رواية دوائي الضرير الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم نرمين ابراهيم
الفصل الواحد و العشرون...
و في تلك الليلة الاخيرة لسارة بالمشفى إستطاع جميل أخيراً أن ينفرد بآسر حتى يفهم منه سبب تصرف عاصم العفوي مع سارة عندما إنهارت..
فاستغل جميل فرصة ان زوجته تبيت عند ابنته بالمشفى و دخل إلي آسر في غرفته بعد أن قال كذباً انه سينام و لكن جميل يعلم انه يسهر ليلاً يتحدث هاتفياً مع هدى.. فقرر أن يقتحم عليه خلوته و لن يتركه إلا عندما يفصح له عن كل ما يخفيه...
طرق الباب و لم ينتظر رد آسر عليه و دخل إلى الغرفة مباشرة.. وجده في الشرفة يهمس لخطيبته بكلام الحب الجميل...
آسر: لا والنبي ما انا قافل ولا هانام الا أما اسمعها.
هدى: هي إيه دي... ما تبطل جنان بقى.. هو دة وقته.
آسر: وقته و نص.. مش وقته ليه ان شاء الله يعني.. دة انا و انت و القمر تالتنا يا قمر... ياللا بقى بطلي بواخة.
هدى(شهقت و تصنعت الصدمة): كدة يا آسر؟!! بقى انا بايخة.. طيب مخصماك و مش هاكلمك تاني ابدا.. بس.
آسر: اخس عليكي.. و تقدري ماتكلمنيش تاني..
هدى: ماهو انت اللي بتقول كلام يضايق اهو.
آسر: خلاص يا قلبي.. بلاش كلام يضايق.. خلينا في الكلام الحلو.. قوليلي بحبك بقى.. و ماتقوليش مش وقته.
جميل(متدخلاً): طيب والله البت طلعت زوق و بتفهم في الاصول و عارفة ان دة مش وقت مرقعة..
آسر(إلتفت متفاجئاً): بابا..
جميل(بتهكم): لا ماما يا حنين.
آسر(تنحنح بحرج): احممم.. طيب هدى معلش هاكلمك تاني عشان عندي كبسة.. و مش ام لحمة و رز لا.. ادعيلي.. سلام.
أغلق الهاتف و نظر نحو والده الذي يقف أمامه و ينظر له بنصف عين متفحصة عاقداً ذراعيه أمام صدره.. إبتسم آسر إبتسامة صفراء متوترة و سأل والده...
آسر: خير يا بابا.. كنت عايز حاجة.. حضرتك.. يعني؟
جميل: ليه يعني؟ هو انا لازم يكون عندي سبب يخليني ادخل اوضة ابني... ماينفعش ادخل كدة و خلاص من غير سبب.
آسر: لا يا بابا العفو.. مش قصدي طبعا.. بس اصلي كنت هانام يعني.
جميل: و مانمتش.. فقلت اجي اقعد ادردش معاك شوية.. في مانع؟
آسر: لا يا بابا طبعا.. حضرتك براحتك يعني.. طيب مش ممكن نأجل الدردشة دي لبكرة او لما نسافر حتى.. اصل الوقت متأخر يعني وووو..
جميل(قاطعه بحزم): لا مش ممكن.. و اتفضل اترزع بقى عشان انا مش هاسيبك الا لما نتكلم.
ازدرد آسر لعابه بقلق.. و لكنه تماسك بحرفية و جلس على الفراش أمام أبيه الذي جلس إلى الكرسي الوحيد بالغرفة...
آسر: خير يا بابا... حضرتك كنت عايز تتكلم معايا في إيه؟
لم يتحدث جميل بل ظل ينظر لأسر بتفحص أب يلعب دور الضابط الشرير على إبنه حتى يفصح عما بداخله مما زاد من توتر آسر..
آسر: مالك يا بابا.. حضرتك بتبصلي كدة ليه؟
جميل: يعني مانتش عارف ببصلك كدة ليه؟؟
آسر(و قد علم أن ساعة الصراحة قد حانت): لا يا بابا عارف حضرتك بتبصلي كدة ليه؟
جميل: طيب اتفضل.. انا سامعك.
آسر: حضرتك عايز تعرف إيه بالظبط؟
جميل: كل حاجة.. و من الأول.. و اهم حاجة اعرف إيه اللي يخلي عاصم يتصرف التصرف دة مع اختك... و إيه اللي يخلي العشم بينهم يوصله انه يحضنها كدة قدامنا من غير ما يخاف مني انا حتى.
آسر: مين قال انه ماكنش خايف.. عاصم كان مرعوب.
جميل: لا ماهو باين... دة ماعملش حساب لأبوه ولا ليا انا شخصياً و هو بيحضن بنتي قدامي بدون وجه حق.
آسر: هو ماكنش خايف منك يا بابا و بس.. هو كمان كان خايف عليها اكتر.
جميل: و خايف عليه اوي كدة ليه و بأي حق.. و بأي حق انت كمان بتدافع عن واحد غريب خطف أختك من حضنك و زقك بعيد عنها.. إزاي تقبلها على نفسك و على كرامتك كراجل..
ولا عشان يبقى اخو خطيبتك فمش قادر تتكلم..
آسر(بعتاب): بقى كدة يا بابا هي دي نظرتك ليا.. بعد كل اللي مريت بيه مع سارة في أمريكا و هنا يبقى هو دة رأيك فيا؟
جميل(إنفعل بغيرة على إبنته): طيب فهمني.. فهمني إيه اللي يخليه هو يعمل كدة و انت نفسك ازاي ماعندكش مشكلة في دة؟
آسر: عشان اللي شوفته بعد كدة.
جميل(إستفسر بنفاذ صبر): اللي هو؟!!
آسر: ان دي كانت اول مرة سارة تكون منهارة كدة و تهدى من غير مهدئ.. ولا حضرتك نسيت كانت حالتها إيه في أمريكا اول ما فاقت.
جميل: لا مانسيتش.. بس اشمعنى عاصم اللي عمل كدة... و اشمعنى هي هديت كدة معاه هو بالذات.
آسر: بابا.. من غير لف و دوران.. أكيد اللي حصل دة خلاك تعرف ان عاصم بيحب سارة.
جميل: يا سلام؟؟ و دة مبرر يعني؟
إبتسم آسر على نبرة الغيرة التي تغلف حديث جميل على إبنته الوحيدة.. برغم أنه لم يكن يغار عليها من كريم.. ربما لانه لم يشعر بكريم كزوج مناسب لإبنته.. او لأنه لم يرى كريم ولا سارة بالقرب من بعضهما كما راها مع عاصم.. و ربما لأنه لم يشعر أن سارة قد أحبت كريم كما تحب عاصم الان..
و لكن آسر فقدقرر معرفة السبب الحقيقي خلف إنفعال والده الذي يراه زائد عن الحد الطبيعي...
آسر: يعني حضرتك شايف ان كون عاصم بيحب سارة دة مش مبرر كافي انه يحضنها لما يلاقيها في حالة إنهيار و محتجاله أو محتاجة انها تهدى و تحس بالأمان.. كل دة مش مبرر في نظرك؟؟
جميل: لا طبعا.. و بعدين إيه يعني بيحبها.. ما انا بنتي تتحب و ألف مين يتمناها.. عادي يعني.
آسر(زفر بتعب من غيرة والده على سارة الزائدة): بابا.. انت عايز إيه دلوقتي؟
جميل: عايز اعرف كل حاجة عن الموضوع دة كله.. من اوله لأخره.
آسر: حاضر ياسيدي.
و جلس القرفصاء إستعداداً ليقص على والده كل ما يعلم عن علاقة عاصم بشقيقته...
آسر: يوم ما سارة قرصها التعبان في الكرافان كانت حالته حاله.. ماسابش المستشفى ساعة واحدة..
فضل معانا لحد ما خرجت.. و انا شخصياً ماكنتش مقتنع بحجة انه فاضي و ماوراهوش حاجة فقاعد يتسلى معانا او انه كان خايف احسن نحتاج حاجة و أحنا غرب عن البلد و مانعرفش فيها حد.
جميل: و ماقتنعتش ليه؟؟ مع ان كلامه منطقي و عادي جدا.
آسر: عشان احنا شباب زي بعض.. و نظرة الخوف و القلق و الحب اللي كان بيبص لسارة بيهم كانت فاضحاه اوي.. عاصم ماعرفش يخبي الحب في عينه زي ما قدر يخبيه جوة قلبه.
جميل(تنهد بإقتناع): ماشي.. و بعدين.
آسر(مردفاً): لما كلمت عاصم في موضوع هدى ساعتها قبل ما ارجع القاهرة.. لقيته بيفاتحني في نفس الموضوع على سارة.
و لما سألته عن رأيها قالي انه أصلا ماكلمهاش ولا فاتحها في الموضوع دة خالص.
و لما رجعت شغلي.. كلمت سارة عشان اطمن عليها زي العادة يعني.. قالتلي انه قالها انه بيحبها زي ماهي كانت متوقعة.
جميل: ليه هو كان بيلمح لها بحاجة؟
آسر: أبداً.. عمره ما لمح لها بأي حاجة.. بالعكس دة طول الوقت كان في خناق معاها بسبب و من غير سبب.
جميل: اومال هي عرفت منين او توقعت ازاي يعني و علاقتهم زفت اوي كدة.
آسر: بابا.. كلمة "ازيك" برغم بساطتها بس لو خرجت من القلب بتدخل القلب على طول حتى لو الظاهر غير اللي في القلب.. هو انا اللي هاقولك الكلام دة يا چيمي برضه.
جميل(بغيظ): اممم.. ماشي.. كمل ياخويا كمل يا دونچوان عصرك و أوانك.. كمل.
آسر: بس خلاص.. لما قولتله اني هافاتح حضرتك و ماما في الموضوع رفض..
جميل: و ليه؟
آسر: قالي انه لو اتكلم دلوقتي هانعمل كل حاجة مع بعض.. خطوبة و كتب كتاب و كله.. رفض و قال ان سارة "اميرته" و يومها لازم يبقى ليها لوحدها مايشاركهاش فيه حد ولا حتى اخته و اخوها.
جميل(تعجب من قوة حب عاصم لإبنته): ياااه.. قد كدة بيحبها؟
آسر: و اكتر يا بابا.. عاصم بيحب سارة جدا.
جميل: طيب و هي.. بتحبه؟
آسر(ابتسم مطمئناً لقلق أبيه): ايوة يا بابا.. سارة كمان بتحبه.
جميل: اكتر ما كانت بتحب كريم الزفت.
آسر: ايوة.. او اقدر اقولك انها أصلا ماحبتش كريم.. كريم كان بالنسبة لها شخص كويس ظاهرياً و ماكنش عندها مانع تديله فرصة.. لكن للأسف طلع حتى مايستاهلش الفرصة دي.. لكن سارة بتحب عاصم..
صمت جميل بتفكير في ما يقول آسر.. فعاصم بالفعل رجلاً لا يختلف عليه اثنين.. من حيث النسب و المال الأخلاق و الرجولة.. و حتى الشكل..
حسناً فمرض البهاق يظهر على وجهه بشكل لايمكن التغاضي عنه.. و لكننا لا نقيم البشر من مظاهرهم..
فالمظاهر غالباً ما تكون خادعة..
فها هو كريم بوسامته و تعليمه العالي و حسبه و نسبه و قد خرج منه ما لا يمكن ان يخرج من احقر الناس.. فالمظاهر ليست دائماً صادقة.
و سارة تحبه.. صغيرته تحب.. ستتركه و تترك حضنه.. لن تركض إليه طلباً للأمان ولا النصيحة.. فقد أصبح لها مأمن غيره.. فقال بغيرة...
جميل(بعناد مزيف): و لو.. برضه مايحضنهاش كدة.
آسر(ضحك بشدة): انت بتغير عليها ولا إيه يا چيمي؟!!
جميل(بعصبية طفيفة): ماتقوليش چيمي دي تاني فاهم؟ و آه بغير عليها.. دي بنتي الوحيدة.. ماعنديش غيرها.. ازاي يجي واحد غريب كدة ياخدها مني بالسهولة دي..
آسر: ما انت خدت سعاد من ابوها و كنت غريب عنها.. ولا حلال ليك و حرام عليه؟
جميل: تعرف تخرس(ثم قال بحب و حنان) و تيجي بيتي غريبة... ضيفة تقعد كام ساعة و تمشي.
آسر(مربتاً على ساقه): إيه يا بابا دة كله؟؟ و بعدين ماهي كانت هاتتجوز الزفت كريم و ماعملتش دة كله.
جميل: كريم برغم كل المميزات اللي كانت فيه إلا إن أمك عمرها ما ارتاحتله ابدا.. و انا بثق في إحساس سعاد جدا.. و كنت مستني اليوم اللي هايتحقق كلامها و يسيبو بعض.
ثم تنهد بحزن لتلك الذكرى المؤلمة..
جميل: و حصل و سابو بعض.. بس و سارة خسرانة عنيها.
آسر(ابتسم بتفاؤل لوالده): و اهي عينها رجعت لها و معاها قلب راجل مش بس هايشيلها في عنيه لا دة على اتم استعداد انه يديها عينيه عن طيب خاطر كمان.
جميل: بس ماكلمنيش في حاجة لحد دلوقتي يعني..
آسر: و هو أحنا كنا في ايه ولا في ايه يا بابا بس.. دة يادوب سارة ابتدت تفوق اهي.. و عموما انا واثق اننا مش هانعمل كتب كتابي انا و هدى الا لما يكون عاصم و سارة مخطوبين.
جميل: ربنا يقدم اللي فيه الخير.. ياللا هاسيبك انا عشان تكمل نوم.
غمزه بمرح و أكمل..
جميل: بس ياريت تنجز عشان هانصحى بدري و هاتسوق كتير... ماشي؟
آسر(مقبلاً رأس والده): ربنا يخليك لينا يا بابا و مايحرمناش منك ابدا.
جميل: و يطمني عليك انت و اختك يارب.
ذهب جميل إلى النوم و آسر لمهاتفة هدى مرة أخرى.. ثم تقابل الجميع في صباح اليوم التالي امام المشفى حتى يتجهوا في رحلة سفرهم الى القاهرة.. حضر آسر بصحبة والده بسيارته و وصل عاصم مع هدى بسيارته الرانج روفر التي تتناسب مع رحلة سفر طويلة و حتى تكون مريحة أيضاً..
آسر: انا هاطلع اجيبهم و اجيب الشنط و اجي.
عاصم: لا استنى و انت تشيل الشنط ليه.. في حد هنا مخصوص لكدة..
آسر: يا عم عاصم مش مستاهلة... دة هما شنطتين و بعدين انا متعود على كدة.
عاصم: كدة اللي هو إيه بقى إن شاء الله.. انك تشيل شنط.
آسر: و اكتر من كدة لو الحكاية تخص اختي يا حضرة العمدة.. ها.. هاتيجي معايا يا هدى..
هدى: آه طبعا.. ممكن يا عاصم؟
عاصم: براحتك..
جميل: طيب ياللا عشان نلحق نسافر بدري بقى.. و انت مش هاتطلع معانا يا عاصم..
عاصم: لا يا عمي مالوش لزوم.. ولا انتو محتاجين حاجة..
جميل: هو احنا لازم نكون محتاجين حاجة عشان تطلع معانا.. و بعدين أحنا ممكن نتأخر هاتفضل واقف كدة مستنينا.. مايصحش.
عاصم: لا يا عمي عادي.. و انا أصلا هاعمل كام تليفون شغل كدة عبال ماتنزلو.. ماتشغلش بالك بيا.
جميل: اللي يريحك يابني.. عن اذنك.. ياللا ياولاد.
غاب الثلاث عنه لمدة نصف ساعة تقريباً قضي معظمها في عمل بعض المكالمات الوهمية حتى يشغل باله عنها.. و لكن هيهات.. فحبها بقلبه مثل خيوط العنكبوت تلتف حوله و تحكم قبضتها عليه.. تأفف بملل ليس لتأخيرهم فهو برغم شوقه اليها لم يكن يريد ان يراها..
و لكن تأففه كان بسبب إستحواذها على تفكيره و عقله بالكامل... فنهر نفسه قائلاً...
عاصم(لنفسه): إيه يابني انت شغل النحنحة دة.. ماتنشف شوية كدة بقى.. أنساها زي ما قلت.. ولا مش عارف.. طلع الموضوع مش سهل.. صح؟؟
استحمل بقى نتيجة انك تسيب لقلبك الحبل على الغارب.. اهو لف الحبل حوالين رقبتك لحد ما هايخنقك.
ثم لاحظ قدومهم معا فترجل من سيارته حتى يستقبلهم...
أما سارة فقد سألت هدى عليه بمجرد ما دخلت الغرفة فقصت هدى عليها ما حدث.. مما زاد غضبها و حنقها منه و عليه....
جميل: معلش يا عاصم يابني اتأخرنا عليك...
عاصم: لا يا عمي ولا يهمك.
سعاد: اصل سارة ضغطها وطي فجأة فالدكتور كان ببظبطهولها.
عاصم(بلهفة حاول مدراتها): إيه.. ليه.. الف سلامة عليكي.. طيب نرجع نطمن عليها الاول..
جميل: لا مافيش داعي هي خلاص بقت كويسة و نازلة مع هدى و آسر ورانا اهم..
و بالفعل نظروا للخلف ليجدوهم قادمين نحوهم.. كانت عيناه تتفحصها بقلق حتى يطمئن انها بالفعل بخير.. أما هي فما ان وقعت عينها عليه حتى رفعت حاجبيها و جحظت عيناها مما رأت..
بالفعل قد رأته مرتين فقط و لكن ملامحه حُفرت في ذاكرتها بجلبابه الصعيدي و فوقه عبائته التي تزيده هيبة و وسامة.
و لكن تلك كانت اول مرة تراه في ملابس شبابية.. بنطال من الچينز الازرق الغامق.. عليه قميص اسود لم يستطع قفل ازراره كاملة نظرا لبروز عضلات صدره.. فجعلت منه بطل إحدى الروايات الرومانسية التي تكرهها سارة بشدة نظرا لخيالها الكبير المنافي للواقع تماماً من وجها نظرها.
فتحدثت في آذن هدى كعادتهما في الفترة الاخيرة..
سارة: يخرب بيت اخوكي..
هدى: إيه يا بنتي دة ما تحترمي نفسك.
سارة: دة الجلابية و العباية كانو مداريين بلاوي.
هدى: عارفة لو سمعك هايعمل فيكي ايه؟
سارة: ولا يقدر يعمل حاجة..
هدى: يا سلام.. يبقى لسة ماتعرفيش عاصم.
سارة: لا يا حبيبتي انتي اللي لسة ماتعرفينيش.. عاصم معاكم حاجة و معايا انا حاجة تانية خالص.. و دلوقتي اوريكي.. المهم انتي تعملي اللي اتفقنا عليه..
جميل(من بعيد): ما ياللا يا بنات بقى الوقت هايروح.
سارة: جينا يا بابا اهو.. صباح الخير يا عاصم.
عاصم: صباح النور.. حمد الله على سلامتك.
سارة: الله يسلمك.
جميل: ياللا يا سارة اركبي جنب مامتك.. ياللا يا ولاد عشان نتحرك.
هدى: عمو ممكن سارة تركب معايا انا و عاصم.
جميل: ليه يا هدى.. مافيش داعي ماحنا مسافرين مع بعض.
هدى: لا يا عمو بس حضرتك ماعندكش فكرة السفر مع عاصم ممل قد إيه.. من اول ما نركب لحد ما ينزل.. رجله على البنزين ايده على الدركسيون و التانية على الشباك و عينه على الطريق و لسانه بيبقى حاطه في التابلوه..
ضحك الجميع بمرح على تلك الطفلة الجميلة..
عاصم(مندهشاً و غاضباً): بتقولي إيه يا بتاعة انتي..؟؟
هدى(سريعاً): إيه دة.. عاصم انت هنا..
عاصم: لا هناك يا خفة.
هدى(لجميل): و النبي يا اونكل تديهاني عشان لو قتلني بعد اللي انا قولته دة يبقى في شاهد على الجريمة.
سعاد(ضاحكة): خلاص بقى يا جميل و بعدين ماهما كدة كدة هايجو معانا البيت عشان نتغدى مع بعض.
عاصم: لا مافيش داعي..
جميل: هو إيه دة اللي مافيش داعي..
آسر: يابني أحنا مش بخلا والله.
عاصم: يا عم مش قصدي والله... بس انتو هاتكونو راجعين من سفر و محتاجين ترتاحو..
سعاد: أكيد مش هانرتاح من غير ما نتغدى يعني.
جميل: و مش معقولة يعني تبقو في القاهرة و تتغدو في مطعم مثلا.. مايصحش.. خلاص يا سارة روحي مع صاحبتك.
سارة(ابتسمت بمكر لنجاح خطتها الثانية): حاضر يا بابا.
و اتجه كل منهم لسيارته.. ركب آسر امام عجلة القيادة و بجانبه والده و والدته بالخلف.. أما عند سيارة عاصم.. وقف الثلاثة حائرين..
عاصم: مالكم واقفين كدة ليه؟؟
هدى: مين فينا هاتركب قدام و مين هاتركب ورا؟
عاصم: نعم يااختي.. اي حاجة خلصونا.
سارة(رفعت حاجبيها بمكر): ماشي.. هاركب انا قدام..
عاصم(سريعاً): لا..(تراجع بتوتر) قصدي يعني اركبي ورا عشان ماتدوخيش من القاعدة قدام و كدة..
سارة: مش بدوخ.. انا أدّوخ بس..
نظر لها عاصم بغيظ بعد أن فهم مغزى حديثها و لم يعقب... و لكن نظرات التحدي بينهما لم تعلن الهدنة قط...
هدى: خلاص نركب انا و انتي جنب بعض.
عاصم: نعم ياختي.. ليه بقى.. و هو انا السواق الخصوصي بتاعكم اللي باعتهولك ابوكي العمدة ولا إيه..
هدى: ما انت عارف اني مش بحب اركب قدام و بتعب كمان خصوصا لو طريق طويل زي كدة... و إحنا اصلا راكبين مع بعض عشان نسلي بعض.. فنركب جنب بعض أو سارة جنبك احسن.. ها قولت ايه؟؟
عاصم(بغيظ من ذلك الموقف المعقد): خلاص.. اركبو ورا انتو الاتنين و خلصونا..
تركهما و ركب و ضحكا هما بصمت على نجاح خطتهم الثانية على التوالي.. ثم ركبا بالخلف بجانب بعضهما..
و بدأت الرحلة إلى القاهرة..
كانت الفتاتان تتبادلان اطراف الحديث و المزاح طوال الطريق.. و لكن سارة و التي ركبت خلف عاصم مباشرة حتى تظل تتأمل ملامحه بالمرآة لم تدع له هو الفرصة ليتأملها بدوره.. فكل مرة يريد ان تأملها او حتى ينظر لها يزيح نظراته فور ان تلتقي بعينيها..
و لتجنب كشف هروبه أمامها إرتدى نظارته الشمسية و ظل يتأملها بحرية دون ان تراه هي.. و لكنها كانت تعلم عن يقين أنه يراقبها عن كثب..
ظل الكر و الفر بينهما حتى اتته مكالمة من آسر...
عاصم: ايوة يا آسر في حاجة..
آسر: بقولك إيه هو مافيش ريست قريب..
عاصم: لا في.. ليه؟ عايز بنزين ولا ايه؟؟
آسر: لا بس سارة أصلها مافطرتش و عندها معاد علاج دلوقتي فماما بتقول انها لازم تاكل حاجة الاول..
عاصم: آه.. لا في كتير.
آسر: نوصل له امتى.
عاصم: نص ساعة بالكتير.
آسر: طيب تمام.. ماتنساش تقف هناك بقى.. سلام.
هدى(بعد ان اغلق الهاتف): ايه يا عاصم في حاجة ولا ايه؟
عاصم: لا دة آسر كان بيسألني على ريست عشان يفطرو.
هدى: ااه.. طيب فين..
عاصم: نص ساعة و نوصل .
و بالفعل ترجل الجميع من سيارته بعد قرابة النصف ساعة امام إحدى الاستراحات التي توجد في ذلك الطريق الصحراوي للمسافرين..
دخلو جميعا و جلسو معا على طاولة كبيرة و طلبو ما يريدون و جلسو يتسامرون بمرح...
آسر: بس إيه يا عاصم سواقتك دي.. طيارة؟؟ و ثابت على الطريق ولا كأنك شوماخر يا جدع.
عاصم: انا اصلي بحب السواقة و العربيات اوي..
آسر: لا ماهو باين.. بس امتى بقى و ازاي؟
عاصم: و انا في الجامعة.. كنا نروح انا و زمايلي لأي طرق فاضي ولا مدينة جديدة لسة متسفلتة جديد و نعمل بقى اللي أحنا عايزينه.. خمسات و تمانيات و كله.. كانت الفلوس اللي بكسبها من الشركة بتاعتي كلها رايحة على العربيات و تصليحها.
سعاد: هو انت خريج إيه يا عاصم..
عاصم: computer science من الجامعة الامريكية.
سعاد: بجد؟؟ و كنت بتشتغل و انت بتدرس؟؟
عاصم: ايوة بس مش عند حد... عملت انا و واحد صاحبي شركة برمجة صغيرة كدة و أحنا في سنة تانية.. بس بعد ما اتخرجنا هو سافر المانيا يكمل دراسة و شغل هناك..
فابويا اشترى نصيبه و كتبه بإسم هدى.. فبقيت هي شريكتي.. بس انا اللي بديرها عشان مجالها بعيد عن دراسة هدى اللي هي فنون جميلة.. بس.
جميل: ربنا يباركلك يابني و يوفقك..
عاصم: تعيش يا عمي.
هدى: الحكاية ماخلصتش هنا.. عاصم عشان طموح اوي قدر انه يكبر الشركة و خلاها مش شركة برمجة لا دخل بيها مجال الاستيراد و التصدير و بقت شركة كبير اوي.
جميل: ما شاء الله.. ربنا يباركله و يوفقه.
سارة: واضح انك شخص ناجح يا عاصم و عارف انت عايز ايه بالظبط.
عاصم: متشكرين يا دكتورة.
فهم هو مقصدها و نظرت له بغيظ لم تكلف نفسها في ان تداريه و رفعت حاجبها بغضب قابله هو بتجاهل و لامبالاة و كاد ان يتسبب لها في جلطة.. فهمست لهدى...
سارة: هاقتله صدقيني هاقتلهولك.. خليه يتعدل بدل ما اقتلهولك.
هدى(ضحكت بخفوت): عملك ايه بس ما الراجل قاعد ساكت اهو.
سارة: ماهو اللي غايظني انه قاعد ساكت.. لا و كله كوم و حكاية دكتورة اللي طالعلي فيها جديد دي كوم تاني.
هدى(ابتسمت رغما عنها): بيحترمك يا بنتي.
سارة: بيحترمني ولا عايز ينقطني.. بقول ايه صحيح.. انتو عملتو ايه في الكرسي بتاعك؟
هدى(بدهشة): الكرسي ابو عجل؟؟ موجود.. عايزاه ليه؟؟
سارة: شكل اخوكي هايقعدني عليه قريب بعد ما يشلني.. اففففففففففف.
هنا و لم تستطع هدى كبح ضحكتها.. فتعالت قهقتها بشدة حتى التفت لها الجميع و سألها آسر...
آسر: ايه يا هدى بتضحكي اوي كدة ليه؟
سارة(ردت هي لأن هدى لم تستطع الرد بسبب ضحكها): لا ابدا اصلها افتكرت حاجة كدة ضحكتها.
آسر: طيب ايه ما تضحكينا معاكي.
ايضا لم ترد من فرط ضحكها... ثم بعد قليل أتى الطعام و شرع الجميع في الأكل بين حرب النظرات التي اشتعلت بين سارة و عاصم و تجاهله...
عاصم: انتي هاتاكلي يا هدى؟
هدى: مش عارفة.
عاصم: طيب ماتتقليش.
جميل: ايه يابني ماتسيبها تاكل براحتها.
عاصم: معلش يا عمي هدى اصلها بيجيلها دوار حركة و احنا طريقنا لسة طويل.. خايف تتعب في السكة.
هدى: خلاص هاشرب العصير بس.
آسر: عصير بس؟؟ انتي فطرتي طيب؟
هدى: لا.
آسر: لا يبقى لازم تفطري.
هدى: هاكل حاجة صغيرة بس عشان مش عايزة اتعب.
و بالفعل اكملو فطورهم و قامت سعاد بإعطاء سارة علاجها و انطلقو مستأنفين رحلتهم..
عادت هدى و سارة الى مزاحهم و حديثهم الذي لا ينتهي و كانت عيون سارة لا تفارق المرآة الامامية للسيارة لكي تشبع نظرها من عاصم قبل ان يتركها..
و بعد قليل شعرت هدى بأنها ليست بخير.. فطلبت من عاصم التوقف...
هدى: عاصم.. اقف على جنب بسرعة.
سارة(باهتمام): ايه يا هدى مالك في ايه؟
عاصم(بعتاب لطيف): قولتلك هاتتعبي.
نزل عاصم من سيارته بعد ان اوقفها ليساعد شقيقته على النزول و خلفها سارة التي تفاجئت بهدى تتقيء كل ما في جوفها بقوة...
توقفت ايضا سيارة آسر الذي تفاجئ و تعجب من وقوفهم ليجد هدى تتقيء بشدة فركض نحوهم بلهفة..
آسر: ايه ده في ايه؟؟ مالها هدى؟؟
سارة: مش عارفة.. فجأة كدة قالت لعاصم يقف و من ساعة ما نزلت عمالة ترجع.
عاصم(بعتاب): قولتلك ماتاكليش حاجة يا هدى.. اديكي تعبتي اهو.
سارة: طيب انا هاروح العربية اجيبلها ماية..
سعاد(و هي تقترب منهم): ايه يا ولاد مالها هدى؟
آسر: تعبانة شوية يا ماما.
سعاد: اختك فين؟
آسر: راحت العربية تجيبلها ماية... ها يا هدى بقيتي احسن؟
هدى(بتعب و هي تستند على ذراع عاصم): اه.. احسن.
عاصم: طيب تعالي علي العربية ياللا.
و قابلهم جميل و هو يقترب من سيارة عاصم...
جميل: يابني نطلع على اي مستشفى احسن عشان نطمن عليها.
عاصم: مافيش داعي.. هي بس بتتعب من السفر عشان كدة مابتاكلش حاجة قبل السفر..
آسر(بمزاحه المعتاد): ايه ده انا شكلي اتضحك عليا يا سارة.. انا راجل بحب السفر و الفسح.. ماينفعش الكلام دة.
سارة: شكلك كدة.
عاصم: احنا فيها يا اخويا اخدها و نرجع بلدنا.
آسر: ترجع فين؟؟ دة بعينك.. دة انا اجيبلها طيارة مخصوص.
سارة: سيدي يا سيدي.. الله يسهلك يا ست هدى.. خطيبك هايجيبلك طيارة..
سعاد: عقبال يا حبيبتي ما تلاقي اللي يجيبلك طيارة انتي كمان.
سارة(و عيونها على عاصم): و الله انا راضية بعجلة و ياخدني وراه كمان.. بس يجي.
جميل: شوف البت.. عيب كدة.
سعاد: ههههه.. ربنا يسعدك يا حبيبتي.. ها يا هدى بقيتي احسن؟
هدى: اه يا طنط تمام.
جميل: طيب ياللا يا سعاد نستنى آسر في العربية.
ذهبا جميل و زوجته الى السيارة.. و اقترب آسر من هدى و أمسك بيدها ليطمأن عليها فنهره عاصم بمزاح..
عاصم: ايه يا عم انت.. انا واقف يعني..
آسر: و واقف ليه يعني ما كلك نظر.
عاصم: وحياة خالتك؟؟
آسر(لهدى): عاجبك كدة؟
سارة: ماتسيبه يا عاصم يطمن على خطيبته.. ولا انت فاكر كل الناس قلبها حجر زيك؟؟
فهم ثلاثتهم مقصدها كل بطريقته الخاصة... فهدى فهمت انها تناغش قلبه الذي يملؤه حبها.. و آسر فهم و شعر بشئ ما مختلف و ليس على ما يرام بينهما..
أما عاصم فلم يعمل عقله بل نغزه قلبه عندما شعر بالحالة التي وصلت اليها و تلك الفكرة التي أخذتها عنه بأن قلبه قاسي و وصفته بالحجر.. فلو تعلم فقط بأنه كان بالفعل حجر و لكنه لان لها و من أجلها فقط..
لم يستطع رفض طلبها في أن تبتعد معه بضعة دقائق حتى يطمئن آسر على خطيبته.. و وقفت معه بعيدا عن السيارة بخطوات قليلة.. حل الصمت بينهما حتى لم تحتمل فسألته..
سارة: عامل ايه يا عاصم؟
عاصم: كويس يا دكتورة.
سارة: تاني دكتورة... هو مش احنا كنا اصحاب و شيلنا الألقاب.. ليه رجعتها تاني.. ليه بتبعد عني يا عاصم؟؟
عاصم: ازاي بعيد عنك و انا واقف جنبك اهو.
سارة: عمرها ما كانت بالمسافات يا عاصم... ياما ناس بيبقى في بينهم اميال و بحور و اقرب لبعض من جلدهم.. و ناس تانية زي حالتنا كدة... واقفين في وش بعض لكن بينهم مسافات مش عارفين يقربوها..
عاصم: بيتهيألك.
سارة: و بيتهيألي برضه اننا بعد ما كنا أصحاب و أكتر كمان نرجع تاني لنقطة الصفر... نرجع تاني أغراب.. بيتهيألي انك بتتجاهلني و حتى الرسايل اللي ببعتهالك على الواتس مابقاش ترد عليها.. دة عادي بالنسبة لك؟
عاصم(أعطاها ظهره هربا منها): لا أحنا طول عمرنا كدة.
سارة(ذهبت لتقف أمامه و تواجهه): لا ماتكدبش عليا ولا على نفسك.. إحنا عمرنا ما كنا كدة.. إحنا كنا أكتر من اصحاب.. احنا كنا....
ألجمها كبرياء الأنثى بداخلها عن أن تكمل جملتها... فقال هو هربا...
عاصم: ياللا عشان نلحق طريقنا..
سارة: طريقنا؟؟ هو احنا لينا طريق واحد يا عاصم؟؟
لم يرد عليها او بالأحرى لم يعرف كيف او ماذا يمكنه ان يقول فتركها و ذهب.. أما عند آسر و هدى.. فقد كان يقف أمامها و هي تجلس بالسيارة بتعب...
آسر: ها يا هدى.. بقيتي احسن؟؟
هدى: اه الحمد لله..
آسر(و جلس على ركبته حتى يصل لمستواها و أمسك يدها): كدة يا هدى... كدة تخضيني عليكي بالشكل دة يا روحي.
هدى(بخجل): معلش.. ماكنش قصدي.. غصب عني.
آسر: طيب لما انتي بتتعبي من السفر بالعربية ماقولتيش ليه كنا خدنا طيارة.
هدى: مش مستاهلة.. انا متعودة على كدة بس المشكلة اني اكلت في الريست و ده تعبني.. (ثم لاحت نبرة غاضبة في صوتها) ماتشغلش بالك انت و روح شوفلك واحدة ماتتعبش منك عشان تسافر معاها براحتك.
آسر(ضحك على غيرتها الجميلة): هههههههههه... يا مجنونة.. و هو انا عندي اهم ولا اغلى منك اشغل بالي بيه..
هدى: يا سلام ياخويا.
آسر: وحياتك انتي ما عندي أغلى منك.. و لو سفري و فسحتي مش معاكي فأنا مش عايزها..
هدى: بجد يا أسر؟؟
آسر: طبعا يا قلب آسر.
هدى: ربنا يخليك ليا.
آسر: و يخليكي ليا.
إقترب منها عاصم هارباً من سارة التي لم يستطع أن يبقى معها لدقائق معدودة فشعر بالتهديد...
عاصم: ها يا هدى.. خلاص بقيتي كويسة.. نتحرك.
هدى: اه يا عاصم ياللا..
ثم انطلقو مرة أخرى لوجهتهم.. نامت هدى بجوار سارة من الارهاق.. و لم تنقطع نظرات سارة لعاصم عبر المرآة و لكنها تغيرة من نظرات حب باسمة إلى نظرات عتاب و لوم كانت تنحر قلب عاصم.. خاصة عندما كان يلاحظ دموعها التي كانت تجرح روحه قبل وجنتيها.
و بعد مدة وصل الجميع لمنزل آل جميل.. و ترجل الجميع و اتجهو نحو البناية ليقابلهم حارس العقار..
ياترى الحرب الباردة دي بين عاصم و سارة هاتنتهي ازاي..
و هل هاتقدر سارة ترد عاصم ليها ولا بقى خلاص طريقه مسدود قدامها ..
و في تلك الليلة الاخيرة لسارة بالمشفى إستطاع جميل أخيراً أن ينفرد بآسر حتى يفهم منه سبب تصرف عاصم العفوي مع سارة عندما إنهارت..
فاستغل جميل فرصة ان زوجته تبيت عند ابنته بالمشفى و دخل إلي آسر في غرفته بعد أن قال كذباً انه سينام و لكن جميل يعلم انه يسهر ليلاً يتحدث هاتفياً مع هدى.. فقرر أن يقتحم عليه خلوته و لن يتركه إلا عندما يفصح له عن كل ما يخفيه...
طرق الباب و لم ينتظر رد آسر عليه و دخل إلى الغرفة مباشرة.. وجده في الشرفة يهمس لخطيبته بكلام الحب الجميل...
آسر: لا والنبي ما انا قافل ولا هانام الا أما اسمعها.
هدى: هي إيه دي... ما تبطل جنان بقى.. هو دة وقته.
آسر: وقته و نص.. مش وقته ليه ان شاء الله يعني.. دة انا و انت و القمر تالتنا يا قمر... ياللا بقى بطلي بواخة.
هدى(شهقت و تصنعت الصدمة): كدة يا آسر؟!! بقى انا بايخة.. طيب مخصماك و مش هاكلمك تاني ابدا.. بس.
آسر: اخس عليكي.. و تقدري ماتكلمنيش تاني..
هدى: ماهو انت اللي بتقول كلام يضايق اهو.
آسر: خلاص يا قلبي.. بلاش كلام يضايق.. خلينا في الكلام الحلو.. قوليلي بحبك بقى.. و ماتقوليش مش وقته.
جميل(متدخلاً): طيب والله البت طلعت زوق و بتفهم في الاصول و عارفة ان دة مش وقت مرقعة..
آسر(إلتفت متفاجئاً): بابا..
جميل(بتهكم): لا ماما يا حنين.
آسر(تنحنح بحرج): احممم.. طيب هدى معلش هاكلمك تاني عشان عندي كبسة.. و مش ام لحمة و رز لا.. ادعيلي.. سلام.
أغلق الهاتف و نظر نحو والده الذي يقف أمامه و ينظر له بنصف عين متفحصة عاقداً ذراعيه أمام صدره.. إبتسم آسر إبتسامة صفراء متوترة و سأل والده...
آسر: خير يا بابا.. كنت عايز حاجة.. حضرتك.. يعني؟
جميل: ليه يعني؟ هو انا لازم يكون عندي سبب يخليني ادخل اوضة ابني... ماينفعش ادخل كدة و خلاص من غير سبب.
آسر: لا يا بابا العفو.. مش قصدي طبعا.. بس اصلي كنت هانام يعني.
جميل: و مانمتش.. فقلت اجي اقعد ادردش معاك شوية.. في مانع؟
آسر: لا يا بابا طبعا.. حضرتك براحتك يعني.. طيب مش ممكن نأجل الدردشة دي لبكرة او لما نسافر حتى.. اصل الوقت متأخر يعني وووو..
جميل(قاطعه بحزم): لا مش ممكن.. و اتفضل اترزع بقى عشان انا مش هاسيبك الا لما نتكلم.
ازدرد آسر لعابه بقلق.. و لكنه تماسك بحرفية و جلس على الفراش أمام أبيه الذي جلس إلى الكرسي الوحيد بالغرفة...
آسر: خير يا بابا... حضرتك كنت عايز تتكلم معايا في إيه؟
لم يتحدث جميل بل ظل ينظر لأسر بتفحص أب يلعب دور الضابط الشرير على إبنه حتى يفصح عما بداخله مما زاد من توتر آسر..
آسر: مالك يا بابا.. حضرتك بتبصلي كدة ليه؟
جميل: يعني مانتش عارف ببصلك كدة ليه؟؟
آسر(و قد علم أن ساعة الصراحة قد حانت): لا يا بابا عارف حضرتك بتبصلي كدة ليه؟
جميل: طيب اتفضل.. انا سامعك.
آسر: حضرتك عايز تعرف إيه بالظبط؟
جميل: كل حاجة.. و من الأول.. و اهم حاجة اعرف إيه اللي يخلي عاصم يتصرف التصرف دة مع اختك... و إيه اللي يخلي العشم بينهم يوصله انه يحضنها كدة قدامنا من غير ما يخاف مني انا حتى.
آسر: مين قال انه ماكنش خايف.. عاصم كان مرعوب.
جميل: لا ماهو باين... دة ماعملش حساب لأبوه ولا ليا انا شخصياً و هو بيحضن بنتي قدامي بدون وجه حق.
آسر: هو ماكنش خايف منك يا بابا و بس.. هو كمان كان خايف عليها اكتر.
جميل: و خايف عليه اوي كدة ليه و بأي حق.. و بأي حق انت كمان بتدافع عن واحد غريب خطف أختك من حضنك و زقك بعيد عنها.. إزاي تقبلها على نفسك و على كرامتك كراجل..
ولا عشان يبقى اخو خطيبتك فمش قادر تتكلم..
آسر(بعتاب): بقى كدة يا بابا هي دي نظرتك ليا.. بعد كل اللي مريت بيه مع سارة في أمريكا و هنا يبقى هو دة رأيك فيا؟
جميل(إنفعل بغيرة على إبنته): طيب فهمني.. فهمني إيه اللي يخليه هو يعمل كدة و انت نفسك ازاي ماعندكش مشكلة في دة؟
آسر: عشان اللي شوفته بعد كدة.
جميل(إستفسر بنفاذ صبر): اللي هو؟!!
آسر: ان دي كانت اول مرة سارة تكون منهارة كدة و تهدى من غير مهدئ.. ولا حضرتك نسيت كانت حالتها إيه في أمريكا اول ما فاقت.
جميل: لا مانسيتش.. بس اشمعنى عاصم اللي عمل كدة... و اشمعنى هي هديت كدة معاه هو بالذات.
آسر: بابا.. من غير لف و دوران.. أكيد اللي حصل دة خلاك تعرف ان عاصم بيحب سارة.
جميل: يا سلام؟؟ و دة مبرر يعني؟
إبتسم آسر على نبرة الغيرة التي تغلف حديث جميل على إبنته الوحيدة.. برغم أنه لم يكن يغار عليها من كريم.. ربما لانه لم يشعر بكريم كزوج مناسب لإبنته.. او لأنه لم يرى كريم ولا سارة بالقرب من بعضهما كما راها مع عاصم.. و ربما لأنه لم يشعر أن سارة قد أحبت كريم كما تحب عاصم الان..
و لكن آسر فقدقرر معرفة السبب الحقيقي خلف إنفعال والده الذي يراه زائد عن الحد الطبيعي...
آسر: يعني حضرتك شايف ان كون عاصم بيحب سارة دة مش مبرر كافي انه يحضنها لما يلاقيها في حالة إنهيار و محتجاله أو محتاجة انها تهدى و تحس بالأمان.. كل دة مش مبرر في نظرك؟؟
جميل: لا طبعا.. و بعدين إيه يعني بيحبها.. ما انا بنتي تتحب و ألف مين يتمناها.. عادي يعني.
آسر(زفر بتعب من غيرة والده على سارة الزائدة): بابا.. انت عايز إيه دلوقتي؟
جميل: عايز اعرف كل حاجة عن الموضوع دة كله.. من اوله لأخره.
آسر: حاضر ياسيدي.
و جلس القرفصاء إستعداداً ليقص على والده كل ما يعلم عن علاقة عاصم بشقيقته...
آسر: يوم ما سارة قرصها التعبان في الكرافان كانت حالته حاله.. ماسابش المستشفى ساعة واحدة..
فضل معانا لحد ما خرجت.. و انا شخصياً ماكنتش مقتنع بحجة انه فاضي و ماوراهوش حاجة فقاعد يتسلى معانا او انه كان خايف احسن نحتاج حاجة و أحنا غرب عن البلد و مانعرفش فيها حد.
جميل: و ماقتنعتش ليه؟؟ مع ان كلامه منطقي و عادي جدا.
آسر: عشان احنا شباب زي بعض.. و نظرة الخوف و القلق و الحب اللي كان بيبص لسارة بيهم كانت فاضحاه اوي.. عاصم ماعرفش يخبي الحب في عينه زي ما قدر يخبيه جوة قلبه.
جميل(تنهد بإقتناع): ماشي.. و بعدين.
آسر(مردفاً): لما كلمت عاصم في موضوع هدى ساعتها قبل ما ارجع القاهرة.. لقيته بيفاتحني في نفس الموضوع على سارة.
و لما سألته عن رأيها قالي انه أصلا ماكلمهاش ولا فاتحها في الموضوع دة خالص.
و لما رجعت شغلي.. كلمت سارة عشان اطمن عليها زي العادة يعني.. قالتلي انه قالها انه بيحبها زي ماهي كانت متوقعة.
جميل: ليه هو كان بيلمح لها بحاجة؟
آسر: أبداً.. عمره ما لمح لها بأي حاجة.. بالعكس دة طول الوقت كان في خناق معاها بسبب و من غير سبب.
جميل: اومال هي عرفت منين او توقعت ازاي يعني و علاقتهم زفت اوي كدة.
آسر: بابا.. كلمة "ازيك" برغم بساطتها بس لو خرجت من القلب بتدخل القلب على طول حتى لو الظاهر غير اللي في القلب.. هو انا اللي هاقولك الكلام دة يا چيمي برضه.
جميل(بغيظ): اممم.. ماشي.. كمل ياخويا كمل يا دونچوان عصرك و أوانك.. كمل.
آسر: بس خلاص.. لما قولتله اني هافاتح حضرتك و ماما في الموضوع رفض..
جميل: و ليه؟
آسر: قالي انه لو اتكلم دلوقتي هانعمل كل حاجة مع بعض.. خطوبة و كتب كتاب و كله.. رفض و قال ان سارة "اميرته" و يومها لازم يبقى ليها لوحدها مايشاركهاش فيه حد ولا حتى اخته و اخوها.
جميل(تعجب من قوة حب عاصم لإبنته): ياااه.. قد كدة بيحبها؟
آسر: و اكتر يا بابا.. عاصم بيحب سارة جدا.
جميل: طيب و هي.. بتحبه؟
آسر(ابتسم مطمئناً لقلق أبيه): ايوة يا بابا.. سارة كمان بتحبه.
جميل: اكتر ما كانت بتحب كريم الزفت.
آسر: ايوة.. او اقدر اقولك انها أصلا ماحبتش كريم.. كريم كان بالنسبة لها شخص كويس ظاهرياً و ماكنش عندها مانع تديله فرصة.. لكن للأسف طلع حتى مايستاهلش الفرصة دي.. لكن سارة بتحب عاصم..
صمت جميل بتفكير في ما يقول آسر.. فعاصم بالفعل رجلاً لا يختلف عليه اثنين.. من حيث النسب و المال الأخلاق و الرجولة.. و حتى الشكل..
حسناً فمرض البهاق يظهر على وجهه بشكل لايمكن التغاضي عنه.. و لكننا لا نقيم البشر من مظاهرهم..
فالمظاهر غالباً ما تكون خادعة..
فها هو كريم بوسامته و تعليمه العالي و حسبه و نسبه و قد خرج منه ما لا يمكن ان يخرج من احقر الناس.. فالمظاهر ليست دائماً صادقة.
و سارة تحبه.. صغيرته تحب.. ستتركه و تترك حضنه.. لن تركض إليه طلباً للأمان ولا النصيحة.. فقد أصبح لها مأمن غيره.. فقال بغيرة...
جميل(بعناد مزيف): و لو.. برضه مايحضنهاش كدة.
آسر(ضحك بشدة): انت بتغير عليها ولا إيه يا چيمي؟!!
جميل(بعصبية طفيفة): ماتقوليش چيمي دي تاني فاهم؟ و آه بغير عليها.. دي بنتي الوحيدة.. ماعنديش غيرها.. ازاي يجي واحد غريب كدة ياخدها مني بالسهولة دي..
آسر: ما انت خدت سعاد من ابوها و كنت غريب عنها.. ولا حلال ليك و حرام عليه؟
جميل: تعرف تخرس(ثم قال بحب و حنان) و تيجي بيتي غريبة... ضيفة تقعد كام ساعة و تمشي.
آسر(مربتاً على ساقه): إيه يا بابا دة كله؟؟ و بعدين ماهي كانت هاتتجوز الزفت كريم و ماعملتش دة كله.
جميل: كريم برغم كل المميزات اللي كانت فيه إلا إن أمك عمرها ما ارتاحتله ابدا.. و انا بثق في إحساس سعاد جدا.. و كنت مستني اليوم اللي هايتحقق كلامها و يسيبو بعض.
ثم تنهد بحزن لتلك الذكرى المؤلمة..
جميل: و حصل و سابو بعض.. بس و سارة خسرانة عنيها.
آسر(ابتسم بتفاؤل لوالده): و اهي عينها رجعت لها و معاها قلب راجل مش بس هايشيلها في عنيه لا دة على اتم استعداد انه يديها عينيه عن طيب خاطر كمان.
جميل: بس ماكلمنيش في حاجة لحد دلوقتي يعني..
آسر: و هو أحنا كنا في ايه ولا في ايه يا بابا بس.. دة يادوب سارة ابتدت تفوق اهي.. و عموما انا واثق اننا مش هانعمل كتب كتابي انا و هدى الا لما يكون عاصم و سارة مخطوبين.
جميل: ربنا يقدم اللي فيه الخير.. ياللا هاسيبك انا عشان تكمل نوم.
غمزه بمرح و أكمل..
جميل: بس ياريت تنجز عشان هانصحى بدري و هاتسوق كتير... ماشي؟
آسر(مقبلاً رأس والده): ربنا يخليك لينا يا بابا و مايحرمناش منك ابدا.
جميل: و يطمني عليك انت و اختك يارب.
ذهب جميل إلى النوم و آسر لمهاتفة هدى مرة أخرى.. ثم تقابل الجميع في صباح اليوم التالي امام المشفى حتى يتجهوا في رحلة سفرهم الى القاهرة.. حضر آسر بصحبة والده بسيارته و وصل عاصم مع هدى بسيارته الرانج روفر التي تتناسب مع رحلة سفر طويلة و حتى تكون مريحة أيضاً..
آسر: انا هاطلع اجيبهم و اجيب الشنط و اجي.
عاصم: لا استنى و انت تشيل الشنط ليه.. في حد هنا مخصوص لكدة..
آسر: يا عم عاصم مش مستاهلة... دة هما شنطتين و بعدين انا متعود على كدة.
عاصم: كدة اللي هو إيه بقى إن شاء الله.. انك تشيل شنط.
آسر: و اكتر من كدة لو الحكاية تخص اختي يا حضرة العمدة.. ها.. هاتيجي معايا يا هدى..
هدى: آه طبعا.. ممكن يا عاصم؟
عاصم: براحتك..
جميل: طيب ياللا عشان نلحق نسافر بدري بقى.. و انت مش هاتطلع معانا يا عاصم..
عاصم: لا يا عمي مالوش لزوم.. ولا انتو محتاجين حاجة..
جميل: هو احنا لازم نكون محتاجين حاجة عشان تطلع معانا.. و بعدين أحنا ممكن نتأخر هاتفضل واقف كدة مستنينا.. مايصحش.
عاصم: لا يا عمي عادي.. و انا أصلا هاعمل كام تليفون شغل كدة عبال ماتنزلو.. ماتشغلش بالك بيا.
جميل: اللي يريحك يابني.. عن اذنك.. ياللا ياولاد.
غاب الثلاث عنه لمدة نصف ساعة تقريباً قضي معظمها في عمل بعض المكالمات الوهمية حتى يشغل باله عنها.. و لكن هيهات.. فحبها بقلبه مثل خيوط العنكبوت تلتف حوله و تحكم قبضتها عليه.. تأفف بملل ليس لتأخيرهم فهو برغم شوقه اليها لم يكن يريد ان يراها..
و لكن تأففه كان بسبب إستحواذها على تفكيره و عقله بالكامل... فنهر نفسه قائلاً...
عاصم(لنفسه): إيه يابني انت شغل النحنحة دة.. ماتنشف شوية كدة بقى.. أنساها زي ما قلت.. ولا مش عارف.. طلع الموضوع مش سهل.. صح؟؟
استحمل بقى نتيجة انك تسيب لقلبك الحبل على الغارب.. اهو لف الحبل حوالين رقبتك لحد ما هايخنقك.
ثم لاحظ قدومهم معا فترجل من سيارته حتى يستقبلهم...
أما سارة فقد سألت هدى عليه بمجرد ما دخلت الغرفة فقصت هدى عليها ما حدث.. مما زاد غضبها و حنقها منه و عليه....
جميل: معلش يا عاصم يابني اتأخرنا عليك...
عاصم: لا يا عمي ولا يهمك.
سعاد: اصل سارة ضغطها وطي فجأة فالدكتور كان ببظبطهولها.
عاصم(بلهفة حاول مدراتها): إيه.. ليه.. الف سلامة عليكي.. طيب نرجع نطمن عليها الاول..
جميل: لا مافيش داعي هي خلاص بقت كويسة و نازلة مع هدى و آسر ورانا اهم..
و بالفعل نظروا للخلف ليجدوهم قادمين نحوهم.. كانت عيناه تتفحصها بقلق حتى يطمئن انها بالفعل بخير.. أما هي فما ان وقعت عينها عليه حتى رفعت حاجبيها و جحظت عيناها مما رأت..
بالفعل قد رأته مرتين فقط و لكن ملامحه حُفرت في ذاكرتها بجلبابه الصعيدي و فوقه عبائته التي تزيده هيبة و وسامة.
و لكن تلك كانت اول مرة تراه في ملابس شبابية.. بنطال من الچينز الازرق الغامق.. عليه قميص اسود لم يستطع قفل ازراره كاملة نظرا لبروز عضلات صدره.. فجعلت منه بطل إحدى الروايات الرومانسية التي تكرهها سارة بشدة نظرا لخيالها الكبير المنافي للواقع تماماً من وجها نظرها.
فتحدثت في آذن هدى كعادتهما في الفترة الاخيرة..
سارة: يخرب بيت اخوكي..
هدى: إيه يا بنتي دة ما تحترمي نفسك.
سارة: دة الجلابية و العباية كانو مداريين بلاوي.
هدى: عارفة لو سمعك هايعمل فيكي ايه؟
سارة: ولا يقدر يعمل حاجة..
هدى: يا سلام.. يبقى لسة ماتعرفيش عاصم.
سارة: لا يا حبيبتي انتي اللي لسة ماتعرفينيش.. عاصم معاكم حاجة و معايا انا حاجة تانية خالص.. و دلوقتي اوريكي.. المهم انتي تعملي اللي اتفقنا عليه..
جميل(من بعيد): ما ياللا يا بنات بقى الوقت هايروح.
سارة: جينا يا بابا اهو.. صباح الخير يا عاصم.
عاصم: صباح النور.. حمد الله على سلامتك.
سارة: الله يسلمك.
جميل: ياللا يا سارة اركبي جنب مامتك.. ياللا يا ولاد عشان نتحرك.
هدى: عمو ممكن سارة تركب معايا انا و عاصم.
جميل: ليه يا هدى.. مافيش داعي ماحنا مسافرين مع بعض.
هدى: لا يا عمو بس حضرتك ماعندكش فكرة السفر مع عاصم ممل قد إيه.. من اول ما نركب لحد ما ينزل.. رجله على البنزين ايده على الدركسيون و التانية على الشباك و عينه على الطريق و لسانه بيبقى حاطه في التابلوه..
ضحك الجميع بمرح على تلك الطفلة الجميلة..
عاصم(مندهشاً و غاضباً): بتقولي إيه يا بتاعة انتي..؟؟
هدى(سريعاً): إيه دة.. عاصم انت هنا..
عاصم: لا هناك يا خفة.
هدى(لجميل): و النبي يا اونكل تديهاني عشان لو قتلني بعد اللي انا قولته دة يبقى في شاهد على الجريمة.
سعاد(ضاحكة): خلاص بقى يا جميل و بعدين ماهما كدة كدة هايجو معانا البيت عشان نتغدى مع بعض.
عاصم: لا مافيش داعي..
جميل: هو إيه دة اللي مافيش داعي..
آسر: يابني أحنا مش بخلا والله.
عاصم: يا عم مش قصدي والله... بس انتو هاتكونو راجعين من سفر و محتاجين ترتاحو..
سعاد: أكيد مش هانرتاح من غير ما نتغدى يعني.
جميل: و مش معقولة يعني تبقو في القاهرة و تتغدو في مطعم مثلا.. مايصحش.. خلاص يا سارة روحي مع صاحبتك.
سارة(ابتسمت بمكر لنجاح خطتها الثانية): حاضر يا بابا.
و اتجه كل منهم لسيارته.. ركب آسر امام عجلة القيادة و بجانبه والده و والدته بالخلف.. أما عند سيارة عاصم.. وقف الثلاثة حائرين..
عاصم: مالكم واقفين كدة ليه؟؟
هدى: مين فينا هاتركب قدام و مين هاتركب ورا؟
عاصم: نعم يااختي.. اي حاجة خلصونا.
سارة(رفعت حاجبيها بمكر): ماشي.. هاركب انا قدام..
عاصم(سريعاً): لا..(تراجع بتوتر) قصدي يعني اركبي ورا عشان ماتدوخيش من القاعدة قدام و كدة..
سارة: مش بدوخ.. انا أدّوخ بس..
نظر لها عاصم بغيظ بعد أن فهم مغزى حديثها و لم يعقب... و لكن نظرات التحدي بينهما لم تعلن الهدنة قط...
هدى: خلاص نركب انا و انتي جنب بعض.
عاصم: نعم ياختي.. ليه بقى.. و هو انا السواق الخصوصي بتاعكم اللي باعتهولك ابوكي العمدة ولا إيه..
هدى: ما انت عارف اني مش بحب اركب قدام و بتعب كمان خصوصا لو طريق طويل زي كدة... و إحنا اصلا راكبين مع بعض عشان نسلي بعض.. فنركب جنب بعض أو سارة جنبك احسن.. ها قولت ايه؟؟
عاصم(بغيظ من ذلك الموقف المعقد): خلاص.. اركبو ورا انتو الاتنين و خلصونا..
تركهما و ركب و ضحكا هما بصمت على نجاح خطتهم الثانية على التوالي.. ثم ركبا بالخلف بجانب بعضهما..
و بدأت الرحلة إلى القاهرة..
كانت الفتاتان تتبادلان اطراف الحديث و المزاح طوال الطريق.. و لكن سارة و التي ركبت خلف عاصم مباشرة حتى تظل تتأمل ملامحه بالمرآة لم تدع له هو الفرصة ليتأملها بدوره.. فكل مرة يريد ان تأملها او حتى ينظر لها يزيح نظراته فور ان تلتقي بعينيها..
و لتجنب كشف هروبه أمامها إرتدى نظارته الشمسية و ظل يتأملها بحرية دون ان تراه هي.. و لكنها كانت تعلم عن يقين أنه يراقبها عن كثب..
ظل الكر و الفر بينهما حتى اتته مكالمة من آسر...
عاصم: ايوة يا آسر في حاجة..
آسر: بقولك إيه هو مافيش ريست قريب..
عاصم: لا في.. ليه؟ عايز بنزين ولا ايه؟؟
آسر: لا بس سارة أصلها مافطرتش و عندها معاد علاج دلوقتي فماما بتقول انها لازم تاكل حاجة الاول..
عاصم: آه.. لا في كتير.
آسر: نوصل له امتى.
عاصم: نص ساعة بالكتير.
آسر: طيب تمام.. ماتنساش تقف هناك بقى.. سلام.
هدى(بعد ان اغلق الهاتف): ايه يا عاصم في حاجة ولا ايه؟
عاصم: لا دة آسر كان بيسألني على ريست عشان يفطرو.
هدى: ااه.. طيب فين..
عاصم: نص ساعة و نوصل .
و بالفعل ترجل الجميع من سيارته بعد قرابة النصف ساعة امام إحدى الاستراحات التي توجد في ذلك الطريق الصحراوي للمسافرين..
دخلو جميعا و جلسو معا على طاولة كبيرة و طلبو ما يريدون و جلسو يتسامرون بمرح...
آسر: بس إيه يا عاصم سواقتك دي.. طيارة؟؟ و ثابت على الطريق ولا كأنك شوماخر يا جدع.
عاصم: انا اصلي بحب السواقة و العربيات اوي..
آسر: لا ماهو باين.. بس امتى بقى و ازاي؟
عاصم: و انا في الجامعة.. كنا نروح انا و زمايلي لأي طرق فاضي ولا مدينة جديدة لسة متسفلتة جديد و نعمل بقى اللي أحنا عايزينه.. خمسات و تمانيات و كله.. كانت الفلوس اللي بكسبها من الشركة بتاعتي كلها رايحة على العربيات و تصليحها.
سعاد: هو انت خريج إيه يا عاصم..
عاصم: computer science من الجامعة الامريكية.
سعاد: بجد؟؟ و كنت بتشتغل و انت بتدرس؟؟
عاصم: ايوة بس مش عند حد... عملت انا و واحد صاحبي شركة برمجة صغيرة كدة و أحنا في سنة تانية.. بس بعد ما اتخرجنا هو سافر المانيا يكمل دراسة و شغل هناك..
فابويا اشترى نصيبه و كتبه بإسم هدى.. فبقيت هي شريكتي.. بس انا اللي بديرها عشان مجالها بعيد عن دراسة هدى اللي هي فنون جميلة.. بس.
جميل: ربنا يباركلك يابني و يوفقك..
عاصم: تعيش يا عمي.
هدى: الحكاية ماخلصتش هنا.. عاصم عشان طموح اوي قدر انه يكبر الشركة و خلاها مش شركة برمجة لا دخل بيها مجال الاستيراد و التصدير و بقت شركة كبير اوي.
جميل: ما شاء الله.. ربنا يباركله و يوفقه.
سارة: واضح انك شخص ناجح يا عاصم و عارف انت عايز ايه بالظبط.
عاصم: متشكرين يا دكتورة.
فهم هو مقصدها و نظرت له بغيظ لم تكلف نفسها في ان تداريه و رفعت حاجبها بغضب قابله هو بتجاهل و لامبالاة و كاد ان يتسبب لها في جلطة.. فهمست لهدى...
سارة: هاقتله صدقيني هاقتلهولك.. خليه يتعدل بدل ما اقتلهولك.
هدى(ضحكت بخفوت): عملك ايه بس ما الراجل قاعد ساكت اهو.
سارة: ماهو اللي غايظني انه قاعد ساكت.. لا و كله كوم و حكاية دكتورة اللي طالعلي فيها جديد دي كوم تاني.
هدى(ابتسمت رغما عنها): بيحترمك يا بنتي.
سارة: بيحترمني ولا عايز ينقطني.. بقول ايه صحيح.. انتو عملتو ايه في الكرسي بتاعك؟
هدى(بدهشة): الكرسي ابو عجل؟؟ موجود.. عايزاه ليه؟؟
سارة: شكل اخوكي هايقعدني عليه قريب بعد ما يشلني.. اففففففففففف.
هنا و لم تستطع هدى كبح ضحكتها.. فتعالت قهقتها بشدة حتى التفت لها الجميع و سألها آسر...
آسر: ايه يا هدى بتضحكي اوي كدة ليه؟
سارة(ردت هي لأن هدى لم تستطع الرد بسبب ضحكها): لا ابدا اصلها افتكرت حاجة كدة ضحكتها.
آسر: طيب ايه ما تضحكينا معاكي.
ايضا لم ترد من فرط ضحكها... ثم بعد قليل أتى الطعام و شرع الجميع في الأكل بين حرب النظرات التي اشتعلت بين سارة و عاصم و تجاهله...
عاصم: انتي هاتاكلي يا هدى؟
هدى: مش عارفة.
عاصم: طيب ماتتقليش.
جميل: ايه يابني ماتسيبها تاكل براحتها.
عاصم: معلش يا عمي هدى اصلها بيجيلها دوار حركة و احنا طريقنا لسة طويل.. خايف تتعب في السكة.
هدى: خلاص هاشرب العصير بس.
آسر: عصير بس؟؟ انتي فطرتي طيب؟
هدى: لا.
آسر: لا يبقى لازم تفطري.
هدى: هاكل حاجة صغيرة بس عشان مش عايزة اتعب.
و بالفعل اكملو فطورهم و قامت سعاد بإعطاء سارة علاجها و انطلقو مستأنفين رحلتهم..
عادت هدى و سارة الى مزاحهم و حديثهم الذي لا ينتهي و كانت عيون سارة لا تفارق المرآة الامامية للسيارة لكي تشبع نظرها من عاصم قبل ان يتركها..
و بعد قليل شعرت هدى بأنها ليست بخير.. فطلبت من عاصم التوقف...
هدى: عاصم.. اقف على جنب بسرعة.
سارة(باهتمام): ايه يا هدى مالك في ايه؟
عاصم(بعتاب لطيف): قولتلك هاتتعبي.
نزل عاصم من سيارته بعد ان اوقفها ليساعد شقيقته على النزول و خلفها سارة التي تفاجئت بهدى تتقيء كل ما في جوفها بقوة...
توقفت ايضا سيارة آسر الذي تفاجئ و تعجب من وقوفهم ليجد هدى تتقيء بشدة فركض نحوهم بلهفة..
آسر: ايه ده في ايه؟؟ مالها هدى؟؟
سارة: مش عارفة.. فجأة كدة قالت لعاصم يقف و من ساعة ما نزلت عمالة ترجع.
عاصم(بعتاب): قولتلك ماتاكليش حاجة يا هدى.. اديكي تعبتي اهو.
سارة: طيب انا هاروح العربية اجيبلها ماية..
سعاد(و هي تقترب منهم): ايه يا ولاد مالها هدى؟
آسر: تعبانة شوية يا ماما.
سعاد: اختك فين؟
آسر: راحت العربية تجيبلها ماية... ها يا هدى بقيتي احسن؟
هدى(بتعب و هي تستند على ذراع عاصم): اه.. احسن.
عاصم: طيب تعالي علي العربية ياللا.
و قابلهم جميل و هو يقترب من سيارة عاصم...
جميل: يابني نطلع على اي مستشفى احسن عشان نطمن عليها.
عاصم: مافيش داعي.. هي بس بتتعب من السفر عشان كدة مابتاكلش حاجة قبل السفر..
آسر(بمزاحه المعتاد): ايه ده انا شكلي اتضحك عليا يا سارة.. انا راجل بحب السفر و الفسح.. ماينفعش الكلام دة.
سارة: شكلك كدة.
عاصم: احنا فيها يا اخويا اخدها و نرجع بلدنا.
آسر: ترجع فين؟؟ دة بعينك.. دة انا اجيبلها طيارة مخصوص.
سارة: سيدي يا سيدي.. الله يسهلك يا ست هدى.. خطيبك هايجيبلك طيارة..
سعاد: عقبال يا حبيبتي ما تلاقي اللي يجيبلك طيارة انتي كمان.
سارة(و عيونها على عاصم): و الله انا راضية بعجلة و ياخدني وراه كمان.. بس يجي.
جميل: شوف البت.. عيب كدة.
سعاد: ههههه.. ربنا يسعدك يا حبيبتي.. ها يا هدى بقيتي احسن؟
هدى: اه يا طنط تمام.
جميل: طيب ياللا يا سعاد نستنى آسر في العربية.
ذهبا جميل و زوجته الى السيارة.. و اقترب آسر من هدى و أمسك بيدها ليطمأن عليها فنهره عاصم بمزاح..
عاصم: ايه يا عم انت.. انا واقف يعني..
آسر: و واقف ليه يعني ما كلك نظر.
عاصم: وحياة خالتك؟؟
آسر(لهدى): عاجبك كدة؟
سارة: ماتسيبه يا عاصم يطمن على خطيبته.. ولا انت فاكر كل الناس قلبها حجر زيك؟؟
فهم ثلاثتهم مقصدها كل بطريقته الخاصة... فهدى فهمت انها تناغش قلبه الذي يملؤه حبها.. و آسر فهم و شعر بشئ ما مختلف و ليس على ما يرام بينهما..
أما عاصم فلم يعمل عقله بل نغزه قلبه عندما شعر بالحالة التي وصلت اليها و تلك الفكرة التي أخذتها عنه بأن قلبه قاسي و وصفته بالحجر.. فلو تعلم فقط بأنه كان بالفعل حجر و لكنه لان لها و من أجلها فقط..
لم يستطع رفض طلبها في أن تبتعد معه بضعة دقائق حتى يطمئن آسر على خطيبته.. و وقفت معه بعيدا عن السيارة بخطوات قليلة.. حل الصمت بينهما حتى لم تحتمل فسألته..
سارة: عامل ايه يا عاصم؟
عاصم: كويس يا دكتورة.
سارة: تاني دكتورة... هو مش احنا كنا اصحاب و شيلنا الألقاب.. ليه رجعتها تاني.. ليه بتبعد عني يا عاصم؟؟
عاصم: ازاي بعيد عنك و انا واقف جنبك اهو.
سارة: عمرها ما كانت بالمسافات يا عاصم... ياما ناس بيبقى في بينهم اميال و بحور و اقرب لبعض من جلدهم.. و ناس تانية زي حالتنا كدة... واقفين في وش بعض لكن بينهم مسافات مش عارفين يقربوها..
عاصم: بيتهيألك.
سارة: و بيتهيألي برضه اننا بعد ما كنا أصحاب و أكتر كمان نرجع تاني لنقطة الصفر... نرجع تاني أغراب.. بيتهيألي انك بتتجاهلني و حتى الرسايل اللي ببعتهالك على الواتس مابقاش ترد عليها.. دة عادي بالنسبة لك؟
عاصم(أعطاها ظهره هربا منها): لا أحنا طول عمرنا كدة.
سارة(ذهبت لتقف أمامه و تواجهه): لا ماتكدبش عليا ولا على نفسك.. إحنا عمرنا ما كنا كدة.. إحنا كنا أكتر من اصحاب.. احنا كنا....
ألجمها كبرياء الأنثى بداخلها عن أن تكمل جملتها... فقال هو هربا...
عاصم: ياللا عشان نلحق طريقنا..
سارة: طريقنا؟؟ هو احنا لينا طريق واحد يا عاصم؟؟
لم يرد عليها او بالأحرى لم يعرف كيف او ماذا يمكنه ان يقول فتركها و ذهب.. أما عند آسر و هدى.. فقد كان يقف أمامها و هي تجلس بالسيارة بتعب...
آسر: ها يا هدى.. بقيتي احسن؟؟
هدى: اه الحمد لله..
آسر(و جلس على ركبته حتى يصل لمستواها و أمسك يدها): كدة يا هدى... كدة تخضيني عليكي بالشكل دة يا روحي.
هدى(بخجل): معلش.. ماكنش قصدي.. غصب عني.
آسر: طيب لما انتي بتتعبي من السفر بالعربية ماقولتيش ليه كنا خدنا طيارة.
هدى: مش مستاهلة.. انا متعودة على كدة بس المشكلة اني اكلت في الريست و ده تعبني.. (ثم لاحت نبرة غاضبة في صوتها) ماتشغلش بالك انت و روح شوفلك واحدة ماتتعبش منك عشان تسافر معاها براحتك.
آسر(ضحك على غيرتها الجميلة): هههههههههه... يا مجنونة.. و هو انا عندي اهم ولا اغلى منك اشغل بالي بيه..
هدى: يا سلام ياخويا.
آسر: وحياتك انتي ما عندي أغلى منك.. و لو سفري و فسحتي مش معاكي فأنا مش عايزها..
هدى: بجد يا أسر؟؟
آسر: طبعا يا قلب آسر.
هدى: ربنا يخليك ليا.
آسر: و يخليكي ليا.
إقترب منها عاصم هارباً من سارة التي لم يستطع أن يبقى معها لدقائق معدودة فشعر بالتهديد...
عاصم: ها يا هدى.. خلاص بقيتي كويسة.. نتحرك.
هدى: اه يا عاصم ياللا..
ثم انطلقو مرة أخرى لوجهتهم.. نامت هدى بجوار سارة من الارهاق.. و لم تنقطع نظرات سارة لعاصم عبر المرآة و لكنها تغيرة من نظرات حب باسمة إلى نظرات عتاب و لوم كانت تنحر قلب عاصم.. خاصة عندما كان يلاحظ دموعها التي كانت تجرح روحه قبل وجنتيها.
و بعد مدة وصل الجميع لمنزل آل جميل.. و ترجل الجميع و اتجهو نحو البناية ليقابلهم حارس العقار..
ياترى الحرب الباردة دي بين عاصم و سارة هاتنتهي ازاي..
و هل هاتقدر سارة ترد عاصم ليها ولا بقى خلاص طريقه مسدود قدامها ..