رواية الحب اولا الفصل الثاني 2 بقلم دهب عطية
في الساحة…. هذا المكان الذي كان يلجأ إليه كثيراً
او دائماً كلما طرد من البيت في فترة المراهقة…
واليوم عاد يلجأ إليه وهو في عمر الثلاثون !!…
غريبة الحياة معه كالعواصف الهائجة… تقذفه يميناً ويسار وهو معها تارك نفسه لها كفيلة بنجاةُ
او هلاكة…..من يعرف؟!…..
نظر للساحة من حولة فكان شارع كبير ممتد قديم الطراز والبيوت به صامدة شامخة تشهد على قرون
عجاف مرت عليها وعلى أصحابها……شارع يحمل رائحة البحر المالح الممزوج برائحة الرصيف الذي
يسير عليه الآن……..يحمل رائحة البن المحمص
موسيقى قديمة لصوت مغني شاجن……شاجن
كقلبه……..واحساسه يحمل العزلة….كالذي يحياها
الآن وهو يسير في حي يُدعى الساحة……..
أثناء سيره في المكان المظلم والبارد في هذا الوقت من الليل سمع صوت يعرفه جيداً……
فتقدم من مكان الضجيج في أحد ازقة الشارع
الكبير………
فوجد ثلاث رجال يجلسا أمام باب منزل صغير…
راقب ما يحدث……..
كان يوجد امام الثلاثة كروت كوتشينه ومبلغ من الأموال…… أوراق بمائة………. وضع احد الثلاث
الكارت الأخير صائحاً بمكر…….
“كده الواد يقُش………والفلوس دي حلالي…..”
مط صاحب الأموال فمه وتحدث بحنق….
“اصبر ياعمنا……. افهم الواد ده جه منين…. انت بتغش……..”
تحدث الثالث متضامن مع الأول…..
“بيغش إيه ماهو بيلعب زيه زيك ولا عشان كسبك هتقعد تعيط وتولول زي النسوان…….”
تحدث الأول بلؤم….. “شكله رجع في كلامه……….”
رد عليه الآخر كالبغبغان متضامناً معه…….
“حتى لو رجع في كلامه دا حقك ياصاحبي…. هو
شُغل عيال بقا ولا إيه……. إحنا بنلعب على فلوس
من زمان وهو أول واحد عارف بده……”
نظر الأول للخاسر بينهم وقال بلؤم واضح
وفرحة الفوز تسيطر عليه…..
“يمكن زعلان عشان المبلغ اللي خسروا اكبر من الأول…. متعوضه ياحبايه مع بعضينا ياصاحبي…
يمكن المرة الجايه تقش انت بالواد…….”
ثم رفع الأول يداه نحو الأموال ولكن قبل ان
يلمسهم وجد يد رابعة غريبة تخترق المكان
وتلم اوراق النقود بل وتبدأ بعد المبلغ
بمنتهى التبجح !……
رفع ثلاثتهم اعينهم على حمزة الذي انعقد
حاجبيه وسال (حباية..)عابساً…..
“الفلوس اللي سرقتها كانوا كام يالا……”
رد حبايه وهو ينهض من مكانه مندهشاً….
“الف جني …….هو فيه إيه………انت مالك ومال الفلوس دي…….”
رفع حمزة عيناه ذات بريق الاجرام المشع
منها ورد بجمود………
“تخصني…. ونقصين مية جني……..جبت بيها
إيه…..”
رد المدعو حباية بصعوبة…… “حشيش……..”
ارتفع حاجب حمزة وتحدث باستهجان…..
“حبيبي !…… جايب بشقى واحده ست حشيش…..
انت مِلت امك إيه…. بتسرق عشان تصرف على
كيفك……. والباقي تطيره في القمار……..”
تحدث حباية هاكماً…..
“وانت مالك هي كانت من بقية عيلتك……”
وقف الاول امام حمزة بتهور قائلاً
بغضب…..
“بقولكم إيه…. الحوار ده ميكلش معايا… الفلوس
دي بتاعتي وتخصني…….”
ابعد حمزة يده الشاب قائلاً…
“بتاعتك إزاي يا رياسه……هو اي كلام وسلام….”
زمجر الشاب قائلاً…..
“لا مش اي كلام انا كسبتهم منه……”
عقب حمزة ساخراً…..
“يعني كسبتهم مع طارق علام…. الفلوس دي مسروقة ياخفيف وهترجع لصحابها……”
“ياعم انا صاحبها هات الفلوس وتكل على الله
بقا….”دفعه الشاب بقوة فوقع حمزة أرضاً………
جز حمزة على أسنانه وهو ينهض من مكانه
وتأتأ بشفتيه باسى وهو ينفض ملابسه من
الغبار قائلاً بمنتهى الهدوء المريب…….
“كده………. كده كرمشت القميص كده…….”
اقترب حمزة منه وهو يهندم ملابسه قائلاً
بنزق…..
“لسه هغسل بقا وكوي….والله عيب…..عيب
علينا وآلله…”
وقبل ان يدرك الشاب من اين تاتي اللكمة كان قد سدد له حمزة اربعة لكمات في وجهه ثم بطنه
واسفل الحزام فوقع أرضاً متألماً…….هجم
رفيقة الآخر على حمزة ولكمة أسفل فمه
مرتين فنزف الدماء سريعاً ثم بدأ يدافع حمزة
عن نفسه وسدد له عدد من الكمات وركلات
لا بأس بها……حتى ركض الاثنين امامه
كالفئران بجبن……
مسح حمزة فمه وهو ينظر للمدعو حباية بشرٍ
خطير….فبلع حباية ريقه بخوف قائلاً…..
“أقسم بالله ماعرف ان اللي سرقتها تخصك لا من بعيد ولا من قريب….لو عايز الفلوس هي بقت في جيبك خلاص واذا كان على المية جنية……خد حتة
الحشيشه اللي معايا…ولا أقولك استنى اطلع بكره
انط على اي سبوبه وجبلك فلوسك…..”
علق حمزة بقرف….
“سبوبه اللي هي سرقة تاني…….”أومأ له بتأكيد
فزفر حمزة باستياء قائلاً بسخط…..
“لا حلال عليك الحشيش والمية مسامح فيه بس اقسم بالله لو اتكررت النمرة دي معايا او مع اي
حد تبعي هتزعل……..وهتزعل بالجامد كمان.. “
تسمر حباية قليلاً وبدأ يحك في شعره المجعد
سائلا بغباء…….
“طب مانا اعرف الناس اللي تبعك إزاي لمؤخذه… انا بسرق بالبركة…….. على الله يعني……..”
جز حمزة على أسنانه منزعجاً وهو يقول
بحدة…
“الله يحرقك ياخي……غور من وشي…….ناقص
تقولي بصلي الفجر ودعي ان ربنا يسترها معايا
وطلع اسرق في الخلق………غور يالا متفورش
دمي…. “
غادر حباية سريعاً من أمامه…….فراقبه حمزة
وهو يبتعد شاعراً بصدره يضيق وروحه تنفر من حاله…..فمن هو ليعطي عظة لهذا او غيرة……..
لم يكن يوماً قديس في قلب الساحة أو خارجها…..
فلماذا الآن يفرد جناح الملاك بتلك الطريقة
فجأه وجد من يضع يده على كتفه استدار سريعاً
اليه وعلى وشك الهجوم……فصاح صديقة يرفع يداه…..
“سلطان…..اوعى تتهور……..”
ضحك حمزة سريعاً وربت على كتف صديق….
فقال سلطان ساخراً……
“اي الرعب ده ولا كانك عليك طار……”
اخبره حمزة بمزاح……
“لسه ضارب عيال هايفه……افتكرتك حد منهم….”
أشار سلطان على حجمه الضخم وطولة
الفارع……..
“هايفه وبالحجم ده……..دا انت اعمى بقا……”
سحبه سلطان خارجين من الزقاق الى الشارع الرئيسي…..
“تعالى معايا نقعد على القهوة شوية….شكلك
متعارك مع أبوك……..”
رد حمزة ساخراً….. “هتعارك مع مين غيروا………”
“لسه قلبه محنش……..”ساله صديقة وهم يجلسا
امام ورشة خشب……….
“هو اللي زي ده عنده قلب……..”قالها حمزة وهو ينظر أمامه بفرغ كئيب……..ربت سلطان على
ركبته قائلاً برفق……..
“روق بس بكرة تروق وتحلى……ماقولتلك تعالى أشتغل معايا… ما ورشة الخشب اهيه موجودة
….وانت صنايعي شاطر ياحمزة وايدك تتلف بالحرير…والله انت مستهون بالصنعة اللي في إيدك دي تكسبك دهب…. اديك شايف الحمدلله من وراها ربنا فتح عليا…..ولو حطيت إيدك في ايدي مين عالم……. يمكن الورشة تبقا مصنع……..اي رأيك……”
التوى شفتي حمزة بنزق….
“حلتي اي عشان ادهولك ياسلطان…..”
رد سلطان بتصميم…….
“صنعتك…..صنعتك ياجدع انا مش عايز
غيرها…… فكر بس….. “
هز حمزة راسه رافضاً…..
“لا مش عايز خليني زي مانا……”
تعجب سلطان من رده….. فعلق….
“من موقف لموقف ياحمزة ومن عركه للتانية……. جرالك إيه يابن النآس………”
“معرفش ومش عايز أعرف…..وقفل بقا على السيرة دي انا مش ناقص…..المهم اي اخبار الجواز……”
غمز له حمزة حتى يغير مجرى الحديث…. فرد سلطان بنبرة فاترة……
“الجواز…..كويس الحمدلله…..انت عارف… انها
بنت عمي ونصيبي……..”
استغرب حمزة هذا الوضع الجديد فعلق……
“الغريبة انها عمرها ماكانت في بالك….دا انت كنت بتقول عليها عيله….لما كان بيجلها اي عريس….”
وكانه يزيد الهم على قلبه وهو يبرر وضعهما
الحالي………
“مالفرق اللي مابينا أكتر من عشر سنين….داليدا عندها يدوب عشرين سنة وصاحبك عدى التلاتين…. فكانت بنسبالي صغيرة…….” تمتم داخله بحسرة…..
“صغيرة !!…….”
انعقد حاجبي حمزة سائلاً……
“شكلك مخبي عني حاجة مالك ياسلطان…..”
هز سلطان راسه مبتسماً….
“ولا حاجة ياصاحبي….خلينا نشرب كوبية الشاي…
وطلع رايح في مكانك…….”
“لا انا هنام في الورشة…….”نظر حمزة للورشة التي تقبع خلفهم ….سأله سلطان بغرابة…….
“لي كده ياجدع ماوضتك موجودة فوق السطح…..”
“قولتلك هنام هنا……….”رفض بحرج حتى لا يمر على شقة صديقة فالبيت الذي اتخذ منه غرفة
يلجأ اليها عندما يطرده والده…..كانت اساساً
بيت عائلة صديقة ……..ولم يكن لائقاً
الصعود الآن……..
“دماغك نشفة وهتتعبني…..على العموم هعدي عليك من النجمة….هصلي الفجر وانزل افتح الورشة…..”
قالها وهو ينهض عن مقعده………ثم أضاف…
“آآه هنزلك صنية العشا…….”
امتنع حمزة سريعاً…..
“لا مش عايز…..مليش نفس……..”
“متبقاش غشيم انت في بيت أخوك….”لكزه
سلطان بعتاب ثم اضاف قبل ان يرحل……..
“نورت الساحة من تاني يانمس……”
………………………………………………………………
بعد مدة دخل سلطان شقته الجديد والتي اتخذها في بيت العائلة الكبير منذ شهر تقريباً وهو يعيش
بها مع زوجته……….(داليدا…..)
عندما إطمئن على حمزة واغلق الورشة عليه صعد
لهنا لياخذ قسط من الراحة…..فمنذ الثامنة صباحاً
وهو في الأسفل بداخل الورشة يعمل ويصنع
اثاثات منزليه بالخشب…….
سحب نفساً عميقاً وهو يدخل الشقة ويغلق الباب
خلفه…….أول شيءٍ علق في أنفه عطر الجوري
الناعم التي تستعمل دوماً سواء عطراً خاص بها
او غسول استحمام……….
سمع صوت خرير الماء ياتي من الحمام المغلق…
فخمن انها تأخذ حماماً دافئاً….فدخل غرفة النوم
واشعل الضوء ومزال عطرها في كل مكان يطارده
من يوم يومها وهي تخطف الأنظار من حولها تثير
اهتمام الجميع…..حتى الآن يشعر انه ضيف في بيتٍ
يحمل رائحتها وروحها الحلوة !! ………
التقطت عيناه القاتمة ملابسها على الفرش المرتب
فعقد حاجباه عابساً….أخبرها مرراً وتكرراً….ان ارتداء
الملابس يكن في الحمام لا في غرفة النوم !!….
ارجع شعره للخلف بيده الحرة وباليد الأخرى عثعث في الملابس فكانت عبارة عن قطعتين داخليتين
من اللون الأصفر !!……ومنامة قطنية رقيقة للنوم……
ما علق معه أكثر الطاقم الداخلي الصغير شديد الانوثة والاغراء فظل ينظر إليه قليلاً……وفي لحظة ترك الملابس من يده وهو يبتلع ريقه بصعوبة شاعراً بمزيج ساخن يصب في عروقة فجأة…….
ماذا به ؟!…..منذ متى وتلك الصغيرة تحرك مشاعره
لم يكن في الحسبان يوماً التقرب منها باي شكلاً
كان……..لكن بسبب فعلتها المشينة رضخ
لحسبات العقل وتزوج منها حتى يلم ماتبقى
من شرف العائلة والتي كانت تسعى بسذاجة
لوضع رؤوس الجميع بالوحل بعد فعلتها الفاضحة………
أغمض عينيه بغضب كلما تذكر ما رآه…..ففي
خلال أسبوعين كان متزوج بها…وان كان سأله أحد قبل الاسبوعين هل مر على عقلك طيفها في صورة زوجة….سيسخر منه ويضحك موضح له انها بمثابة أخت صغرى له……اخت صغرى فقط ؟!…..
“سلطان !! …..”
صوتها الرقيق العذب انساب من خلف ظهره وكانت ملابسها مبعثره على الفراش بشكلاً مريب وقد راتها
جيداً لذا بلعت ريقها بحرج وهي تساله بغباء…
“انت جيت…….”
بصوت خالي من اي مرح أجاب….
“انتي شايفه إيه………”
استدار لها ناظراً اليها بقوة فوجدها كما توقع تلف جسدها بمنشفة تبرز نصف ساقاها البيضاء ومن الأعلى كتفها وجزء من ظهرها…….كانت داليدا صغيرة جميلة امام بنيته القوية وجسده
الضخم عصفورة صغيرة…….
فكانت نحيفة لكن تشع انوثه……هادئة شكلاً لكن
بنظرة تخطف القلوب وتثير الاهتمام من حولها…..ملامحها تشع انوثة ولطافة الأطفال
لكنها انثى خبيثة عنيدة لأبعد حد……….شعرها
كثيف بني فاتح ناعم كالشلال لكن ماكر يغري للاقتراب منه وان فعلت ستغرق دون رجعه
مع صاحبته ؟!….
كل ما بها له مظهر خارجي رائع جذاب لكن عند الاقتراب يكن الضرر بالغ وغالباً يترك أثر على
المتضرر منه………وهو لن يفعل……..
سحب ملابسها سريعاً من على الفراش وكورها
بيده والقاها في وجهها فجأه قائلاً بحنق….
“مية مرة قولتلك تلبسي هدومك في الحمام
انتي مش عيشه لوحدك…….”
مسكت الملابس وكبحت صرخة تمرد وهي تقول بصعوبة……
“آسفه مكنتش أعرف انك جاي دلوقتي… افتكرتك هتقعد مع صاحبك………”
قال سلطان بنظرة واجمة….
“روحي غيري يا داليدا…اي هتفضلي وقفه كده كتير….”
احمرت وجنتيها بقوة غيظٍ وخجلاً منه…فغادرت سريعاً للحمام لترتدي ملابسها………
اخرج زفرة حارة وهو يتخلص من التيشرت الذي يرتديه فأصبح عاري الصدر بالبنطال فقط جلس على الفراش وهو محتار من أمره منذ متى وهو يشعر معها بتلك المشاعر….. منذ ان تزوج منها و أغلق
الباب عليهما وبدأت تطارده أفكار غريبة عن من
كان يتمنى ان يسلمها لزوجها بنفسه !……..
شهر تغير الحال وانقلب كل شيءٍ راساً على عقب
فبات يراها بصورة أخرى… غير ابنة العم الصغيرة
الشقية التي اعتاد عليها على مدى سنوات
عمرها العشرون…….
“تحب احضر العشا…….”
ها هو صوتها حينما تتوتر او تشعر بالحرج ياتي مهزوز بشكلاً ملحوظ…… أبتسم داخله….يثير
خوفها هكذا… وتثير هي غضبه عندما يراها
بمنشفة الحمام ؟!……
شعرت داليدا بالحنق منه…الأمر أصبح مكشوف ويتعمده….لماذا يجلس أمامها بهذا الشكل…
ألا يرى ان الوضع غير لائق للجلوس بكل هذه الاريحية….لما تعتاد على الأمر وهو من اول يوم
لهم وهو عاري… عاري……لا يعرف من ملابس البيت
الا بنطال او شورت…..والحمدلله انهُ يعرفهم…
زفرة وهي تشعر بعدم الراحة لهذا الوضع…خصوصاً
انه لم يرد بل ظل صامتاً شارداً….فظنت انه لا يسمعها
فقررت بصوتٍ أعلى……
“سلطان احط العشا…….”
“لا……..”رد مختصر ازعجها…..فقالت بانفعال…
“وطالما انت مش ناوي تتعشى……مقولتش
ليه……..”
رد سلطان هازئاً…. “واي بقا عندك جديد غير المكرونه……”
انتفخت اوداجها مزمجرة….
“انت بتتريق انا……انا اشطر واحده في بيتنا
بتعمل مكرونه…….”
رد بملل….. “بس انا مبحبش المكرونه………”
قالت داليدا بنزق…….
“عشان كده معظم الوقت بتاكل عند مرات عمي تحت…….”
رد بطريقة مستفزة لأي زوجة……
“مفيش حد يقدر يستغنى عن اكل امه…حتى لو أتجوز………”
عقدت ذراعيها امام صدرها قائله
ببرود…
“تمام عندك حق…….يبقا اريح نفسي انا بقا
وبطل اطبخ خالص…..”
عاند معها قائلاً بخشونة…….
“لا هتطبخي بس حاجة غير المكرونه……..ساعتها
هاكل معاكي وهبطل اكل عند أمي…….”
“دا كرم كبير منك يابن عمي…….”عندما لم تجد منه رداً…تغيرت نبرة صوتها للوداعة وهي تقول…..
“ممكن اطلب منك طلب……”
اوما براسه بملل دون رد مريح……..فقالت
بتراقب……
“ممكن تبطل تقفل الباب عليا وانت خارج…..”
رد ببساطه…. “مضمنكيش……..”
مؤلم هذا الرد يشعرها وكأنها……اغمضت عينيها
بقوة فهي من اوصلت نفسها لهنا……وخذلت ثقة
الجميع………فتحت عينيها ونظرة اليه فقابلها
بعيناه القاتمة القاسية……فبلعت ريقها قائلة
بجدية أكبر……..
“انا بتكلم بجد….بلاش تقفل الباب بكره عليا…..”
“ليه بقا هتروحي فين…….”اقترب منها بهذا الشكل
الذي أشعل وجنتها واصاب خفقات قلبها بالخلل….
وقف امامها فبلعت ريقها وهي ترفع عينيها السوداء
الامعة على ملامحه الوسيمة وعيناه المشتعلة
بومض تحفظة كاسمها تماماً………
“كيان جايه تزرني بكره…ومش معقول هعرف افتحلها وانت قافل الباب عليا بالمفتاح…….”
صمت سلطان ولم يبدي ردت فعل فقالت داليدا باصرار…….
“ساكت ليا مش كفاية بقالي شهر مشفتش الشارع…..واهلك عايشين تحتنا ومش بنزلهم غير
كل جمعة معاك…….حتى صحابي هتمنعني اشوفهم ويشوفني…..”
لوى سلطان شفتيه وسألها بجمود….
“ويترى انا بعمل دا كله فيكي من فراغ…انتي ناسيه عملتك السوده….اللي خلتني انا وانتي هنا…..”
اتسعت عينيها وصاحت بكبرياء……
“بس انا مقولتلكش تجوزني……..انت اللي طلبتني
من أبويا…”
فجأه مسك فكها واتكأ عليه بين يده القوية
مجبرها على رفع عينيها إليه بينما يقرب
جسدها الغض منه اكثر حتى تاوهت بوجع وهي تسند كفها على صدره العاري محاولة الابتعاد عنه…..فهتف سلطان بقوة اخافتها……
“مش حبن فيكي لا…..دا عشان انا الوحيد اللي هقدر احكم عليكي وادبك بعد عملتك السودة…….ولا ناسيه انا جايبك منين لم هربتي…….”
بدأت تدفعه اكثر وهي تقول بتألم…..
“سلطان انت بتوجعني…….سبني… “
سحبها اكثر لعنده ويده تقبض وجنتيها من
الناحيتين بقوة…..فقال بمنتهى السادية…..
“خفي بجاحه اللي زيك المفروض تحط عينها في الأرض طول عمرها….مش تقف تبجح وتكلم وكان
ليها حق عندي………..وانا اللي جاي عليها….”
بدات تضربه في صدره بقبضتها
صارخة….
“سبني حرام عليك……سبني…. “
تركها سلطان وهو يقول بمنتهى التجبر…….وعيناه
تحيطها بنظرة مزرية……
“اسمعي انتي هنا مش حُره…..هنا مش هتمشي على كيفك زي ما كنتي بتعملي في بيتكم….هنا انتي في بيتي تمشي على كيفي انا وبشروطي انا……وان معجبكيش الكلام اشربي من البحر……..”
“بكرهك……..بكرهك……”انفجرت باكية كالاطفال
وهي تصيح بغضب………فرد هو بفم ملوي
بتعجب…..
“حوش انا اللي دايب في دباديبك……امشي يابت على اوضتك……..أمشي……..”
برطمت وهي تبتعد……
“كانت جوزاه سوده ومنيله……..”
هتف سلطان من خلفها…….
“على دماغك………كلمة كمان ياداليدا وهمسح
بيكي بلاط الشقة………”
وقفت امام باب غرفة الأطفال صائحة بتعنت….
“والله ما تقدر…….”أغلقت الباب سريعاً عندما
وجدته يقترب منها……..
زفر سلطان وهو يشعر بفوران داخله الأول غضب
والأخر احتياج……..والإثنين خلقوا داخله بسببها
هي…..هي فقط………
…………………………………………………………….
بداخل مكتب المحاماة الخاص به دلف من الباب صباحاً ككل يوماً بالحلة العملية والحقيبة الرسمية
بوسامته المعهودة وطلته المريبة !!….
رفع عيناه القوية عليها فوجدها تجلس خلف مكتبها الصغير شاردة حزينة ومع ذلك تحمل بين يداها
كوب من النسكافيه ترتشف منه بتمهل…..
ما جذب انتباهه هو لون الكوب وشكله المنفرد…
فكان الكوب من اللون الكناري عليه رسمة لعيون
فيروزية وفم كالمنقار أصفر…… تشبه الرسمة طائر
الكناري اللطيف والذي جسد خيالياً في أحد برامج الكرتون القديمة بـشخصية (تويتي….)
على حسب تذكره كان الطائر لطيف محبوب مظهره
الخارجي يشع براءة وظرافة….. لكن عندما يبدأ أحد بالاقتراب من قفصه محاول نزع السلام داخله…يظهر
الوجه العدائي له ويتحول مئة وثمانياً درجة….
من (تويتي اللطيف…..) الى (تويتي الشرس…)
وعجباً كيان تشبه الشخصية جداً !……
اهتزت شفتيه في شبه ابتسامة هادئة وهو يتامل صمتها الحزين وشرودها الغريب…..ومعه يتأمل ملابسها أليوم……..كانت ترتدي بنطال أسود
عليه سترة عمليه بيضاء….تكوي شعرها البندقي اليوم ليكن حريري ناعم وقد لمته للخلف في
ربطة عملية تليق بمكان العمل………
بشرتها البيضاء ناضره لم تضع عليها شيءٍ فقط اكتفت بالكحل لعيونها الفيروزية البراقة…. وملمع
شفاه لشفتيها الورديه الصغيرة……
انعقد حاجبي سليم اثناء مراقبته لها فقد بدأت
تخرج شهقة صغيرة خانقة من بين شفتيها…ثم سالت دمعتان ساخنتان على وجنتيها……تعبر عن حزن لا يراه إلا قلبها……..
عند تلك النقطه شعر انه غير مرتاح لرؤية دموعها…
عليه ان يعترف انه يكره دموع النساء ويضعف
امام انكسرهن ولو حتى على أتفه الأسباب…وهذا
بسبب فترة عاشها في مراهقته كانت بها الدموع
اكثر من الضحكات……لذلك الحزن يزعجه حتى
وإن كان في عيون الغير………
تنحنح حتى ينبهها بوجوده……فانتبهت له كيان سريعاً فمسحت دموعها سريعاً وهي تنهض قائلة
بارتباك…….
“استاذ سليم…..آسفه مخدتش بالي انك جيت…
دقايق والقهوة تكون على مكتبك……”
تحركت تدلف للمطبخ لتعد القهوة….ولكن عندما سارت بجواره اوقفها دون ان يلمسها……
“في حاجة مضيقاكي ياكيان…….لي الدموع دي….”
مسحت عيونها مجدداً تخفي آثار البكى….واجابت
“مفيش حاجة ياستاذ….عيني وجعاني شويه عشان كده بتدمع…….ثواني والقهوة تكون عندك… “
امتنع سليم وهو يتحرك للمكتب…..
“مش عايز قهوة حضري نفسك عشان نزلين المحكمة دلوقتي عندنا جلسة لقضية شكري السمنودي….هاتي ملفه وتعالي ورايا…….. “
اومات براسها وهي تجده يدلف لمكتبه مغلق الباب
خلفه………فزفرة بارتياح وهو تنهر نفسها بحنق….
اتجهت للمكتب وفتحت الدرج لاخرج الملف لتجد هاتفها يرن انتفخت اوداجها واحمر وجهها وهي تفتحها بمنتهى الغضب…..
“وأخيراً ست داليدا اتكرمت علينا وفتحت تلفونها……..”
سالتها داليدا عابسة…( في اي ياكيان مالك……)
قالت كيان بانفعال عبر الهاتف…..
“مالي إيه…. انا هموت من القلق طول الليل…وعماله أرن عليكي وتلفونك مقفول……”
اخبرتها داليدا بنبرة معتذرة……
(كان فاصل شحن والله……في حاجة مهمه……طمنيني…)
قالت كيان بقلق…..
“انتي اللي طمنيني حمزة عندكم…..”
وضعت داليدا يدها على صدرها تتنفس بارتياح
قبل ان تهتف بجزع…….
(ياشيخه وقعتي قلبي….أكيد عندنا…….معروفه حمزة
لما يحب يبعد او يحصله مشكله بينزل الساحة…..
هو هنا كان بايت في ورشة سلطان….وحالياً بيفطروا
تحت عند مرات عمي…..كله تمام متقلقيش….)
زفرة براحة وهي تقول لها…..
“الحمدلله ريحتي قلبي…….اصلي برن عليه مبيردش عليا……. حتى شهد قلقانه عليه…..هبقا اتصل بيها اطمنها……”
ردت الأخرى بفتور…..
(متكبريش الموضوع مش أول مرة يعني… المهم هتيجي امتى أنا مستنياكي…. والحمدلله سلطان
فك الحظر النهاردة ومقفلش عليا بالمفتاح… عشان
قولتله انك جايه…….)
“هشوف……”قالتها كيان وهي تنظر في الملف بين يداها…….
فصاحت داليدا بحزن دفين…….
“مفيش حاجة اسمها هتشوفي ياكيان تخلصي
شغل وتيجي…. الساحة مش بعيده يعني دا موصلة وهتكوني هنا……..انا هموت من الملل ياكيان…
انتي متعرفيش الشهر ده مر عليا إزاي وانا
معاه……انا ولا كاني في سجن….. وهو على بابه… “
المها قلبها لأجل صديقتها فقالت لها برفق……
“خلاص ياداليدا هجيلك….. بس أخلص شغل
مع ابو الهول ده الأول………..يلا باي…….”
اغلقت كيان الهاتف واتجهت الى المكتب تحمل
الملف بين يداها……..
وعندما دخلت المكتب وجدت سليم يولي ظهره لها
في مقعده الدوار ويتحدث عبر الهاتف الى حبيبته
(ايتن الشهاوي…..)بصوتٍ عذب حنون لامس قلبها لوهلة…….
“وانا كمان ياحبيبتي….هعدي عليكي أكيد…ونتغدى سوا كمان…………تمام ياروحي بااي…….”
عندما استدار بالمقعد وجد كيان تقف في منتصف
المكتب متسمرة أمامه…..يبدو انها سمعت جزء من المحادثه….لذا تنحنح سليم بخشونة امراً
بصلابة…..
“هاتي الملف اللي في ايدك وتعالي…….”
اومات براسها وهي تلوي شفتيها بعدم رضا…مقبول ان تكون رومانسي مع المرأه التي تحبها…..لكن غير
مقبول معاملة الناس وكانهم عبيد لديك…….
جلست كيان على المقعد اثناء تفحص سليم للملف…
وظلت تراقبه باهتمام فعندما يعمل يكن اكثر جاذبية
وابهاراً……
“اي اكتر قضية حسيتي انها سهله من ضمن القضايا اللي قولتلك تدرسيها كويس…….”
انتبهت كيان بسؤاله فقالت دون مقدمات……
“قضية الموظفه اللي قتلت مديرها الغتت حستها حنينه كده وفيها ثنة طبطبه على البشريه………”
رفع سليم راسه يتحداها بعيناه…..
“قصدك المديره…..اللي اتقتلت ست… مش راجل….”
توترت كيان فاضافت…..
“ااه المديره……..مخدتش بالي انها ست…… “
تحدث سليم بشك…….
“إزاي مخدتيش بالك في اعتراف الجانيه قالت انها كانت بتغير منها بسبب صباع روچ…..مع ان القضية ليها إبعاد أخرى……….لكن أكيد مفيش راجل بيحط روچ…. “
“لا الشهادة لله لا….بس لما بيتقفوشوا بيبقا
الروچ……فا…….”تنحنحت كيان عندما احتدت
نظرات سليم عليها بقوة اخرستها….. فقالت تلك المرة بجدية وحرج……
“بصراحة انا بجود من عندي…..انا مفتحتش الملف ده بذات إمبارح…..حصلت ظروف عندي منعتني
اسهر عليه……..”
“هي نفس الظروف اللي خلتك تعيطي…….”
نظرت اليه كيان بتعجب فأشاح سليم بوجهه
وهو ينهر نفسه لماذا يشعر برغبة فضولية
بمعرفة سبب بكاؤها……
نهض سليم من مكانه مغلق زر سترته قائلاً
بخشونة…….
“يلا بينا……..عشان نلحق الجلسة بدري…..”
……………………………………………………………..
عندما وصلا للمحكمة جلسا في غرفة الاستراحة
للمحامين……..وبدأ بمراجعة الملف……..وقد كلف
سليم كيان بمهمة تصوير الأوراق كالعادة !…..
فذهبت عند مكينة التصوير منتظره دورها
خلف شخصاً ما………قالت بهدوء…..
“قدامك كتير ياستاذ……..”
“مش كتير يانسه…….”التفت الشاب
لها وعندما ابصرها تهللت اساريره قائلاً
بدهشة…”اي ده موكا…..”
اتسعت إبتسامة كيان وسلمت عليه
بحرارة…
“نائل هاااي…….عامل إيه…..عاش من شافك…..”
تحدث نائل معاتباً…….
“وحشاني والله…اي يابنتي من ساعة التخرج وانتي لا حس ولا خبر……..دا حتى انتي مش في شات الشلة……..”
ارتفع حاجبها بغرابة قائلة…….
“هما عملوا شات…..الاندال…….محدش بعتلي يعني…….”
اخرج نائل هاتفه….. “ابعتلك حالاً هاتي رقمك……..”
“هات اسجله أنا…….”اخذت الهاتف وهي تساله بابتهاج…….
“واي الاخبار……بتدرب عند مين الفترة دي……”
قوس نائل فمه مجيب…. “عند الدكتور خليل……”
رفعت كيان شفتها العلية باستهجان
معلقة….
“ياساتر….ملقتش غيرو….دا كان مشربنا المُر
في شليمون…..الله يحرق ايامه…….”
هز نائل راسه بقلة حيلة….
“هعمل إيه بس ياموكا….اهو كله بيعدي……وانتي شغاله فين…….”
اجابت……. “عند سليم الجندي……”
أبتسم نائل مهللاً…….
“يابنت اللعيبه دا انتي عديتي…….سليم دا اشهر
من نار على العلم……حظك من السما……”
حركت كيان شفتيها يميناً ويساراً بحسرة
قائلة…….
“ولا من السما ولا نيلة….دا انا بقالي ست شهور شغاله مرمطون عنده اسكت يانائل دا انا اتبهدلت
بعد الجامعة اخر بهدلة………”
قال نائل بنبرة ساخرة…..
“واضح أنهم بيصعبوها علينا عشان لم نوصل ونبقا زيهم نصعبها على غيرنا……..”
طوحت كيان بيدها كلأرجوحة…..
“ولفي بينا يادنيا……..وزي ما بندعي عليهم
هيجي اللي يدعي علينا……”
ضحك نائل… “اقسم بالله وحشتني خفة دمك…….”
لمعة عينا كيان بومض الحنين لايام الجامعة
ولمت الاصدقاء فاقترحت……
“والله وانت والشلة كلها……ماتيجي في يوم
نظبط في الشات خروجة حلوة كده…….”
وافق نائل سريعاً….
“ياريت اهو نفصل فيه مرمطة الأسبوع……”
“واضح اني قطعت الجو الجميل بينكم…بس دا وقت
شغل وقضايا وناس اروحهم متعلقه في رقبتنا….مش وقت تعارف ومقابلات خالص……..ولا إيه…… “
كان صوته حانق خشن غير متفاهم بالمرة خصوصاً
عندما استدارت اليه كيان تنظر لعيناه موضحه
سريعاً بحرج…….
“ولا إيه……حضرتك فهمت غلط……دا نائل…….”
“بجد اهلاً يا نائل…….”سلم عليه ببرود فابتسم نائل
وهو يسلم عليه بحرارة….فترك سليم يده ونظر لها
سائلاً ببرود……”نائل مين بقا…….”
ردت كيان بتوجس منه……
“كان زميلي في الجامعه من دفعتي…بقالنا كتير مشفناش بعض….وشوفته هنا بصدفة…….”
سالها بنظرة مستهينة…. “كويس……..وبعدين…….”
سالت بحيرة…… “وبعدين اي حضرتك……”
حرك عيناه بملل قبل ان يعود إليها قائلاً
بنفاذ صبر……
“مش هتصوري الورق خلينا نشوف اشغلنا……..”
ارتبكت من هذا الهجوم فسالت زميلها سريعاً….
“آه خلصت يا نائل……..”
رد نائل سريعاً بعد ان لاحظ توتر الاجواء بينهما…. “ايوا ياموكا…..قصدي كيان…..خلصت ياكيان…..”
اخذ اوراقه سريعاً والقى التحية ورحل……
“عن اذنكم……..”
ارتفع حاجب سليم وسألها بملامح تنذر بالخطر….. “موكا…….. في المحكمة موكا !!…..”
ردت كيان بطيبة وعيناها معلقه على المكان
الذي خرج منه نائل…….
“غصب عنه لسانه واخد عليها…… طيب اوي
نائل ده أطيب خلق الله…….والله…… “
اوما سليم ببرود هازئاً….
“فعلاً من كتر طيبته جسمي قشعر…….”
اومات براسها بشرود….. “مش كده ونبي……”
اخرسها بصرامة امراً بغلاظة…..
“هشش……..صوري الورق وتعالي ورايا…….”
ابتعد في لمح البصر كما اتى…فتمتمت كيان
بتبرم…….
“هو اي اصل ده…… “
بعد الانتهاء من أعمال المحكمة خرجت كيان بصحبة
سليم للسيارة الخاصة به وفتحت الباب لتجلس بحواره……….ولكن صوت رجولي اوقفها قبل ان تبتعد……
استدارت تنظر الى نائل صديقها والذي اقترب منها
وفي يده كيس صغير يفوح منه رائحة للمعجنات الساخنة الشهية…….
“جبتلك حاجة بسيطه تاكليها…….انتي بقالك خمس ساعات بتلفي في المحكمة من هنا لهناك……”
اخذتها كيان منه وهو تبتلع ريقها فرائحة
فتحت شهيتها على التهام ما بها…….
“كتر خيرك تعرف اني مفطرتش أصلا…….”
اوما نائل وهو يخبرها بصوتٍ منخفض…..
“الله يكون في عونك…… عذرتك…. حقيقي طلع الدكتور خليل أرحم منه بكتير…….”
“عشان تعرف….. اني معايا النسخة الاصلية…”
ضحكت كيان وشاركها نائل الضحك…. فاطلق سليم بوق السيارة عالياً حتى تنتبه انه يقف بسيارة في نصف الشارع………
قبل ان تبتعد اخبرته… “هبقا اكلمك………..باي……”
لوحت بيدها وهي تستقل السيارة جوار مقعد
سليم فلوح لها نائل بمحبة ثم عاد للمحكمة…….
وضعت كيان كيس المعجنات على حجرها ثم رفعت عينيها على النافذة تراقب الطريق الراكض أمامها
بينما هو يراقبها بضيق هي والكيس الصغير على حجرها والذي علم بهوايته من الرائحة…..
لماذا يشعر بالحنق….من امراً كهذا….من المفترض ان يكون لها حبيب… صديق…..لماذا يشعر بالانزعاج عندما اقترب منها هذا الازج …..
هل نسى ان هذا الشعور من حق واحده فقط في حياته (ايتن..)حبيبته وزوجته المستقبلية….
ربما ما بدخله فسره انهُ تقليل منها وعدم إحترام
له……. فهذا وقت عمل ليس وقتٍ للحب والتعارف
وأكيد هذا ما يزعجه الآن…….
انتبهت كيان بانه غير مسار الطريق للمكتب….
فادارت راسها اليه تسأله باستغراب…….
“على فين ياستاذ…. دا مش طريق المكتب…….”
رد سليم دون النظر اليها……
“انا مش فاضي للمكتب النهاردة…. عندي معاد مهم…
هنكمل شغلنا بكره في المكتب اهم حاجة اننا خلصنا مشاوير المحكمة……..”
اومات كيان باستحسان…..
“تمام……..طب ممكن تنزلني على أول الشارع…. “
تابع سليم بمنتهى الهدوء قائلاً…..
“قوليلي عايزه تروحي فين وانا اوصلك……”
هزت كيان رأسها قائلة…..
“لا مشواري مش على سكتك….. انا راحة الساحة… اي موصلة من على السكه هدخلني جوا…..”
تساءل سليم……. “بيتكم في الساحة؟……..”
“لا دا بيت واحده صاحبتي راحه ازورها……” اشارت
له سريعاً قبل ان يبتعد اكثر عن المكان التي ستنزل
فيه…….
” ايوا هنا ياستاذ…….. شكراً…….. “
اوقف سليم السيارة ففتحت كيان الباب وهي
تشكره بلطف…… فقال سليم بفتور……
“خدي بالك من نفسك……”
ضيقت كيان عينيها في خطٍ مستقيم عابساً
وهي توليه ظهرها….. ولم تعقب وقد ادعت
الصم…… ثم اغلقت الباب بعد خروجها……..
فانطلق سليم بالسيارة سريعاً……
داعب الهواء البارد وجنتي كيان واطار خصلات شعرها البندقية… وخط من الصقيع قد تخلل اطرافها
فقربت السترة اكثر لاحضانها….. وهي تشير بيدها لأول سيارة أجرة ستنزل شارع الساحة…..
……………………………………………………………..
أوقف السيارة أمام مجمع سكني راقي…. يقطن في أحد العماير بداخل شقة فارهة اثاثاً وشكلاً تحمل
لافتة مجاروة للباب بأسم
(المستشار / مصطفى الجندي…)
دخل سليم بعد ان فتح الباب بالمفتاح فوجد المكان
هادئاً والانوار خافته باستثناء نور المطبخ الذي ينير
الردهة وأيضاً هناك وصوت قوي مفعم بالاحساس يذاع عبر الراديو لأحد حفلات الست ام كلثوم…….
اتجه سليم الى المطبخ ووجهه ينير بابتسامة صادقة حانيه لا تخرج إلا للمستشار فقط………
وجد والده يقف يعد الطعام وهو يرتدي مريول المطبخ ويدندن ببال رائق خلف الست….. ويده
تتحرك كالمايسترو يعزف لحن متناغم على الطعام………
يتذكر سليم جيداً ان أباه تعلم الطهي فقط بعد ان تزوج أمه…….. وتعلمه لأنه كان مغرم بها وهي مغرمه بالطهي فكان يشاركها معظم يومها والذي كان اكثره
في المطبخ هذا ؟!……
يحيي الأب الان ذكراها بعد وفاتها يدخل يطهو وهو يسمع الست كما كانت تفعل رفيقة عمره وحبيبته
(هالة)……..
“آآه ياريق……… اي الروقان دا كله…….”
قالها سليم بمناكفه……ودون ان بستدير له أبيه
قال مبتسماً……….”انت جيت يامتر…….”
رد سليم وهو يدلف للمطبخ…….
“من عشر دقايق…… من أول مابدات الست تقول…”
“واي رأيك…..” سأله والده وهو يفتح باب الفرن….فاجابه سليم……..
“مانت عارفني سميع قديم…..”
ضحك والده موضحاً……..
“مش قصدي على كده…اي رأيك في الروايح دي….”
انعقد حاجبي سليم يتبع حاسة
الشم قائلاً…….”بطاطس دي…….”
اوما والده وهو يخرج صنية البطاطس من الفرن
ثم يضعها على الطاولة المستديرة بقلب المطبخ الشاسع………
“صنية بطاطس بالفراخ….. ورز بشعرية انما
إيه…. رهيبه……..”
تحسس سليم بطنه المسطحه
معتذراً…..
“جوعتني………….والله بس للأسف…….”
رفع مصطفى حاجبه…..
“إيه………..للاسف دي واكل ولا ايه…….”
هز سليم راسه وهو يتخذ مقعداً امام الطاولة….
“لا بس عازم ايتن على الغدى برا…….”
اتجه والده للموقد ليرى الأرز……
“طب ماتتغدوا معايا هنا وكملوا سهرتكم برا…..”
التوت شفتيه قليلاً فيما يشبه ابتسامة
ساخرة……واجاب وهو ينظر لصنية البطاطس……
“مش هترضا…….اصل انت عارف انها هيلثي اوي…
وصنية البطاطس المفحفحه دي مش هتيجي معاها سكه……..”
رد مصطفى بنبرة مستهينة……
“قطعت برزقها……..بس خد في بالك…..الصنية
دي هترجع مش هتلاقيها……”
نظر له سليم بدهشة….. “هتاكلها كلها يادرش……”
تحدث مصطفى ببساطه وهو يطفئ الموقد….
“لا هبعت الباقي للبواب……حرام اركنها في التلاجة
وانا وانت مبنكلش حاجة بايته……”
نظر له سليم بطرف عيناه قائلا بمزاح…….
“انا فاهمك كويس ياسيادة المستشار…..انت
بتضغط عليا عشان……اشاركك الجريمة دي
وقعد اكل معاك……”
اوما مصطفى بجدية رغم ان عيناه
ابتسمت……وهو يقول……
“كويس انك فاهم يامتر….غير هدومك وتعالى اتغدى معايا الجريمة حلاوتها في لمتها……. وبعد ما تخلص
ابقى الحق الهيلثي مع خطبتك اهوه اعتبره عشا……….عشا خفيف……..”
بعد قليل على الطعام بدأ……ياكلوا بصمت وهدوء….
على الأنوار الخافته……فمزال المستشار ينزعج من الاضاءه العالية والضجيج……..والاشياء الغير منظمة……من يصدق ان هذه الشقة لم تدخلها
أمرأه منذ سبعة عشر عاماً كاملاً…….
سبعة عشر عاماً هذا الرجل عاش أب وام لابنه… كان ينظف يرتب يكوي ويطهو ويعمل…. مستقل بحياته
مستقل بابنه وحب زوجته وذكراها الخالدة في
قلبه وعقله……..
لم يتغير شيءٍ في الشقة بالعكس كل شيءٍ بمكانه
كما وضعته (هالة…)يرتب ويعيدهُ ينظف ويعيدهُ
محتفظ بكل اغراضها في غرفة مفتاحها معه هو وحده……..سريرها خزانة ملابسها صورها زينتها
لوحاتها الفنية….وادوات الرسم الخاص بها…كل
شيءٍ خاص بها وضعه في غرفة انيقة مرتبه لا يدخلها سواه……..ويرفض المبيات بها حتى لا
تفقد عبقها الياسميني الخاصه بحبيبته………
كيف أحب والده أمه بهذا الشكل ؟!…وكيف يحيا
على ذكراها حتى الآن ؟!…والده عملة نادرة وهو محظوظ أنه ابنه….
لكن حتى هو منكسر وحزين لفراق أمه الحبيبة
(هالة) كانت نسمة معطرة بالياسمين…..افتقدها
وهو صبي في عمر السابعة عشر….وعاشت قبلها ثلاث سنوات تصارع المرض…..لم يكن أحد
جوارها سواء زوجها مصطفى……..ورغم الدموع والألم كانت تبتسم…….كانت تصبر ابنها وزوجها
بانها عائده اليهم بالشفاء…….وانها ستنتصر في
تلك المحنة وهم جوارها……
لكن يشاء الله ان تموت بعد صراع دام لثلاث سنوات ورغم الدموع….كانت تبتسم لهم ببشاشة وطيبة وتبعث الطمأنينة في قلوبهم المرتعبه حتى صدقوا انها ستشفى وتعود للمنزل يوماً لكن الموت كان اسرع من صبرها وأمالها……..فرحلت للأبد……….
سأل مصطفى ابنه….. “اي اخبار شغلك…….”
رد سليم……”الحمدلله كله تمام…….”
ساله والده….. “كلمت ايتن في موضوع الجواز…….”
رد سليم قبل ان يضع المعلقة بفمه…..
“لسه هكلمها…….”
اخفى حزنه خلف نبرة هادئة وهو يسأله
بصعوبة ….
“وناوي تعيش معايا….ولا في شقه اللي اشترتها….”
اوما سليم بجدية…….
“أكيد هعيش معاك الشقه حاجة رمزية بس..مصيري احتاجها في يوم من الأيام…….”
ساله مصطفى بشك…. “ويترى خطبتك موافقة……”
رد سليم وهو يقطع قطعة من الدجاج بالسكينة والشوكة قبل ان ياكلها…….
“لسه مكلمتهاش……بس أكيد هتوافق…..هي عارفه اني مقدرش اسيبك لوحدك……”
تحدث مصطفى بصوتٍ حاني…..
“لو موفقتش بلاش تضغط عليها……لانها من حقها برضو تعيش في مكان لوحدها……ويبقا ليها خصوصيتها…….”
توقف سليم عن الطعام وارتشف القليل من كوب
الماء جواره ثم تركه وعقب متعجباً……
“خصوصيتها !!…….انت بتكلم يادرش وكاننا عايشين في اوضة وصالة….الشقة واسعه وكبيرة
وكل اوضة من دول مستقله بنفسها…..يعني مفيهاش
حاجة لو عشنا معاك هنا…….ولا انت اللي ممانع بقا…….ومش عايز حد يدخل البيت ده بعد ماما…..”
نظر له والده بجدية وبدا يتحدث بواقعية
أكثر……
“انا ممانع آآه…..لكن مراتك انت حاجة تانيه دي هتبقا بنتي معقول امنع بنتي تعيش في بيتها……..لكن انا بقولك كده عشان ميحصلش مشده بينكم….انا عارف ايتن كويس ياسليم…..واكيد انت كمان عارفها…..”
أومأ سليم برأسه بمنتهى الثقة قائلاً…..
“عارفها……..وعشان عارفها بقولك انها هتوافق……
لانها عارفه راحتي فين……..واللي بيحب حد
بيحب يريحه……….”
لم يعقب والده بل نهض عن مقعده داعياً
لهما……. “ربنا يصلح حالكم…….تشرب شاي…….”
نهض سليم خلفه وحمل الاطباق قائلاً
بهدوء…..”لا خليك انا هعمله……….”
…………………………………………………………….
عندما وصلت للساحة نزلت امام ورشة الخشب والذي فوقها مبنى قديم عبارة عن شقتين تسكن
داليدا في الدور الثاني اعلى شقة حماتها
وفوق شقتها السطح الفارغ تربي حماتها
الطيور وتراعاها………وقد قابلتها على السلم
(حنان) والدة سلطان وزوجة عم وحمات
داليدا حالياً…..
كانت أمرأه طيبة بشوشة الوجه تفوح منها
رائحة الريف الأصيل…….أمرأه من عصر
الطيبة والكرم………
“اهلاً ياكيان ياحبيبتي عامله إيه…….وحشاني والله……”عانقتها السيدة حنان بمحبة وقالت
بعتاب…….
“عاش من شافك…..عامله ايه… وشهد اختك
عامله ايه………”
ردت كيان بتحفظ……
“الحمدلله ياطنط……. بتسلم عليكي…..”
حدثتها السيدة وهم مزالوا يقفوا على السلم…
“والله العظيم خطرت على بالي من يومين….شهد
دي آية من الرقة والأدب والجمال…..بالك جالها
عرسان كتير اوي لما حضرت فرح سلطان
وداليدا….”
ردت كيان بحرج….
“آه شهد علطول بيجلها عرسان بس هي اللي
مش عايزه……..”
سالتها السيدة حنان بفضول…..
“ليه بس….هي عندها كام سنه….هي اكبر منك صح………”
ردت كيان بهدوء……
“بتلات سنين ياطنط….عندها سبعة وعشرين سنة…. بس مش باين عليها….. اللي يشوفها يقول ان انا
اللي اختها الكبيرة…… “
قالت حنان بتودد……
“انتي عشان مليانه حبتين لكن الشهادة لله انتوا الإتنين عرايس قمر تحلو من على حبل المشنقة ….
دا انا حتى جبتلك كذا عريس وانتي اللي رفضتي
ياكيان اقربه فريد ابن أختي………”
شعرت كيان بالحرج فاعتذرت بتحفظ…..
“معلش ياطنط….بس انا مش بفكر في الموضوع
ده دلوقتي لسه بدري…….”
قلبت السيدة شفتيها بعدم رضا…..
“لا بدري ولا حاجة بس نقول إيه الزمن أتغير…….والبت بقت زي الواد دلوقتي….”ثم
اضافت وهي تربت على كتفها بترحيب…….
” المهم متخدنيش في دوكه….انزلي اشربي معايا كوباية شاي…….ولا شاي إيه… تعالي أكلك فطير بلدي….. لسه عامله فوق السطح بس إيه بسمن
البلدي ولسه طازه……….. “
اعتذرت كيان…..
“ياريت والله بس انا هتغدى مع شهد عشان متزعلش…….”
انعقد حاجبي السيدة بعدم رضا……
“جرالك إيه ياكيان….معقول تنزلي الساحة وتدخلي بيت عمك عبد القادر ومتكليش فيه حاجة……دي ساعة غدى يابنتي……”
مجدداً زاد الاحراج
فاعتذرت…..
“معلش ياطنط مرة تانيه…….”
التمست السيدة لها العذر فقالت بمودة…..
“خلاص اطلعي لصاحبتك وانا هطلع حد من عيال بناتي بصنية الفطير……وفيها من خيرات ربنا اهو تأكلي انتي وداليدا وتفتحوا نفس بعض…………”
عندما ابتعدت حنان…..تابعت كيان صعودها لشقة
صديقتها داليدا…..داليدا التي نشئت بينهن صداقه
عمرها عام وآحد فقط…..وقد تعرفت عليها في
خطبة سلطان السابقة والتي انتهت بعد شهرين….
حينها تبدالا الفتيات الأرقام وتصدقا عبر (الفيسبوك..) واقتربا من بعضهن أكثر……فاصبحا
صديقتين مقربتين في فترة قصيرة…وبرغم ان
داليدا تصغرها بأربع سنوات إلا أنها كانت طائشه مجنون مثلها….تعشق التحدي والحياة بتفاصيلها
ولذلك كان التشابه في بعض طباعهن نقطة جيدة للوصول لصداقة حلوة تجمعهن………دامت لعام…………وربما تدوم للأبد…….
اطرقت كيان على شقة داليدا وسلطان….إثنين لم يكن بينهما اي تواصل عاطفي او حتى لمحة إعجاب
وللعجب جمعهما القدر في غمضة عين معاً
كزوجين……
الجميع في حالة ذهول من تلك الزيجة…ورغم انها
غيرهم ، تعرف اهدافها الاساسيه والسبب خلفها….
ألا انها في حالة ذهول أكثر منهم ؟!……
فتحت لها داليدا الباب تصيح بجنون وهي
ترتمي في احضانها……
“كيااااان….كيااان….وحشتيني اوي……”
بادلتها كيان العناق بقوة قائلة
بمحبة…..”وانتي اكتر ياكلبة……..”
“وحشتيني بجد….. اي الكيسة دي انتي جيبالي
اكل معاكي…….”سحبت داليدا الكيس واتجهت
به للداخل…….تاركه كيان واقفه على الباب…..
“شوف الندله…. اللي يشوفك يقول مابتكليش…يشيخه دا كفاية حماتك اللي
بتطبخ بسمنه البلدي…….”اغلقت كيان الباب
خلفها وهي تخلع حذائها وتضعه جانباً…
متفصحه الشقة العرسان بلمحة سريعة…فكانت حلوة مرتبة أنيقة…..كل ركن بها يعبر عن مدى روعة وذوق صاحبها……..حتى داليدا فرشت الشقة على ذوقها الخاص رغم ظروف الزيجة العجيبة…….
“انتي قابلتيها؟…..”سالتها وهي تخرج قطعة الدوناتس….وتلتهم منها……
” اللي جايبلك القرص ده بيفهم… طعمها حلو أوي…….”
قالت كيان وهي تشاركها الجالسه على
الاريكة….
“على فكرة دا دونتس…….ومش انا اللي جيباه.. “
قالت داليدا بعشوائية وهي تأكل…..
“مفرقتش كتير كلها قرص……بس مين اللي جيبها……. “
ردت كيان بالامبالاة…….
“واحد زميلي من أيام الجامعة قابلته في المحكمة… ولقيته اخر النهار جيبلي دول…….”
لكزتها داليدا بضحكة خبيثة وقد لطخت فمها بشوكلاته كالاطفال…… “شكله معجب…….”
ضحكت كيان على شكلها ومع ذلك اجابتها
بصلف….
“هو معجب من زمان وانا اللي عملا نفسي
مش واخده بالي…….”
سالتها بتعجب….. “ليه هو وحش…….”
ردت كيان بمصدقيه….
“بالعكس زي القمر والله وطيب جداً…. بس….. مش شددني كده…. مش عاجبني…….”
لوحت داليدا بيدها وهي تضحك
بسخط…..
“اتأمري اتأمري…. بكره تقعي مع واحد يصبحك
بعلقه ويمسيكي بعلقة……”
اتسعت عينا كيان بتساؤل….
” اي ده هو مد ايده عليكي تاني؟…….”
قالت الاخرى باستهانه وهي تأكل….
“لا…… بس عمال يسم بدني بالكلام…….”
ضربتها كيان على كتفها بعصبية….
“تستهلي ياحلوفه…..قولتلك بلاش تمشي ورا الزفت ده اهو غرقاك……….مفيش حد عاقل يعمل اللي انتي عملتيه…….تروحيله البيت برجلك……”
قالت داليدا بسذاجة….
“قال انه هيتجوزني رسمي ويحطهم كلهم قدام
الأمر الواقع……..”
صاحت الآخر ى بانفعال….
“دا مجنون وانتي اجن منه…….”
التمست داليدا له العذر قائلة…..
“عادل مغلطش يادليدا…….دا اتقدملي بدل المرة عشرة………”
زفرة كيان بنفاذ صبر قائلة……
“أيوا بس مش مناسب ليكي……..وانتي بنفسك قولتي انه بيشرب ومضيع فلوسه على كيفه…
ومبهدل امه واخواته وايده بتطول عليهم….
مخك فين وانتي راحه ترمي نفسك في
حضن واحد زيه…..”
عاندت داليدا مبرره الوضع…..
“قولتلك اننا كنا مستنين المأذون……”
تشنجت كيان وهي تقول بحرقة……
“والله ما كان هيحصل…..كويس ان سلطان
لحقك يومها وجابك من شعرك…تستاهلي العلقه
اللي خدتيها على إيده……..رغم ان دمي اتحرق
يومها لما شوفت وشك وجسمك….لكن والله تستاهلي الحمدلله
زفرة كيان بنفاذ صبر قائلة……
“أيوا بس مش مناسب ليكي……..وانتي بنفسك قولتي انه بيشرب ومضيع فلوسه على كيفه…
ومبهدل امه واخواته وايده بتطول عليهم….
مخك فين وانتي راحه ترمي نفسك في
حضن واحد زيه…..”
عاندت داليدا مبرره الوضع…..
“قولتلك اننا كنا مستنين المأذون……”
تشنجت كيان وهي تقول بحرقة……
“والله ما كان هيحصل…..كويس ان سلطان
لحقك يومها وجابك من شعرك…تستاهلي العلقه
اللي خدتيها على إيده……..رغم ان دمي اتحرق
يومها لما شوفت وشك وجسمك….لكن والله تستاهلي الحمدلله انه مموتكيش يومها…….”
لوت داليدا شفتيها وبتبرم قالت…..
“ياريته كان عمل كده وخلصني……لا عمل شهم اوي وبيلم عرضه…..وطلب ايدي من ابويا……وطبعاً ابويا وامي ما صدقوا يرموني ليه…..”
ارتفع حاجبي كيان بذهول….
“كنت عيزاهم يعملوا إيه……يعني….انتي بجد مش
معترفه انك غلطانه لحد دلوقتي……”
عقدت داليدا ساعديها امام صدرها متبرمه
بتعنت………
“الغلط اني عايزه اخد اللي بحبه واعيش معاه
ولو في عشه…….”
احتد صوت كيان قائلة بسخرية به لمحة من الواقع……
“دي اشعارات فارغه…..بيقولوها الناس الموهومين
اللي زي حالاتك كده……. الحب مش كل حاجة….
ولا هو اهم حاجة……. في حاجات كتير لازم تيجي قبل الحب……العقبة مش في الفقر….العقبة عنده كانت في أخلاقه……دا لا قادر يحترم اهله ولا نفسه ولا خايف على صحته……ولا عنده مستقبل يفكر فيه….إزاي هترمي حياتك وعمرك في حضن واحد صايع وضايع…….زيه…..”
ترقرقت الدموع في عينا داليدا وهي تخبرها
بحزن……..
“كان هيتغير ياكيان…هو وعدني بده….قالي ان
حبي ليه هيغيره……..”
قالت كيان بقسوة……
“كداب…….الحب مش بيغير حد…احنا اللي
بنتغير عشان الحب………وفي اختلاف كبير
بين الجملتين…….يادليدا…. “
مسحت داليدا دموعها قائلة……
“كلامك مكعبل…..مش فاهمه منه حاجة…..كل
اللي أعرفه اني لسه بحبه…….”
ارتفع حاجبي كيان بصدمة…..
“معقول……دا انتي تبقي كده بتخوني سلطان…..”
انفعلت داليدا بعناد……
“انا محبتش سلطان عشان اخونه……. وبعدين انا مش كده…… يمكن لسه بحب عادل بس…انا عارفه
ان اللي بينا انتهى…….”
وامات كيان براسها برضا عن قرار
صديقتها…….
“لازم ينتهي…. انتي في عصمت راجل…وبعدين حاولي تقربي من سلطان….مش يمكن تحبيه……”
سخرت داليدا من الفكرة….
“أحبه إزاي بس…..انا وهو مش متفاهمين….انا
وهو زي السما والأرض………”
ابتسمت كيان مؤكدة الأمر بدهشة…….
“تصدقي بالله انا لحد دلوقتي برضو مش مستوعبه جوازكم……دا انا يوم ما اتعرفت عليكي كانت في خطوبته….”
شاركتها الاخرى الضحكة الخافته وهي تقول
بذاكرة ناشِطه…….
“فاكره…….يومها كنت لبسه فستان حلو كده
وفرده شعري… وحطه مكياج… بس رسمة الأيلاينر يومها مكنتش مظبوطه فانتي قولتيلي انا ممكن ارسمهالك وتعرفنا ساعتها…….”
علت ضحكة كيان متذكرة طرائف وعجائب
هذا اليوم………
“رقصتي رقص في خطوبته……وزغرطي وكنتي فرحانه ليه اكتر من امه واخواته…….”
ضحكت داليدا قائلة…..
“اصل العروسة كانت صاحبتي وانا اللي مخترهاله…….”
صاحت كيان بدهشة….
“احيه…….. طب ومنفعتش معاه ليه…….”
حكت داليدا وهي تتحسر على حالها…..
“أبدا قالتلي ابن عمك ده بلدي اوي يادليدا بيشخط وينطر…ولبسي ده وبلاش ده…ولا مفيش خروج ورجعه امتى ونزلتي ليه….. لحد ما قرفاني….راحت
بقا فركشت معاه ودتني الدهب اوصله ليه………”
ربتت كيان على كتفها ساخره….
“وتلف الأيام وتبقي انتي المدام………”
قالت داليدا بوجوم…….
“حظي الأسود…..وقعني فيه…..مع اني كنت خطباهم لبعض عشان انتقام منهم هما الإتنين….أصلي عارفه
طبعها وعارفه طباعه المنيله…..فقولت يخبطوا شويه في بعض……….. هوباااا لبست انا في الباشا……”
قالت كيان بتعطف وهي تضحك أكثر……
“ياشيخه اتقي الله دا سلطان غلبان وطيب اوي…”
عقبت داليدا بسخرية…….
“اوي…….حوشي الطيبه اللي مغرقه الشقة…..اسكتي سبيني افصل شوية منه….. وقوليلي اي الاخبار….”
تلاشت الضحكة عند هذا السؤال فقالت بنبرة
مجرده من المشاعر…….
“زي الاهرام…….بصحى اروح الشغل ارجع للبيت وهكذا………معادا امبارح جه عثمان الدسوقي ونكد علينا كلنا وطرد حمزة…….وضرب شهد بالقلم……”
شهقت داليدا بدهشة وتأثر معقبة……
“ضرب شهد حرام عليه…..مش كفاية اللي عمله
فيها زمان……”
اندفع الغضب داخلها في لحظة فقالت
بتشنج….
“آآه انا كل مافتكر اللي حصلها بسببه….دمي
يفور وبيبقا هاين عليا ا…….”
اوقفتها داليدا عن المتابعة……..
“متكمليش دا مهما كان ابوكي………”
التوت شفتيها في بسمة ساخرة قاسية……
“أبويا……تعرفي انا عمري ما حسيت ان احنا لينا اب بجد………انا دوقت طعم اليتم من أول ما وعيت على الدنيا وشوفته…….”
قالت داليدا بتعاطف واضح……
“اكتر واحده بتوجع لما بسمع اللي حصلها هي شهد……..وحمزة كمان…..شاف كتير……الصغير دايما بيجي في الاخر……..وانتي اصغرهم….اكيد ما
عشتيش اللي عاشوا……. “
اومات براسها وارتجف جسدها آثار أحداث
كثيرة حدثت امام اعينها…لم تعرف ابعادها
وتاثيرها عليها إلا عندما كبرت وادراكت
كيف تكون معاملة الأب السوي مع
أولاده………
“صح الصغير دايما بيجي في الآخر بس بيبقا حاضر كل حاجة… مشكلته بس انه بيعرف معناها مع الوقت……. لانه صغير مش فاهم زي الكبير……”
حاولت داليدا بمرح تغير الموضوع….فأنا زاد الأمر
عن حده……..ستكون الجلسة بينهن عبارة عن جلد ذات…….. وهي لا تريد هذا………
“يالهووي دا احنا قلبناها نكد……فكي التكشيره دي ومدي ايدك كلي معايا من القرص دي…نائل ده
ذوقه حلو اوي في القرص………..”
“برضو قرص………طب دوقيني……..”
ابتسمت كيان واخذتها منها وبدات باكلها
على مهل…….محاولة التخفيف عن نفسها
بالطعام وتبادل الاحاديث النسائية المسلية
مع داليدا…..صاحبة الضحكة الرنانة بالانوثة
والروحه المرحة……والمواضيع الشيقة رغم
تفاهة اغلبها…..
…………………………………………………………….
عزلة مطلقة….وغربة رهيبة….. وحدة مقبولة…..
وحياة مهينة……العين مطعونة بالألم… والقلب
متهدل بالوجع…….والروح حبيسة في الجسد…
والجسد شاخ في الصبى…….
الى أين تاخذها الأيام…… تطمع في الاستقلال… بعيداً
عنه….. بعيداً عن أب متزمت شديد القسوة…… أب تسبب لها في الصبى بعاهةٍ مستديمة…. ظلت معها
حتى يومها هذآ………
المؤلم انهُ حتى الان لا يشعر بالذنب…. وكان ما حدث جزؤها على وقوفها أمامه في يوماً من
الأيام…….
اغمضت عينيها ليداعب رذاذ ماء البحر وجهها الحزين الشاحب …….وصوت الأمواج سمفونية ترخي اعصابها المشدودة…..
فتحت عينيها العسلية البراقة والتي رغم جمالها الجذاب لمعة الانكسار والحزن بهم مزيج من
جمالها……..
فتعلقت عينيها مع زُرقة البحر….وصوت الأمواج وتغريد العصافير في أعلى السماء الصافية…
والرمال تلمسها بقدميها ويداها……
حبيبها !!….
بينها وبين البحر قصصٍ سريه كثيرة لا يعرفها سواه…..هو ونيس الوحدة……..ورفيق الأحزان…….
حبيبها هذا الذي لا يتحدث بل بالصمت يهون
عليها…. بمجرد ان يلامسها الرذاذ والهواء معاً
تشعر انه يعانقها…. ويهون عليها…….
افضل مكان ترتاح فيه هنا……هنا الحديث يطول…
والراحة تدوم……… والعمر يهون امام محيطها
الهادئ………
“كنت عارف اني هلاقيكي هنا…….”
لم تدير رأسها إليه بل ارتجفت شفتيها قليلاً
في شبه إبتسامة……..مجيبة…..
“من زمان واحنا بنيجي هنا…….. ولا الساحة
نستك مكانا………”
“تقريباً حاجات كتير اتغيرت لما كبرنا…. بس إلا المكان ده هيفضل بتاعنا…….. مش كده…..” جلس
جوارها على الشاطئ……..ونظر للبحر بعيناه
العسلية الشبيهة باللون عيناها مع اختلاف…..بريق الاجرام القاتم بهم………..وهذا ما يجعل عيناه أكثر
ظلمه وأقل جاذبية………
اومات برأسها وهي تساله بعتاب…….
“رنيت عليك إمبارح مردتش……… قلقت عليك… لولا
كيان طمنتني الصبح…….. وقالت انك بايت في روشة سلطان…… انت كويس……”
نظر هو لوجهها الشاحب سائلاً…..
“انتي اللي كويسة…….بسببي رفع ايده عليكي… “
التوت شفتيها بمراره واضحه وهي
تخبره……
“انا كويسة ياحمزة….وبعدين انت ملكش ذنب في حاجة………انت عارف هو مش بيقبلني ليه…..”
رد الاخر واجماً….. “هو مش بيقبلنا كلنا……”
نظرت للبحر وقالت بسخط……
“بس انا زايده عنكم حبتين تلاته…. عشان كده أول
مابيلاقي فرصة يشفي غليله مني بيعمل كده…..”
رد حمزة بفتور…..
“متحمليش نفسك فوق طاقتك……هو طبعه كده
من الأول……..”
هزت شهد رأسها بعدم إهتمام قائلة…..
“سيبك من ده كله….. هترجع البيت إمتى……”
أجاب حمزة بصوتٍ مختنق…..
“إرجع فين ياشهد……انت عيزاه يفضحني زي إمبارح………انا كده تمام…. هبقا اعدي عليكم اخر النهار بعد الشغل… وبليل هروح أبات في ورشة سلطان….. لحد ما ربنا يحلها من عنده…… “
اومات برأسها بشجن…. “ان شاء الله هيحلها…….”
“صحيح نسيت اديكي فلوسك…..”أخرج حمزة
مبلغ مالي واعطاه في يداها……
نظرت شهد للأموال بتساؤل….
“اي دول……..”
اخبرها حمزة بهدوء…….
“الفلوس اللي اتسرقت منك….وكملين عديهم….”
بدأت شهد في عد الاموال وهي تساله
بدهشة…..
“معقول لقتهم كاملين……ولقتهم فين أصلا…..”
رد حمزة مبتسماً…….
“من اللي سرقهم منك…عيل من الصيع اللي
في الساحة………..وااه لقتهم كاملين ملحقش
يصرفهم…… وبعدين المال الحلال مايضعش…..”
قالت شهد بارتياح وهي تضع الاموال في
حقيبتهم….
“ربنا يخليك ليا ياحمزة….كويس انهم جم…….بيهم هدفع صيانة الاسانسير عشان نستعمله زي سكان العمارة….. “
“دفعتوا برضو متقلقيش…….”قالها حمزة ببساطه
فعقبت شهد بغرابة…..
“الله……”
نظر لها بعيون مشاكسة…… “اي يابنتي……”
وبخته شهد قائلة……
“انت هتبعزق فلوسك يمين وشمال….يابني انت داخل على جواز لم ايدك شويه…….”
التوى ثغر حمزة هازئاً…….
“المها !!…..شكلها كده لا باينلها جواز ولا غيره…..”
قالت شهد بحاجب مرفوع….
“ليه انت ونجلاء متعاركين …….”
زفر حمزة بيأس قائلاً بحنق……
“انا ونجلاء لو ضاربين بعض بنار…. مش هنبعد عن بعض برضو…..العيب في أمها….الوليه مجوزاني
بنتها طمع….طمعانه في العمارتين بتوع ابوكي
مفكره اني اقدر اتصرف فيهم…..”ضحك
ضحكة صغيرة خالية من المرح متابعاً
بجزع وهو يقلدها…….
“يعني مثلاً اخر مرة قالتلي مهر بنتي يبقا شقتين مفتوحين على بعض من عمارة من العمارتين بتوع ابوك اللي على البحر…..دا غير طلباتها عايزين القاعة مش أقل من قاعة بنت عمها اللي اتجوزت السنة اللي فاتت……استنا عايزين نشتري فستان فرح من الاتلية الفولاني زي بنت خالتها….الفرش ياحمزة لازم بنتي يتجبلها انضف واحسن فرش جه في عيلتنا ويفرشوا الشقتين اللي هنفتحهم على بعض وهكذا…..”
“وكان ردك إيه بقا……..” سألته شهد بضيق….
فاجاب الاخر واجماً……
“هقول إيه…..ربنا يسهل ياحماتي….عنيا لنجلاء…”
اخرجت شهد تنهيدة مثقلة بالهموم وهي
تخبره….
“بس انت مش في مقدرتك تجيب وتعمل كل
ده….مانت عارف ابوك عنده استعداد يحرق
فلوسه والعمارتين بتوعه ولا انه يدي لحد فينا فتفوته من ماله………”
اردف حمزة بصوتٍ حانق……
“طب قوليلي اعمل إيه…اعصلج مع امها وقولها لا….ساعتها هترميلي حتتين الدهب وتقولي مع السلامة….”
عقبت شهد مستنكرة….
“والحل انك تقعد تقول حاضر ونعم وانت مش هتعمل حاجة……..”
تشدق حمزة بـ……..
“لحد ما ربنا يفرجها يمكن ابوكي يحن قلبه عليا ويديني شقه واحده بس اتجوز فيها…لو حتى
يعملي عقد ايجار قديم انا راضي ياستي…….اي
حاجة تلمني انا والبت اللي خللت معايا دي……
وتريحني من زن أمها…….. “
“انت بتحلم……..بس حلوة خللت معايا دي……”
ضحكة شهد فجأة………وكانه أصيب
بالعدوى فضحك معها أيضاً معقباً……
“والله هم يبكي وهم يضحك…….”
ساد الصمت بينهما قليلاً وظلت اعينهما معلقة
على زُرقة المحيط حتى قطع لحظات التأمل
صوت حمزة…….
“صحيح عندي خبر حلو ليكي…….”
نظرة له شهد بظمأ للفرح…..
“بجد…. اي هو……..فرحني…….”
اخبرها حمزة بابتهاج……
“كلمت حكيم اللي فاتح بازار في شارع الصاوي…
هو صاحب عاصم الصاوي اوي…. وانا اعرفه
كويس وليا تعامل معاه…….”
برقة عينيها بالحماسية وسالته سريعاً….
“ها…. كمل……. قولتله اننا عايزين نأجر المطعم…..”
اخبرها حمزة بهدوء…….
“قولتله……. اني عايز أأجر المطعم واني هشغل
فيه كذا شيف وكده…. مجبتش سيرتك بقا عشان ميعملناش حوار……و زي ماتفقنا هكتب العقد
بإسمي وانتي اتعملي وكاننا شغلين سوا…….”
سالته بفضول……. “بس هو قالك إيه…….”
اجابها حمزة بهدوء…….
“قالي ان شاء الله هيكلم عاصم وهيحدد معاد معاه أروح امضي عقد الايجار اللي هو لمدة سنة…….”
“طب الحمدلله….. ان شاء الله يوافق…….الله واخيراً……..” عندما نهضت شهد تراجعت للخلف
قليلاً وهي تضحك وتصفق بيداها بسعادة
وحماس…..فقابلتها موجة عالية بللت نصف
فستانها بل واوقعتها أرضاً على الرمال……
وبدلاً من ان ينهض حمزة ويلحقها… ظل جالساً
مكانه يضحك عليها…….
صاحت شهد بغيظ وهي ترى ضحكته تتصاعد
بشكلاً مبالغ فيه…….
“بطل ضحك يارخم…. دا بدل ما تقومني……”
نهض حمزة واقفاً ومن بين ضحكاته عقب
بمزاح….
“كتكوت بيغرق على الشاطئ…….الحقونا……. اغيثونا…… “
احتدت عينا شهد واحمر وجهها بالغيظ اكثر….ثم
نهضت مقتربه منه وبين قبضتيها حنفة من الرمال المبللة عندما رأها حمزة …. ركض أمامها وهو
يصيح بتحذير……
“اياكي ياشهد…..لو رملة واحده جت على هدومي…
هدفنك على الشاطى ده وسيبك……”
قالت شهد بثبات وهي تركض
خلفه….
“أبقى اعملها وانا اشربك مية البحر…….”
ظلت تركض خلفه وهو امامها وصوت ضحكاتهما يعلو ببراءة وكانهما عادوا صغاراً……….
………………………………………………………………
استرخى على الاريكة جالساً يشاهد التلفاز وهو يمسك عنقود من العنب ويأكل منه بنهم واستمتاع شديد….
بينما يداين ناعمتان انثويتان تسير على كتفه برقة
تلامس العظام بنعومة فيلين معها خاضعاً….بينما
اساورها الذهبية تصدر لحن نشاز مع كل حركة
تقوم بها فمالت عليه و بجوار اذنه بخت سمها بلؤم……
“بس انا خايفه ياسي عثمان…. لحسان الشيطان
يلعب في دماغ إبنك ويفكر يأذيگ…. آآه مانت عارف الطمع يعمل اكتر من كده…. وبصراحة بقا عيالك التلاته…….. طماعنين في مالك…….”
مضغ عثمان حبات العنب بتلذذ وهو ينافسها
ماكراً……..
“مانتي كمان طمعانه فيه يامُهجه…. يعني هي
جت عليهم……..الكل عايز يورثني بالحيا… “
شهقت مُهجة المرأة صاحبة الاربعون
عاماً……مرأه يافعة الانوثة والجمال……جمالاً
استفادت من خلفه بزيجة مربحة كعثمان
الدسوقي والذي كان يسعى خلفه الكثيرات
من الساقطات وهي المحظوظه من بينهن……..
لفت من حوله وجلست أسفل ساقه تتحسس
ركبته كقطة وديعة وهي تقول بخداع…….
“اخص عليك… دا انت سيدي وتاج راسي…..دا انا خادمتك…. هو انا انسى وقفتك جمبي زمان… دا انا مكنتش لاقيه اللقمه والرصيف كان بيتي….جيت انت ياسيد الرجالة وفتحتلي بيتك ورعتني……معقول اطمع فيك وانا لحم كتافي من خيرك……”
التوت شفتي عثمان بابتسامة تحمل الغرور والمتعه في انٍ وآحد……..ثم مد يده ووربت على جنتيها
قائلاً……..
“عجبتيني يابت….وعشان كده لسه معمرة معايا انتي
عارفه انا اتجوزت كام واحده قبلك….وكلهم مفهموش دماغي غيرك………. “أشار على راسه…..فبدلال إشارة
هي على صدره قائلة……
“وكان نفسي افهم ده……وابقى فيه كمان…..”
شرد عثمان بعيناه قائلاً بخفوت…..
“لا دا مستحيل توصلي ليه……مفهوش غيرها….. “
هتفت مُهجة بدهاء…… “اكيد ام العيال…….”
“كريمة !!……”انفجر عثمان ضاحكاً بقوة…..
فعقدت مُهجة حاجبيها بأستغراب……فكانت الضحكة قوية لكن غريبة تحمل شيءٍ يثير الحيرة في النفس…..
هل يحب زوجته الأولى ، ام انهُ يكرهها لدرجة تجعلهُ يضحك بهذهِ الهستيريه المريبة عن كونها حبيبة قلبه……..
وان لم تكن هي……. من تكون تلك المنافسة القوية
بينهن ؟!………
“ضحكتيني…….ضحكتيني أوي يامهجة……”
حاول السيطرة على ضحكته…فسالته هي
بفضول….
“تدوم الضحكة ياسي عثمان…..بس مقولتليش
برضو مين هي……….”
نظر لها عثمات لبرهة وعندما وجدها مزالت تقف
مكانها تنتظر إجابة…….انزل عيناه على جسدها يتفحصها بشهوانية واضحة قبل ان يأمرها
بقوة………
“مش هنقضي الليله كلها رغي يامهجة…….. ادخلي جهزي نفسك……. واستنيني على السرير….”
“اومرك……ياسي ياعثمان…….”
ارتدت هذا القناع الوديع الخاضع الذي أعجبه لمدة ثلاثة أعوام ومزالت تجيد اقناعه به حتى صدق
هو الكذبة وأصبح يتلذذ بكونها عشيقه اكثر من زوجه امام الجميع……….
يعرف مرادها منه……..ولذلك مزال يلعب معها نفس اللعبة حتى تكتفي وتعرف ان عثمان الدسوقي لا يعطي أبداً بل يأخذ… وكلما أمر يجد ما يريد
مهما كان جحمه وصعوبة الوصول إليه
ياخذه…..
إلا شيءٍ وآحد……إلا شيءٍ واحد فقط…….
………………………………………………………………
نزل على سلالم البيت بطاقم رياضي انيق مصفف شعره الأسود الغزير للخلف…….أليوم سيقضي إياه
في الورشة بين الذهب والاحجار البراقة….ومكينتة
وادواتها التي تساعده على تشكيل قطع الذهب كما يريد……….
اثناء طريقة للخروج وجد الخادمة تقترب من الباب
وتفتح إياه……وتستقبل الضيفة بمنتهى الإحترام…
فتدخل الضيفة بكامل اناقتها بطاقم كلاسيكي ضيق
وتنورة قصيرة تكشف نصف ساقيها……تطلق شعرها
الكستاني للخلف بدلال…وتبرز جمال ملامحها الانثوية بمستحضرات التجميل الباهظة………
التقطت عينيها الزرقاء الجريئة و القوية كالسهام
عيناه السوداوية الباردة……..فقابلها بسلام بارد
كنظراته…….
“أهلا يارفيدة……نورتينا……..”
ثم نظر للخادمة والواقفة امامهما تحني راسها
بتردد في الرحيل……..
“نادي إلهام هانم……عشان تستقبل ضيوفها…..”
همست رفيدة بحزن…
“معقول ياعاصم……. خلاص بقيت ضيفة بنسبالك……..”
خرجت الجدة من غرفة الصالون بالكرسي
المتحرك الاكتروني……..وقالت بعتاب وهي تنظر
لحفيدها……
“عاصم ميقصدش يابنتي….جرالك اي ياعاصم
مش كده يابني…..”ثم نظرت لرفيدة وقالت
بترحيب…….”نورتيني يارفيدة يابنتي……..”
“بنورك ياتيته…….” اقتربت منها وقبلتها بمحبة….
عندما ابتعدت رفيدة نظرة الجدة لحفيدها بتساؤل….
“رايح فين كده……..”
رد عاصم بهدوء…. “عندي شغل في الورشة……..”
اومات الجدة براسها بتفهم…..
“تمام….. بس متنساش تيجي ساعة الغدى……”
أومأ براسه وهو يبتعد……خارجاً من باب البيت….
فشعرت رفيدة بالاحباط والضيق بهذا التجاهل
المستجد منه……فكان سابقاً اكثر حناناً وحباً
واهتمام……… معقول تغير في تلك الفترة
القصيرة ونسى كل ما بينهما…….
“ست رفيدة…..الست إلهام بتقولك اطلعالها…..”
فاقت من شرودها على صوت الخادمة فاومات
برأسها وهي تنظر للجدة باستئذان فقالت نصرة سريعاً بحنو وهي تربت على ذراعها…….
“اطلعي ياحبيبتي انتي مش غريبة يعني….دا لسه
بيتك…….ربنا يصلح لكم الحال…….”
ابتسمت لها رفيدة بامتنان… ثم اتجهت الى الاعلى
بخطوات انثوية ناعمة… فقابلت في طريقها ابن
اختها (يزن…) والذي خبط في كتفها اثناء تخطيه
درج السلم بسرعة…….
“حاسب يا يزن…….”
مسكها يزن قبل ان تقع ثم ابتسم وهو
يعانقها باشتياق قائلاً…..
“فوفو……… وحشاني…….”
ابتسمت رفيدة وهي تقرص وجنته قائلة…..
“وانت اكتر يازوز……. رايح فين كده…..”
تابع نزول الدرج قائلاً وهو يحمل حقيبة الظهر
على كتف واحد باهمال……
“النادي عندي تمارين…… ساعتين وراجع أوعي تمشي……..”
“لا هستناك…….”قالتها وهي تصعد بإبتسامة
حانية…… ثم بعد لحظات دخلت غرفة اختها…
التي قالت باستقبال
حافل……”رافي طمنيني…… قابلتي عاصم……”
القت رفيدة حقيبتها على الفراش وجلست
جوارها قائلة بحنق…..
“قابلته………”
سالتها الاخرى بفضول…… “وقالك إيه…….”
رفعت رُفيدة كفها تنظر الى اصابعها الطويلة
باهتمام……
“ولا حاجة كالعادة عاملني وكاني غريبة…..وكاني مكنتش في يوم من الأيام مراته……”
جزت إلهام على اسنانها وهي تقف في منتصف الغرفة ترتدي مئزر حرير طويل……تضرب كف
بكف وهي توبخ اختها الصغرى بحسرة…….
“انتي اللي ضيعتيه من إيدك…….قولتلك حافظي
على نفسك وعلى اللي في بطنك….قعدتي تستهبلي
فيها وتتنططي من هنا لهناك…..وهو قالك بلاش
شغل ولي انتي عيزاه هجبهولك ولي تطلبيه…… سوقتي فيها وطمعتي في فلوس الإعلان….
ورحتي عملتيه من وراه……..ومن حظك حصل الاجهاد…..وخسرتي اخر شعره ممكن توصلك
ليه…… “
تاففت رُفيدة بملل ودون شعوراً بشفقة
على خسارة طفلها والذي كان قد اتمم
الشهر الرابع داخل احشاؤها……..قالت…..
“آلله بقا وانا كنت اعرف منين ان كل ده هيحصل…وبعدين الإعلان كان لشركة كبيرة اوي يالهام……..دا غير المبلغ اللي جه من وراه……”
أحمر وجه الهام بالغيظ من ردها…. فعقبت
بغضب مكبوت…….
“المبلغ عوض حملك………بلاش دي….عشان انا
عارفه انه مش فارق معاكي أصلا……المبلغ اللي خدتيه عوض الهلومه دي كلها….. تخسري حفيد الصاوي…. ياخبتك…. انتي عايزه كل ده يروح
لوحده غريبة عننا….المفروض ان كل ده يبقا
ليا انا وانتي وولادنا…… مش لحد غيرنا…. “
ضربت إلهام على فخذيها وهي تسير بخطوات
غاضبه امام اختها الجالسة على حافة الفراش
تتابع فقرة التوبيخ التي لا تنتهتي من يوم ان
طلقها عاصم…….
“انا وانتي قعدنا نخطط سنين عشان نوقعه فيكي….. ويوم ما اتجوزك مكملتيش معاه السنة وطلقك وكله بسبب غباءك وطمعك في كام مليم بيجولك من شغلة موديل الاعلانات دي…….آآه منك يارفيدة
رجعتينا تاني لنقطة الصفر……”
اتسعت عينا رفيدة وتشدقت بصدمة…..
“معناه إيه كلامك ده….عاصم كده ضاع مني…..مش هعرف ارجعله تاني……اتصرفي يالهام…. انتي مش اختي الكبيرة…. مش انتي اللي خططي لكل حاجة من الأول اعملي حاجة…….بليز يالهام… “
“الحل في ايدك انتي يارفيدة…..”نظرة لها الهام
بلؤم….. فسالتها الاخرى بغباء……
“إزاي في ايدي….. يعني اعمل إيه…….”
اقتربت منها إلهام ومالت عليها تهمس بنبرة
كفحيح الأفاعي….
“رجعيه بالحيلة…..بشوية دلع…..على كلمتين حلوين…
على دمعتين ندم……..وبعدها هو اللي هيطبطب ويداداي…”
“تفتكري……..”نظرة لها رفيدة بعدم اقتناع…..
فقالت إلهام بتشجيع يفوح منه المكر…..
“افتكر أوي……ولو تستغلي الزيارة دي لصالحك.. يبقا خدتي خطوة لقدام معاه……و واحده واحده هيلين معاكي……. “
استقامت إلهام واقفه بشكلاً صحيح ثم غمزت
لاختها بنظرة تعرفها جيداً…..فهزت رُفيدة رأسها كعلامة على التفكير العميق…….
……………………………………………………………..
مرت ساعتين وهو يعمل في الورشة بمنتهى الهدوء
والتركيز الشديد…..يُقارن برسام يتفنن في رسم لوحة مبهرة ، او كاتب يسعى بالكتابة للوصول لعصراً أفضل……
كم يشعر براحة بهذا المكان…..كل طاقة سلبية داخله يفرغها في العمل سواء في الورشة…او محل الصاغة
في شارع الصاوي…….شارع الصاوي بذاته كفيل بصفاء ذهنه ، وايضاً ملئ فراغ قلبه بعد ان مر
بتجربة زواج فاشلة…..
والذي لأول مرة بها يُسيء الاختيار……وتكن النتيجة خسارة طفله……والذي من يوم ان سمع خبر حملها
وهو يعد الأيام والاشهر حتى ياتي للحياة ويحملهُ
بين يداه يضمه لصدره ويستنشق رائحته ويسر
عيناه برؤيته……..ولكن الفرحة ماتت داخله بعد
ان علم بحادثة الاجهاد……
ورغم حزنه على فقدان ابنه إلا انه وقتها كان لا يخشى إلا عليها….ومع الأسف كانت لا تستحق شيءٍ
من هذه المشاعر……. فهي من قتلته بإستهتارها واهمالها…….ومن لأجل عمل تعرض فيه جسدها….بمقابل الترويج لإعلان عن منتج اغلبية المشاهدون أعينهم تحلق مع اجساد النساء المتمايله لا للمنتج المقصود اطلاقاً !….
ومن يوم ان علم بطبيعة عملها رفضه….وشرط عليها ان تنسى انها كانت سابقاً موديل إعلانات…وتهتم بكونها زوجة عاصم الصاوي وتحافظ على هذه المكانة……
ولكنها تجاهلت تحذيراته وخرجت من خلفه وصورة الإعلان….. ويشاء القدر ان تفقد الجنين بهذا اليوم ويعلم بخداعها….وسبب الاجهاد الحقيقي….غير
الكذبة التي ألفتها هي واختها في البداية…..
زوجة عمه…….. إلهام ؟!…..
الحية التي لا تتوقف عن بخ سمها هنا وهناك….لا
يقبلها قط…….من يوم ان رآها وهو لا يرتاح لها
وللعجب فقد صوابه في لحظة جنونية وتزوج
أختها الصغرى…والتي لا تفرق شيءٍ عنها وهذا اكتشفه مؤخراً بعد حادثة الاجهاد……..
الفرق بين إلهام ورفيدة….ان إلهام العقل المدبر ورفيدة اليد المنفذة….وهكذا تكتمل خطط
الشقيقتين ؟!……
أصبح كل شيء مكشوف أمامه…..حتى اهدافهن معروفة….ومع ذلك يحب ان يرى محاولاتهن
الفاشلة في السيطرة على ثروة آل الصاوي
ورجالها………
ابتسم عاصم بسخرية فبالصبر ترى الأمور على حقيقتها…….ومعها تكتشف كونك اغبى إنسان
على وجه الأرض…..
طرق على باب الورشة جعله يجفل للحظات قبل
ان يسمح للطارق بدخول……
“ادخل…….”
فتحت الباب ودخلت إليه وهي ترجع خصلة من شعرها للخلف قائلة بنعومة……
“ممكن اتكلم معاك شوية……”
نهض عاصم عن مقعده….. وبين يده قطعة من الحلى بدأ يمسحها بقطعة قماش وينظر اليها بتأني وتركيز
مجيباً عليها بصوتٍ جليدي مسنن……
“مفيش كلام بينا يارفيدة…….”
ادعت الحزن وبدات تبكي وهي تقترب منه بانكسار……..
“عاصم أرجوك…. اديني فرصة أخيرة…. صدقني اللي
حصل ده وجعني اكتر ما وجعك…. انا كمان كان نفسي ابننا يعيش ويتربى بينا…. كان نفسي في
طفل منك ومني…..”مدت يدها وتحسست صدره
من أعلى السترة وهي تذرف الدمع قائلة
بمسكنة…..
” انا لسه بحبك ياعاصم… ومش قادره اتخيل
حياتي من غيرك…….عاصم أرجوك ارحمني من العذاب ده………. صدقني انا موجوعه اكتر
منك…. وكل اللي حصل ده كان غصب عني…..”
ابعد يدها وهو يواجهها بنظرات جافة ظالمة
قبل ان يعقب ساخراً…….
“غصب عنك إزاي ؟!…اتحرجتي تقوللهم إنك
اعتزلتي مجال الاعلانات ده وبقيتي ست متجوزه…….وانك حامل………”
“عاصم…….”نادت برجاء حزين وعيناها تتوسل
إليه بان يتوقف……….
فصاح عاصم وهو يمسك ذراعها ويقربها منه
بقسوة……..
“اخر مرة روحنا عند الدكتورة…….قالتلك بلاش تتحركي كتير اخرك خطوتين للحمام…..وتفضلي نايمه على ضهرك لحد فترة الحمل ما تعدي على خير………”
“عاصم…….”
حاولت سحب ذراعها الذي يتكأ عليه بقوة ولكن لم يكتفي بذلك بل تابع باعين متسعة بالغضب والنيران تتوهج بهما بقوة تكاد تبتلعها……
“عملتي إيه يارفيدة هانم…….أول ما جلك عرض كويس فلوسه كويسة…..جريتي تصوري إعلان
وتتميعي قدام الكامرات زي اي واحده رخيصة
مهما عملت معاها الوساخة بتجري في دمها
بتحب الرخص…..والرخاص………”
اغمضت عينيها بزعر عندما اقترب منها يلفح
صفحة وجهها بانفاسه الساخنة بالغضب………
“لا وإيه…….يجيلي الخبر وانتي في المستشفى…
ولم اسأل اختك تقولي دي وقعت من على
السلم وجبناها على هنا علطول……..وتحفظك
نفس الكلام عشان تقولهولي…..”اتكا اكثر على
ذراعها بمنتهى القسوة……فصرخت متأوها
بقوة……لتجده يكشف الأوراق امامها بمنتهى
السخرية………..
” أختك اللي بعتاكي عندي دلوقتي عشان تحنني
قلبي عليكي ورجعك لعصمتي تاني….بس لا…
روحي قوللها ان عاصم بيتعلم من غلطه…ومش معقول هيقع معاكي مرتين………”
ترك عاصم ذراعها بنفور….فشهقت رفيدة بصدمة وهي تنظر لعاصم…..وعندما رأت إبتسامة متشفية على محياه….انكرت بارتباك…….
“انت بتقول إيه….إلهام مالها ومال اللي بينا……”
اولاها عاصم ظهره هازئاً……
“إلهام هي اصل اللي بينا….مش هي اللي خطط
لكل حاجه بينا……….”
انكرت سريعاً وهي تقول بتملق……
“لا لا طبعاً…..انا لما قربت منك….قربت منك
عشان بحبك………”
استدار عاصم قائلاً ببسمة تعجب…..
“معقول الحب ظهر بينا فجأه كده…غريبة…ماحنا
كنا قدام بعض من زمان…….”
قالت بارتباك واضح….. “الحب ملوش معاد……..”
“بلاش انتي اللي تتكلمي عن الحب يارفيدة…..”
أشاح بعيناه بعيداً عنها…فاقتربت منه تلامس
ذراعه قائلة بنعومة…..
“ليه بقا….معقول مش فاكر ليا اي حاجة حلوة….”
لم يرد عليها فرأت انها فرصة للتأثير عليه أكثر
فاقتربت اكثر منه وهي تقول برجاء……
“عاصم انا بحبك….بحبك والله وعيزاك…قولي اعمل إيه عشان اكفر عن غلطتي….قولي وانا مستعده
أنفذ اي حاجة تأمرني بيها و دلوقتي………”
رفع حاجبه بعدم تصديق…..
“هتنفذي اي حاجة اطلبها…….”
اومات بابتسامة منتصرة….. “أيوه…هنفذ……هنفذ….أأمر انت بس……”
أومأ برأسه امراً….. “تمام……..اطلعي برا بقا……..”
“إيه…….”اتسعت عينا رُفيدة بصدمة….فمسح
عاصم على وجهه بكف يده كعلامة على نفاذ
صبره معها…وعندما وجدها مزالت متسمرة مكانها….صرخ في وجهها بقوة ارعبتها……….
“إيه وقعه على ودانك….اطلعي برا….هو ده اللي
انا عايزه دلوقتي……براااااااااا………”
ركضت سريعاً من أمامه خوفاً من ان يبطشها باي شيءٍ……فهو عندما يغضب يتحول للنقيض….
………………………………………………………………
في صباح اليوم الثاني وفي شارع الصاوي تحديداً……
دخل حمزة برفقة حكيم صاحب البازار والصديق المقرب لعاصم وعلى علاقة ودودة مع حمزة الدسوقي ويعرفه جيداً……..
عندما ابصارهم عاصم نهض من مكانه مشير لأحد
العمال في محل الصاغة باحضار مقعدين لهم… وان
يذهب لمقهى مينا النصراني ويحضر ثلاث فناجين
من القهوة…….
وبالفعل ذهب الشاب ملبي طلب رب عمله….
وقد سلم عاصم على حمزة بترحيب……
“اهلاً وسهلاً…… نورت المحل…….”
رد حمزة بود…… “منور بصحابه……….”
عرفهم حكيم على بعض مشيراً…
“دا حمزة ياعاصم اللي كلمتك عنه….. ودا عاصم الصاوي ياحمزة…….”
ابتسم حمزة بترحيب……
“غني عن التعريف طبعاً…… دا إحنا في مكانه…..”
اشار لهم عاصم ان يجلسا على المقاعد……وبدأ
في التحدث في صلب الموضوع……
“قعد ياحمزة…… حكيم قالي انك عايز تأجر
المطعم اللي جنبي ده……… وقاعد يشكر فيك يامه قدامي…..وبصراحة لولا انه عرفك انا مكنتش
أجرت المطعم ده تاني…….”
انعقد حاجبي حمزة بتساؤل…..
“ليه عمنا بس كفى الله الشر……….”
أخبره عاصم بهدوء……
“هو انت متعرفش ان الجمال فتحه مشاوي
قابلك…… وخسر كل فلوسه فيه…. وطلع
مديون كمان……..”
ادعى حمزة الدهشة قائلاً بلؤم……
“ياساااتر………لدرجادي…. مع اني يعني شايف ان ماشاء الله شارع الصاوي الرجل فيه حلوة….
معقول مشروع زي ده يفشل……”
أردف عاصم بحيرة…….
“متعرفش العيب منين……. بس في مطاعم كتير
برا شارع الصاوي ليها إسمها… وصيتها عالي… عشان كده رجالة الجمال معرفوش يعملوا زبون……”
هتف حمزة سريعاً…..
“يبقا العيب فيهم ياعمنا…. لا في المطعم ولا
في الشارع……..”
نظر له عاصم بجدية متحدثاً دون
مواربة……..
“انا معرفش العيب في مين… بس انا حبيت
أعرفك…. بس عشان متقولش ضحكتوا عليا
وخسرت فلوسي…….”
كان سيتراجع بعد تلك الجملة ولكنه لم يملك
حق الرفض او القبول……ببساطه لانه ليس هو
صاحب المشروع……هو فقط يضع نفسه في الصورة
حتى يسهل الأمر على شقيقته في أخذ خطوة للأمام في تحقيق حلمها……..فرد على عاصم بحسم…….
“بآذن الله الجاي كله خير……”
ردد عاصم بفتور…….. “ربنا يرزق الجميع……..”
ساله حمزة….
“طب هنمضي العقود إمتى……..”
هتف حكيم بتعجل……
“لو انت جاهز ياحمزة نمضي العقود دلوقتي ونسجلها قانوني بكرة عشان كل واحد يضمن
حقه… ولا اي ياعاصم……..”نظر عاصم له
متفاجئاً…. فغمز له حكيم كعلامة بإن يعجل
في الأمر فهذا المؤجر من طرفه ولا يصح ان
يماطل معه……
لذا تنحنح عاصم بخشونة وهو يعود بعيناه
لحمزة بالموافقة سائلاً……
“تمام لو مجهز العقد نكتبه….. بس الأول عايز
أعرف انت هتشتغل لوحدك ولا معاك شُركا……”
تردد حمزة داخله للحظة ثم أجاب بهدوء…..
“لا اطمن لوحدي………وكام عامل وشيف
هيشتغلوا معايا…… “
هز عاصم راسه بتفهم وهو يوضح وجهة نظره
والمسئولية الموجودة على عاتقه…….
“شَغل اللي تشغله انا مش هشركك…. انا بسالك بس عشان لو حصل اي عواء من عندك……. تكون انت المسئول قدامي……اي حد بيأجر مني الغلطه بتبقا في وشي انا قدام كبار عيلة الصاوي…….او بلدية الحي…… مانت عارف….. هو حكيم مش مفهمك
ولا إيه… “
تدخل حكيم وهو يهز راسه بالايجاب…وهو يشكر
في حمزة قائلاً…..
“قايله كل حاجة ياعاصم…. حمزة جدع وبتاع شغل
وبكره تعرفه اكتر من كده……… وزي ما قولتلك انا اضمنه برقبتي…….”
تقدم الصبي بصنية القهوة وبدا يوزعها عليهم…….فأخذ كلا منهم فنجاناً…….وحينها
اخبرهم عاصم بهدوء…….
“على بركة الله…… يبقا نشرب القهوة ونكتب
العقود………”..
يتبع…