رواية تناديه سيدي الفصل الحادي عشر 11 بقلم صابرين شعبان
الفصل الحادي عشر
كان الجميع جالسون لحديث هادئ بعد أن تناولوا العصير الذي أحضرته أم عبد الله قالت فريدة لصبا التي لاحظت عليها الجمود منذ جلسوا و التوتر الذي يحوم حولها و زوجها و من نظراتها الفاحصة إستشفت أن هناك مشكلة بينهما و تبدو كبيرة لدرجة تعكير صفو علاقتهم .،هى تعلم أن هناك أمر جلل حدث بينهما لتباعدهم هذا منذ ذهبت لزيارة صفا وقت مرضها و هى تعلم أن الأمور لا تسير بينهم بخير ..
قالت بمزاح لصبا الشاردة .." ما بك صبا جالسة صامته أنت و زوجك هكذا أنا أعلم أن جلستنا لا تروق لكم و كيف يروق لشباب مثلكم الجلوس مع عجزة مثلنا ، هيا أنهضي و خذي زوجك و أذهبا للسير قليلاً في الحديقة في الخارج لحين عودة الأولاد ، أم تحبا أن تذهبا لرؤيتهم سأصف لكم مكانهم "
قالت صبا مرتبكة تهرب بعينيها من عينى زوجها و هى تجيب الجدة
" لا داعي جدتي لا أشعر برغبة في السير و الأولاد على وشك المجئ فلا داعي لنذهب نحن و يأتون هم ، و جلستكم تعجبني جدتي و أنا لست صغيرة لقد قاربت الثلاثين "
أبتسمت فريدة بهدوء و قد علمت تهربها أنها حقاً في مشكلة كبيرة مع زوجها و لا تريد الإنفراد به في أى مكان وحدهما كما تقترح عليها همت فريدة بالرد عليها عندما تدخلت سناء قائلة .." بل أنت مازلت صغيرة ، هيا أذهبي مع زوجك لتتنفسا هواء نظيفا قبل عودتنا للمدينة بزحامها و ضوضائها "
عندما وجدتها سناء مازالت جالسة نهرتها قائلة .." هيا أنهضي و أنت أبا وسيم خذ زوجتك و أخرج قليلاً "
أبتسمت فريدة براحة لمساعدة سناء لها في إخراجهم من المنزل قليلاً لعل الأمور تصطلح بينهم ..نهض تامر و تقدم منها ببطء ليقف أمام مقعدها يمد يده إليها لتنهض ..رفعت رأسها تنظر إليه بضيق لم يرى تعابير وجهها غيره فأبتسم بمكر متحدي أن ترفض إمساك يده ، شعر بالغيظ عندما نهضت بضيق متجاهلة يده الممدودة إليها لتتخطاها و هى تسأل الجدة فريدة .." أخبريني أين نجد الأولاد جدتي لنذهب إليهم و نأتي معا جميعاً فيما بعد "
أجابتها فريدة بهدوء فهى قد تحقق هدفها و ستذهب مع زوجها و لو لبعض الوقت .." بجانب المنزل يوجد ممر لنهايته تذهبان به في نهايته باب كبير أدفعانه ستجدان الآخرين على الجانب الآخر منه أو في حظيرة الخيل لا تقلقا لن لن تضيعا فالمكان مفتوح و لا أشياء كثيرة هناك تخفيهم عن رؤيتكم هيا أذهبا "
خرجت صبا أمامه و لم تنتظره فقالت فريدة قبل أن يرحل .." بني أصبر و ستصطلح الأمور و أعطيها بعض الوقت مهما حدث بينكما ستتخطونه من أجل وسيم أليس كذلك "
أحنى رأسه موافقا و قال يجيبها بتمني .." أرجو ذلك سيدتي فأنا لا أريد العودة لحياتي السابقة بدونها "
أبتسمت فريدة و تأكدت أنه مازال يحبها حقاً و مهما حدث بينهم سيصلحه بحبه لها قال محمود مازحا .." ماذا تنتظر هنا إذن هيا أذهب و تحدث معها هى لا نحن و لا تستسلم مهما حدث "
أبتسم تامر بتفاؤل و خرج مسرعا من الغرفة ليلحق بزوجته عادت فريدة لحديثها الهادئ مع محمود و سناء
**********
"صبا أنتظرى " قالها تامر و هو يلحق بصبا ليمسك بذراعها يوقفها فنفضت يده عن ذراعها بعنف قائلة له بتحذير غاضب " إياك أن تلمسني تامر إياك أن تلمسني مرة أخرى و لو لإنقاذ حياتي هل تفهم "
أستدارت تاركة إياه وراءها ينظر إليها بغيظ من رأسها اليابس عاد ليسرع خلفها قائلاً .." حسنا أنتظري صبا كيف ستذهبين وحدك و أنت لا تعرفين المكان"
ثم أكمل بمكر و سخرية و هو ينظر إلى جسدها الأنثوي في ثوبها القصير " ربما قابلك ثور هائج أو كبش ضخم و أغراهم ثوبك القصير هذا"
وضعت يدها على خصرها إعتراضا على حديثه فأبتسم بمكر قائلاً
" ماذا هل قلت شئ خاطئ "
أبتسمت ببرود تجيبه .." لا تامر بل الخطأ هو وقوفي و إنصاتي إليك"
أستدارت و تركته واقفا و أتجهت للباب آخر الممر كان يسير خلفها الهوينا عندما وصلت إلى الباب و حاولت دفعه بيديها و لكنها لم تستطع فعقدت حاجبيها بغضب عندما سمعت صوته يأتي من خلفها قائلاً ..
" هو مصمم لذلك أن يكون ثقيلا و يفتح بصعوبة حتى يصعب على الحيوانات دفعه و الخروج منه للجانب الآخر "
دفع الباب بقوة ليفتح قليلاً سامحا لهم بالمرور دلفت إلى الجانب الآخر و هو خلفها و عاد لغلق الباب خلفه ، تلفتت حولها تبحث عن الأولاد فلم ترهم لم ترى غير البقرات ترعى بهدوء و لا أثر لأحد قال و هو يشير إلى الحظيرة أخر المزرعة .." تجدينهم هناك هل نذهب إليهم أم تحبي أن نسير قليلاً ثم ننتظرهم هنا "
أجابته بنفي .." لا فلنذهب إليهم فالمكان ليس بعيداً "
هز رأسه موافقا و أشار إليها لتتقدمه سارت ببطء تنظر للمكان حولها أرض شاسعة محاطة بالأشجار المختلفة و مساحة كبيرة مزروعة من البرسيم لأطعام الحيوانات ، تنشقت الهواء بعمق كان منعشا خالي من رائحة عادم السيارات كما أخبرتها سناء شعرت بالراحة لرؤيتها الخضرة حولها سارا على الممر الطويل بجانب الأرض المؤدي للحظيرة كانت تتلمس بيدها الزرع على جوانب الطريق كما فعل الأولاد لم تنبه لحفرة صغيرة على الطريق كانت تقريباً من صنع كلب أو قطة ليستريحا فيها من قيظ النهار أختل توازنها عندما خطت داخل الحفرة فسقطت على الأرض مد تامر يده ليلحقها ثم تراجع عن ذلك و تركها لتسقط على مؤخرتها قدم في الحفرة و الأخرى خارجها ..كتم تامر ضحكته حتى لا تثور و أشاح بوجهه عنها بعيداً حتى لا ينفجر في الضحك رفعت رأسها تنظر إليه بغيظ قائلة .." أيها الوغد تركتني لأسقط و لم تساعدني "
أجابها تامر ببرود .." منذ قليل أخبرتني أن لا ألمسك و لو لإنقاذ حياتك و الآن تقولين لما لم أمسك بك ماذا تريدين أن أفعل معك أخبريني
هل أقوم بلمسك أم أبتعد عنك "
نهضت تنفض الأتربة عن ثوبها بغضب و قالت تجيبه .." بل أريدك أن لا تلمسني تامر فأنا أكرهك و أكره لمساتك و لا أطيقها هل سمعتني أكرهك تامر "
كان ينظر إليها بصمت غاضب ثم دنا منها و قال من بين أسنانه ..
" حسنا صبا مادومتي تكرهيني لهذا الحد فلا ضير من هذا فأنت تكرهينني على إيه حال "
لم تفهم إلى ما يشير بحديثه عندما أمسك برأسها بين يديه ليقترب من وجهها ليمسك شفتها بين أسنانه حتى لا تبتعد عنه كاتما أنفاسها بفمه و هو يقبلها بغيظ رفعت يديها ليده حول وجهها تحاول إزاحتها و كلما تحركت تألمت شفتها التي يمسكها بأسنانه قبض عليها أكثر و التصق بجسدها بأغواء فأرتجفت غضبا لتبعد جسدها عنه و عن ملامسته و لكنه لم يترك لها المجال لتحاول الإبتعاد ترك فمها لتتنفس و أمسك بجسدها بقوة و هو يهمس في أذنها بشوق .." أشتقت إليك حبيبتي أشتقت إليك كثيرا صبا "
أنفجرت باكية بين ذراعيه و هى تضربه على كتفه الصلب بعذاب قائلة
" أنا أكرهك تامر أكرهك لما فعلته بي و لن أسامحك أبدا "
قال لها بحزن و هو مازال يمسك بجسدها يضمه بحنان هذه المرة
" أسف حبيبتي أسف لا تسامحيني صبا و أكرهيني كما تريدين و لكن لا تتركيني مرة أخرى لا تتركيني لأتعذب كما حدث في السنوات الماضية أنت لم تعرفي كيف كان حالي وقتها صبا لقد حاولت أن أتماسك من أجل وسيم فقط "
قالت شاعرة بحريق في صدرها و هى تحاول دفعه ليبتعد عنها و بصوت معذب سألته .." أي عذاب هذا لقد تزوجت بأخرى تامر تزوجت غيري تتحدث عن العذاب و أنت بدأت حياة جديدة مع غيري هل تظن أني ساذجة و سأصدق كذبك هذا "
ضمها بقوة موئدا مقاومتها .." صدقيني حبيبتي لم أفعل ذلك إلا من أجل وسيم حتى يشعر بالإستقرار و من يهتم به في غيابي و لا شئ أخر "
قالت تسأله بعنف و صوتها يخرج ساخرا من هذا الحديث فهى لم تتخيل أن تسأل زوجها عن علاقته بأخرى .." هل تقول أنك لم تعاشرها تامر و أنك فقط تزوجتها من أجل وسيم "
صمت و لم يجب فدفعته بعنف في صدره و هى تصرخ بحرقة ..
" أتركني ..أتركنننني أنا لا أطيق قربك مني "
أبتعد عنها بحزن قائلاً .." حسنا صبا " فليتركها بعض الوقت لتتقبل مسألة زواجه من أخرى ثم يحاول أن يتفاهما ..ليتها فقط تعلم أنه ما كان يلمسها حتى يتذكرها هى و ما كان يقترب منها إلا و سكنت هى خياله متخيلا أنها هى بين ذراعيه و ليست الأخرى ..تمتم بصوت خافت يعيد حديثه .."حسنا كما تريدين صبا فقط أهدئي حبيبتي "
نظرت إليه بغضب و قالت بصوت لازع تحذره .." لا تقل حبيبتي إياك أن تقولها أنا لم أعد هكذا لم أعد هكذا تامر هل فهمت "
قال يهدئها .." حسنا صبا كما تريدين فقط أهدئي "
يخشى عليها أن تنهار كالمرة السابقة قال بهدوء .." هل لنا أن نستمر بالسير الآن "
تركته و أستمرت في السير أمامه و هى تعيد ترتيب ثوبها و إعادة خصلاتها الملتصقة بوجهها للخلف تزيل دموعها بيديها أبتسم بحزن كم يود لو يضمها بقوة في صدره ليحتوي حزنها ليخلصها منه و أخذه داخله لعله يكفر عما فعله بها و مازال يفعله سار بجانبها بصمت متجهين للقاء الأولاد في حظيرة الخيل ..
*********************
وقف يستند بجسده على الحائط الخشبي للحظيرة ينظر إلى الأولاد و كل واحد منهم يقف أمام أحد الخيول و يمسك بيده حفنة كبيرة من التبن يمدها له ليطعمه كانوا يتلمسون رؤوس الخيل برقة حتى لا يفزعونهم مما جعل الخيل يقف هادئ لا يصدر عنه سوى صهيل خافت إعلانا منهم على تقبلهم الواقفين أمامهم متقبلين منهم الطعام و الملامسه نظر إلى نجمة تقف خلفهم تمد لهم بالتبن كلما نفذ من أحدهم كانت ترتسم على وجهها إبتسامة رقيقة و لكنها لم تفعل و تقترب تطعمهم كما أقترب الأولاد لتفسح لهم المجال للتمتع بقربهم دون الإبتعاد لأخذ الطعام .. دنا منها يسألها بهدوء .." هل تريدين رؤية كريم نجمة "
التفتت إليه بلهفة و عيناها لامعة فهى من كثرة حديث الجدة عنه تشوقت لرؤيته رؤية هذا الكائن الذي يحبه سيدها أكثر من الجميع بعد جدته و لكنها خجلت من سؤاله أي منهم قالت تسأله .." أليس واحد منهم سيدي "
هز طِراد رأسه نافيا و قال بهدوء .." لا ليس أحدهم "
قالت له بحماسة .." حسنا أريد رؤيته أن لم يكن لديك مانع سيدي "
كان المكان في الداخل مقسم لحجرات صغيرة بابها عبارة عن سياج قصير يفتح كالباب عند الحاجة و كل غرفة منهم تحتوي على حِصان و كان عددهم عشرة أشار لباب في الجانب الآخر من الحظيرة فأتجهت معه تجاهه فتح الباب و هو يقول للأولاد قبل أن يخرجا ..
" لا تقتربا كثيرا أبقيا على مسافة كما تفعلون الآن و لا أحد منكم يقوم بإثارة أحد الخيول حتى لا تفزع و تصابوا بالأذى فهم لم يطمئنا لكم بعد أتفقنا "
أجابت جميلة تطمئنه .." لا تخشى شيئاً عمي طِراد لن أدعهم يقتربون كثيرا أو يضايقون أحدهم نحن فقط سنطعمهم التبن من بعيد كما فعلنا أمامك "
أبتسم له طِراد و قال .." أعتمد عليكي جميلة "
دفع الباب و سمح لنجمة بالخروج أولا ثم خرج بعدها لتجد أنها في أرض صغيرة قليلاً عن تلك التي بها البقرات و لكنها مسيجة مثلها وجدته هناك خلف السياج بجسده الضخم المعضل و جلده الأسود اللامع تحت ضوء الشمس و شعره الطويل الناعم و ذيله الذي يصل شعره للأرض كان كائن فخم بمعنى الكلمة برأسه المرتفع بفخر الواثق من مظهره كان يرعى في الأرض بهدوء يصدر عنه صهيل خافت قال طِراد يسألها .." تريدينه يقترب "
هزت رأسها بلهفة فرفع طِراد إصبعيه الصغيرين يضعهما في فمه ليطلق صفره عاليه و هو يهتف بصوت جهوري .." كريم "
ركض الحصان إليه و هو يصهل فرحا بلقاء سيده كان جسده الضخم جعل حوافره تصدر دويا عاليا و هو يركض أقترب من السياج فتمهل في ركضه ليسير الهوينا بدلال متبختراً يستعرض نفسه أمامهم كعارضة أزياء تعرض ثوبها أمام الحضور مما جعل نجمة تنفجر ضاحكة بقوة و هى تقول بذهول و عدم تصديق مما يفعله الحصان .." يا إلهي أنه مغرور و فخور بنفسه للغاية أنظر ماذا يفعل سيدي ليلفت النظر إليه "
التفت إليها طِراد و قال بسرور .." يفعل هذا لأجلك لأنك تقفين بجانبي هو يشعر بالغيرة و لا يريدني أن أهتم بأحدا سواه هو "
رفعت حاجبيها بتعجب و تمتمت بصوت خافت لم يسمعه عندما أشاح طِراد بوجهه ينظر لكريم مرة أخرى .." هو مثل سيده إذن "
عاد و التفت إليها يسألها بإهتمام .." هل قلت شيئاً نجمة"
هزت رأسها بخجل تجيبه .." لا سيدي لم أقل شيئاً "
أقترب منهم كريم و مد رأسه لطِراد و هو يزفر يطالبه الإهتمام فمد طِراد يديه يحتوي رأس الحصان ليستند بجبينه على جبين الحصان قائلاً بحنان .." و أنا أشتقت إليك كريم "
كان يتلمسه برقة جعلت نجمة خافقة القلب و هى تنظر إليه بفضول و هى تسمع طِراد يتمتم .." كريم أريد أن أعرفك بأحدهم هذه نجمة "
أبتعد عن كريم و قال لنجمة .." يمكنك أن تتلمسه لقد أخبرته عنك "
مدت نجمة يدها بتردد تحاول لمسه عندما زفر كريم و رفع رأسه ليبتعد عن يدها الممدودة فقال طِراد بحزم أمر .." كريم هذه نجمة صديقتي و ستكون صديقتك أيضاً أتفقنا "
عاد كريم ليخفض رأسه بإستسلام فتعجبت نجمة و قالت بدهشة ..
" هل حقاً يفهم حديثك "
أجابها بلامبالاة .." مؤكد فأنا أعرفه منذ كان صغيراً فقد ولد على يدي "
سألته بدهشة .." حقاً سيدي و أين هى والدته في الداخل "؟؟
تغيرت تعابير وجهه ليغمض عينه لثانية ثم يجيبها بجمود .." ماتت فور ولادته "
شعرت نجمة بالقلق من نبرة صوته الجامدة فعلمت أنها أزعجته بالحديث عنها فتغاضت عن الأمر و غيرت مجرى الحديث لتسأل عن شئ أخر و عادت بإهتمامها لكريم قائلة .." كم عمره سيدي "
أجاب بهدوء و هو يتلمس جلده الأسود بحنان .." ثلاث سنوات و نصف"
قالت برقة و هى تلمسه بدورها .." أنه رائع "
أبتعد عنهم كريم يصهل بخفوت و يرفع قائمتيه بمرح ليقول طِراد بهدوء .." ليس الآن كريم "
سألته نجمة .." ماذا يريد "
أجابها طِراد .." يريد الخروج و الركض في المرعى "
التفت لكريم مرة أخرى قائلاً بهدوء و بحزم جعل الحصان يقف ثابتا و يشيح بوجهه عنه و كأنه غاضب .." قلت ليس الآن كريم وقتا آخر أعدك "
أبتسمت نجمة بدهشة و قالت .." أنه يبدو كطفل متذمر أخذت منه لعبته "
قال طِراد باسما .." لأنه مدلل و لا أرفض له طلبا في العادة "
نظرت إليه بعمق و هى حائرة من هذا الرجل ذو المشاعر المتناقضة فهو يعامل الحيوانات أفضل من البشر بعض الأحيان متذكرة ذلك اليوم على الإفطار وقت عاملها ببرود و الآن يدلل الحصان حتى لا يغضب منه لرفضه اللعب معه في المرعى ، ظلا صامتين يرقبان كريم الذي إبتعد بعد أن علم أن سيده لن يخرجه اليوم للتريض بعد وقت لا بأس به قال طِراد بهدوء.." هل نذهب الآن حتى لا نتأخر على جميلة و الأولاد "
أومأت نجمة برأسها و تحركت أمامه ليعودا للداخل في نفس وقت دلوف صبا و تامر ..أبتسمت لها نجمة عندما أندفع وسيم إليها قائلاً بلهفة و حماس .." أمي أبي تعاليا لتشاهدا الخيول أنها جميلة جدا أمي"
أبتسمت صبا و أقتربت مع وسيم الذي أمسك بيدها ليدنيا من أماكن الخيول و هو يعطيها حفنة من التبن في يدها لتطعمها قائلاً بحماسة
" هيا أطعميها أمي لا تخافي "
أطاعته صبا تأخذ منه التبن لتحاول مدها لحصان بني صغير الجسد نوعا ما يبدو أليفا فزفر الحصان في وجهها و رفع رأسه بعنف ففزعت صبا شاهقة و هى تتقهقر لتعود للخلف فتصتدم بصدر زوجها الذي أحتواها قائلاً بحنان .." لا تخافي هو خلف السياج لن يؤذيكي "
أحمر وجهها خجلا مع ضحك الأولاد عليها و أبتسامة نجمة و طِراد فتمالكت أعصابها و أبتعدت عن زوجها و هى تقول بإرتباك ..
" أعلم ذلك و لكني لم أقترب من أحد منهم من قبل و لذلك فزعت قليلاً"
ثم نظرت لنجمة تكمل .." هل نعود الآن للمنزل فقد تأخر الوقت و حتما جدتي فريدة و والديكم يشعرون بالجوع "
وافق الأطفال على الرجوع و قد تذكرا الطعام الآن بعد أن نسيوه وسط حماستهم لرؤية الحيوانات قال وسيم قبل خروجهم من الحظيرة ..
" هل نستطيع رؤية الماعز و الخراف و قن الدجاج بعد الطعام عمي طِراد "
أبتسم طِراد وقال موافقأ " بالتأكيد وسيم نستطيع ثم أنتم ستجمعون البيض من عند الدجاج لنريح أم عبد الله قليلاً أتفقنا "
وافق الجميع و خرجوا من الحظيرة متجهين إلى المنزل يسبقهم الأطفال و تامر و صبا خلفهم ثم طِراد و نجمة الصامتين عاد الجميع إلى المنزل و دلف وسيم و ممدوح يخبرون الجدة فريدة بما رأو خارجا و ما سيفعلونه فيما بعد بعد الغداء قالت سناء بمرح .." الآن تذكرتوا الطعام كدنا نموت جوعا في إنتظاركم "
قالت فريدة لطِراد .." حبيبتي أذهب و أجعل أم عبد الله تعد الطعام لقد شعرنا بالجوع حقاً "
قالت نجمة تقاطعها .." لا جدتي سأذهب و صبا لمساعدتها و سيدي يبقى هنا حتماً هو متعب من السير "
نظرت إليها سناء بغموض و فريدة براحة قائلة .." حسنا حبيبتي أذهبي البيت بيتك و صبا "
جلس طِراد و تامر يتحدثان بعد إنصراف نجمة و صبا لإعداد الطعام و بعد ساعة كان الجميع شعر بالراحة بعد تناول الطعام و عاد الأولاد للذهاب للخارج مرة أخرى لمشاهدة باقي الحيوانات كما أخبرهم طِراد و قد جمعا البيض في سلال صغيرة تاركينه على طاولة خشبية مستطيلة داخل القن لحين تأخذها أم عبد الله فيما بعد و أكتفيا بإحضار سلة واحدة فقط كما أمرهم طِراد و التي أحضرتها جميلة ، لعبا كثيرا وسط الخضرة و أستكشفا المكان و قطفا التفاح من على الأشجار و أطعما الأبقار مرة أخرى ، أستمتع الجميع بكل لحظة من اليوم قربت الشمس على المغيب فقال محمود مقترحا .." أعتقد أنه حان الوقت للرحيل حتى لا نصل إلى المدينة متأخرين ما رأيكم هل نتحرك الآن "
إقترحت فريدة بحماس شديد .." ما رأيكم أن تبيتا ليلتكم هنا و نرحل جميعاً غدا بعد الظهيرة ما رأيكم لدينا هنا غرف كثيرة تسع الجميع و البيت دوماً نظيف و معد لإستقبال الزائرين منذ كان زوجي حيا و لم يتبدل النظام بعد وفاته ما رأيك محمود و أنت سناء "
صمت الجميع ينظرون لمحمود ليتخذ هو القرار بالنيابة عن الجميع وجدهم يتطلعون إليه بلهفة خاصةً الأولاد فأبتسم قائلاً .." حسنا لا مانع لدي فأنا أرى أن الجميع لا مانع لديهم و إذا لم يكن لدي طِراد مانع في إستقبالنا هنا اليوم "
نظرت إليه فريدة فأبتسم بهدوء يبدو أن جدته متحمسة كثيرا لإستقبالهم .." لا عمي لا أمانع البيت بيتك "
هتف الأولاد بفرح فقال وسيم بلهفة .." إذن هل نستطيع أن نذهب لنلعب قليلاً على الأرجوحة بجانب شجرة التفاح "
أجابته فريدة باسمة و شعور بالدفء يجتاحها من وجود الجميع حولها تتمنى لو كانوا أسرتها الحقيقة حتى لا يبقى طِراد وحيداً ..
" حسنا حبيبي أذهب و أمرح مع الجميع فنحن لن نذهب الليلة "
و أشارت لصبا و سناء و نجمة قائلة .." و أنتن هيا أمامي لنعد الغرف في الأعلى لراحة الجميع "
أبتسمت سناء لفريدة فهى تبدو كفتاة صغيرة حصلت للتو على أول عروسة لها ..صعدن جميعاً للأعلى تاركين وراءهم الرجال يتحدثون في أمور مختلفة
كان الجميع جالسون لحديث هادئ بعد أن تناولوا العصير الذي أحضرته أم عبد الله قالت فريدة لصبا التي لاحظت عليها الجمود منذ جلسوا و التوتر الذي يحوم حولها و زوجها و من نظراتها الفاحصة إستشفت أن هناك مشكلة بينهما و تبدو كبيرة لدرجة تعكير صفو علاقتهم .،هى تعلم أن هناك أمر جلل حدث بينهما لتباعدهم هذا منذ ذهبت لزيارة صفا وقت مرضها و هى تعلم أن الأمور لا تسير بينهم بخير ..
قالت بمزاح لصبا الشاردة .." ما بك صبا جالسة صامته أنت و زوجك هكذا أنا أعلم أن جلستنا لا تروق لكم و كيف يروق لشباب مثلكم الجلوس مع عجزة مثلنا ، هيا أنهضي و خذي زوجك و أذهبا للسير قليلاً في الحديقة في الخارج لحين عودة الأولاد ، أم تحبا أن تذهبا لرؤيتهم سأصف لكم مكانهم "
قالت صبا مرتبكة تهرب بعينيها من عينى زوجها و هى تجيب الجدة
" لا داعي جدتي لا أشعر برغبة في السير و الأولاد على وشك المجئ فلا داعي لنذهب نحن و يأتون هم ، و جلستكم تعجبني جدتي و أنا لست صغيرة لقد قاربت الثلاثين "
أبتسمت فريدة بهدوء و قد علمت تهربها أنها حقاً في مشكلة كبيرة مع زوجها و لا تريد الإنفراد به في أى مكان وحدهما كما تقترح عليها همت فريدة بالرد عليها عندما تدخلت سناء قائلة .." بل أنت مازلت صغيرة ، هيا أذهبي مع زوجك لتتنفسا هواء نظيفا قبل عودتنا للمدينة بزحامها و ضوضائها "
عندما وجدتها سناء مازالت جالسة نهرتها قائلة .." هيا أنهضي و أنت أبا وسيم خذ زوجتك و أخرج قليلاً "
أبتسمت فريدة براحة لمساعدة سناء لها في إخراجهم من المنزل قليلاً لعل الأمور تصطلح بينهم ..نهض تامر و تقدم منها ببطء ليقف أمام مقعدها يمد يده إليها لتنهض ..رفعت رأسها تنظر إليه بضيق لم يرى تعابير وجهها غيره فأبتسم بمكر متحدي أن ترفض إمساك يده ، شعر بالغيظ عندما نهضت بضيق متجاهلة يده الممدودة إليها لتتخطاها و هى تسأل الجدة فريدة .." أخبريني أين نجد الأولاد جدتي لنذهب إليهم و نأتي معا جميعاً فيما بعد "
أجابتها فريدة بهدوء فهى قد تحقق هدفها و ستذهب مع زوجها و لو لبعض الوقت .." بجانب المنزل يوجد ممر لنهايته تذهبان به في نهايته باب كبير أدفعانه ستجدان الآخرين على الجانب الآخر منه أو في حظيرة الخيل لا تقلقا لن لن تضيعا فالمكان مفتوح و لا أشياء كثيرة هناك تخفيهم عن رؤيتكم هيا أذهبا "
خرجت صبا أمامه و لم تنتظره فقالت فريدة قبل أن يرحل .." بني أصبر و ستصطلح الأمور و أعطيها بعض الوقت مهما حدث بينكما ستتخطونه من أجل وسيم أليس كذلك "
أحنى رأسه موافقا و قال يجيبها بتمني .." أرجو ذلك سيدتي فأنا لا أريد العودة لحياتي السابقة بدونها "
أبتسمت فريدة و تأكدت أنه مازال يحبها حقاً و مهما حدث بينهم سيصلحه بحبه لها قال محمود مازحا .." ماذا تنتظر هنا إذن هيا أذهب و تحدث معها هى لا نحن و لا تستسلم مهما حدث "
أبتسم تامر بتفاؤل و خرج مسرعا من الغرفة ليلحق بزوجته عادت فريدة لحديثها الهادئ مع محمود و سناء
**********
"صبا أنتظرى " قالها تامر و هو يلحق بصبا ليمسك بذراعها يوقفها فنفضت يده عن ذراعها بعنف قائلة له بتحذير غاضب " إياك أن تلمسني تامر إياك أن تلمسني مرة أخرى و لو لإنقاذ حياتي هل تفهم "
أستدارت تاركة إياه وراءها ينظر إليها بغيظ من رأسها اليابس عاد ليسرع خلفها قائلاً .." حسنا أنتظري صبا كيف ستذهبين وحدك و أنت لا تعرفين المكان"
ثم أكمل بمكر و سخرية و هو ينظر إلى جسدها الأنثوي في ثوبها القصير " ربما قابلك ثور هائج أو كبش ضخم و أغراهم ثوبك القصير هذا"
وضعت يدها على خصرها إعتراضا على حديثه فأبتسم بمكر قائلاً
" ماذا هل قلت شئ خاطئ "
أبتسمت ببرود تجيبه .." لا تامر بل الخطأ هو وقوفي و إنصاتي إليك"
أستدارت و تركته واقفا و أتجهت للباب آخر الممر كان يسير خلفها الهوينا عندما وصلت إلى الباب و حاولت دفعه بيديها و لكنها لم تستطع فعقدت حاجبيها بغضب عندما سمعت صوته يأتي من خلفها قائلاً ..
" هو مصمم لذلك أن يكون ثقيلا و يفتح بصعوبة حتى يصعب على الحيوانات دفعه و الخروج منه للجانب الآخر "
دفع الباب بقوة ليفتح قليلاً سامحا لهم بالمرور دلفت إلى الجانب الآخر و هو خلفها و عاد لغلق الباب خلفه ، تلفتت حولها تبحث عن الأولاد فلم ترهم لم ترى غير البقرات ترعى بهدوء و لا أثر لأحد قال و هو يشير إلى الحظيرة أخر المزرعة .." تجدينهم هناك هل نذهب إليهم أم تحبي أن نسير قليلاً ثم ننتظرهم هنا "
أجابته بنفي .." لا فلنذهب إليهم فالمكان ليس بعيداً "
هز رأسه موافقا و أشار إليها لتتقدمه سارت ببطء تنظر للمكان حولها أرض شاسعة محاطة بالأشجار المختلفة و مساحة كبيرة مزروعة من البرسيم لأطعام الحيوانات ، تنشقت الهواء بعمق كان منعشا خالي من رائحة عادم السيارات كما أخبرتها سناء شعرت بالراحة لرؤيتها الخضرة حولها سارا على الممر الطويل بجانب الأرض المؤدي للحظيرة كانت تتلمس بيدها الزرع على جوانب الطريق كما فعل الأولاد لم تنبه لحفرة صغيرة على الطريق كانت تقريباً من صنع كلب أو قطة ليستريحا فيها من قيظ النهار أختل توازنها عندما خطت داخل الحفرة فسقطت على الأرض مد تامر يده ليلحقها ثم تراجع عن ذلك و تركها لتسقط على مؤخرتها قدم في الحفرة و الأخرى خارجها ..كتم تامر ضحكته حتى لا تثور و أشاح بوجهه عنها بعيداً حتى لا ينفجر في الضحك رفعت رأسها تنظر إليه بغيظ قائلة .." أيها الوغد تركتني لأسقط و لم تساعدني "
أجابها تامر ببرود .." منذ قليل أخبرتني أن لا ألمسك و لو لإنقاذ حياتك و الآن تقولين لما لم أمسك بك ماذا تريدين أن أفعل معك أخبريني
هل أقوم بلمسك أم أبتعد عنك "
نهضت تنفض الأتربة عن ثوبها بغضب و قالت تجيبه .." بل أريدك أن لا تلمسني تامر فأنا أكرهك و أكره لمساتك و لا أطيقها هل سمعتني أكرهك تامر "
كان ينظر إليها بصمت غاضب ثم دنا منها و قال من بين أسنانه ..
" حسنا صبا مادومتي تكرهيني لهذا الحد فلا ضير من هذا فأنت تكرهينني على إيه حال "
لم تفهم إلى ما يشير بحديثه عندما أمسك برأسها بين يديه ليقترب من وجهها ليمسك شفتها بين أسنانه حتى لا تبتعد عنه كاتما أنفاسها بفمه و هو يقبلها بغيظ رفعت يديها ليده حول وجهها تحاول إزاحتها و كلما تحركت تألمت شفتها التي يمسكها بأسنانه قبض عليها أكثر و التصق بجسدها بأغواء فأرتجفت غضبا لتبعد جسدها عنه و عن ملامسته و لكنه لم يترك لها المجال لتحاول الإبتعاد ترك فمها لتتنفس و أمسك بجسدها بقوة و هو يهمس في أذنها بشوق .." أشتقت إليك حبيبتي أشتقت إليك كثيرا صبا "
أنفجرت باكية بين ذراعيه و هى تضربه على كتفه الصلب بعذاب قائلة
" أنا أكرهك تامر أكرهك لما فعلته بي و لن أسامحك أبدا "
قال لها بحزن و هو مازال يمسك بجسدها يضمه بحنان هذه المرة
" أسف حبيبتي أسف لا تسامحيني صبا و أكرهيني كما تريدين و لكن لا تتركيني مرة أخرى لا تتركيني لأتعذب كما حدث في السنوات الماضية أنت لم تعرفي كيف كان حالي وقتها صبا لقد حاولت أن أتماسك من أجل وسيم فقط "
قالت شاعرة بحريق في صدرها و هى تحاول دفعه ليبتعد عنها و بصوت معذب سألته .." أي عذاب هذا لقد تزوجت بأخرى تامر تزوجت غيري تتحدث عن العذاب و أنت بدأت حياة جديدة مع غيري هل تظن أني ساذجة و سأصدق كذبك هذا "
ضمها بقوة موئدا مقاومتها .." صدقيني حبيبتي لم أفعل ذلك إلا من أجل وسيم حتى يشعر بالإستقرار و من يهتم به في غيابي و لا شئ أخر "
قالت تسأله بعنف و صوتها يخرج ساخرا من هذا الحديث فهى لم تتخيل أن تسأل زوجها عن علاقته بأخرى .." هل تقول أنك لم تعاشرها تامر و أنك فقط تزوجتها من أجل وسيم "
صمت و لم يجب فدفعته بعنف في صدره و هى تصرخ بحرقة ..
" أتركني ..أتركنننني أنا لا أطيق قربك مني "
أبتعد عنها بحزن قائلاً .." حسنا صبا " فليتركها بعض الوقت لتتقبل مسألة زواجه من أخرى ثم يحاول أن يتفاهما ..ليتها فقط تعلم أنه ما كان يلمسها حتى يتذكرها هى و ما كان يقترب منها إلا و سكنت هى خياله متخيلا أنها هى بين ذراعيه و ليست الأخرى ..تمتم بصوت خافت يعيد حديثه .."حسنا كما تريدين صبا فقط أهدئي حبيبتي "
نظرت إليه بغضب و قالت بصوت لازع تحذره .." لا تقل حبيبتي إياك أن تقولها أنا لم أعد هكذا لم أعد هكذا تامر هل فهمت "
قال يهدئها .." حسنا صبا كما تريدين فقط أهدئي "
يخشى عليها أن تنهار كالمرة السابقة قال بهدوء .." هل لنا أن نستمر بالسير الآن "
تركته و أستمرت في السير أمامه و هى تعيد ترتيب ثوبها و إعادة خصلاتها الملتصقة بوجهها للخلف تزيل دموعها بيديها أبتسم بحزن كم يود لو يضمها بقوة في صدره ليحتوي حزنها ليخلصها منه و أخذه داخله لعله يكفر عما فعله بها و مازال يفعله سار بجانبها بصمت متجهين للقاء الأولاد في حظيرة الخيل ..
*********************
وقف يستند بجسده على الحائط الخشبي للحظيرة ينظر إلى الأولاد و كل واحد منهم يقف أمام أحد الخيول و يمسك بيده حفنة كبيرة من التبن يمدها له ليطعمه كانوا يتلمسون رؤوس الخيل برقة حتى لا يفزعونهم مما جعل الخيل يقف هادئ لا يصدر عنه سوى صهيل خافت إعلانا منهم على تقبلهم الواقفين أمامهم متقبلين منهم الطعام و الملامسه نظر إلى نجمة تقف خلفهم تمد لهم بالتبن كلما نفذ من أحدهم كانت ترتسم على وجهها إبتسامة رقيقة و لكنها لم تفعل و تقترب تطعمهم كما أقترب الأولاد لتفسح لهم المجال للتمتع بقربهم دون الإبتعاد لأخذ الطعام .. دنا منها يسألها بهدوء .." هل تريدين رؤية كريم نجمة "
التفتت إليه بلهفة و عيناها لامعة فهى من كثرة حديث الجدة عنه تشوقت لرؤيته رؤية هذا الكائن الذي يحبه سيدها أكثر من الجميع بعد جدته و لكنها خجلت من سؤاله أي منهم قالت تسأله .." أليس واحد منهم سيدي "
هز طِراد رأسه نافيا و قال بهدوء .." لا ليس أحدهم "
قالت له بحماسة .." حسنا أريد رؤيته أن لم يكن لديك مانع سيدي "
كان المكان في الداخل مقسم لحجرات صغيرة بابها عبارة عن سياج قصير يفتح كالباب عند الحاجة و كل غرفة منهم تحتوي على حِصان و كان عددهم عشرة أشار لباب في الجانب الآخر من الحظيرة فأتجهت معه تجاهه فتح الباب و هو يقول للأولاد قبل أن يخرجا ..
" لا تقتربا كثيرا أبقيا على مسافة كما تفعلون الآن و لا أحد منكم يقوم بإثارة أحد الخيول حتى لا تفزع و تصابوا بالأذى فهم لم يطمئنا لكم بعد أتفقنا "
أجابت جميلة تطمئنه .." لا تخشى شيئاً عمي طِراد لن أدعهم يقتربون كثيرا أو يضايقون أحدهم نحن فقط سنطعمهم التبن من بعيد كما فعلنا أمامك "
أبتسم له طِراد و قال .." أعتمد عليكي جميلة "
دفع الباب و سمح لنجمة بالخروج أولا ثم خرج بعدها لتجد أنها في أرض صغيرة قليلاً عن تلك التي بها البقرات و لكنها مسيجة مثلها وجدته هناك خلف السياج بجسده الضخم المعضل و جلده الأسود اللامع تحت ضوء الشمس و شعره الطويل الناعم و ذيله الذي يصل شعره للأرض كان كائن فخم بمعنى الكلمة برأسه المرتفع بفخر الواثق من مظهره كان يرعى في الأرض بهدوء يصدر عنه صهيل خافت قال طِراد يسألها .." تريدينه يقترب "
هزت رأسها بلهفة فرفع طِراد إصبعيه الصغيرين يضعهما في فمه ليطلق صفره عاليه و هو يهتف بصوت جهوري .." كريم "
ركض الحصان إليه و هو يصهل فرحا بلقاء سيده كان جسده الضخم جعل حوافره تصدر دويا عاليا و هو يركض أقترب من السياج فتمهل في ركضه ليسير الهوينا بدلال متبختراً يستعرض نفسه أمامهم كعارضة أزياء تعرض ثوبها أمام الحضور مما جعل نجمة تنفجر ضاحكة بقوة و هى تقول بذهول و عدم تصديق مما يفعله الحصان .." يا إلهي أنه مغرور و فخور بنفسه للغاية أنظر ماذا يفعل سيدي ليلفت النظر إليه "
التفت إليها طِراد و قال بسرور .." يفعل هذا لأجلك لأنك تقفين بجانبي هو يشعر بالغيرة و لا يريدني أن أهتم بأحدا سواه هو "
رفعت حاجبيها بتعجب و تمتمت بصوت خافت لم يسمعه عندما أشاح طِراد بوجهه ينظر لكريم مرة أخرى .." هو مثل سيده إذن "
عاد و التفت إليها يسألها بإهتمام .." هل قلت شيئاً نجمة"
هزت رأسها بخجل تجيبه .." لا سيدي لم أقل شيئاً "
أقترب منهم كريم و مد رأسه لطِراد و هو يزفر يطالبه الإهتمام فمد طِراد يديه يحتوي رأس الحصان ليستند بجبينه على جبين الحصان قائلاً بحنان .." و أنا أشتقت إليك كريم "
كان يتلمسه برقة جعلت نجمة خافقة القلب و هى تنظر إليه بفضول و هى تسمع طِراد يتمتم .." كريم أريد أن أعرفك بأحدهم هذه نجمة "
أبتعد عن كريم و قال لنجمة .." يمكنك أن تتلمسه لقد أخبرته عنك "
مدت نجمة يدها بتردد تحاول لمسه عندما زفر كريم و رفع رأسه ليبتعد عن يدها الممدودة فقال طِراد بحزم أمر .." كريم هذه نجمة صديقتي و ستكون صديقتك أيضاً أتفقنا "
عاد كريم ليخفض رأسه بإستسلام فتعجبت نجمة و قالت بدهشة ..
" هل حقاً يفهم حديثك "
أجابها بلامبالاة .." مؤكد فأنا أعرفه منذ كان صغيراً فقد ولد على يدي "
سألته بدهشة .." حقاً سيدي و أين هى والدته في الداخل "؟؟
تغيرت تعابير وجهه ليغمض عينه لثانية ثم يجيبها بجمود .." ماتت فور ولادته "
شعرت نجمة بالقلق من نبرة صوته الجامدة فعلمت أنها أزعجته بالحديث عنها فتغاضت عن الأمر و غيرت مجرى الحديث لتسأل عن شئ أخر و عادت بإهتمامها لكريم قائلة .." كم عمره سيدي "
أجاب بهدوء و هو يتلمس جلده الأسود بحنان .." ثلاث سنوات و نصف"
قالت برقة و هى تلمسه بدورها .." أنه رائع "
أبتعد عنهم كريم يصهل بخفوت و يرفع قائمتيه بمرح ليقول طِراد بهدوء .." ليس الآن كريم "
سألته نجمة .." ماذا يريد "
أجابها طِراد .." يريد الخروج و الركض في المرعى "
التفت لكريم مرة أخرى قائلاً بهدوء و بحزم جعل الحصان يقف ثابتا و يشيح بوجهه عنه و كأنه غاضب .." قلت ليس الآن كريم وقتا آخر أعدك "
أبتسمت نجمة بدهشة و قالت .." أنه يبدو كطفل متذمر أخذت منه لعبته "
قال طِراد باسما .." لأنه مدلل و لا أرفض له طلبا في العادة "
نظرت إليه بعمق و هى حائرة من هذا الرجل ذو المشاعر المتناقضة فهو يعامل الحيوانات أفضل من البشر بعض الأحيان متذكرة ذلك اليوم على الإفطار وقت عاملها ببرود و الآن يدلل الحصان حتى لا يغضب منه لرفضه اللعب معه في المرعى ، ظلا صامتين يرقبان كريم الذي إبتعد بعد أن علم أن سيده لن يخرجه اليوم للتريض بعد وقت لا بأس به قال طِراد بهدوء.." هل نذهب الآن حتى لا نتأخر على جميلة و الأولاد "
أومأت نجمة برأسها و تحركت أمامه ليعودا للداخل في نفس وقت دلوف صبا و تامر ..أبتسمت لها نجمة عندما أندفع وسيم إليها قائلاً بلهفة و حماس .." أمي أبي تعاليا لتشاهدا الخيول أنها جميلة جدا أمي"
أبتسمت صبا و أقتربت مع وسيم الذي أمسك بيدها ليدنيا من أماكن الخيول و هو يعطيها حفنة من التبن في يدها لتطعمها قائلاً بحماسة
" هيا أطعميها أمي لا تخافي "
أطاعته صبا تأخذ منه التبن لتحاول مدها لحصان بني صغير الجسد نوعا ما يبدو أليفا فزفر الحصان في وجهها و رفع رأسه بعنف ففزعت صبا شاهقة و هى تتقهقر لتعود للخلف فتصتدم بصدر زوجها الذي أحتواها قائلاً بحنان .." لا تخافي هو خلف السياج لن يؤذيكي "
أحمر وجهها خجلا مع ضحك الأولاد عليها و أبتسامة نجمة و طِراد فتمالكت أعصابها و أبتعدت عن زوجها و هى تقول بإرتباك ..
" أعلم ذلك و لكني لم أقترب من أحد منهم من قبل و لذلك فزعت قليلاً"
ثم نظرت لنجمة تكمل .." هل نعود الآن للمنزل فقد تأخر الوقت و حتما جدتي فريدة و والديكم يشعرون بالجوع "
وافق الأطفال على الرجوع و قد تذكرا الطعام الآن بعد أن نسيوه وسط حماستهم لرؤية الحيوانات قال وسيم قبل خروجهم من الحظيرة ..
" هل نستطيع رؤية الماعز و الخراف و قن الدجاج بعد الطعام عمي طِراد "
أبتسم طِراد وقال موافقأ " بالتأكيد وسيم نستطيع ثم أنتم ستجمعون البيض من عند الدجاج لنريح أم عبد الله قليلاً أتفقنا "
وافق الجميع و خرجوا من الحظيرة متجهين إلى المنزل يسبقهم الأطفال و تامر و صبا خلفهم ثم طِراد و نجمة الصامتين عاد الجميع إلى المنزل و دلف وسيم و ممدوح يخبرون الجدة فريدة بما رأو خارجا و ما سيفعلونه فيما بعد بعد الغداء قالت سناء بمرح .." الآن تذكرتوا الطعام كدنا نموت جوعا في إنتظاركم "
قالت فريدة لطِراد .." حبيبتي أذهب و أجعل أم عبد الله تعد الطعام لقد شعرنا بالجوع حقاً "
قالت نجمة تقاطعها .." لا جدتي سأذهب و صبا لمساعدتها و سيدي يبقى هنا حتماً هو متعب من السير "
نظرت إليها سناء بغموض و فريدة براحة قائلة .." حسنا حبيبتي أذهبي البيت بيتك و صبا "
جلس طِراد و تامر يتحدثان بعد إنصراف نجمة و صبا لإعداد الطعام و بعد ساعة كان الجميع شعر بالراحة بعد تناول الطعام و عاد الأولاد للذهاب للخارج مرة أخرى لمشاهدة باقي الحيوانات كما أخبرهم طِراد و قد جمعا البيض في سلال صغيرة تاركينه على طاولة خشبية مستطيلة داخل القن لحين تأخذها أم عبد الله فيما بعد و أكتفيا بإحضار سلة واحدة فقط كما أمرهم طِراد و التي أحضرتها جميلة ، لعبا كثيرا وسط الخضرة و أستكشفا المكان و قطفا التفاح من على الأشجار و أطعما الأبقار مرة أخرى ، أستمتع الجميع بكل لحظة من اليوم قربت الشمس على المغيب فقال محمود مقترحا .." أعتقد أنه حان الوقت للرحيل حتى لا نصل إلى المدينة متأخرين ما رأيكم هل نتحرك الآن "
إقترحت فريدة بحماس شديد .." ما رأيكم أن تبيتا ليلتكم هنا و نرحل جميعاً غدا بعد الظهيرة ما رأيكم لدينا هنا غرف كثيرة تسع الجميع و البيت دوماً نظيف و معد لإستقبال الزائرين منذ كان زوجي حيا و لم يتبدل النظام بعد وفاته ما رأيك محمود و أنت سناء "
صمت الجميع ينظرون لمحمود ليتخذ هو القرار بالنيابة عن الجميع وجدهم يتطلعون إليه بلهفة خاصةً الأولاد فأبتسم قائلاً .." حسنا لا مانع لدي فأنا أرى أن الجميع لا مانع لديهم و إذا لم يكن لدي طِراد مانع في إستقبالنا هنا اليوم "
نظرت إليه فريدة فأبتسم بهدوء يبدو أن جدته متحمسة كثيرا لإستقبالهم .." لا عمي لا أمانع البيت بيتك "
هتف الأولاد بفرح فقال وسيم بلهفة .." إذن هل نستطيع أن نذهب لنلعب قليلاً على الأرجوحة بجانب شجرة التفاح "
أجابته فريدة باسمة و شعور بالدفء يجتاحها من وجود الجميع حولها تتمنى لو كانوا أسرتها الحقيقة حتى لا يبقى طِراد وحيداً ..
" حسنا حبيبي أذهب و أمرح مع الجميع فنحن لن نذهب الليلة "
و أشارت لصبا و سناء و نجمة قائلة .." و أنتن هيا أمامي لنعد الغرف في الأعلى لراحة الجميع "
أبتسمت سناء لفريدة فهى تبدو كفتاة صغيرة حصلت للتو على أول عروسة لها ..صعدن جميعاً للأعلى تاركين وراءهم الرجال يتحدثون في أمور مختلفة