اخر الروايات

رواية تناديه سيدي الفصل العاشر 10 بقلم صابرين شعبان

رواية تناديه سيدي الفصل العاشر 10 بقلم صابرين شعبان 

الفصل العاشر

جالسة بجواره مرتبكة تكاد تلتصق بالنافذة ضامة يديها على قدميها في حركة متوترة تنظر إلى الطريق تحاول أن تجعل تنفسها يخرج هادئا حتى لا يلاحظ إرتباكها بقربه تتسأل أحياناً لما هو متقلب المزاج هكذا تارة تشعر أنه يريد التقرب منها كالأن مثلاً عندما ترك لها مقعده ، و تارة أخرى تشعره يكرهها كذلك اليوم عندما تجاهلها و عاملها بلامبالاة عند حضورها للعمل صباحاً ، يأتي الليل و تتزاحم أفكارها فقريبا سيعود والدها للعمل مرة أخرى و ستترك العمل لدي الجدة حينها لن تستطيع رؤيته كما تفعل الآن و ستعود للقاء الجدة في الحديقة العامة كما تعودا تعلم أنها لن تستطيع الذهاب لمنزلها بعد ذلك حتماً ستشعر بالحرج منه إن ذهبت لهناك ، تراه اليوم ذقنه حليق كالمرة السابقة عندما أتى للزيارة مع جدته يبدو كمن لم يعد يهتم بمدارة جرح وجهه خلف شعيرات ذقنه الطويلة و شعر رأسه الذي كان يتركه يطول رغم أنه كان يعجبها كثيرا فقد كان يضفي على مظهره بعض الغموض و التوحش أبتسمت نجمة و أغمضت عينيها يا إلهي هل هى مثل الفتيات التي تحب مظهر الرجل الخشن ؟ تنهدت بشجن ، تتسأل ما حدث له ، كم تود أن تعلم ماذا حدث له ليصاب هكذا ؟ و إن كان تضرر بهذا الشكل لمَ لم يقم بجراحة تجميلية ليزيلها فهو لا يفتقر إلى المال كما يبدو ، لقد أخبرتها الجدة فريدة أنها ستخبرها ما حدث يوماً و هى تتحرق لتعرف و تشعر بالحرج من سؤالها مرة أخرى .
مشاعر متناقضة داخلها عندما تراه تخشاه و تطمئن معه تفرح إن رأته هادئا و تحزن إن رأته ثائرا تحب حبه لجدته و إهتمامه بمن حوله تتذكر حين ذهبت لتخبر الجدة بأن صبا مريضة عرض على جدته الذهاب معها و الإطمئنان عليها و على وسيم فقط ليجنب جدته فترة قلق ستمر بها لحين رؤيتها لصبا و وسيم أحياناً تشعر أنه يغار من حب جدته لأحد غيره معلله له ذلك لأنها الفرد الوحيد المتبقي له من عائلته.
طِراد إسم غريب لم تسمع به من قبل كم تحب إسمه دوماً تردده بينها و حالها و لا تقدر على النطق به بصوت عال حتى عند حديثها مع الجدة بشأنه دوماً ما تناديه سيدي .
تحمد الله أنها تعمل لديه و جدته بعد معاناتها مع أرباب العمل المختلين الذين مرا بحياتها مؤخراً ، تذكر ذلك الوغد الذي طالبها بكل وقاحة أن تكون عشيقته ، وقتها لم تصدق ما يتفوه به و لم تعلم كيف رحلت دون قتله ، سيبقى هذا اليوم دوماً في ذاكرتها لسبب واحد فقط ، هو يوم قابلته أول مرة ، أرتجفت عندما تذكرت كيف أحتواها ليمنع سقوطها على الأرض ، ضمت يديها بقوة و هى تكاد تخترق زجاج النافذة و هى تلتصق به .

***********

شعر بالألم و هو يرى نفورها من الجلوس بجواره في الحافلة و هى تكاد تخترق النافذة لتهرب من ملامسته كلما أتخذ السائق منحنى أو مطباً صناعيا على الطريق يرى يديها مضمومة بتوتر و وجهها ملتصق بزجاج النافذة ، أغمض عينيه بألم ماذا يريد أكثر من ذلك ليعلم أنها تكره قربها منه و أنها تعامله بأدب فقط من أجل جدته و لأنه رب عملها ، لقد عادت جدته لمحادثته في أمر الزواج مرة أخرى و لكنها لم تأتي على ذكر زواجه من نجمة ثانيةً ،هل حادثتها و رفضت و لذلك تريد تزويجه من أي كان أغمض عينيه بقوة ، لم لا تتركه فقط و شأنه هو لا يريد أن يفرض وجوده على إحداهن فقط ليرضي جدته و ينجب لها أحفادا ، تنفس بعمق و هو يشيح بوجهه ينظر تجاه مقعد جدته ، و التي تبدو منهمكة مع والدة نجمة في الحديث ، سامحك الله جدتي أنت من أقحمتها في رأسي ، لقد جعلتني لا أستطيع بداية يومي بدون رؤيتها و سماع صوتها عند الإفطار كل يوم ، و لا خلودي للنوم بدون رؤيتها آخر شئ في يومي ، و ما معاملتي القاسية بعض الأحيان و تجاهلي لها أحيانا أخرى ما هى إلا هروبا منها و من مشاعري التي تقودني إليها ، قريبًا قريبًا يا طِراد سترحل كما قال والدها ماذا ستفعل حينها ، هل ستذهب مع جدتك لرؤيتها أنت لم تفعلها من قبل لما تفعل ذلك الآن ؟؟
لأني أعلم أنها لن تأتي لمنزلنا عندما ترحل فهى لم تفعلها من قبل و لن تفعلها الآن ، رفع يد مرتعشة دون وعي منه يتحسس جرح وجهه أنتبه لما يفعل فأخفض يده يضمها في قبضة بقوة يشعر بأنه على وشك الإنفجار تنهد هدوء يعاود السيطرة على مشاعره ليعود و ينظر أمامه بجمود .

**********

تتحدث معها جميلة بحماسة و هى تنظر إليها بشرود ترسم على شفتيها بسمة واهنة تداري بها ما تشعر به من عذاب و نار مشتعلة داخلها لا تعلم ماذا كانت ستفعل لولا مجئ نجمة لبيتها و رؤيتها مع وسيم تهتم به أمامها هل كانت إستسلمت لما حدث و لم تفق على أن صغيرها في حالة خوف و قلق منذ ذلك اليوم هل هى أنانية إلى الدرجة التي بها لم تهتم سوى بمشاعرها هى تاركة سبب عذابها لعامين و نصف يشعر بالضياع ، نعم هى غاضبة من زوجها لم فعله و هى لن تسامحه على ذلك و لكن وسيم ماذنبه في ما حدث لتعاقبة بالإبتعاد عنه أيضاً ، رفعت عينيها لتقع عليه ينظر إليها بحنان و والد نجمة منهمك معه في الحديث ، فأشاحت بوجهها بعيداً و عادت تستمع لجميلة بإهتمام هذه المرة .

**********
ترك السائق الطريق العام و دلف لطريق جانبي تَحُفُوا الأشجار على كلا الجانبين سار لفترة قصيرة ثم اتجه لطريق جانبي آخر في نهايته بوابة حديدية كبيرة ترتفع لثلاثة أمتار و على عرض ستة أمتار على الأقل نهض طِراد ليقف بجانب السائق ليراه الرجل خلف البوابة فينهض بدوره و هو يحني رأسه مرحباً و يفتح الباب لدلوف الحافلة للداخل
تحركت الحافلة مرة أخرى لتسير ببطء هذه المرة مسافة قصيرة ليقف أمام منزل من طابقين يظهر عليه القدم ببوابته الخشب البنية اللون .
نهضت فريدة بحماسة من مقعدها قائلة ..” اه كم أشتقت للمنزل هنا و لم أحب أن أتي لأجلس وحدي به . فطِراد دوماً مشغول أو في الخارج مع العمال هنا فهو حين يأتي يعمل كل شئ بيديه معهم “
أحنت رأسها لسناء التي تستمع لها باسمة تقول ..” هيا سناء تحركي لأريكي بيتي “
تحركت سناء لتفسح المجال للجدة للخروج من المقعد و لكن قبل نزولها سبقها الرجال الأتين معهم للعمل في المزرعة و أنصرفا بعد أن تحدثا قليلاً مع طِراد و بعد رحيلهم أسرع الأولاد للخارج يهبطان من الحافلة بحماسة تفحصا المكان حولهم فلم يجدا أثرا لأي من الحيوانات فظهر على وجوههم الخيبة و قال ياسين على لسانهم لطِراد الواقف بجوار السائق ..” أين هى الأبقار نحن لا نرى منها شيئاً هنا “
أبتسم طِراد و أجاب ياسين بمرح لحماستهم و عدم صبرهم ..” أنتظرا قليلاً فقط ندخل والديكم و جدتكم للمنزل ليستريحا من عناء الطريق و بعدها نرى الأبقار كما تريدون “
تحمس الأولاد فقال وسيم ..” هيا أبي هيا أمي كفانا تضيع وقتنا “
ضحكت فريدة و سناء و أبتسمت صبا لتقع عيناها على زوجها الناظر إليها بحنان شعرت بالغيظ من نظراته فأشاحت بوجهها بعيداً عنه .
خرج الجميع من الحافلة و ظل طِراد و نجمة و صبا و تامر أقترب منها قائلاً .” الن تهبطي من الحافلة “
نهضت صبا و أتجهت للباب تحتك بجسده النحيف الواقف أمامها بصلابة يسُد عليها الطريق الضيق في الحافلة لتهبط زامة شفتها بحنق
نهضت نجمة بدورها لتترجل من الحافلة في نفس الوقت الذي أستدار فيه طِراد من جوار السائق ليهبط بدوره فأصتدم بها على الدرج فأخفضت رأسها خجلا قائلة بإرتباك ..” أسفة لم أنتبه “
أفسح لها طِراد الطريق لتترجل هى أولا و هو يحني رأسه قائلاً بجمود ..” لا عليكي تفضلي أنت أولا “
هبطت نجمة لتلحق بفريدة التي دلفت إلى المنزل مع سناء و محمود و الأولاد قالت نجمة لصبا التي تسرع بعيداً عن زوجها ..” أنتظرى صبا اتيه معك “
وقفت تنتظرها فسارت بجانبها و على الجانب الآخر زوجها الذي كان يلامس ذراعه ذراعها فأرتعشت مبتعدة عنه خطوتين فزم تامر شفتيه ضيقاً و ندما يبدو أن لا طريقة هناك لتسامحه على فعلته الشنيعة معها و أن طريقه لقلبها مرة ثانية أصبح طويلاً و وعراً .
دلف الجميع للمنزل لتستقبلهم إمرأة بسيطة الملبس و لكنها نظيفة و مرتبة كانت في الخمسين من عمرها جلبابها الطويل واسع لا يظهر جسدها النحيف و غطاء رأسها يخفي جبينها و كتفيها بلونه الأزرق الغامق . استقبلت فريدة باسمة قائلة بحبور ..” أخيراً أتيتي سيدتي لقد بت أعتقد أنك قد نسيتنا و لن تأتي هنا مرة أخرى و أن المدينة قد راقت لك “
إبتسمت فريدة فاتحة ذراعيها للمرأة تحتضنها بفرح قائلة ..
” لقد أفتقدتك كثيرا أم عبد الله كيف حالك و حال أسرتك لمَ لم تأتي أنت مرة واحدة مع طِراد لرؤيتي يا إمرأة فلا تقولي أني لم أسأل عنك كل هذا الوقت لقد كنت أفعل ألم يبلغك طِراد بذلك “
ضحكت أم عبد الله و أمسكت بيد فريدة بين يديها قائلة بمرح
” الآن سترمينها على عاتقي ، حسنا فليأتي طِراد و نسأله من منا المقصر “
قالت فريدة و هى تضع يدها على كتفيها ..” لا لا لن نسأل و نألم رأسه بثرثرتنا تعالي لأعرفك على ضيوفنا كان الجميع قد أتى من الخارج فأشارت لمحمود و سناء معرفه عنهم ثم تامر و صبا و الأولاد ، ثم أمسكت بيد نجمة تقربها إليها قائلة ..” و هذه تكون حبيبتي نجمة ، أنت أيضاً ستحبينها عندما تعرفينها حتماً “
أبتسمت أم عبد الله قائلة ..” مؤكد سيدتي لقد حظيت بحبك أنت أكيد سأحبها أنا أيضاً “
سألتها فريدة بجدية ..” هل أعددتي كل ما أخبرتك به أم عبد الله إن لم تفعلي ساعدناك أنا و نجمة فهى سيدة منزل ممتازة “
قالت المرأة بثقة ..” لا سيدتي كل شئ بخير و معد لإستقبالكم و الآن اجعلي ضيوفنا يستريحون حتى أعد الطعام مؤكد تشعرون بالجوع من طول الطريق “
قاطعهم تذمر الأولاد و وسيم يقول بنفاذ صبر ..” جدتي نريد أن نرى الأبقار الآن و سنأكل فيما بعد أرجوك جدتي “
تدخل طِراد الذي يراقب جدته الفرحة و المتحمسة لليوم كالأطفال فقال ..” جدتي أنا سأخذ الأولاد ليرون الأبقار و أنتم تناولوا الطعام و نحن فيما بعد ما رأيك “
وافق الأطفال بحماسة على إقتراحه فهزت فريدة رأسها موافقة و قالت بحماسة ..” فلتأخذ نجمة معك لتريها كريم هى أيضاً فقد حدثتها عنه كثيرا حتى باتت متحمسة لرؤيته أليس كذلك نجمة “
أرتبكت و أحمر وجهها و قالت بخفوت ..” لا داعي لذلك جدتي في وقت لاحق ربما “
قاطعتها فريدة بحماسة ..” لا حبيبتي أذهبي مع الأولاد “ ثم التفتت لمحمود و سناء بتساؤل ..” هل تمانعان ذهابها مع الأولاد “
هز محمود رأسه موافقا و قالت سناء التي تعرف نوايا الجدة تجاههم و لأنها مطمئنه لوجود أخوتها معها فلم تمانع خاصةً أن طِراد لا يعلم شيئاً من نويا جدته تجاههم .
” لا حبيبتي أذهبي مع الأولاد و أستمتعي بوقتك و أيضاً حتى تسيطري على ممدوح فأنت تعرفينه “
تذمر ممدوح بضيق قائلاً ..” أمي ماذا بي “
ضحكت سناء و أبتسم محمود قائلاً ..” لا شئ صغيرى أنت فقط كثير الحماسة و ربما لم تسلم البقرات من أسنانك و نجمة ستحمى الأبقار فقط “
ضحك الجميع ماعدا طِراد و تامر اللذين نظرا بحيرة و عدم فهم لمزاح محمود مع ولده ، زم ممدوح شفتيه و كتف يديه أمام صدره معترضا على حديثهم عنه فأبتسمت نجمة قائلة ..” حسنا هيا بنا حتى لا نضيع مزيد من الوقت “
قال طِراد مشيراً إلى الباب ..” حسنا هيا بنا “
تحرك الجميع خارجا خلف طِراد حتى يذهب ليريهم أماكن الأبقار كما وعدهم بعد رحيلهم قالت فريدة ..” هيا لنجلس جميعاً فالرحلة كانت متعبة حقا و الطريق طويلاً “
أجابها محمود ..” معك حق لقد باتت قدمي تؤلمني مرة أخرى و قد ظننت أن فترة علاجي انتهت “
أقتربت منه سناء بقلق قائلة ..” هل تشعر بشئ محمود هل تؤلمك كثيرا“
طمئنها قائلاً ..” لا تخشي شيئاً سناء أنا بخير فقط بعض تعب الطريق البسيط تعرفين لي زمن في المنزل و هذا أول خروج لي منه “
قالت سناء تجيبه بحزم ..” حسنا أنت لن تعمل إلا إذا أطمئنا أنك أصبحت بخير تماما لن نجازف بك “
أبتسم محمود قائلاً بمرح ..” ظننت أنك تريدين التخلص مني و ذهابي من المنزل لتلتقطي أنفاسك “
زمت شفتيها بضيق و قالت تجيبه بحنق ..” أنت ماذا تقول “ ثم التفتت لفريدة مكملة ..” أتسمعين ماذا يقول جدتي أخبريني ماذا أفعل به “
ضحكت فريدة بمرح قائلة ..” كفاكي تذمرا سناء و هيا لنجلس ليستريح زوجك هيا إلى الداخل “ ثم التفتت لصبا قائلة
” و أنت صبا تعالي و زوجك ما بكما تقفان كالتلميذان المعاقبان “
نظرت صبا لزوجها بعتاب فأشاح وجهه بندم يهرب من نظراتها التي تمزقه و تؤلم قلبه لجرحها يبدو طريقك صعب للغاية للوصول إلى قلبها ثانية تحرك بقربها يتجهان إلى الغرفة التي أشارت لها الجدة فريدة ليدلف الجميع لغرفة واسعة بها ثلاثة من الأرئك و ستة من المقاعد المتشابهة و رغم أنه يظهر عليها الزمن إلا أنها كانت نظيفة و تحتفظ برونقها كان جد طِراد في ما مضى يستقبل الكثير من الضيوف فهو كان بحكم سنه كان كبير القرية هنا فكان يلجأ إليه الكثيرون لحل مشاكلهم أو التوسط لهم في أمر ما ، كان في منتصف الغرفة طاولة خشبية كبيرة بسطح زجاجي عليها مزهرية قديمة بها بعض الورود التي تنشر عطرها في الغرفة ، جلس كل من سناء و محمود على أريكة و أتجهت صبا لمقعد منفرد حتى لا تسمح لزوجها بالجلوس جوارها ، زم تامر شفتيه بضيق و اتجه إلى المقعد القريب منها و الجدة فريدة جلست على المقعد القريب من محمود و سناء قالت أم عبد الله الواقفة تنتظر جلوسهم براحة ..” سيدتي هل أعد لكم الطعام الآن “
أجابت فريدة باسمة ..” لا عزيزتي ما رأيك أن تأتي لنا ببعض من العصير المنعش الذي تعدينه لحين يأتي الأولاد و طِراد حتى لا نكون عبئا كبيرا عليكي إذا أعددتي الطعام مرتين “
أومأت أم عبد الله برأسها و أجابت باسمة ..” حاضر سيدتي كما تريدين و لكن لا تقلقي لن أشعر بالتعب من خدمتك و ضيوفك سيدتي فقط أمريني “
أجابت سناء ” و لكن حقا نحن لسنا جائعين سننتظر الأولاد لا تهتمي شكراً لك “
أجابت أم عبد الله ممتنة لإهتمامهم بتعبها ..” حسنا كما تريدون “
أنصرفت أم عبد الله تاركة الجميع يتبادل بعض الأحاديث الهادئة و فريدة تخبرهم عن حياتها في هذا المنزل عندما كان زوجها مازال حيا و أنها لم تستطع البقاء فيه بعد موته مفضلة المكوث مع حفيدها في المدينة على العيش هنا وحدها وسط إنشغال طِراد بعيداً ، كانت تخبرهم عن كل ركن في المنزل و ما يمثل لها من ذكرى فهو كان منزل قديم كبير به العديد من الغرف ، أبتسمت فريدة بشرود مفكرة أنه بيت مثالي لأسرة و العديد من الأطفال اتجه تفكيرها لما يفعله طِراد و نجمة الآن ماذا يفعلان يا ترى هل يتحدثان ، هل يتقربان من بعضهما كما تتمنى يا ليت ذلك يحدث ستكون سعيدة للغاية .

******************
أشار إليهم إلى السير في ممر طويل بجانب المنزل في نهايته باب كبير من المعدن بضلفة واحدة دفعها طِراد لتكشف عن أرض شاسعة خلف المنزل تحيطها الكثير من الأشجار المثمرة و أشجار الزينة العالية خلفها سياج من الخشب يحيط بجزء كبير من الأرض ليحتجز خلفه الكثير من الأبقار التي ترعى و معها بعض الصغار شعر الأولاد بالحماسة لرؤية الأبقار شهق وسيم و ممدوح بفرح و هتف ياسين ” أبقار ، الكثير منها و معها صغارها أيضاً “
نظرت جميلة إليهم بخيبة و قالت ..” لا يوجد معهم خيل هنا لقد ظننت“
أبتسم لها طِراد فأشرق وجهه و هو يقول ..” أصبري قليلا جميلة الخيول وحدها في ذلك المبنى هناك “ أشار لحظيرة من الخشب كبيرة في أخر السياج تجاه اليمين على سقفها الكثير من مكعبات التبن الذي يتغذي عليه الأبقار و الخراف و باقي الحيوانات ، فقالت جميلة بلهفة ..” هل نذهب الآن لرؤيتها “
تذمر الصبيه ..” لم نرى الأبقار أصبرى قليلاً بعد “ قالها ياسين بالنيابة عن بقيتهم ، فتدخلت نجمة بحرج من تذمرات أشقائها خشية مضايقته ” جميلة كفى إزعاج للسيد لقد قال سيريكي إياها فأصطبري “
نظر إليها طِراد بتفحص فأخفضت رأسها قليلاً تهرب من عينيه فقال بهدوء جعل وجهها يحتقن ..” لم لا تقولين طِراد نجمة و لا داعي للسيد هذه “
أرتبكت نجمة و قالت بخجل فهى لا تستطيع منادته بإسمه هكذا ستشعر أنها باتت قريبة منه كما الجدة ، ماذا تفعل حين تبتعد حتما ستشعر بالفقد كما كان يحدث عندما لا تذهب لرؤية الجدة ” لا أستطيع سيدي أسفة “
هز رأسه متفهما فمعنى هذا أنها لا تريد التبسط معه في الحديث أو تقترب منه تريدها فقط علاقة رئيس بمرؤسه ، أقترب الأولاد من السياح يستندون عليه و أنضمت إليهم جميلة أخذ كل منهم حزمة من البرسيم الموجود على شكل تلال قرب السياج يمدها للأبقار ليطعموهم و صغارهم و كلما نفذ ما بيدهم عادوا لأخذ غيرها أقترب البعض منهم يأكل من يدهم و أبتعد البعض الآخر خوفاً من وجودهم
تلفتت نجمة حولها في المكان تتفحصه تبعد عينيها عنه و هو يمد يده ليفتح زر قميصه العلوي و يراقبها تحرك خطوتين مقتربا واضعا يده في جيب سرواله كان قميصه مشدود على جسده فظهر جرح عنقه لناظريها فأبعدت نظرها حتى لا تشعره بالضيق ، كم شعرت برغبة ملحة لمد يدها تتلمسه و تمر بأصابعها عليه و السؤال عما حدث له ذلك اليوم يلح عليها بالخروج من داخلها يقشعر جسدها فقط لتخيلها ما حدث له و العذاب و الألم الذي مر به ، و لتهرب من مشاعرها هذه بقربه سارت بعيداً عنه تستظل بظل شجرة توت كبيرة باسقة مما يحيطون بالمكان أقترب منها طِراد تاركا الصبية و جميلة جانب السياج يطعمون الأبقار أستند بجسده على الشجرة بجوارها فأبتعدت خطوة عنه سمعت صوته الخشن يسألها ..” هل يعجبك المكان نجمة ؟؟ هل تحبين الحيوانات ؟؟ “
قالت تجيبه و هى تكتف يديها تضم جسدها الصغير بالنسبة له تنظر إلى الأولاد أمامها ..” نعم سيدي نعم يعجبني أحب ذلك كثيرا و أحب الحيوانات أيضاً أنا أحب الأماكن الشاسعة و الخضراء لذلك كنت أذهب إلى الحديقة العامة كل إجازة لأقابل جدتي فريدة هناك “
وضع قدم على الشجرة و يديه في جيب سرواله و أستند بجزعه على الشجرة مرة أخرى قال لها بغموض متسألا ..” هل ستعودين لمقابلتها هناك حين تتركين العمل لديها أم ستأتين لزيارتنا في المنزل “
ثم أكمل بلامبالاة و هو يشيح بوجهه جانباً ..” تعلمين جدتي تعلقت بك كثيرا و أصبحتي جزء من حياتها اليومية ، لا تستطيع الإستغناء عنك “
تنهدت بهدوء ودت لو سألته ' و أنت سيدي ماذا أصبحت لديك عبئ تريد التخلص منه لتحظى بإهتمام جدتك مرة أخرى أم أنت أيضاً تعودت على وجودي في حياتك ' قالت تجيبه بخجل لأفكارها تجاه ما يشعره نحوها ..” لا أعلم سيدي ربما أتيت يوماً للزيارة ، و لكن حتماً سأقابلها هناك في مكاننا من الحديقة هى تعلم ذلك فلا تقلق أنا لن أتخلى عنها و أرحل دون الرجوع “
زفر طِراد بضيق ..” حسنا نجمة كنت فقط أطمئن أنك لن تتركي جدتي وحيدة بعد أن تعلقت بك “
التفتت إليه و سألته بجدية و وجهها يحمر خجلا ..” سيدي هل تسمح لي بسؤال “
وقف منتصبا أمامها بعد أن كان مسترخيا على جزع الشجرة و قال بأمر ” أسألي نجمة ماذا تريدين أن تسألي عنه “
قالت و أنفاسها تتباطئ كانت مرتبكة تتسأل هل ما ستقوله سيمرره لها أم سينفجر في وجهها غضبا ..خرجت الكلمات منها متقطعة و هى تقول ” لمَ...لم ... تتزوج للأن سيدي و تأتي لجدتي برفيقة تؤنس وحدتها ..في ..عدم وجودك بجانبها “؟؟؟!!
تسمرت عيناه عليها بجمود فشعرت بفداحة سؤالها و ما تفوهت به و أنها تدخلت في ما لا يعنيها و يبدو من ملامح وجهه أنها أيضاً منطقة محرمة لا يجب الخوض فيها ..بعد صمت طال قليلاً ظنته ساعات أجاب بهدوء و بنبرة صوت غامضة لم تعرف كُنها ..” و هل تقبلين أنت الزواج بي نجمة إذا طلبت منك ذلك “ أشار لجرح وجهه بصمت بعد أن أنهى حديثه فأتسعت عينيها و خفق قلبها لا تعرف بما قصد بأشارته لجرحه و قبل أن تفكر بما ستجيبه ..أتى وسيم و الأولاد مسرعين و قالت جميلة ..” هيا لنذهب لنرى الخيول الآن عمي طِراد لقد أطعمنا جميع الأبقار و هى الآن ممتلئة سنعود مرة أخرى عندما تجوع لنطعمها لقد علمنا المكان أين نجدها “
ثم التفتت لنجمة قائلة ..” ما بك نجمة تبدين شاحبة هل مرضتي “
أبتسمت نجمة مرتبكة لشقيقتها اللاماحة ..” لا عزيزتي أنا بخير فقط شعرت بالحرارة قليلاً فالشمس قوية هنا “
تعجبت جميلة قائلة .. ” أنت تقفين تحت الشجرة نجمة أين هى الحرارة “
قاطعهم طِراد حتى لا تسترسل في الحديث أكثر فيبدو أن نجمة صدمت من حديثه حقاً ، هل هى تكره الفكرة لهذا الحد ..” هيا بنا لنذهب و نرى الخيل جميلة كما تريدين حتى نعود للغداء مؤكد تشعرون بالجوع “ وجد نفسه يثرثر بدون داع لذلك فتحمس الأولاد و تحركا تجاه حظيرة الخيل التي أشار إليها طِراد منذ مجيئهم سارت نجمة خلفهم مرتبكة من الحديث الذي لم ينتهي بينهما ، كان الأولاد يركضون على الطريق بمرح يشدون الزرع القصير على جوانب الطريق للحظيرة دنا منها على الطريق فتنفست بصوت عال فقال بصوت خافت متذمر ..” لا تخشي شيئاً نجمة أنا لا أطالبك بجواب لسؤالي “
التفتت إليه لترى ملامحه الجامدة هل يظن أنها رافضة فكرة إرتباطه بها يا إلهي هل يظن أنها تنفر من جرح وجهه هل لهذا كان يأشر لها عليه ماذا فعلتي نجمة ..و لكنه كان يسألها فقط هو لم يكن جادا حتماً نعم هو لم يكن جادا يتزوجني أنا لا أعتقد ذلك


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close