اخر الروايات

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثاني 2 بقلم عائشة حسين

رواية ملاذ قلبي سكن الفصل الثاني 2 بقلم عائشة حسين



فصل الثاني
داخل منزله بالقاهرة جلس وأمامه كوب القهوة يستعد لإرتشافه، سألته والدته ونظراتها الثاقبة ترشق في ملامحه متصيدة (إزي عمتك ياحمزة. ؟وسكينة. ؟)
طالعها بنظرة غامضة قبل أن يتنبه لها متسائلا (اشمعنا سكينة الي مهتمة بيها يا ورد ليه مش مودة ولا حتى عليا..؟ )
تهربت منه وأناملها تتحسس حواف فنجانها بتركيز(أبوك كان بيحبها واتولدت على يده)
أراح رأسه لحافة الكرسي قائلا بعدم إقتناع (ماشي)
سألته ونظراتها اللامعة تنفذ لأعماقه مفتشة (بجت حلوة ياحمزة. ؟احكيلي عنهم..؟)
انعقد حاجباه في ضيق متذكرًا مقابلته تلك الشعلة المتوهجة واستقبال عمته وكلماتها عن سكينة وأخيرًا مودة..
قال بإستياء واضح (حلاوة من غير عجل ملهاش لزمة يا ورد.. ربنا يهديها هي ومودة عكس بعض جدًا هي عكسهم أصلًا بت غريبة جوي )
قالت ضاحكة ملء فمها بإستمتاع (الغريب للغريب يا حمزة)
تافف قائلًا بإنزعاج (رجعنا لفقرة الألغاز..)
أراح رأسه لحافة الكرسي موضحًا (مودة بتحب التاريخ زي أبويا) قالها بشجن وحنين شاركته إياه ورد متنهدة
بعدما لمحت قبس من إعجاب بعيني ولدها خاص بمودة لتقول بجمود غريب غير مُحبة لما تراه(وهتروح مِتى تاني يا حمزة)
أخبرها وهو يمسك بهاتفه(الأسبوع الجاي..) ثم ضيق نظراته فوق ملامحها متسائلاً (مش هنروح لزهرة يا ورد)
تمخضت ملامحها الرقيقة عن جدية مُربكة وهي تسأله (بتحب زهرة يا حمزة.؟)
مال فمه بإبتسامة ساخرة وهو يخبرها (حب إيه بس يا ورد.؟ الحب دا ليكِ إنتِ وأبوي)
قالت بصدق وهي تميل مريحة كفها فوق ركبته بينما نظراتها تحاوطه بدفء (متتجوزهاش ياحمزة لو مش بتحبها)
قال ساخطًا بمرارة (يبقا مش هتجوز خالص)
يؤسفها كثيرًا إنعزاله ووحدته اكتفائه بها، قلبه الموصد، لا يروقها ما يحدث، حياته الراكدة المملة دون حب أو زواج.. طالعته بنظرة طويلة وهي تسرد أمنيتها ببهجة خاصة مستشعرة حلاوة الاستجابة في قلبها(نفسي تحب وتتحب ياحمزة، هتلاجي نفسك وحياتك هتتغير)
تنهد قائلا بإحباط (مش فارجة بس عايز أتجوز وأجبلك واحدة تجعد معاكي وعيال يتنططوا حواليكي)
قال متفهمًا يخبرها بحنو (الحب بتاعكم الي بيغير معادش موجود يا ورد الدنيا اتغيرت إنتِ الي مش عايزة تشوفي وعايشة فالي فات)
أمسكت بفنجانه قائلة عائدة لمقعدها (لولا إني عرفاك كنت جولت جلبه مكسور)
أسند خده على قبضته ممازحًا(شوفيلي الفنجان)
تناولت فنجانه، قلبته فوق الطبق الصغير وحركته حركات دائرية، ثم رفعته لنظراتها بعدما غمغمت
ابتسمت باشة حين أبصرت فنجانه (طريج أوله واعر ياحمزة هتتعب شوية بس هتلاقي فنهايته.. )
صمتت مفكرة ليحثها (ها خير..؟)
دققت النظر لتقول بجدية (في بيت في الأخر.. نهاية الطريق سكن هتدخله وترتاح فيه..)
قطب مستفهمًا لرفع نظراتها وتوضح بهزة كتف (الفنجان بيجول كدا فنهاية طريجك سكن)
ناغشها بمرح (أكيد بيتنا الي فجنا وان شاء الله يكون أخر أسبوع وأرجع ومروحش تاني )
قالت بإبتسامة وهي تضع الفنجان جانبًا (ويمكن يكون حاجه تانية يا حمزة، إن قلبك هيرتاح أخيرًا بعد سنين)
توترت ملامحه، لملم الحزن ابتسامته ليقول بسخرية (هو جلبي مِتى عرف الراحة والفرح يا ورد.؟)
تأثرت لحزنه وخيبته، اقتربت تربت على كتفه بحنو وتضمه مؤكدة
(الي جاي خير وفرح هو أنا عمري فنجاني خيب.؟ )
قال بإبتسامة حزينة ووجع وهو يتهرب من نظراتها (خيب مرة يا ورد...) التقت النظرات لثواني قبل أن يتهرب، ويصرف تفكيرهما عن هذا الحديث وتلك الذكريات، سألها بجدية واهتمام (هتيجي معايا يا ورد..؟)
لمعت عيناها بحماس وهي تبتسم مؤكدة رغم الألم الراكد بصدرها (ايوة لازم..) قطب متحيرًا لتخبره بما تصرف به ذهنه عن المراقبة والشك (وحشني بيتنا وعايزه أزور أبوك يا حمزة وعمتك والفايش) قالتها بضحكة
ليبتسم قائلًا (ماهي عمتي شيلتني الفايش لغاية هنا لجل خاطرك)
تنهدت ورد بإمتنان قائلة (تسلم يدها ويد الي شال)
نهض من جلسته، متجهًا ناحية المطبخ تاركًا لها مع كتبها، اتجه ناحية البراد أخرج الطعام ليعد الغداء.. أمسك بالسكين مبتسمًا قبل أن تهبط يده لقطعة اللحم تذكر تلك الي نعتها بالسكين ابتسم للذكرى
وتابع ما يفعل وكل ماحدث يمر على أفكاره..
لا يدري لما هتف يسأل والدته (ورد.. مودة بتحب التاريخ وبتدرسه عايز أخدلها الكتب الي عندنا)
زمت ورد شفتيها بضيق قبل أن ترد مرتبكة (هتشيلها كتب من هنا يا حمزة.؟)
هز كتفه بلا مبالاة وهو يميل بجزعه ليبصرها (عادي)
ردت بإستهانة وهي تعود لكتابها وأغانيها القديمة (ماشي براحتك)
قالتها لينشغل هو في عمله من جديد مرجئًا الأمر لوقته.
*************
داخل منزل راضية بقنا
هتفت راضية وهي تجاور ولدها في جلسته بينما ترتشف الشاي من كوبها (جولت إيه يا عمار في العريس الي جاي لأختك سكينة)
أجابها عمار متذكرًا طلب ابن خاله سعد (مش موافج يا أما)
وضعت راضية كوب الشاي منتبهة له متعجبة من قرارة (ليه.؟ مش بتجول الواد زين ومُحترم)
قال عمار بتحفز يخبرها بما دار مع سعد (بصراحة سعد واد خالي انهردا جه وطلبها مني وأنا شايف هو أولى بيها من الغريب)
انتفضت من جلستها متخلية عن هدوئها رافضة الأمر(بس أنا مش موافجة)
انتبه لها متسائلا بإندهاش (ليه سعد ميعبوش حاجه)
أجابته والدته بإرتباك تُفهمه الأمر برزانة (أنا عارفه بس ميناسبش أختك، ولا تنفع معاه يا ولدي)
تأفف منزعجًا يناقشها (يا أما سكينة عايزه واحد شديد يحكمها وسعد هو الي ينفع)
صرخت معترضة لا توافقه الرأي (لاه مش عيزاها تتغرس فبيت خالك)
تنهد متحيرًا وهو يسألها (مش فاهمك يا أما.. سعد واد خالي ومننا وأحج واحد بيها طالما رايدها)
توترت، لتخبره بتعثر وقلق لاتعرف مصدره (مش هيسيبها تكمل علامها)
لوح عمار بإستهانة ضائقًا بحجة والدته (يا أما هي مفلحاش في العلام يبجا تكمل ليه.؟ )
أنهت الحوار قائلة بحزم (وصية أبوك إنها تكمل علامها وأنا مش هخالفها يا عمار)
تدخلت سكينة هاتفة بغضب بعدما استمعت لما قيل (سعد لو آخر راجل فالدنيا أنا مش موافجة)
التقت النظرات فوق وجهها الغاضب، قبل أن يندفع عمار ناحيتها صارخًا (متدخليش يابت والزمي أدبك)
صرخت بوجهه في عناد (ليه إنت بتتكلم فحياة حد من بره ولا حياتي؟ كمان هتقررلي مستجبلي)
دفعها بغلظة وجفاء (هو إنتِ فاكرة ليكِ رأي ولا إيه.؟)
أجابته تجابهه في قسوة مشابهة (أيوة ومش من حجك تتحكم فمستجبلي)
قيدها من رسخها وجرها لتمتثل أمام والدتها مُعنفًِا (شايفة أخرة جلعك فيها يا أما)
خلصتها والدتها في دفاع وأبعدتها هاتفة (روحي أوضتك دلوجت)
وقفت صامدة في عناد تمرر نظراتها بينهما قائلة (مش هروح ومحدش فيكم له دخل بحياتي)
صفعها عمار بقوة جعلت والدتها تصرخ مستوقفة، كلماتها تقطر وجعًا وحزنًا (امشي يا سكينة امشي)
ابتلع ريقها كاتمة شعورها بالمهانة والمذلة، ترمقه بإستهزاء جعله يهتف (شايفه بتبصلي كيف جليلة الرباية يا أما)
فصلت راضية بينهما بجسدها تمنع ما سيحدث متفادية احدى ضربات عمار القاسية، تدفع سكينة (غوري يا سكينة)
صاحت بعنف وهي تبتعد خطوتين (هغور)
قفز عمار يريد ان يطالها لكن والدته منعته مهدأة (بس يا ولدي بس سيبها)
حلف بغضب وهو يشيع ذهابها المتأني إغاظة له (والله لو ما اتربت لأكسر دماغها ورجليها ومن انهردا مفيش مدارس ولا دروس)
ولولت راضية وصرخت لتوقفه مستاءة من وعيده وعناد الأخرى الذي يوقعها في المشاكل وإغضابها الدائم لأخيها ومعاندته التي تجلب السخط والصعاب.
توقف عمار مبتلعًا باقي كلماته رمق والدته بجفاء َوحدة قبل أن يمسك بشاله ويغادر تاركًا لها تبكي، ساقطة فوق الآريكة بإنهاك وتعب ويأس.
***********
أثناء عودتها من دروسها
جاورتها صديقتاها في السيارة التي ستقلهم لبلدتهما متسائلتين بإهتمام (مين الي جه عندكم دا يا سكينة.؟)
أجابت بلا مبالاة متذكرة الصموت (ابن خالي حمزة)
فغرت أبرار فمها معجبة (الجمر دِه واد خالك.؟)
رمقتها سكينة شزرًا وهي تخبرها بترفع (أيوة عادي يعني)
لكزتها سما ضاحكة تسلب منها الاعتراف بخبث(عادي إيه دا فلجة جمر، طول بعرض وعنين ملونة)
أجابت سكينة بغرور (شيفاه عادي والعنين الملونة عندنا منها كتير )
رمقت سما أبرار بغيظ كاتمةً تأففها من غرور الآخرى لتقول ساخرة (طيب سيبهولنا احنا بجا)
قالت في زهد وسخرية (مبروك عليكم)
هتفت سما وهي تفتش في حقيبتها بإنزعاج مصطنع وتأفف (شكلي نسيت الفلوس)
طمأنتها سكينة بإبتسامة ودودة (هدفع أنا متجلجيش مش مهم)
تبسمت سما بإمتنان خادع قبل أن تلتفت لأبرار غامزة بإنتصار، بينما شردت الأخرى فيما يحدث ويدور حولها
********
بعد مرور أسبوع
عاد من جديد لتلك البلدة الخانقة المليئة بالذكريات المؤلمة بعدما أصرّ جده أن يعود ليتفقد المزرعة ويباشر بنفسه العمل فما حاجتهم لغريب والقريب موجود، أثقل على نفسه بالعودة لكن لا مفر هو وعده بالعودة والاهتمام بالمزرعة ومعالجة بهائمها وبعدها يعود، وجده وافق على مضض دون مناقشة أو جدال، هاتف ورد يطمئنها على وصوله وبعدها جلس أمام المنزل متدثرًا بالظلام يسحب عدة أنفاس من سيجاره..
تحرك بجسده، يبحث بنظراته عن سر تلك الشهقات الخافتة، والآنين المكتوم، نهض داهسًا سيجاره قبل أن يدور في المكان مُفتشًا
وجدها متكومة تحت شجرة عتيقة بجانب البئر القديم المتهدم المردوم، تدفن وجهها بين ركبتيها المضمومة وصدرها.. وجّه إضاءة الهاتف ناحية الجسد يتبين صاحبته..
رفعت وجهها تدفع عنها الضوء بكفها، قبل أن تصرخ بنفاذ صبر(اطفيه)
أطفأه وهو يسأل ليتأكد (سكينة.؟)
أجابته وهي تقف هاتفة بضيق (أيوة زفته)
سألها وهو ينظر حوله للظلام (إيه مجعدك هنا يا زفتة هانم في الوجت دا لوحدك .؟)
اندفعت غاضبة ترميها نظرات حادة (إنت مالك إنت يا دكتور البهايم)
زفر بقوة متمالكًا أعصابه قبل أن يهتف من بين أسنانه(روحي عالبيت يا سكينة أحسن لك)
رمقته بنظرة مستخفة محتقرة قبل أن تصرخ بوجهه (مالكش حكم عليَّ)
عض باطن شفتيه قبل أن يرفع الهاتف تحت نظراتها ويهاتف أخيها الذي ما وصله صوته حتى هتف انتقامًا من غرورها (عمار أختك عند البير لوحدها بجولها تدخل مش راضية)
شهقت متراجعة للخلف بظهرها من فعلته التي سددت هدفًا في مرماها، وقد انتقم من غلظتها شر انتقام.. أغلق الاتصال وهو يشملها بنظرة محتقرة متشفية..
جاء عمار راكضًا شكره وسحبها من ذراعها، استدارت بجسدها تصب سخطها فوق رأس حمزة الواقف بثبات، تمزقه بنظراتها المتوعدة الغاضبة قبل أن يبتلعهما الظلام وتختفي من أمامه ويعود هو للمنزل،عاد لمنزله دخله وأغلق خلفه وجزءًا ما بعقله يلومه على تسرعه وإخباره عمار الذي يبدو أن السنوات غيرت من طبعه وأكسبته خشونة وغلظة ملموسة في أفعاله وكلماته.. ظل طوال الليل ساهرًا يتقلب يلوم نفسه على تهوره يدعو الله أن يمرر عمار الأمر ولا يمسها بسوء.
*******
في وقت الظهيرة أثناء تأديته عمله.. جاءت اليوم بعد انقطاع يومين تمسك عامود الطعام بين يديها بنظرات تائهة
رفع نظراته لها يتفحصها بإهتمام، يطمئن عليها بعدما حدث ،نظراتهما التقت قبل أن تنزلق نظراته لجرحٍ صغير جانب شفتيها فسألها وهو يعود بنظراته لعمله (مين عمل كدا.؟)كلاهما فهم أن ماحدث لم يمر عابرًا
وضعت عامود الطعام تُجيبه بحقد وغيظ غلفته نبرتها (إنت دخلك إيه.؟)
تجاهلها عن عمد وسألها تلك المرة بنظرات ثاقبة(عمار..؟)
مطت شفتيها بإستياء متذكرة ما حدث لتسكب نفورها وغيظها منه مرةً واحدة (البركة فيك، لو جاصد تخليني أكرهك مش هتعمل كدا)
ضيّق عينيه فوق جرحها وهو يهمس ببساطة شديدة ظنتها استخفافًا بها (أنا آسف معرفش إنه بيضربك ولا هيعمل كدا.. لو أعرف كنت اتصرفت معاكي أنا من غير ما أرجعله)
تدلى فكها ببلاهة من آسفة ونظراته الغائمة بالحزن، ليستطرد موضحًا يُفسر لها (محبش أكون سبب في آذية حد)
استعادت طبعها الناري، رمته بسخريتها (لا طيب والله..)
ثم سألها بجدية واهتمام وهو يتناول منها عامود الطعام ويخطو ناحية الحجرة الصغيرة (عمتي سابته ليه يعمل كدا)
قالت بإستنكار وفظاظة (دا الحيلة حبيب جلبها)
خلع قفازاته وغسل كفيه ثم فتح ورصّ الطعام وهو يقول مشككًا (مش مصدجك، عمتي مش هتفرج بينكم)
تأفف وهي تضرب جبهتها قائلة (ما إنت حبيبها برضو أنا بس الي واجعة من جعر الجفة)
ابتسم بتكلف وهو يجلس وسؤاله يسبق نظراته لها (تحبي أكلملك عمتي بما إني حبيب جلبها)
تداركت أنها أفصحت أكثر من اللازم، فاضت بقليل مهم، لهذا الغامض البائس، سبب تعاستها .. صرخت بوجهه في حدة (كفاية الي عملته مش نجصاك، المرة الجاية عمار هيكسر رجلي )
تناول معلقة من الأرز يخبرها بفطنة وهو يركز نظراته فوق وجهها (عارفة يا سكينة لسانك وتباسطك من الناس هيودوكي فداهية)
لوحت بكفها في عنجهية وغرور وهي تحدجه بنظرة محتقرة مستخفة (خليك فحالك وبهايمك مش ناجصة فلسفة)
قال وهو يلتهم القليل من الطعام (لو عمتي تديني الإذن هجطعولك لسانك دا)
قالت متحدية مغتاظة وهي تعود له ضاربة فوق الطاولة (هجول لعمار)
هز رأسه مستهينًا يخبرها بجمود (إنتِ تخافي من عمار أنا لااا)
قطع حديثهم وصول ابنة خالها وإلقائها السلام، نهض حمزة مُرحبًا يبادلها سلامها بتأدب جعل سكينة ترمقه شزرًا متعجبة (ازيك يا عليا.. نورتي)
أطبقت شفتيها تقول بخجل وهي ترمق الطعام بأسف (أزيك يا دكتور.. آسفة لإزعاجك بس جدي بعتني أجولك تفوت عليه عشية)
أشار لها حمزة بإبتسامة ودود (اتفضلي طيب) ابتسمت بخجل موضحة (دا واجب علينا يا دكتور حمزة بالهنا والشفا)
قالت سكينة من بين أسنانها بغيظ (ازيك يا عليا هو أنا شفافة ولا إيه.؟)
حمحمت ابنة خالها موضحة بإحراج وهي تسرق نظرات خاطفة من حمزة (ازيك يا سكينة.، متأخذنيش)
قالت ساخرة وهي ترمق حمزة الواقف ينقل نظراته بينهما (مش هأخذك يا بت خالي)ختمتها بضحكة مستفزة أثارت حفيظة حمزة وأربكة عليا، استأدنت عليا هاربة من سكينة ومشاعرها بعدما أهدتها نظراتها متوعدة عاتبة..
جلس حمزة يتناول طعامه لتقول سكينة (هو إنت ليك ناس وناس ولا إيه يا دكتور.؟)
رسم ابتسامة مزيفة وهو يقول مُدركًا مقصدها (اتفضلي يا سكّينة)
رمقته بشر وغيظ قبل أن تزفر مستفزة له (خلهولك أنا اصلا جبتلك بجايا الأكل الي بنحطه للكلاب والقطط)
ترك الطعام من يده ثم دفع الطاولة قائلًا (إنتِ متعرفيش تجصي لسانك وتبجي كويسة أبدًا)
سخرت بفظاظة (لاااه تجرالي حاجه)
أشار لها بحنو وابتسامة هادئة (اجعدي كُلي من أكل القطط والكلاب معايا ربنا يهديكِ )
ابتلعت ريقها تتفحصه بنظراتها، ليستفزها مشاكسًا (يا تجعدي تاكلي يا تمشي مش هتجفي تبصيلي فالأكل)
ضمت شفتيها مفكرة قليلًا قبل أن تجلس مقررة مشاركته وهي تقول (يلا اهو أجرب أكل القطط والكلاب.. يعني حرام تجربه لوحدك صعبت عليا يا حمزة والله)
ابتسم هازًا رأسه لتتناول الطعام معه، حين جاء دورها لتأخذ المعلقة هتف مستنكرًا (هتاكلي ببتاعتي.؟)
أجابت ببساطة وهي تلتهم الطعام بشهية (أيوة عادي مش بجرف)
اعترض قائلًا وهو يسحبها منها قبل ان تبدأ (بس أنا بجرف)
وجدت في الأمر تسلية لها، أبعدت المعلقة تتناول بها الأرز مستفزة له ضاحكة علي ملامحه المتغضنة بضيق، ظل يراقبها حتى انتهت فمنحته المعلقة مستحسنة (شكرًا مأكلتش من امبارح وكنت عاملة مقاطعة)
زفر قائلاً(بالهنا والشفا جومي يلا هويني)
نهضت من جلستها تلملم عامودها وهي تقول (ههويك يلا سلام بجا)
شيعها حتى اختفت عن نظراته ونهض يتابع عمله من جديد
******
في اليوم التالي
طلبت راضية من مودة الذهاب لمنزل حمزة وتنظيفه وترتيبه قبل عودته من العمل، هتفت سكينة بهماس غريب (أنا فاضية هروح)
تساقطت النظرات فوقها بدهشة لتوضح (مودة معاها مذاكرة ومشغولة عادي)
تعجبت مودة من كلمات أختها لكنها أثرت الصمت في انتظار أمر والدتها التي هتفت بإستحسان (ماشي يا سكينة روحي ومتعوقيش علشان واد خالك)
قفزت سكينة من فوق الآريكة بهمة عالية وهي تهتف بطاعة (حاضر يا راضية)
صمتت مودة لم تذهب أثار الاندهاش عن وجهها مما فعلته أختها لكنها فالنهاية صرفت تفكيرها عن الأمر فأختها مجنونة لا يمكن التنبؤ بأفعالها وخططها، ربما تريد التهرب من المذاكرة.
دخلت المنزل مغلقة خلفها، منذ وطأت أقدامها عتباته وهي تطلق حاسة الشم خاصتها مستكشفة، مغمغمة (ايه الريحة دي.. جميلة يكنش البيت مسكون صُح زي ما بيجولوا)
انقبضت ملامحه بضيق وهو يقف خلفها صابرًا يستمع لها بإهتمام.. دارت نظراتها في المنزل ومازالت تغمغم بإعجاب(دا طلع حلو جوي ومريح، بس إيه الروايح دي)
اندفعت ناحية الداخل مستكشفة تقودها الرائحة المنبعثة من المطبخ، وقفت تتأمل بساطته قبل أن تقترب مستكشفة الأواني المستريحة فوق الموقد، ذاقت ما صُنع مغمغمة (طابخ لنفسه كمان ولا يكنش العفاريت بتطبخله دكتور البهايم النرفوز)
أصدرت همهمة استحسان عالية، لتتابع التهام الطعام بشهية ورضا جعله يهمس من خلفها (ايه جايبك هنا يا سكينة الزفت.؟)
انتفضت صارخة تلقي ما بيدها
توقفت الكلمات في حلقها واستدارت متسعة الأعين في زعر، تحول لصراخات عالية حين التقت به خلفها
قالت منفعلة (في حد يعمل كدا.. قاعد ليه مش فشغلك)
أخذ منها الطاسة قائلًا (وإنتِ هنا ليه اصلا..؟ )
أجابته وهي تلتقط أنفاسها (عمتك قالت عايزه تنضف وأنا تكرمت واتنازلت وجيت أنضفه وجولت أشوف البيت بالمرة )
سألها وهو يمر على ملامحها ببطء(وشوفتيه.؟)
قالت بإبتسامة متحمسة (لسه كنت باكل )
هزء بفظاظة وهو يبتعد عنها مندفعًا للخارج (معندكمش أكل)
تبعته تقفز كطفلة وهي تسأله (انت الي طابخ دا..؟ )
سخر منها وهو يلتقط المفاتيح ليخرج و َيتركها(لا العفاريت)
فركت كفيها مستحسنة تحرك لسانها متلذذة بما ذاقت (وراضية فاكرة نفسها بتعرف تطبخ)
سألته وهي تراقب انسحابه وانشغاله بإرتداء حذائه (عادي أفتش البيت واستكشفه)
رفع نظرات ذهوله، تستوطنها السخرية ليقول وهو يقف (إنتِ مجنونة)
ضحكت قائلة تشاكسه بغمزة جريئة (هدور على دليل ارشادات التعامل معاك أو الكتالوج..أو أعرف سر إعجاب وحب البنات ليك يا أخ حمزة)
بترت صمته بكلمتها الأخيرة ليقف أمامها متسائلًا دا مين الي بيحبني)
أدركت أنها أفصحت أكثر من اللازم وأفشت سرًا لتتراجع متلعثمة (عمتك مثلا)
لم يقتنع هو بما قالت ولا تهورها لكنه أثر التجاهل والتغاضي كما يفعل مع تلك المجنونة دائما
جف حلقها من نظراته لتتقهقر متسائلة بسخرية (امشي لو عمار عرف إنك هنا هيطخنا)
سخر بفظاظة وهو يتأملها (أنا واحد قاعد فبيتي إنتي الي جيتي)
غمغمت بحقد (واطي يا حمزة)
نهرها وهو يتقدم ناحيتها ببطء نظراته تومض بشقاوة (ما تعقلي وتقصري لسانك ..)
دفعته حين استدار وجهت جسده ناحية الباب بينما هو متفاجئًا (امشي يا عم متجرفنيش خليني أشوف شغلي)
خرج من المنزل متأففًا من أفعالها بينما عادت هي لاستكشاف المنزل قبل أن تبدأ عملها فيه.
وقت الغداء جاءت بالطعام قائلة (إنت يا دكتور)
أجابها وهو يخطو ناحيتها تاركًا أعماله (عايزه إيه.؟)
منحته الطعام في عجالة وهي تقول (خد عمتك بعتته)
أجابها وهو يتابع رحيلها السريع (بس أنا مش عايز بعمل أكل لنفسي)
توقفت مستديرة تخبره بسخرية (جولتلها بس هي غاوية تعب.. ثم ضحكت ضحكة قصيرة متشفية وهي تخبره (بما إنك بتعرف تطبخ لوحدك يبجا أكيد بتعرف تنضف برضو.. فنضف البيت علشان أنا مش الخدامة الي جابوهالك)
هز رأسه مستاءًا من كلماتها يهتف وهو يشيعها (إنتِ مش طبيعية والله مجنونة)
توقفت من جديد التفتت قائلة بغضب (يعني إنت الي طبيعي يا بتاع البهايم إنت)
تأفف قائلًا (الله يهديكِ)
لتلتفت هاتفة بضحكة شقية (وإياكِ يا دكتور )
***************
في نهاية اليوم قرر الذهاب للمحافظة لابتياع بعض الأشياء الضرورية، داخل مطعم صغير جلس ممسكًا بهاتفة منتظرًا قدوم النادل الذي شعر بتأخره قليلًا فبحث عنه بنظراته مستعجلًا قدومه
انزرعت لجتيه في مقلتيها، ليتبادلا حديث صامت، عادت منه للذي أمامها قائلة بتوتر (لازم أمشي دلوجت)
رمتها وهرولت مبتعدة، تعتنق مخيلتها نظراته المندهشة المستنكرة لفعلتها، تشد من قبضتيها على حقيبتها وبداخلها رغبة تنازع في العودة له.. استدارت لتجد رفيقها غادر فعادت مهرولة تجاهه، مكان جلوسه وقفت جامدة ليخبرها بملل دون ان يحيد بنظراته عن الهاتف (متخافيش مش هقول المرة دي.. بس لو اتكررت هضطر أعمل كدا)
صاحت بغضب مستنكرة (بتهددني يا بتاع البهايم إنت)
أجابها بهدوء (أيوة علشان الي بتعمليه غلط يا سكينة عمتي متستحجش منك كدا)
ارتبكت، دارت نظراتها في المكان مُفكرة ولا كلمات تنقذها ولا جنون يسعفها الآن، تشعر بالخجل الشديد من فعلتها، ليستطرد ونظراته ترتفع لها بتأكيد (لو بيحبك هيخاف عليكي مش هيجعد معاكي الجعدة دي.. لو راجل يدخل من الباب)
قالت بحمائية وشراسة، تتسلق بهما جدار الثبات (هو راجل ومحترم أنا الي رافضة ييجي)
سخر منها في فظاظة (ليه بتتسلي.؟)
لانت نظراتها وخفتت حدة شراستها لتقول بتوسل (متجولش عليّ كدا يا دكتور البهايم إنت)
حك ذقنه قائلًا دون أن يمنحها عفو نظراته(ماشي.. بس متطلعيش معاه تاني لو عايزك يتجدملك وتجفي معاه قدام الناس)
نهرته وقد عادت لغبائها تتخذ الهجوم درعًا بعدما شعرت بالخطر (إنت مالك متتدخلش)
نهض واقفًا ينفض كفيه قائلًا (لو حد غيري كان زمانك فالمستشفى دلوجت)
مال فمها تصفعه كلماتها المقيتة (علشان إنت مش مننا ولازينا زي ما جال عمار.. وأنا مش خايفة منك رجعت بس علشان أجولك متجولش لعمتك مش هتحبك أكتر من كدا ولا هما هيحبوك)
رمتها كسهم مسموم انغرس بصدره وغادرت ليستوقفها متجاهلًا ما قالت فهو اعتاد سخافتها وبذئ كلماتها(المرة الجاية لو كررتيها أنا الي هكسر دماغك وأوديكي المستشفى برضو)
**********''
بالخارج
صرخت صديقتيها مندهشتين (حمزة شافك..؟)
أجابت بغيظ منهما وغضب (إنتوا السبب مين سمحلكم تكلموه وتجيبوه)
ارتبكت الفتاتين لتقول إحداهما بتوتر مبررة فعلتها المشينة (كان جصدي يكلمك وتتفجوا)
وقفت محتدة تصيح (نتفج على إيه يا مخبولة هو إنتِ فكراني إيه.؟ جولتلك أنا مش بتاعة الكلام دا)
تأفف صديقتها منزعجة تخبرها من بين أسنانها(بخدمك يا سكينة )
أوضحت لصديقتها ساخرة(لا متخدمنيش، مين اداكي الحج تقرري بدالي يا سما الحمدلله إنه كان حمزة مش عمار)
حاولت الأخرى تهدأة الجو والحد من غضب سكينة الذي سيحرقهما قائلة(استهدوا بالله كنا عايزين نساعدك يا سكينة مجصدناش حاجه)
دفعتها بكتفها مستهزئة قبل أن ترحل وتتركهما (ساعدوا نفسكم وسبوني، لو حصلت تاني هيكونلي تصرف تاني هيزعلكم)
عبرت الطريق وتركتهما ترغيان بغضب، يشيعانها بتوعد ونقمة.. تحركت غاضبة ولا تدري أن قدمها ساقتها لمكانه من جديد
دخلت تمرر نظراتها على الموجودين حتى وجدته جالسًا تنهدت واندفعت تجلس أمامه، منحها نظرة جامدة لا تنفذ منها عواطفه وتحجب عنها شعوره الذي لم تتبين أكان مفاجأة أو اندهاش
طأطأت رأسها قائلة بتوتر لأول مره يلاحظه عليها منذ آتى(معرفش إنه جاي.. كنت بتغدى مع أصحابي بعد الدرس ولجيته جاي طلعوا متفجين معاه ولما أنت دخلت أنا كنت بجوم ومش مكملة.. ثم رفعت نظراتها المهتزة الدامعة تخبره (أنا أبويا رباني يا دكتور حمزة كويس)
لانت ملامحه بإشفاق وحنو، تجاهل متغاضيًا ليخفف من وطأة الأمر عليها فبكائها ومجيئها على من مثلها كثير وسألها(اتغديتي ولا اطلبلك غدا.؟)
مسحت دموعها التي انزلقت وحملقت فيه تستوعب تغاضيه، لتقف معتذرة (همشي اتأخرت)
أشار لها (اجعدي يا سكينة هنروح سوا)
اعترضت ونظراتها تسقط على كل شيء عداه (هتأخر.. بعدين بتاكل هنا ليه تلاجي عمتك من الصبح تحضر)؟؟؟
ابتسم مردفًا (هاجي هنا وأرجع جعان.. وإنتِ كمان مش هتبجي معايا وترجعي لوحدك ومن غير حاجه)
نظراتها استنكرت وتسألت لينهض قائلًا بحماس (تعالي آكلك حاجه حلوة وبعدها نمشي)
أطاعت، مشت خلفه لكنه أشار لها (تعالي جنبي ماشية ورا ليه.؟)
قالت بغرابة (عمار بيجولنا نمشي ورا)
ابتسم متفهمًا ليوضح (بس أنا حمزة.. تعالي جنبي ولما تبجي مع عمار امشي وراه)
ابتسمت بتوتر من كلماته وابتسامته التي كلما اتسعت رقعتها زادته جاذبية وحلاوة، كانت عاليا ابنة خالها محقة هو وسيم جذاب للغاية مُلفت بإبتسامته تلك.
ظللها صمت كئيب اندهش له لكنها صمت مثلها حتى أنهت الآيس كريم الخاص بها وبعدها غادرا.
حمدت الله أن عمار لم يكن بالمنزل فهي تعلم حنقه وغضبه الدائم من أفعالها ولو رأها مع حمزة ما كان ليمرر الأمر..
دخلت المنزل وحكت لوالدتها أنها قابلت حمزة وهو من أوصلها، تهللت راضية ونهضت من جلستها تلف شالها قائلة (هروح اطمن عليه واجعد معاه شوية)
تعلقت نظرات مودة بسكينة التي ركضت للدرج هاربة وبعينيها شيئا غريب وملامحها مطموسة بإنفعال لا تفهمه ولا تستطيع قرأته.. لحقت بها مودة دخلت خلفها تسألها بفطنة (مالك يا بت.؟)
تجاهلتها سكينة بضيق (مفيش تعبانة)
سألتها متفرسة في ملامحها (اتأخرتي ليه.؟)
أجابتها بهدوء وهي ترتمي فوق الفراش شاردة (مكانش في مواصلات)
هزت مودة رأسها غير مقتنعة، لتنسحب بعدها وتترك الأخرى تغوص بين الأغطية باكية منتحبة بقوة دون سبب.
************
وقف سامي أمام سما يهتف بغضب (يعني هي مكانتش تعرف يا سما..؟)
تأففت بحنق من تلك المحاصرة (أيوة.. أنا الي رتبتها علشان تجابلها)
اندفع يهتف بضيق وهو يرمقها بنظرات حادة مستنكرة (مين طلب منك تعملي كدا..؟)
لوحت قائلة ببرود لا تستسيغ ثورته (مفيش حد كنت بخدمكم ؟)
صرخ بها منفعلًا بحنق (الله يخربيتك وبيت دماغك)
حملقت فيه مذهولة، قبل أن تصرخ به (دا جزاتي يا واد عمتي برضو..)
أشهر سبابته محذرًا بغضب (إياكِ تكرريها تاني ولا تتصرفي من دماغك، لو أعرف مكنتش روحت)
انفعلت بضيق (حصل أيه يعني.؟)
أجابها بيأس وتنهيدة حانقة تغادر صدره الملبد بالحزن (اهي فكرتني متفق معاكي، منك لله يا شيخة أنا كنت ناقصك أنا ما صدجت)
رمى كلماته وغادر تاركًا لها في جحيم أفكارها ونيران غضبها لا تصدق ثورته ولا كلماته التي أمطرها فوق رأسها حبًا في الأخرى ورغبةً في رضاها.
رفعت الهاتف لأذنها تقص ما حدث لصديقتها باكية، تتوعدهما (والله ما هعديها)
حاولت صديقتها تهدأها لكنها لم تفلح، أغلقت الاتصال ثم نقرت فوق هاتفها بسرعة لتعاود الاتصال بشخصٍ آخر حينما جاءها صوته هتفت (بجولك مش كنت عايز رقم سكينة..؟)
(أيوة طبعًا)
قالت بإنتصار (الرقم ب١٠٠جنيه ياحلو ولو هتكرمني هجبلك صورها كمان)
صاح الآخر بحماس (تمام يا عثل حالًا يوصلك المطلوب)
ابتسمت قائلة وهي تنهي الاتصال (مستنيه أول ما يوصل هبعتلك)
************
في المساء بعد صلاة العشاء
جلست راضية وانضمت لها مودة أمام المنزل بصحبة حمزة يتسامرون ويضحكون، شاركتهم سكينة أخيرًا على استحياء تطالع حمزة من وقتٍ لآخر تبحث بين انفعالاته ونظراته عن ماحدث اليوم لكنها وجدت شيئًا عاديًا كأنهما لم يتقابلا حتى أنه سلّم عليها بتأدب كما تعودت شاركت صامتة على غير عادتها تاركة لمودة مساحة الحوار والنقاش معه
نظراته كانت تهرب إليها من وقتٍ لآخر متعجب لصمتها لكنه متجاهل..
هتف بإبتسامة وحماس (جبتلك كتب خالك معايا يا مودة هتساعدك لو بتحبي التاريخ)
تهللت مودة لاهتمامه بها وتذكره أمرها (بجد والله كتر خيرك)
استئذان لدقائق آتى بالكتب وعاد لجلسته سلمها لها (اتفضلي يا ستي.. بس اوعي يحصلهم حاجه ورد هتاكلنا كلنا)
ضحكت برقة مؤكدة ونظراتها تبرق بلهفة وهي تتسلمهم منه (لا متخفش)
شاركت سكينة مستهزئة خارجة من صمتها(متخفش مودة بتعامل الكتب معاملة الاطفال)
خص بالإبتسامة تلك المرة سكينة فارتبكت وعادت لصمتها، طلبت راضية بحنين ونظراتها تتطلع للكتب (هات يا ولدي أشم ريحة أبوك)
اعطاهم لها فتسلمتهم بقدسية، مررت أناملها المتغضنة المرتعشة فوق أغلفتهم باكية، مغمغمة بكلمات غير مفهومة مطموسة بالتوتر والارتباك
غامت نظرات حمزة بحنين حينما تبين بعض ما همست عمته.. بينما صمتت مودة محتفظة بهدوئها ورزانتها.. أما الشعلة المتوهجة فشاركت والدتها البكاء والنحيب بصوت مرتفع وصله فالتفت مندهشًا نسي تأثره وكل شيء وتابعها هي
اقتحم عمار وسعد الجلسة تتساقط نظراتهم فوق رؤس الصامتين.. سأل عمار والدته بقلق (في إيه يا أما)
مسحت دموعها بشالها وقالت مستعيدة صلابتها (مفيش يا ولدي)
رمق عمار الكتب متسائلًا (كتب إيه دي.؟ -)
أجابت بشجن مبتسمة وهي تضمهم لصدرها (كتب خالك)
مال فمه بإبتسامة ساخرة منزعج اصطادها حمزة فعبس ليشير بعدها لأختيه بغضب بعدما لاحظ معارك النظرات بين سعد وسكينة وتحفزها الواضح
(قومي يابت منك ليها يلا حضرولنا عشا)
اطاعت مودة بصمت بينما تلكأت سكينة لتغيظه..
نهض حمزة معتذرًا (عن إذنكم)
سارع سعد بحقد (إذنك معاك يا واد عمي)
حدجه حمزة بنظرة نارية تفوق خاصته حقدًا قبل ان يخطو مبتعدًا فتمنعه عمته ممسكة بكفه(اجعد اتعشى يا ولدي معاهم)
ربت على كفها وقبلها بحنو قبل أن يعيدها إليها مبتسمًا بتقدير وهو يقول(اتعشيت يا حبيبتي متجلجيش هروح أنام علشان الشغل)
ضحك سعد بإستهزاء قائلًا (خلي بالك من البهايم يا دكتور)
تابع حمزة سيره متجاهلًا كلماته بينما زمت راضية فمها بنفور واضح وضيق لتنسحب هي الأخرى وتتركهما غير راضية من معاملة ابنها الذي يرمي أذنه لسعد وخاله.
تميزت سكينة غيظًا مما راقبت وسمعت، عضت شفتيها متوعدة لهذا السعد بعدما فعل وسخريته ونظراته التي تلاحقها بطريقة بغيضة إلى نفسها
وقف حمزة أمام منزله يهاتف والدته كما العادة وسرعان ماعاد الهدوء لنفسه والراحة، يشاكسها ويضاحكها، يقص عليها من أخباره وتفعل هي المثل.
بعد إنتهاء العشاء خرج سعد متبخترًا يحمحم بخشونة معلنًا عن تواجده.. راقبته سكينة من فوق سطوح منزلهم متوعده بعدما ملأت دلو من المياه المخصصة لشرب الطيور التي تربيها والدتها فوق المنزل ووقفت مستعدة حتي خرج وفعلت هي ما أنتوت سكبته فوق رأسه ضاحكة مستمتعة بما فعلت، بينما شهق هو متفاجئًا، التفت يطالع سطح البناية بغل لتهتف سكينة مدعية البراءة
(وه سعد مخدتش بالي يا واد خالي الضلمة )
عض سعد نواجذة بغيظ لتتابع سكينة ساخرة (روح اتسبح يا واد خالي ريحتك أكيد عفشة ومتطاقش وابقا خلي أمك تغسلك خلجاتك)
انتبه الأخر لما يحدث، أقترب يسمع ويراقب.. ليبتسم معجبًا بجنون تلك السكينة لا ينكر أنها أثلجت صدره بما فعلت..
استدار سعد لاعنًا ليوقفه حمزة هازئًا (خير يا سعد هي مطرت ولا إيه.؟)
حملق فيه الآخر غاضبًا لا ينطق يلعن ابنة عمته ليكتم حمزة انفه ساخرًا (ايه الريحة دي يا واد عمي)
دفعه سعد من كتفه وهو يغادر صامتًا مشتعل النظرات يمطر اسمها بالعديد من السباب.. بينما وقف حمزه يشيعه برضا وضحك.
رفع رأسه لها مبتسمًا فتوترت، لكنها قالت بثبات (عد الجمايل يا دكتور أهو بجا زي بهايمك بريحته دي وكدا نبجا خالصين)
هز حمزة مبتسمًا وهو يعود لمنزله يقص على والدته ما فعلت سكينة لتدخل ورد في نوبة ضحك مستحسنة جنون الأخرى، تثني عليها وعلى فعلتها وكلماتها لتقرر بحماس (أنا كدا لازم أجي وأشوفها سكينة دي)
*******
استقبلته والدته بصرخات غاضبة (مين عمل فيك كدا يا حزين.؟)
إجابها بغيظ وهو يخلع جلبابه ويرميه (سكينة الزفت)
مصمصت والدته قائلة بعتاب وسخط (لا وعايز تتجوزها الملكومة جليلة الحيا والرباية)
تأفف في ضجر من كلمات والدته ليقول عبثًا (من غير جصد)
لوت نفيسة فمها بتهكم قائلة بنبرة ممطوطة (من غير جصد يا حيلة دي مضروبة) ختمتها بقهر نفر من ملامحها المتغضنة
انهى سعد الحوار موضحًا بإبتسامة (برضو عجباني وعايزها ودا الي عاجبني فيها لونة ومشطشطة )
ارتفع جانب فم نفيسة بمقت وغيظ من كلمات وحيدها لتسأله بأهتمام (طيب وهما ردوا ولا لاااه كمان)
اجاب وهو يفرك كفيه ببعضيهما (لسه)
انتفضت نفيسة منزعجة غاضبة (ليه وهما كمان هيفكروا..؟ هما يطولوا)
نهض سعد يخبرها بهدوء (براحتهم هي يعني هتروح فين.؟ مسيرها ليا، بعدين أنا عايزك إنتِ وأبوي تروحوا لعمتي )
انزعجت نفيسة صارخة بحنق شديد (كمان...)
هتف سعد بصبر (واااه يا أما مش دي الأصول)
لوحت نفيسة معترضة وهي تندفع ناحية الدرج (أنا مش عايزه الجوازة دي ولا عجباني سكينة)
قال بتأكيد وصرامة وهو يعلم أن والدته سترضخ ففي النهاية هي لن ترفض له طلبًا (عجباني أنا وأنا الي هتجوزها)
توعد وهو يتشمم ملابسه (ماشي يا سكينة بكره تجعي تحت يدي وأربيكي )
*******
بداخل المنزل كانت المعارك دائرة ما بين عمار ووالدته..
(متخليش البنات يجعدوا معاه كتير.؟)
التفتت راضية تسأل بجهل ونظراتها تستقر فوق وجه عمار المتغضن بالغضب (مين هو يا عمار)
بصق الاسم غاضبًا، مستعدًا لثورة والدته (حمزة)
انتفضت راضية كمن لدغتها عقرب محملقة فيه (حمزة.؟ وليه عاد يا ولدي..؟)
تنفس بهدوء وهو يوضح لها (حمزة واد خالنا أيوه بس غريب عننا وعن عوايدنا وعايش بعيد)
فغرت فمها مذهولة مما نطق، تستنكر ما قاله ويرمي به ناحية ابن خالة (حمزة عاش معانا أكتر ما قعد بعيد واتربى وسطينا يا عمار كيف تجول كدا)
أشاح عمار بنفور مؤكدًا (بس معدش مننا ولا وسطينا واتغير)
وقفت سكينة تتلصص، ترهف السمع لما يدار لاعنة سعد وخالها وكل من هم على شاكلتهما..
هتفت راضية بصرامة نافضة عنها الضعف(اسمع يا عمار حديتي زين وافهمه، حمزة هو حمزة حتة مننا وولدنا والحديت الفاضي ديه متجولوش وميجيش بتفكيرك تاني وأبعد عن سعد)
حاول عمار التوضيح (يا أما)
أوقفته بإشارة صارمة من كفها، جعلته يتراجع مبتلعًا كلماته لتهتف بحزم شديد وقوة (اسمع يا ولدي.. أنت كبير أخواتك والبكري، كبرتك وسطيهم وكلمتك مسموعة لكن إنك تحكم عليّ وتظلم واد خالك بهتان وزور وتسمع للي مبيحبوش لااه... الحديت الفاضي ديه ميتجالش تاني فاهم ولا لا)
اطاع بضيق وإنزعاج شديد (حاضر يا اما)
غامت نظراتها بمشاعر عديدة متكدسة بل أن تغادر لحجرتها وتتركه، بينما ابتسمت سكينة مستحسنة الأمر يروقها ماحدث وكسر أنف أخيها.. عادت للحجرة سعيدة بما حصدته اليوم.
بينما كانت مودة منشغلة متحمسة بما تقرأ، سعيدة لأجل اهتمام حمزة وتذكره لها والذي تظنه بداية جديدة موفقة ستوصلها لحلمها.
*******
في اليوم التالي داخل المزرعة
وقف حمزة أمامها يصرخ بغضب وهو ينزع عنه كمامته ويرمي قفازاته جانبًا (مش جولت متجيش تاني ونبهت على عمتي إني معايا ناس أغراب ومش عايز أشوف وشك هنا)
جابهت نظراته المشتعلة بأخرى باردة وهي ترسم على ثغرها ابتسامة مستفزة.. هزت كتفها قائلة(كنت معدية فالطريج عادي مش جيالك)
صرخ بنفاذ صبر (أنا أصلا مش عايزك تجيلي ومجبور أشوف وشك إنتِ وغيرك... بعدين معدية ليه إن شاء الله من هنا.؟ )
أقتربت منه وقفت أمامه في عناد( ولا أنا حابه أشوفك وياريت وتخلص وتمشي محدش طايجك هنا، و أنا حرة أعدي من المكان الي يعجبني.. وبعدين أصلي كنت زارعه حوض ورد هنا جايه أشوفه في مانع)
التقط أنفاسه،مبتلعًا أهانتها وكلماتها الثقيلة قبل أن يصرخ بوجهها في حنق مستهزئا(ورد.؟.. ورد إيه الي تزرعيه.. طب جولي صبار... شوك.. حلف أصدجك )
رفعت حاجبها بغيظ لا تروقها سخريته وفظاظته ( شوفت سبحان الله وسع بجا أشوفه)
أمسكها مقيدًا ذراعها يمنعها العبور دافعًا لها يقول بتحذير(جولتلك جايب زمايلي مينفعش تدخلي اتكلي يلا على الله)
وقفت قبالته صارخة بغضب بعدما نفضت كفه (إزاي تمسكني كدا؟)
أشهر سبابته محذرًا بغلظة وتوعد (لو ممشتيش هكسر دماغك، أنا لا ناجصك ولا ناجص عمار ولا أي حد أمشي خلي الأسبوع الزفت دا يعدي بخير )
عضت شفتيها كاتمة غيظها مما يفعل، ليدفعها مستاءًا من صمودها (امشي)
دبدبت بقدميها أرضًا وزمجرت قبل أن تخطو مبتعدة تنسحب من أمامه متوعدة، تسبه وتلعنه في نقمة.
عادت للمنزل
أستقبلتها أسئلة مودة المنشغلة بالقراءة (مالك بتجولي يا شر اشتر)
تمددت فوق الفراش غاضبة تخرس أختها بفظاظتها (نجطيني بسكاتك إنتِ كمان)
وضعت الوسادة فرق رأسها متهربة من نظرات أختها، تخفي عنها دموعها التي إنسابت ألمًا وضيقًا ولعنة.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close