بطوله الفارع ، ووجهته على الفور بتهديد مباشر تجاه من يقف أمامها.
نظر إليها بملامح مبهمة لم تستطع قراءتها لأن وجهه كان مثل صفحة بيضاء تمامًا لم يُكتب عليها أي تعبير ، لكنه فجأة قام بعقد حاجبيه بغموض.
أطلقت حياة صرخة سريعة فجأة ، و قالت بنبرة تهديد مليئة بالذعر بعد أن ابتلعت لعابها برعب شديد ، بينما قلبها ينبض داخل ضلوعها بسرعة كبيرة نتيجة الخطر ، الذي شعرت به في تلك اللحظة التي تواجهها لأول مرة في حياتها : اثبت مكانك و اوعي تفكر تقرب مني والله ماهتردد ثانية و هموتك..
أردفت حياة بإستنتاج سريع أكثر منه بسؤال ، وعيناها تراقبان حركة يديه وقدميه الثابتين بتمعن : اكيد انت حرامي .. استغليت غياب صاحب الشقة وجيت تسرقها مش كدا!!
واصلت بنبرة صوت متلعثمة مشوبة بالإنفعال ، بعد أن سيطر عليها الهلع التام من صمته المريب : مااا.. ما ترد عليا يا صنم .. انت دخلت هنا ازاي!!
زم شفتيه في خط مستقيم ، وأغمض عينيه مع عقده حاجبيه بانزعاج من صراخها بصوت عال في وجهه ، ثم بدأ يقترب منها بخطوات هادئة ومتوازنة.
ارتسمت على محياه الجدية ، وقال بغموض ممزوج بالثقة جعل الخوف يتغلغل أكثر في قلب حياة : نزلي اللي في ايدك دا
تراجعت حياة عدة خطوات إلى الوراء حتى أصبحت المسافة بينهما كبيرة إلى حد ما ، و صاحت بهستيريا ورفض : لاااا .. بقولك اثبت مكانك .. انت مابتفهمش!!
اِمتثل الآخر لأمرها ووقف دون أن يرد على مضض ، لا يعرف ماذا يقول ، ويبدو عليه عدم الفهم ، من يجب أن يخاف من الآخر ، فهذه المجنونة هي التي تهدده بسلاح ، وليس هو.
كما أنه ليس لديه إجابة على أسئلتها الكثيرة ، بينما كانت تخطو ببطء إلى الوراء بحذر شديد تريد إستغلال وضعه الشارد أمامها ، وقلبها يرتجف برعب ، لكن ما يطمئنها قليلاً أنها ما زالت تمسك الكأس المكسور في يديها بتهديد ودفاعا عن النفس حتى لا يقترب منها.
ظلت حياة تحسب الأمر في ذهنها ، إذا حاولت الركض نحو باب الشقة البعيد عن موقعها الحالي ، فسوف يمسك بها بسهولة بسبب طول ساقيه.
إذن ليس هناك إلا مهرب واحد فقط ، حتى لو كان مؤقتًا.
لم تفكر كثيرًا في الأمر ، حيث استدارت بسرعة ، وركضت نحو المطبخ خلفها مباشرة ، وأغلقت الباب جيدًا بالمزلاج لأنها لم تجد مفتاحًا فيه.
أمالت رأسها على الباب ، ووجهها مواجه له ، وعيناها مغمضتان ، ودموعها تتساقط بغزارة ، وتشهق بعنف ، وقلبها يرتعد من الخوف.
همست حياة بشكل متقطع ، وهي تحاول إيجاد حل للكارثة الواقعة فيها ، وهي تدفع يدها اليسرى على الباب بينما الأخرى لا تزال تحمل الكأس المكسور : يالهوووي .. اعمل ايه .. اعمل ايه .. فكري بسرعة يا حياة..!!؟
أنزلت يدها ، ووضعتها في بنطالها تتفقده ، قائلة بلهفة : اه .. اكلم عم حمزة يلحقني
كادت تنهار وتبكي أكثر عندما وجدت جيوبها فارغة ، وقالت بتشوش : لا .. تليفوني راح فين؟!!
: قدام التليفزيون برا
فغرت فاهها ، وعينيها بصدمة و عدم تصديق ، و فرت الدماء هاربة من وجهها عندما سمعت صوته مرة أخرى ، فالتفتت بجسدها ورأته يقف خلفها مباشرة.
استدارت يمينًا ويسارًا محاولة أن تجد المكان الذي كان قادرًا على الدخول منه ، لكنها لم تجد أي مدخل أو مخرج سوى الباب خلفها.
ومضت عيناها بغرابة ، وبدون لحظة من التردد قذفت الكأس في وجهه بقوة ، واستدارت لتفتح الباب وهرولت بأسرع ما يمكن إلى باب الشقة ، ثم فتحته بأصابع ترتجف من خوفها الشديد ، وفور خروجها ، بدأت بالصراخ طلباً للمساعدة من سكان المبنى : حد يلحقني .. الحقوووني .. الحقوووني ياااا ناس!!
في ذلك الوقت
كان يصعد بخطوات هادئة ، وهو يتنهد متذمراً على درج المبنى بسبب تعطل المصعد ، لكنه رفع رأسه متفاجئًا عندما سمع صوت امرأة تستنجد بصراخ ، فأسرع خطواته علي السلم بإندفاع.
وجد امرأة شابة في ملابس المنزل متسخة ، تخرج من شقة بدر وتجري نحوه مذعورة.
سألها وهو يلتقطها بين ذراعيه ، ممسكًا بمعصميها الباردة من رعبها الرهيب : ايه .. بتصرخي كدا ليه .. في ايه!!
فتحت حياة فمها ، وأغلقته عدة مرات متتالية ، تحاول أن تجد صوتها حتى استطاعت أن تنطق بتلعثم : ف..ي ف...ي
عقد حاجبيه ونظر إليها ، محاولًا فهم شيء ، لكنه لم يستطع.
قال محاولاً تهدئتها بعد النظر إلى وجهها الشاحب ورعشة جسدها ، مما قد يتسبب في إصابتها بنوبة قلبية : ممكن تهدي .. خدي نفسك بعدها اكلمي عشان افهم!!
ابتلعت لعابها بصعوبة بسبب حلقها الجاف ، ووجهت يدها إلى باب المنزل ، تهمس بصوت مبحوح ، وعيناها تحدقان للأمام بذعر : في .. حد .. جوا!!
ضيق عينيه وقوس شفتيه في حالة من عدم الفهم ، ثم قال بريبة وهو يشير في اتجاه الشقة : قصدك علي شقة بدر .. مين اللي جوا؟ مش فاهم حاجة!!
تحدثت حياة باندفاع ، وهي تنظر إلى عينيه الخضروتين : حرامي .. في حرامي جوا الشقة
ترك يدها تزامناً مع صعود حارس المبنى وعائلته ، وبعض السكان الآخرين الذين استمعوا إلى ما قالته ، ثم اندفع الجميع إلى الداخل.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور عدة دقائق
خرج حمزة من المطبخ ، ووقف أمام حياة ، ثم قال بهدوء : يا ست حياة احنا دورنا في الشقة كلها محدش موجود خالص
كانت حياة جالسة على الكنبة بصمت ، ولكن حالما سمعت ما قاله حمزة ، هزت رأسها غير مقتنعة ، وصاحت بإصرار وكل إنش في جسدها ارتجف من الخوف : لا يا عم حمزة .. والله انا شوفته قدامي واقف زي ما انت واقف في نفس المكان حتي
تحدث ذلك الرجل ذو العيون الخضراء بنبرة هادئة حتى لا يثير فزعها مرة أخرى : ماينفعش يكون حرامي .. انتي بتقولي كنتي قافلة الباب علي نفسك وفي الدور الخامس و كمان الشبابيك كلها مقفولة كويس اهي
تطلعت به حياة ، وهو يقف عند النافذة ، ثم أخذت نفسا عميقا محاولة السيطرة على أعصابها فما قاله كان صحيحا ، لكنها همست في حيرة وهي تخفض رأسها : مش عارفة .. مش عارفة .. بس انا شوفته بعيني صدقوني!!
ربتت زوجة حمزة على كتف حياة ، قائلة بلطف قبل ان تبتعد وتدخل المطبخ : اهدي يا بنتي .. اهدي جايز كان بيتهيألك دا بيجرا مع اي حد
تنهدت حياة مستسلمة ، فهي ليست في حالة جيدة تسمح لها بالمجادلة أكثر من ذلك : يمكن!!
ظهر رجل في منتصف الثلاثينيات من عمره يدعي كرم هو الابن الأكبر لحمزة ، الذي كان يبحث في الغرف لعله يجد شيء ، لكنه قال بثقة : صعب حد يدخل العمارة يا انسة حياة من غير ما نحس بيه .. العمارة ليها باب واحد بس واكيد مش استاذ بدر اللي كان هنا عشان عربيته مش واقفة تحت
خرجت ابنة كرم البالغة من العمر 11 عاما ، وتقول بفخر طفولي لطيف لانها قد اديت مهمتها بنجاح : خلاص يا ابلة حياة انا نظفت الارض و المطبخ
ضمت شفتيها في حرج ، ثم قالت بابتسامة صغيرة : تسلمي حبيبتي .. انا اسفة اوي علي اللي حصل تعبتكو معايا و قلقتكو علي الفاضي
تحدث حمزة بصوت عطوف طمئن قلبها قليلاً : ماتقوليش كدا يا بنتي نامي و ارتاحي .. كرم اطمن علي كل الشبابيك مقفولة وانتي اقفلي باب الشقة كويس عليكي من جوا
حياة بتمتمة : تمام
خرجت زوجة حمزة من المطبخ ، وقالت بابتسامة حنونة : اتفضلي يا بنتي عملتلك ليمون يروقلك دمك و يهديكي
نظرت حياة إليها بصمت ووجه باهت ، وهي تأخذ الكأس منها بكلتا يديها ، و لسان حالها يقول بسخرية مضحكة : يروق دمي ايام ما كان عندي دم .. ما طفش خلاص .. كل دمي قطع تذكرة للمالديف يروق نفسه بنفسه ابن الجبانة
لكنها بدأت في استعادة زمام أمور نفسها ، ووجدت أنه لا داعي للمبالغة أكثر في هذا الأمر ، ربما كانت متوهمة كما قالوا ، وبغض النظر عما قالته ، فيبدو أنهم لن يصدقوا ذلك بأي حال من الأحوال.
كانت آخر من خرج من باب المنزل ، والدة كرم تقول بابتسامة : تصبحي علي خير يا بنتي
ردت حياة بابتسامة قبل أن تغلق الباب جيداً من الداخل : و انتو من اهله
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في غرفة نوم بدر في وقت متأخر من الليل
كانت حياة منغمسة في النوم بينما كانت مستلقية بشكل فوضوي على بطنها على السرير ، ثم شعرت بشيء ناعم يسير على وجهها ، مما تسبب لها في دغدغة لطيفة جعلتها تستيقظ من سباتها.
فتحت عينيها ببطء وبانزعاج ، لتنصدم بوجود القط أمامها جالس على الوسادة فوق رأسها.
همست بتذمر ناعس : هو انا مش هرتاح في الليلة الهباب دي ولا ايه!!
أضافت ، بعد أن إعتدلت على السرير ، بينما إمتدت يديها تمسك القط ووضعته في حضنها ، وقالت له بصوت مبحوح : يعني عشان نسيت أقفل باب الاوضة عليا .. تقوم تقلق راحتي من غير لا احم ولا دستور .. مش كفاية اللي انا فيه هتبقي عليا انت و الزمن كمان!!
كان القط يموء بصوت منخفض ، محدق بعينه الخضراء البريئة إلى حياة ، التي نظرت إليه في حيرة وقالت بصوت خافت ، متزامنة مع ثني جسدها حتى تنزل القط على الأرض : ولا فاهم حاجة طبعا!! يلا بقي يا عسلية خلي عندك حبه من أبو أحمر واطلع نام برا علي الكنبة ان شاء الله تعمل بيبيه عليها مش فارقلي بس سيبني انام شوية خلاص الفجر هيأذن
استلقت حياة على السرير مجددًا ، وقالت بحسرة مرهقة بينما تضع إحدى يديها على عينيها : ايه الليلة الغريبة دي!! معقولة اللي شوفته دا كان بيتهيألي .. بس دي أول مرة تحصلي .. انا خايفة لا اكون اجننت و يودوني العباسية و يشمت فيا معاذ و امه الحيزبونة
: انتي لسه ما طهرتيش جرح صباعك كدا يعمل صديد
فتحت عينيها بتفاجئ عندما سمعت ذلك الصوت الجميل والعميق مرة أخرى ، ورأت مجددا ذلك الشاب غريب الأطوار يقف فوق رأسها ناظرا إليها ، وقد مال بجسده قليلا تجاهها.
سرعان ما صرخت بعد أن قفزت ووقفت على السرير ، ولوّحت بكلتا يديها في الهواء بعفوية وعنف : اسمع انت ايه بالظبط!! حرامي و لا عفريت ولا أنا بحلم و لا ايه حكايتك في الليلة اللي مش عايزة تعدي دي!!
كان يحدق فيها بعيون بنية تتلألأ بالأمل ، متسائلاً بصوته الرجولي المميز : انتي شايفاني مش كدا!!
رفعت حاجبها في إنشداه كأن من يقف أمامها معتوه ، وأجابت على سؤاله بسؤال : يعني ايه شايفاك؟!
أشار إلى نفسه قائلا بإستفهام : يعني شايفاني و سمعاني
ردت عليه حياة وهي تؤمي برأسها وهي بداخلها ، أقسمت أنه مجنون أو أنها مجنونة ، لا يمكنها التحديد بعد ، لكنها قررت أن تسايره ، ربما تفهم شيئًا : ايوه!!
وضع كلتا يديه على وجهه ، وتنهد بارتياح واضح كأن هناك حجر ضخم على صدره يعيق تنفسه ، وإنزاح بعد أن كاد أن يفقد الأمل ، ثم ابتهج فرحًا وابتعد قليلاً عن السرير : الحمدلله .. اخيرا لاقيت حد حاسس بوجودي .. انا كنت قربت اتجنن!!
هزت حياة رأسها برفض ، وهي ترفع يدها وتلوح بها في الهواء بإشارة توحي بأن الشخص الذي يقف أمامها كان بالفعل مجنونًا و مختل عقليًا ، ثم صاحت مؤكدة أفكارها الداخلية ونفاد صبرها : لا انت شكلك مجنون اصلا .. انا مش فاهمه منك حاجة .. انت مين و بتعمل ايه هنا!!؟
شعر بالطمأنينة تتغلغل بعمق في داخله ، فتنهد ونظر إليها ، وتغيرت نبرة صوته قائلا بأمر ، وعينين ثاقبتين موجهتين إليها بنظرة بغيضة من الطريقة التي وقفت بها أمامه فوق فراشه : اسكتي شوية وانزلي من فوق السرير بهدلتيه ونص الحاجات في البيت اتكسرت بسببك
أضاف بنبرة واثقة ، وهو يشير بإصبع السبابة لأعلى ثم لأسفل : ولعلمك انا مش حرامي .. انا عايش هنا
زاد التشوش والارتباك في عقلها من أسلوبه الحازم والثقة بالنفس التي يتحدث بها ، فقالت مرة أخرى بتساؤل : ازاي يعني عايش هنا!! وتطلع مين اصلا؟
مد يده اليمنى ليصافحها قائلا بثقة مطلقة ، بينما ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه جعلته أكثر وسامة : اسمي بدر
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في الصباح التالي
تملمت حياة بانزعاج من أشعة الشمس التي تسللت عبر النافذة إلى عينيها عسليتين ، فتحتهما ورفرفت حتى تعتاد على الضوء الساطع من حولها.
نظرت من حولها بعدم إستيعاب من آثار النوم والاجهاد ، ووجدت أنها مستلقية على سرير كبير ، ثم تذكرت أنها في غرفة فندق.
نهضت حياة بجذعها ببطء ، ووجهها شاحب ، ثم إستندت بجسدها على ظهر السرير ، وفركت جبهتها بألم من صداع يهاجم رأسها.
اتسعت عيناها من الخوف ، ونبضات قلبها أصبحت فوق الطبيعي ، حين عادت إليها ومضات من أحداث الليلة الماضية.
Flash Back
مد يده اليمنى ليصافحها قائلا بثقة مطلقة ، بينما ظهرت ابتسامة جانبية على شفتيه جعلته أكثر وسامة : اسمي بدر
حدقت في يده الممدودة بخجل واضح على ملامحها ، من علمه أنها كسرت بعض أغراضه ، واستطاعت أن تشعر من نبرة صوته الواثقة أنه بالفعل صاحب المنزل.
شعرت بمزيج من الإحراج والاضطراب لكونها وحيدة مع هذا البدر ، و في غرفة نومه ، بينما كانت ترتدي إحدى بيجاماتها الطفولية السخيفة ، وقبل أن تمنح نفسها فرصة للتفكير وجعله ينتظر أكثر.
نزلت من السرير بهدوء إلى الأرض ، ومدت يدها لمصافحته بتردد ، لكن يدها مرت في يده ، وكأنها مسكت الفراغ.
نظروا إلى بعضهم البعض بصدمة متوازية ، ثم اختفي من أمامها دون ترك أي أثر ، وكأنه لم يكون موجود اطلاقاً.
ظلت محدقة بوجه باهت في المكان الذي كان يقف فيه لعدة ثوان في ذهول كبير ، ثم همست برهبة وشهقة قوية ، ورفعت كلتا يديها إلى فمها : شبح!!!!!
Back