رواية كارمن الفصل الحادي عشر 11 بقلم ملك ابراهيم
انا مش عارف اقولك ايه يا رشيد.. بس الواضح ان كلام سعد بشار صح.
انتفض جسده وأصبح قلبه على وشك التوقف، انقطعت انفاسه فجأة وكأن روحه تنسحب منه وتتركه يعيش هذه اللحظة بدون قلب وبدون روح لكي لا يشعران قلبه وروحه بهذا الالم الذي يعيشه الان.
اقترب منه خالد وربت على ظهره بدعم قائلا بحزن:
- رشيد انت لازم تكون قوي وتستقبل الصدمة دي بعقل عشان نقدر نثبت برائتك ونخرجك من هنا.
سأله رشيد بصوت مبحوح وهو ينظر أمامه بصدمة:
- عرفت كانت بتعمل ايه هنا؟
أومأ برأسه بالايجاب وتحدثت بحزن:
- كانت بتزور سعد بشار.
اغمض رشيد عيناه بصدمة ثم ضرب بقبضة يديه فوق الطاوله امامه بقوة وهو يصرخ بصدمة لا يصدق ما فعلته به بعد حبه الكبير لها وعشقه لها الذي تخطى حدود العشق، كيف تعاونت مع ذاك المجرم! كيف استطاعت ان تفعلها به! هل هذه حبيبته البريئة النقيه التي خطفت قلبه! اين ذهبت برائتها؟ هل استطاعت خداعه مثل ما فعلت والدتها مع والده سابقًا؟ هل كان جده محق عندما حذره منها واخبره انها مثل والدتها؟ هل هذا جزائه بعد كل ما فعله معها!
اقترب منه خالد وامسك بيديه وتحدث اليه بقوة:
- رشيد انت لازم تهدى عشان نقدر نفكر ونلاقي حل، ومتنساش انها مراتك، يعني حتى لو اتهمناها يبقى هنضر اسمك وسمعتك.
تبدلت نظرات عينيه الي نظرات ناريه قاسية، اراد مواجهتها بخيانتها والانتقام منها بقسوة، نيران مشتعله بقلبه لن يشعر بها احدًا غيره، افكار كثيرة بالانتقام استرسل له عقله بها حتى تهدأ النيران المشتعله بداخله.
نظر اليه خالد بقلق وشعر بالصراع الدائر بداخله. تحدث اليه رشيد بصوت ذو نبرة قاسية:
- انا لازم اشوفها يا خالد.. اعمل اي حاجة وهتهالي هنا.
حدق به خالد بقلق، شعر بنيته في الانتقام منها، يعلم ان هذا ليس الوقت المناسب لمناقشته في شئ، أومأ له برأسه بالايجاب لكي يهدأه قليلاً :
- حاضر يا رشيد.. اللي انت عايزه هيتنفذ.
ذهب خالد وهو يفكر كيف يحميه من غضبه وافكاره المتهوره في الانتقام، لم يجد امامه سوى الذهاب إلى جد رشيد.
ذهب إلى اللواء المتقاعد "نور الدين الجبالي" جد رشيد. واخبره بكل شئ.
لم يتفاجئ جد رشيد كثيرا عندما اخبره خالد ان زوجة رشيد هي من تعاونت مع سعد بشار ضده، هذا ما كان ينتظره ان يحدث من فتاة لها ام مثل سهير سالم، يضع كل الخطأ على حفيده؛ هو من ذهب اليها ووضع اسمه وحياته بين يديها، لم يقوم جده بمساعدته حتى الان لكي يعطيه الوقت الكافي لكي يستيقظ من هذا العشق الذي اعمى عينيه وجعله اسير لتلك الفتاة التي حذره منها سابقًا، لكنه لم يلتفت الي حديث جده وذهب وتزوج منها رغمًا عن الجميع.
كان جد رشيد ينتظر انتهاء التحقيقات مع حفيده وهو على يقين ان التحقيقات سوف تثبت برائته، لكن لا يمكنه الانتظار بعد الآن، عليه فعل كل شئ لاثبات براءة حفيده بنفسه واخراج تلك الفتاة من حياته الي الابد.
ذهب جد رشيد الي صديقه اللواء طلعت. استقبله اللواء طلعت بترحاب شديد. جلس جد رشيد وتحدث معه:
- وبعدين يا طلعت! .. التحقيق مع رشيد طول اوي وكل ده ملوش لازمة!
اجابه اللواء طلعت باحترام:
- حضرتك عارف الإجراءات.. بس انا عايز اطمن حضرتك ان كل التحقيقات الجديدة بتاعنا في صالح رشيد رغم اقوال زوجته اللي مكانتش في صالحه ابدا!!
غضب جد رشيد واردف بعصبيه:
- انسى موضوع مراته ده يا طلعت لانها السبب في كل اللي حصل.. خلينا في المهم وطمني وصلتوا لأيه؟
اجابه اللواء طلعت:
- مفيش اثبات واحد ظهر يثبت ان رشيد له علاقة بالمخدرات، ومفيش اي بصمات له على شنطة المخدرات اللي اتمسكت في غرفة نومه، وثبتت بصمات كتير مختلفه على الشنطة والاكياس اللي جواها وده بيأكد ان الشنطة دي اتحطت في بيته عن طريق اشخاص رتبوا لكل ده.
أومأ جد رشيد برأسه مؤكدًا:
- انا عرفت مين اللي رتب كل ده يا طلعت.
حدق به اللواء طلعت بفضول، تحدث جد رشيد مرة أخرى واجاب فضوله:
- سعد بشار اللي رشيد قبض عليه في قضية اخطتاف أتوبيس البنات.
نظر اليه اللواء طلعت بصدمة وتحدث بستغراب:
- وحضرتك عرفت ازاي الموضوع ده؟!
اجابه جد رشيد:
- هو راح بنفسه واعترف لـ رشيد وكان هدفه من الاعتراف ده انه يعرف رشيد انه انتصر عليه وانتقم منه.
استمع اليه اللواء طلعت باهتمام وتحدث:
- يبقى احنا لازم نخليه يعترف.
تحدث جد رشيد ببساطه:
- مش محتاجين نضغط عليه عشان يعترف.. كفايه انكم تقبضوا على رجالته اللي برا وتعملوا تطابق للبصمات وانا متأكد ان هتطلع بصامتهم هي اللي موجودة على الشنطة والمخدرات.
أومأ اللواء طلعت برأسه بالايجاب وهو يستمع الي خطة اللواء المتقاعد نور الدين الجبالي.
بعد اسبوع..
استطاعوا القبض على عدد من رجال سعد بشار بخطة مرتبة من اللواء نور الدين الجبالي وتم التآكد من تطابق البصمات الموجودة على اكياس المخدرات مع بصماتهم وبدأ التحقيق معهم ومع سعد بشار.
تحدث اللواء طلعت مع اللواء نور الدين الجبالي وأخبره ان بأمكانهم إطلاق صراح رشيد الان لكن لا يمكنه العودة إلى عمله حتى انتهاء التحقيقات مع سعد بشار ورجاله واثبات برأته بالكامل وخصوصًا بعد ذكر اسم زوجة رشيد في اعترفات رجال سعد بشار.
خلال هذا الاسبوع. كان رشيد في اسوء حالته النفسيه، لم يذهب خالد اليه منذ حديثه الاخير معه عندما اخبره بخيانة زوجته له.
دخل اليه احد الضباط واخبره باطلاق صراحه الان بعد إثبات برائته.
خرج رشيد وكل ما يشغل افكاره هو الذهاب الي كارمن وموجهتها بما فعلته والانتقام منها. لم يفكر ماذا حدث في القضية وكيف تم اثبات برأته، كل ما يفكر به الان هو المواجهة والانتقام. لكن جده لم يعطيه الفرصه.
كان جده في استقباله ومعه خالد وكان معهم مأذون شرعي. اراد منه جده ان يطلق زوجته قبل خروجه من هذا المبنى حتى يطوي صفحتها من حياته ويبدأ حياته من جديد بدونها، لكن رشيد رفض يطلقها قبل ان يواجهها ويعلم منها لماذا فعلت به ما فعلته؟
لم يستطيع جده اقناعه بالطلاق، استسلم جده لرغبته وتركه يذهب اليها ويواجهها بمنزل والدتها ولكنه اشترط ذهاب خالد معه لكي يوقفه عن أي فعل متهور يفكر به.
ذهب رشيد مع خالد بسيارته، كانت الكثير من الاسئلة تتزاحم برأسه، لا يصدق حتى الان ما فعلته به.
توقفت السيارة امام منزل والدتها، ترجل من السيارة وهو يركض الي منزلها بجنون، يريدها تجيب على أسئلته، يريدها ان تخبره ان ما فعلته به ليس حقيقًا.
وقف يطرق على باب منزلها بقوة، ركض اليه خالد وحاول تهدأته، ظل رشيد يطرق على الباب بقوة ولم يأتيه ردً من الداخل، دخل في حالة هيستيريه وهو يطرق على الباب بقوة حتى گاد ان يحطم الباب. حاول خالد السيطرة عليه وتهدأته بصعوبة، لكن رشيد كان يصرخ وينادي اسمها بطريقه جنونيه. لم يشعر احد بالنيران المشتعلة بقلبه.
بدأ الجيران يتجمعون حولهم واخبرهم حارس العقار انها تركت المنزل هي ووالدتها وذهبوا ولا يعلم احد الي اين!
وقف رشيد ينادي اسمها بجنون، تجمع حولهم عدد من جيران المنزل ووقفوا يتابعون انهياره وهو يركل الباب بقوة وينادي اسم كارمن بصراخ، تابع خالد نظرات الجيران الي رشيد بين الدهشة والشفقة، بدؤ يتهامسون ويطلقوا عليه (المجنون) لم يتحمل خالد رؤيته بتلك الحالة. اخذه خالد بقوة وجذبه الي السيارة، كان ينادي اسمها بصراخ وينظر الي منزلها ينتظر خروجها منه، اخذه خالد بصعوبة الي داخل السيارة، جلس رشيد بداخل السيارة وهو يردد اسمها بجنون ولم يتوقف عن نطق اسمها، شعر خالد بالقلق عليه، اخذ هاتفه وتحدث الي جد رشيد واخبره بحالة رشيد السيئة، واخبره انه سيأخذه الي المشفى وطلب منه سرعة الذهاب اليهم الي المشفى.
*******
اسبوعين وهو بداخل المشفى متمددًا فوق الفراش، يظهر عليه الضعف الشديد ووجهه اصبح شاحب وجسده اصبح نحيف بعد امتناعه عن تناول الطعام. لا يشعر بالرغبة في أي شئ، امتنع عن الحديث حتى اعتقد الجميع انه فقد النطق، لكنه كان ينطق كلمتان اثنان فقط عند حضور صديقه خالد اليه، كان يسأله عن كارمن ولم يجد جواب من خالد غير الصمت والنظرات الحزينه علي حالته وما وصل اليه صديقه المقرب.
كان جده يتابع حالته مع الطبيب المعالج له، آكد له الطبيب ان رشيد يحتاج إلى العلاج النفسي واذا تأخر هذا العلاج يمكن ان تقوده هذه الحالة الي اليأس ثم التفكير في الانتحار.
نظر اليه جده بحزن، لا يمكنه الانتظار اكثر وهو يرى حفيده يفقد حياته ببطئ، ولا يمكنه المجازفة بمستقبله عندما ينتشر خبر خضوعه للعلاج النفسي بين زملائه وأصدقائه، فكر في ارساله الي خارج البلاد، لكي يتعالج نفسيًا بإحدى المستشفيات بسرية ولا يعلم احد بشئ ويعود اليه كما كان سابقًا.
بعد عدة ايام..
بدأ اللواء نور الدين الجبالي في إجراءات سفر حفيده الي احدى الدول الاجنبيه لتلقي العلاج النفسي بسرية تامة في واحدة من أكبر المستشفيات، كانت تزداد حالة رشيد سوء ويشتد عليه الشعور بالمرض الجسدي والنفسي، لم تترك كارمن أفكاره لحظة واحدة، حاول خالد مساعدته في البحث عنها، لكن البحث عنها جاء بالفشل ولم يستطيع خالد الوصول اليها حتى اعتقد انها تركت البلاد وسافرت مع والدتها الي الخارج.
انتظر جده حتى جاء موعد السفر واخبره به قبل ساعات من موعد اقلاع الطائرة. اصبح رشيد في حالة سيئة ولا تسمح له بالاعتراض على السفر، بدأ يتسلل اليه الشعور باليأس وعدم الرغبة في الحياة، اصبح هو الاخر يريد العلاج النفسي لكي يعود الي نفسه من جديد.
استوقفه جده بالمطار قبل اقلاع الطائرة، وقف امامه وتحدث اليه بقوة:
- اسمعني كويس يا رشيد قبل ما تسافر.. انت هتخرج من البلد دي عشان تتعالج وترجعلنا رشيد حفيدي القوي، وتنسى كل اللي فات وتبدأ حياتك من جديد.
نظر رشيد الي جده بضعف، لم يشعر احد بالالم الذي يشعر به بداخله، لقد اشتاق إليها كثيرا رغم قسوتها عليه، يريد الاطمئنان عليها والتحدث اليها لمعرفة لماذا فعلت هذا به؟ ماذا فعل معها لكي تفكر في خيانته!
لم يتوقف عقله عن التفكير بها ولم يتوقف قلبه عن عشقه لها والخوف عليها، اعتقد ان بسفره الان يمكنه الهروب من أفكاره وذكرياته معها وبأمكانه نسيانها بالكامل.
نظر اليه جده بقوة واضاف:
- وقبل ما تخرج من هنا لازم تطلق البنت دي وتخرجها من حياتك للابد.
نظر اليه رشيد بصدمة، خفق قلبه بقوة، لم يستطيع اخذ هذا القرار وهو بهذه الحالة، هناك شعور قوي بداخله يخبره ان هناك شئ لا يعلمه، مازال لا يصدق ما فعلته به! توتر خالد وهو يقف بجوارهما ويتابع رد فعل رشيد. تحدث رشيد الي جده بتعب:
- بلاش نتكلم في الموضوع ده دلوقتي يا جدي.. انا حقيقي تعبان ومحتاج ابعد عن هنا.
تحدث اليه جده بقوة:
- انت هتفضل تعبان طول ما البنت دي شايله اسمك بعد اللي عملته فيك!
نظر رشيد امامه بتفكير، ربت جده فوق كتفه بدعم قائلا:
- انا عارف انه قرار صعب بس لازم تاخد القرار ده يا رشيد قبل ما تسافر، لانك مستحيل هتقدر تنساها وهي شايله اسمك.
أومأ برأسه بالايجاب وتحدث وهو شارد بافكار كثيرة:
- عندك حق يا جدي.. انا فعلاً لازم اخد القرار ده، بس انا محتاج اكون أقوى من كده عشان اقدر اخده.
نظر جده إلى خالد وتبادلت النظرات بينهما، أومأ خالد برأسه الي الجد مطالبًا منه الا يضغط عليه اكثر. تفهم الجد ما يمر به وتحدث اليه:
- وانا واثق فيك يا رشيد ومتأكد انك هتاخد القرار ده وتنفذه اول ما تخرج من البلد هنا، وهستنا منك مكالمة تقولي فيها انك طلقتها خلاص.
ذهب رشيد وهو يفكر في حديث جده. كلما اقترب من الطائرة كان يعتقد ان المسافات البعيدة بينه وبينها تستطيع مساعدته على النسيان، اقلعت الطائرة واخذته الي خارج البلاد.
بلد جديد وناس جدد وحياة جديدة مختلفة، عامً بداخل المشفى يتلقى العلاج النفسي، وعامً اخر بخارج المشفى مع متابعة العلاج النفسي مع الطبيب المعالج، وعامان استطاع فيهم انشاء عمل خاص به بعد تقبله الانفصال عن عمله بالشرطة بعد قضيته الاخيرة ومرضه وسفره الي الخارج، عامً تلو الاخر وهو يحاول التعايش بدونها والتأقلم مع حياته الجديدة وتحقيق نجاح بعمله الجديد في مجال (إدارة الأعمال) فعل كل ما بوسعه لكي يعود كما كان سابقًا قبل وجودها بحياته.
لم يستطيع اخذ قرار الطلاق رغم سفره واقامته بالخارج أربعة أعوام، لم يستطيع العودة قبل ان يتعافى من عشقه لها واثبات نفسه في العمل من جديد، كان دائمًا على تواصل مع خالد وكان خالد يبحث عنها في كل مكان. كان الجد دائمًا يتواصل مع رشيد ويطالبه بتنفيذ قرار الطلاق، حتى اخبره رشيد ذات مرة انه اخذ هذا القرار وقام بتنفيذه. هكذا اطمئن جده وشعر بالراحة ولم يتحدث معه بهذا الموضوع مرة أخرى.
بعد مرور أربعة اعوام بين العلاج النفسي ومحاولاته الكثيرة لنسيانها ونجاحه بعمله الجديد. جاءته مكالمة من خالد يؤكد له انه رأها تعمل بأحد المطاعم ويبدوا عليها الفقر الشديد، لم يستطيع المكوث بالخارج بعد معرفته بوجودها بمصر، قرر العودة لكي ينهي علاقته بها بعد ان يتأكد من خيانتها له. لقد تبدل العشق بداخله للكراهية، هذا ما اعتقده حتى تقابل معها في الحفل! مشاعره اتجاهها تغضبه كثيرًا، مازال قلبه يخفق بقوة عند رؤيتها! مازال يشتاق اليها كثيرًا. لا يصدق انها مازالت بقلبه رغم قسوتها وخيانتها له! عشقه لها يرهق قلبه كثيرًا، يريد معرفة سببً واحدًا يدفعها لذالك! ربما يستطيع انتزاع عشقها من قلبه بعد معرفة السبب الذي دفعها لخيانته....
فاق من ذكرياته علي صوت خالد وهو يتحدث اليه بهدوء:
- رشيد.. انت لازم تتكلم معاها وتنهي الموضوع ده بقى! انا ساعدتك توصلها وتعرف مكانها عشان تعرف منها السبب اللي خلاها تعمل فيك كده وترتاح.
نظر اليه رشيد بتفكير، أومأ خالد برأسه مؤكدًا:
- ايوه يا رشيد انت لازم تاخد القرار النهائي عشان تكمل باقي حياتك.. يا اما تطلقها وتكمل حياتك مع واحدة تانيه، يا اما تسامحها وترجعها حياتك تاني وتاخدها وتسافروا بعيد عن هنا.
حدق به رشيد بصدمة مرددًا:
- اسامحها!! اسامحها ازاي بعد ما دمرت حياتي! انا خسرت شغلي بسببها وخسرت اهلي وعشت في الغربه اربع سنين اتعالج عشان اقدر بس انساها!
تحدث اليه خالد بثقة:
- ورغم كل ده مقدرتش تنساها.
حدق به رشيد بصدمة، أومأ خالد برأسه بالايجاب ووقف من مكانه وهو يضيف:
- انا هخرج وابعتهالك.. يمكن لما تتكلم معاها تلاقي اللي انت عايزه وترتاح.
خرج خالد من الغرفة ولم ينتظر رده عليه، جلس رشيد بمكانه يفكر بصدمة! لا يعلم حقًا ماذا يريد! هل يمكنه انهاء علاقته بها رسميًا وتركها والزواج من غيرها؟ ام يمكنه مسامحتها على ما فعلته به والعودة اليها مرة أخرى؟ لكنه ليس بهذا الضعف حتى يعود اليها بعد ما فعلته! يريد فقط معرفة سبب ما فعلته، يريد استماع صوتها وهي تخبره لماذا فعلتها به!
صوت خطواتها اخرجه من افكاره، توقفت بتوتر عند الباب، خفق قلبها بقوة عندما رآته أمامها. نظر اليها وتأملها بقوة، مازال يستطيع الشعور بها وبما تشعر به، كان يرى خوفها وتوترها بوضوح، كان يستمع الي صوت خفقات قلبها المسرعة.
تقدمت اليه بخطوات مرتبكة. كان جسدها يرتجف بقوة. عجز لسانه عن الحديث عند رؤيتها، اراد فقط معانقتها حتى يشعرها بالامان ويختفي خوفها.
وقف من مكانه وهو يتأملها بقوة، كم اشتاق إليها! اغضبته مشاعره اتجاهها التي مازالت تحيا بقلبه، ماذا يريد اكثر حتى تتبدل تلك المشاعر بداخله وتصبح باردة، والافضل لو تختفي ولا يخفق لها قلبه مرة اخري.
توقفت أمامه وجسدها يرتجف بخوف، تحدثت اليه بتوتر:
- رشيد انا بعمل ايه هنا؟ ليه قبضوا عليا وخدوني من البيت بالطريقه دي؟!
اغضبته برائتها التي تخدعه دائمًا، نظراته القاسيه مع نبرت صوته الحادة وهو يجيب عليها:
- من أربع سنين انا كمان خدوني من البيت وقبضوا عليا بنفس الطريقه دي وانا مكنتش عارف ليه!
اشتدت نبرة صوته بقسوة وهو يقترب منها اكتر ويمسك بذراعيها ويضغط عليها بقوة ويضيف:
- انتي وقتها كنتي تعرفي قبضوا عليا ليه؟
لمعت عيناها بالدموع وهي تتألم من قبضة يديه القاسيه، انسابت دموعها وهي تجيب عليه بخوف:
- انا اسفه.
حدق بها بقسوة مرددًا بذهول "اسفه!!" ارتجف جسدها بخوف. تلقت صفعة قوية من يديه علي وجنتها وهو يصرخ بها:
- اسفه بعد ما دمرتي حياتي؟!
انتفض جسده وأصبح قلبه على وشك التوقف، انقطعت انفاسه فجأة وكأن روحه تنسحب منه وتتركه يعيش هذه اللحظة بدون قلب وبدون روح لكي لا يشعران قلبه وروحه بهذا الالم الذي يعيشه الان.
اقترب منه خالد وربت على ظهره بدعم قائلا بحزن:
- رشيد انت لازم تكون قوي وتستقبل الصدمة دي بعقل عشان نقدر نثبت برائتك ونخرجك من هنا.
سأله رشيد بصوت مبحوح وهو ينظر أمامه بصدمة:
- عرفت كانت بتعمل ايه هنا؟
أومأ برأسه بالايجاب وتحدثت بحزن:
- كانت بتزور سعد بشار.
اغمض رشيد عيناه بصدمة ثم ضرب بقبضة يديه فوق الطاوله امامه بقوة وهو يصرخ بصدمة لا يصدق ما فعلته به بعد حبه الكبير لها وعشقه لها الذي تخطى حدود العشق، كيف تعاونت مع ذاك المجرم! كيف استطاعت ان تفعلها به! هل هذه حبيبته البريئة النقيه التي خطفت قلبه! اين ذهبت برائتها؟ هل استطاعت خداعه مثل ما فعلت والدتها مع والده سابقًا؟ هل كان جده محق عندما حذره منها واخبره انها مثل والدتها؟ هل هذا جزائه بعد كل ما فعله معها!
اقترب منه خالد وامسك بيديه وتحدث اليه بقوة:
- رشيد انت لازم تهدى عشان نقدر نفكر ونلاقي حل، ومتنساش انها مراتك، يعني حتى لو اتهمناها يبقى هنضر اسمك وسمعتك.
تبدلت نظرات عينيه الي نظرات ناريه قاسية، اراد مواجهتها بخيانتها والانتقام منها بقسوة، نيران مشتعله بقلبه لن يشعر بها احدًا غيره، افكار كثيرة بالانتقام استرسل له عقله بها حتى تهدأ النيران المشتعله بداخله.
نظر اليه خالد بقلق وشعر بالصراع الدائر بداخله. تحدث اليه رشيد بصوت ذو نبرة قاسية:
- انا لازم اشوفها يا خالد.. اعمل اي حاجة وهتهالي هنا.
حدق به خالد بقلق، شعر بنيته في الانتقام منها، يعلم ان هذا ليس الوقت المناسب لمناقشته في شئ، أومأ له برأسه بالايجاب لكي يهدأه قليلاً :
- حاضر يا رشيد.. اللي انت عايزه هيتنفذ.
ذهب خالد وهو يفكر كيف يحميه من غضبه وافكاره المتهوره في الانتقام، لم يجد امامه سوى الذهاب إلى جد رشيد.
ذهب إلى اللواء المتقاعد "نور الدين الجبالي" جد رشيد. واخبره بكل شئ.
لم يتفاجئ جد رشيد كثيرا عندما اخبره خالد ان زوجة رشيد هي من تعاونت مع سعد بشار ضده، هذا ما كان ينتظره ان يحدث من فتاة لها ام مثل سهير سالم، يضع كل الخطأ على حفيده؛ هو من ذهب اليها ووضع اسمه وحياته بين يديها، لم يقوم جده بمساعدته حتى الان لكي يعطيه الوقت الكافي لكي يستيقظ من هذا العشق الذي اعمى عينيه وجعله اسير لتلك الفتاة التي حذره منها سابقًا، لكنه لم يلتفت الي حديث جده وذهب وتزوج منها رغمًا عن الجميع.
كان جد رشيد ينتظر انتهاء التحقيقات مع حفيده وهو على يقين ان التحقيقات سوف تثبت برائته، لكن لا يمكنه الانتظار بعد الآن، عليه فعل كل شئ لاثبات براءة حفيده بنفسه واخراج تلك الفتاة من حياته الي الابد.
ذهب جد رشيد الي صديقه اللواء طلعت. استقبله اللواء طلعت بترحاب شديد. جلس جد رشيد وتحدث معه:
- وبعدين يا طلعت! .. التحقيق مع رشيد طول اوي وكل ده ملوش لازمة!
اجابه اللواء طلعت باحترام:
- حضرتك عارف الإجراءات.. بس انا عايز اطمن حضرتك ان كل التحقيقات الجديدة بتاعنا في صالح رشيد رغم اقوال زوجته اللي مكانتش في صالحه ابدا!!
غضب جد رشيد واردف بعصبيه:
- انسى موضوع مراته ده يا طلعت لانها السبب في كل اللي حصل.. خلينا في المهم وطمني وصلتوا لأيه؟
اجابه اللواء طلعت:
- مفيش اثبات واحد ظهر يثبت ان رشيد له علاقة بالمخدرات، ومفيش اي بصمات له على شنطة المخدرات اللي اتمسكت في غرفة نومه، وثبتت بصمات كتير مختلفه على الشنطة والاكياس اللي جواها وده بيأكد ان الشنطة دي اتحطت في بيته عن طريق اشخاص رتبوا لكل ده.
أومأ جد رشيد برأسه مؤكدًا:
- انا عرفت مين اللي رتب كل ده يا طلعت.
حدق به اللواء طلعت بفضول، تحدث جد رشيد مرة أخرى واجاب فضوله:
- سعد بشار اللي رشيد قبض عليه في قضية اخطتاف أتوبيس البنات.
نظر اليه اللواء طلعت بصدمة وتحدث بستغراب:
- وحضرتك عرفت ازاي الموضوع ده؟!
اجابه جد رشيد:
- هو راح بنفسه واعترف لـ رشيد وكان هدفه من الاعتراف ده انه يعرف رشيد انه انتصر عليه وانتقم منه.
استمع اليه اللواء طلعت باهتمام وتحدث:
- يبقى احنا لازم نخليه يعترف.
تحدث جد رشيد ببساطه:
- مش محتاجين نضغط عليه عشان يعترف.. كفايه انكم تقبضوا على رجالته اللي برا وتعملوا تطابق للبصمات وانا متأكد ان هتطلع بصامتهم هي اللي موجودة على الشنطة والمخدرات.
أومأ اللواء طلعت برأسه بالايجاب وهو يستمع الي خطة اللواء المتقاعد نور الدين الجبالي.
بعد اسبوع..
استطاعوا القبض على عدد من رجال سعد بشار بخطة مرتبة من اللواء نور الدين الجبالي وتم التآكد من تطابق البصمات الموجودة على اكياس المخدرات مع بصماتهم وبدأ التحقيق معهم ومع سعد بشار.
تحدث اللواء طلعت مع اللواء نور الدين الجبالي وأخبره ان بأمكانهم إطلاق صراح رشيد الان لكن لا يمكنه العودة إلى عمله حتى انتهاء التحقيقات مع سعد بشار ورجاله واثبات برأته بالكامل وخصوصًا بعد ذكر اسم زوجة رشيد في اعترفات رجال سعد بشار.
خلال هذا الاسبوع. كان رشيد في اسوء حالته النفسيه، لم يذهب خالد اليه منذ حديثه الاخير معه عندما اخبره بخيانة زوجته له.
دخل اليه احد الضباط واخبره باطلاق صراحه الان بعد إثبات برائته.
خرج رشيد وكل ما يشغل افكاره هو الذهاب الي كارمن وموجهتها بما فعلته والانتقام منها. لم يفكر ماذا حدث في القضية وكيف تم اثبات برأته، كل ما يفكر به الان هو المواجهة والانتقام. لكن جده لم يعطيه الفرصه.
كان جده في استقباله ومعه خالد وكان معهم مأذون شرعي. اراد منه جده ان يطلق زوجته قبل خروجه من هذا المبنى حتى يطوي صفحتها من حياته ويبدأ حياته من جديد بدونها، لكن رشيد رفض يطلقها قبل ان يواجهها ويعلم منها لماذا فعلت به ما فعلته؟
لم يستطيع جده اقناعه بالطلاق، استسلم جده لرغبته وتركه يذهب اليها ويواجهها بمنزل والدتها ولكنه اشترط ذهاب خالد معه لكي يوقفه عن أي فعل متهور يفكر به.
ذهب رشيد مع خالد بسيارته، كانت الكثير من الاسئلة تتزاحم برأسه، لا يصدق حتى الان ما فعلته به.
توقفت السيارة امام منزل والدتها، ترجل من السيارة وهو يركض الي منزلها بجنون، يريدها تجيب على أسئلته، يريدها ان تخبره ان ما فعلته به ليس حقيقًا.
وقف يطرق على باب منزلها بقوة، ركض اليه خالد وحاول تهدأته، ظل رشيد يطرق على الباب بقوة ولم يأتيه ردً من الداخل، دخل في حالة هيستيريه وهو يطرق على الباب بقوة حتى گاد ان يحطم الباب. حاول خالد السيطرة عليه وتهدأته بصعوبة، لكن رشيد كان يصرخ وينادي اسمها بطريقه جنونيه. لم يشعر احد بالنيران المشتعلة بقلبه.
بدأ الجيران يتجمعون حولهم واخبرهم حارس العقار انها تركت المنزل هي ووالدتها وذهبوا ولا يعلم احد الي اين!
وقف رشيد ينادي اسمها بجنون، تجمع حولهم عدد من جيران المنزل ووقفوا يتابعون انهياره وهو يركل الباب بقوة وينادي اسم كارمن بصراخ، تابع خالد نظرات الجيران الي رشيد بين الدهشة والشفقة، بدؤ يتهامسون ويطلقوا عليه (المجنون) لم يتحمل خالد رؤيته بتلك الحالة. اخذه خالد بقوة وجذبه الي السيارة، كان ينادي اسمها بصراخ وينظر الي منزلها ينتظر خروجها منه، اخذه خالد بصعوبة الي داخل السيارة، جلس رشيد بداخل السيارة وهو يردد اسمها بجنون ولم يتوقف عن نطق اسمها، شعر خالد بالقلق عليه، اخذ هاتفه وتحدث الي جد رشيد واخبره بحالة رشيد السيئة، واخبره انه سيأخذه الي المشفى وطلب منه سرعة الذهاب اليهم الي المشفى.
*******
اسبوعين وهو بداخل المشفى متمددًا فوق الفراش، يظهر عليه الضعف الشديد ووجهه اصبح شاحب وجسده اصبح نحيف بعد امتناعه عن تناول الطعام. لا يشعر بالرغبة في أي شئ، امتنع عن الحديث حتى اعتقد الجميع انه فقد النطق، لكنه كان ينطق كلمتان اثنان فقط عند حضور صديقه خالد اليه، كان يسأله عن كارمن ولم يجد جواب من خالد غير الصمت والنظرات الحزينه علي حالته وما وصل اليه صديقه المقرب.
كان جده يتابع حالته مع الطبيب المعالج له، آكد له الطبيب ان رشيد يحتاج إلى العلاج النفسي واذا تأخر هذا العلاج يمكن ان تقوده هذه الحالة الي اليأس ثم التفكير في الانتحار.
نظر اليه جده بحزن، لا يمكنه الانتظار اكثر وهو يرى حفيده يفقد حياته ببطئ، ولا يمكنه المجازفة بمستقبله عندما ينتشر خبر خضوعه للعلاج النفسي بين زملائه وأصدقائه، فكر في ارساله الي خارج البلاد، لكي يتعالج نفسيًا بإحدى المستشفيات بسرية ولا يعلم احد بشئ ويعود اليه كما كان سابقًا.
بعد عدة ايام..
بدأ اللواء نور الدين الجبالي في إجراءات سفر حفيده الي احدى الدول الاجنبيه لتلقي العلاج النفسي بسرية تامة في واحدة من أكبر المستشفيات، كانت تزداد حالة رشيد سوء ويشتد عليه الشعور بالمرض الجسدي والنفسي، لم تترك كارمن أفكاره لحظة واحدة، حاول خالد مساعدته في البحث عنها، لكن البحث عنها جاء بالفشل ولم يستطيع خالد الوصول اليها حتى اعتقد انها تركت البلاد وسافرت مع والدتها الي الخارج.
انتظر جده حتى جاء موعد السفر واخبره به قبل ساعات من موعد اقلاع الطائرة. اصبح رشيد في حالة سيئة ولا تسمح له بالاعتراض على السفر، بدأ يتسلل اليه الشعور باليأس وعدم الرغبة في الحياة، اصبح هو الاخر يريد العلاج النفسي لكي يعود الي نفسه من جديد.
استوقفه جده بالمطار قبل اقلاع الطائرة، وقف امامه وتحدث اليه بقوة:
- اسمعني كويس يا رشيد قبل ما تسافر.. انت هتخرج من البلد دي عشان تتعالج وترجعلنا رشيد حفيدي القوي، وتنسى كل اللي فات وتبدأ حياتك من جديد.
نظر رشيد الي جده بضعف، لم يشعر احد بالالم الذي يشعر به بداخله، لقد اشتاق إليها كثيرا رغم قسوتها عليه، يريد الاطمئنان عليها والتحدث اليها لمعرفة لماذا فعلت هذا به؟ ماذا فعل معها لكي تفكر في خيانته!
لم يتوقف عقله عن التفكير بها ولم يتوقف قلبه عن عشقه لها والخوف عليها، اعتقد ان بسفره الان يمكنه الهروب من أفكاره وذكرياته معها وبأمكانه نسيانها بالكامل.
نظر اليه جده بقوة واضاف:
- وقبل ما تخرج من هنا لازم تطلق البنت دي وتخرجها من حياتك للابد.
نظر اليه رشيد بصدمة، خفق قلبه بقوة، لم يستطيع اخذ هذا القرار وهو بهذه الحالة، هناك شعور قوي بداخله يخبره ان هناك شئ لا يعلمه، مازال لا يصدق ما فعلته به! توتر خالد وهو يقف بجوارهما ويتابع رد فعل رشيد. تحدث رشيد الي جده بتعب:
- بلاش نتكلم في الموضوع ده دلوقتي يا جدي.. انا حقيقي تعبان ومحتاج ابعد عن هنا.
تحدث اليه جده بقوة:
- انت هتفضل تعبان طول ما البنت دي شايله اسمك بعد اللي عملته فيك!
نظر رشيد امامه بتفكير، ربت جده فوق كتفه بدعم قائلا:
- انا عارف انه قرار صعب بس لازم تاخد القرار ده يا رشيد قبل ما تسافر، لانك مستحيل هتقدر تنساها وهي شايله اسمك.
أومأ برأسه بالايجاب وتحدث وهو شارد بافكار كثيرة:
- عندك حق يا جدي.. انا فعلاً لازم اخد القرار ده، بس انا محتاج اكون أقوى من كده عشان اقدر اخده.
نظر جده إلى خالد وتبادلت النظرات بينهما، أومأ خالد برأسه الي الجد مطالبًا منه الا يضغط عليه اكثر. تفهم الجد ما يمر به وتحدث اليه:
- وانا واثق فيك يا رشيد ومتأكد انك هتاخد القرار ده وتنفذه اول ما تخرج من البلد هنا، وهستنا منك مكالمة تقولي فيها انك طلقتها خلاص.
ذهب رشيد وهو يفكر في حديث جده. كلما اقترب من الطائرة كان يعتقد ان المسافات البعيدة بينه وبينها تستطيع مساعدته على النسيان، اقلعت الطائرة واخذته الي خارج البلاد.
بلد جديد وناس جدد وحياة جديدة مختلفة، عامً بداخل المشفى يتلقى العلاج النفسي، وعامً اخر بخارج المشفى مع متابعة العلاج النفسي مع الطبيب المعالج، وعامان استطاع فيهم انشاء عمل خاص به بعد تقبله الانفصال عن عمله بالشرطة بعد قضيته الاخيرة ومرضه وسفره الي الخارج، عامً تلو الاخر وهو يحاول التعايش بدونها والتأقلم مع حياته الجديدة وتحقيق نجاح بعمله الجديد في مجال (إدارة الأعمال) فعل كل ما بوسعه لكي يعود كما كان سابقًا قبل وجودها بحياته.
لم يستطيع اخذ قرار الطلاق رغم سفره واقامته بالخارج أربعة أعوام، لم يستطيع العودة قبل ان يتعافى من عشقه لها واثبات نفسه في العمل من جديد، كان دائمًا على تواصل مع خالد وكان خالد يبحث عنها في كل مكان. كان الجد دائمًا يتواصل مع رشيد ويطالبه بتنفيذ قرار الطلاق، حتى اخبره رشيد ذات مرة انه اخذ هذا القرار وقام بتنفيذه. هكذا اطمئن جده وشعر بالراحة ولم يتحدث معه بهذا الموضوع مرة أخرى.
بعد مرور أربعة اعوام بين العلاج النفسي ومحاولاته الكثيرة لنسيانها ونجاحه بعمله الجديد. جاءته مكالمة من خالد يؤكد له انه رأها تعمل بأحد المطاعم ويبدوا عليها الفقر الشديد، لم يستطيع المكوث بالخارج بعد معرفته بوجودها بمصر، قرر العودة لكي ينهي علاقته بها بعد ان يتأكد من خيانتها له. لقد تبدل العشق بداخله للكراهية، هذا ما اعتقده حتى تقابل معها في الحفل! مشاعره اتجاهها تغضبه كثيرًا، مازال قلبه يخفق بقوة عند رؤيتها! مازال يشتاق اليها كثيرًا. لا يصدق انها مازالت بقلبه رغم قسوتها وخيانتها له! عشقه لها يرهق قلبه كثيرًا، يريد معرفة سببً واحدًا يدفعها لذالك! ربما يستطيع انتزاع عشقها من قلبه بعد معرفة السبب الذي دفعها لخيانته....
فاق من ذكرياته علي صوت خالد وهو يتحدث اليه بهدوء:
- رشيد.. انت لازم تتكلم معاها وتنهي الموضوع ده بقى! انا ساعدتك توصلها وتعرف مكانها عشان تعرف منها السبب اللي خلاها تعمل فيك كده وترتاح.
نظر اليه رشيد بتفكير، أومأ خالد برأسه مؤكدًا:
- ايوه يا رشيد انت لازم تاخد القرار النهائي عشان تكمل باقي حياتك.. يا اما تطلقها وتكمل حياتك مع واحدة تانيه، يا اما تسامحها وترجعها حياتك تاني وتاخدها وتسافروا بعيد عن هنا.
حدق به رشيد بصدمة مرددًا:
- اسامحها!! اسامحها ازاي بعد ما دمرت حياتي! انا خسرت شغلي بسببها وخسرت اهلي وعشت في الغربه اربع سنين اتعالج عشان اقدر بس انساها!
تحدث اليه خالد بثقة:
- ورغم كل ده مقدرتش تنساها.
حدق به رشيد بصدمة، أومأ خالد برأسه بالايجاب ووقف من مكانه وهو يضيف:
- انا هخرج وابعتهالك.. يمكن لما تتكلم معاها تلاقي اللي انت عايزه وترتاح.
خرج خالد من الغرفة ولم ينتظر رده عليه، جلس رشيد بمكانه يفكر بصدمة! لا يعلم حقًا ماذا يريد! هل يمكنه انهاء علاقته بها رسميًا وتركها والزواج من غيرها؟ ام يمكنه مسامحتها على ما فعلته به والعودة اليها مرة أخرى؟ لكنه ليس بهذا الضعف حتى يعود اليها بعد ما فعلته! يريد فقط معرفة سبب ما فعلته، يريد استماع صوتها وهي تخبره لماذا فعلتها به!
صوت خطواتها اخرجه من افكاره، توقفت بتوتر عند الباب، خفق قلبها بقوة عندما رآته أمامها. نظر اليها وتأملها بقوة، مازال يستطيع الشعور بها وبما تشعر به، كان يرى خوفها وتوترها بوضوح، كان يستمع الي صوت خفقات قلبها المسرعة.
تقدمت اليه بخطوات مرتبكة. كان جسدها يرتجف بقوة. عجز لسانه عن الحديث عند رؤيتها، اراد فقط معانقتها حتى يشعرها بالامان ويختفي خوفها.
وقف من مكانه وهو يتأملها بقوة، كم اشتاق إليها! اغضبته مشاعره اتجاهها التي مازالت تحيا بقلبه، ماذا يريد اكثر حتى تتبدل تلك المشاعر بداخله وتصبح باردة، والافضل لو تختفي ولا يخفق لها قلبه مرة اخري.
توقفت أمامه وجسدها يرتجف بخوف، تحدثت اليه بتوتر:
- رشيد انا بعمل ايه هنا؟ ليه قبضوا عليا وخدوني من البيت بالطريقه دي؟!
اغضبته برائتها التي تخدعه دائمًا، نظراته القاسيه مع نبرت صوته الحادة وهو يجيب عليها:
- من أربع سنين انا كمان خدوني من البيت وقبضوا عليا بنفس الطريقه دي وانا مكنتش عارف ليه!
اشتدت نبرة صوته بقسوة وهو يقترب منها اكتر ويمسك بذراعيها ويضغط عليها بقوة ويضيف:
- انتي وقتها كنتي تعرفي قبضوا عليا ليه؟
لمعت عيناها بالدموع وهي تتألم من قبضة يديه القاسيه، انسابت دموعها وهي تجيب عليه بخوف:
- انا اسفه.
حدق بها بقسوة مرددًا بذهول "اسفه!!" ارتجف جسدها بخوف. تلقت صفعة قوية من يديه علي وجنتها وهو يصرخ بها:
- اسفه بعد ما دمرتي حياتي؟!