اخر الروايات

رواية جوازة ابريل الجزء الثاني الفصل الثامن 8 بقلم نورهان محسن

رواية جوازة ابريل الجزء الثاني الفصل الثامن 8 بقلم نورهان محسن



الفصل الثامن ( دقت طبول المعمعة ) رواية جوازة ابريل ج2

لا يوجد شخصا يلائمك تماما ،
بل يوجد شخص تنازل من أجلك ،
لأنه ترغب بالبقاء معك ،
وهنا يبقي السؤال ، هل سيستمر في التنازل للآبد
قريباً جداً سنرى..!!

❈-❈-❈

عند ياسر

_ايه الاخبار؟!

سأل ياسر ببرود ، وهم يسيرون نحو السيارة القريبة من المستشفى ، فأجابت هالة بهدوء : الحمدلله كانت العملية ناجحة

غمغم ياسر بلا مبالاة : تمام مبروك

أخرج المفتاح من جيب بنطاله ، وتابع مع إيماءة بعينه إلى السيارة : محتاج اتكلم معاكي خلينا نقعد في العربية

نظرت هالة إلى ساعة معصمها بتهرب ، فلم تكن لديها رغبة في الحديث في هذا الوقت ، هزت رأسها قائلة برفض هادئً : معلش يا ياسر ممكن تأجل اي كلام انا بقالي اكتر من اربع ساعات واقفة علي رجليا

تغضن جبينه قائلا بإستياء : وانا هنا عشانك من ساعتها وفضلت مستنيكي وماروحتش علي الاقل قدري دا

رفرفت رموشها في ذهول ، ورددت بصوتها الرقيق كلماته في محاولة فاشلة تصديق ما قاله : اقدر!! هو انت بجد تقصد اللي بتقوله انت هنا .. عشاني

فتح ياسر فمه عازما على الرد ، لتتابع بطرح سؤالاً بغضب مكبوت ممزوج بالأسى : انت من يوم ما اتعرفنا علي بعض امتي كنت موجود عشاني؟!

_لما بيكون عندي مشكلة انت بتبقي فين؟!

ياسر مبرراً : هالة انا لو ماقدرتش اجي بسرعة فأنا كنت..

أوقفت هالة سيل الأعذار التي تكاد تنهمر من شفتيه ، وهي جردته من هذا السلاح الضعيف الذي كان يستخدمه درعا لنفسه ، متحدثة ببرود حاد : كنت تقدر تبعت صحبتك مع حد من اهلك يوصلها في سكته .. كان في مية خيار قدامك تحترم مشاعري بيه .. بس للاسف انت حتي مابتحاولش

تجمدت الحروف على طرف لسانه ، مخفضا عينيه تجنباً لنظراتها المعاتبة، مما جعل الشعور بالذنب يتزايد بداخله ، خاصة بعد أن علم بمشاعر يارا تجاهه ، لكن رغم إرادته وجد نفسه ينكر أقوال هالة قائلا بنفى : انتي مش فاهمة ولا عارفة حاجة انا كنت..

واصلت هالة إكمال بقية الجملة بنبرة محتدة ، وإحتقان داخلي كان مخزونا منذ فترة ، وها هي الآن قد استنفدت كل محاولاتها للصبر عليه بسبب برودته ، ليبدأ هذا الشعور المقيت يطفو على السطح : كنت مع صحبتك بتوصلها و خطيبتك في مشكلة .. تعرف الممرضات من لحظة ما دخلت المستشفي عملو سيرتي لبانة بيسلوا بيها نفسهم لحد النهار مايطلع

هرب ياسر من نظراتها بعد أن عجز عن الدفاع عن نفسه ، فأضافت بنبرة زاخرة بخيبة الأمل : وكل مرة هكون فيها بمشكلة انت هتكون معاها و النظام دا انا مش هقبل بيه

❈-❈-❈

فى نفس الوقت

عند باسم

أخذت رماديتيه تطوف كامل هيئتها الباكية دون تعبير مقروء على وجهه ، وقبل أن يتمكن من الكلام ، أنزلت ابريل القناع ، وهى تراه يغلق الباب ، فصاحت في وجهه بعدائية بائنة للأعمى : انت ايه اللي دخلك هنا اطلع برااااا؟!!!!

كاد باسم أن يتحرك نحوها ، لكنه جفل من صراخها الهجومى زعزع شجاعته لوهلة رغماً عنه ، وقطب جبينه انزعاجاً يخشى أن يلاحظ أحد صوتها في الخارج.

أشار باسم لها بالصمت ، وهو يتحدث سريعاً محاولاً طمأنتها : وطي صوتك .. انا جاي اطمن عليكي وخارج علي طول

سقطت من عينيها دمعة ساخنة تشمل الكثير من الحزن ، لكنها لم تسمح لها بالنزول على خدها الناعم ، حيث امتدت أصابعها لتمسحها سريعا ، وهي تبتسم نصف ابتسامة ساخرة ، وهمست بمرارة مشوبة بالاتهام : تطمن عليا ولا تشوفني اذا كنت موت ولا لسه؟

عبس باسم بشدة ، يستوعب كلماتها قبل أن يصدح صوته الرجولى بشكل دفاعي ، ممزوج بالغضب الذي سيطر عليه في لحظة : ايه الهبل دا .. وايه يخليني اتمني موتك!!

أنهى باسم حديثه ، مندهشًا من تفكيرها ، وسلط رماديتيه المستهجنة على فيروزيتها الدامعة ، التي كانت تنظر إليه بسخرية مستاءة ، ثم بخطوات واثقة ، سار نحوها ، ليسحب الكرسي ، ويضعه قبالة السرير ، ويجلس عليه ، واضعًا ساقًا فوق الأخرى بعنفوان يليق به ، ليتمتم بشفتين مزمومتين بغطرسة : تصدقي انا غلطان عشان كنت خايف لا يجرالك حاجة!!!

استندت ابريل على الوسادة خلف ظهرها ، ونظرت بحدة إلى ملابسه التي كان يرتديها الليلة السابقة ، نفس القميص القرنفلى الداكن والبنطلون الرمادي دون سترة البدلة ، وشعره منثور بطريقة عفوية وجذابة.

أسبلت ابريل جفونها بعد أن ظبطت نفسها تتأمله بشرود ، لتعقد ذراعيها أمام صدرها ، ومصححة له بنبرة متهكمة يشوبها التشفى : قصدك خايف علي نفسك .. ماهو لو حصلي حاجة هتشرف في السجن ..

حدقت ابريل به بقوة تخفي وراءها وهناً عظيماً يتفاقم بعنف داخلها ، لأنها تجلس بمفردها معه ، فأشارت إليه بإصبعها السبابة تهديدًا وتحذيرًا وأردفت : اوعي تفكر ان اللي عملته دا هسكت عنه واعديهالك بالساهل .. انا هوديك في ستين داهية وهرفع عليك قضية وهفضحك واخرب بيتك

ابتسم باسم لها بجفاء ممزوج بالمكر ، وعقد ذراعيه بنفس حركتها ، وقال بصوت ضاحك : حقك تعملي كل اللي انتي عايزاه و تقولي اكتر من كدا ومش هلومك ابدا .. ماشي تقدري ترفعي قضية عليا

مال باسم إلى الأمام في مقعده بتحفز مفاجئ جعلها ترتد متوترة رغما عنها ، بينما هو واصل حديثه بهدوء ، مرتديا قناع الجدية والجمود : بس نصيحة مني دوري علي محامي شاطر عشان هينفعك الفترة الجاية .. لاني هرفع عليكي قضية تشهير بسبب الخبر اللي اتنشر عننا وهطلب منك تعويض كبير و يادفع يا الحبس ودا حقي انا كمان ادافع عن اسمي وسمعتي ولا ايه!!!

نظرت إليه أبريل بشراسة ممزوجة بالإنزعاج ، لتقول بتلقائية :.....

❈-❈-❈

بذات الوقت

عند عز

خرج عز بوجه حزين من غرفة منى ، فنهضت دعاء بسرعة من مقعدها ، واقتربت منه لتربت على كتفه بخفة ، وتسأل بقلق : انت كويس يا حبيبي

أومأ عز لها برأسه ، ومسح وجهه بخفة ، وأجاب بصوت منخفض : كويس كويس بس مرهق جدا

دعاء بسؤال : هي لسه علي حالها

_ايوه الممرضة قالت شوية وهتفوق بس هتخرج علي بليل عشان نزفت كتير ومحتاجة راحة

مرر حدقتاه في المكان قبل أن يسألها : اومال فين عمي صلاح؟!

زمت دعاء شفتيها متظاهرة بعدم المعرفة ، قائلة بلا مبالاة : معرفش .. يمكن راح يشوف باسم فين؟

_صحيح نسيت اسألك يا ماما .. هو عمي عرف منين وجه معاكي استغربت لما شوفته اخر مرة كان مروح مع طنط وسام ؟

أخفضت دعاء نظرها إضطراباً ، وأجابته بكذب ، مختلقة قصة خيالية كالعادة : ااا لا ما هو شكله رجع تاني علي هنا بعد ماوصلوني .. ولما صادفته وانا طلعالك مخضوضة قلق قام طلع يجري ورايا من غير مايفهم

هز عز رأسه متفهمًا ، ثم قال وهو يتنهد بعمق ، محاولًا إخراج التوتر الذي يرتعش في كيانه : طيب انا رايح الحسابات وجاي مش هتأخر عشان اهل مني قربوا زمانهم علي وصول

أومأت دعاء رأسها بالقبول ، قبل أن تراه يغادر بخطوات هادئة.

❈-❈-❈

فى منزل مصطفي

أخفضت سمر جفونها بتوتر إلى المكان المتناثر به زجاج فنجان القهوة المكسور الذى حطمه شقيقها من فرط إستهجانه.

عقدت سمر حاجبيها بجزع من صوت أخيها الهادر بالشتائم والألفاظ النابية القادمة من الحديقة.

حدقت في الخادمة التي كانت تنظف بإرتعاب ، ووقفت مضطربة تنتظرها لتعطيها أوامر أخرى ، فهزت سمر رأسها لها بلا مبالاة قائلة بصوت خافت : ثانكيو ماريا

غادرت الخادمة مسرعة ، وتقدمت سمر نحو توأمها لتجلس بجانبه، وقلبها متقلقل من غضب أخيها الأكبر.

أما مصطفى فقد أمضى الدقائق القليلة الماضية يتحرك ذهابا وإيابا في حديقة المنزل ، بملامحه مكفهرة من شدة غضبه وهو يمسك هاتفه ، ويجري اتصالات هاتفية في محاولة للوصول إلى مصدر هذه الأخبار التي تملأ الصحف والمواقع الإلكترونية ، لكن الإجابات موحدة ، ولا أحد يعرف من يقف وراء هذا الهراء الذي أثار هذه الضجة الكبيرة ، والتى أثرت بالسلب على أسهم شركاته ، فتراجعت بشكل ملحوظ صباح اليوم.

ظل عقله يدور في دوامات حلزونية من التفكير الزائد ، مم جعله يشعر بأنه على حافة الجنون من الغضب من السخونة التى تسيطر على رأسه ، وضع قبضته أسفل ذقنه ، فلابد أن أحد المنافسين قام بفبركة هذه القصة البشعة من أجل تدمير سمعته ، لكن ما ذنبها أن يقترن اسمها بمثل هذه الفضيحة الدنيئة؟

تحرك ذهاباً وإياباً بإضطراب ، وتوالت الأسئلة فى عقله ، فهل وصلها الخبر وعلمت بزواجه؟ لهذا السبب لم ترغب في التحدث معه لمدة يومين!!

زأر مصطفى بحنق بالغ ، وهو يشعر بالعجز أمام نفسه ، تزامناً مع خروج أمه من الشرفة ، لتقترب منه وهي ترنو بصوت هادئ : يا حبيبي اهدا اكيد الموضوع في حاجة غلط وهتتحل..

رد مصطفى بصوت خشن مشحون بالإنفعال ، بعد أن التفت إليها وعيناه محتقنة ، والعروق في جبهته ويديه ظاهرة من شدة سخطه : مش ههدا الا لما اعرف جابو الكلام دا منين وازاي ينشروا كلام وسـ خ زي دا .. ابريل ايه علاقتها بإبن الشندويلي من الاساس

أنهى مصطفى جملته بتشوش تام ، حيث كاد أن يفقد صوابه ، ليتخطى والدته وتوجه إلى الداخل : مصطفي رايح فين استني يا بني .. بس اقعد طيب عشان نفهم

أشرق العزم القاسي فى سواديتيه كالليل الحالك ، وهو يتوعد إلى مرتكب هذه المؤامرة بشدة في داخله قبل أن يقرن أفكاره مع حديثه ، مزمجرًا بصوت يثور من الغضب : نفهم ايه!! انا هطربق الدنيا فوق دماغ كل اللي مسؤليين عن الاخبار المقرفة دي

ربتت على كتفه بحنان ، محاولةً حثه على التعقل والصبر : هو اكيد الموضوع في سوء تفاهم او يمكن ناس عايزين يعملولك شوشرة يا بني

نظر مصطفى إليها مصطفى بذهول وقال بسؤال : قصدك مين يا ماما؟

رفعت الأم كتفيها مشيرة إلى أنها لم تكن متأكدة من ستقول ، لكنها قالت ما قادها إليه مشاعرها : انا مش عايزة اظلم بس الله اعلم يمكن تبقي حنين

رأت ملامحه تتغير فوراً ، وهو ينفي بالإنكار التام : لالا مستحيل حنين تعمل عملة زي دي

عارضت والدته كلامه ، مذهولة من موقفه غير المفهوم : وليه مستحيل ؟! وانت ايه مخليك واثق كدا انها مش هي اللي ورا العملة دي يا مصطفي؟! يا بني انت ماتعرفش الستات في غيرتهم ممكن يعملوا ايه ويطلع منهم ايه

قال معتز ساخراً بتنهيدة : امك في التسخين ايه لوز اللوز وشكلها كدا هتقوم القيامة انهاردة

أشارت له سمر ، تحثه على الصمت : هششش لو سمعوك هيمسكو فيك انت

لوح معتز بيده دون اهتمام ، وقال ببرود ينهض صاعدا غرفته : لا وعلي ايه انا رايح علي اوضتي

همهمت سمر بفم ملتوي ، وهي لا تزال تتابع ما يحدث بهدوء : يكون احسن

تحرك مصطفى نحو باب المنزل ، فنادته الأم قائلة بضيق وأسف : يا مصطفي رايح فين يا بني دا انت مالحقتش تاخد نفسك من السفر

دخل الأب من الباب ، وهو يستمع إلى صوت مصطفى الصارخ غاضبًا ، ليتساءل في ذهول : ايه في ايه حصل ايه يا مصطفي؟

قبل مصطفى رأس والده بخفة ، ثم هتف بسرعة ، وعيناه ممتلئتان بالعزم : مفيش وقت ..معلش يا بابا ماما هتبقي تحكيلك .. بس انا مش هقدر اقعد هروح لإبريل وافهم ايه اللي حصل في غيابي واعرف مين مطلع علينا الكلام الزفت دا..!!!

❈-❈-❈

فى هذا الوقت

عند ابريل

اتسعت عيناها مفاجأة ، ثم استبدلت نظراتها المندهشة بنظرات شرسة ممزوجة بالانزعاج ، وتحدثت بتلقائية لعدم تصديقها لوقاحته : يا بجاحتك يا اخي .. انت كمان جاي تهددني بعد ما كنت هموت في ايدك بسبب تحرشك بيا .. اطلع برا .. اطلع بكرامتك مش طايقة اشوفك

أشارت بإصبعها نحو الباب ، فهزّ باسم رأسه لها بالنفي ، قائلاً بهدوء واستفزاز : انا شايف انك تتعودي تشوفيني من هنا ورايح دا هيسهل عليكي حاجات كتير الفترة الجاية .. ولو مش عايزة انا مش طالع واعملي اللي انتي عايزة .. خلي اهلك يكتشفوا كل حاجة

رمقته ابريل من أعلى إلى أسفل بنظرات ازدراء واضحة ، وهى تبتلع غصة ألم فى حلقة ، بعد أن شعرت أنها ستنخرط مرة أخرى في نوبة بكاء ، لكن آخر شيء أرادت حدوثه هو ان تعرى انكسارها أمام هذا العابث ، لذا بشراسة قامت بصب جام وجعها عليه بتهور ، وهى تتكلم بين أسنانها بقهر مرير : خليهم يكتشفوا ما خلاص اتفضحت ومستقبلي اللي كنت بحاول ابنيه عمري كله بقي كوم تراب في لحظة واحدة بسبب واحد حقير ومنحط زيك

للحظات أحست ببهجة النصر ، وهي ترى العبوس ارتسم على ملامحه ، وقد نجحت في إزالة ابتسامته الاستفزازية من وجهه الوسيم.

أضاءت عيناه الرماديتان بنظرة شرسة جراء إهانتها لكبريائه ، لماذا تقذفه بهذه الاتهامات المسمومة ، وتحمله مسؤولية ما حدث ، الخطأ الذي ارتكبه ما هو إلا رد فعل على ما أقترفته فى المقام الأول ، عند هذا الحد من التفكير الثائر ، هب واقفاً من مقعده فجأة كالذئب المفترس ، وفي أقل من ثانية كان يواجهها ممسكاً بذراعيها بقوة ألمتها ، وملامحها تتقلص في ذعر مفاجئ ، ليهسهس بنفاذ صبر بعد أن فقد آخر ذرة عقل كان يتمسك بها أمام تلك المتمردة : المنحط دا هو الوحيد دلوقتي اللي يقدر يخرجك من الورطة اللي اتورطنا فيها كلنا .. بعد المصايب اللي حصلت من ورا كدبتك يا هانم

تضاعفت إنتفاضة جسدها أكثر بين يديه ، وغامت عيناها بالدموع من جديد ، لتنهمر بلا إرادة على خديها قبل أن تصرخ في انهيار شديد ، وهي تحاول أن تدفعه بعيدا عنها : ابعد عني انت اتجننت ماتقربليش كدا .. اخرج برا قبل ما اصرخ واعمل ليك وليا فضيحة جديدة و..

سارع باسم بوضع كفه فوق فمها ، قاطعاً بقية تهديداتها الشرسة ، وبغتة تحولت نظرته الحادة إلى نظرة أخرى مختلفة ، وبقلب مستهام حدق في عينيها المتسعة ، وكأنها ألقت عليه تعويذة سحرية ، جعلته يقربها منه كما يجذب المغناطيس قطعة معدنية نحوه ، ويميل بوجهه حتى صفعت أنفاسها الساخنة وجهه ، فاجتاحه شعور غريب لم يكن لديه الوقت الكافي لاكتشافه ، قائلا بصوت خرج رخيمًا لا إراديا ، وعيناه الرماديتان مثبتة فى عينيها الفيروزيتين بنظرات عميقة تسببت في ارتعاشات متوترة في جسدها : ماقبلتكيش الا كام مرة .. وكلهم كانوا مواقف ملخبطة وسخيفة ورغم ان كل مرة كان نفسي بجد اقص لسانك فيهم .. بس مش عجبني دلوقتي بصتك ليا اللي كلها خوف دي..

ابتلعت ابريل لعابها بضطراب ، وهي تنظر إليه بعينين مهتزتين وحاجبين مقعدتين ، دليل على عدم رضاها عن كلامه وقربه المربك منها ، لكنه شوش عقلها بحديثه ، فهدأت شهقاتها تدريجيا.

تابع باسم ، وعلامات الجدية بدت على وجهه ، مؤكدا كلامه السابق : والله مابتريقش دا بجد .. نظراتك ليا اللي كلها تحدي وتمرد هي بس اللي عايز اشوفهم

❈-❈-❈

عند أحمد

كان أحمد جالسا في القطار السريع ينتظر وصوله إلى القاهرة بفارغ الصبر ، لقد سئم الانتظار والتفكير فيما حدث لأبريل.

صرف الأفكار السلبية عن عقله المنهك ، وهو يتصفح أحد التطبيقات على الهاتف دون اهتمام

ضاقت عيناه قليلا ، حالما لفت انتباهه شيء ما ، متوقفاً عنده متحققاً مما رآه جيدا ، إذ تظهر إحدى صورها على العديد من المواقع الإلكترونية ، فأخذ بإعادة قراءة المقالات أكثر من مرة حتى تأكد مم فهمه جيداً.

جحظت عيناه بهلع ، وتجمد جسده كأن أحدهم سكب فوق رأسه دلو ماء بارد فى شتاء قارص من قوة الصدمة عليه ، كما لو أنه انفصل بوحشية عن العالم من حوله.

❈-❈-❈

خلال ذلك الوقت

عند هالة

سأل ياسر بسأم ، وعلامات الامتعاض تعلو وجهه : انتي ليه مكبرة الحكاية كدا دا كان مجرد ظرف اتحطيت فيه.. ؟!

صمت ياسر للحظة ، وهو يتنفس بغضب ، بينما كانوا يتبادلون النظرات ، قبل أن تظهر ابتسامة ساخرة على فمه إقترنت بكلماته التالية مصحوبة بالبرود والازدراء : اللي بجد ماكنش يصح هو الاستهتار والاستخفاف منك ومن اهلك ليلة امبارح .. حفلة خطوبتنا باظت بسبب وحدة مانعرفهاش وكمان فضايحها انهاردة مالية المواقع

عقدت هالة حاجبيها بإستغراب مما سمعته ، وتساءلت بعدم فهم : فضايح ايه اللي بتكلم عنها انت .. مش فاهمة حاجة من اللي بتقوله؟

مد يده إليها بالهاتف الذي أخرجه من جيب بنطاله الخلفي ، قائلا بنبرة بطيئة جامدة : خدي اقرأي وهتفهمي يا دكتورة

❈-❈-❈

عند باسم

رفع باسم يده عازمًا على دفع خصلة شاردة على جبهتها خلف أذنها ، لكن قبل أن تصل أصابعه إليها ، دفعتها بحدة بعد أن استيقظت من تشتتها بنظراته المربكة ، لتهتف بنفس الصوت المبحوح : ماتلمسنيش وقولتلك اخرج برا انت مابتسمعش

افاق باسم أيضا من غيبوبته المؤقتة ، وهو يرتد إلى الوراء بإرتباك محملقاً في وجهها الذي يكاد ينفجر من الحرارة والخجل ، وهي تزحف إلى الخلف بتوجس ، وأخذ صدرها يرتفع ويهبط من انفعالها ، وتنفسها يرتجف ، ممَ جعله يأخذ بسرعة كوب الماء الذي تم وضعه بجوار السرير ، وسلمها إياه قبل أن يشير بيده لتهدأ ، وهو يحاول طمأنتها قائلا بقلق وحذر : خلاص خلاص مش هاجي جنبك .. بس بما ان بقي عند علم باللي بيحصل حواليكي محتاجين نتكلم

تناولت ابريل منه الكأس بتردد ، تستشعر نبضها بأطراف أصابعها دون هوادة دون أن تدرى أن من الآن دقت طبول المعمعة قلبها ، وهو لم ينتظر ردها ، بل جلس أمامها مرة أخرى بعد أن مسح شعره بحركة مضطربة ، ونظر إليها بإصرار.

أشاحت ابريل ببصرها بعيدًا ، وهي تزفر بيأس ، قبل أن تشرب كوب الماء ببطء ، وهي تتكئ على الوسادة باستسلام إجبارى ، بعد أن ارتخت ملامحها ، فمن الواضح أنها مهما عبرت عن الغضب والرفض ، تحتج على سماع شيء منه ، فهو لن يصغى إليها.

❈-❈-❈

عند دعاء
أغلقت دعاء باب الغرفة بهدوء ، ثم اتجهت نحو السرير الذي كانت منى مستلقية عليه ، والتي لا تعلم شيئا عما يدور حولها.

جلست دعاء على الكرسي بجانب سريرها ، تنظر إليها ، وتجمعت العبرات في عينيها ، وقلبها يتألمها من الحسرة والندم على ما كانت تخطط له من أجل تزويج ابنها من امرأة أخرى ، هي التي جعلتها تستمع إليها ، وكانت تعلم جيدًا أن ما هي عليه الآن صنعته بيدها في المقام الأول ، وها هى أضافت سبقة جديدة بجانب السوابق الماضية بهذا الفعل الشنيع.

كيف يمكن أن تكون أماً صالحة ، وهي ترتكب جرائم إنسانية بحق كل عزيز عليها؟

ابتسمت دعاء وسط دموعها بحزن ومرارة ، وهي تكلم نفسها قائلة بنبرة باكية : أذيتي نفسك يا دعاء وكل اللي حواليكي اتأذو منك حتي حياة ابنك خربتيها .. خلتيه هو يدفع تمن انانيتك بس ليه بتعيطي ومش مبسوطة ليه؟!!!

زادت الانقباض فى صدرها من الضيق ، والشعور بالذنب يمزق قلبها ، وشعور مرعب يسيطر على كيانها ، وكأن الكون ينهار من حولها ، ولا تستطيع فعل أي شيء لمنع هذا الانهيار ، وهمست بحزن : ياريتك تسامحيني يا مني .. بس ازاي هتسامحيني وانا مش قادرة اسامح نفسي .. وياريتني قادرة اطلب منك اتغفريلي .. بس انا اجبن من اني اقول اني غلطانة .. انا اللي وصلتك اللي انتي فيه وخسرتي ابنك مع انك تستاهليه .. انا اللي ماستاهلش ابقي ام .. انا احقر ام في الدنيا وماستاهلش حب ابني ليا..

ارتفعت شهقاتها الممزقة ، لتتردد صداها في أرجاء الغرفة قبل أن تقطع كلامها ، تزامنا مع شهقة عنيفة أطلقتها ، حالما فوجئت بشخص ما فتح باب الغرفة من خلفها.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close